فصل: كتاب الصلح:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب اللباب في بيان ما تضمنته أبواب الكتاب من الأركان والشروط والموانع والأسباب



.كتاب الصلح:

.حقيقته:

معلومة.

.حكمه:

الندب على الجملة، وقد يختلف بحسب عوارضه، فيكون مكروهًا وممنوعًا ومختلفًا فيه.
فالممنوع: الصلح على الإقرار بما لا تصح المعاوضة به، فإذا وقع الصلح بالحرام في حق أحد المتصالحين فسخ في قول جمهور العلماء.
وقال أصبغ: يجوز في وجه الحكم ولا يحل أخذه فيما بينه وبين الله تعالى مثاله أن يدعي على رجل مالاً فينكره فيصالحه منه على سكنى دار أو خدمة عبد أو من قمح على شعير مؤجل، وقد قال مالك وابن الماجشون يفسخ ذلك ما لم يفت، فإن فات وجبت فيه القيمة أو المثل في المثلي كالبيع ويرجعان إلى الخصومة، وإن وقع بالحرام في حقهما معًا فسخ بلا خلاف، مثاله أن يدعي عليه بعشرة دنانير فيقر بخمسة وينكر خمسة فيصالحه عن الجميع بدراهم إلى أجل.
والمكروه: ما يؤدي إلى أسلفني وأسلفك، مثاله أن يدعي كل واحد على صاحبه بدنانير فينكره فيصطلحان على أن يؤخر كل واحد على صاحبه إلى أجل، وفي فسخه قولان لابن الماجشون ومطرف.
وأما المختلف فيه: فهو الصلح على الإنكار وهو جائز عندنا خلافًا للشافعي، واختلف أيضًا في الصلح على القذف، فمنعه في المدونة، وأجازه سحنون، وقال أشهب: ما لا يجوز فيه العفو كالسرقة والزنا لا يجوز فيه الصلح، وما جاز فيه العفو جاز فيه الصلح.
تنبيه:
الصلح على الإقرار بيع من البيوع، وكذلك إن وقع على الإنكار عند مالك لاشتراطه فيه ما يشترط في البيع، وقد يكون الصلح إبداء وإسقاطًا كمن له على رجل مائة فيصالحه على أخذ خمسين منها على أن يسقط عنه الخمسين الباقية.

.حكمة مشروعيته:

دفع التشاجر وإصلاح ذات البين.

.أركانه:

ثلاثة: المصالح ويتناول كل واحد من الخصمين، والمصالح به، والمصالح عنه.

.الأول: المصالح:

وهو من فيه أهلية المعاملة، ويجوز للرجل أن يصالح عن غيره، وإن لم يأذن له، وذلك لازم للمصالح، وصلح الأب والوصي جائز، ولا يجوز أن يسقطا من حقه شيئًا على غير وجه النظر.

.المصالح به: ما يصح أن يكون ثمنًا في البيع.

.المصالح عنه: مال وعيب ودم.

.الأول: المال:

يعتبر فيه ما يحل ويحرم، فلو كان له عليه طعام من سلم، فصالحه على رأس ماله وفارقه قبل القبض لم يجز ولو مات رجل عن دنانير ودراهم حاضرة وعروض حاضرة وغائبة وعقار، فصالح الولد الزوجة على دراهم من التركة قدر ميراثها من الدراهم فأقل جاز، وإن كانت أكثر لم يجز، قاله ابن القاسم، ولو أعطاها دراهم من غير التركة فمنع ابن القاسم مطلقًا، وأجازه أشهب إذا أعطاها قدر حصتها من دراهم التركة ومسائل هذا الباب وإن كثرت فالمعتبر ما يحل وما يحرم كما يعتبر في البياعات.

.الثاني: العيب:

وإذا باع عبدًا بمائة ثم ادعى المبتاع أن به عيبًا، فإن كان العبد فائتًا وقد انتقد الثمن جاز للبائع أن يصالحه بدنانير أو دراهم أو عروض بعد معرفتهما بقيمة العيب ولا يجوز إلى أجل إلا أن يكون البيع بالذهب مثلاً وقيمة العيب ذهبًا، فيصالحه على مثل القيمة فأقل فيجوز وإن لم ينتقد جاز أن يصالحه بعين معين أو موصوف إلى أجل مثل آجال السلم ولا يجوز بدراهم إلا يدًا بيد، ولو كان الثمن مؤجلاً جاز أن يصالحه على عروض أو طعام نقدًا ولا يجوز على عروض مؤجلة ولا على دراهم نقدًا ولا إلى أجل، وأما بالدنانير، فقال في المدونة: لا يجوز، يريد إذا كانت الدنانير أقل من قيمة العيب، وإن كانت مثلها أو أكثر منها جاز، قاله ابن أبي زيد، إذ لا يتهم أن يعطي ذهبًا فيأخذ مثلها أو أقل منها، وإن كان قائمًا وقد باعه بنقد وانتقد فيصالحه على شيء يزيده له على أن لا يرده عليه، وكانت الزيادة دنانير نقدًا وقد باع بدنانير جاز وكأنه استرجع ذلك من الثمن، وإن كانت إلى أجل لم يجز لأنه بيع وسلف ولو تأخرت الدنانير بغير شرط جاز ولو صالحه بدنانير إلى أجل لم يجز ولو كانت الزيادة عروضًا نقدًا أقل من صرف دينار جاز على مذهب ابن القاسم، ويجوز على مذهب أشهب، وإن كانت أكثر من صرف دينار ولو كانت الزيادة عروضًا نقدًا جاز، ولو كانت إلى أجل فقولان لابن القاسم، وإن لم ينتقد وزاده دنانير لم يجز إلا أن تكون مقاصة، وإن زاده دراهم لم يجز إلا أن تكون نقدًا أقل من صرف دينار على مذهب ابن القاسم، وإن زاده عروضًا نقدًا أو إلى أجل جاز.
تنبيه:
إن زاده المبتاع شيئًا على أن يرد إليه العبد، فحكمه حكم الإقالة بالزيادة منه، وأما زيادة البائع فأصل ابن القاسم في المدفوع الأخذ بالأحوط وصرف الصلح إلى أنه استئناف مبايعة بعد تقرير انفساخ البيعة الأول فيعتبر ما يحل ويحرم في المعاوضة الثانية، فيحترز من البيع والسلف ومن فسخ الدين في الدين ومن الصرف المستأخر، وأصل أشهب أنها ليست بيعًا لا تحقيقًا ولا تقديرًا، وإنما هي معاوضة على ترك منازعة وإسقاط حق فيعتبر ما يجوز أخذه عوضًا عن الإسقاط.

.الثالث: الدم:

والصلح إما أن يقع على الجرح أو على النفس، فإن وقع على الجرح بعد البرء جاز مطلقًا، وإن وقع قبل البرء فما كان من الجراح التي فيها القود كان له عقل مسمى أو لم يكن، فالصلح عنه جائز وعما يؤدي إليه من نفس وغيرها وما لا قود فيه، وفيه عقل مسمى، فالصلح عنه جائز ولا يجوز عما يؤدي إليه سواء كان عمدًا أو خطأ، وكل جرح ليس له عقل مسمى خطأ كان أو عمدًا مما لا قود فيه فلا يجوز فيه الصلح إلا بعد البرء، وليس فيه بعد البرء إلا الاجتهاد على قدر الشين ولو برئ على غير شين لم يكن فيه شيء وقبل البرء لا يدري أيبرأ على غير شين أو عن شين، وأما الصلح عن النفس، فإن كان بعد إسقاط القاتل جاز وسقط القود ويضرب مائة ويسجن عامًا ولو صالحه بعض من يستحق الدم وسقط القصاص ودخل معه سائر الأولياء في الصلح ولو وقع على أن ينتقل عن بلد القاتل فقال ابن القاسم: الصلح منتقض ولولي الدم أن يقوم بالقصاص.
وقال أصبغ: يجوز ويحكم على القاتل أن لا يساكنه أبدًا وهو المشهور والمعمول به، وعلى قول أصبغ إن عاد وكان القتل قد ثبت فلهم القود أو الدية، وإلا كانوا على حجتهم وللورثة الصلح على مال يأخذونه قبل ثبوت الدم ولا لزوجة ولا للبنات اعتراض في ذلك وكذلك الأخوات مع الإخوة، فإن عفوا عن الدية أو أقل أو أكثر فلسائر الورثة الدخول معهم على فرائض الله تعالى، ويجوز الصلح عن دم عمد على الإنكار.

.اللواحق:

تنحصر في ثلاثة أشياء: وهي طروء ما ينقض الصلح وقيام من ينقضه ودخول الشريك على شريكه فيه.
أما الأول: فيظهر بمسألة العتبية.
قال ابن القاسم في رجل ثبت عليه قتل رجلين عمدًا، فصالح أولاد أحدهما بمال، ثم اقتص منه أولاد الآخر أن الصلح منتقض ويرجع المال إلى ورثة المقتص به.
وأما الثاني: فمثل أن يصالح قاتل الخطأ الأولياء على مال نجموه عليه فيدفع لهم نجمًا، ثم يقوم بنقض الصلح ويدعي أنه جهل أن الدية على العاقلة، فقال مالك: له ذلك.
قال ابن الماجشون: ويرد عليه أولياء المقتول ما أخذوه منه إذا كان يجهل ذلك.
قال جماعة من أصحابنا: ويحلف، وإذا حلف وكان ما أخذوه منه قائمًا أخذه وإن كان فائتًا وكان الورثة هم الذين طلبوه في الصلح، فكذلك وإن كان هو الطالب لم يرجع بشيء، وإذا ادعى رجل على رجل شيئًا في ذمته أو في يديه فينكره فيصالحه على شيء، ثم يقر له به، فله القيام بلا خلاف، وإذا صالحه على الإقرار ويذكر أن ذكر الحق المتضمن للشهادة عليه قد ضاع، ثم وجده بعد الصلح فله القيام بلا خلاف أيضًا، وإذا أنكره مصالحه، ثم وجد البينة، فإن كان غير عالم بها فله القيام بها، قاله في المدونة، وإذا كان عالمًا بها وهي حاضرة وقدر على القيام بها وصرح بإسقاطها فلا قيام له بلا خلاف، وإن لم يصرح بإسقاطها فكذلك وخرج لبعض المتأخرين فيها قولاً آخر من مسألة مستحلف خصمه مع علمه ببينة وإن كانت غائبة ولم يشهد أنه باق على حقه لم يكن له قيام، وإن أشهد وأعلن بذلك فله القيام بلا خلاف، وإن أشهد بذلك سرًا فثلاثة.
قال سحنون: إذا قال له: أخرني وأقر لك، فأشهد في السر أنه إنما يصالحه لإنكاره، ومتى ما وجد بينة قام بها أن الصلح غير لازم له إذا ثبت إنكاره وثبت الحق.
وقال مطرف: لا ينفع ما أشهد به في السر وقد أبطل مالك البينة إذا وجدها بعد الصلح، قال: إلا أن يقر بعد الإنكار فيؤخذ بباقي الحق.
وقال أصبغ: لا ينتفع بذلك إلا مع من لا ينصف منه كالسلطان والرجل القاهر.
تنبيه:
إذا تقيد عليه في عقد الصلح أنه أسقط الاسترعاء سقط، فلو قال في استرعائه: متى أشهدت بأني أسقطت الاسترعاء والاسترعاء في الاسترعاء إلى أقصى تناهيه، فإنما أفعله للضرورة إلى ذلك، وإني غير قاطع بشيء منه، وأرتجع في حقي، فللضرر ينفعه ذلك ولا يضره ما أشهد به على نفسه منه.
وأما دخول الشريك على شريكه: فمثل أن يكون لرجلين على رجل مال بكتاب واحد، فيقتضي منه أحدهما منابه أو بعضه أو يصالحه عنه، فإن فعل ذلك بإذن شريكه لم يكن له مقال، ولو فعله بغير إذنه ولم يعذر إليه ولا فعله بإذن سلطان، فلشريكه أن يدخل معه، وكذلك الوارثان يصالح أحدهما من حقه رجلاً عليه حق لمورثهما ثم يكون ما بقي بينهما، وإن أعذر إليه أو قبض منابه بإذن السلطان لم يكن له دخول، وإذا كان الحق في كتاب واحد لرجلين ولا شركة بينهما في أصل الحق مثل أن يبيعا سلعتهما ويكتبان الثمن في عقد واحد، فقال ابن أبي زيد: لا يدخل أحدهما على الآخر بحال، قال: وفيه نظر؛ لأن الكتب يفرق ما أصله مجتمع يريد لو كان الحق بينهما فكتباه في عقدين، فلا يدخل أحدهما على الآخر بلا خلاف، فإذا فرق ما أصله مجتمع وجب أن يجمع ما أصله مفترق وعليه يدل ظاهر المدونة، يريد أن من أجاز لهما جمع سلعتيهما رآهما كالشريكين.

.كتاب الشركة:

.حقيقتها:

معلومة.

.حكمها:

الجواز.

.حكمة مشروعيتها:

التنبيه على التعاون والتواصل.

.أقسامها:

أربعة: مضاربة ومفاوضة وعنان ووجوه.

.المضاربة:

هي القراض سميت بذلك من الضرب في الأرض.

.والمفاوضة:

إطلاق كل واحد من الشريكين لصاحبه التصرف غاب أو حضر في كل ما يرجع إلى التجارة ولا يتبرع إلا باليسير مما يقصد به الاستلاف للتجارة وسميت مفاوضة لاستوائهما في الربح والضمان وشروعهما في الأخذ والعطاء من قولهم: تفاوض الرجلان في الحديث إذا شرعا فيه.

.وشركة عنان:

وهي الشركة في شيء حاضر؛ لأنه عَنَّ لهما أمر، أي عرض فاشتركا فيه، قاله ابن أبي زيد، وهذه الشركة جائزة بإجماع أهل العلم، وقيل: هي الشركة من غير استبداد، وقيل: هي الشركة في كل شيء إلا في شيء بعينه.

.وشركة الوجوه:

أن يبيع الوجيه ما للخامل بزيادة ربح ليكون له بعضه، وقاله القاضي أبو محمد، هي الشركة على الذمم بغير مال ولا صنعة وإذا اشتريا كان في ذمتهما، فإذا باعاه اقتسما ثمنه والشركة على المتعسرين باطلة.

.أركانها:

ثلاثة: الصيغة، والعاقد، والمشترك فيه.

.الأول: الصيغة:

لفظ أو ما يقوم مقامه يدل على إذن كل واحد في التصرف ويكفي قولهما: اشتركنا إذا فهم المقصود عرفًا، وهي عقد لازم، إذ لكل واحد منهما الانفصال متى شاء، ولذلك لم تكن إلا على التكافي والاعتدال؛ لأن أحدهما إذا فضل صاحبه بشيء فإنما يفعله رجاء أن يبقى معه شريكًا، وذلك لا يلزمه فيكون غررًا، فإن كانت الشركة في الزراعة، ففي المذهب ثلاثة: اللزوم، وعدمه، واللزوم بعد الشروع في العمل.
قال ابن رشد: وبه جرت الفتيا عندنا.
قال: وإنما وقع الخلاف في المزارعة لأنها شركة وإجازة، فمن غلب الشركة لم يرها لازمة بالعقد، ولم يجزها إلا على التكافي، وأجاز أن يتطول أحدهما على الآخر بما قدر بكرائه، ومن غلب الإجازة رآها لازمة وأجاز فيها التفاضل.

.الثاني: العاقد:

ويتناول كل واحد من الشريكين، ويشترط فيه أهلية التصرف.
قال مالك: ولا ينبغي للحافظ لدينه أن يشارك إلا أهل الدين والأمانة والتوفي للربا والخيانة.

.الركن الثالث: المشترك فيه:

وهو أربعة أنواع: مال، وأبدان، ومزارعة، ومغارسة.

.النوع الأول: المال:

وهو ثلاثة أصناف: عين، وطعام، وعروض.

.الصنف الأول: العين:

وقد انعقد الإجماع على جواز الشركة بالدنانير من كلا الجانبين أو الدراهم، وهو إجماع على غير قياس، فإذا اتفق المالان كان في النوع والصرف وكانا حاضرين وخلطاهما، وكان الربح والخسارة والعمل على قدر الأموال جازت الشركة اتفاقًا، ومتى انخرم قيد من هذه القيود فتارة تمنع، وتارة يختلف فيها بناء على الخلاف في القياس على محل الإجماع الثابت على غير قياس، فإذا أخرج هذا دنانير وأخرج الآخر دراهم فمنعه في المدونة ورآه صرفًا وشركة، وأجازه سحنون، قال: وإنما يمتنع الصرف والشركة إذا كان الصرف خارجًا عنها ولو أخرج أحدهما مائة مسكوكة والآخر مائة تبرًا واستويا في الجودة وكان فضل السكة كثيرًا لم يجز، وإن كان يسيرًا وألغيا ذلك الفضل جازت الشركة على قول ابن القاسم ولم تجز على القيمة، وإذا اشتركا بمالين حاضر وغائب جاز عند مالك وابن القاسم، ومنعه سحنون، وإنما يجوز ذلك عند ابن القاسم إذا لم يتجرا حتى يحضر الغائب وإذا لم يخلطا المالين، ففي الصحة قولان، وإن تفاضلا في الربح أو العمل أو تفاضلا في المال واستويا في الربح أو في العمل أو فيهما أو على أن العمل على أحدهما فسدت وكان الربح والخسارة على قدر المال، ويرجع من له فضل عمل بفضل عمله ولو طاع صاحب القليل بزيادة عمل بعد عقدهما على الصحة جاز.

.الصنف الثاني: الطعام:

منع مالك الشركة بالطعام مطلقًا، وأجازه ابن القاسم إذا اتفقا في النوع والصفة والجودة والكيل، ورآه بمنزلة الشركة بالدنانير، ومنع إذا كان أحدهما مخالفًا كالسمراء، والمحمولة، والقمح، والشعير، كالدنانير والدراهم.

.الثالث: العروض:

والشركة بها جائزة مطلقًا والربح والعمل على قدر قيمة كل واحد منهما.

.النوع الثاني: شركة الأبدان:

جائز بين الصناع وغيرهم بشرط اتحاد العمل والمكان، وقيل: لا يشترط اتحاد المكان، فإن اختلفا في الصناعة كخياط وصباغ لم يجز إذ حاصل أمرهما أن أحدهما باع نصف كسبه بنصف كسب صاحبه، وذلك غير جائز، وإذا اتحدت الصناعة وكان أحدهما أسرع بالأمر البين جازت على قدر الأعمال لا على المساواة، وأطلق القول في المدونة بجواز التفاضل في العمل.
وقال: هذا مما لابد منه.
قال سحنون: ما لم يتفاحش، وإذا كانت الصناعة واحدة وكانا يعملان في حانوتين فمنعه في المدونة، وأجازه في العتبية، وحمل ذلك ابن يونس على أن الحانوتين في موضع واحد أو في موضعين ونفاقهما واحد، وإذا احتاجا إلى آلة فقيل: لا تجوز الشركة حتى يشتركا فيها ليضماها أو يكري بعضها من بعض، وقيل: يجوز إذا كرى أحدهما كراء ما يخرجه الآخر، وإذا اشترك حائكان بأموالهما وكان أحدهما يتولى العمل والآخر الخدمة والشراء والبيع ولا يحسن النسج وقيمة العمل والخدمة سواء جازت الشركة، قال اللخمي: وكذلك إذا لم يكن لهما رأس مال وكانا يتقبلان العمل فيعمل أحدهما ما سوى النسج وينسج الآخر وتساوت القيم.

.النوع الثالث: المزارعة:

وإذا أسلم المتزارعان في قول مالك من أن تكون الأرض من عند أحدهما والبذر من عند الآخر، وأن لا يفضل أحدهما الآخر بشرط في عمل أو نفقة أو منفعة جازت، ولا اعتبار بالتفاوت اليسير ولا بما تطول به أحدهما بعد العقد وإن كثر، ولا يشترط أن يشترك في الآلة والدواب على الرواية المشهورة، وإذا أخرج أحدهما الأرض واشترى من الآخر نصف البذر لم يجز إذا فهم أن يتجاوز عنه في ثمنه فيدخله كراء الأرض ببعض الطعام، قاله سحنون، ولو أخرج الأرض وأخرج الآخر العمل والبذر نصفه عنه ونصفه سلف عن صاحبه لم يجز، فإن نزل فالزرع بينهما لأن الزراعة بينهما والعمل في مقابلة الأرض فقد تكافآ.
وقال سحنون: الزرع للمسلف وعليه كراء الأرض إلا أن يتسلف بعد عقد الشركة على غير شرط، وإذا وقعت المزارعة فاسدة وعثر عليها قبل الفوات فسخت، وإن فاتت اختلف الحكم باختلاف صورها، فإن دفع أرضه على أن يزرعها ببذره وعمله على أن لصاحب الأرض حصة من الزرع، فإن الزرع كله للمزارع ببذره وعليه كراء الأرض، وإن دفع له الأرض والعمل على الآخر، وقال له: أخرج جميع البذر على أن عليَّ نصفه، فالزرع بينهما كما تقدم خلافًا لسحنون، فإن قال: خذ بذري فازرعه في أرضك على النصف، فعلى قول ابن القاسم يكون الزرع للعامل وعليه مكيلة البذر، وعلى قول سحنون يكون لرب البذر وعليه كراء الأرض، وإن أخرج هذا البذر والآخر الأرض وتكافآ في غير ذلك على أن الزرع بينهما نصفان كان بينهما، وعلى صاحب البذر نصف كراء الأرض، وعلى صاحب الأرض نصف مكيلة البذر.

.النوع الرابع: المغارسة:

وهي أن يدفع الرجل أرضه لمن يغرسها نخلاً أو شجرًا، على أنه إذا بلغت حدًا يتفقان عليه كانت الأرض بما فيها من ذلك بينهما على ما يتفقان عليه من الإجزاء ولو جعلا ذلك إلى الإثمار كان حسنًا؛ لأنه معروف، ولو سميا قدرًا يثمر الشجر قبله لم يجز ولا يضره ترك تسمية العدد؛ لأنه معروف، وفي فسادها بعدم تعيين المدة قولان.
قال ابن حبيب: وذلك جائز، ولا يكون إلى الإثمار والنبات التام. وروى حسين بن عاصم عن ابن القاسم أن ذلك فاسد، وإذا كانت الأرض كلها شعرًا لم تجز المغارسة، وكذلك إن اشترك أن يعمل جدران حول الأرض؛ لأن النفقة تكثر في ذلك، فهو زيادة في ذلك، ويجوز ما خف من ذلك.