فصل: باب مَنْ خَالَفَ الطَّرِيقَ إِذَا رَجَعَ يَوْمَ الْعِيدِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب النَّحْرِ وَالذَّبْحِ يَوْمَ النَّحْرِ بِالْمُصَلَّى

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب النحر والذبح بالمصلى يوم النحر‏)‏ أورد فيه حديث ابن عمر في ذلك، قال الزين بن المنير‏:‏ عطف الذبح على النحر في الترجمة وإن كان حديث الباب ورد بأو المقتضية للتردد إشارة إلى أنه لا يمتنع أن يجمع يوم النحر بين نسكين أحدهما مما ينحر والآخر مما يذبح، وليفهم اشتراكهما في الحكم انتهى‏.‏

ويحتمل أن يكون أشار إلى أنه ورد في بعض طرقه بواو الجمع كما سيأتي في كتاب الأضاحي، ويأتي الكلام هناك على فوائده إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب كَلَامِ الْإِمَامِ وَالنَّاسِ فِي خُطْبَةِ الْعِيدِ وَإِذَا سُئِلَ الْإِمَامُ عَنْ شَيْءٍ وَهُوَ يَخْطُبُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب كلام الإمام والناس في خطبة العيد، وإذا سئل الإمام عن شيء وهو يخطب‏)‏ في هذه الترجمة حكمان وظن بعضهم أن فيها تكرارا وليس ذلك، بل الأول الأعم من الثاني، ولم يذكر المصنف الجواب استغناء بما في الحديث، ووجهه من حديث البراء أن المراجعة الصادرة بين أبي بردة وبين النبي صلى الله عليه وسلم دالة على الحكم الأول، وسؤال أبي بردة عن حكم العناق دال على الحكم الثاني‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ جُنْدَبٍ قَالَ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ خَطَبَ ثُمَّ ذَبَحَ فَقَالَ مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيَذْبَحْ أُخْرَى مَكَانَهَا وَمَنْ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ بِاسْمِ اللَّهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن الأسود‏)‏ هو ابن قيس لا ابن يزيد، لأن شعبة لم يلحق ابن يزيد، وجندب هو ابن عبد الله البجلي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال من ذبح‏)‏ هو من جملة الخطبة وليس معطوفا على قوله ‏"‏ ثم ذبح ‏"‏ لئلا يلزم تخلل الذبح بين الخطبة وهذا القول، وليس الواقع ذلك على ما بينه حديث البراء الذي قبله وسيأتي الكلام عليهما في كتاب الأضاحي إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب مَنْ خَالَفَ الطَّرِيقَ إِذَا رَجَعَ يَوْمَ الْعِيدِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من خالف الطريق‏)‏ أي التي توجه منها إلى المصلى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ سَلَامٍ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو تُمَيْلَةَ يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ عَنْ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ تَابَعَهُ يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ فُلَيْحٍ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ عَنْ فُلَيْحٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَدِيثُ جَابِرٍ أَصَحُّ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد‏)‏ كذا للأكثر غير منسوب وفي رواية أبي علي بن السكن حدثنا محمد بن سلام، وكذا للحفصي وجزم به الكلاباذي وغيره، وفي نسخة من أطراف خلف أنه وجد في حاشية أنه محمد بن مقاتل‏.‏

انتهى‏.‏

وكذا هو في رواية أبي علي بن شبويه، والأول هو المعتمد، وقد رواه عن أبي تميلة أيضا - ممن اسمه محمد - محمد بن حميد الرازي لكنه خالف في اسم صحابيه كما سيأتي، وليس هو ممن خرج عنهم البخاري في صحيحه، وأبو تميلة بالمثناة مصغرا مروزي قيل إن البخاري ذكره في الضعفاء لكن لم يوجد ذلك في التصنيف المذكور قاله الذهبي، ثم إنه لم ينفرد به كما سيأتي‏.‏

نعم تفرد به شيخه فليح وهو مضعف عند ابن معين والنسائي وأبي داود ووثقه آخرون فحديثه من قبيل الحسن، لكن له شواهد من حديث ابن عمر وسعد القرظ وأبي رافع وعثمان بن عبيد الله التيمي وغيرهم يعضد بعضها بعضا، فعلى هذا هو من القسم الثاني من قسمي الصحيح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن سعيد بن الحارث‏)‏ هو ابن أبي سعيد بن المعلى الأنصاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا كان يوم عيد خالف الطريق‏)‏ كان تامة، أي إذا وقع‏.‏

وفي رواية الإسماعيلي ‏"‏ كان إذا خرج إلى العيد رجع من غير الطريق الذي ذهب فيه ‏"‏ قال الترمذي‏:‏ أخذ بهذا بعض أهل العلم فاستحبه للإمام، وبه يقول الشافعي‏.‏

انتهى‏.‏

والذي في ‏"‏ الأم ‏"‏ أنه يستحب للإمام والمأموم، وبه قال أكثر الشافعية‏.‏

وقال الرافعي‏:‏ لم يتعرض في الوجيز إلا للإمام ا هـ‏.‏

وبالتعميم قال أكثر أهل العلم، ومنهم من قال إن علم المعنى وبقيت العلة بقي الحكم وإلا انتفى بانتفائها، وإن لم يعلم المعنى بقي الاقتداء‏.‏

وقال الأكثر يبقى الحكم ولو انتفت العلة للاقتداء كما في الرملي وغيره، وقد اختلف في معنى ذلك على أقوال كثيرة اجتمع لي منها أكثر من عشرين، وقد لخصتها وبينت الواهي منها، قال القاضي عبد الوهاب المالكي‏:‏ ذكر في ذلك فوائد بعضها قريب وأكثرها دعاوى فارغة‏.‏

انتهى‏.‏

فمن ذلك أنه فعل ذلك ليشهد له الطريقان وقيل سكانهما من الجن والإنس، وقيل ليسوى بينهما في مزية الفضل بمروره أو في التبرك به أو ليشم رائحة المسك من الطريق التي يمر بها لأنه كان معروفا بذلك، وقيل لأن طريقه للمصلى كانت على اليمين فلو رجع منها لرجع على جهة الشمال فرجع من غيرها وهذا يحتاج إلى دليل، وقيل لإظهار شعار الإسلام فيهما، وقيل لإظهار ذكر الله، وقيل ليغيظ المنافقين أو اليهود، وقيل ليرهبهم بكثرة من معه ورجحه ابن بطال، وقيل حذرا من كيد الطائفتين أو إحداهما، وفيه نظر لأنه لو كان كذلك لم يكرره قاله ابن التين، وتعقب بأنه لا يلزم من مواظبته على مخالفة الطريق المواظبة على طريق منها معين، لكن في رواية الشافعي من طريق المطلب بن عبد الله بن حنطب مرسلا أنه صلى الله عليه وسلم ‏"‏ كان يغدو يوم العيد إلى المصلى من الطريق الأعظم ويرجع من الطريق الأخرى ‏"‏ وهذا لو ثبت لقوى بحث ابن التين، وقيل فعل ذلك ليعمهم في السرور به أو التبرك بمروره وبرؤيته والانتفاع به في قضاء حوائجهم في الاستفتاء أو التعلم والاقتداء والاسترشاد أو الصدقة أو السلام عليهم وغير ذلك، وقيل ليزور أقاربه الأحياء والأموات، وقيل ليصل رحمه، وقيل ليتفاءل بتغير الحال إلى المغفرة والرضا، وقيل كان في ذهابه يتصدق فإذا رجع لم يبق معه شيء فيرجع في طريق أخرى لئلا يرد من يسأله وهذا ضعيف جدا مع احتياجه إلى الدليل، وقيل فعل ذلك لتخفيف الزحام وهذا رجحه الشيخ أبو حامد وأيده المحب الطبري بما رواه البيهقي في حديث ابن عمر فقال فيه ليسع الناس، وتعقب بأنه ضعيف وبأن قوله ليسع الناس يحتمل أن يفسر ببركته وفضله وهذا الذي رجحه ابن التين، وقيل كان طريقه التي يتوجه منها أبعد من التي فيها فأراد تكثير الأجر بتكثير الخطأ في الذهاب وأما في الرجوع فليسرع إلى منزله وهذا اختيار الرافعي، وتعقب بأنه يحتاج إلى دليل وبأن أجر الخطأ يكتب في الرجوع أيضا كما ثبت في حديث أبي بن كعب عند الترمذي وغيره، فلو عكس ما قال لكان له اتجاه ويكون سلوك الطريق القريب للمبادرة إلى فعل الطاعة وإدراك فضيلة أول الوقت، وقيل لأن الملائكة تقف في الطرقات فأراد أن يشهد له فريقان منهم‏.‏

وقال ابن أبي جمرة‏:‏ هو في معنى قول يعقوب لبنيه ‏(‏لا تدخلوا من باب واحد‏)‏ فأشار إلى أنه فعل ذلك حذر إصابة العين وأشار صاحب الهدي إلى أنه فعل ذلك لجميع ما ذكر من الأشياء المحتملة القريبة والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تابعه يونس بن محمد عن فليح وحديث جابر أصح‏)‏ كذا عند جمهور رواة البخاري عن طريق الفربري، وهو مشكل لأن قوله ‏"‏ أصح ‏"‏ يباين قوله ‏"‏ تابعه ‏"‏ إذ لو تابعه لساواه فكيف تتجه الأصحية الدالة على عدم المساواة‏.‏

وذكر أبو علي الجياني أنه سقط قوله ‏"‏ وحديث جابر أصح ‏"‏ من رواية إبراهيم ابن معقل النسفي عن البخاري فلا إشكال فيها قال‏:‏ ووقع في رواية ابن السكن ‏"‏ تابعه يونس بن محمد عن فليح عن سعيد عن أبي هريرة ‏"‏ وفي هذا توجيه قوله أصح، ويبقي الإشكال في قوله تابعه فإنه لم يتابعه بل خالفه، وقد أزال هذا الأشكال أبو نعيم في المستخرج فقال ‏"‏ أخرجه البخاري عن محمد عن أبي تميلة وقال‏:‏ تابعه يونس بن محمد عن فليح‏.‏

وقال محمد بن الصلت‏:‏ عن فليح عن سعيد عن أبي هريرة، وحديث جابر أصح‏"‏‏.‏

وبهذا جزم أبو مسعود في الأطراف، وكذا أشار إليه البرقاني‏.‏

وقال البيهقي‏:‏ إنه وقع كذلك في بعض النسخ وكأنها رواية حماد بن شاكر عن البخاري‏.‏

ثم راجعت رواية النسفي فلم يذكر قوله ‏"‏ وحديث جابر أصح ‏"‏ فسلم من الإشكال وهو مقتضى قول الترمذي ‏"‏ رواه أبو تميلة ويونس بن محمد عن فليح عن سعيد عن جابر ‏"‏ فعلى هذا يكون سقط من رواية الفربري قوله ‏"‏ وقال محمد بن الصلت عن فليح ‏"‏ فقط وبقي ما عدا ذلك، هذا على رواية أبي علي بن السكن، وقد وقع كذلك في نسختي من رواية أبي ذر عن مشايخه، وأما على رواية الباقين فيكون سقط إسناد محمد بن الصلت كله‏.‏

وقال أبو علي الصدفي في حاشية نسخته التي بخطه من البخاري‏:‏ لا يظهر معناه من ظاهر كتاب، وإنما هي إشارة إلى أن أبا تميلة ويونس المتابع له خولفا في سند الحديث وروايتهما أصح، ومخالفهما - وهو محمد بن الصلت - رواه عن فليح شيخهما فخالفهما في صحابيه فقال‏:‏ عن أبي هريرة‏.‏

قلت‏:‏ فيكون معنى قوله ‏"‏ وحديث جابر أصح ‏"‏ أي من حديث من قال فيه عن أبي هريرة، وقد اعترض أبو مسعود في الأطراف على قوله‏:‏ تابعه يونس اعتراضا آخر فقال‏:‏ إنما رواه يونس بن محمد عن فليح عن سعيد عن أبي هريرة لا جابر، وأجيب بمنع الحصر فإنه ثابت عن يونس بن محمد كما قال البخاري أخرجه الإسماعيلي وأبو نعيم في مستخرجيهما من طريق أبي بكر بن أبي شيبة عن يونس وكذا هو في مسنده ومصنفه، نعم رواه ابن خزيمة والحاكم والبيهقي من طريق أخرى عن يونس بن محمد - كما قال أبو مسعود - وكأنه اختلف عليه فيه، وكذا اختلف فيه على أبي تميلة فأخرجه البيهقي من وجه آخر عنه فقال عن أبي هريرة، وأما رواية محمد بن الصلت المشار إليها فوصلها الدارمي وسمويه كلاهما عنه والترمذي وابن السكن والعقيلي كلهم من طريقه بلفظ ‏"‏ كان إذا خرج يوم العيد في طريق رجع في غيره ‏"‏ وذكر أبو مسعود أن الهيثم بن جميل رواه عن فليح - كما قال ابن الصلت - عن أبي هريرة‏.‏

والذي يغلب على الظن أن الاختلاف فيه من فليح فلعل شيخه سمعه من جابر ومن أبي هريرة، ويقوى ذلك اختلاف اللفظين، وقد رجح البخاري أنه عن جابر وخالفه أبو مسعود والبيهقي فرجحا أنه عن أبي هريرة ولم يظهر لي في ذلك ترجيح والله أعلم‏.‏

*3*باب إِذَا فَاتَهُ الْعِيدُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَكَذَلِكَ النِّسَاءُ وَمَنْ كَانَ فِي الْبُيُوتِ وَالْقُرَى

لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَأَمَرَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ مَوْلَاهُمْ ابْنَ أَبِي عُتْبَةَ بِالزَّاوِيَةِ فَجَمَعَ أَهْلَهُ وَبَنِيهِ وَصَلَّى كَصَلَاةِ أَهْلِ الْمِصْرِ وَتَكْبِيرِهِمْ وَقَالَ عِكْرِمَةُ أَهْلُ السَّوَادِ يَجْتَمِعُونَ فِي الْعِيدِ يُصَلُّونَ رَكْعَتَيْنِ كَمَا يَصْنَعُ الْإِمَامُ وَقَالَ عَطَاءٌ إِذَا فَاتَهُ الْعِيدُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا فاته العيد‏)‏ أي مع الإمام ‏(‏يصلي ركعتين‏)‏ ‏.‏

في هذه الترجمة حكمان‏:‏ مشروعية استدراك صلاة العيد إذا فاتت مع الجماعة سواء كان بالاضطرار أو بالاختيار، وكونها تقضي ركعتين كأصلها، وخالف في الأول جماعة منهم المزني فقال‏:‏ لا تقضي، وفي الثاني الثوري وأحمد قالا‏:‏ إن صلاها وحده صلى أربعا، ولهما في ذلك سلف‏:‏ قال ابن مسعود ‏"‏ من فاته العيد مع الإمام فليصل أربعا ‏"‏ أخرجه سعيد بن منصور بإسناد صحيح‏.‏

وقال إسحاق‏:‏ إن صلاها في الجماعة فركعتين وإلا فأربعا‏.‏

قال الزين بن المنير‏:‏ كأنهم قاسوها على الجمعة، لكن الفرق ظاهر لأن من فاتته الجمعة يعود لفرضه من الظهر، بخلاف العيد‏.‏

انتهى‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ يتخير بين القضاء والترك وبين الثنتين والأربع‏.‏

وأورد البخاري في هذا حديث عائشة في قصة الجاريتين المغنيتين، وأشكلت مطابقته للترجمة على جماعة‏.‏

وأجاب ابن المنير بأن ذلك يؤخذ من قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏إنها أيام العيد ‏"‏ فأضاف نسبة العيد إلى اليوم فيستوي في إقامتها الفذ والجماعة والنساء والرجال، قال ابن رشد‏:‏ وتتمته أن يقال إنها أيام عيد أي لأهل الإسلام بدليل قوله في الحديث الآخر ‏"‏ عيدنا أهل الإسلام ‏"‏ ولهذا ذكره البخاري في صدر الباب، وأهل الإسلام شامل لجميعهم أفرادا وجمعا، وهذا يستفاد منه الحكم الثاني لا مشروعية القضاء، قال‏:‏ والذي يظهر لي أنه أخذ مشروعية القضاء من قوله ‏"‏ فإنها أيام عيد ‏"‏ أي أيام منى، فلما سماها أيام عيد كانت محلا لأداء هذه الصلاة، لأنها شرعت ليوم العيد فيستفاد من ذلك أنها تقع أداء وأن لوقت الأداء آخرا وهو آخر أيام منى‏.‏

قال‏:‏ ووجدت بخط أبي القاسم بن الورد‏:‏ لما سوغ صلى الله عليه وسلم للنساء راحة العيد المباحة كان آكد أن يندبهن إلى صلاته في بيوتهن قوله في الترجمة ‏"‏ وكذلك النساء ‏"‏ مع قوله في الحديث ‏"‏ دعهما فإنها أيام عيد‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ومن كان في البيوت والقرى‏)‏ يشير إلى مخالفة ما روى عن علي ‏"‏ لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع ‏"‏ وقد تقدم في ‏"‏ باب فضل العمل في أيام التشريق ‏"‏ عن الزهري ‏"‏ ليس على المسافر صلاة عيد ‏"‏ ووجه مخالفته كون عموم الحديث المذكور يخالف ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لقول النبي صلى الله عليه وسلم هذا عيدنا أهل الإسلام‏)‏ هذا الحديث لم أره هكذا، وإنما أوله في حديث عائشة في قصة المغنيتين، وقد تقدم في ثالث الترجمة من كتاب العيدين بلفظ ‏"‏ إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا ‏"‏ وأما باقيه فلعله مأخوذ من حديث عقبة بن عامر مرفوعا ‏"‏ أيام منى عيدنا أهل الإسلام ‏"‏ وهو في السنن وصححه ابن خزيمة، وقوله ‏"‏أهل الإسلام ‏"‏ بالنصب على أنه منادى مضاف حذف منه حرف النداء، أو بإضمار أعني أو أخص، وجوز فيه أبو البقاء في إعراب المسند الجر على أنه بدل من الضمير في قوله عيدنا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأمر أنس بن مالك مولاه‏)‏ في رواية المستملي ‏"‏ مولاهم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ابن أبي غنية‏)‏ كذا لأبي ذر بالمعجمة والنون بعدها تحتانية مثقلة، وللأكثر بضم المهملة وسكون المثناة بعدها موحدة وهو الراجح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بالزاوية‏)‏ بالزاي موضع على فرسخين من البصرة كان به لأنس قصر وأرض وكان يقيم هناك كثيرا وكانت بالزاوية وقعة عظيمة بين الحجاج وابن الأشعث‏.‏

وهذا الأثر وصله ابن أبي شيبة ‏"‏ عن ابن علية عن يونس هو ابن عبيد حدثني بعض آل أنس أن أنسا كان ربما جمع أهله وحشمه يوم العيد فيصلي بهم عبد الله بن أبي عتبة مولاه ركعتين ‏"‏ والمراد بالبعض المذكور عبد الله بن أبي بكر بن أنس، روى البيهقي من طريقه قال ‏"‏ كان أنس إذا فاته العيد مع الإمام جمع أهله فصلى بهم مثل صلاة الإمام في العيد‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال عكرمة‏)‏ وصله ابن أبي شيبة من طريق قتادة عنه قال في القوم يكونون في السواد وفي السفر في يوم عيد فطر أو أضحى قال‏:‏ يجتمعون ويؤمهم أحدهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال عطاء‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ وكان عطاء ‏"‏ والأول أصح، فقد رواه الفريابي في مصنفه عن الثوري عن ابن جريج عن عطاء قال ‏"‏ من فاته العيد فليصل ركعتين ‏"‏ وأخرجه ابن أبي شيبة من وجه آخر عن ابن جريج وزاد ‏"‏ ويكبر‏"‏، وهذه الزيادة تشير إلى أنها تقضي كهيئتها لا أن الركعتين مطلق نفل‏.‏

وأما حديث عائشة فتقدم الكلام عليه مستوفي في أوائل كتاب العيدين، وقوله فيه ‏"‏ وقالت عائشة ‏"‏ معطوف على الإسناد المذكور كما تقدم بيانه، وقوله ‏"‏فزجرهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ دعهم ‏"‏ كذا في الأصول بحذف فاعل زجرهم، ووقع في رواية كريمة ‏"‏ فزجرهم عمر ‏"‏ كذا هنا، وسيأتي بهذا الإسناد في أوائل المناقب بحذفه أيضا للجميع، وضبب النسفي بين زجرهم وبين فقال إشارة إلى الحذف، وقد ثبت بلفظ عمر في طرق أخرى كما تقدم في أوائل العيدين، وقول فيه ‏"‏ أمنا ‏"‏ بسكون الميم ‏(‏يعني من الأمن‏)‏ يشير إلى أن المعنى اتركهم من جهة إنا آمناهم أمنا، أو أراد أنه مشتق من الأمن لا من الأمان الذي للكفار، والله أعلم‏.‏

*3*باب الصَّلَاةِ قَبْلَ الْعِيدِ وَبَعْدَهَا

وَقَالَ أَبُو الْمُعَلَّى سَمِعْتُ سَعِيدًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ كَرِهَ الصَّلَاةَ قَبْلَ الْعِيدِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الصلاة قبل العيد وبعدها‏)‏ أورد فيه أثر ابن عباس أنه كره الصلاة قبل العيد وحديثه المرفوع في ترك الصلاة قبلها وبعدها ولم يجزم بحكم ذلك لأن الأثر يحتمل أن يراد به منع التنفل أو نفي الراتبة، وعلى المنع فهل هو لكونه وقت كراهة أو لأعم من ذلك‏.‏

ويؤيد الأول الاقتصار على القبل، وأما الحديث فليس فيه ما يدل على المواظبة فيحتمل اختصاصه بالإمام دون المأموم أو بالمصلى دون البيت، وقد اختلف السلف في جميع ذلك فذكر ابن المنذر عن أحمد أنه قال‏:‏ الكوفيون يصلون بعدها لا قبلها، والبصريون يصلون قبلها لا بعدها، والمدنيون لا قبلها ولا بعدها‏.‏

وبالأول قال الأوزاعي والثوري والحنفية، وبالثاني قال الحسن البصري وجماعة، وبالثالث قال الزهري وابن جريج وأحمد‏.‏

وأما مالك فمنعه في المصلى، وعنه في المسجد روايتان‏.‏

وقال الشافعي في الأم - ونقله البيهقي عنه في المعرفة بعد أن روى حديث ابن عباس حديث الباب - ما نصه‏:‏ وهكذا يحب للإمام أن لا يتنفل قبلها ولا بعدها، وأما المأموم فمخالف له في ذلك‏.‏

ثم بسط الكلام في ذلك‏.‏

وقال الرافعي‏:‏ يكره للإمام التنفل قبل العيد وبعدها، وقيده في البويطي بالمصلى، وجرى على ذلك الصيمري فقال‏:‏ لا بأس بالنافلة قبلها وبعدها مطلقا إلا للإمام في موضع الصلاة، وأما النووي في شرح مسلم فقال‏:‏ قال الشافعي وجماعة من السلف لا كراهة في الصلاة قبلها ولا بعدها، فإن حمل كلامه على المأموم وإلا فهو مخالف لنص الشافعي المذكور، ويؤيد ما في البويطي حديث أبي سعيد ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي قبل العيد شيئا، فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين ‏"‏ أخرجه ابن ماجه بإسناد حسن، وقد صححه الحاكم، وبهذا قال إسحاق، ونقل بعض المالكية الإجماع على أن الإمام لا يتنفل في المصلى‏.‏

وقال ابن العربي‏:‏ التنفل في المصلى لو فعل لنقل، ومن أجازه رأى أنه وقت مطلق للصلاة، ومن تركه رأى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله، ومن اقتدى فقد اهتدى انتهى‏.‏

والحاصل أن صلاة العيد لم يثبت لها سنة قبلها ولا بعدها خلافا لمن قاسها على الجمعة، وأما مطلق النفل فلم يثبت فيه منع بدليل خاص إلا إن كان ذلك في وقت الكراهة الذي في جميع الأيام، والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو المعلى‏)‏ بضم الميم وتشديد اللام المفتوحة اسمه يحيى بن ميمون العطار الكوفي، وليس له عند البخاري سوى هذا الموضع، ولم أقف على أثره هذا موصولا‏.‏

وقد تقدم حديث ابن عباس المرفوع بأتم من هذا السياق في ‏"‏ باب الخطبة بعد العيد‏"‏‏.‏

‏(‏خاتمة‏)‏ ‏:‏ اشتمل كتاب العيدين من الأحاديث المرفوعة على خمسة وأربعين حديثا، المعلق منها أربعة والبقية موصولة، المكرر منها فيه وفيما مضى ستة وعشرون والبقية خالصة، وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث أنس في أكل التمر قبل صلاة عيد الفطر، وحديث ابن عمر في قصته مع الحجاج، وحديث ابن عباس في العمل في ذي الحجة، حديث ابن عمر في الذبح بالمصلى‏.‏

وحديث جابر في مخالفة الطريق، وأما حديث عقبة بن عامر المشار إليه في الباب الماضي فإن كان مرادا زادت العدة واحدا معلقا، وليس هو في مسلم، وفيه من الآثار عن الصحابة والتابعين ثلاثة وعشرون أثرا معلقة إلا أثر أبي بكر وعمر وعثمان في الصلاة قبل الخطبة فإنها موصولة في حديث ابن عباس‏.‏

والله الهادي إلى الصواب‏.‏