فصل: كِتَاب فِي الِاسْتِقْرَاضِ وَأَدَاءِ الدُّيُونِ وَالْحَجْرِ وَالتَّفْلِيسِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*2*كِتَاب فِي الِاسْتِقْرَاضِ وَأَدَاءِ الدُّيُونِ وَالْحَجْرِ وَالتَّفْلِيسِ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏كتاب في الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس‏)‏ كذا لأبي ذر، وزاد غيره في أوله البسملة‏.‏

وللنسفي ‏"‏ باب ‏"‏ بدل كتاب، وعطف الترجمة التي تليه عليه بغير باب‏.‏

وجمع المصنف بين هذه الأمور الثلاثة لقلة الأحاديث الواردة فيها ولتعلق بعضها ببعض‏.‏

*3*باب مَنْ اشْتَرَى بِالدَّيْنِ وَلَيْسَ عِنْدَهُ ثَمَنُهُ أَوْ لَيْسَ بِحَضْرَتِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من اشترى بالدين وليس عنده ثمنه أو ليس بحضرته‏)‏ أي فهو جائز، وكأنه يشير إلى ضعف ما جاء عن ابن عباس مرفوعا ‏"‏ لا أشتري ما ليس عندي ثمنه ‏"‏ وهو حديث أخرجه أبو داود والحاكم من طريق سماك عن عكرمة عنه في أثناء حديث تفرد به شريك عن سماك واختلف في وصله وإرساله‏.‏

ثم أورد فيه حديث جابر في شراء النبي صلى الله عليه وسلم منه جمله في السفر وقضائه ثمنه في المدينة، وهو مطابق للركن الثاني من الترجمة‏.‏

وحديث عائشة في شرائه صلى الله عليه وسلم من اليهودي الطعام إلى أجل، وهو مطابق للركن الأول‏.‏

قال ابن المنير‏:‏ وجه الدلالة منه أنه صلى الله عليه وسلم لو حضره الثمن ما أخره، وكذا ثمن الطعام لو حضره لم يرتب في ذمته دينا، لما عرف من عادته الشريفة من المبادرة إلى إخراج ما يلزمه إخراجه، قلت وحديث جابر يأتي الكلام عليه في الشروط، وحديث عائشة يأتي الكلام عليه في الرهن‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَيْفَ تَرَى بَعِيرَكَ أَتَبِيعُنِيهِ قُلْتُ نَعَمْ فَبِعْتُهُ إِيَّاهُ فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ غَدَوْتُ إِلَيْهِ بِالْبَعِيرِ فَأَعْطَانِي ثَمَنَهُ

الشرح‏:‏

قوله في أول حديث جابر‏:‏ ‏"‏ حدثنا محمد بن يوسف ‏"‏ هو البيكندي كذا ثبت لأبي ذر، وأهمل عند الأكثر وجزم أبو علي الجياني بأنه ابن سلام وحكى ذلك عن رواية ابن السكن، ثم وجدته في رواية أبي علي بن شبويه عن الفربري كذلك‏.‏

وجرير شيخه هو ابن عبد الحميد، ومغيرة هو ابن مقسم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ قَالَ تَذَاكَرْنَا عِنْدَ إِبْرَاهِيمَ الرَّهْنَ فِي السَّلَمِ فَقَالَ حَدَّثَنِي الْأَسْوَدُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرَى طَعَامًا مِنْ يَهُودِيٍّ إِلَى أَجَلٍ وَرَهَنَهُ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من اشترى بالدين وليس عنده ثمنه أو ليس بحضرته‏)‏ أي فهو جائز، وكأنه يشير إلى ضعف ما جاء عن ابن عباس مرفوعا ‏"‏ لا أشتري ما ليس عندي ثمنه ‏"‏ وهو حديث أخرجه أبو داود والحاكم من طريق سماك عن عكرمة عنه في أثناء حديث تفرد به شريك عن سماك واختلف في وصله وإرساله‏.‏

ثم أورد فيه حديث جابر في شراء النبي صلى الله عليه وسلم منه جمله في السفر وقضائه ثمنه في المدينة، وهو مطابق للركن الثاني من الترجمة‏.‏

وحديث عائشة في شرائه صلى الله عليه وسلم من اليهودي الطعام إلى أجل، وهو مطابق للركن الأول‏.‏

قال ابن المنير‏:‏ وجه الدلالة منه أنه صلى الله عليه وسلم لو حضره الثمن ما أخره، وكذا ثمن الطعام لو حضره لم يرتب في ذمته دينا، لما عرف من عادته الشريفة من المبادرة إلى إخراج ما يلزمه إخراجه، قلت وحديث جابر يأتي الكلام عليه في الشروط، وحديث عائشة يأتي الكلام عليه في الرهن‏.‏

*3*باب مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَوْ إِتْلَافَهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من أخذ أموال الناس يريد أداءها أو إتلافها‏)‏ حذف الجواب اغتناء بما وقع في الحديث‏.‏

قال ابن المنير‏:‏ هذه الترجمة تشعر بأن التي قبلها مقيدة بالعلم بالقدرة على الوفاء، قال‏:‏ لأنه إذا علم من نفسه العجز فقد أخذ لا يريد الوفاء إلا بطريق التمني والتمني خلاف الإرادة‏.‏

قلت‏:‏ وفيه نظر لأنه إذا نوى الوفاء مما سيفتحه الله عليه فقد نطق الحديث بأن الله يؤدي عنه إما بأن يفتح عليه في الدنيا وإما بأن يتكفل عنه في الآخرة، فلم يتعين التقييد بالقدرة في الحديث، ولو سلم ما قال فهناك مرتبة ثالثة وهو أن لا يعلم هل يقدر أو يعجز‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأُوَيْسِيُّ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي الْغَيْثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن ثور بن زيد‏)‏ بفتح الزاي وهو الديلي، وللإسماعيلي من طريق ابن وهب عن سليمان ‏"‏ حدثني ثور‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي الغيث‏)‏ بالمعجمة والمثلثة، زاد ابن ماجة ‏"‏ مولى ابن مطيع‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ واسمه سالم، والإسناد كله مدنيون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أدى الله عنه‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ أداها الله عنه ‏"‏ ولابن ماجة وابن حبان والحاكم من حديث ميمونة ‏"‏ ما من مسلم يدان دينا يعلم الله أنه يريد أداءه إلا أداه الله عنه في الدنيا ‏"‏ وظاهره يحيل المسألة المشهورة فيمن مات قبل الوفاء بغير تقصير منه كأن يعسر مثلا أو يفجأه الموت وله مال مخبوء وكانت نيته وفاء دينه ولم يوف عنه في الدنيا‏.‏

ويمكن حمل حديث ميمونة على الغالب، والظاهر أنه لا تبعة عليه والحالة هذه في الآخرة بحيث يؤخذ من حسناته لصاحب الدين، بل يتكفل الله عنه لصاحب الدين كما دل عليه حديث الباب وإن خالف في ذلك ابن عبد السلام والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أتلفه الله‏)‏ ظاهره أن الإتلاف يقع له في الدنيا وذلك في معاشه أو في نفسه‏.‏

وهو علم من أعلام النبوة لما نراه بالمشاهدة ممن يتعاطى شيئا من الأمرين، وقيل المراد بالإتلاف عذاب الآخرة، قال ابن بطال‏:‏ فيه الحض على ترك استئكال أموال الناس والترغيب في حسن التأدية إليهم عند المداينة وأن الجزاء قد يكون من جنس العمل‏.‏

وقال الداودي‏:‏ فيه أن من عليه دين لا يعتق ولا يتصدق وإن فعل رد ا هـ‏.‏

وفي أخذ هذا من هذا بعد كثير‏.‏

وفيه الترغيب في تحسين النية والترهيب من ضد ذلك وأن مدار الأعمال عليها‏.‏

وفيه الترغيب في الدين لمن ينوي الوفاء، وقد أخذ بذلك عبد الله بن جعفر فيما رواه ابن ماجة والحاكم من رواية محمد بن علي عنه أنه كان يستدين، فسئل فقال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏"‏ إن الله مع الدائن حتى يقضي دينه ‏"‏ إسناده حسن، لكن اختلف فيه على محمد بن علي فرواه الحاكم أيضا من طريق القاسم بن الفضل عن عائشة بلفظ ‏"‏ ما من عبد كانت له نية في وفاء دينه إلا كان له من الله عون، قالت‏:‏ فأنا ألتمس ذلك العون ‏"‏ وساق له شاهدا من وجه آخر عن القاسم عن عائشة‏.‏

وفيه أن من اشترى شيئا بدين وتصرف فيه وأظهر أنه قادر على الوفاء ثم تبين الأمر بخلافه أن البيع لا يرد بل ينتظر به حلول الأجل لاقتصاره صلى الله عليه وسلم على الدعاء عليه ولم يلزمه برد البيع قاله ابن المنير‏.‏

*3*باب أَدَاءِ الدَّيْنِ

وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب أداء الدين‏)‏ في رواية أبي ذر ‏"‏ الديون ‏"‏ بالجمع ‏(‏وقول الله تعالى‏:‏ ‏(‏إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها‏)‏ الآية‏)‏ كذا لأبي ذر، وساق الأصيلي وغيره الآية‏.‏

قال ابن المنير‏:‏ أدخل الدين في الأمانة لثبوت الأمر بأدائه، إذ المراد بالأمانة في الآية هو المراد بها في قوله تعالى‏:‏ ‏(‏إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض‏)‏ وفسرت هناك بالأوامر والنواهي فيدخل فيها جميع ما يتعلق بالذمة وما لا يتعلق ا هـ‏.‏

ويحتمل أن تكون الأمانة على ظاهرها، وإذا أمر الله بأدائها ومدح فاعله وهي لا تتعلق بالذمة فحال ما في الذمة أولى‏.‏

وأكثر المفسرين على أن الآية نزلت في شأن عثمان بن طلحة حاجب الكعبة، وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم نزلت في الولاة، وعن ابن عباس هي عامة في جميع الأمانات‏.‏

وروى ابن أبي شيبة من طريق طلق بن معاوية قال‏:‏ ‏"‏ كان لي دين على رجل فخاصمته إلى شريح فقال له‏:‏ إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، وأمر بحبسه ‏"‏ ثم أورد المصنف فيه حديث أبي ذر ‏"‏ كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فلما أبصر أحدا قال‏:‏ ما أحب أنه يحول لي ذهبا يمكث عندي منه دينار فوق ثلاث، إلا دينارا أرصده لدين ‏"‏ الحديث وسيأتي الكلام علبه مستوفى في كتاب الرقاق‏.‏

وغرضه هنا هذا القدر المذكور‏.‏

قال ابن بطال‏:‏ فيه إشارة إلى عدم الاستغراق في كثير الدين والاقتصار على اليسير منه أخذا من اقتصاره على ذكر الدينار الواحد، ولو كان عليه مائة دينار مثلا لم يرصد لأدائها دينارا واحدا ا هـ‏.‏

ولا يخفى ما فيه‏.‏

وفيه الاهتمام بأمر وفاء الدين، وما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الزهادة في الدنيا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا أَبْصَرَ يَعْنِي أُحُدًا قَالَ مَا أُحِبُّ أَنَّهُ تَحَوَّلَ لِي ذَهَبًا يَمْكُثُ عِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ فَوْقَ ثَلَاثٍ إِلَّا دِينَارًا أُرْصِدُهُ لِدَيْنٍ ثُمَّ قَالَ إِنَّ الْأَكْثَرِينَ هُمْ الْأَقَلُّونَ إِلَّا مَنْ قَالَ بِالْمَالِ هَكَذَا وَهَكَذَا وَأَشَارَ أَبُو شِهَابٍ بَيْنَ يَدَيْهِ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَقَالَ مَكَانَكَ وَتَقَدَّمَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَسَمِعْتُ صَوْتًا فَأَرَدْتُ أَنْ آتِيَهُ ثُمَّ ذَكَرْتُ قَوْلَهُ مَكَانَكَ حَتَّى آتِيَكَ فَلَمَّا جَاءَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ الَّذِي سَمِعْتُ أَوْ قَالَ الصَّوْتُ الَّذِي سَمِعْتُ قَالَ وَهَلْ سَمِعْتَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ أَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِكَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ قُلْتُ وَإِنْ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا قَالَ نَعَمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما أحب أنه تحول لي ذهبا‏)‏ كذا لأبي ذر ‏"‏ تحول ‏"‏ بفتح المثناة، ولغيره بضم التحتانية قال ابن مالك‏:‏ فيه حول بمعنى صير وقد خفي على كثير من النحاة، وعاب بعضهم استعماله على الحريري‏.‏

قال‏:‏ وقد جاء هنا على ما لم يسم فاعله جاريا مجرى صار في رفع ما كان مبتدأ ونصب ما كان خبرا، وكذلك حكم ما صيغ من حول مثل تحول فإنه بزيادة المثناة تجدد له حذف ما كان فاعلا وجعل أول المفعولين فاعلا وثانيهما خبرا منصوبا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أرصده‏)‏ ثبت في روايتنا بضم أوله من الرباعي وحكى ابن التين عن بعض الروايات بفتح الهمزة من رصد، والأول أوجه تقول أرصدته أي هيأته وأعددته ورصدته أي رقبته، وقوله‏:‏ ‏"‏ الأكثرون ‏"‏ أي مالا و ‏"‏ الأقلون ‏"‏ أي ثوابا إلا من ذكر، وقوله‏:‏ ‏"‏ وقليل ما هم ‏"‏ ما زائدة أو صفة، وقوله‏:‏ ‏"‏ مكانك ‏"‏ بالنصب محذوف العامل أي الزم مكانك، وقوله‏:‏ ‏"‏ قلت يا رسول الله الذي سمعت ‏"‏ خبره محذوف تقديره ما هو، وقوله‏:‏ ‏"‏ ومن فعل كذا وكذا ‏"‏ فسر في الرواية الآتية في الرقاق ‏"‏ وإن زنى وإن سرق ‏"‏ ووقع في رواية المستملي هنا ‏"‏ إن ‏"‏ بدل ومن‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ يُونُسَ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا يَسُرُّنِي أَنْ لَا يَمُرَّ عَلَيَّ ثَلَاثٌ وَعِنْدِي مِنْهُ شَيْءٌ إِلَّا شَيْءٌ أُرْصِدُهُ لِدَيْنٍ رَوَاهُ صَالِحٌ وَعُقَيْلٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏لو كان لي مثل أحد ذهبا‏)‏ قال ابن مالك‏:‏ فيه وقوع التمييز بعد مثل وهو قليل، ونظيره قوله تعالى‏:‏ ‏(‏ولو جئنا بمثله مددا‏)‏ ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما يسرني أن لا يمر‏)‏ قال ابن مالك‏:‏ فيه وقوع جواب لو مضارعا منفيا بما، والأصل أن يكون ماضيا مثبتا، وكأنه أوقع المضارع موقع الماضي، أو يكون الأصل ما كان يسرني فحذف كان وهو جواب لو، وفيه ضمير هو الاسم ويسرني الخبر، وحذف كان مع اسمها وبقاء خبرها كثير وهذا أولى ا هـ‏.‏

ووقع في حديث أبي ذر ‏"‏ ما يسرني أن يمكث عندي ‏"‏ وفي حديث أبي هريرة ‏"‏ يسرني‏:‏ أن لا يمكث ‏"‏ ومفهوم كل منهما مطابق لمنطوق الآخر، ووقع للأصيلي وكريمة في رواية أبي هريرة ‏"‏ ما يسرني أن لا يمكث ‏"‏ وعلى هذا فلا زائدة‏.‏

والله أعلم‏.‏

قوله عقب حديث أبي هريرة في معنى حديث أبي ذر ‏(‏رواه صالح وعقيل عن الزهري‏)‏ يعني عن عبيد الله عن أبي هريرة، وطريقهما موصول في ‏"‏ الزهريات ‏"‏ لمحمد بن يحيى الذهلي‏.‏

*3*باب اسْتِقْرَاضِ الْإِبِلِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب استقراض الإبل‏)‏ أي جوازه ليرد المقترض نظيره أو خيرا منه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ أَخْبَرَنَا سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ بِمِنًى يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا تَقَاضَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَغْلَظَ لَهُ فَهَمَّ بِهِ أَصْحَابُهُ فَقَالَ دَعُوهُ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالًا وَاشْتَرُوا لَهُ بَعِيرًا فَأَعْطُوهُ إِيَّاهُ وَقَالُوا لَا نَجِدُ إِلَّا أَفْضَلَ مِنْ سِنِّهِ قَالَ اشْتَرُوهُ فَأَعْطُوهُ إِيَّاهُ فَإِنَّ خَيْرَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن رجلا تقاضى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ وفي رواية ابن المبارك عن شعبة الآتية في الهبة ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ سنا فجاء صاحبه يتقاضاه ‏"‏ أي يطلب منه قضاء الدين، في أول حديث سفيان عن سلمة كما سيأتي بعد بابين ‏"‏ كان لرجل على النبي صلى الله عليه وسلم سن من الإبل فجاءه يتقاضاه ‏"‏ ولأحمد عن عبد الرزاق عن سفيان ‏"‏ جاء أعرابي يتقاضى النبي صلى الله عليه وسلم بعيرا‏"‏، وله عن يزيد بن هارون عن سفيان ‏"‏ استقرض النبي صلى الله عليه وسلم من رجل بعيرا ‏"‏ وللترمذي من طريق علي بن صالح عن سلمة ‏"‏ استقرض النبي صلى الله عليه وسلم سنا‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأغلظ له‏)‏ يحتمل أن يكون الإغلاظ بالتشديد في المطالبة من غير قدر زائد، ويحتمل أن يكون بغير ذلك ويكون صاحب الدين كافرا فقد قيل إنه كان يهوديا، والأول أظهر لما تقدم من رواية عبد الرزاق أنه كان أعرابيا، وكأنه جرى على عادته من جفاء المخاطبة‏.‏

ووقع في ترجمة بكر بن سهل في ‏"‏ معجم الطبراني الأوسط ‏"‏ عن العرباض بن سارية ما يفهم أنه هو، لكن روى النسائي والحاكم الحديث المذكور وفيه ما يقتضي أنه غيره وأن القصة وقعت لأعرابي، ووقع للعرباض نحوها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فهم به أصحابه‏)‏ أي أراد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤذوه بالقول أو الفعل، لكن لم يفعلوا أدبا مع النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإن لصاحب الحق مقالا‏)‏ أي صولة الطلب وقوة الحجة، لكن مع مراعاة الأدب المشروع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏واشتروا له بعيرا‏)‏ في رواية عبد الرزاق التمسوا له مثل سن بعيره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قالوا لا نجد‏)‏ في رواية سفيان الآتية ‏"‏ فقال أعطوه، فطلبوا سنه فلم يجدوا إلا فوقها‏"‏‏.‏

وفي رواية عبد الرزاق ‏"‏ فالتمسوا له فلم يجدوا إلا فوق سن بعيره ‏"‏ والمخاطب بذلك هو أبو رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم كما أخرجه مسلم من حديثه قال‏:‏ ‏"‏ استسلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من رجل بكرا، فقدمت عليه إبل من إبل الصدقة ‏"‏ ولابن خزيمة ‏"‏ استلف من رجل بكرا فقال‏:‏ إذا جاءت إبل الصدقة قضيناك، فلما جاءت إبل الصدقة أمر أبا رافع أن يقضني الرجل بكره، فرجع إليه أبو رافع فقال‏:‏ لم أجد فيها إلا خيارا رباعيا، فقال‏:‏ أعطه إياه ‏"‏ ويجمع بينه وبين الرواية التي في الباب حيث قال فيها ‏"‏ اشتروا له ‏"‏ بأنه أمر بالشراء أولا ثم قدمت إبل الصدقة فأعطاه منها، أو أنه أمر بالشراء من إبل الصدقة ممن استحق منها شيئا، ويؤيده رواية ابن خزيمة المذكورة ‏"‏ إذا جاءت الصدقة قضيناك ‏"‏ ا هـ‏.‏

والبكر بفتح الموحدة وسكون الكاف الصغير من الإبل، والخيار الجيد يطلق على الواحد والجمع، والرباعي، بتخفيف الموحد من ألقى رباعيته‏.‏

قوله ‏(‏فإن خيركم أحسنكم قضاء‏)‏ في رواية عثمان بن جبلة عن شعبة الآتية في الهبة ‏"‏ فإن من خيركم أو خيركم ‏"‏ كذا على الشك‏.‏

وفي رواية ابن المبارك ‏"‏ أفضلكم أحسنكم قضاء ‏"‏ وفي رواية سفيان الآتية ‏"‏ خياركم ‏"‏ فيحتمل أن يريد المفرد بمعنى المختار أو الجمع والمراد أنه خيرهم في المعاملة أو تكون ‏"‏ من ‏"‏ مقدرة ويدل عليها الرواية المذكورة‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ أحسنكم ‏"‏ لما أضيف أفعل والمقصود به الزيادة جاز فيه الإفراد، وقد وقع في رواية سفيان بعد باب ‏"‏ من خياركم ‏"‏ وفي الحديث جواز المطالبة بالدين إذا حل أجله‏.‏

وفيه حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم وعظم حلمه وتواضعه وإنصافه، وأن من عليه دين لا ينبغي له مجافاة صاحب الحق، وإن من أساء الأدب على الإمام كان عليه التعزير بما يقتضيه الحال إلا أن يعفو صاحب الحق‏.‏

وفيه ما ترجم له وهو استقراض الإبل، ويلتحق بها جميع الحيوانات وهو قول أكثر أهل العلم، ومنع من ذلك الثوري والحنفية واحتجوا بحديث النهي عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة، وهو حديث قد روي عن ابن عباس مرفوعا أخرجه ابن حبان والدار قطني وغيرهما ورجال إسناده ثقات، إلا أن الحفاظ رجحوا إرساله‏.‏

وأخرجه الترمذي من حديث الحسن عن سمرة، وفي سماع الحسن من سمرة اختلاف‏.‏

وفي الجملة هو حديث صالح للحجة‏.‏

وادعى الطحاوي أنه ناسخ لحديث الباب، وتعقب بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال، والجمع بين الحديثين ممكن، فقد جمع بينهما الشافعي وجماعة بحمل النهي على ما إذا كان نسيئة من الجانبين، ويتعين المصير إلى ذلك لأن الجمع بين الحديثين أولى من إلغاء أحدهما باتفاق، وإذا كان ذلك المراد من الحديث بقيت الدلالة على جواز استقراض الحيوان والسلم فيه‏.‏

واعتل من منع بأن الحيوان يختلف اختلافا متباينا حتى لا يوقف على حقيقة المثلية فيه، وأجيب بأنه لا مانع من الإحاطة به بالوصف بما يدفع التغاير، وقد جوز الحنفية التزويج والكتابة على الرقيق الموصوف في الذمة، وفيه جواز وفاء ما هو أفضل من المثل المقترض إذا لم تقع شرطية ذلك في العقد فيحرم حينئذ اتفاقا وبه قال الجمهور، وعن المالكية تفصيل في الزيادة إن كانت بالعدد منعت، وإن كانت بالوصف جازت‏.‏

وفيه أن الاقتراض في البر والطاعة وكذا الأمور المباحة لا يعاب، وأن للإمام أن يقترض على بيت المال لحاجة بعض المحتاجين ليوفي ذلك من مال الصدقات، واستدل به الشافعي على جواز تعجيل الزكاة هكذا حكاه ابن عبد البر ولم يظهر لي توجيهه إلا أن يكون المراد ما قيل في سبب اقتراضه صلى الله عليه وسلم وأنه كان اقترضه لبعض المحتاجين من أهل الصدقة فلما جاءت الصدقة أوفى صاحبه منها، ولا يعكر عليه أنه أوفاه أزيد من حقه من مال الصدقة لاحتمال أن يكون المقترض منه كان أيضا من أهل الصدقة إما من جهة الفقر أو التألف أو غير ذلك بجهتين جهة الوفاء في الأصل وجهة الاستحقاق في الزائد، وقيل كان اقترضه في ذمته فلما حل الأجل ولم يجد الوفاء صار غارما فجاز له الوفاء من الصدقة، وقيل كان اقتراضه لنفسه فلما حل الأجل اشترى من إبل الصدقة بعيرا ممن استحقه أو اقترضه من آخر أو من مال الصدقة ليوفيه بعد ذلك، والاحتمال الأول أقوى، ويؤيده سياق حديث أبي رافع، والله أعلم‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ هذا الحديث من غرائب الصحيح، قال البزار لا يروى عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد، ومداره على سلمة بن كهيل، وقد صرح في هذا الباب بأنه سمعه من أبي سلمة بن عبد الرحمن بمنى وذلك لما حج‏.‏

والله أعلم‏.‏

*3*باب حُسْنِ التَّقَاضِي

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب حسن التقاضي‏)‏ أي استحباب حسن المطالبة، أورد فيه حديث حذيفة في قصة الرجل الذي كان يتجوز عن الموسر ويخفف عن المعسر، وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في ‏"‏ باب من أنظر معسرا ‏"‏ من كتاب البيوع‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ رِبْعِيٍّ عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَاتَ رَجُلٌ فَقِيلَ لَهُ قَالَ كُنْتُ أُبَايِعُ النَّاسَ فَأَتَجَوَّزُ عَنْ الْمُوسِرِ وَأُخَفِّفُ عَنْ الْمُعْسِرِ فَغُفِرَ لَهُ قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ سَمِعْتُهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله في هذه الرواية ‏"‏ فقيل له فقال ‏"‏ فيه حذف تقديره‏:‏ فقيل له ما كنت تصنع‏؟‏ ووقع هنا في رواية المستملي ‏"‏ فقيل له ما كنت تقول ‏"‏‏؟‏ وشيخ البخاري فيه هو مسلم بن إبراهيم، وعبد الملك هو ابن عمير‏.‏

*3*باب هَلْ يُعْطَى أَكْبَرَ مِنْ سِنِّهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب هل يعطى أكبر من سنه‏)‏ ‏؟‏ هو بضم أول يعطى على البناء للمجهول، وأورد فيه حديث أبي هريرة الماضي قبل بباب، وقد تقدم شرحه مستوفى فيه‏.‏

ويحيى المذكور فيه هو القطان، وسفيان شيخه هو الثوري، وسيأتي بعد ستة أبواب من روايته عن شيخ له آخر وهو شعبة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَقَاضَاهُ بَعِيرًا

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطُوهُ فَقَالُوا مَا نَجِدُ إِلَّا سِنًّا أَفْضَلَ مِنْ سِنِّهِ فَقَالَ الرَّجُلُ أَوْفَيْتَنِي أَوْفَاكَ اللَّهُ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطُوهُ فَإِنَّ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ أَحْسَنَهُمْ قَضَاءً

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة الماضي قبل بباب، قد تقدم شرحه مستوفى فيه‏.‏

ويحيى المذكور فيه هو القطان، وسفيان شيخه هو الثوري، وسيأتي بعد ستة أبواب من روايته عن شيخ له آخر وهو شعبة‏.‏

*3*باب حُسْنِ الْقَضَاءِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب حسن القضاء‏)‏ أي استحباب حسن أداء الدين، وأورد فيه الحديث المذكور، وهو ظاهر فيما ترجم له‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِنٌّ مِنْ الْإِبِلِ فَجَاءَهُ يَتَقَاضَاهُ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطُوهُ فَطَلَبُوا سِنَّهُ فَلَمْ يَجِدُوا لَهُ إِلَّا سِنًّا فَوْقَهَا فَقَالَ أَعْطُوهُ فَقَالَ أَوْفَيْتَنِي وَفَى اللَّهُ بِكَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سن‏)‏ أي جمل له سن معين، وقوله في هذه الرواية ‏"‏ أوفيتني أوفى الله بك ‏"‏ وقع في رواية يحيى القطان في الباب الذي قبله ‏"‏ أوفيتني أوفاك الله‏"‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ حَدَّثَنَا مُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ مِسْعَرٌ أُرَاهُ قَالَ ضُحًى فَقَالَ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَكَانَ لِي عَلَيْهِ دَيْنٌ فَقَضَانِي وَزَادَنِي

الشرح‏:‏

حديث جابر ‏"‏ أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وفيه ‏"‏ وكان لي عليه دين فقضاني وزادني ‏"‏ قد تقدم في مواضع، وفي بعضها بيان قدر الزيادة وأنها قيراط وهو في الوكالة، ويأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب الشروط‏.‏

*3*باب إِذَا قَضَى دُونَ حَقِّهِ أَوْ حَلَّلَهُ فَهُوَ جَائِزٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا قضى دون حقه أو حلله فهو جائز‏)‏ قال ابن بطال‏:‏ هكذا وقعت هذه الترجمة في النسخ كلها، والصواب ‏"‏ وحلله ‏"‏ بإسقاط الألف‏.‏

قلت‏:‏ رأيته في رواية أبي علي بن شبويه عن الفربري بالواو وكذا في رواية النسفي عن البخاري وفي مستخرج الإسماعيلي، لكن بقية الروايات بلفظ ‏"‏ أو ‏"‏ قال ابن بطال لأنه يجوز أن يقضي دون الحق بغير محاللة، ولو حلله من جميع الدين جاز عند جميع العلماء، فكذلك إذا حلله من بعضه ا هـ‏.‏

ووجهه ابن المنير بأن المراد إذا قضى دون حقه برضا صاحب الدين، أو حلله صاحب الدين من جميع حقه فهو جائز‏.‏

ثم أورد فيه حديث جابر في دين أبيه، وفيه فسألتهم أن يقبلوا تمر حائطي ويحللوا أبي ‏"‏ وهذا القدر هو المراد في هذه الترجمة‏.‏

فسيأتي في الباب الذي يليه أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل غريمه في ذلك، وسيأتي من هذه الطريق أتم مما هنا في كتاب الهبة، ويأتي الكلام عليه مستوفى في ‏"‏ علامات النبوة ‏"‏ إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَاهُ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَاشْتَدَّ الْغُرَمَاءُ فِي حُقُوقِهِمْ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُمْ أَنْ يَقْبَلُوا تَمْرَ حَائِطِي وَيُحَلِّلُوا أَبِي فَأَبَوْا فَلَمْ يُعْطِهِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَائِطِي وَقَالَ سَنَغْدُو عَلَيْكَ فَغَدَا عَلَيْنَا حِينَ أَصْبَحَ فَطَافَ فِي النَّخْلِ وَدَعَا فِي ثَمَرِهَا بِالْبَرَكَةِ فَجَدَدْتُهَا فَقَضَيْتُهُمْ وَبَقِيَ لَنَا مِنْ تَمْرِهَا

الشرح‏:‏

قوله في هذه الرواية ‏"‏ عن ابن كعب بن مالك ‏"‏ ذكر أبو مسعود وخلف في ‏"‏ الأطراف ‏"‏ وتبعهما الحميدي أنه عبد الرحمن، وذكر المزي أنه عبد الله، واستدل بأن ابن وهب روى الحديث عن يونس بالسند الذي في هذا الباب فسماه عبد الله‏.‏

قلت والرواية بذلك عند الإسماعيلي إلا أنه قال فيه ‏"‏ إن جابرا قتل أبوه ‏"‏ وصورته مرسل، فإنه لم يقل إن جابرا أخبره ولا حدثه، ولكن هذا القدر كاف في كونه عبد الله لا عبد الرحمن، نعم روى الزهري عن عبد الرحمن بن كعب عن جابر قصة شهداء أحد كما مضى في الجنائز، وذلك هو الحامل لهم على تفسيره هنا به، والله أعلم‏.‏