فصل: باب هَلْ يَقْضِي الْقَاضِي أَوْ يُفْتِي وَهُوَ غَضْبَانُ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب مَنْ اسْتُرْعِيَ رَعِيَّةً فَلَمْ يَنْصَحْ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب من استرعى‏)‏ بضم المثناة على البناء للمجهول‏.‏

قوله ‏(‏رعية فلم ينصح‏)‏ أي لها‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا أَبُو الْأَشْهَبِ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زِيَادٍ عَادَ مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَقَالَ لَهُ مَعْقِلٌ إِنِّي مُحَدِّثُكَ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَا مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعَاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً فَلَمْ يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ إِلَّا لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏أبو الأشهب‏)‏ هو جعفر بن حبان بمهملة وتحتانية ثقيلة‏.‏

قوله ‏(‏عن الحسن‏)‏ هو البصري‏.‏

وفي رواية الإسماعيلي من طريق شيبان عن أبي الأشهب ‏"‏ حدثنا الحسن‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏أن عبيد الله بن زياد‏)‏ يعني أم البصرة في زمن معاوية وولده يزيد، ووقع في رواية هشام المذكورة بعد هذه ما يدل على أن الحسن حضر ذلك من عبيد الله بن زياد عند معقل‏.‏

قوله ‏(‏عاد معقل بن يسار‏)‏ بتحتانية ثم مهملة خفيفة هو المزني الصحابي المشهور‏.‏

قوله ‏(‏في مرضه الذي مات فيه‏)‏ كانت وفاة معقل بالبصرة فيما ذكره البخاري في الأوسط ما بين الستين إلى السبعين وذلك في خلافة يزيد بن معاوية‏.‏

قوله ‏(‏فقال له معقل‏:‏ إني محدثك حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ زاد مسلم عن شيبان بن فروخ عن أبي الأشهب ‏"‏ لو علمت أن لي حياة ما حدثتك‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏يسترعيه الله‏)‏ في نسخة الصغاني ‏"‏ استرعاه‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏فلم يحطها‏)‏ بفتح أوله وضم الحاء وسكون الطاء المهملتين أي يكلؤها أو يصنها وزنه ومعناه والاسم الحياطة يقال حاطه إذا استولى عليه وأحاط به مثله‏.‏

قوله ‏(‏بنصحه‏)‏ كذا للأكثر بهاء الضمير‏.‏

وفي رواية المستملي ‏"‏ بالنصيحة ‏"‏ ووقع لمسلم في رواية شيبان ‏"‏ يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏لم يجد‏)‏ في نسخة الصغاني ‏"‏ إلا لم يجد ‏"‏ بزيادة إلا ‏(‏رائحة الجنة‏)‏ زاد في رواية الطبراني من حديث عبد الله بن مغفل ‏"‏ وعرفها يوجد يوم القيامة من مسيرة سبعين عاما ‏"‏ ووقع رواية مسلم ‏"‏ إلا حرم الله عليه الجنة ‏"‏ وله مثله من طريق يونس بن عبيد عن الحسن‏.‏

قال الكرماني مفهوم الحديث أنه يجدها، وهو عكس المقصود، والجواب أن ‏"‏ إلا ‏"‏ مقدرة أي إلا لم يجد، والخبر محذوف والتقدير ما من عبد فعل كذا إلا حرم الله عليه الجنة ولم يجد رائحة الجنة استئناف كالمفسر له، أو ليست ما للنفي، وجازت زيادة من للتأكيد في الإثبات عند بعض النحاة، وقد ثبت ‏"‏ إلا ‏"‏ في بعض النسخ‏.‏

قلت‏:‏ لم يقع الجمع بين اللفظين المتوعد بهما في طريق واحدة، فقوله ‏"‏ لم يجد رائحة الجنة ‏"‏ وقع في رواية أبي الأشهب، وقوله ‏"‏حرم الله عليه الجنة ‏"‏ وقع في رواية هشام، فكأنه أراد أن الأصل في الحديث الجمع بين اللفظين فحفظ بعض ما لم يحفظ بعض وهو محتمل، لكن الظاهر أنه لفظ واحد تصرفت فيه الرواة‏.‏

وزاد مسلم في آخره قال ‏"‏ ألا كنت حدثتني هذا قبل اليوم‏؟‏ قال‏:‏ لم أكن لأحدثك ‏"‏ قيل سبب ذلك هو ما وصفه به الحسن البصري من سفك الدماء، ووقع في رواية الإسماعيلي من الوجه الذي أخرجه مسلم ‏"‏ لولا أني ميت ما حدثتك ‏"‏ فكأنه كان يخشى بطشه، فلما نزل به الموت أراد أن يكف بذلك بعض شره عن المسلمين، وإلى ذلك وقعت الإشارة في رواية لمسلم من طريق أبي المليح ‏"‏ أن عبيد الله بن زياد عاد معقل بن يسار ‏"‏ فقال له معقل‏:‏ ‏"‏ لولا أني في الموت ما حدثتك ‏"‏ وقد أخرج الطبراني في الكبير من وجه آخر عن الحسن قال ‏"‏ لما قدم علينا عبيد الله بن زياد أميرا أمره علينا معاوية غلاما سفيها يسفك الدماء سفكا شديدا وفينا عبد الله بن مغفل المزني، فدخل عليه ذات يوم فقال له‏:‏ انته عما أراك تصنع، فقال له‏:‏ وما أنت وذاك‏؟‏ قال ثم خرج إلى المسجد فقلنا له‏:‏ ما كنت تصنع بكلام هذا السفيه على رءوس الناس‏؟‏ فقال إنه كان عندي علم فأحببت أن لا أموت حتى أقول به على رءوس الناس، ثم قام فما لبث أن مرض مرضه الذي توفي فيه فأتاه عبيد الله بن زياد يعوده ‏"‏ فذكر نحو حديث الباب، فيحتمل أن تكون القصة وقعت للصحابيين‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَخْبَرَنَا حُسَيْنٌ الْجُعْفِيُّ قَالَ زَائِدَةُ ذَكَرَهُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ أَتَيْنَا مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ نَعُودُهُ فَدَخَلَ عَلَيْنَا عُبَيْدُ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ مَعْقِلٌ أُحَدِّثُكَ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا مِنْ وَالٍ يَلِي رَعِيَّةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَيَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لَهُمْ إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏قال زائدة ذكره هشام‏)‏ هو بحذف قال الثانية والتقدير‏:‏ قال الحسين الجعفي قال زائدة ذكره أي الحديث الذي سيأتي هشام وهو ابن حسان، ووقع في رواية مسلم عن القاسم بن زكريا عن الحسين الجعفي بالعنعنة في جميع السند، وحاصل الروايتين أنه أثبت الغش في إحداهما، ونفى النصيحة في الأخرى فكأنه لا واسطة بينهما، ويحصل ذلك بظلمه لهم بأخذ أموالهم أو سفك دمائهم أو انتهاك أعراضهم وحبس حقوقهم وترك تعريفهم ما يجب عليهم في أمر دينهم ودنياهم وبإهمال إقامة الحدود فيهم وردع المفسدين منهم وترك حمايتهم ونحو ذلك‏.‏

قوله ‏(‏فقال له معقل أحدثك حديثا‏)‏ قد ذكرت زيادة أبي المليح عند مسلم‏.‏

قوله ‏(‏ما من وال يلي رعية من المسلمين إلخ‏)‏ وقع في رواية أبي المليح ‏"‏ ما من أمير ‏"‏ بدل ‏"‏ وال ‏"‏ وقال فيه ‏"‏ ثم لا يجد له ‏"‏ بجيم ودال مشددة من الجد بالكسر ضد الهزل‏.‏

وقال فيه ‏"‏ إلا لم يدخل معهم الجنة ‏"‏ وللطبراني في الأوسط ‏"‏ فلم يعدل فيهم إلا كبه الله على وجهه في النار ‏"‏ قال ابن التين‏:‏ يلي جاء على غير القياس لأن ماضيه ولي بالكسر ومستقبله يولى بالفتح وهو مثل ورث يرث‏.‏

وقال ابن بطال‏:‏ هذا وعيد شديد على أئمة الجور فمن ضيع من استرعاه الله أو خانهم أو ظلمهم فقد توجه إليه الطلب بمظالم العباد ‏"‏ يوم القيامة ‏"‏ فكيف يقدر على التحلل من ظلم أمة عظيمة ومعنى ‏"‏ حرم الله عليه الجنة ‏"‏ أي أنفذ الله عليه الوعيد ولم يرض عنه المظلومين‏.‏

ونقل ابن التين عن الداودي نحوه قال‏:‏ ويحتمل أن يكون هذا في حق الكافر لأن المؤمن لا بد له من نصيحة‏.‏

قلت‏:‏ وهو احتمال بعيد جدا، والتعليل مردود، فالكافر أيضا قد يكون ناصحا فيما تولاه ولا يمنعه ذلك الكفر‏.‏

وقال غيره‏:‏ يحمل على المستحل، والأولى أنه محمول على غير المستحل وإنما أريد به الزجر والتغليظ، وقد وقع في رواية لمسلم بلفظ ‏"‏ لم يدخل معهم الجنة ‏"‏ وهو يؤيد أن المراد أنه لا يدخل الجنة وقت دون وقت‏:‏ وقال الطيبي‏:‏ الفاء في قوله ‏"‏ فلم يحطها ‏"‏ وفي قوله ‏"‏ فيموت ‏"‏ مثل اللام في قوله ‏(‏فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا‏)‏ وقوله وهو غاش ‏"‏ قيد للفعل مقصود بالذكر يريد أن الله إنما ولاه على عباده ليديم لهم النصيحة لا ليغشهم حتى يموت على ذلك، فلما قلب القضية استحق أن يعاقب‏.‏

*3*باب مَنْ شَاقَّ شَقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب من شاق شق الله عليه‏)‏ في رواية النسفي ‏"‏ من شق ‏"‏ بغير ألف، والمعنى من أدخل على الناس المشقة أدخل الله عليه المشقة فهو من الجزاء بجنس العمل‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْوَاسِطِيُّ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ طَرِيفٍ أَبِي تَمِيمَةَ قَالَ شَهِدْتُ صَفْوَانَ وَجُنْدَبًا وَأَصْحَابَهُ وَهُوَ يُوصِيهِمْ فَقَالُوا هَلْ سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ وَمَنْ يُشَاقِقْ يَشْقُقْ اللَّهُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالُوا أَوْصِنَا فَقَالَ إِنَّ أَوَّلَ مَا يُنْتِنُ مِنْ الْإِنْسَانِ بَطْنُهُ فَمَنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَأْكُلَ إِلَّا طَيِّبًا فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يُحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ بِمِلْءِ كَفِّهِ مِنْ دَمٍ أَهْرَاقَهُ فَلْيَفْعَلْ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ مَنْ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُنْدَبٌ قَالَ نَعَمْ جُنْدَبٌ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏خالد‏)‏ هو ابن عبد الله الطحان‏.‏

قوله ‏(‏عن الجريري‏)‏ بضم الجيم هو سعيد بن إياس، ولم يخرج البخاري للعباس الجريري شيئا وهو من هذه الطبقة، وخالد الطحان معدود فيمن سمع من سعيد الجريري قبل الاختلاط، وكانت وفاة الجريري سنة أربع وأربعين ومائة واختلط قبل موته بثلاث سنين‏.‏

وقال أبو عبيد الآجري عن أبي داود‏:‏ من أدرك أيوب فسماعه من الجريري جيد‏.‏

قلت‏:‏ وخالد قد أدرك أيوب فإن أيوب لما مات كان خالد المذكور ابن إحدى وعشرين سنة‏.‏

قوله ‏(‏عن طريف‏)‏ بالطاء المهملة وزن عظيم‏.‏

قوله ‏(‏أبي تميمة‏)‏ بالمثناة وزن عظيمة، هو ابن مجالد بضم الميم وتخفيف الجيم الهجيمي بالجيم مصغر نسبة إلى بني الهجيم بطن من تيمم وكان مولاهم، وهو بصري ماله في البخاري عن أحد من الصحابة إلا هذا الحديث، وله حديث آخر تقدم في الأدب من روايته عن أبي عثمان النهدي‏.‏

قوله ‏(‏شهدت صفوان‏)‏ هو ابن محرز بن زياد التابعي الثقة المشهور من أهل البصرة‏.‏

قوله ‏(‏وجندبا‏)‏ هو ابن عب الله البجلي الصحابي المشهور وكان من أهل الكوفة ثم تحول إلى البصرة قاله الكلاباذي‏.‏

قوله ‏(‏وأصحابه‏)‏ أي أصحاب صفوان‏.‏

قوله ‏(‏وهو‏)‏ أي جندب ‏(‏يوصيهم‏)‏ ذكره المزي في الأطراف بلفظ ‏"‏ شهدت صفوان وأصحابه وجندبا يوصيهم ‏"‏ ووقع في صحيح مسلم من طريق خالد بن عبد الله بن محرز عن عمه صفوان بن محرز أن جندب بن عبد الله بعث إلى عسعس بن سلامة زمن فتنة ابن الزبير فقال‏:‏ اجمع لي نفرا من إخواني حتى أحدثهم، فذكر القصة في تحديثه لهم بقصة الذي حمل على رجل فقال لا إله إلا الله فقتله، وأظن أن القصتين واحدة، ويجمعهما أنه حذرهم من التعرض لقتل المسلم، وزمن فتنة ابن الزبير كانت عقب موت يزيد ابن معاوية‏.‏

ووقع عند الطبراني من طريق ليث بن أبي سليم عن صفوان بن محرز عن جندب بن عبد الله أنه مر بقوم فقال‏:‏ ائتني بنفر من قراء القرآن وليكونوا شيوخا، قال فأتيته بنافع بن الأزرق وأبي بلال مرداس ونفر معهما ستة أو ثمانية فقال‏:‏ إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الحديث‏.‏

قلت‏:‏ وأخرجه أيضا من طريق الأعمش عن أبي تميمة أنه انطلق مع جندب إلى البصرة فقال‏:‏ هل كنت تدارس أحدا القرآن‏؟‏ قلت‏:‏ نعم، قال فائتني بهم، قال فأتيته بنافع وأبي بلال مرداس ونجدة وصالح بن مشرح فأنشأ يحدث‏.‏

قلت‏:‏ وهؤلاء الأربعة من رءوس الخوارج الذين خرجوا إلى مكة لنصر ابن الزبير لما جهز إليه يزيد ابن معاوية الجيوش فشهدوا معه الحصار الأول، فلما جاءهم الخبر بموت يزيد بن معاوية سألوا ابن الزبير عن قوله في عثمان فأثنى عليه فغضبوا وفارقوه، فحجوا‏.‏

وخرج نجدة باليمامة فغلب عليها وعلى بعض بلاد الحجاز، وخرج نافع بن الأزرق بالعراق فدامت فتنته مدة‏.‏

وأما أبو بلال مرداس فكان خرج على عبيد الله ابن زياد قبل ذلك فقتله‏.‏

قوله ‏(‏من سمع سمع الله به يوم القيامة‏)‏ قلت تقدم هذا المتن من حديث جندب من وجه آخر مع شرحه في ‏"‏ باب الرياء والسمعة ‏"‏ من ‏"‏ كتاب الرقاق ‏"‏ وفيه ‏"‏ ومن رايا ‏"‏ ولم يقع فيه مقصود هذا الباب‏.‏

قوله ‏(‏ومن شاق شق الله عليه‏)‏ كذا للكشميهني، وللسرخسي والمستملي ‏"‏ ومن يشاقق يشقق الله عليه ‏"‏ بصيغة المضارعة وبفك القاف في الموضعين‏.‏

وفي رواية الطبراني عن أحمد بن زهير التستري عن إسحاق ابن شاهين شيخ البخاري فيه ‏"‏ ومن يشاقق يشق الله عليه‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏فقالوا‏:‏ أوصنا، فقال‏:‏ إن أول ما ينتن من الإنسان بطنه‏)‏ يعني بعد الموت، وصرح به في رواية صفوان بن محرز عن جندب ولفظه ‏"‏ واعلموا أن أول ما ينتن من أحدكم إذا مات بطنه‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏فمن استطاع أن لا يأكل إلا طيبا فليفعل‏)‏ في رواية صفوان ‏"‏ فلا يدخل بطنه إلا طيبا ‏"‏ هكذا وقع هذا الحديث من هذا الوجه موقوفا، وكذا أخرجه الطبراني من طريق قتادة عن الحسن - هو البصري - عن جندب موقوفا، وأخرجه من طريق صفوان بن محرز وسياقه يحتمل الرفع والوقف فإنه صدر بقوله ‏"‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من سمع ‏"‏ الحديث ‏"‏ واعلموا أن أول ما ينتن ‏"‏ وينتن بنون ومثناة وضم أوله من الرباعي وماضيه أنتن ونتن والنتن الرائحة الكريهة‏.‏

قوله ‏(‏ومن استطاع أن لا يحال بينه وبين الجنة بملء كف‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ يحول ‏"‏ وبلفظ ‏"‏ ملء ‏"‏ بغير موحدة، ووقع في رواية كريمة والأصيلي ‏"‏ كفه‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏من دم هراقه‏)‏ أي صبه ‏(‏فليفعل‏)‏ قال ابن التين‏:‏ وقع في روايتنا ‏"‏ أهراقه ‏"‏ وهو بفتح الهمزة وكسرها‏.‏

قلت‏:‏ هي لمن عدا أبا ذر، كذا وقع هذا المتن أيضا موقوفا، وكذا أخرجه الطبراني من طريق صفوان بن محرز ومن طريق قتادة عن الحسن عن جندب موقوفا، وزاد الحسن بعد قوله يهريقه ‏"‏ كأنما يذبح دجاجة، كلما تقدم لباب من أبواب الجنة حال بينه وبينه ‏"‏ ووقع مرفوعا عند الطبراني أيضا من طريق إسماعيل بن مسلم عن الحسن عن جندب ولفظه ‏"‏ تعلمون أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ لا يحولن بين أحدكم وبين الجنة وهو يراها ملء كف دم من مسلم أهراقه بغير حله ‏"‏ وهذا لو لم يرد مصرحا برفعه لكان في حكم المرفوع لأنه لا يقال بالرأي، وهو وعيد شديد لقتل المسلم بغير حق‏.‏

قال الكرماني‏:‏ في معنى قوله ‏"‏ ملء كف من دم ‏"‏ هو عبارة عن مقدار دم إنسان واحد، كذا قال ومن أين هذا الحصر‏؟‏ والمتبادر أن ذكر ملء الكف كالمثال وإلا فلو كان دون ذلك لكان الحكم كذلك‏.‏

وعند الطبراني من حديث الأعمش عن أبي تميمة ‏"‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحولن بين أحدكم وبين الجنة ‏"‏ فذكر نحو رواية الجريري وزاد في آخره ‏"‏ قال فبكى القوم، فقال جندب‏:‏ لم أر كاليوم قط قوما أحق بالنجاة من هؤلاء إن كانوا صادقين ‏"‏ قلت‏:‏ ولعل هذا هو السر في تصديره كلامه بحديث ‏"‏ من سمع ‏"‏ وكأنه تفرس فيهم ذلك، ولهذا قال ‏"‏ إن كانوا صادقين ‏"‏ ولقد صدقت فراسته فإنهم لما خرجوا بذلوا السيف في المسلمين وقتلوا الرجال والأطفال وعظم البلاء بهم، كما تقدمت إليه الإشارة في ‏"‏ كتاب المحاربين ‏"‏ قال ابن بطال‏:‏ المشاقة في اللغة مشتقة من الشقاق وهو الخلاف، ومنه قوله تعالى ‏(‏ومن يشاقق الرسول من بعدما تبين له الهدى‏)‏ والمراد بالحديث النهي عن القول القبيح في المؤمنين وكشف مساويهم وعيوبهم وترك مخالفة سبيل المؤمنين ولزوم جماعتهم والنهي عن إدخال المشقة عليهم والإضرار بهم، قال صاحب العين‏:‏ شق الأمر عليك مشقة أضر بك انتهى وظاهره أنه جعل المشقة والمشاقة بمعنى واحد، وليس كذلك فقد جوز الخطابي في هذا أن تكون المشقة من الإضرار فيحمل الناس على ما يشق عليهم، وأن تكون من الشقاق وهو الخلاف ومفارقة الجماعة وهو أن يكون في شق أي ناحية عن الجماعة، ورجح الداودي الثاني، ومن الأول قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة ‏"‏ اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه ‏"‏ أخرجه مسلم، ووقع لغير أبي ذر في آخر هذا الحديث‏.‏

قلت‏:‏ لأبي عبد الله من يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم جندب‏؟‏ قال‏:‏ نعم جندب انتهى‏.‏

وأبو عبد الله المذكور هو المصنف، والسائل له الفربري، وقد خلت رواية النسفي عن ذلك‏.‏

وقد سيق من الطرق التي أوردتها ما يصرح بأن جندبا هو القائل، وليس فيمن سمى في هذه القصة أحد من الصحابة غيره‏.‏

*3*باب الْقَضَاءِ وَالْفُتْيَا فِي الطَّرِيقِ

وَقَضَى يَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ فِي الطَّرِيقِ وَقَضَى الشَّعْبِيُّ عَلَى بَابِ دَارِهِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب القضاء والفتيا في الطريق‏)‏ كذا سوى بينهما، والأثران المذكوران في الترجمة صريحان فيما يتعلق بالقضاء، والحديث المرفوع يؤخذ منه جواز الفتيا فيلحق به الحكم‏.‏

قوله ‏(‏وقضى يحيى بن يعمر‏)‏ بفتح الميم هو التابعي الجليل المشهور، وكان من أهل البصرة فانتقل إلى مرو بأمر الحجاج فولى قضاء مرو لقتيبة بن مسلم، وكان من أهل الفصاحة والورع، قال الحاكم‏:‏ قضى في أكثر مدن خراسان، وكان إذا تحول إلى بلد استخلف في التي انتقل منها‏.‏

قوله ‏(‏في الطريق‏)‏ وصله محمد بن سعد في الطبقات عن شبابة عن موسى بن يسار قال‏:‏ رأيت يحيى ابن يعمر على القضاء بمرو فربما رأيته يقضي في السوق وفي الطريق، وربما جاءه الخصمان وهو على حمار فيقضي بينهما‏.‏

وأخرج البخاري في التاريخ من طريق حميد بن أبي حكيم أنه رأى يحيى بن يعمر يقضي في الطريق‏.‏

قوله ‏(‏وقضى الشعبي على باب داره‏)‏ قال ابن سعد في الطبقات أخبرنا أبو نعيم حدثنا أبو إسرائيل رأيت الشعبي يقضي عند باب الفيل بالكوفة‏.‏

وأخرج الكرابيسي في القضاء من وجه آخر عن الشعبي أن عليا قضى في السوق‏.‏

وأخرج من طريق القاسم بن عبد الرحمن أنه مر على قوم وهو على راحلته فتظلموا من كرى لهم فنزل فقضى بينهم ثم ركب فمضى إلى منزله‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَيْنَمَا أَنَا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَارِجَانِ مِنْ الْمَسْجِدِ فَلَقِيَنَا رَجُلٌ عِنْدَ سُدَّةِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى السَّاعَةُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَعْدَدْتَ لَهَا فَكَأَنَّ الرَّجُلَ اسْتَكَانَ ثُمَّ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَعْدَدْتُ لَهَا كَبِيرَ صِيَامٍ وَلَا صَلَاةٍ وَلَا صَدَقَةٍ وَلَكِنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ قَالَ أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ

الشرح‏:‏

حديث سالم بن أبي الجعد عن أنس في الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم متى الساعة، وقد تقدم من وجه آخر عن سالم في ‏"‏ كتاب الأدب ‏"‏ مشروحا، وقوله هنا ‏"‏ فلقينا رجل عند سدة المسجد ‏"‏ السدة بضم السين وتشديد الدال المهملتين هي باب الدار ‏"‏ وقيل لإسماعيل بن عبد الرحمن‏:‏ السدي ‏"‏ لأنه كان يبيع المقانع عند سدة مسجد الكوفة وهي ما يبقى من الطاق المسدود، وقيل هي المظلة على الباب ‏"‏ لوقاية المطر والشمس ‏"‏ وقيل هي الباب نفسه وقيل عتبته وقيل الساحة أمام الباب‏.‏

وقوله ‏"‏ما أعددت لها ‏"‏ كذا لأبي، ذر، ولغيره ‏"‏ عددت ‏"‏ وهو بالتشديد مثل ‏(‏جمع مالا وعدده‏)‏ أي هيأه، وقوله ‏"‏استكان ‏"‏ أي خضع وهو استفعل من السكون الدال على الخضوع‏.‏

قال ابن التين‏:‏ لعل سبب سؤال الرجل عن الساعة إشفاقا مما يكون فيها، ولو سأل استعجالا لدخل في قوله تعالى ‏(‏يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها‏)‏ وقوله ‏"‏ كبير عمل ‏"‏ بالموحدة للأكثر وبالمثلثة لبعضهم؛ قال ابن بطال‏:‏ في حديث أنس جواز سكوت العالم عن جواب السائل والمستفتي إذا كانت المسألة لا تعرف، أو كانت مما لا حاجة بالناس إليها، أو كانت مما يخشى منها الفتنة‏.‏

أو سوء التأويل‏.‏

ونقل عن المهلب الفتيا في الطريق وعلى الدابة، ونحو ذلك من التواضع، فإن كانت لضعيف فهو محمود وإن كانت لرجل من أهل الدنيا أو لمن يخشى لسانه فهو مكروه‏.‏

قلت‏:‏ والمثال الثاني ليس بجيد فقد يترتب على المسئول من ذلك ضرر فيجيب ليأمن شره فيكون هذه الحالة محمودا قال‏:‏ واختلف في القضاء سائرا أو ماشيا فقال أشهب‏:‏ لا بأس به إذا لم يشغله عن الفهم‏.‏

وقال سحنون‏:‏ لا ينبغي‏.‏

وقال ابن حبيب‏:‏ لا بأس بما كان يسيرا، وأما الابتداء بالنظر ونحوه فلا‏.‏

قال ابن بطال‏:‏ وهو حسن‏.‏

وقول أشهب أشبه بالدليل‏.‏

وقال ابن التين‏:‏ لا يجوز الحكم في الطريق فيما يكون غامضا كذا أطلق والأشبه التفصيل‏.‏

وقال ابن المنير‏:‏ لا تصح حجة من منع الكلام في العلم في الطريق، وأما الحكاية التي تحكى عن مالك في تعزيره الحاكم الذي سأله في الطريق ثم حدثه فكان يقول‏:‏ وددت لو زادني سياطا وزادني تحديثا، فلا يصح‏.‏

ثم قال‏:‏ ويحتمل أن يفرق بين حالة النبي صلى الله عليه وسلم وحالة غيره، فإن غيره في مظنة أن يتشاغل بلغو الطرقات وقد تقدم في ‏"‏ كتاب العلم ‏"‏ ترجمة الفتيا على الدابة، ووقع في حديث جابر الطويل في حجة الوداع عند مسلم ‏"‏ وطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته ليراه الناس وليشرف لهم ليسألوه ‏"‏ والأحاديث في سؤال الصحابة وهو سائر ماشيا وراكبا كثيرة‏.‏

*3*بَاب مَا ذُكِرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَوَّابٌ

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ لِامْرَأَةٍ مِنْ أَهْلِهِ تَعْرِفِينَ فُلَانَةَ قَالَتْ نَعَمْ قَالَ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِهَا وَهِيَ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ فَقَالَ اتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي فَقَالَتْ إِلَيْكَ عَنِّي فَإِنَّكَ خِلْوٌ مِنْ مُصِيبَتِي قَالَ فَجَاوَزَهَا وَمَضَى فَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ فَقَالَ مَا قَالَ لَكِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ مَا عَرَفْتُهُ قَالَ إِنَّهُ لَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَجَاءَتْ إِلَى بَابِهِ فَلَمْ تَجِدْ عَلَيْهِ بَوَّابًا فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ مَا عَرَفْتُكَ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الصَّبْرَ عِنْدَ أَوَّلِ صَدْمَةٍ

الشرح‏:‏

حديث أنس في قصة المرأة التي جاءت تعتذر عن قولها ‏"‏ إليك عني ‏"‏ لما أمرها النبي صلى الله عليه وسلم - ووجدها تبكي عند قبر - بالصبر، ففي الحديث ‏"‏ فجاءت إلى بابه فلم تجد عليه بوابا‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏إن الصبر عند أول صدمة‏)‏ في رواية الكشميهني هنا ‏"‏ إن الصبر عند الصدمة الأولى ‏"‏ وقد تقدم شرحه مستوفى في ‏"‏ باب زيارة القبور ‏"‏ من ‏"‏ كتاب الجنائز ‏"‏ وأن المرأة لم تسم، وأن المقبور كان ولدها ولم يسم أيضا، وأن الذي ذكر لها أن الذي خاطبها هو النبي صلى الله عليه وسلم هو الفضل بن العباس‏.‏

ووقع هنا أن أنس بن مالك قال لامرأة من أهله‏:‏ هل تعرفين فلانة، يعني صاحبة هذه القصة، ولم أعرف اسم المرأة التي من أهل أنس أيضا، وقولها ‏"‏ إليك عني ‏"‏ أي كف نفسك ودعني، وقولها ‏"‏ فإنك خلو ‏"‏ بكسر المعجمة وسكون اللام أي خال من همي قال المهلب‏:‏ لم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم بواب راتب، يعني فلا يرد ما تقدم في المناقب من حديث أبي موسى أنه كان بوابا للنبي صلى الله عليه وسلم لما جلس على القف، قال‏:‏ فالجمع بينهما أنه إذا لم يكن في شغل من أهله ولا انفراد لشيء من أمره أنه كان يرفع حجابه بينه وبين الناس ويبرز لطال الحاجة إليه‏.‏

وقال الطبري‏:‏ دل حديث عمر حين استأذن له الأسود - يعني في قصة حلفه صلى الله عليه وسلم أن لا يدخل على نسائه شهرا كما تقدم في النكاح - أنه صلى الله عليه وسلم كان في وقت خلوته بنفسه يتخذ بوابا، ولولا ذلك لاستأذن عمر لنفسه ولم يحتج إلى قوله ‏"‏ يا رباح استأذن لي‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ ويحتمل أن يكون سبب استئذان عمر أنه خشي أن يكون وجد عليه بسبب ابنته فأراد أن يختبر ذلك باستئذانه عليه، فلما أذن له اطمأن وتبسط في القول كما تقدم بيانه‏.‏

وقال الكرماني ملخصا لما تقدم‏:‏ معني قوله ‏"‏ لم يجد عليه بوابا ‏"‏ أنه لم يكن له بواب راتب، أو في حجرته التي كانت مسكنا له، أو لم يكن البواب بتعيينه بل باشرا ذلك بأنفسهما، يعني أبا موسى ورباحا‏.‏

قلت‏:‏ الأول كاف، وفي الثاني نظر لأنه إذا انتفى في الحجرة مع كونها مظنة الخلوة فانتفاؤه في غيرها أولى، وإن أراد إثبات البواب في الحجرة دون غيرها كان بخلاف حديث الباب، فإن المرأة إنما جاءت إليه وهو في منزل سكنه فلم تجد عليه بوابا، وفي الثالث أيضا نظر لأنه على تقدير أنهما فعلا ذلك من قبل أنفسهما بغير أمره لكن تقريره لهما على ذلك يفيد مشروعيته، فيمكن أن يؤخذ منه الجواز مطلقا، ويمكن أن يقيد بالحاجة وهو الأولى وقد اختلف في مشروعية الحجاب للحكام فقال الشافعي وجماعة‏:‏ ينبغي للحاكم أن لا يتخذ حاجبا، وذهب آخرون إلى جوازه، وحمل الأول على زمن سكون الناس واجتماعهم على الخير وطواعيتهم للحاكم‏.‏

وقال آخرون‏:‏ بل يستحب ذلك حينئذ ليرتب الخصوم ويمنع المستطيل ويدفع الشرير، ونقل ابن التين عن الداودي قال‏:‏ الذي أحدثه بعض القضاة من شدة الحجاب وإدخال بطائق الخصوم لم يكن من فعل السلف انتهى‏.‏

فأما اتخاذ الحاجب فقد ثبت في قصة عمر في منازعة العباس وعلى أنه كان له حاجب يقال له يرفا ومضى ذلك في فرض الخمس واضحا‏.‏

ومنهم من قيد جوازه بغير وقت جلوسه للناس لفصل الأحكام‏.‏

ومنهم من عمم الجواز كما مضى‏.‏

وأما البطائق فقال ابن التين‏:‏ إن كان مراده البطائق التي فيها الإخبار بما جرى فصحيح، يعني أنه حادث قال‏:‏ وأما البطائق التي تكتب للسبق ليبدأ بالنظر خصومة من سبق فهو من العدل في الحكم‏.‏

وقال غيره‏:‏ وظيفة البواب أو الحاجب أن يطالع الحاكم بحال من حضر ولا سيما من الأعيان ‏"‏ لاحتمال أن يجيء مخاصما والحاكم يظن أنه جاء زائرا فيعطيه حقه من الإكرام الذي لا يجوز لمن يجيء مخاصما ‏"‏ وإيصال الخبر للحاكم بذلك إما بالمشافهة وإما بالمكاتبة ويكره دوام الاحتجاب وقد يحرم فقد أخرج أبو داود والترمذي بسند جيد عن أبي مريم الأسدي أنه قال لمعاوية ‏"‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ من ولاه الله من أمر الناس شيئا فاحتجب عن حاجتهم احتجب الله عن حاجته يوم القيامة ‏"‏ وفي هذا الحديث وعيد شديد لمن كان حاكما بين الناس فاحتجب عنهم لغير عذر، لما في ذلك من تأخير إيصال الحقوق أو تضييعها‏.‏

واتفق العلماء على أنه يستحب تقديم الأسبق فالأسبق والمسافر على المقيم ولا سيما إن خشي فوات الرفقة، وأن من اتخذ بوابا أو حاجبا أن يتخذه ثقة عفيفا أمينا عارفا حسن الأخلاق غارفا بمقادير الناس‏.‏

*3*باب الْحَاكِمِ يَحْكُمُ بِالْقَتْلِ عَلَى مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ دُونَ الْإِمَامِ الَّذِي فَوْقَهُ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب الحاكم يحكم بالقتل على من وجب عليه دون الإمام الذي فوقه‏)‏ أي الذي ولاه من غير احتياج إلى استئذانه في خصوص ذلك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ الذُّهْلِيُّ حَدَّثَنَا الْأَنْصَارِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ ثُمَامَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ إِنَّ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ كَانَ يَكُونُ بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْزِلَةِ صَاحِبِ الشُّرَطِ مِنْ الْأَمِيرِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏حدثنا محمد بن خالد‏)‏ قال الحاكم والكلاباذي‏:‏ أخرج البخاري عن محمد بن يحيى الذهلي فلم يصرح به وإنما يقول ‏"‏ حدثنا محمد ‏"‏ وتارة ‏"‏ محمد بن عبد الله ‏"‏ فينسبه لجده وتارة ‏"‏ حدثنا محمد بن خالد ‏"‏ فكأنه نسبه إلى جد أبيه لأنه محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس‏.‏

قلت‏:‏ ويؤيده أنه وقع منسوبا في حديث آخر أخرجه عند الأكثر في الطب ‏"‏ عن محمد بن خالد حدثنا محمد بن وهب بن عطية ‏"‏ فوقع في رواية الأصيلي ‏"‏ حدثنا محمد بن خالد الذهلي ‏"‏ وكذا هو في نسخة الصغاني‏.‏

وأخرج ابن الجارود الحديث المذكور عن محمد بن يحيى الذهلي عن محمد بن وهب المذكور‏.‏

وقال خلف في ‏"‏ الأطراف ‏"‏‏:‏ هو محمد بن خالد بن جبلة الرافقي، وتعقبه ابن عساكر فقال‏:‏ عندي أنه الذهلي‏.‏

وقال المزي في ‏"‏ التهذيب ‏"‏‏:‏ قول خلف إنه الرافقي ليس بشيء‏.‏

قلت‏:‏ قد ذكر أبو أحمد بن عدي في شيوخ البخاري محمد بن خالد ابن جبلة، لكن عرفه بروايته عنه عن عبيد الله بن موسى، والحديث الذي أشار إليه وقع في التوحيد لكن قال فيه ‏"‏ حدثنا محمد بن خالد ‏"‏ فقط ولم ينسبه لجده جبلة، وهو بفتح الجيم والموحدة‏.‏

ولا لبلده الرافقة وهي بفاء ثم قاف‏.‏

وقد ذكر الدار قطني أيضا في شيوخ البخاري محمد بن خالد الرافقي‏.‏

وأخرج النسائي عنه فنسبه لجده فقال أخبرنا محمد بن جبلة فقال المزي في ترجمته هو محمد بن خالد بن جبلة الرافقي وقد أخرج البخاري عن محمد بن خالد عن محمد بن موسى بن أعين حديثا فقال المزي في ‏"‏ التهذيب ‏"‏‏:‏ قيل هو الرافقي، وقيل هو الذهلي وهو أشبه وسقط محمد بن خالد من هذا السند من أطراف أبي مسعود فقال ‏(‏خ‏)‏ في الأحكام عن محمد بن عبد الله الأنصاري نفسه عن أبيه، قال المزي في ‏"‏ الأطراف ‏"‏‏:‏ كذا قال أبو مسعود، يعني والصواب ما وقع في جميع النسخ أن بين البخاري وبين الأنصاري في هذا الحديث واسطة وهو محمد بن خالد المذكور، وبه جزم خلف في ‏"‏ الأطراف ‏"‏ أيضا كما تقدم والله أعلم‏.‏

قلت‏:‏ ويؤيد كونه عن الذهلي أن الترمذي أخرجه في المناقب عن محمد بن يحيى وهو الذهلي به‏.‏

قوله ‏(‏حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري‏)‏ هكذا للأكثر‏.‏

وفي رواية أبي زيد المروزي ‏"‏ حدثنا الأنصاري محمد ‏"‏ فقدم النسبة على الاسم ولم يسم أباه‏.‏

قوله ‏(‏حدثني أبي‏)‏ في رواية أبي زيد ‏"‏ حدثنا ‏"‏ وهو عبد الله بن المثني بن عبد الله بن أنس، وثمامة شيخه هو عم أبيه وقد أخرج البخاري عن الأنصاري بلا واسطة عدة أحاديث في الزكاة والقصاص وغيرهما، وروي عنه بواسطة في عدة في الاستسقاء وفي بدء الخلق وفي شهود الملائكة بدرا وغيرها‏.‏

قوله ‏(‏إن قيس بن سعد‏)‏ زاد في رواية المروزي ‏"‏ ابن عبادة ‏"‏ وهو الأنصاري الخزرجي الذي كان والده رئيس الخزرج‏.‏

وصنيع الترمذي يوهم أنه قيس بن سعد بن معاذ، فإنه أخرج حديث الباب في مناقب سعد بن معاذ فلا يغتر بذلك‏.‏

قوله ‏(‏كان يكون بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ قال الكرماني‏:‏ فائدة تكرار لفظ الكون إرادة بيان الدوام والاستمرار انتهى‏.‏

وقد وقع في رواية الترمذي وابن حبان والإسماعيلي وأبي نعيم وغيرهم من طرق عن الأنصاري بلفظ ‏"‏ كان قيس بن سعد بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فظهر أن ذلك من تصرف الرواة‏.‏

قوله ‏(‏بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير‏)‏ زاد الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن محمد بن مرزوق عن الأنصاري ‏"‏ لما ينفذ من أموره ‏"‏ وهذه الزيادة مدرجة من كلام الأنصاري، بين ذلك الترمذي، فإنه أخرج الحديث عن محمد بن مرزوق إلى قوله ‏"‏ الأمير ‏"‏ ثم قال ‏"‏ قال الأنصاري لما يلي من أموره ‏"‏ وقد خلت سائر الروايات عنها، وقد ترجم ابن حبان لهذا الحديث ‏"‏ احتراز المصطفى من المشركين في مجلسه إذا دخلوا عليه ‏"‏ وهذا يدل على أنه فهم من الحديث أن ذلك وقع لقيس بن سعد على سبيل الوظيفة الراتبة، وهو الذي فهمه الأنصاري راوي الحديث؛ لكن يعكر عليه ما زاده الإسماعيلي فقال حدثنا الهيثم بن خلف عن محمد بن المثني عن الأنصاري حدثني أبي عن ثمامة‏.‏

قال الأنصاري‏:‏ ولا أعلمه إلا عن أنس قال ‏"‏ لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم كان قيس بن سعد في مقدمته بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير، فكلم سعد النبي صلى الله عليه وسلم في قيس أن يصرفه من الموضع الذي وضعه فيه مخافة أن يقدم على شيء فصرفه عن ذلك ‏"‏ ثم أخرجه الإسماعيلي عن أبي يعلى ومحمد بن أبي سويد جميعا عن محمد بن المثني عن الأنصاري بمثل لفظ محمد بن مرزوق بدون الزيادة التي في آخره، قال‏:‏ ولم يشك في كونه عن أنس‏.‏

قلت‏:‏ وكذا أخرجه ابن حبان في صحيحه من طريق بشر بن آدم ابن بنت السمان عن الأنصاري لكن لم ينفرد الهيثم ولا شيخه محمد بن المثني بالزيادة المذكورة، فقد أخرجه ابن منده في ‏"‏ المعرفة ‏"‏ عن محمد بن عيسى قال‏:‏ حدثنا أبو حاتم الرازي عن الأنصاري بطوله، فكأن القدر المحقق وصله من الحديث هو الذي اقتصر عليه البخاري، وأكثر من أخرج الحديث، وأما الزيادة فكان الأنصاري يتردد في وصلها، وعلى تقدير ثبوتها فلم يقع ذلك لقيس بن سعد إلا في تلك المرة ولم يستمر مع ذلك فيها‏.‏

والشرطة بضم المعجمة والراء والنسبة إليها شرطي بضمتين وقد تفتح الراء فيهما هم أعوان الأمير، والمراد بصاحب الشرطة كبيرهم، فقيل سموا بذلك لأنهم رذالة الجند، ومنه في حديث الزكاة ‏"‏ ولا الشرط اللئيمة ‏"‏ أي رديء المال، وقيل لأنهم الأشداء الأقوياء من الجند، منه في حديث الملاحم ‏"‏ وتشترط شرطة للموت ‏"‏ أي متعاقدون على أن لا يفروا ولو ماتوا‏.‏

قال الأزهري‏:‏ شرط كل شيء خياره ومنه الشرط لأنهم نخبة الجند‏.‏

وقيل هم أول طائفة تتقدم الجيش وتشهد الوقعة، وقيل سموا شرطا لأن لهم علامات يعرفون بها من هيئة وملبس وهو اختيار الأصمعي، وقيل لأنهم أعدوا أنفسهم لذلك يقال أشرط فلان نفسه لأمر كذا إذا أعدها قاله أبو عبيد، وقيل مأخوذ من الشريط وهو الحبل المبرم لما فيه من الشدة‏.‏

وقد استشكلت مطابقة الحديث للترجمة فأشار الكرماني إلى أنها تؤخذ من قوله ‏"‏ دون الحاكم ‏"‏ لأن معناه عند، وهذا جيد إن ساعدته اللغة، وعلى هذا فكأن قيسا كان من وظيفته أن يفعل ذلك بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم بأمره سواء كان خاصا أم عاما‏.‏

قال الكرماني‏:‏ ويحتمل أن تكون ‏"‏ دون ‏"‏ بمعنى ‏"‏ غير ‏"‏ قال‏:‏ وهو الذي يحتمله الحديث الثاني لا غير‏.‏

قلت‏:‏ فيلزم أن يكون استعمل في الترجمة ‏"‏ دون ‏"‏ في معنيين‏.‏

وفي الحديث تشبيه ما مضى بما حدت بعده، لأن صاحب الشرطة لم يكن موجودا في العهد النبوي عند أحد من العمال ‏"‏ وإنما حدث في دولة بني أمية فأراد أنس تقريب حال قيس بن سعد عند السامعين فشبهه بما يعهدونه‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى هُوَ الْقَطَّانُ عَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ وَأَتْبَعَهُ بِمُعَاذٍ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏عن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه وأتبعه بمعاذ‏)‏ هذه قطعة من حديث طويل تقدم في استتابة المرتدين بهذا السند وأوله ‏"‏ أقبلت ومعي رجلان من الأشعريين ‏"‏ الحديث، وفيه بعد قوله لا نستعمل على عملنا من أراده ‏"‏ ولكن اذهب أنت يا أبا موسى، ثم أتبعه معاذ بن جبل ‏"‏ وفيه قصة اليهودي الذي أسلم ثم ارتد، وهي التي اقتصر عليها هنا بعد هذا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الصَّبَّاحِ حَدَّثَنَا مَحْبُوبُ بْنُ الْحَسَنِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ رَجُلًا أَسْلَمَ ثُمَّ تَهَوَّدَ فَأَتَى مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَهُوَ عِنْدَ أَبِي مُوسَى فَقَالَ مَا لِهَذَا قَالَ أَسْلَمَ ثُمَّ تَهَوَّدَ قَالَ لَا أَجْلِسُ حَتَّى أَقْتُلَهُ قَضَاءُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏محبوب‏)‏ بمهملة وموحدتين ابن الحسن بن هلال، بصري واسمه محمد ومحبوب لقب له وهو به أشهر، وهو مختلف الاحتجاج به، وليس له في البخاري سوى هذا الموضع وهو في حكم المتابعة لأنه تقدم في استتابة المرتدين من وجه آخر عن حميد بن هلال‏.‏

قوله ‏(‏حدثنا خالد‏)‏ هو الحذاء‏.‏

قوله ‏(‏أن رجلا أسلم‏.‏

ثم تهود‏)‏ قد تقدم شرحه هناك مستوفى‏.‏

قوله ‏(‏لا أجلس حتى أقتله قضاء الله ورسوله‏)‏ قد تقدم هناك ‏"‏ فأمر به فقتل ‏"‏ وبذلك يتم مراد الترجمة والرد على من زعم أن الحدود لا يقيمها عمال البلاد إلا بعد مشاورة الإمام الذي ولاهم‏.‏

قال ابن بطال‏:‏ اختلف العلماء في هذا الباب فذهب الكوفيون إلى أن القاضي حكمه حكم الوكيل لا يطلق يده إلا فيما أذن له فيه، وحكمه عند غيرهم حكم الوصي له التصرف في كل شيء ويطلق يده على النظر في جميع الأشياء إلا ما استثنى‏.‏

ونقل الطحاوي عنهم أن الحدود لا يقيمها إلا أمراء الأمصار ولا يقيمها عامل السواد ولا نحوه‏.‏

ونقل ابن القاسم ‏"‏ لا تقام الحدود في المياه بل تجلب إلى الأمصار، ولا يقام القصاص في القتل في مصر كلها إلا بالفسطاط، يعني لكونها منزل متولي مصر ‏"‏ قال‏:‏ أو يكتب إلى والي الفسطاط بذلك أي يستأذنه‏.‏

وقال أشهب‏:‏ بل من فوض له الوالي ذلك من عمال المياه جاز له أن يفعله‏.‏

وعن الشافعي نحوه‏.‏

قال ابن بطال‏:‏ والحجة في الجواز حديث معاذ فإنه قتل المرتد دون أن يرفع أمره إلى النبي صلى الله عليه وسلم

*3*باب هَلْ يَقْضِي الْقَاضِي أَوْ يُفْتِي وَهُوَ غَضْبَانُ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب هل يقضي القاضي أو يفتي وهو غضبان‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ الحاكم ‏"‏ ذكر فيه ثلاث أحاديث

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ كَتَبَ أَبُو بَكْرَةَ إِلَى ابْنِهِ وَكَانَ بِسِجِسْتَانَ بِأَنْ لَا تَقْضِيَ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَأَنْتَ غَضْبَانُ فَإِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا يَقْضِيَنَّ حَكَمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏كتب أبو بكرة‏)‏ يعني والد عبد الرحمن الراوي المذكور‏.‏

قوله ‏(‏إلى ابنه‏)‏ كذا وقع هنا غير مسمى، ووقع في أطراف المزي ‏"‏ إلى ابنه عبيد الله ‏"‏ وقد سمى في رواية مسلم ولكن بغير هذا اللفظ أخرجه من طريق أبي عوانة عن عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن قال ‏"‏ كتب أبي وكتبت له إلى عبيد الله بن أبي بكرة ‏"‏ ووقع في العمدة ‏"‏ كتب أبي وكتبت له إلى ابنه عبيد الله وقد سمى إلخ ‏"‏ وهو موافق لسياق مسلم إلا أنه زاد لفظ ‏"‏ ابنه ‏"‏ قيل معناه كتب أبو بكرة بنفسه مرة وأمر ولده عبد الرحمن أن يكتب لأخيه فكتب له مرة أخرى‏.‏

قلت‏:‏ ولا يتعين ذلك، بل الذي يظهر أن قوله ‏"‏ كتب أبي ‏"‏ أي أمر بالكتابة، وقوله ‏"‏وكتبت له ‏"‏ أي باشرت الكتابة التي أمر بها، والأصل عدم التعدد، ويؤيده قوله في المتن المكتوب ‏"‏ إني سمعت ‏"‏ فإن هذه العبارة لأبي بكرة لا لابنه عبد الرحمن، فإنه لا صحبة له وهو أول مولود ولد بالبصرة كما تقدم في الكلام على قول أبي بكرة ‏"‏ لو دخلوا على ما بهشت لهم بقصبة‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏وكان بسجستان‏)‏ في رواية مسلم ‏"‏ وهو قاض بسجستان ‏"‏ وهي جملة حالية وسجستان بكسر المهملة والجيم على الصحيح بعدهما مثناة ساكنة وهي إلى جهة الهند بينها وبين كرمان مائة فرسخ منها أربعون فرسخا مفازة ليس فيها ماء وينسب إليها سجستاني وسجزتي بزاي بدل السين الثانية والتاء وهو على غير قياس، وسجستان لا تصرف للعلمية والعجمة أو زيادة الألف والنون، قال ابن سعد في الطبقات‏:‏ كان زياد في ولايته على العراق قرب أولاد أخيه لأمه أبي بكرة وشرفهم وأقطعهم وولى عبيد الله بن أبي بكر سجستان، قال ومات أبو بكرة في ولاية زياد‏.‏

قوله ‏(‏أن لا تقضي بين اثنين وأنت غضبان‏)‏ في رواية مسلم ‏"‏ أن لا تحكم‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان‏)‏ في رواية مسلم ‏"‏ لا يحكم أحد ‏"‏ والباقي سواء‏.‏

وفي رواية الشافعي عن سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن عمير بسنده ‏"‏ لا يقضي القاضي أو لا يحكم الحاكم بين اثنين وهو غضبان ‏"‏ ولم يذكر القصة‏.‏

والحكم بفتحتين هو الحاكم، وقد يطلق على القيم بما يسند إليه‏.‏

قال المهلب‏:‏ سبب هذا النهي أن الحكم حالة الغضب قد يتجاوز بالحاكم إلى غير الحق فمنع، وبذلك قال فقهاء الأمصار‏.‏

وقال ابن دقيق العيد‏:‏ فيه النهي عن الحكم حالة الغضب لما يحصل بسببه من التغير الذي يختل به النظر فلا يحصل استيفاء الحكم على الوجه قال‏:‏ وعداه الفقهاء بهذا المعنى إلى كل ما يحصل به تغير الفكر كالجوع والعطش المفرطين وغلبة النعاس وسائر ما يتعلق به القلب تعلقا يشغله عن استيفاء النظر، وهو قياس مظنة على مظنة، وكأن الحكمة في الاقتصار على ذكر الغضب لاستيلائه على النفس وصعوبة مقاومته بخلاف غيره‏.‏

وقد أخرج البيهقي بسند ضيف عن أبي سعيد رفعه ‏"‏ لا يقض القاضي إلا وهو شبعان ريان ‏"‏ وقول الشيخ ‏"‏ وهو قياس مظنة على مظنة ‏"‏ صحيح، وهو استنباط معنى دل عليه النص فإنه لما نهى عن الحكم حالة الغضب فهم منه أن الحكم لا يكون إلا في حالة استقامة الفكر، فكانت علة النهي المعنى المشترك وهو تغير الفكر، والوصف بالغضب يسمى علة بمعنى أنه مشتمل عليه فألحق به ما في معناه كالجائع ‏"‏ قال الشافعي في ‏"‏ الأم ‏"‏‏:‏ أكره للحاكم أن يحكم وهو جائع أو تعب أو مشغول القلب فإن ذلك يغير القلب‏"‏‏.‏

‏(‏فرع‏)‏ ‏:‏ لو خالف فحكم في حال الغضب صح إن صادف الحق مع الكراهة، هذا قول الجمهور، وقد تقدم أنه صلى الله عليه وسلم قضى للزبير بشراج الحرة بعد أن أغضبه خصم الزبير، لكن لا حجة فيه لرفع الكراهة عن غيره لعصمته صلى الله عليه وسلم فلا يقول في الغضب إلا كما يقول في الرضا‏.‏

قال النووي في حديث اللقطة‏:‏ ‏"‏ فيه جواز الفتوى في حال الغضب ‏"‏ وكذلك الحكم وينفذ ولكنه مع الكراهة في حقنا ولا يكره في حقه صلى الله عليه وسلم لأنه لا يخاف عليه في الغضب ما يخاف على غيره، وأبعد من قال‏:‏ يحمل على أنه تكلم في الحكم قبل وصوله في الغضب إلى تغير الفكر، ويؤخذ من الإطلاق أنه لا فرق بين مراتب الغضب ولا أسبابه، وكذا أطلقه الجمهور، وفصل إمام الحرمين والبغوي فقيدا الكراهة بما إذا كان الغضب لغير الله، واستغرب الروياني هذا التفصيل واستبعده غيره لمخالفته لظواهر الحديث وللمعنى الذي لأجله نهى عن الحكم حال الغضب‏.‏

وقال بعض الحنابلة لا ينفذ الحكم في حالة الغضب لثبوت النهي عنه والنهي يقضي الفساد ‏"‏ وفصل بعضهم بين أن يكون الغضب طرأ عليه بعد أن استبان له الحكم فلا يؤثر وإلا فهو محل الخلاف، وهو تفصيل معتبر ‏"‏ وقال ابن المنير‏:‏ أدخل البخاري حدث أبي بكرة الدال على المنع ثم حديث أبي مسعود الدال على الجواز تنبيها منه على طريق الجمع بأن يجعل الجواز خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم لوجود العصمة في حقه والأمن من التعدي، أو أن غضبه إنما كان للحق فمن كان في مثل حاله جاز وإلا منع، وهو كما قيل في شهادة العدو إن كانت دنيوية ردت وإن كانت دينية لم ترد قاله ابن دقيق العبد وغيره‏.‏

وفي الحديث أن الكتابة بالحديث كالسماع من الشيخ في وجوب العمل، وأما في الرواية فمنع منها قوم إذا تجردت عن الإجازة، والمشهور الجواز‏.‏

نعم الصحيح عند الأداء أن لا يطلق الإخبار بل يقول كتب إلى أو كاتبني أو أخبرني في كتابه، وفيه ذكر الحكم مع دليله في التعليم، ويجيء مثله في الفتوى‏.‏

وفيه شفقة الأب على ولده وإعلامه بما ينفعه وتحذيره من الوقوع فيما ينكر‏.‏

وفيه نشر العلم للعمل به والاقتداء وإن لم يسأل العالم عنه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي وَاللَّهِ لَأَتَأَخَّرُ عَنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ مِنْ أَجْلِ فُلَانٍ مِمَّا يُطِيلُ بِنَا فِيهَا قَالَ فَمَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطُّ أَشَدَّ غَضَبًا فِي مَوْعِظَةٍ مِنْهُ يَوْمَئِذٍ ثُمَّ قَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ فَأَيُّكُمْ مَا صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيُوجِزْ فَإِنَّ فِيهِمْ الْكَبِيرَ وَالضَّعِيفَ وَذَا الْحَاجَةِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏عبد الله‏)‏ هو ابن المبارك‏.‏

قوله ‏(‏جاء رجل‏)‏ تقدم في ‏"‏ باب تخفيف الإمام ‏"‏ من أبواب الإمامة أنه لم يسم، ووهم من قال إنه حزم بن كعب وإن المراد هنا بفلان هو معاذ بن جبل، وتقدم شرح الحديث هناك مستوفى، وتقدم القول في الغضب في ‏"‏ باب الغضب في الموعظة ‏"‏ من ‏"‏ كتاب العلم‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي يَعْقُوبَ الْكَرْمَانِيُّ حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ هُوَ الزُّهْرِيُّ أَخْبَرَنِي سَالِمٌ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فَذَكَرَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ لِيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ فَتَطْهُرَ فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏يونس‏)‏ هو ابن يزيد الأيلي‏.‏

قوله ‏(‏فتغيظ فيه‏)‏ وفي رواية الكشميهني ‏"‏ عليه ‏"‏ والضمير في قوله ‏"‏ فيه ‏"‏ يعود للفعل المذكور وهو الطلاق الموصوف، وفي ‏"‏ عليه ‏"‏ للفاعل وهو ابن عمر، وقد تقدم الحديث مشروحا في ‏"‏ كتاب الطلاق‏"‏