فصل: باب هِجْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب هِجْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنْ الْأَنْصَارِ وَقَالَ أَبُو مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ فَذَهَبَ وَهَلِي إِلَى أَنَّهَا الْيَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ فَإِذَا هِيَ الْمَدِينَةُ يَثْرِبُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة‏)‏ أما النبي صلى الله عليه وسلم فجاء عن ابن عباس أنه أذن له في الهجرة إلى المدينة بقوله تعالى‏:‏ ‏(‏وقل رب أدخلني مدخل صدق، وأخرجني مخرج صدق، واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا‏)‏ أخرجه الترمذي وصححه هو والحاكم، وذكر الحاكم أن خروجه صلى الله عليه وسلم من مكة كان بعد بيعة العقبة بثلاثة أشهر أو قريبا منها، وجزم ابن إسحاق بأنه خرج أول يوم من ربيع الأول، فعلى هذا يكون بعد البيعة بشهرين وبضعة عشر يوما، وكذا جزم به الأموي في المغازي عن ابن إسحاق فقال‏:‏ كان مخرجه من مكة بعد العقبة بشهرين وليال، قال وخرج لهلال ربيع الأول وقدم المدينة لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول‏.‏

قلت‏:‏ وعلى هذا خرج يوم الخميس، وأما أصحابه فتوجه معه منهم أبو بكر الصديق وعامر بن فهيرة، وتوجه قبل ذلك بين العقبتين جماعة منهم ابن أم مكتوم، ويقال إن أول من هاجر إلى المدينة أبو سلمة بن عبد الأشهل المخزومي زوج أم سلمة، وذلك أنه أوذي لما رجع من الحبشة، فعزم على الرجوع إليها، فبلغه قصة الاثني عشر من الأنصار فتوجه إلى المدينة، ذكر ذلك ابن إسحاق، وأسند عن أم سلمة أن أبا سلمة أخذها معه فردها قومها فحبسوها سنة، ثم انطلقت فتوجهت في قصة طويلة وفيها ‏"‏ فقدم أبو سلمة المدينة بكرة، وقدم بعده عامر بن ربيعة حليف بني عدي عشية ‏"‏ ثم توجه مصعب بن عمير كما تقدم آنفا ليفقه من أسلم من الأنصار، ثم كان أول من هاجر بعد بيعة العقبة عامر بن ربيعة حليف بني عدي على ما ذكر ابن إسحاق، وسيأتي ما يخالفه في الباب الذي يليه وهو قول البراء ‏"‏ أول من قدم علينا من المهاجرين مصعب بن عمير ‏"‏ إلخ توجه باقي الصحابة شيئا فشيئا كما سيأتي في الباب الذي يليه‏.‏

ثم لما توجه النبي صلى الله عليه وسلم واستقر بها خرج من بقي من المسلمين، وكان المشركون يمنعون من قدروا على منعه منهم، فكان أكثرهم يخرج سرا إلى أن لم يبق منهم بمكة إلا من غلب على أمره من المستضعفين‏.‏

ثم ذكر المصنف في الباب أحاديث‏:‏ الأول والثاني‏:‏ قوله‏:‏ ‏(‏وقال عبد الله بن زيد وأبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم لولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار‏)‏ أما حديث عبد الله بن زيد فيأتي موصولا في غزوة حنين، وأما حديث أبي هريرة فتقدم موصولا في مناقب الأنصار، وقوله‏:‏ ‏"‏ من الأنصار ‏"‏ أي كنت أنصاريا صرفا فما كان لي مانع من الإقامة بمكة، لكنني اتصفت بصفة الهجرة، والمهاجر لا يقيم بالبلد الذي هاجر منها مستوطنا، فينبغي أن يحصل لكم الطمأنينة بأني لا أتحول عنكم، وذلك أنه إنما قال لهم ذلك في جواب قولهم‏:‏ أما الرجل فقد أحب الإقامة بموطنه، وسيأتي لذلك مزيد في غزوة حنين إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث الثالث‏:‏ قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو موسى إلخ‏)‏ يأتي شرحه مستوفى في غزوة أحد، وقوله فيه‏:‏ ‏"‏ فذهب وهلي ‏"‏ بفتح الواو والهاء أي ظني، يقال وهل بالفتح يهل بالكسر وهلا بالسكون إذا ظن شيئا فتبين الأمر بخلافه، وقوله‏:‏ ‏"‏ أو هجر ‏"‏ بفتح الهاء والجيم بلد معروف من البحرين وهي من مساكن عبد القيس، وقد سبقوا غيرهم من القرى إلى الإسلام كما سبق بيانه في كتاب الإيمان‏.‏

ووقع في بعض نسخ أبي ذر ‏"‏ أو الهجر ‏"‏ بزيادة ألف ولام والأول أشهر، وزعم بعض الشراح أن المراد بهجر هنا قرية قريبة من المدينة، وهو خطأ فإن الذي يناسب أن يهاجر إليه لا بد وأن يكون بلدا كبيرا كثير الأهل، وهذه القرية التي قيل إنها كانت قرب المدينة يقال لها هجر لا يعرفها أحد، وإنما زعم ذلك بعض الناس في قوله‏:‏ ‏"‏ قلال هجر ‏"‏ أن المراد بها قرية كانت قرب المدينة كان يصنع بها القلال، وزعم آخرون بأن المراد بها هجر التي بالبحرين كأن القلال كانت تعمل بها وتجلب إلى المدينة وعملت بالمدينة على مثالها، وأفاد ياقوت أن هجر أيضا بلد باليمن، فهذا أولى بالتردد بينها وبين اليمامة لأن اليمامة بين مكة واليمن، وقوله‏:‏ ‏"‏ فإذا هي المدينة يثرب ‏"‏ كان ذلك قبل أن يسميها صلى الله عليه وسلم طيبة، ووقع‏.‏

عند البيهقي من حديث صهيب رفعه ‏"‏ أريت دار هجرتكم سبخة بين ظهراني حرتين، فإما أن تكون هجر أو يثرب ‏"‏ ولم يذكر اليمامة، وللترمذي من حديث جرير قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ إن الله تعالى أوحى إلي أي هؤلاء الثلاثة نزلت فهي دار هجرتك‏:‏ المدينة أو البحرين أو قنسرين ‏"‏ استغربه الترمذي، وفي ثبوته نظر لأنه مخالف لما في الصحيح من ذكر اليمامة، لأن قنسرين من أرض الشام من جهة حلب، وهي بكسر القاف وفتح النون الثقيلة بعدها مهملة ساكنة، بخلاف اليمامة فإنها إلى جهة اليمن، إلا إن حمل على اختلاف المأخذ فإن الأول جرى على مقتضى الرؤيا التي أريها، والثاني يخير بالوحي، فيحتمل أن يكون أري أولا ثم خير ثانيا فاختار المدينة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ يَقُولُ عُدْنَا خَبَّابًا فَقَالَ هَاجَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُرِيدُ وَجْهَ اللَّهِ فَوَقَعَ أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ فَمِنَّا مَنْ مَضَى لَمْ يَأْخُذْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ نَمِرَةً فَكُنَّا إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ بَدَتْ رِجْلَاهُ وَإِذَا غَطَّيْنَا رِجْلَيْهِ بَدَا رَأْسُهُ فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُغَطِّيَ رَأْسَهُ وَنَجْعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ شَيْئًا مِنْ إِذْخِرٍ وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهُوَ يَهْدِبُهَا

الشرح‏:‏

حديث خباب ‏"‏ هاجرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ أي بإذنه، وإلا فلم يرافق النبي صلى الله عليه وسلم سوى أبي بكر وعامر بن فهيرة كما تقدم، وقد أعاد المصنف هذا الحديث في هذا الباب، وستأتي الإشارة إليه بعد بضعة عشر حديثا، وسيأتي شرح هذا الحديث مستوفى في كتاب الرقاق، ومضى شيء منه في كتاب الجنائز‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ هُوَ ابْنُ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ

الشرح‏:‏

حديث عمر ‏"‏ الأعمال بالنية ‏"‏ أورده مختصرا، وقد تقدم شرحه مستوفى في أول الكتاب، ويحيى هو ابن سعيد الأنصاري، وهو الذي لا يثبت هذا الحديث إلا من طريقه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ يَزِيدَ الدِّمَشْقِيُّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو عَمْرٍو الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ عَبْدَةَ بْنِ أَبِي لُبَابَةَ عَنْ مُجَاهِدِ بْنِ جَبْرٍ الْمَكِّيِّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ يَقُولُ لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثني إسحاق ابن يزيد الدمشقي‏)‏ هو إسحاق بن إبراهيم بن يزيد الفراديسي الدمشقي أبو النضر، نسبه هنا إلى جده، وكذلك في الزكاة وفي الجهاد، وجزم بأنه الفراديسي الكلاباذي وآخرون، وتفرد الباجي فأفرده بترجمة ونسبه خراسانيا، ولم يعرف من حاله على ذلك، وقول الجماعة أولى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عبدة بن أبي لبابة‏)‏ بضم اللام والموحدتين الأولى خفيفة الأسدي كوفي نزل دمشق وكنيته أبو القاسم، ولا يعرف اسم أبيه‏.‏

قال الأوزاعي‏:‏ لم يقدم علينا من العراق أفضل منه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن عبد الله بن عمر كان يقول لا هجرة بعد الفتح‏)‏ هذا موقوف، وسيأتي شرحه في الذي بعده‏.‏

الحديث‏:‏

قَالَ يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ وَحَدَّثَنِي الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ زُرْتُ عَائِشَةَ مَعَ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيِّ فَسَأَلْنَاهَا عَنْ الْهِجْرَةِ فَقَالَتْ لَا هِجْرَةَ الْيَوْمَ كَانَ الْمُؤْمِنُونَ يَفِرُّ أَحَدُهُمْ بِدِينِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَخَافَةَ أَنْ يُفْتَنَ عَلَيْهِ فَأَمَّا الْيَوْمَ فَقَدْ أَظْهَرَ اللَّهُ الْإِسْلَامَ وَالْيَوْمَ يَعْبُدُ رَبَّهُ حَيْثُ شَاءَ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال يحيى بن حمزة‏:‏ وحدثني الأوزاعي‏)‏ هو معطوف على الذي قبله، وقد أفردهما في أواخر غزوة الفتح، وأورد كل واحد منهما عن إسحاق بن يزيد المذكور بإسناده‏.‏

وأخرج ابن حبان الثاني من طريق الوليد بن مسلم عن الأوزاعي قال‏:‏ ‏"‏ سألته عن انقطاع فضيلة الهجرة إلى الله ورسوله فقال ‏"‏ فذكره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عطاء‏)‏ في رواية ابن حبان ‏"‏ حدثنا عطاء‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏زرت عائشة مع عبيد بن عمير الليثي‏)‏ تقدم في أبواب الطواف من الحج أنها كانت حينئذ مجاورة في جبل ثبير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فسألها عن الهجرة‏)‏ أي التي كانت قبل الفتح واجبة إلى المدينة ثم نسخت بقوله‏:‏ ‏"‏ لا هجرة بعد الفتح ‏"‏ وأصل الهجرة هجر الوطن، وأكثر ما يطلق على من رحل من البادية إلى القرية، ووقع عند الأموي في المغازي من وجه آخر عن عطاء ‏"‏ فقالت إنما كانت الهجرة قبل فتح مكة والنبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا هجرة اليوم‏)‏ أي بعد الفتح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان المؤمنون يفر أحدهم بدينه إلخ‏)‏ أشارت عائشة إلى بيان مشروعية الهجرة وأن سببها خوف الفتنة، والحكم يدور مع علته، فمقتضاه أن من قدر على عبادة الله في أي موضع اتفق لم تجب عليه الهجرة منه وإلا وجبت، ومن ثم قال الماوردي‏:‏ إذا قدر على إظهار الدين في بلد من بلاد الكفر فقد صارت البلد به دار إسلام، فالإقامة فيها أفضل من الرحلة منها لما يترجى من دخول غيره في الإسلام، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في أوائل الجهاد في ‏"‏ باب وجوب النفير ‏"‏ في الجمع بين حديث ابن عباس ‏"‏ لا هجرة بعد الفتح ‏"‏ وحديث عبد الله بن السعدي ‏"‏ لا تنقطع الهجرة ‏"‏ وقال الخطابي‏:‏ كانت الهجرة أي إلى النبي صلى الله عليه وسلم في أول الإسلام مطلوبة، ثم افترضت لما هاجر إلى المدينة إلى حضرته للقتال معه وتعلم شرائع الدين، وقد أكد الله ذلك في عدة آيات حتى قطع الموالاة بين من هاجر ومن لم يهاجر فقال تعالى‏:‏ ‏(‏والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا‏)‏ فلما فتحت مكة ودخل الناس في الإسلام من جميع القبائل سقطت الهجرة الواجبة وبقي الاستحباب‏.‏

وقال البغوي في ‏"‏ شرح السنة ‏"‏‏:‏ يحتمل الجمع بينهما بطريق أخرى‏.‏

بقوله‏:‏ ‏"‏ لا هجرة بعد الفتح ‏"‏ أي من مكة إلى المدينة، وقوله‏:‏ ‏"‏ لا تنقطع ‏"‏ أي من دار الكفر في حق من أسلم إلى دار الإسلام، قال‏:‏ ويحتمل وجها آخر وهو أن قوله لا هجرة أي إلى النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان بنية عدم الرجوع إلى الوطن المهاجر منه إلا بإذن، وقوله‏:‏ ‏"‏ لا تنقطع ‏"‏ أي هجرة من هاجر على غير هذا الوصف من الأعراب ونحوهم‏.‏

قلت‏:‏ الذي يظهر أن المراد بالشق الأول وهو المنفي ما ذكره في الاحتمال الأخير، وبالشق الآخر المثبت ما ذكره في الاحتمال الذي قبله، وقد أفصح ابن عمر بالمراد فيما أخرجه الإسماعيلي بلفظ ‏"‏ انقطعت الهجرة بعد الفتح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار ‏"‏ أي ما دام في الدنيا دار كفر، فالهجرة واجبة منها على من أسلم وخشي أن يفتن عن دينه، ومفهومه أنه لو قدر أن يبقى في الدنيا دار كفر أن الهجرة تنقطع لانقطاع موجبها والله أعلم‏.‏

وأطلق ابن التين أن الهجرة من مكة إلى المدينة كانت واجبة وأن من أقام بمكة بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بغير عذر كان كافرا، وهو إطلاق مردود، والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ قَالَ هِشَامٌ فَأَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ سَعْدًا قَالَ اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أُجَاهِدَهُمْ فِيكَ مِنْ قَوْمٍ كَذَّبُوا رَسُولَكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْرَجُوهُ اللَّهُمَّ فَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّكَ قَدْ وَضَعْتَ الْحَرْبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ وَقَالَ أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ أَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ مِنْ قَوْمٍ كَذَّبُوا نَبِيَّكَ وَأَخْرَجُوهُ مِنْ قُرَيْشٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن هشام‏)‏ هو ابن عروة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن سعدا‏)‏ هو ابن معاذ، وسيأتي شرح هذا في غزوة بني قريظة، وأورده هنا مختصرا لما يتعلق بقريش الذين أحوجوا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الخروج عن وطنه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبان بن يزيد هو العطار إلخ‏)‏ يعني أن أبان وافق ابن نمير في روايته عن هشام لهذا الحديث وأفصح بتعيين القوم الذين أبهموا وأنهم قريش، وزعم الداودي أن المراد بالقوم قريظة، ثم قال في الرواية المعلقة‏:‏ هذا ليس بمحفوظ، وهو إقدام منه على رد الروايات الثابتة بالظن الخائب، وذلك أن في رواية ابن نمير أيضا ما يدل على أن المراد بالقوم قريش، وإنما تفرد أبان بذكر قريش في الموضع الأول، وإلا فسيأتي في المغازي في بقية هذا الحديث من كلام سعد وقال‏:‏ ‏"‏ اللهم فإن كان بقي من حرب قريش شيء فأبقني له ‏"‏ الحديث، وأيضا ففي الموضع الذي اقتصر الداودي، على النظر فيه ما يدل على أن المراد قريش، لأن فيه ‏"‏ من قوم كذبوا رسولك وأخرجوه ‏"‏ فإن هذه القصة مختصة بقريش لأنهم الذين أخرجوه، وأما قريظة فلا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مَطَرُ بْنُ الْفَضْلِ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَرْبَعِينَ سَنَةً فَمَكُثَ بِمَكَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً يُوحَى إِلَيْهِ ثُمَّ أُمِرَ بِالْهِجْرَةِ فَهَاجَرَ عَشْرَ سِنِينَ وَمَاتَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا هشام‏)‏ هو ابن حسان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فمكث بمكة ثلاث عشرة‏)‏ هذا أصح مما أخرجه أحمد عن يحيى بن سعيد عن هشام بن حسان بهذا الإسناد قال‏:‏ ‏"‏ أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وأربعين، فمكث بمكة عشرا ‏"‏ وأصح مما أخرجه مسلم من وجه آخر عن ابن عباس ‏"‏ أن إقامة النبي صلى الله عليه وسلم بمكة كانت خمس عشرة سنة ‏"‏ وقد تقدم بيان ذلك في كتاب المبعث، وسيأتي بقيـة الكلام عليه في الوفاة إن شاء الله تعالى‏.‏

وقوله هنا‏:‏ ‏(‏فهاجر عشر سنين‏)‏ أي أقام مهاجرا عشر سنين، وهو كقوله تعالى‏:‏ ‏(‏فأماته الله مائة عام‏)‏ ‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عُبَيْدٍ يَعْنِي ابْنَ حُنَيْنٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ إِنَّ عَبْدًا خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا مَا شَاءَ وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَهُ فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا فَعَجِبْنَا لَهُ وَقَالَ النَّاسُ انْظُرُوا إِلَى هَذَا الشَّيْخِ يُخْبِرُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَبْدٍ خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ وَهُوَ يَقُولُ فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْمُخَيَّرَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ هُوَ أَعْلَمَنَا بِهِ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ مِنْ أَمَنِّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبَا بَكْرٍ وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا مِنْ أُمَّتِي لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ إِلَّا خُلَّةَ الْإِسْلَامِ لَا يَبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ خَوْخَةٌ إِلَّا خَوْخَةُ أَبِي بَكْرٍ

الشرح‏:‏

حديث أبي سعيد، تقدم شرحه في ‏"‏ مناقب أبي بكر ‏"‏ مستوفى، وقوله فيه‏:‏ ‏(‏فقال الناس انظروا إلى هذا الشيخ‏)‏ في حديث ابن عباس عند البلاذري في نحو هذه القصة ‏"‏ فقال له أبو سعيد الخدري‏.‏

يا أبا بكر ما يبكيك ‏"‏ فذكر الحديث‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ قَطُّ إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلَّا يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَرَفَيْ النَّهَارِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً فَلَمَّا ابْتُلِيَ الْمُسْلِمُونَ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا نَحْوَ أَرْضِ الْحَبَشَةِ حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَرْكَ الْغِمَادِ لَقِيَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ وَهُوَ سَيِّدُ الْقَارَةِ فَقَالَ أَيْنَ تُرِيدُ يَا أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَخْرَجَنِي قَوْمِي فَأُرِيدُ أَنْ أَسِيحَ فِي الْأَرْضِ وَأَعْبُدَ رَبِّي قَالَ ابْنُ الدَّغِنَةِ فَإِنَّ مِثْلَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ لَا يَخْرُجُ وَلَا يُخْرَجُ إِنَّكَ تَكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتَقْرِي الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ فَأَنَا لَكَ جَارٌ ارْجِعْ وَاعْبُدْ رَبَّكَ بِبَلَدِكَ فَرَجَعَ وَارْتَحَلَ مَعَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ فَطَافَ ابْنُ الدَّغِنَةِ عَشِيَّةً فِي أَشْرَافِ قُرَيْشٍ فَقَالَ لَهُمْ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لَا يَخْرُجُ مِثْلُهُ وَلَا يُخْرَجُ أَتُخْرِجُونَ رَجُلًا يَكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَيَصِلُ الرَّحِمَ وَيَحْمِلُ الْكَلَّ وَيَقْرِي الضَّيْفَ وَيُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ فَلَمْ تُكَذِّبْ قُرَيْشٌ بِجِوَارِ ابْنِ الدَّغِنَةِ وَقَالُوا لِابْنِ الدَّغِنَةِ مُرْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيَعْبُدْ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فَلْيُصَلِّ فِيهَا وَلْيَقْرَأْ مَا شَاءَ وَلَا يُؤْذِينَا بِذَلِكَ وَلَا يَسْتَعْلِنْ بِهِ فَإِنَّا نَخْشَى أَنْ يَفْتِنَ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا فَقَالَ ذَلِكَ ابْنُ الدَّغِنَةِ لِأَبِي بَكْرٍ فَلَبِثَ أَبُو بَكْرٍ بِذَلِكَ يَعْبُدُ رَبَّهُ فِي دَارِهِ وَلَا يَسْتَعْلِنُ بِصَلَاتِهِ وَلَا يَقْرَأُ فِي غَيْرِ دَارِهِ ثُمَّ بَدَا لِأَبِي بَكْرٍ فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ وَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَيَنْقَذِفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ وَهُمْ يَعْجَبُونَ مِنْهُ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلًا بَكَّاءً لَا يَمْلِكُ عَيْنَيْهِ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ وَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَأَرْسَلُوا إِلَى ابْنِ الدَّغِنَةِ فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ فَقَالُوا إِنَّا كُنَّا أَجَرْنَا أَبَا بَكْرٍ بِجِوَارِكَ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فَقَدْ جَاوَزَ ذَلِكَ فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ فَأَعْلَنَ بِالصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ فِيهِ وَإِنَّا قَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا فَانْهَهُ فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فَعَلَ وَإِنْ أَبَى إِلَّا أَنْ يُعْلِنَ بِذَلِكَ فَسَلْهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْكَ ذِمَّتَكَ فَإِنَّا قَدْ كَرِهْنَا أَنْ نُخْفِرَكَ وَلَسْنَا مُقِرِّينَ لِأَبِي بَكْرٍ الِاسْتِعْلَانَ قَالَتْ عَائِشَةُ فَأَتَى ابْنُ الدَّغِنَةِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ قَدْ عَلِمْتَ الَّذِي عَاقَدْتُ لَكَ عَلَيْهِ فَإِمَّا أَنْ تَقْتَصِرَ عَلَى ذَلِكَ وَإِمَّا أَنْ تَرْجِعَ إِلَيَّ ذِمَّتِي فَإِنِّي لَا أُحِبُّ أَنْ تَسْمَعَ الْعَرَبُ أَنِّي أُخْفِرْتُ فِي رَجُلٍ عَقَدْتُ لَهُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فَإِنِّي أَرُدُّ إِلَيْكَ جِوَارَكَ وَأَرْضَى بِجِوَارِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُسْلِمِينَ إِنِّي أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لَابَتَيْنِ وَهُمَا الْحَرَّتَانِ فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ الْمَدِينَةِ وَرَجَعَ عَامَّةُ مَنْ كَانَ هَاجَرَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ قِبَلَ الْمَدِينَةِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رِسْلِكَ فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَهَلْ تَرْجُو ذَلِكَ بِأَبِي أَنْتَ قَالَ نَعَمْ فَحَبَسَ أَبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَصْحَبَهُ وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ وَهُوَ الْخَبَطُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ قَالَ عُرْوَةُ قَالَتْ عَائِشَةُ فَبَيْنَمَا نَحْنُ يَوْمًا جُلُوسٌ فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ قَالَ قَائِلٌ لِأَبِي بَكْرٍ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَقَنِّعًا فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فِدَاءٌ لَهُ أَبِي وَأُمِّي وَاللَّهِ مَا جَاءَ بِهِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلَّا أَمْرٌ قَالَتْ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَأْذَنَ فَأُذِنَ لَهُ فَدَخَلَ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ إِنَّمَا هُمْ أَهْلُكَ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَإِنِّي قَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصَّحَابَةُ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ فَخُذْ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِحْدَى رَاحِلَتَيَّ هَاتَيْنِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالثَّمَنِ

قَالَتْ عَائِشَةُ فَجَهَّزْنَاهُمَا أَحَثَّ الْجِهَازِ وَصَنَعْنَا لَهُمَا سُفْرَةً فِي جِرَابٍ فَقَطَعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ قِطْعَةً مِنْ نِطَاقِهَا فَرَبَطَتْ بِهِ عَلَى فَمِ الْجِرَابِ فَبِذَلِكَ سُمِّيَتْ ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ قَالَتْ ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ بِغَارٍ فِي جَبَلِ ثَوْرٍ فَكَمَنَا فِيهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ يَبِيتُ عِنْدَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ غُلَامٌ شَابٌّ ثَقِفٌ لَقِنٌ فَيُدْلِجُ مِنْ عِنْدِهِمَا بِسَحَرٍ فَيُصْبِحُ مَعَ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ كَبَائِتٍ فَلَا يَسْمَعُ أَمْرًا يُكْتَادَانِ بِهِ إِلَّا وَعَاهُ حَتَّى يَأْتِيَهُمَا بِخَبَرِ ذَلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلَامُ وَيَرْعَى عَلَيْهِمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ مِنْحَةً مِنْ غَنَمٍ فَيُرِيحُهَا عَلَيْهِمَا حِينَ تَذْهَبُ سَاعَةٌ مِنْ الْعِشَاءِ فَيَبِيتَانِ فِي رِسْلٍ وَهُوَ لَبَنُ مِنْحَتِهِمَا وَرَضِيفِهِمَا حَتَّى يَنْعِقَ بِهَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ بِغَلَسٍ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلَاثِ وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلًا مِنْ بَنِي الدِّيلِ وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ عَدِيٍّ هَادِيَا خِرِّيتًا وَالْخِرِّيتُ الْمَاهِرُ بِالْهِدَايَةِ قَدْ غَمَسَ حِلْفًا فِي آلِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيِّ وَهُوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ فَأَمِنَاهُ فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلَاثِ لَيَالٍ بِرَاحِلَتَيْهِمَا صُبْحَ ثَلَاثٍ وَانْطَلَقَ مَعَهُمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ وَالدَّلِيلُ فَأَخَذَ بِهِمْ طَرِيقَ السَّوَاحِلِ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَالِكٍ الْمُدْلِجِيُّ وَهُوَ ابْنُ أَخِي سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ سُرَاقَةَ بْنَ جُعْشُمٍ يَقُولُ جَاءَنَا رُسُلُ كُفَّارِ قُرَيْشٍ يَجْعَلُونَ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ دِيَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَنْ قَتَلَهُ أَوْ أَسَرَهُ فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ قَوْمِي بَنِي مُدْلِجٍ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ حَتَّى قَامَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ جُلُوسٌ فَقَالَ يَا سُرَاقَةُ إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ آنِفًا أَسْوِدَةً بِالسَّاحِلِ أُرَاهَا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ قَالَ سُرَاقَةُ فَعَرَفْتُ أَنَّهُمْ هُمْ فَقُلْتُ لَهُ إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِهِمْ وَلَكِنَّكَ رَأَيْتَ فُلَانًا وَفُلَانًا انْطَلَقُوا بِأَعْيُنِنَا ثُمَّ لَبِثْتُ فِي الْمَجْلِسِ سَاعَةً ثُمَّ قُمْتُ فَدَخَلْتُ فَأَمَرْتُ جَارِيَتِي أَنْ تَخْرُجَ بِفَرَسِي وَهِيَ مِنْ وَرَاءِ أَكَمَةٍ فَتَحْبِسَهَا عَلَيَّ وَأَخَذْتُ رُمْحِي فَخَرَجْتُ بِهِ مِنْ ظَهْرِ الْبَيْتِ فَحَطَطْتُ بِزُجِّهِ الْأَرْضَ وَخَفَضْتُ عَالِيَهُ حَتَّى أَتَيْتُ فَرَسِي فَرَكِبْتُهَا فَرَفَعْتُهَا تُقَرِّبُ بِي حَتَّى دَنَوْتُ مِنْهُمْ فَعَثَرَتْ بِي فَرَسِي فَخَرَرْتُ عَنْهَا فَقُمْتُ فَأَهْوَيْتُ يَدِي إِلَى كِنَانَتِي فَاسْتَخْرَجْتُ مِنْهَا الْأَزْلَامَ فَاسْتَقْسَمْتُ بِهَا أَضُرُّهُمْ أَمْ لَا فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ فَرَكِبْتُ فَرَسِي وَعَصَيْتُ الْأَزْلَامَ تُقَرِّبُ بِي حَتَّى إِذَا سَمِعْتُ قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ لَا يَلْتَفِتُ وَأَبُو بَكْرٍ يُكْثِرُ الِالْتِفَاتَ سَاخَتْ يَدَا فَرَسِي فِي الْأَرْضِ حَتَّى بَلَغَتَا الرُّكْبَتَيْنِ فَخَرَرْتُ عَنْهَا ثُمَّ زَجَرْتُهَا فَنَهَضَتْ فَلَمْ تَكَدْ تُخْرِجُ يَدَيْهَا فَلَمَّا اسْتَوَتْ قَائِمَةً إِذَا لِأَثَرِ يَدَيْهَا عُثَانٌ سَاطِعٌ فِي السَّمَاءِ مِثْلُ الدُّخَانِ فَاسْتَقْسَمْتُ بِالْأَزْلَامِ فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ فَنَادَيْتُهُمْ بِالْأَمَانِ فَوَقَفُوا فَرَكِبْتُ فَرَسِي حَتَّى جِئْتُهُمْ وَوَقَعَ فِي نَفْسِي حِينَ لَقِيتُ مَا لَقِيتُ مِنْ الْحَبْسِ عَنْهُمْ أَنْ سَيَظْهَرُ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فَقُلْتُ لَهُ إِنَّ قَوْمَكَ قَدْ جَعَلُوا فِيكَ الدِّيَةَ وَأَخْبَرْتُهُمْ أَخْبَارَ مَا يُرِيدُ النَّاسُ بِهِمْ وَعَرَضْتُ عَلَيْهِمْ الزَّادَ وَالْمَتَاعَ فَلَمْ يَرْزَآنِي وَلَمْ يَسْأَلَانِي إِلَّا أَنْ قَالَ أَخْفِ عَنَّا فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَكْتُبَ لِي كِتَابَ أَمْنٍ فَأَمَرَ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ فَكَتَبَ فِي رُقْعَةٍ مِنْ أَدِيمٍ ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَ الزُّبَيْرَ فِي رَكْبٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا تِجَارًا قَافِلِينَ مِنْ الشَّأْمِ فَكَسَا الزُّبَيْرُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ ثِيَابَ بَيَاضٍ وَسَمِعَ الْمُسْلِمُونَ بِالْمَدِينَةِ مَخْرَجَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ فَكَانُوا يَغْدُونَ كُلَّ غَدَاةٍ إِلَى الْحَرَّةِ فَيَنْتَظِرُونَهُ حَتَّى يَرُدَّهُمْ حَرُّ الظَّهِيرَةِ فَانْقَلَبُوا يَوْمًا بَعْدَ مَا أَطَالُوا انْتِظَارَهُمْ فَلَمَّا أَوَوْا إِلَى بُيُوتِهِمْ أَوْفَى رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ عَلَى أُطُمٍ مِنْ آطَامِهِمْ لِأَمْرٍ يَنْظُرُ إِلَيْهِ فَبَصُرَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ مُبَيَّضِينَ يَزُولُ بِهِمْ السَّرَابُ فَلَمْ يَمْلِكْ الْيَهُودِيُّ أَنْ قَالَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا مَعَاشِرَ الْعَرَبِ هَذَا جَدُّكُمْ الَّذِي تَنْتَظِرُونَ فَثَارَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى السِّلَاحِ فَتَلَقَّوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِظَهْرِ الْحَرَّةِ فَعَدَلَ بِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ حَتَّى نَزَلَ بِهِمْ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَذَلِكَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ لِلنَّاسِ وَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَامِتًا فَطَفِقَ مَنْ جَاءَ مِنْ الْأَنْصَارِ مِمَّنْ لَمْ يَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَيِّي أَبَا بَكْرٍ حَتَّى أَصَابَتْ الشَّمْسُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى ظَلَّلَ عَلَيْهِ بِرِدَائِهِ فَعَرَفَ النَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ فَلَبِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً وَأُسِّسَ الْمَسْجِدُ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى وَصَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ فَسَارَ يَمْشِي مَعَهُ النَّاسُ حَتَّى بَرَكَتْ عِنْدَ مَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ يُصَلِّي فِيهِ يَوْمَئِذٍ رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ مِرْبَدًا لِلتَّمْرِ لِسُهَيْلٍ وَسَهْلٍ غُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي حَجْرِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ الْمَنْزِلُ ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغُلَامَيْنِ فَسَاوَمَهُمَا بِالْمِرْبَدِ لِيَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا فَقَالَا لَا بَلْ نَهَبُهُ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْهُمَا هِبَةً حَتَّى ابْتَاعَهُ مِنْهُمَا ثُمَّ بَنَاهُ مَسْجِدًا وَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْقُلُ مَعَهُمْ اللَّبِنَ فِي بُنْيَانِهِ وَيَقُولُ وَهُوَ يَنْقُلُ اللَّبِنَ هَذَا الْحِمَالُ لَا حِمَالَ خَيْبَرْ هَذَا أَبَرُّ رَبَّنَا وَأَطْهَرْ وَيَقُولُ اللَّهُمَّ إِنَّ الْأَجْرَ أَجْرُ الْآخِرَهْ فَارْحَمْ الْأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ فَتَمَثَّلَ بِشِعْرِ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يُسَمَّ لِي قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَلَمْ يَبْلُغْنَا فِي الْأَحَادِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَمَثَّلَ بِبَيْتِ شِعْرٍ تَامٍّ غَيْرَ هَذَا الْبَيْتِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏لم أعقل أبوي‏)‏ يعني أبا بكر وأم رومان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يدينان الدين‏)‏ بالنصب على نزع الخافض أي يدينان بدين الإسلام، أو هو مفعول به على التجوز‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلما ابتلي المسلمون‏)‏ أي بأذى المشركين لما حصروا بني هاشم والمطلب في شعب أبي طالب وأذن النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه في الهجرة إلى الحبشة كما تقدم بيانه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏خرج أبو بكر مهاجرا نحو أرض الحبشة‏)‏ أي ليلحق بمن سبقه إليها من المسلمين، وقد قدمت أن الذين هاجروا إلى الحبشة أولا ساروا إلى جدة وهي ساحل مكة ليركبوا منها البحر إلى الحبشة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏برك الغماد‏)‏ أما برك فهو بفتح الموحدة وسكون الراء بعدها كاف وحكي كسر أوله، وأما الغماد فهو بكسر المعجمة وقد تضم وبتخفيف الميم، وحكى ابن فارس فيها ضم الغين، موضع على خمس ليال من مكة إلى جهة اليمن‏.‏

وقال البكري‏:‏ هي أقاصي هجر، وحكى الهمداني في أنساب اليمن‏:‏ هو في أقصى اليمنى، والأول أولى‏.‏

وقال ابن خالويه حضرت مجلس المحاملي وفيه زهاء ألف، فأملى عليهم حديثا فيه‏:‏ ‏"‏ فقالت الأنصار لو دعوتنا إلى برك الغماد ‏"‏ قالها بالكسر، فقلت للمستملي‏:‏ هو بالضم، فذكر له ذاك، فقال لي‏:‏ وما هو‏؟‏ قلت‏:‏ سألت ابن دريد عنه فقال‏:‏ هو بقعة في جهنم‏.‏

فقال المحاملي‏:‏ وكذا في كتابي على الغين ضمة‏.‏

قال ابن خالويه وأنشد ابن دريد‏:‏

وإذا تنكرت البلاـ*ـد ‏[‏البلاد‏]‏ فأولها كنف البعاد

واجعل مقامك أو مقرـ*ـك ‏[‏مقرك‏]‏ جانبي برك الغماد

لست ابن أم القاطنـ*ـين ‏[‏القاطنين‏]‏ ولا ابن عم للبلاد

قال ابن خالويه‏:‏ وسألت أبا عمر - يعني غلام ثعلب - فقال‏:‏ هو بالكسر والضم موضع باليمن، قال وموضع باليمن أوله بالكسر لكن آخره راء مهملة، وهو عند بئر برهوت الذي يقال إن أرواح الكفار تكون فيها ا ه واستبعد بعض المتأخرين ما ذكره ابن دريد فقال‏:‏ القول بأنه موضع باليمن أنسب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يدعوهم إلى جهنم‏.‏

وخفي عليهم أن هذا بطريق المبالغة فلا يراد به الحقيقة، ثم ظهر لي أن لا تنافي بين القولين، فيحمل قوله‏:‏ جهنم على مجاز المجاورة بناء على القول بأن برهوت مأوى أرواح الكفار وهم أهل النار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ابن الدغنة‏)‏ بضم المهملة والمعجمة وتشديد النون عند أهل اللغة، وعند الرواة بفتح أوله وكسر ثانيه وتخفيف النون، قال الأصيلي وقرأه لنا المروزي بفتح الغين، وقيل‏:‏ إن ذلك كان لاسترخاء في لسانه والصواب الكسر، وثبت بالتخفيف والتشديد من طريق، وهي أمه وقيل أم أبيه وقيل دابته، ومعنى الدغنة المسترخية وأصلها الغمامة الكثيرة المطر، واختلف في اسمه فعند البلاذري من طريق الواقدي عن معمر عن الزهري أنه الحارث بن يزيد، وحكى السهيلي أن اسمه مالك، ووقع في ‏"‏ شرح الكرماني ‏"‏ أن ابن إسحاق سماه ربيعة بن رفيع؛ وهو وهم من الكرماني فإن ربيعة المذكور آخر يقال له ابن الدغنة أيضا لكنه سلمي، والمذكور هنا من القارة فاختلفا، وأيضا السلمي إنما ذكره ابن إسحاق في غزوة حنين وأنه صحابي قتل دريد بن الصمة، ولم يذكره ابن إسحاق في قصة الهجرة‏.‏

وفي الصحابة ثالث يقال له ابن الدغنة لكن اسمه حابس وهو كلبي، له قصة في سبب إسلامه وأنه رأى شخصا من الجن فقال له ‏"‏ يا حابس بن دغنة يا حابس ‏"‏ في أبيات، وهو مما يرجح رواية التخفيف في الدغنة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهو سيد القارة‏)‏ بالقاف وتخفيف الراء، وهي قبيلة مشهورة من بني الهون، بالضم والتخفيف، ابن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر وكانوا حلفاء بني زهرة من قريش، وكانوا يضرب بهم المثل في قوة الرمي، قال الشاعر‏:‏ قد أنصف القارة من راماها قوله‏:‏ ‏(‏أخرجني قومي‏)‏ أي تسببوا في إخراجي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأريد أن أسيح‏)‏ بالمهملتين، لعل أبا بكر طوى عن ابن الدغنة تعيين جهة مقصده لكونه كان كافرا، وإلا فقد تقدم أنه قصد التوجه إلى أرض الحبشة، ومن المعلوم أنه لا يصل إليها من الطريق التي قصدها حتى يسير في الأرض وحده زمانا فيصدق أنه سائح، لكن حقيقة السياحة أن لا يقصد موضعا بعينه يستقر فيه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وتكسب المعدوم‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ المعدم ‏"‏ وقد تقدم شرح هذه الكلمات في حديث بدء الوحي أول الكتاب، وفي موافقة وصف ابن الدغنة لأبي بكر بمثل ما وصفت به خديجة النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على عظيم فضل أبي بكر واتصافه بالصفات البالغة في أنواع الكمال‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأنا لك جار‏)‏ أي مجير أمنع من يؤذيك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فرجع‏)‏ أي أبو بكر ‏(‏وارتحل معه ابن الدغنة‏)‏ وقع في الكفالة ‏"‏ وارتحل ابن الدغنة فرجع مع أبي بكر ‏"‏ والمراد في الروايتين مطلق المصاحبة، إلا فالتحقيق ما في هذا الباب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا يخرج مثله‏)‏ أي من وطنه باختياره على نية الإقامة في غيره مع ما فيه من النفع المتعدي لأهل بلده ‏(‏ولا يخرج‏)‏ أي ولا يخرجه أحد بغير اختياره للمعنى المذكور، واستنبط بعض المالكية من هذا أن من كانت فيه منفعة متعدية لا يمكن من الانتقال عن البلد إلى غيره بغير ضرورة راجحة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلم تكذب قريش‏)‏ أي لم ترد عليه قوله في أمان أبي بكر، وكل من كذبك فقد رد قولك، فأطلق التكذيب وأراد لازمه، وتقدم في الكفارة بلفظ ‏"‏ فأنفذت قريش جوار ابن الدغنة وآمنت أبا بكر ‏"‏ وقد استشكل هذا مع ما ذكر ابن إسحاق في قصة خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف وسؤاله حين رجع الأخنس بن شريق أن يدخل في جواره فاعتذر بأنه حليف، وكان أيضا من حلفاء بني زهرة، ويمكن الجواب بأن ابن الدغنة رغب في إجارة أبي بكر، والأخنس لم يرغب فيما التمس منه فلم يثرب النبي صلى الله عليه وسلم عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بجوار‏)‏ بكسر الجيم وبضمها، وقد تقدم بيان المراد منه في كتاب الكفالة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مر أبا بكر فليعبد ربه‏)‏ دخلت الفاء على شيء محذوف لا يخفى تقديره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلبث أبو بكر‏)‏ تقدم في الكفالة بلفظ ‏"‏ فطفق ‏"‏ أي جعل، ولم يقع لي بيان المدة التي أقام فيها أبو بكر على ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم بدا لأبي بكر‏)‏ أي ظهر له رأي غير الرأي الأول‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بفناء داره‏)‏ بكسر الفاء وتخفيف النون وبالمد أي أمامها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فينقذف‏)‏ بالمثناة والقاف والذال المعجمة الثقيلة، تقدم في الكفالة بلفظ ‏"‏ ‏"‏ فيتقصف ‏"‏ أي يزدحمون عليه حتى يسقط بعضهم على بعض فيكاد ينكسر، وأطلق يتقصف مبالغة، قال الخطابي‏:‏ هو المحفوظ، وأما يتقذف فلا معنى له إلا أن يكون من القذف أي يتدافعون فيقذف بعضهم بعضا فيتساقطون عليه فيرجع إلى معنى الأول، وللكشميهني بنون وسكون القاف وكسر الصاد أي يسقط‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بكاء‏)‏ بالتشديد أي كثير البكاء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا يملك عينيه‏)‏ أي لا يطيق إمساكهما عن البكاء من رقة قلبه‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏إذا قرأ‏)‏ إذا ظرفية والعامل فيه لا يملك، أو هي شرطية والجزاء مقدر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأفزع ذلك‏)‏ أي أخاف الكفار لما يعلمونه من رقة قلوب النساء والشباب أن يميلوا إلى دين الإسلام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقدم عليهم‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ فقدم عليه ‏"‏ أي على أبي بكر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن يفتن نساءنا‏)‏ بالنصب على المفعولية وفاعله أبو بكر، كذا لأبي ذر، وللباقين ‏"‏ أن يفتن ‏"‏ بضم أوله ‏"‏ نساؤنا ‏"‏ بالرفع على البناء للمجهول‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أجرنا‏)‏ بالجيم والراء للأكثر، وللقابسي بالزاي أي أبحنا له، والأول أوجه، والألف مقصورة في الروايتين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فاسأله‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ فسله‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ذمتك‏)‏ أي أمانك له‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نخفرك‏)‏ بضم أوله وبالخاء المعجمة وكسر الفاء أي نغدر بك، يقال خفره إذا حفظه، وأخفره إذا غدر به‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مقرين لأبي بكر الاستعلان‏)‏ أي لا نسكت عن الإنكار عليه للمعنى الذي ذكروه من الخشية على نسائهم وأبنائهم أن يدخلوا في دينه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأرضى بجوار الله‏)‏ أي أمانه وحمايته‏.‏

وفيه جواز الأخذ بالأشد في الدين، وقوة يقين أبي بكر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والنبي صلى الله عليه وسلم يومئذ بمكة‏)‏ في هذا الفصل من فضائل الصديق أشياء كثيرة قد امتاز بها عمن سواه ظاهرة لمن تأملها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بين لابتين وهما الحرتان‏)‏ هذا مدرج في الخبر وهو من تفسير الزهري، والحرة أرض حجارتها سود، وهذه الرؤيا غير الرؤيا السابقة أول الباب من حديث أبي موسى التي تردد فيها النبي صلى الله عليه وسلم كما سبق، قال ابن التين‏:‏ كأن النبي صلى الله عليه وسلم أري دار الهجرة بصفة تجمع المدينة وغيرها، ثم أري الصفة المختصة بالمدينة فتعينت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ورجع عامة من كان هاجر بأرض الحبشة إلى المدينة‏)‏ أي لما سمعوا باستيطان المسلمين المدينة رجعوا إلى مكة فهاجر إلى أرض المدينة معظمهم لا جميعهم، لأن جعفرا ومن معه تخلفوا في الحبشة، وهذا السبب في مجيء مهاجرة الحبشة غير السبب المذكور في مجيء من رجع منهم أيضا في الهجرة الأولى، لأن ذاك كان بسبب سجود المشركين مع النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين في سورة النجم فشاع أن المشركين أسلموا وسجدوا فرجع من رجع من الحبشة فوجدوهم أشد ما كانوا كما سيأتي شرحه وبيانه في تفسير سورة النجم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وتجهز أبو بكر قبل المدينة‏)‏ بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهة، وتقدم في الكفالة بلفظ ‏"‏ وخرج أبو بكر مهاجرا ‏"‏ وهو منصوب على الحال المقدرة، والمعنى أراد الخروج طالبا للهجرة‏.‏

وفي رواية هشام بن عروة عن أبيه عند ابن حبان ‏"‏ استأذن أبو بكر النبي صلى الله عليه وسلم في الخروج من مكة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏على رسلك‏)‏ بكسر أوله أي على مهلك، والرسل السير الرفيق‏.‏

وفي رواية ابن حبان ‏"‏ فقال اصبر‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهل ترجو ذلك بأبي أنت‏)‏ لفظ ‏"‏ أنت ‏"‏ مبتدأ وخبره ‏"‏ بأبي ‏"‏ أي مفدى بأبي، ويحتمل أن يكون أنت تأكيدا لفاعل ترجو وبأبي قسم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فحبس نفسه‏)‏ أي منعها من الهجرة‏.‏

وفي رواية ابن حبان ‏"‏ فانتظره أبو بكر رضي الله عنه‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ورق السمر‏)‏ بفتح المهملة وضم الميم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهو الخبط‏)‏ مدرج أيضا في الخبر، وهو من تفسير الزهري، ويقال السمر شجرة أم غيلان، وقيل كل ماله ظل ثخين، وقيل‏:‏ السمر ورق الطلح والخبط بفتح المعجمة والموحدة ما يخبط بالعصا فيسقط من ورق الشجر قاله ابن فارس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أربعة أشهر‏)‏ فيه بيان المدة التي كانت بين ابتداء هجرة الصحابة بين العقبة الأولى والثانية وبين هجرته صلى الله عليه وسلم وقد تقدم في أول الباب بين العقبة الثانية وبين هجرته صلى الله عليه وسلم شهرين وبعض شهر على التحرير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال ابن شهاب إلخ‏)‏ هو بالإسناد المذكور أولا وقد أفرده ابن عائذ في المغازي من طريق الوليد بن محمد عن الزهري، ووقع في رواية هشام بن عروة عند ابن حبان مضموما إلى ما قبله، وعند موسى بن عقبة ‏"‏ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخطئه يوم إلا أتى منزل أبي بكر أول النهار وآخره‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في نحر الظهيرة‏)‏ أي أول الزوال وهو أشد ما يكون في حرارة النهار، والغالب في أيام الحر القيلولة فيها‏.‏

وفي رواية ابن حبان ‏"‏ فأتاه ذات يوم ظهرا ‏"‏ وفي حديث أسماء بنت أبي بكر عند الطبراني ‏"‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتينا بمكة كل يوم مرتين بكرة وعشية، فلما كان يوم من ذلك جاءنا في الظهيرة، فقلت يا أبت هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا رسول الله متقنعا‏)‏ أي مغطيا رأسه‏.‏

وفي رواية موسى بن عقبة عن ابن شهاب ‏"‏ قالت عائشة وليس عند أبي بكر إلا أنا وأسماء ‏"‏ قيل‏:‏ فيه جواز لبس الطيلسان، وجزم ابن القيم بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يلبسه ولا أحد من أصحابه، وأجاب عن الحديث بأن التقنع يخالف التطيلس، قال‏:‏ ولم يكن يفعل التقنع عادة بل للحاجة، وتعقب بأن في حديث أنس ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر التقنع ‏"‏ أخرجه به، وفي طبقات ابن سعد مرسلا ‏"‏ ذكر الطيلسان لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ هذا ثوب لا يؤدي شكره ‏"‏ قوله‏:‏ ‏(‏فداء له‏)‏ بكسر الفاء وبالقصر‏.‏

وفي رواية الكشميهني ‏"‏ فداء ‏"‏ بالمد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما جاء به‏)‏ في رواية يعقوب بن سفيان ‏"‏ إن جاء به ‏"‏ إن هي النافية بمعنى ما‏.‏

وفي رواية موسى بن عقبة ‏"‏ فقال أبو بكر‏:‏ يا رسول الله ما جاء بك إلا أمر حدث‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إنما هم أهلك‏)‏ أشار بذلك إلى عائشة وأسماء كما فسره موسى بن عقبة، ففي روايته قال‏:‏ ‏"‏ أخرج من عندك‏.‏

قال‏:‏ لا عين عليك، إنما هما ابنتاي ‏"‏ وكذلك في رواية هشام بن عروة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإني‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ فإنه‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الصحابة‏)‏ بالنصب أي أريد المصاحبة، ويجوز الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نعم‏)‏ زاد ابن إسحاق في روايته ‏"‏ قالت عائشة‏:‏ فرأيت أبا بكر يبكي، وما كنت أحسب أن أحدا يبكي من الفرح ‏"‏ وفي رواية هشام ‏"‏ فقال‏:‏ الصحبة يا رسول الله، قال‏:‏ الصحبة ‏"‏ قوله‏:‏ ‏(‏إحدى راحلتي هاتين‏.‏

قال‏:‏ بالثمن‏)‏ زاد ابن إسحاق ‏"‏ قال‏:‏ لا أركب بعيرا ليس هو لي، قال‏:‏ فهو لك، قال‏:‏ لا ولكن بالثمن الذي ابتعتها به، قال‏:‏ أخذتها بكذا وكذا، قال أخذتها بذلك، قال‏:‏ هي لك ‏"‏ وفي حديث أسماء بنت أبي بكر عند الطبراني ‏"‏ فقال‏:‏ بثمنها يا أبا بكر، فقال‏:‏ بثمنها إن شئت ‏"‏ ونقل السهيلي في ‏"‏ الروض ‏"‏ عن بعض شيوخ المغرب أنه سئل عن امتناعه من أخذ الراحلة مع أن أبا بكر أنفق عليه ماله، فقال‏:‏ أحب أن لا تكون هجرته إلا من مال نفسه‏.‏

وأفاد الواقدي أن الثمن ثمانمائة وأن التي أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبي بكر هي القصواء، وأنها كانت من نعم بني قشير، وأنها عاشت بعد النبي صلى الله عليه وسلم قليلا وماتت في خلافة أبي بكر، وكانت مرسلة ترعى بالبقيع‏.‏

وذكر ابن إسحاق أنها الجذعاء، وكانت من إبل بني الحريش، وكذا في رواية أخرجها ابن حبان من طريق هشام عن أبيه عن عائشة أنها الجذعاء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أحث الجهاز‏)‏ أحث بالمهملة والمثلثة أفعل تفضيل من الحث وهو الإسراع‏.‏

وفي رواية لأبي ذر ‏"‏ أحب ‏"‏ بالموحدة، والأول أصح‏.‏

والجهاز بفتح الجيم وقد تكسر - ومنهم من أنكر الكسر - وهو ما يحتاج إليه في السفر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وصنعنا لهما سفرة في جراب‏)‏ أي زادا في جراب، لأن أصل السفرة في اللغة الزاد الذي يصنع للمسافر، ثم استعمل في وعاء الزاد، ومثله المزادة للماء، وكذلك الراوية‏.‏

فاستعملت السفرة في هذا الخبر على أصل اللغة‏.‏

وأفاد الواقدي أنه كان في السفرة شاة مطبوخة قوله‏:‏ ‏(‏ذات النطاق‏)‏ يكسر النون، وللكشميهني النطاقين بالتثنية، والنطاق ما يشد به الوسط، وقيل‏:‏ هو إزار فيه تكة، وقيل‏:‏ هو ثوب تلبسه المرأة ثم تشد وسطها بحبل ثم ترسل الأعلى على الأسفل قاله أبو عبيدة الهروي، قال‏:‏ وسميت ذات النطاقين لأنها كانت تجعل نطاقا على نطاق، وقيل‏:‏ كان لها نطاقان تلبس أحدهما وتجعل في الأخر الزاد ا ه‏.‏

والمحفوظ كما سيأتي بعد هذا الحديث أنها شقت نطاقها نصفين فشدت بأحدهما الزاد واقتصرت على الآخر، فمن ثم قيل لها ذات النطاق وذات النطاقين، فالتثنية والإفراد بهذين الاعتبارين‏.‏

وعند ابن سعد من حديث الباب ‏"‏ شقت نطاقها فأوكأت بقطعة منه الجراب وشدت فم القربة بالباقي فسميت ذات النطاقين‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قالت‏:‏ ثم لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بغار في حبل ثور‏)‏ بالمثلثة ذكر الواقدي أنهما خرجا من خوخة في ظهر بيت أبي بكر‏.‏

وقال الحاكم تواترت الأخبار أن خروجه كان يوم الاثنين ودخوله المدينة كان يوم الاثنين، إلا أن محمد بن موسى الخوارزمي قال‏:‏ إنه خرج من مكة يوم الخميس‏.‏

قلت‏:‏ يجمع بينهما بأن خروجه من مكة كان يوم الخميس وخروجه من الغار كان ليلة الاثنين، لأنه أقام فيه ثلاث ليال، فهي ليلة الجمعة وليلة السبت وليلة الأحد وخرج في أثناء ليلة الاثنين‏.‏

ووقع في رواية هشام بن عروة عند ابن حبان ‏"‏ فركبا حتى أتيا الغار وهو ثور، فتواريا فيه ‏"‏ وذكر موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال‏:‏ ‏"‏ فرقد علي على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم يوري عنه، وباتت قريش تختلف وتأتمر أيهم يهجم على صاحب الفراش فيوثقه، حتى أصبحوا فإذا هم بعلي؛ فسألوه، فقال‏:‏ لا علم لي فعلموا أنه فر منهم ‏"‏ وذكر ابن إسحاق نحوه وزاد ‏"‏ أن جبريل أمره لا يبيت على فراشه، فدعا عليا فأمره أن يبيت على فراشه ويسجي ببرده الأخضر، ففعل‏.‏

ثم خرج النبي صلى الله عليه وسلم على القوم ومعه حفنة من تراب، فجعل ينثرها على رءوسهم وهو يقرأ يس إلي‏:‏ ‏(‏فهم لا يبصرون‏)‏ ‏.‏

وذكر أحمد من حديث ابن عباس بإسناد حسن في قوله تعالى‏:‏ ‏(‏وإذ يمكر بك الذين كفروا‏)‏ الآية، قال‏:‏ ‏"‏ تشاورت قريش ليلة بمكة، فقال بعضهم‏:‏ إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق، يريدون النبي صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم‏:‏ بل اقتلوه‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ بل أخرجوه‏.‏

فأطلع الله نبيه على ذلك فبات علي على فراش النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة، وخرج - النبي صلى الله عليه وسلم حتى لحق بالغار، وبات المشركون يحرسون عليا يحسبونه النبي صلى الله عليه وسلم، يعني ينتظرونه حتى يقوم فيفعلون به ما اتفقوا عليه، فلما أصبحوا ورأوا عليا رد الله مكرهم فقالوا‏:‏ أين صاحبك هذا‏؟‏ قال‏:‏ لا أدري، فاقتصوا أثره، فلما بلغوا الجبل اختلط عليهم، فصعدوا الجبل فمروا بالغار فرأوا على بابه نسج العنكبوت فقالوا‏:‏ لو دخل هاهنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه، فمكث فيه ثلاث ليال‏"‏‏.‏

وذكر نحو ذلك موسى بن عقبة عن الزهري قال‏:‏ ‏"‏ مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد إلى بقية ذي الحجة والمحرم وصفر، ثم إن مشركي قريش اجتمعوا ‏"‏ فذكر الحديث وفيه ‏"‏ وبات علي على فراش النبي صلى الله عليه وسلم يوري عنه، وباتت قريش يختلفون ويأتمرون أيهم يهجم على صاحب الفراش فيوثقه، فلما أصبحوا إذا هم بعلي ‏"‏ وقال في آخره‏:‏ ‏"‏ فخرجوا في كل وجه يطلبونه ‏"‏ وفي مسند أبي بكر الصديق لأبي بكر بن علي المروزي شيخ النسائي من مرسل الحسن في قصة نسج العنكبوت نحوه، وذكر الواقدي أن قريشا بعثوا في أثرهما قائفين‏:‏ أحدهما كرز بن علقمة، فرأى كرز بن علقمة على الغار نسح العنكبوت فقال‏:‏ هاهنا انقطع الأثر‏.‏

ولم يسم الآخر وسماه أبو نعيم في ‏"‏ الدلائل ‏"‏ من حديث زيد بن أرقم وغيره سراقة بن جعشم‏.‏

وقصة سراقة مذكورة في هذا الباب‏.‏

وقد تقدم في ‏"‏ مناقب أبي بكر ‏"‏ حديث أنس عن أبي بكر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فكمنا فيه‏)‏ بفتح الميم ويجوز كسرها أي اختفيا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثلاث ليال‏)‏ في رواية عروة بن الزبير ‏"‏ ليلتين ‏"‏ فلعله لم يحسب أول ليلة، وروى أحمد والحاكم من رواية طلحة النضري قال‏:‏ ‏"‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ لبثت مع صاحي - يعني أبا بكر - في الغار بضعة عشر يوما ما لنا طعام إلا ثمر البرير ‏"‏ قال الحاكم‏:‏ معناه مكثنا مختفين من المشركين في الغار وفي الطريق بضعة عشر يوما‏.‏

قلت‏:‏ لم يقع في رواية أحمد ذكر الغار، وهي زيادة في الخبر من بعض رواته، ولا يصح حمله على حالة الهجرة لما في الصحيح كما تراه من أن عامر بن فهيرة كان يروح عليهما في الغار باللبن، ولما وقع لهما في الطريق من لقي الراعي كما في حديث البراء في هذا الباب، ومن النزول بخيمة أم معبد وغير ذلك، فالذي يظهر أنها قصة أخرى، والله أعلم‏.‏

وفي ‏"‏ دلائل النبوة للبيهقي ‏"‏ من مرسل محمد بن سيرين ‏"‏ أن أبا بكر ليلة انطلق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغار كان يمشي بين يديه ساعة ومن خلفه ساعة، فسأله فقال‏:‏ أذكر الطلب فأمشي خلفك، وأذكر الرصد فأمشي أمامك‏.‏

فقال‏:‏ لو كان شيء أحببت أن تقتل دوني‏؟‏ قال‏:‏ أي والذي بعثك بالحق، فلما انتهيا إلى الغار قال‏:‏ مكانك يا رسول الله حتى أستبرئ لك الغار، فاستبرأه ‏"‏ وذكر أبو القاسم البغوي من مرسل ابن أبي مليكة نحوه‏.‏

وذكر ابن هشام من زياداته عن الحسن البصري بلاغا نحوه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عبد الله بن أبي بكر‏)‏ وقع في نسخة ‏"‏ عبد الرحمن ‏"‏ وهو وهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثقف‏)‏ بفتح المثلثة وكسر القاف ويجوز إسكانها وفتحها وبعدها فاء‏:‏ الحاذق، تقول ثقفت الشيء إذا أقمت عوجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لقن‏)‏ بفتح اللام وكسر القاف بعدها نون اللقن‏:‏ السريع الفهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فيدلج‏)‏ بتشديد الدال بعدها جيم أي يخرج بسحر إلى مكة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فيصبح مع قريش بمكة كبائت‏)‏ أي مثل البائت، يظنه من لا يعرف حقيقة أمره لشدة رجوعه بغلس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يكتادان به‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ يكادان به ‏"‏ بغير مثناة أي يطلب لهما فيه المكروه، وهو من الكيد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عامر بن فهيرة‏)‏ تقدم ذكره في ‏"‏ باب الشراء من المشركين ‏"‏ من كتاب البيوع، وذكر موسى بن عقبة عن ابن شهاب أن أبا بكر اشتراه من الطفيل بن سخبرة، فأسلم، فأعتقه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏منحة‏)‏ بكسر الميم وسكون النون بعدها مهملة، تقدم بيانها في الهبة، وتطلق أيضا على كل شاة‏.‏

وفي رواية موسى بن عقبة عن ابن شهاب أن الغنم كانت لأبي بكر، فكان يروح عليهما الغنم كل ليلة فيحلبان، ثم تسرح بكرة فيصبح في رعيان الناس فلا يفطن له‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في رسل‏)‏ بكسر الراء بعدها مهملة ساكنة‏:‏ اللبن الطري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ورضيفهما‏)‏ بفتح الراء وكسر المعجمة بوزن رغيف أي اللبن المرضوف أي التي وضعت فيه الحجارة المحماة بالشمس أو النار لينعقد وتزول رخاوته، وهو بالرفع ويجوز الجر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى ينعق بها عامر‏)‏ ينعق بكسر العين المهملة أي يصيح بغنمه، والنعيق صوت الراعي إذا زجر الغنم ووقع في رواية أبي ذر ‏"‏ حتى ينعق بهما ‏"‏ بالتثنية أي يسمعهما صوته إذا زجر غنمه، ووقع في حديث ابن عباس عند ابن عائذ في هذه القصة ‏"‏ ثم يسرح عامر بن فهيرة فيصبح في رعيان الناس كبائت فلا يفطن به ‏"‏ وفي رواية موسى بن عقبة عن ابن شهاب ‏"‏ وكان عامر أمينا مؤتمنا حسن الإسلام‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من بني الديل‏)‏ بكسر الدال وسكون التحتانية، وقيل‏:‏ بضم أوله وكسر ثانيه مهموز‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من بني عبد بن عدي‏)‏ أي ابن الديل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، ويقال من بني عدي بن عمرو بن خزاعة، ووقع في سيرة ابن إسحاق تهذيب ابن هشام اسمه عبد الله بن أرقد‏.‏

وفي رواية الأموي عن ابن إسحاق ابن أريقد، كذا رواه الأموي في المغازي بإسناد مرسل في غير هذه القصة، قال‏:‏ وهو دليل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة في الهجرة‏.‏

وعند موسى بن عقبة أريقط بالتصغير أيضا لكن بالطاء وهو أشهر، وعند ابن سعد عبد الله بن أريقط، وعن مالك اسمه رقيط حكاه ابن التين وهو في ‏"‏ العتبية‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هاديا خريتا‏)‏ بكسر المعجمة وتشديد الراء بعدها تحتانية ساكنة ثم مثناة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والخريت الماهر بالهداية‏)‏ هو مدرج في الخبر من كلام الزهري بينه ابن سعد، ولم يقع ذلك في رواية الأموي عن ابن إسحاق، قال ابن سعد وقال الأصمعي‏:‏ إنما سمي خريتا لأنه يهدي بمثل خرت الإبرة أي ثقبها‏.‏

وقال غيره قيل له ذلك لأنه يهتدي لأخرات المفازة وهي طرقها الخفية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قد غمس‏)‏ بفتح الغين المعجمة والميم بعدها مهملة ‏(‏حلفا‏)‏ بكسر المهملة وسكون اللام أي كان حليفا، وكانوا إذا تحالفوا غمسوا أيمانهم في دم أو خلوق أو في شيء يكون فيه تلويث فيكون ذلك تأكيدا للحلف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأمناه‏)‏ بكسر الميم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأتاهما براحلتيهما صبح ثلاث‏)‏ زاد مسلم بن عقبة عن ابن شهاب ‏"‏ حتى إذا هدأت عنهما الأصوات جاء صاحبهما ببعيرهما فانطلقا معهما بعامر بن فهيرة يخدمهما ويعينهما يردفه أبو بكر ويعقبه ليس معهما غيره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأخذ بهم طريق الساحل‏)‏ في رواية موسى بن عقبة ‏"‏ فأجاز بهما أسفل مكة ثم مضى بهما حتى جاء بهما الساحل أسفل من عسفان، ثم أجاز بهما حتى عارض الطريق ‏"‏ وعند الحاكم من طريق ابن إسحاق ‏"‏ حدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة عن عائشة ‏"‏ نحوه وأتم منه وإسناده صحيح‏.‏

وأخرج الزبير بن بكار في ‏"‏ أخبار المدينة ‏"‏ مفسرا منزلة منزلة إلى قباء، وكذلك ابن عائذ من حديث ابن عباس، وقد تقدم في ‏"‏ علامات النبوة ‏"‏ وفي ‏"‏ مناقب أبي بكر ‏"‏ ما اتفق لهما حين خرجا من الغار من لقيهما راعي الغنم وشربهما من اللبن‏.‏

حديث سراقة بن جعشم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال ابن شهاب‏)‏ هو موصول بإسناد حديث عائشة، وقد أفرده البيهقي في ‏"‏ الدلائل ‏"‏ وقبله الحاكم في ‏"‏ الإكليل ‏"‏ من طريق ابن إسحاق ‏"‏ حدثني محمد بن مسلم هو الزهري به ‏"‏ وكذلك أورده الإسماعيلي منفردا من طريق معمر والمعافي في الجليس من طريق صالح بن كيسان كلاهما عن الزهري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏المدلجي‏)‏ بضم الميم وسكون المهملة وكسر اللام ثم جيم من بني مدلج بن مرة بن عبد مناة بن كنانة‏.‏

وعبد الرحمن بن مالك هذا اسم جده مالك بن جعشم، ونسب أبوه في هذه الرواية إلى جده كما سنبينه في سراقة، وأبوه مالك بن جعشم له إدراك، ولم أر من ذكره في الصحابة بل ذكره ابن حبان في التابعين، وليس له ولا لأخيه سراقة ولا لابنه عبد الرحمن في البخاري غير هذا الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ابن أخي سراقة بن جعشم‏)‏ في رواية أبي ذر ‏"‏ ابن أخي سراقة بن مالك بن جعشم ‏"‏ ثم قال‏:‏ ‏"‏ إنه سمع سراقة بن جعشم ‏"‏ والأول هو المعتمد، وحيث جاء في الروايات سراقة بن جعشم يكون نسب إلى جده، وسيأتي في حديث البراء بعدها بقليل أنه سراقة بن مالك بن جعشم ولم يختلف عليه فيه، جعشم بضم الجيم والشين المعجمة بينهما عين مهملة هو ابن مالك بن عمرو وكنية سراقة أبو سفيان، وكان ينزل قديدا وعاش إلى خلافة عثمان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏دية كل واحد‏)‏ أي مائة من الإبل، وصرح بذلك موسى بن عقبة وصالح بن كيسان في روايتهما عن الزهري، وفي حديث أسماء بنت أبي بكر عند الطبراني ‏"‏ وخرجت قريش حين فقدوهما في بغائهما، وجعلوا في النبي صلى الله عليه وسلم مائة ناقة، وطافوا في جبال مكة حتى انتهوا إلى الجيل الذي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر‏:‏ يا رسول الله إن هذا الرجل ليرانا‏.‏

وكان مواجهه - فقال‏:‏ كلا إن ملائكة تسترنا بأجنحتها، جلس ذلك الرجل يبول مواجهة الغار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لو كان يرانا ما فعل هذا‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رأيت آنفا‏)‏ أي في هذه الساعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أسودة‏)‏ أي أشخاصا، في رواية موسى بن عقبة وابن إسحاق ‏"‏ لقد رأيت ركبة ثلاثة إني لأظنه محمدا وأصحابه ‏"‏ ونحوه في رواية صالح بن كيسان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رأيت فلانا وفلانا انطلقوا بأعيننا‏)‏ أي في نظرنا معاينة يبتغون ضالة لهم، في رواية موسى بن عقبة وابن إسحاق ‏"‏ فأومأت إليه أن اسكت، وقلت‏:‏ إنما هم بنو فلان يبتغون ضالة لهم، قال‏:‏ لعل، وسكت ‏"‏ ونحوه في رواية معمر، وفي حديث أسماء ‏"‏ فقال سراقة‏:‏ إنهما راكبان ممن بعثنا في طلب القوم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأمرت جاريتي‏)‏ لم أقف على اسمها‏.‏

وفي رواية موسى بن عقبة وصالح بن كيسان وأمرت بفرسي فقيد إلى بطن الوادي وزاد‏:‏ ثم أخذت قداحي - بكسر القاف أي الأزلام - فاستقسمت بها، فخرج الذي أكره، لا تضر، وكنت أرجو أن أرده فأخذ المائة ناقة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فخططت‏)‏ بالمعجمة، وللكشميهني والأصيلي بالمهملة أي أمكنت أسفله وقوله‏:‏ ‏(‏بزجه‏)‏ الزج بضم الزاي بعدها جيم الحديدة التي في أسفل الرمح‏.‏

وفي رواية الكشميهني‏:‏ ‏"‏ فخططت به ‏"‏ وزاد موسى بن عقبة وصالح بن كيسان وابن إسحاق ‏"‏ فأمرت بسلاحي فأخرج من ذنب حجرتي، ثم انطلقت فلبست لأمتي‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وخفضت‏)‏ أي أمسكه بيده وجر زجه على الأرض فخطها به لئلا يظهر بريقه لمن بعد منه‏.‏

لأنه كره أن يتبعه منهم أحد فيشركوه في الجعالة‏.‏

ووقع في رواية الحسن عن سراقة عند ابن أبي شيبة ‏"‏ وجعلت أجر الرمح مخافة أن يشركني أهل الماء فيها‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فرفعتها‏)‏ أي أسرعت بها السير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تقرب بي‏)‏ التقريب السير دون العدو وفوق العادة، وقيل‏:‏ أن ترفع الفرس يديها معا وتضعهما معا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأهويت يدي‏)‏ أي بسطهما للأخذ، والكنانة الخريطة المستطيلة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فاستخرجت منها الأزلام فاستقسمت بها أضرهم أم لا‏)‏ والأزلام هي الأقداح وهي السهام التي لا ريش لها ولا نصل، وسيأتي شرحها وكيفيتها وصنيعهم بها في تفسير المائدة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فخرج الذي أكره‏)‏ أي لا تضرهم، وصرح به الإسماعيلي وموسى وابن إسحاق وزاد ‏"‏ وكنت أرجو أن أرده فآخذ المائة ناقة ‏"‏ وفي حديث ابن عباس عند ابن عائذ‏:‏ ‏"‏ وركب سراقة، فلما أبصر الآثار على غير الطريق وهو وجل أنكر الآثار فقال‏:‏ والله ما هذه بآثار نعم الشام ولا تهامة، فتبعهم حتى أدركهم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى إذا سمعت‏)‏ في حديث البراء عن أبي بكر الآتي عقب هذا ‏"‏ فدعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية أبي خليفة في حديث البراء عند الإسماعيلي ‏"‏ فقال‏:‏ اللهم اكفناه بما شئت ‏"‏ وفي حديث‏.‏

ابن عباس مثله، ونحوه في رواية الحسن عن سراقة، وفي حديث أنس وهو الثامن عشر من أحاديث الباب ‏"‏ فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ اللهم اصرعه فصرعه فرسه‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ساخت‏)‏ بالخاء المعجمة أي غاصت، وفي حديث أسماء بنت أبي بكر ‏"‏ فوقعت لمنخريها‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى بلغتا الركبتين‏)‏ في رواية البراء ‏"‏ فارتطمت به فرسه إلى بطنها ‏"‏ وفي رواية أبي خليفة ‏"‏ في الأرض إلى بطنها‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فخررت عنها‏)‏ في رواية أبي خليفة ‏"‏ فوثبت عنها ‏"‏ زاد ابن إسحاق ‏"‏ فقلت ما هذا‏؟‏ ثم أخرجت قداحي ‏"‏ نحو الأول‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم زجرتها فنهضت فلم تكد‏)‏ وفي حديث أنس ‏"‏ ثم قامت تحمحم ‏"‏ الحمحمة بمهملتين هو صوت الفرس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عثان‏)‏ بضم المهملة بعدها مثلثة خفيفة أي دخان، قال معمر‏:‏ قلت لأبي عمرو بن العلاء ما العثان‏؟‏ قال‏:‏ الدخان من غير نار‏.‏

وفي رواية الكشميهني‏:‏ غبار بمعجمة ثم موحلة ثم راء، والأول أشهر‏.‏

وذكر أبو عبيد في غريبه قال‏:‏ وإنما أراد بالعثان الغبار نفسه، شبه غبار قوائمها بالدخان‏.‏

وفي رواية موسى بن عقبة والإسماعيلي ‏"‏ واتبعها دخان مثل الغبار ‏"‏ وزاد ‏"‏ فعلمت أنه منع مني‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فناديتهم بالأمان‏)‏ وفي رواية أبي خليفة ‏"‏ قد علمت يا محمد أن هذا عملك، فادع الله أن ينجيني مما أنا فيه، والله لأعمين عليك من ورائي ‏"‏ أي الطلب‏.‏

وفي رواية ابن إسحاق ‏"‏ فناديت القوم‏:‏ أنا سراقة بن مالك بن جعشم، انظروني أكلمكم، فوالله لا آتيكم ولا يأتيكم مني شيء تكرهونه ‏"‏ وفي حديث ابن عباس مثله وزاد ‏"‏ وأنا لكم نافع غير ضار، وإني لا أدري لعل الحي - يعني قومه - فزعوا لركوبي، وأنا راجع ورادهم عنكم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ووقع في نفسي حين ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ في رواية ابن إسحاق ‏"‏ أنه قد منع مني‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأخبرتهم أخبار ما يريد الناس بهم‏)‏ أي من الحرص على الظفر بهم، وبذل المال لمن يحصلهم‏.‏

وفي حديث ابن عباس ‏"‏ وعاهدهم أن لا يقاتلهم ولا يخبر عنهم، وأن يكتم عنهم ثلاث ليال‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعرضت عليهم الزاد والمتاع‏)‏ في مرسل عمير بن إسحاق عند ابن أبي شيبة ‏"‏ فكف ثم قال‏:‏ هلما إلى الزاد والحملان، فقالا لا حاجة لنا في ذلك ‏"‏ وفي حديث ابن عباس أن سراقة قال لهم‏:‏ ‏"‏ وان إبلي على طريقكم فاحتلبوا من اللبن وخذوا سهما من كنانتي أمارة إلى الراعي‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلم يرزآني‏)‏ براء ثم زاي، أي لم ينقصاني مما معي شيئا‏.‏

وفي رواية أبي خليفة ‏"‏ وهذه كنانتي فخذ سهما منها، فإنك تمر على إبلي وغنمي بمكان كذا وكذا فخذ منها حاجتك، فقال لي‏:‏ لا حاجة لنا في إبلك، ودعا له‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخف عنا‏)‏ لم يذكر جوابه، ووقع في رواية البراء ‏"‏ فدعا له فنجا، فجعل لا يلقي أحدا إلا قال له‏:‏ قد كفيتم ما هاهنا، فلا يلقي أحدا إلا رده ‏"‏ قال‏:‏ ‏"‏ ووفى لنا‏"‏‏.‏

وفي حديث أنس ‏"‏ فقال‏:‏ يا نبي الله مرني بما شئت، قال‏:‏ فقف مكانك لا تتركن أحدا يلحق بنا، قال فكان أول النهار جاهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان آخر النهار مسلحة له ‏"‏ أي حارسا له بسلاحه‏.‏

وذكر ابن سعد ‏"‏ أنه لما رجع قال لقريش‏:‏ قد عرفتم بصري بالطريق وبالأثر، وقد استبرأت لكم فلم أر شيئا، فرجعوا‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كتاب أمن‏)‏ بسكون الميم‏.‏

وفي رواية الإسماعيلي ‏"‏ كتاب موادعة ‏"‏ وفي رواية إسحاق ‏"‏ كتابا يكون آية بيني وبينك‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأمر عامر بن فهيرة فكتب في رقعة من أدم‏)‏ وفي رواية ابن إسحاق ‏"‏ فكتب لي كتابا في عظم - أو ورقة أو خرقة - ثم ألقاه إلي، فأخذته فجعلته في كنانتي ثم رجعت ‏"‏ وفي رواية موسى بن عقبة نحوه وعندهما ‏"‏ فرجعت فسئلت فلم أذكر شيئا مما كان، حتى إذا فرغ من حنين بعد فتح مكة خرجت لألقاه ومعي الكتاب، فلقيته بالجعرانة حتى دنوت منه فرفعت يدي بالكتاب فقلت‏:‏ يا رسول الله هذا كتابك فقال‏:‏ يوم وفاء وبر، أدن، فأسلمت ‏"‏ وفي رواية صالح بن كيسان نحوه‏.‏

وفي رواية الحسن عن سراقة قال‏:‏ ‏"‏ فبلغني أنه يريد أن يبعث خالد بن الوليد إلى قومي، فأتيته فقلت‏:‏ أحب أن توادع قومي، فإن أسلم قومك أسلموا وإلا أمنت منهم، ففعل ذلك، قال‏:‏ ففيهم نزلت‏:‏ ‏(‏إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق‏)‏ الآية ‏"‏ قال ابن إسحاق‏:‏ قال أبو جهل لما بلغه ما لقي سراقة لامه في تركهم، فأنشده‏:‏ أبا حكم واللات لو كنت شاهدا لأمر جوادي إذ تسيخ قوائمه عجبت ولم تشكك بأن محمدا نبي وبرهان فمن ذا يكاتمه وذكر ابن سعد أن سراقة عارضهم يوم الثلاثاء بقديد‏.‏

الحديث الثالث عشر‏:‏ قوله‏:‏ ‏(‏قال ابن شهاب‏:‏ فأخبرني عروة بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي الزبير في ركب‏)‏ هو متصل إلى ابن شهاب بالإسناد المذكور أولا، وقد أفرده الحاكم من وجه آخر عن يحيي بن بكير بالإسناد المذكور، ولم يستخرجه الإسماعيلي أصلا وصورته مرسل، لكنه وصله الحاكم أيضا من طريق معمر عن الزهري قال‏:‏ ‏"‏ أخبرني عروة أنه سمع الزبير ‏"‏ به، وأفاد أن قوله ‏"‏ وسمع المسلمون إلخ ‏"‏ من بقية الحديث المذكور‏.‏

وأخرجه موسى بن عقبة عن ابن شهاب به وأتم منه وزاد ‏"‏ قال‏:‏ ويقال لما دنا من المدينة كان طلحة قدم من الشام، فخرج عائدا إلى مكة إما متلقيا وإما معتمرا، ومعه ثياب أهداها لأبي بكر من ثياب الشام، فلما لقيه أعطاه فلبس منها هو وأبو بكر ‏"‏ انتهى‏.‏

وهذا إن كان محفوظا احتمل أن يكون كل من طلحة والزبير أهدى لهما من الثياب‏.‏

والذي في السير هو الثاني، ومال الدمياطي إلى ترجيحه على عادته في ترجيح ما في السير على ما في الصحيح، والأولى الجمع بينهما وإلا فما في الصحيح أصح، لأن الرواية التي فيها طلحة من طريق ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة، والتي في الصحيح من طريق عقيل عن الزهري عن عروة‏.‏

ثم وجدت عند ابن أبي شيبة من طريق هشام بن عروة عن أبيه نحو رواية أبي الأسود، وعند ابن عائذ في المغازي من حديث ابن عباس ‏"‏ خرج عمر والزبير وطلحة وعثمان وعياش بن ربيعة نحو المدينة، فتوجه عثمان وطلحة إلى الشام ‏"‏ فتعين تصحيح القولين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وسمع المسلمون بالمدينة‏)‏ في رواية معمر ‏"‏ فلما سمع المسلمون ‏"‏ قوله‏:‏ ‏(‏يغدون‏)‏ بسكون الغين المعجمة أي يخرجون غدوة‏.‏

وفي رواية الحاكم من وجه آخر عن عروة عن عبد الرحمن بن عويم بن ساعدة عن رجال من قومه قال‏:‏ ‏"‏ لما بلغنا مخرج النبي صلى الله عليه وسلم كنا نخرج فنجلس له بظاهر الحرة نلجأ إلى ظل المدر حتى تغلبنا عليه الشمس ثم نرجع إلى رحالنا‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى يردهم‏)‏ في رواية معمر ‏"‏ يؤذيهم ‏"‏ وفي رواية ابن سعد ‏"‏ فإذا أحرقتهم رجعوا إلى منازلهم‏.‏

ووقع في رواية أبي خليفة في حديث أبي البراء ‏"‏ حتى أتينا المدينة ليلا ‏"‏ قوله‏:‏ ‏(‏فانقلبوا يوما بعدما طال انتظارهم‏)‏ في رواية عبد الرحمن بن عويم ‏"‏ حتى إذا كان اليوم الذي جاء فيه جلسنا كما كنا نجلس حتى إذا رجعنا جاء ‏"‏ قوله‏:‏ ‏(‏أوفى رجل من يهود‏)‏ أي طلع إلى مكان عال فأشرف منه، ولم أقف على اسم هذا اليهودي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أطم‏)‏ بضم أوله وثانيه هو الحصن، ويقال كان بناء من حجارة كالقصر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مبيضين‏)‏ أي عليهم الثياب البيض التي كساهم إياها الزبير أو طلحة‏.‏

وقال ابن التين‏:‏ يحتمل أن يكون معناه مستعجلين، وحكى عن ابن فارس يقال بايض أي مستعجل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يزول بهم السراب‏)‏ أي يزول السراب عن النظر بسبب عروضهم له، وقيل‏:‏ معناه ظهرت حركتهم للعين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يا معاشر العرب‏)‏ في رواية عبد الرحمن بن عويم ‏"‏ يا بني قيلة ‏"‏ وهو بفتح القاف وسكون التحتانية وهي الجدة الكبرى للأنصار والدة الأوس والخزرج، وهي قيلة بنت كاهل بن عذرة‏.‏