فصل: باب مَا يُحْذَرُ مِنْ الْغَدْرِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب مَا يُحْذَرُ مِنْ الْغَدْرِ

وَقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ إِلَى قَوْلِهِ عَزِيزٌ حَكِيمٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ما يحذر‏)‏ بضم أوله مخففا ومثقلا ‏(‏من الغدر‏)‏ ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقول الله عز وجل ‏(‏وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله‏)‏ الآية‏)‏ هو بالجر عطفا على لفظ الغدر، وحسب بإسكان المهملة أي كاف‏.‏

وفي هذه الآية إشارة إلى أن احتمال طلب العدو للصلح خديعة لا يمنع من الإجابة إذا ظهر للمسلمين، بل يعزم ويتوكل على الله سبحانه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَلَاءِ بْنِ زَبْرٍ قَالَ سَمِعْتُ بُسْرَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا إِدْرِيسَ قَالَ سَمِعْتُ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ فَقَالَ اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ مَوْتِي ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ مُوْتَانٌ يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ الْغَنَمِ ثُمَّ اسْتِفَاضَةُ الْمَالِ حَتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ مِائَةَ دِينَارٍ فَيَظَلُّ سَاخِطًا ثُمَّ فِتْنَةٌ لَا يَبْقَى بَيْتٌ مِنْ الْعَرَبِ إِلَّا دَخَلَتْهُ ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي الْأَصْفَرِ فَيَغْدِرُونَ فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَةً تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سمعت بسر بن عبيد الله‏)‏ بضم الموحدة وسكون المهملة، والإسناد كله شاميون إلا شيخ البخاري، وفي تصريح عبد الله بن العلاء بالسماع له من بسر دلالة على أن الذي وقع في رواية الطبراني من طريق دحيم عن الوليد عن عبد الله بن العلاء عن زيد بن واقد عن بسر بن عبيد الله، فزاد في الإسناد زيد بن واقد فهو من المزيد في متصل الأسانيد‏.‏

وقد أخرجه أبو داود وابن ماجه والإسماعيلي وغيرهم من طرق ليس فيها زيد بن واقد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم‏)‏ زاد في رواية المؤمل بن الفضل عن الوليد عند أبي داود ‏"‏ فسلمت فرد‏.‏

فقال ادخل‏.‏

فقلت‏:‏ أكلي يا رسول الله‏؟‏ قال‏:‏ كلك‏.‏

فدخلت ‏"‏ فقال الوليد قال عثمان بن أبي العاتكة إنما قال ذلك من صغر القبة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ستا‏)‏ أي ست علامات لقيام الساعة، أو لظهور أشراطها المقتربة منها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم موتان‏)‏ بضم الميم وسكون الواو، قال القزاز‏:‏ هو الموت‏.‏

وقال غيره الموت الكثير الوقوع، ويقال بالضم لغة تميم وغيرهم يفتحونها‏.‏

ويقال للبليد موتان القلب بفتح الميم والسكون‏.‏

وقال ابن الجوزي‏:‏ يغلط بعض المحدثين فيقول موتان بفتح الميم والواو، وإنما ذاك اسم الأرض التي لم تحي بالزرع والإصلاح‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ في رواية ابن السكن ‏"‏ ثم موتتان ‏"‏ بلفظ التثنية وحينئذ فهو بفتح الميم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كعقاص الغنم‏)‏ بضم العين المهملة وتخفيف القاف وآخره مهملة، هو داء يأخذ الدواب فيسيل من أنوفها شيء فتموت فجأة‏.‏

قال أبو عبيدة‏:‏ ومنه أخذ الإقعاص وهو القتل مكانه‏.‏

وقال ابن فارس‏:‏ العقاص داء يأخذ في الصدر كأنه يكسر العنق‏.‏

ويقال أن هذه الآية ظهرت في طاعون عمواس في خلافة عمر وكان ذلك بعد فتح بيت المقدس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم استفاضة المال‏)‏ أي كثرته، وظهرت في خلافة عثمان عند تلك الفتوح العظيمة، والفتنة المشار إليها افتتحت بقتل عثمان، واستمرت الفتن بعده، والسادسة لم تجيء بعد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هدنة‏)‏ بضم الهاء وسكون المهملة بعدها نون هي الصلح على ترك القتال بعد التحرك فيه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بني الأصفر‏)‏ هم الروم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏غاية‏)‏ أي راية، وسميت بذلك لأنها غاية المتبع إذا وقفت وقف‏.‏

ووقع في حديث ذي مخبر بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح الموحدة عند أبي داود في نحو هذا الحديث بلفظ ‏"‏ راية ‏"‏ بدل غاية‏.‏

وفي أوله ‏"‏ ستصالحون الروم صلحا أمنا، ثم تغزون أنتم وهم عدوا فتنصرون، ثم تنزلون مرجا فيرفع رجل من أهل الصليب الصليب فيقول غلب الصليب، فيغضب رجل من المسلمين فيقوم إليه فيدفعه، فعند ذلك تغدر الروم ويجتمعون للملحمة فيأتون ‏"‏ فذكره‏.‏

ولابن ماجه من حديث أبي هريرة مرفوعا ‏"‏ إذا وقعت الملاحم بعث الله بعثا من الموالي يؤيد الله بهم الدين ‏"‏ وله من حديث معاذ بن جبل مرفوعا ‏"‏ الملحمة الكبرى وفتح القسطنطينية وخروج الدجال في سبعة أشهر ‏"‏ وله من حديث عبد الله بن بسر رفعه ‏"‏ بين الملحمة وفتح المدينة ست سنين، ويخرج الدجال في السابعة ‏"‏ وإسناده أصح من إسناد حديث معاذ، قال ابن الجوزي‏:‏ رواه بعضهم ‏"‏ غابة ‏"‏ بموحدة بدل التحتانية والغابة الأجمة كأنه شبه كثرة الرماح بالأجمة‏.‏

وقال الخطابي‏:‏ الغابة الغيضة، فاستعيرت للرايات ترفع لرؤساء الجيش لما يشرع معها من الرماح، وجملة العدد المشار إليه تسعمائة ألف وستون ألفا، ولعل أصله ألف ألف فألغيت كسوره‏.‏

ووقع مثله في رواية ابن ماجة من حديث ذي مخبر ولفظه ‏"‏ فيجتمعون للملحمة، فيأتون تحت ثمانين غابة تحت كل غابة اثنا عشر ألفا‏"‏، ووقع عند الإسماعيلي من وجه آخر عن الوليد بن مسلم قال‏:‏ تذاكرنا هذا الحديث وشيخنا من شيوخ المدينة فقال‏:‏ أخبرني سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أنه كان يقول في هذا الحديث مكان فتح بيت المقدس ‏"‏ عمران بيت المقدس ‏"‏ قال‏:‏ المهلب فيه أن الغدر من أشراط الساعة‏.‏

وفيه أشياء من علامات النبوة قد ظهر أكثرها‏.‏

وقال ابن المنير‏:‏ أما قصة الروم فلم يجتمع إلى الآن ولا بلغنا أنهم غزوا في البر في هذا العدد فهي من الأمور التي لم تقع بعد‏.‏

وفيه بشارة ونذارة، وذلك أنه دل على أن العاقبة للمؤمنين مع كثرة ذلك الجيش، وفيه إشارة إلى أن عدد جيوش المسلمين سيكون أضعاف ما هو عليه‏.‏

ووقع في رواية للحاكم من طريق الشعبي عن عوف بن مالك في هذا الحديث ‏"‏ أن عوف بن مالك قال لمعاذ في طاعون عمواس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي‏:‏ أعدد ستا بين يدي الساعة، فقد وقع منهن ثلاث، يعني موته صلى الله عليه وسلم وفتح بيت المقدس والطاعون، قال وبقي ثلاث فقال له معاذ‏:‏ أن لهذا أهلا‏"‏‏.‏

ووقع في الفتن لنعيم بن حماد أن هذه القصة تكون في زمن المهدي على يد ملك من آل هرقل‏.‏

*3*باب كَيْفَ يُنْبَذُ إِلَى أَهْلِ الْعَهْدِ

وَقَوْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ الْآيَةَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب كيف ينبذ إلى أهل العهد، وقول الله عز وجل ‏(‏وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء‏)‏ أي اطرح إليهم عهدهم، وذلك بأن يرسل إليهم من يعلمهم بأن العهد انتقض، قال ابن عباس‏:‏ أي على مثل، وقيل على عدل، وقيل أعلمهم أنك قد حاربتهم حتى يصيروا مثلك في العلم بذلك‏.‏

وقال الأزهري‏:‏ المعنى إذا عاهدت قوما فخشيت منهم النقض فلا توقع بهم بمجرد ذلك حتى تعلمهم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيمَنْ يُؤَذِّنُ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى لَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ وَيَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ يَوْمُ النَّحْرِ وَإِنَّمَا قِيلَ الْأَكْبَرُ مِنْ أَجْلِ قَوْلِ النَّاسِ الْحَجُّ الْأَصْغَرُ فَنَبَذَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى النَّاسِ فِي ذَلِكَ الْعَامِ فَلَمْ يَحُجَّ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ الَّذِي حَجَّ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُشْرِكٌ

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة ‏"‏ بعثني أبو بكر فيمن يؤذن يوم النحر بمنى ‏"‏ الحديث، وقد تقدم شرحه في الحج وأنه سيشرح في تفسير براءة، قال المهلب‏:‏ خشى رسول الله صلى الله عليه وسلم غدر المشركين فلذلك بعث من ينادي بذلك‏.‏

*3*باب إِثْمِ مَنْ عَاهَدَ ثُمَّ غَدَرَ

وَقَوْلِ اللَّهِ الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إثم من عاهد ثم غدر‏)‏ الغدر حرام باتفاق، سواء كان في حق المسلم أو الذمي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقول الله عز وجل‏:‏ ‏(‏الذين عاهدت منهم‏)‏‏)‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعُ خِلَالٍ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا مَنْ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا

الشرح‏:‏

حديث عبد الله ابن عمرو في علامات المنافق وهو ظاهر فيما ترجم له، وقد مضى شرحه في كتاب الإيمان‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ مَا كَتَبْنَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا الْقُرْآنَ وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةُ حَرَامٌ مَا بَيْنَ عَائِرٍ إِلَى كَذَا فَمَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ عَدْلٌ وَلَا صَرْفٌ وَذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ وَمَنْ وَالَى قَوْمًا بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ قَالَ أَبُو مُوسَى حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا لَمْ تَجْتَبُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا فَقِيلَ لَهُ وَكَيْفَ تَرَى ذَلِكَ كَائِنًا يَا أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ إِي وَالَّذِي نَفْسُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ عَنْ قَوْلِ الصَّادِقِ الْمَصْدُوقِ قَالُوا عَمَّ ذَاكَ قَالَ تُنْتَهَكُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَشُدُّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قُلُوبَ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَيَمْنَعُونَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ

الشرح‏:‏

حديث على ‏"‏ ما كتبنا عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا القرآن ‏"‏ الحديث، وقد تقدم التنبيه عليه قريبا، والمراد منه قوله ‏"‏ من أخفر مسلما ‏"‏ وهو بالخاء المعجمة والفاء أي نقض عهده‏.‏

حديث أبي هريرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو موسى‏)‏ هو محمد بن المثنى شيخ البخاري، وقد تكرر نقل الخلاف في هذه الصيغة هل تقوم مقام العنعنة فتحمل على السماع أو لا تحمل على السماع، إلا ممن جرت عادته أن يستعملها فيه‏؟‏ وبهذا الأخير جزم الخطيب‏.‏

وهذا الحديث قد وصله أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ من طريق موسى بن عباس عن أبي موسى مثله، ووقع في بعض نسخ البخاري ‏"‏ حدثنا أبو موسى ‏"‏ والأول هو الصحيح وبه جزم الإسماعيلي وأبو نعيم وغيرهما، ‏(‏وإسحاق بن سعيد‏)‏ أي ابن عمرو بن سعيد بن العاص، وقد وافقه أخوه خالد ابن سعيد أخرجه الإسماعيلي من طريقه بنحوه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا لم تجتبوا‏)‏ من الجباية بالجيم والموحدة وبعد الألف تحتانية، أي لم تأخذوا من الجزية والخراج شيئا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تنتهك‏)‏ بضم أوله أي تتناول مما لا يحل من الجور والظلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فيمنعون ما في أيديهم‏)‏ أي يمتنعون من أداء الجزية، قال الحميدي‏:‏ أخرج مسلم معنى هذا الحديث من وجه آخر عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة رفعه ‏"‏ منعت العراق درهما وقفيزها ‏"‏ وساق الحديث بلفظ الفعل الماضي، والمراد به ما يستقبل مبالغة في الإشارة إلى تحقق وقوعه، ولمسلم عن جابر أيضا مرفوعا ‏"‏ يوشك أهل العراق أن لا يجتبى إليهم بعير ولا درهم، قالوا‏:‏ مم ذلك‏؟‏ قال‏:‏ من قبل العجم يمنعون ذلك ‏"‏ وفيه علم من أعلام النبوة، والتوصية بالوفاء لأهل الذمة لما في الجزية التي تؤخذ منهم من نفع المسلمين، وفيه التحذير من ظلمهم وأنه متى وقع ذلك نقضوا العهد فلم يجتب المسلمون منهم شيئا فتضيق أحوالهم‏.‏

وذكر ابن حزم أن بعض المالكية احتج بقوله في حديث أبي هريرة ‏"‏ منعت العراق درهما ‏"‏ الحديث على أن الأرض المغنومة لا تقسم ولا تباع وأن المراد بالمنع منع الخراج، ورده بأن الحديث ورد في الإنذار بما يكون من سوء العاقبة وأن المسلمين سيمنعون حقوقهم في آخر الأمر، وكذلك وقع‏.‏

*3*باب

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا أَبُو حَمْزَةَ قَالَ سَمِعْتُ الْأَعْمَشَ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا وَائِلٍ شَهِدْتَ صِفِّينَ قَالَ نَعَمْ فَسَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ يَقُولُ اتَّهِمُوا رَأْيَكُمْ رَأَيْتُنِي يَوْمَ أَبِي جَنْدَلٍ وَلَوْ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرُدَّ أَمْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَرَدَدْتُهُ وَمَا وَضَعْنَا أَسْيَافَنَا عَلَى عَوَاتِقِنَا لِأَمْرٍ يُفْظِعُنَا إِلَّا أَسْهَلْنَ بِنَا إِلَى أَمْرٍ نَعْرِفُهُ غَيْرِ أَمْرِنَا هَذَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب‏)‏ كذا هو بلا ترجمة عند الجميع، وهو كالفصل من الباب الذي قبله، وذكر فيه حديثين‏:‏ أحدهما عن سهل بن حنيف في قصة الحديبية، وذكره من وجهين، والطريق الأولى منهما مختصرة، وقد ساقه منها بتمامه في الاعتصام، وقد تقدمت الإشارة إلى فوائده في الكلام على حديث المسور في كتاب الشروط، وسيأتي ما يتعلق منه بصفين في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى‏.‏

وقول سهل بن حنيف ‏"‏ يوم أبي جندل ‏"‏ أراد به يوم الحديبية، وإنما نسبه لأبي جندل لأنه لم يكن فيه على المسلمين أشد من قصته كما تقدم بيانه، وعبد العزيز بن سياه في إسناده بالمهملة المكسورة بعدها تحتانية خفيفة وبالهاء وصلا ووقفا، وهو مصروف مع أنه أعجمي، وكأنه ليس بعلم عندهم‏.‏

وإنما قال سهل بن حنيف لأهل صفين ما قال لما ظهر من أصحاب على كراهية التحكيم فأعلمهم بما جرى يوم الحديبية من كراهة أكثر الناس للصلح، ومع ذلك فأعقب خيرا كثيرا وظهر أن رأي النبي صلى الله عليه وسلم في الصلح أتم وأحمد من رأيهم في المناجزة، وسيأتي بقية فوائده في كتاب التفسير والاعتصام إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِيهِ حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو وَائِلٍ قَالَ كُنَّا بِصِفِّينَ فَقَامَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ اتَّهِمُوا أَنْفُسَكُمْ فَإِنَّا كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَلَوْ نَرَى قِتَالًا لَقَاتَلْنَا فَجَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ فَقَالَ بَلَى فَقَالَ أَلَيْسَ قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلَاهُمْ فِي النَّارِ قَالَ بَلَى قَالَ فَعَلَامَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا أَنَرْجِعُ وَلَمَّا يَحْكُمِ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فَقَالَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَلَنْ يُضَيِّعَنِي اللَّهُ أَبَدًا فَانْطَلَقَ عُمَرُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وَلَنْ يُضَيِّعَهُ اللَّهُ أَبَدًا فَنَزَلَتْ سُورَةُ الْفَتْحِ فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عُمَرَ إِلَى آخِرِهَا فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَفَتْحٌ هُوَ قَالَ نَعَمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب‏)‏ كذا هو بلا ترجمة عند الجميع، وهو كالفصل من الباب الذي قبله، وذكر فيه حديثين‏:‏ أحدهما عن سهل بن حنيف في قصة الحديبية، وذكره من وجهين، والطريق الأولى منهما مختصرة، وقد ساقه منها بتمامه في الاعتصام، وقد تقدمت الإشارة إلى فوائده في الكلام على حديث المسور في كتاب الشروط، وسيأتي ما يتعلق منه بصفين في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى‏.‏

وقول سهل بن حنيف ‏"‏ يوم أبي جندل ‏"‏ أراد به يوم الحديبية، وإنما نسبه لأبي جندل لأنه لم يكن فيه على المسلمين أشد من قصته كما تقدم بيانه، وعبد العزيز بن سياه في إسناده بالمهملة المكسورة بعدها تحتانية خفيفة وبالهاء وصلا ووقفا، وهو مصروف مع أنه أعجمي، وكأنه ليس بعلم عندهم‏.‏

وإنما قال سهل بن حنيف لأهل صفين ما قال لما ظهر من أصحاب على كراهية التحكيم فأعلمهم بما جرى يوم الحديبية من كراهة أكثر الناس للصلح، ومع ذلك فأعقب خيرا كثيرا وظهر أن رأي النبي صلى الله عليه وسلم في الصلح أتم وأحمد من رأيهم في المناجزة، وسيأتي بقية فوائده في كتاب التفسير والاعتصام إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ إِذْ عَاهَدُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُدَّتِهِمْ مَعَ أَبِيهَا فَاسْتَفْتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي قَدِمَتْ عَلَيَّ وَهِيَ رَاغِبَةٌ أَفَأَصِلُهَا قَالَ نَعَمْ صِلِيهَا

الشرح‏:‏

والثاني حديث أسماء بنت أبي بكر في وفود أمها، ووجه تعلق الأول من جهة ما آل إليه أمر قريش في نقضها العهد من الغلبة عليهم وقهرهم بفتح مكة، فإنه يوضح أن مآل الغدر مذموم ومقابل ذلك ممدوح، ومن هنا يتبين تعلق الحديث الثاني، ووجهه أن عدم الغدر اقتضى جواز صلة القريب ولو كان على غير دين الواصل، وقد تقدم حديث أسماء في الهبة مشروحا‏.‏

*3*باب الْمُصَالَحَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ وَقْتٍ مَعْلُومٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب المصالحة على ثلاثة أيام أو وقت معلوم‏)‏ أي يستفاد من وقوع المصالحة على ثلاثة أيام جوازها في وقت معلوم ولم تكن ثلاثة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي الْبَرَاءُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَعْتَمِرَ أَرْسَلَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ يَسْتَأْذِنُهُمْ لِيَدْخُلَ مَكَّةَ فَاشْتَرَطُوا عَلَيْهِ أَنْ لَا يُقِيمَ بِهَا إِلَّا ثَلَاثَ لَيَالٍ وَلَا يَدْخُلَهَا إِلَّا بِجُلُبَّانِ السِّلَاحِ وَلَا يَدْعُوَ مِنْهُمْ أَحَدًا قَالَ فَأَخَذَ يَكْتُبُ الشَّرْطَ بَيْنهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَكَتَبَ هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالُوا لَوْ عَلِمْنَا أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ لَمْ نَمْنَعْكَ وَلَبَايَعْنَاكَ وَلكِنِ اكْتُبْ هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ أَنَا وَاللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَأَنَا وَاللَّهِ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ وَكَانَ لَا يَكْتُبُ قَالَ فَقَالَ لِعَلِيٍّ امْحَ رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ عَلِيٌّ وَاللَّهِ لَا أَمْحَاهُ أَبَدًا قَالَ فَأَرِنِيهِ قَالَ فَأَرَاهُ إِيَّاهُ فَمَحَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ فَلَمَّا دَخَلَ وَمَضَتْ الْأَيَّامُ أَتَوْا عَلِيًّا فَقَالُوا مُرْ صَاحِبَكَ فَلْيَرْتَحِلْ فَذَكَرَ ذَلِكَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ نَعَمْ ثُمَّ ارْتَحَلَ

الشرح‏:‏

حديث البراء في العمرة وقد تقدم في الصلح، وسيأتي شرح ما يتعلق بكتابة الصلح منه في كتاب المغازي إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب الْمُوَادَعَةِ مِنْ غَيْرِ وَقْتٍ

وَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُقِرُّكُمْ عَلَى مَا أَقَرَّكُمْ اللَّهُ بِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الموادعة من غير وقت وقول النبي صلى الله عليه وسلم أقركم على ما أقركم الله‏)‏ هو طرف من حديث معاملة أهل خيبر، وقد تقدم شرحه في المزارعة وبيان الاختلاف في أصل المسألة، وأما ما يتعلق بالجهاد فالموادعة فيه لا حد لها معلوم لا يجوز غيره، بل ذلك راجع إلى رأي الإمام بحسب ما يراه الأحظ والأحوط للمسلمين‏.‏

*3*باب طَرْحِ جِيَفِ الْمُشْرِكِينَ فِي الْبِئْرِ وَلَا يُؤْخَذُ لَهمْ ثَمَنٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب طرح جيف المشركين في البئر ولا يؤخذ لهم ثمن‏)‏ ذكر فيه حديث ابن مسعود في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على أبي جهل بن هشام وغيره من قريش‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا يؤخذ لهم ثمن‏)‏ أشار به إلى حديث ابن عباس ‏"‏ أن المشركين أرادوا أ ن يشتروا جسد رجل من المشركين فأني النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيعهم ‏"‏ أخرجه الترمذي وغيره، وذكر ابن إسحاق في المغازي ‏"‏ أن المشركين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيعهم جسد نوفل بن عبد الله بن المغيرة، وكان اقتحم الخندق؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا حاجة لنا بثمنه ولا جسده ‏"‏ فقال ابن هشام‏:‏ بلغنا عن الزهري أنهم بذلوا فيه عشرة آلاف، وأخذه من حديث الباب من جهة أن العادة تشهد أن أهل قتلى بدر لو فهموا أنه يقيل منهم فداء أجسادهم لبذلوا فيها ما شاء الله، فهذا شاهد لحديث ابن عباس، وإن كان إسناده غير قوي‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدَانُ بْنُ عُثْمَانَ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاجِدٌ وَحَوْلَهُ نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ إِذْ جَاءَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ بِسَلَى جَزُورٍ فَقَذَفَهُ عَلَى ظَهْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ حَتَّى جَاءَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلَام فَأَخَذَتْ مِنْ ظَهْرِهِ وَدَعَتْ عَلَى مَنْ صَنَعَ ذَلِكَ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ عَلَيْكَ الْمَلَا مِنْ قُرَيْشٍ اللَّهُمَّ عَلَيْكَ أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ وَعُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ وَشَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ وَعُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ أَوْ أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ فَلَقَدْ رَأَيْتُهُمْ قُتِلُوا يَوْمَ بَدْرٍ فَأُلْقُوا فِي بِئْرٍ غَيْرَ أُمَيَّةَ أَوْ أُبَيٍّ فَإِنَّهُ كَانَ رَجُلًا ضَخْمًا فَلَمَّا جَرُّوهُ تَقَطَّعَتْ أَوْصَالُهُ قَبْلَ أَنْ يُلْقَى فِي الْبِئْرِ

الشرح‏:‏

حديث ابن مسعود في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على أبي جهل بن هشام وغيره من قريش وفيه ‏"‏ فلقد رأيتهم قتلوا يوم بدر فألقوا في بئر ‏"‏ وقد تقدم بهذا الإسناد في ‏"‏ باب الطهارة ‏"‏ ومضى شرحه أيضا‏.‏

ويأتي في المغازي مزيد لذلك‏.‏

*3*باب إِثْمِ الْغَادِرِ لِلْبَرِّ وَالْفَاجِرِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إثم الغادر للبر والفاجر‏)‏ أي سواء كان من بر لفاجر أو بر، أو من فاجر لبر أو فاجر‏.‏

وبين هذه الترجمة والترجمة السابقة بثلاثة أبواب عموم وخصوص‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَعَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ أَحَدُهُمَا يُنْصَبُ وَقَالَ الْآخَرُ يُرَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعْرَفُ بِهِ

الشرح‏:‏

حديث ابن مسعود وأنس معا ‏"‏ لكل غادر لواء‏"‏‏.‏

وقوله ‏"‏وعن ثابت ‏"‏ قائل ذلك هو شعبة بينه مسلم في روايته من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة عن ثابت عن أنس، وقد أخرجه الإسماعيلي عن أبي خليفة عن أبي الوليد شيخ البخاري فيه بالإسنادين معا ‏"‏ قال في موضعين‏:‏ وبهذا يرد على من جوز أن يكون ذلك معطوفا على قوله ‏"‏ عن أبي الوليد ‏"‏ فيكون من رواية الأعمش عن ثابت، وليس كذلك، ولم يرقم المزي في التهذيب في رواية الأعمش عن ثابت رقم البخاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال أحدهما ينصب وقال الآخر - يرى - يوم القيامة يعرف به‏)‏ ليس في رواية مسلم المذكورة ينصب ولا يرى، وقد زاد مسلم من طريق غندر عن شعبة ‏"‏ يقال هذه غدرة فلان ‏"‏ وله من حديث أبي سعيد ‏"‏ يرفع له بقدر غدرته ‏"‏ وله من حديثه من وجه آخر ‏"‏ عند استه ‏"‏ قال ابن المنير كأنه عومل بنقيض قصده لأن عادة اللواء أن يكون على الرأس فنصب عند السفل زيادة في فضيحته، لأن الأعين غالبا تمتد إلى الألوية فيكون ذلك سببا لامتدادها إلى التي بدت له ذلك اليوم فيزداد بها فضيحته‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يُنْصَبُ بِغَدْرَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏ينصب يوم القيامة بغدرته‏)‏ أي بقدر غدرته كما في رواية مسلم، قال القرطبي هذا خطاب منه للعرب بنحر ما كانت تفعل، لأنهم كانوا يرفعون للوفاء راية بيضاء، وللغدر راية سوداء، ليلوموا الغادر ويذموه، فاقتضى الحديث وقوع مثل ذلك للغادر ليشتهر بصفته في القيامة فيذمه أهل الموقف، وأما الوفاء فلم يرد فيه شيء ولا يبعد أن يقع كذلك، وقد ثبت لواء الحمد لنبينا صلى الله عليه وسلم‏.‏

وقد تقدم تفسير الغدر قريبا والكلام على اللواء وما الفرق بينه وبين الراية في باب مفرد في كتاب الجهاد‏.‏

وفي الحديث غلظ تحريم الغدر لا سيما من صاحب الولاية العامة لأن غدره يتعدى ضرره إلى خلق كثير، ولأنه غير مضطر إلى الغدر لقدرته على الوفاء‏.‏

وقال عياض‏:‏ المشهور أن هذا الحديث ورد في ذم الإمام إذا غدر في عهوده لرعيته أو لمقاتلته أو للإمامة التي تقلدها والتزم القيام بها، فمتى خان فيها أو ترك الرفق فقد غدر بعهده‏.‏

وقيل المراد نهي الرعية عن الغدر بالإمام فلا تخرج عليه ولا تتعرض لمعصيته لما يترتب على ذلك من الفتنة‏.‏

قال‏:‏ والصحيح الأول‏.‏

قلت‏:‏ ولا أدري ما المانع من حمل الخبر على أعم من ذلك، وسيأتي مزيد بيان لذلك في كتاب الفتن حيث أورده المصنف فيه أتم مما هنا وأن الذي فهمه ابن عمرو راوي الحديث هو هذا والله أعلم‏.‏

وفيه أن الناس يدعون يوم القيامة بآبائهم لقوله فيه ‏"‏ هذه غدرة فلان ابن فلان ‏"‏ وهي رواية ابن عمر الآتية في الفتن، قال ابن دقيق العيد‏:‏ وإن ثبت أنهم يدعون بأمهاتهم فقد يخص هذا من العموم‏.‏

وتمسك به قوم في ترك الجهاد مع ولاة الجور الذين يغدرون كما حكاه الباجي‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ لَا هِجْرَةَ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا وَقَالَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَمْ يَحِلَّ لِي إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ وَلَا يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ إِلَّا مَنْ عَرَّفَهَا وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهُ فَقَالَ الْعَبَّاسُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا الْإِذْخِرَ فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ وَلِبُيُوتِهِمْ قَالَ إِلَّا الْإِذْخِرَ

الشرح‏:‏

حديث ابن عباس ‏"‏ لا هجرة بعد الفتح ساقه بتمامه، وقد تقدم شرحه في أواخر الجهاد وباقيه في الحج، وفي تعلقه بالترجمة غموض، قال ابن بطال‏:‏ وجهه أن محارم الله عهوده إلى عباده، فمن انتهك منها شيئا كان غادرا، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة أمن الناس، ثم أخبر أن القتال بمكة حرام، فأشار إلى أنهم آمنون من أن يغدر بهم أحد فيما حصل لهم من الأمان‏.‏

وقال ابن المنير‏:‏ وجهه أن النص على أن مكة اختصت بالحرمة إلا في الساعة المستثناة لا يختص بالمؤمن البر فيها ‏"‏ إذ كل بقعة كذلك، فدل على أنها اختصت بما هو أعم من ذلك‏.‏

وقال الكرماني‏:‏ يمكن أن يؤخذ من قوله ‏"‏ وإذا استنفرتم فانفروا ‏"‏ إذ معناه لا تغدروا بالأئمة ولا تخالفوهم، لأن إيجاب الوفاء بالخروج مستلزم لتحريم الغدر، أو أشار إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يغدر باستحلال القتال بمكة، بل كان بإحلال الله له ساعة، ولولا ذلك لما جاز له‏.‏

قلت‏:‏ ويحتمل أن يكون أشار بذلك إلى ما وقع من سبب الفتح الذي ذكر في الحديث وهو غدر قريش بخزاعة حلفاء النبي صلى الله عليه وسلم لما تحاربوا مع بني بكر حلفاء قريش، فأمدت قريش بني بكر وأعانوهم على خزاعة وبيتوهم فقتلوا منهم جماعة؛ وفي ذلك يقول شاعرهم يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ إن قريشا أخلفوك الموعدا ونقضوا ميثاقك المؤكدا وسيأتي شرح ذلك في المغازي مفصلا، فكان عاقبة نقض قريش العهد بما فعلوه أن غزاهم المسلمون حتى فتحوا مكة واضطروا إلى طلب الأمان وصاروا بعد العز والقوة في غاية الوهن إلى أن دخلوا في الإسلام وأكثرهم لذلك كاره، ولعله أشار بقوله في الترجمة ‏"‏ بالبر ‏"‏ إلى المسلمين ‏"‏ وبالفاجر ‏"‏ إلى خزاعة لأن أكثرهم إذ ذاك لم يكن أسلم بعد، والله أعلم‏.‏

‏(‏خاتمة‏)‏ ‏:‏ اشتملت أحاديث فرض الخمس والجزية والموادعة - وهي في التحقيق بقايا الجهاد، وإنما أفردها زيادة في الإيضاح، كما أفردت العمرة وجزاء الصيد من كتاب الحج - من الأحاديث المرفوعة على مائة وستة عشر حديثا، المعلق منها سبعة عشر طريقا والبقية موصولة، المكرر منها فيها وفيما مضى سبعة وستون حديثا والبقية خالصة، وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث أنس في صفة نقش الخاتم، وحديثه في النعلين، وحديثه في القدح، وحديث أبي هريرة ‏"‏ ما أعطيكم ولا أمنعكم ‏"‏ وحديث خوله ‏"‏ إن رجالا يخوضون ‏"‏ وحديث تركة الزبير وحديث سؤال هوازن من طريق عمرو بن شعيب، وحديث إعطاء جابر من تمر خيبر، وحديث ابن عمر ‏"‏ لم يعتمر من الجعرانة‏"‏، وحديثه ‏"‏ كنا نصيب في مغازينا العسل ‏"‏ فهذه في الخمس، وحديث عبد الرحمن بن عوف في المجوس، وحديث عمر فيه، وحديث ابن عمرو ‏"‏ من قتل معاهدا ‏"‏ وحديث ابن شهاب فيمن سحر، وحديث عوف في الملاحم، وحديث أبي هريرة ‏"‏ كيف أنتم إذا لم تجتبوا دينارا ولا درهما‏"‏‏.‏

وفيها من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم عشرون أثرا‏.‏

والله أعلم‏.‏