فصل: تفسير الآيات رقم (62- 63)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لطائف الإشارات ***


تفسير الآية رقم ‏[‏25‏]‏

‏{‏وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ‏(‏25‏)‏‏}‏

احذروا أن ترتكبوا زلَّةً توجب لكم عقوبة لا تخص مرتكبها، بل يعمُّ شؤمُها من تعاطاها ومن لم بتعاطها‏.‏

وغير المجرم لا يُؤْخَذ بِجُرْم من أذنب، ولكن قد ينفرِد أحدٌ بجرم فيحمل أقوامٌ من المختصين بفاعل هذا الجُرْم، كأن يتعصبوا له إذا أُخِذَ بحكم ذلك الجرم فبعد أن لم يكونوا ظالمين يصيرون ظالمين بمعاونتهم وتعصبهم لهذا الظالم؛ فتكون فتنة لا تختص بمن كان ظالماً في الحال بل إنها تصيب أيضاً ظالماً في المستقبل بسبب تعصبه لهذا الظالم ومطابقته معه، ورضاه به، وهذا معنى التفسير من حيث الظاهر‏.‏ فأمَّا من جهة الإشارة‏:‏ فإن العبدَ إذا باشر زَلّةً بنفسه عادت إلى القلب منها الفتنة وهي العقوبة المعجلة، وتصيب النَّفْس منها العقوبة المؤجلة، والقلبُ إذا حصلت منه فتنة الزلة- عندما بهم بما لا يجوز- تَعدَّتْ فتنته إلى السِّر وهي الحُجْبَةُ‏.‏

والمُقَدَّمُ في شأنه إذا فعل ما لا يجوز انقطعت البركاتُ التي كانت تتعدى منه إلى مُتَّبِعِيه وتلامذته، وكان لهم نصيبهم من الفتنة وهم لم يعملوا ذنباً‏.‏ ويقال إن الأكابر إذا سكتوا عن التنكير على الأصاغر عند تَرْكِهِم الأذكار أصابتهم فتنةُ ما فعلوه؛ فلقد قيل إنَّ السفيه إذا لم يُنْهَ مأمورُ‏.‏ فعلى هذا تصيب فتنةُ الزَّلةِ مرتكبَها ومَنْ تَرَكَ النَّهي عن المنكر- مثل مَنْ ترك الأمر بالمعروف- يؤخذ بِجُرمه‏.‏

ويقال إنَّ الزاهد إذا انحط إلى رخص الشرع في أخذ الزيادة من الدنيا مما فوق الكفاية- وإن كان من وجهٍ حلال- تؤدي فتنته إلى من يخرج به من المبتدئين، فبجملة ما أبدى من الرغبة في الدنيا، وتَرْكِ التقلل يؤدي إلى الانهماك في أودية الغفلة والأشغال الدنيوية‏.‏

والعابد إذا جَنَحَ عن الأَشَقِّ وتَرَكَ الأوْلى تعدَّى ذلك إلى من كان ينشط في المجاهدة؛ فيستوطنون الكسل، ثم يحملهم الفراغ وترك المجاهدة على متابعة الشهوات فيصيرون كما قيل‏:‏

إن الشبابَ والفراغ والجدة *** مَفْسَدةٌ للمرء أي مفسدة

وهكذا يكون نصيبهم من الفتنة‏.‏

والعارف إذا رجع إلى ما فيه حَظٌّ له، نَظَرَ إليه المريدُ، فتتداخله فترة فيما هو به من صدق المنازلة، ويكون ذلك نصيبه من فتنة العارف‏.‏

وفي الجملة إذا غفل المَلِكُ، وتَشَاغَل عن سياسة رعيته تَعَطَّلَ الجندُ والرعية، وعَظُمَ فيهم الخَلَلُ والبَليَّة، وفي معناه أنشدوا‏:‏

رُعَاتُك ضيَّعوا- بالجهل منهم- *** غُنَيْمَاتٍ فَاسَتْها ذِئابُ

‏{‏اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ‏}‏ بتعجيله ذلك، ومن شدة عقوبته أنه إذا أخذ عبداً ليُعَاقِبَه لا يُمَكِّنه من تلافي موجب تلك العقوبة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏26‏]‏

‏{‏وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآَوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ‏(‏26‏)‏‏}‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِى الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَئَاوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصّرِهِ‏}‏‏.‏

يُذَكرهم ما كانوا فيه من القِلَّة والذِّلة وصنوف ‏(‏‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ ثم ما نَقَلَهم إليه من الإِمْكان والبَسْطَة، ووجوه الأمان والحيطة، وقَرَّبهم إلى إقامة الشكر على جزيل تلك القِسَم، وإدامة الحمد على جميل تلك النِّعم، فمهَّد لهم في ظل أبوابه مقيلاً، ولم يجعل للعدوِّ إليهم- بيُمْنِ رعايته- سبيلاً‏.‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ‏}‏‏.‏

رَزَقَ الأشباحَ والظواهرَ من طيبات الغذاء، ورزق الأرواح والسرائر من صنوف الضياء‏.‏ وحقيقة الشكر على هذه النعم الغيبة عنها بالاستغراق في شهود المُنْعم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏27‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ‏(‏27‏)‏‏}‏

الخيانة الاستبطان بخلاف ما يُؤَمَّل منك بحق التعويل، فخيانةُ اللهِ بتضييع ما ائتمنك عليه، وذلك بمخالفة النُّصح في دينه، وخيانة الرسولِ بالاتصاف بمخالفة ما تبدي من مشايعته‏.‏

والخيانة في الأمانات بترك الإنصاف، والاتصاف بغير الصدق‏.‏

وخيانة كل أحد على حسب ما وضع عنده من الأمانة، فمن اؤتمِنَ في مالٍ فتصرَّفَ فيه بغير إذن صاحبه- خيانة، ومن اؤتمن على الحُرَم فملاحظته إياهن- خيانة‏.‏ فعلى هذا‏:‏ الخيانةُ في الأعمال الدعوى فيها بأنها من قِبَلَك دون التحقيق بأنَّ مُنْشِئها اللهُ‏.‏

والخيانة في الأحوال ملاحظتُك لها دون غيبتك عن شهودها باستغراقك في شهود الحق، إن لم يكن استهلاكك في وجود الحق‏.‏ وإذا أَخْلَلْتَ بِسُنَّةٍ من السُّنَنِ أو أدبِ من آداب الشَّرع فتلك خيانة الرسول صلى الله عليه وسلم‏.‏

والخيانة في الأمانات- بينك وبين الخلْق- تكون بإيثار نصيب نفسك على نصيب المسلمين، بإرادة القلب فضلاً عن المعاملة بالفعل‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏28‏]‏

‏{‏وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ‏(‏28‏)‏‏}‏

أموالكم وأولادكم سبب فتنتكم لأن المرءَ- لأجل جمع ماله ولأجل أولاده- يرتكب ما هو خلاف الأمر، فيورثه فتنة العقوبة‏.‏

ويقال الفتنةُ الاختبارُ؛ فيختبرك بالأموال‏.‏‏.‏ هل تؤثرها على حق الله‏؟‏

وبالأولاد‏.‏‏.‏ هل تتركُ لأجلهم ما فيه رضاء الله‏؟‏

فإنْ آثرتم حقَّه على حقِّكم ظهرت به فضيلتُكم، وإنْ اتصفتم بضدِّه عوملتم بما يوجِبه العكس من محبوبكم‏.‏

ويقال المالُ فتنةٌ إذا كان عن اللهِ يشغلكم، والأولادُ فتنةٌ إذا لأَجْلِهم قَصَّرْتُم في حقِّ الله أو فَرَّطتُم‏.‏

ويقال المال- ما للكفافِ والعفافِ- نِعْمَةٌ، وما للتقاصِر والتفاخرِ فتنةٌ، وفي الجملة ما يشغلكَ عن اللهِ فهو فتنة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏29‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ‏(‏29‏)‏‏}‏

الفرقان ما به يفرق بين الحق والباطل مِنْ عِلْمٍ وافر وإلهام قاهر، فالعلماء فرقانُهم مجلوبُ برهانِهم، والعارفون فرقانهم موهوب عرفانهم؛ فأولئك مع مجهود أنفسهم، وهؤلاء بمقتضى جُودِ ربِّهم‏.‏

والعرفانُ تعريفٌ من الله، والتكفيرُ تخفيفٌ من الله، والغفرانُ تشريفٌ للعبد من الله‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏30‏]‏

‏{‏وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ‏(‏30‏)‏‏}‏

ذكره عظيم مِنَّتِه عليه حيث خَلَّصَه من أعدائه حين خرج من مكة مهاجراً إلى المدينة، وهمَّوا بقتله، وحاولوا أن يمكروا به في السِّر، فأعلمه الله ذلك‏.‏

والمكرُ إظهارُ الإحسانِ مع قَصْدِ الإساءةِ في السِّر، والمكرُ من الله الجزاءُ على المكر، ويكون المكرُ بهم أَنْ يُلْقِيَ في قلوبهم أنه مُحْسِنٌ إليهم ثم- في التحقيق- يُعذِّبهم، وإذا شَغَلَ قوماً بالدنيا صَرَفَ همومَهم إليها حتى يَنْسَوْا أمر الآخرة، وذلك مكرٌ بهم، إذ يُوظِّنُون نفوسهم عليها، فيتيح لهم من مأمنهِم سوءاً، ويأخذهم بغتةً‏.‏

ومن جملة مكره اغترارُ قومٍ بما يرزقهم من الصيت الجميل بين الناس، وإجراءِ كثير من الطعات عليهم، فأسرارهم تكون بالأغيار منوطةً، وهم عن الله غافلون، وعند الناس أنهم مُكْرَمُون، وفي معناه قيل‏:‏

وقد حسدوني في قرب داري منكم *** وكم من قريب الدار وهو بعيد

تفسير الآية رقم ‏[‏31‏]‏

‏{‏وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ‏(‏31‏)‏‏}‏

فَرْطُ جهلهم، وشؤم جحدهم سَتَرَ على عقولهم قُبْحَ دعاويهم في القدرة على معارضة القرآن فافتضحوا عند الامتحان بعدم البرهان، والعجز عما وصفوا به أَنفسهم من الفصاحة والبيان، وقديماً قيل‏:‏

مَنْ تحلَّى بغير ما هو فيه *** فَضَحَ الامتحان ما يدَّعيه

ويقال لمَّا لاحظوا القرآن بعين الاستصغار حُرِموا بركات الفهم فعدُّوه من جملة أساطير الأولين، وكذلك منْ لا يراعي على حرمة الأولياء، يعَاقَبُ بأَنْ تُسْتَرَ عليه أحوالُهم، فيظنهم مثله في استحقاق مثالبه، فيطلق فيهم لسان الوقيعة، وهو بذلك أَحَقُّ، كما قيل‏:‏ «رَمَتْنِي بدائِها وانْسَلَّتْ»‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏32‏]‏

‏{‏وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ‏(‏32‏)‏‏}‏

دَلَّ سؤالهم العذابَ على تصميم عقدهم على تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم، واستيقنوا عند أنفسهم بأنه لا يُسْتَجَابُ فيهم ما يدعونه على أنفسهم‏.‏

وفي هذا أظهر دليل على أن سكون النفس إلى الشيء ليس بعلم؛ لأنه كما يوجد مع العلم يوجد مع الجهل‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏33‏]‏

‏{‏وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ‏(‏33‏)‏‏}‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ‏}‏‏.‏

ما كان الله معذبهم وأنت فيهم، وما كان الله ليعذِّبَ أسلافَهم وأنت في أصلابهم، وليس يعذبهم اليوم وأنت فيما بينهم إجلالاً لقَدْرِك، وإكراماً لمحلِّك، وإذا خرجتَ من بينهم فلا يعذبهم وفيهم خدمك الذين يستغفرون، فالآية تجل على تشريف قَدْر الرسول- صلى الله عليه وسلم‏.‏

ويقال للجوَارِ حُرْمةٌ، فَجَارُ الكرام في ظل إنعامهم؛ فالكفار إن لم يَنْعَموا بقرب الرسول- صلى الله عليه وسلم- منهم فقد اندفع العذاب- بمجاورته- عنهم‏:‏

وأحبُها وأحبُّ منزلَها الذي *** نَزَلَتْ به وأُحِبُّ أهلَ المنزِل

ويقال إذا كان كون الرسول- صلى الله عليه وسلم- في الكفار يمنع العذاب عنهم فكون المعرفة في القلوب أوْلى بدفع العذاب عنها‏.‏

ويقال إن العذاب- وإنْ تأَخَّر عنهم مدة مقامهم في الدنيا ما دام هو عليه السلام فيهم- فلا محالة يصيبهم العذابُ في الآخرة، إذ الاعتبار بالعواقب لا بالأوقات والطوارق‏.‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ‏}‏‏.‏

علم أنه- عليه السلام- لا يتَأَبَّد مُكْثُه في أمته إذا قال له‏:‏ ‏{‏وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الخُلْدَ‏}‏ ‏[‏الأنبياء‏:‏ 34‏]‏، فقال إني لا أضيع أمَّتَه وإن قضى فيهم مُدَّتَه، فما دامت ألسنتهم بالاستغفار مُتَطَلِّعةً فصنوف العذاب عنهم مرتفعة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏34‏]‏

‏{‏وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ‏(‏34‏)‏‏}‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ المَسْجِدِ الحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَآءَهُ‏}‏‏.‏

نَفَى العذابَ عنهم في آية، وأَثْبَتَه في آية، فالمنفيُّ في الدنيا والمثْبَتُ في الآخرة‏.‏

ثم بيَّنَ إيصالَ العذاب إليهم في الآخرة بقوله تعالى‏.‏ ‏{‏وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ المَسْجِدِ الحَرَامِ‏}‏ دليل الخطاب أن إعانة المسلمين على ما فيه قيام بحق الدين يوجب استحقاق القربة والثواب‏.‏

وفي الآية دليلٌ على أنه لا يعذِّب أولياءه بقوله‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ‏}‏ فإذا عذَّبَ مَنْ يكونوا أولياءَه دلَّ على أنه يعذِّب من كان من جملة أوليائه‏.‏ والمؤمنون كلُّهم أولياءُ الله لأنه قال‏:‏ ‏{‏اللهُ وَلِىُّ الَّذِينَ آمَنُوا‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 257‏]‏‏.‏ والمؤمِنَ- وإنْ عذِّب بمقدار جُرْمِه زماناً فإنه لا يُخَلَّد في دار العقوبة، فما يُقاسون بالإضافة إلى تأبيد الخَلاصِ جَلَلٌ، وقيل‏:‏

إذا سَلِمَ العهدُ الذي كان بيننا *** فوُدِّي وإنْ شطَّ المزار سليمُ

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ المُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ‏}‏‏.‏

وليس أولياؤه إلا المتقون، وهم الذين اتقوا الشِّرك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏35‏]‏

‏{‏وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ‏(‏35‏)‏‏}‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ البَيْتِ إِلاَّ مُكَآءً وَتَصَدِيَةً‏}‏‏.‏

تجردت أعمالهم بظواهرهم عن خلوص عقائدهم، فلم يوجِدْ- سبحانه وتعالى- لها احتساباً؛ فزكاءُ القالة لا يكون إلا مع صفاء الحالة، وعناء الظاهر لا يُقْبَلُ إلا مع ضياء السرائر‏.‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏فَذُوقُوا العَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ‏}‏‏.‏

كان العذابُ مُعَجَّلا وهو حسبانهم أنهم على شيء، قال الله تعالى‏.‏

‏{‏وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا‏}‏ ‏[‏الكهف‏:‏ 104‏]‏، ومؤجَّلاً وهو كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَقُّ‏}‏ ‏[‏الرعد‏:‏ 34‏]‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏36‏]‏

‏{‏إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ‏(‏36‏)‏‏}‏

يرومون بإنفاقهم صنوفَ أموالهم صلاحاً ونظاماً لأحوالهم، ثم لا يَحْظَوْن إلا بخسران، ولا يحصلون إلا على نقصان‏.‏ خَسِروا وهم لا يشعرون، وخابوا وسوف يعلمون‏:‏

سوف ترى إذا انجلى الغبارُ *** أَفَرَسٌ تحتك أم حِمارُ‏؟‏

قوله‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهُنَّمَ يُحْشَرُونَ‏}‏ إنَّهم وإن أَلْهَتْهُم أموالُهم فإلى الهوان والذِّلة مآلُهم، لم تُغْنِ عنهم أموالهُم، ولم تنفعهم أعمالُهم، بل خُتِمَتْ بالشقاوة أحوالُهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏37‏]‏

‏{‏لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ‏(‏37‏)‏‏}‏

الخبيث ما لا يصلح لله، والطيب ما يصلح لله‏.‏

الخبيث ما حكم الشرعُ بقبحه وفساده، والطيب ما شهد العلم بحسنه وصلاحه‏.‏

ويقال الخبيث الكافرُ، والطيِّبُ المؤمِنُ‏.‏

الخبيثُ ما شَغَل صاحبَه عن الله، والطيِّبُ ما أوصل صاحبه إلى الله‏.‏

الخبيثُ ما يأخذه المرءُ وينفقه لحظِّ نفسه، والطيب ما ينفقه بأمر ربه‏.‏

الخبيث عملُ الكافرِ يُصَوَّر له ويُعَذَّب بإِلقائه عليه، والطيِّبُ عملُ المؤمن يُصَورُ له في صورةٍ جميلة فيحمل المؤمن عليه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏38‏]‏

‏{‏قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ ‏(‏38‏)‏‏}‏

إنْ كبحوا لجام التمرد، وأقلعوا عن الركض في ميدان العناد والتَّجَبُّر أَزَلْنا عنهم صَغَارَ الهوان، وأَوْجَبْنا لهم رَوْحَ الأمان‏.‏

ويقال إن حلُّوا نطاق العناد أطلقنا عنهم عقال البعاد‏.‏

ويقال إن أبصروا قُبْحَ فِعالهم جُدْنا عليهم بإصلاح أحوالهم‏.‏

ويقال إنْ جنحوا للاعتذار ألقينا عليهم حالة الاغتفار‏.‏

ويقال إن عادوا إلى التَّنّصُّل أبحنا لهم حُسْنَ التَّفَضُّل‏:‏

أناسٌ أعرضوا عنّا *** بلا جُرْمٍ ولا معنى

أساءوا ظَنَّهم فينا *** فهلاَّ أحسنوا الظنَّا

فإن كانوا لنا- كُنَّا، *** وإنْ عادوا لنا عُدْنا

وإن كانوا قد اسْتَغْنَوْا *** فإنَّا عنهمُ أغنى

تفسير الآية رقم ‏[‏39‏]‏

‏{‏وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ‏(‏39‏)‏‏}‏

أمرهم بمقاتلة الكفار والإبلاغ فيها حتى تُسْتأصل شأفتُهم بحيث يأَمَن المسلمون مَضَرَّتَهم، ويكفَونُ بالكلية فتنتهم‏.‏‏.‏ وحَيَّةُ الوادي لا تُؤْمَنُ ما دامت تبقى فيها حركة؛ كذلك العدو إذا قُهِر فحقُّه أن تُقْتلعَ جميعُ عروقه، وتُنَقَّى رِبَاعُ الإسلام من كل شكيرة تنبت من الشرك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏40‏]‏

‏{‏وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ‏(‏40‏)‏‏}‏

فإن أَبَوْا عُتُوَّا، وعن الإيمان إلا نُبُوَّأ، فَلاَ على قلوبكم ظِلُّ مخافةٍ منهم؛ فإن اللهَ- سبحانه- وليُّ نصرتكم، ومتولِّي كفايتكم؛ إنْ لم تكونوا بحيث نِعْمَ العبيد فهو نِعْم المولى لكم ونِعْمَ الناصر لكم‏.‏

ويقال نِعمَ المولى لكم يوم قسمة العرفان، ونِعْم الناصرُ لكم يوم نعمة الغفران ويقال نِعْم المولى لك حين لم تكن، ونِعْمَ الناصر لك حين كنتَ‏.‏

ويقال نعم المولى بالتعريف قَبْلَ التكليف، ونِعْم الناصر لكم بالتخفيف والتضعيف؛ يُخَفِّفُ عنكم السيئات ويضاعف الحسنات‏:‏

وهواكِ أولُ ما عَرَفْتُ مِنَ الهوى *** والقلبُ لا ينسى الحبيبَ الأَوَّلا

تفسير الآية رقم ‏[‏41‏]‏

‏{‏وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ‏(‏41‏)‏‏}‏

الغنيمةُ ما أخذه المؤمنون من أموال الكفار إذا ظَفِروا عند المجاهدة والقتال معهم‏.‏ فإذا لم يكن قتال- أو ما في معناه- فهو فَيْءٌ‏.‏

والجهاد قسمان‏:‏ جهاد الظاهر مع الكفار، وجهاد الباطن مع النَّفْس والشيطان وهو الجهاد الأكبر- كما في الخبر‏.‏

وكما أن في الجهاد الأصغر غنيمةً عند الظَّفَرِ، ففي الجهاد الأكبر غنيمة، وهو يملك العبدُ نَفْسَه التي كانت في يد العدو‏:‏ الهوى والشيطان‏.‏ فبعد ما كانت ظواهرُه مقَرًّا للأعمال الذميمة، وباطنُه مستقراً للأحوال الدَّنِيَّة يصير محلُّ الهوى مَسْكَنَ الرِّضا، ومَقَرُّ الشهواتِ والمُنَى مُسَلَّماً لِمَا يَرِدُ عليه من مطالبات المولى، وتصير النَّفْسُ مُسْتَلَبةً مِنْ أَسْرِ الشهوات، والقلبُ مُخْتَطَفاً من وصف الغفلات، والرُّوحُ مُنْتَزَعَةٌ من أيدي العلاقات، والسِّرُّ مصُونًا عن الملاحظات‏.‏ وتصبح غاغةُ النَّفْسِ مُنْهَزِمةً، ورياسةُ الحقوقِ بالاستجابة لله خافِقةً‏.‏

وكما أن من جملة الغنيمة سَهْماً لله وللرسول، وهو الخُمْسُ فمما هو غنيمة- على لسان الإشارة- سهمٌ خالِصٌ لله؛ وهو ما لا يكون للعبد فيه نصيب، لا من كرائم العُقْبى، ولا من ثمرات التقريب، ولا من خصائص الإقبال، فيكون العبدُ عند ذلك مُحَرَّراً عن رِقِّ كل نصيب، خالصاً لله بالله، كما قيل‏:‏

مَنْ لم يكن بِك فانياً عن حظِّه *** وعن الهوى والإنْس والأحبابِ

فكأنه- بين المراتب- واقِفٌ *** لمنَالِ حظٍّ أو لِحُسْنِ ثواب

تفسير الآية رقم ‏[‏42‏]‏

‏{‏إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ‏(‏42‏)‏‏}‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏إِذْ أَنتُم بِالعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالعُدْوَةِ القُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِى المِيِعَادِ وَلَكِن لِّيَقْضِىَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً‏}‏‏.‏

يخبر- سبحانه- أنَّ ما جرى يَومَ بدرٍ من القتال، وما حَصَلَ من فنون الأحوال كان بحكم التقدير، لا بما يحصل من الخَلْق من التدبير، أو بحكم تقتضيه رَوِيَّةُ التفكير‏.‏ بل لو كان ذلك على اختيار وتَوَاعُد، كنتم عن تلك الجملة على استكراه وتَبَاعدُ، فجرى على ما جرى ليقضِيَ الله أمراً كان مقضيًّا، وحصل من الأمور ما سَبَقَ به التقدير‏.‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَىَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ‏}‏‏.‏

أي ليُضِلَّ منْ زاغ عن الحقِّ بعد لزومه الحجبة، ويهتديَ مَنْ أقام على الحقِّ بعد وضوح الحُجَّة‏.‏

ويقال الحقُّ أوْضَحَ السبيلَ ونَصَبَ الدليلَ، ولكن سَدَّ بصائرَ قومٍ عن شهود الرشد، وَفَتح بصائرَ آخرين لإدراك طرق الحق‏.‏

الهالك من وقع في أودية التفرقة، والحيُّ مَنْ حَيِيَ بنور التعريف‏.‏

ويقال الهالك من كان بحظِّه مربوطاً، والحيُّ من كان من أسْرِ كلِّ نصيبٍ مُسْتَلَباً مجذوباً‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏43- 44‏]‏

‏{‏إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ‏(‏43‏)‏ وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ‏(‏44‏)‏‏}‏

قيل أراه إياهم في نومه صلى الله عليه وسلم- بوصف القِلَّة، وأخبر أصحابه بذلك فازدادوا جسارة عليهم‏.‏

وقيل أراه في منامه أي في محل نومه أي في عينيه، فمعناه قلَّلَهم في عينيه؛ لأنهم لو استكثروهم لفشلوا في قتالهم، ولانكسرت بذلك قلوبُ المسلمين‏.‏

وفي الجملة أراد اللهُ جريانَ ما حصل بينهم من القتال يومَ بدر، وإنَّ اللهَ إذا أراد أمراً هَيَّأ أسبابَه؛ فقلَّلَ الكفارَ في أعين المسلمين فزادوا جسارةً، وقلَّلَ المسلمين في أعين الكفار فازدادوا- عند نشاطهم إلى القتال- صغراً في حكم الله وخسارةً‏.‏

‏{‏واللهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 154‏]‏‏:‏ وكيف لا‏؟‏ ومنه تصدُرُ المقاديرُ، وإليه تُرْجَع الأمور‏.‏

ويقال إذا أراد الله نصرة عبدٍ فلو كَادَ له جميعُ البشر، وأراده الكافةُ بكل ضَرَرٍ، لا ينفع مَنْ شاءَ مَضَرَّتَه كَدٌّ، ويحصل بينه وبين متاح لطفه به سَدٌّ‏.‏

وإذا أراد بعبدٍ سوءاً فليس له رَدٌّ، ولا ينفعه كَدٌّ، ولا ينعشه بعد ما سقط في حكمه جَهْدٌ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏45‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ‏(‏45‏)‏‏}‏

أراد إذا لقيتم فئةً من المشركين فاثبتوا‏.‏ والثباتُ إنما يكون بقوة القلب وشدة اليقين، ولا يكون ذلك إلا لنفاذ البصيرة، والتحقق بالله، وشهود الحادثات كلها مِنْهُ، فعند ذلك يستسلم الله، ويرضى بحكمه، ويتوقع منه حُسْنَ الإعانة، ولهذا أحالَهم على الذكر فقال‏:‏ ‏{‏وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا‏}‏‏.‏

ويقال إنَّ جميعَ الخيراتِ في ثبات القلب، وبه تَبِينُ أقدارُ الرجالِ، فإذا وَرَدَ على الإنسان خاطرٌ يزعجه أو هاجِسٌ في نفسه يهيجه *** فَمَنْ كان صاحبَ بصيرةٍ تَوَقفَ ريثما تَتَبَيَّنُ له حقيقةُ الوارد، فيثبُتُ لكونه رابطَ الجأش، ساكنَ القلب، صافيَ اللُّب‏.‏‏.‏ وهذا نعت الأكابر‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏46‏]‏

‏{‏وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ‏(‏46‏)‏‏}‏

الموافقة بين المسلمين أصلُ الدِّين‏.‏ وأولُ الفساد ورأسُ الزَّلَلِ الاختلافُ‏.‏ وكما تجب الموافقة في الدين والعقيدة تجب الموافقة في الرأي والعزيمة‏.‏

قال تعالى في صفة الكفَّار‏:‏ ‏{‏تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى‏}‏ ‏[‏الحشر‏:‏ 14‏]‏، وإنما تتحد عزائم المسلم لأنهم كلَّهم يجمعهم التبرِّي مِنْ حوْلِهم وقُوَّتهم، ويتمحضون في رجوعهم إلى الله، وشهودهم التقدير، فيتحدون في هذه الحالة الواحدة‏.‏

وأمَّا الذين تَوهَّمُوا الحادثاتِ من أنفسهم فَضَلُّوا في ساحات حسبانهم، وأجْرَوْا الأمور على ما يسنح لرأيهم، فكلٌّ يبني على ما يقع له ويختار، فإذا تنازعوا تَشَعَّبَتْ بهم الآراءُ، وافترقت بهم الطرقُ، فيضعفون، وتختلف طُرُقُهم‏.‏ وكما تجب في الدين طاعةُ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تجب طاعة أولي الأمر، ولهذا يجب في كل وقت نَصْبُ إمام للمسلمين، ثم لا تجوز مخالفته، قال النبي- صلى الله عليه وسلم-‏:‏ «أطيعوه ولو كان عبداً مجده» وكان الرسول- صلى الله عليه وسلم- إذا بعث سرِيَّةً أمَّر عليهم أميراً وقال‏:‏ «عليكم بالسواد الأعظم»‏.‏

وإجماعُ المسلمين حُجَّةٌ، وصلاة الجماعة سُنَّةٌ مؤكَّدة، والاتِّباعُ محمودٌ والابتداع ضلالة‏.‏

قوله ‏{‏واصْبِروا‏}‏ الصبر حَبْسُ النَّفْس على الشيء، والمأمور به من الصبر ما يكون على خلاف هواك‏.‏

‏{‏إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ‏}‏ يتولى بالكافية إذا حصل منهم الثباتُ وحَسُنَ التفويضُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏47‏]‏

‏{‏وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ‏(‏47‏)‏‏}‏

يريد أنَّ أهل مكة لما خرجوا من مكة عام بدر لنصرة العير مَلَكَتْهُم العِزَّةُ، واستمكن منهم البَطَرُ، وداخَلَهم رياءُ الناس، فارتكبوا في شِبَاكِ غَلَطِهم، وحصلوا على ما لم يحتسبوه‏.‏ وأمَّا المؤمنون فَنَصَرَهم نَصْراً عزيزاً، وأزال عن نبيِّه- عليه السلام- ما أظَلَّه من الخوف وبِصِدْقِ تبريه عن حوله ومُنَّتِه- حين قال‏:‏ «لا تكلني إلى نفسي»- كفاه بحسن التولِّي فقال ‏{‏وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏48‏]‏

‏{‏وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ ‏(‏48‏)‏‏}‏

الشيطان إذا زيَّن للإنسان بوساوسه أمراً، والنَّفْسُ إذا سوَّلت له شيئاً عَمِيَتْ بصائرُ أرباب الغفلة عن شهود صواب الرُّشد، فيبقى الغافل في قِياد وساوسه، ثم تلحقه هواجمُ التقدير من كوامن المكر من حيث لا يرتقب، فلا الشيطان يفي بما يَعِدُه، ولا النفس شيئاً مما تتمنَّاه تجده، وكما قال القائل‏:‏

أحسنتَ ظنَّك بالأيام إذ حَسُنَتْ *** ولم تَخَفْ سوءَ ما يأتي به القَدَرُ

وسالمتْكَ الليالي فاغتَررْتَ بها *** وعند صفوِ الليالي يَحْدُثُ الكَدرُ

تفسير الآية رقم ‏[‏49‏]‏

‏{‏إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ‏(‏49‏)‏‏}‏

إن أصحابَ الغفلة وأرباب الغِرَّة إذا هبَّتَ رياحْ صَوْلَتهِم في زمان غفلتهم يلاحظون أهلَ الحقيقة بعينِ الاستحقار، ويَحْكمُون عليهم بضعف الحال، وينسبونهم إلى الضلال، ويعدونهم من جملة الجهَّال، وذلك في زمان الفترة ومدة مُهْلةِ أهل الغيبة‏.‏

والذين لهم قوة اليقين ونور البصيرة ساكنون تحت جريان الحكم، يَرَوْن الغائبات عن الحواس بعيون البصيرة من وراء ستر رقيق؛ فلا الطوارقُ تهزمهم، ولا هواجم الوقت تستفزهم، وعن قريب يلوح عَلَمُ اليُسْرِ، وتنجلي سحائبُ العُسْر، ويمحق اللهُ كيد الكائدين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏50‏]‏

‏{‏وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ‏(‏50‏)‏‏}‏

يُسَلِّيهم عندما يُقاسُون من اختبارات التقدير بما يُذَكِّرهم زوالَ المحنة، ووَشْكَ رَوْح اليسر، وسرعةَ حصول النصر، وحلولَ النِّقَم بمرتكبي الظلم‏.‏ والمؤمنُ كثيرُ الظَّفَرِ؛ فإذا شاهد بأرباب الجرائم حلولَ الانتقام رَقَّ قلبُه لهم، فلا ينخرط في سِلْكِ الشماتة؛ إذ يخلو قلبه من شهوة الانتقام، بل يجب أن يكون كل أحد بحُسْنِ الصفة، وكما قيل‏:‏

قومٌ إذا ظَفِروا بنا *** جادوا بعتق رقابنا

تفسير الآية رقم ‏[‏51‏]‏

‏{‏ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ‏(‏51‏)‏‏}‏

يُعرِّفهم أنَّ ما أصابهم مِنْ شِدَّةِ الوَطْأَةِ جَزَاءٌ لهم على ما أسلفوه من قبيح الزَّلةَ، كما قيل‏:‏

سَنَنْتَ فينا سننا *** قذف البلايا عُقْبَه

يصير على أهوالها *** مَنْ بَرَّ يوم ربَّه

‏{‏وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ‏}‏ أي كيفما يعاملهم في السَّراء والضرَّاء فذلك منه حَسَن وعَدْلٌ، إذ المُلْكُ مُلْكُه، والخلْقُ خَلْقُه، والحكمْ حُكْمُه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏52‏]‏

‏{‏كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ ‏(‏52‏)‏‏}‏

لمَّا سلكوا مسلكَ أَهلِ فرعون في الضلال، سَلَكْنا بهم مسلكهم فيما أذقناهم من العذاب وسوء الحال، وسُنَّةُ الله ألا تغيير في الإنعام، وعادته ألا تبديلَ في الانتقام، ومَنْ لم يَعْتَبِرْ بما يشهد اعْتَبَرَ بما يصنعه به‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏53‏]‏

‏{‏ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ‏(‏53‏)‏‏}‏

إذا أَنْعَمَ الحقُّ- سبحانه- على قوم نِعمةً وأراد إمهالهم أكرمهم بتوفيق الشكر، فإذا شكروا نعمته فبقدر الشكر دامت فيهم‏.‏

وإذا أراد- سبحانه- إزالةَ نعمةٍ عن عبدٍ أَذَلَّه بخذلان الكفر، فإذا حَالَ عن طريق الشكر عرَّض النِّعمة للزوال‏.‏ فما دام العبدُ يشكر النعمة مقيماً كان الحقُّ في إنعامه عليه مُديماً، فإذا قابل النعمة بالكفر انتثر سِلْكُ نظامه، فبقدر ما يزيد في إصراره يزول الأمر عن قراره‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏54‏]‏

‏{‏كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ ‏(‏54‏)‏‏}‏

تنوَّعَتْ من آل فرعون الذنوب فَنَوَّعَ لهم العقوبة، وكذلك هؤلاء‏:‏ عُوقِبوا بأنواعٍ من العقوبة لَمَّا ارتكبوا أنواعاً من الزَّلة‏.‏

وفائدةُ تكرارِ ذِكْرِهم تأكيدٌ في التعريف أنه لا يهمل المُكَلَّفَ أصلاً، وإنْ أهمله حيناً ودهراً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏55‏]‏

‏{‏إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ‏(‏55‏)‏‏}‏

‏{‏عِنْدِ اللهِ‏}‏‏:‏ في سابق علمه وصادق حكمه؛ فإذا كانوا في عِلْمهِ شَرَّ الخلائق فكيف يسعدون باختلاف السعايات وصنوف الطوارق‏؟‏

هيهات أن تتبدل الحقائق‏!‏‏.‏

وإذا قال‏:‏ ‏{‏فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ‏}‏- وكلامه صِدقٌ وقولُه حقٌّ- فلم يبقَ للرجاء فيهم مساغ، ولا ينجع فيهم نُصْحٌ وإبلاغ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏56‏]‏

‏{‏الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ ‏(‏56‏)‏‏}‏

أي الذين صار نقضُ العهد لهم سجيةً؛ فلم يَذَروا من استفراغ الوسع في جهلهم بقية‏.‏

وإن من الكبائر التي لا غفران لها من هذه الطريق أن ينقض العبدُ عهداً، أو يترك عقداً التزمه بقلبه مع الله‏.‏ أولئك الذين سقطوا عن ‏(‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ الله، فرفع عنهم ظلَّ العناية والعصمة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏57‏]‏

‏{‏فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ‏(‏57‏)‏‏}‏

يريد إنْ صَادَفْتَ واحداً من هؤلاء الذين دأبُهم نقضُ العهد فاجعلهم عِبْرَةً لمن يأتي بعدهم لئلا يسلكوا طريقَهم فيستوجبوا عُقُوبَتَهُم‏.‏

كذلك مَنْ فَسَخَ عقده مع الله بقلبه برجوعه إلى رُخَصِ التأويلات، وتزوله إلى السكون مع العادات يجعله الله نكالاً لمن بعده، بحرمانه ما كان خوَّلَه، وتنغيصه عليه ما من حظوظه أَمَّلَه، فيفوته حق الله، ولا يكون له امتناع عما آثره على حق الله‏:‏

تبدَّلت وتبدَّلنا واحسرتا لمن *** ابتغى عِوضاً لليلى فلم يجد

تفسير الآية رقم ‏[‏58‏]‏

‏{‏وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ ‏(‏58‏)‏‏}‏

يريد إذا تحقَّقْتَ بخيانة قوم منهم فَصَرِّح بأنه لا عهدَ بينك وبينهم، فإذا حصلت الخيانةُ زال سَمَتُ الأمانة، وخيانةُ كلِّ أحدٍ على ما يليق بحاله، ومَنْ ضَنَّ بميسورٍ له فقد خانَ في عهده، وزاغ عن جده، وعقوبته مُعَجَّلة، فهو لا يحبُّه الله، وتكون عقوبته بإذلاله وإهانته‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏59‏]‏

‏{‏وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ ‏(‏59‏)‏‏}‏

كيف يعارِضُ الحقَّ أو ينازعه مَنْ في قَبْضَتِه تَقَلُّبُه، وبقدرته تَصرُّفه، وبتصريفه إياه عَدَمه وثبوتُه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏60‏]‏

‏{‏وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ‏(‏60‏)‏‏}‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِبَاطِ الخَيْلِ‏}‏‏.‏

أعدوا لقتالِ الأعداءِ ما يبلغ وسعكم ذلك من قوة، وأَتَمُّهَا قوةٌ القلبِ باللهِ، والناسُ فيها مختلفون‏:‏ فواحِدٌ يَقْوَى قلبُه بموعود نَصْرِه، وآخرُ يَقْوى قَلْبُه بأنَّ الحقَّ عالِمٌ بحاله، وآخر يقوى قلبه لتحققه بأن يشهد من ربه، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا‏}‏ ‏[‏الطور‏:‏ 48‏]‏، وآخر يقوى قلبُه بإيثار رضاء الله تعالى على مراد نفسه، وآخر يقوى قلبه برضاه بما يفعله مولاه به‏.‏

ويقال أقوى محبة للعبد في مجاهدة العبد وتبرِّيه عن حاله وقوَّتِه‏.‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَئٍ فِى سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ‏}‏‏.‏

الإشارة فيه أنه لا يجاهد على رجاء غنيمة ينالها، أو لاشتفاء صدره من قضية حقد، بل قصده أن تكون كلمة الله هي العليا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏61‏]‏

‏{‏وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ‏(‏61‏)‏‏}‏

بعث الله نبيه- صلى الله عليه وسلم- بالرحمة والشفقة على الخلْق، وبمسالمة الكفار رَجَاء أن يُؤمِنوا في المُسْتَأنف فإِنْ أَبَوْا فليس يخرج أَحدٌ عن قبضة العِزَّة‏.‏

ويقال العبوديةُ الوقوفُ حيثما وقفت؛ إنْ أُمِرْتَ بالقتال فلا تُقَصِّرْ، وإنْ أُمَرْتَ بالمواعَدةِ فمرحباً بالمُسَالَمةِ، ‏{‏وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ‏}‏ في الحالين فإنه يختار لك ما فيه الخيرة، فيوفِّقُك لِمَا فيه الأَوْلى، ويختار لك ما فيه من قِسمي الأمر- في الحربِ وفي الصُّلحِ- ما هو الأعلى‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏62- 63‏]‏

‏{‏وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ‏(‏62‏)‏ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ‏(‏63‏)‏‏}‏

أي إنْ لَبَّسُوا عليك، وراموا خِداعَك بطلب الصُّلح منك- وهم يستبطنون لك بخلاف ما يظهرونه- فإنَّ اللهَ كافِيكَ، فلا تَشْغلْ قلبَك بغفلتك عن شرِّ ما يكيدونك؛ فإني أعْلَمُ ما لا تعلم، وأقْدِر على ما لا تقدر‏.‏

هو الذي بنصره أفْردَكَ، وبلطفِه أيَّدَكَ، وعن كل سوءٍ ونصيبٍ طَهَّرَك، وعن رقِّ الأشياء جَرَّدَكَ، وفي جميع الأحوال كان لك‏.‏

هو الذي أيَّدك بمن آمن بك من المؤمنين، وهو الذي ألَّف بين قلوبهم المختلفة فجَمَعَها على الدَّينِ، وإيثارِ رضاء الحق‏.‏ ولو كان ذلك بِحَيلِ الخلْق ما انتَظمَتْ هذه الجملة، ولو أبلغتَ بكلِّ ميسورٍ من الأفعال، وبذلتَ كُلَّ مُستطاعٍ من المال- لَمَا وَصَلَتْ إليه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏64‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ‏(‏64‏)‏‏}‏

أحسنُ التأويلات في هذه الآية أن تكون «مَنْ» في محل النَّصب؛ أي ومَنْ اتبعك من المؤمنين يَكفيهم الله‏.‏

ومن التأويلات في العربية أن تكون «مَنْ» في محل الرفع أي حسبُك مَنْ اتبعك من المؤمنين‏.‏

وقد عُلِمَ أن استقلال الرسول- صلى الله عليه وسلم- كان بالله لا بمن سوى الله، وكلُّ مَنْ هو سوى الله فمحتاجٌ إلى نصرة الله، كما أن رسول الله محتاج إلى نصرة الله‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏65- 66‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ ‏(‏65‏)‏ الْآَنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ‏(‏66‏)‏‏}‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ حَرِّضِ المُؤْمِنينَ عَلَى القِتَالِ‏}‏‏.‏

المؤمن لا يزداد بنفسه ضعفاً إلاَّ ازداد بقلبه قوةً، لأن الاستقلال بقوة النَّفس نتيجةُ الغفلة، وقوةُ القلب بالله- سبحانه- على الحقيقة‏.‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَفْقَهُونَ الآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ‏}‏‏.‏

هذا لهم، فأمَّا النبي- صلى الله عليه وسلم- فهو بتوحيده كان مُؤمِّلاً بأَنْ يَثْبُتَ لجميع الكفار لكمال قوَّته بالله تعالى، قال عليه السلام‏:‏ «بِكَ أصول»، وفي تحريضه للمؤمنين على القتال كانت لهم قوة، وبأمر الله كانت لهم قوة؛ فقوة الصحابة كانت بالنبي- عليه الصلاة والسلام، وتحريضه إياهم وقوتهم بذلك كانت بالله وبأمره إياه *** وشتَّان ما هما‏!‏

قوله‏:‏ ‏{‏الآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا‏}‏‏:‏ والضَّعْفُ الذي علم فيهم كان ضَعْفَ الأشباح فخفَّفَ عنهم، أما القلوبُ فلم يتداخلها الضعف فحُمِلَ من ممارسة القتال بالعذر المذكور في الكتاب‏.‏

والعوام يحملون المشاقَّ بنفوسهم وجسومهم، والخواص بقلوبهم وهممهم، وقالوا‏:‏ «والقلبُ يحْمِلُ مَا لاَ يَحْمِلُ البَدَنُ» وقال آخر‏.‏

وإنْ تَرَوْني أُعاديها فلا عَجَبٌ *** على النفوسِ جناياتٌ من الهِمَم

تفسير الآية رقم ‏[‏67‏]‏

‏{‏مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ‏(‏67‏)‏‏}‏

أي لا ينبغي لنبي من الأنبياء- عليهم السلام- أن يأخذ أسارى من أعدائه ثم يرضى بأن يأخذ منهم الفِداء، بل الواجب عليه أن يُثْخِنَ في الأرض أي يبالغ في قتل أعدائه- إذ يُقال أثخنه المرضُ إذا اشتدَّ عليه‏.‏ وقد أَخذ النبي- صلى الله عليه وسلم- يوم بدرٍ منهم الفِداء، وكان ذلك جائزاً لوجوب القول بعصمته، ولكن لو قاتلتم كان أوْلى‏.‏ وأراد «بعَرَضِ الدنيا» أخذ الفداء، والله جعل الفداء، والله جعل رضاه في أن يقاتلوهم، وحرمة الشرع خلاف رحمة الطبع؛ فشرطُ العبودية أن يؤثر العبدُ الله، وإذا كان الأمر بالغِلظة فكما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِى دِينِ اللهِ‏}‏ ‏[‏النور‏:‏ 2‏]‏‏.‏

‏{‏وَاللهُ عَزِيزٌ‏}‏‏:‏ بالانتقام من أعدائه «حكيمُ»‏:‏ في جميع ما يصنع من التمليك والإملاك، والتيسير والتدبير‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏68‏]‏

‏{‏لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ‏(‏68‏)‏‏}‏

لولا أن حكم في آزاله بإحلال الغنيمة لمحمد صلى الله عليه وسلم وأمته لَمَسَّكُم- لأَجْلِ ما أخذتُم من الفداء منهم يومَ بدر- عذابٌ عظيم، ولكن الله أباح لكم الغنيمة فأَزال عنكم العقوبة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏69‏]‏

‏{‏فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ‏(‏69‏)‏‏}‏

الحلال ما كان مأذوناً فيه، والحلالُ الطيِّبُ أنْ تعلم أن ذلك مِنْ قَبلِ الله فضلاً، وليس لَكَ مِنْ قَبْلِكَ استحقاقاً‏.‏

ويقال الحلال الصافي ما لم يَنْسَ صاحبُه فيه معبوده‏.‏

ويقال هو الذي لا يكون صاحبُه عن شهود ربِّه- عند أخذه- غافلاً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏70‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ‏(‏70‏)‏‏}‏

الذي يعْطَوْنه خيرٌ مما أُخِذَ منهم‏.‏ ويحتمل أن يكون ما في الآخرة من حسن الثواب، ويحتمل أن يكون ما في الدنيا من جميل العِوَض‏.‏ ويقال هو ما يوصلهم إليه من توفيق الطاعات، وحلاوة الإيمان، وهو خيرٌ مما أُخِذَ منهم‏.‏

ويقال ما أعطاهم من الرضاء بما هم فيه من الفقر، بعدما كانوا أغنياءَ في حال الشِّرْك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏71‏]‏

‏{‏وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ‏(‏71‏)‏‏}‏

يريد إنْ عادوا إلى قتالك بعدما مَنَنْتَ عليهم بالإطلاق وخانوا عَهْدَكَ، فالخيانة لهم دأب وطريقة، ثم إنَّا نُمَكِّنُكَ منهم ثانياً كما أمْكَنَّاكَ من أسْرهم أولاً، وقيل‏:‏

إنْ عَادَتْ العَقْربُ عُدنا لها *** وكانت النَّعْلُ لها حاضرة

تفسير الآية رقم ‏[‏72‏]‏

‏{‏إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ‏(‏72‏)‏‏}‏

ذَكَرَ صفةَ المهاجرين مع الرسول- صلى الله عليه وسلم- وصفتهم أنهم آمنوا ثم هاجروا مع الرسول صلوات الله عليه وسلامه، ثم ‏{‏وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ‏}‏ هؤلاء هم المهاجرون‏.‏

أما الذين آووا فهم الأنصار؛ أووا الرسول- عليه السلام- والمؤمنين‏.‏

فهذان الفريقان بعضهم أولياء بعض في النصرة والدين‏.‏

وأما الذين آمنوا ولكن لم يهاجروا فليست لهم هذه الموالاة إلى أن يهاجروا، وإنْ استعانوا بكم فعليكم نصرهم‏.‏

‏{‏إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ‏}‏ وهم المُعاهِدون معكم‏.‏

وكمالُ الهجرةِ مفارقَةُ الأخلاق الذميمة، وهجران النَّفْس في تَرْكِ إجابتها إلى ما تدعو إليه من شهواتها‏.‏ ومن ذلك هجران إخوان السوء، والتباعد عن الأوطان التي باشر العبدُ فيها الزَّلة، ثم الهجرة من أوطان الحظوظ إلى أوطان رضاء الحق‏.‏

وأما قوله ‏{‏وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُوا‏}‏ فهم الذين يؤثرون إخوانَهم على أَنْفُسِهم ولو كان بهم خصاصة، عَوَامُّ هؤلاء في الأمور الدنيوية، وخواصُّهم في الكرائم في الآخرة، وخاصُّ الخاصِّ في كل ما يصحُّ به الإثبات من سنِّي الأحوال إلى ما لا يدرك الوهم‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏73- 74‏]‏

‏{‏وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ‏(‏73‏)‏ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ‏(‏74‏)‏‏}‏

قَطَعَ العصمةَ بينهم وبين المؤمنين، فالمؤمنِ للأجانبِ مُجَانِبٌ، وللأقارب مقارِبٌ‏.‏ والكفَّارُ بعضهم لبعضهم، كما قيل‏:‏ «طيرُ السماءِ على أُلاَّفِها تقعُ»‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏75‏]‏

‏{‏وَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ‏(‏75‏)‏‏}‏

يريد مَنْ سَلَكَ مَسْلَكَهم في الحال، ومَنْ سيلحق بهم في الاستقبال وآتى الأحوال فالألْفَةُ تجمعهم، والولاية تشملهم، فلهم من الله في العقبى جزيلُ الثواب، والنجاةُ من العذابِ‏.‏ ولهم في الدنيا الولايةُ والتناصُر، والمودة والتقارب، والله أعلم‏.‏