فصل: تفسير الآية رقم (43)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لطائف الإشارات ***


تفسير الآية رقم ‏[‏41‏]‏

‏{‏وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا ‏(‏41‏)‏‏}‏

الصِذِّيق الكثير الصدق، الذي لا يمازج صِدْقَه شوبٌ‏.‏

ويقال هو الصادق في أقواله وأعماله وأحواله‏.‏

ويقال الصِدِّيق لا يناقِضُ سِرُّهُ عَلَنَه‏.‏

ويقال هو الذي لا يشهد غيرَ الله مُثْبِتَاً ولا نافياً‏.‏

ويقال هو المستجيب لِمَا يُطَالَب به جملةً وتفصيلاً‏.‏

ويقال هو الواقفُ مع اللَّهِ في عموم الأوقات على حدِّ الصدق‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏42‏]‏

‏{‏إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا ‏(‏42‏)‏‏}‏

دلَّت الآيةُ على استحقاقِ المعبودِ الوصفَ بالسمع والبصرِ على الكمال دون نُقْصانٍ فيه، وكذلك القول في القدرة على الضَّرِّ والنفع‏.‏

وإذا رجع العبدُ إلى التحقيق عَلِمَ أن كلَّ الخَلْق لا تَصْلُحُ قدرةُ واحدٍ منهم للإبداع والإحداث، فمن عَلََّق قلبه بمخلوق، وأو تَوَهَّمَ شظية منه من النفي والإثبات فَقَدْ ضَاهَى عَبَدةَ الأصنام‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏43‏]‏

‏{‏يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا ‏(‏43‏)‏‏}‏

أَمَرَه باتباعه لمَّا ترجح عليه جانبُه في كَوْنِ الحقِّ معه- وإِنْ كان أكبرَ منه سِنَّاً، وبيَّن أن الخلاص في اتباع أهل الحقِّ، وأَنَّ الهلاكَ في الابتداع والتطوع في مغاليط الطرق‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏44‏]‏

‏{‏يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا ‏(‏44‏)‏‏}‏

بيَّن أَنَّ العلةَ في منعه من عبادة الشيطان عصيانه للرحمن فَبَانَ أنه لا ينبغي أَنْ تكون طاعةٌ لِمَنْ يَعْصِي اللَّهَ بحالٍ‏.‏

ويقال أساسُ الدَّين هِجْرَانُ أَرباب العصيان‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏45‏]‏

‏{‏يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا ‏(‏45‏)‏‏}‏

لم يغادِرْ الخليل شيئاً من الشفقة على أبيه، ولم ينفعه جميل وعظه، ولم تنجع فيه كثْرَةُ نُصْحه؛ فإِنَّ مَنْ اَقْصَتْه سوابِقٌ التقدير لم تُخَلِّصْه لواحقُ التدبير‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏46‏]‏

‏{‏قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آَلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ‏(‏46‏)‏‏}‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ ءَالِهَتِى يَآإبْرَاهِيمُ‏}‏‏.‏

منَّاه إبراهيمُ بجميل العُقْبَى، فقابلَه بتوعدُّ العقوبة فقال‏:‏

‏{‏لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِى مِليّاً‏}‏‏.‏

فأجابه الخليل بمقتضى سكون البصيرة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏47‏]‏

‏{‏قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا ‏(‏47‏)‏‏}‏

وهذا قبل أن ييأسَ من إيمانه، إذا كانت لديه بعدُ بقيةٌ من الرجاء في شأنه، فلمَّا تحقق أنه مختومٌ له بالشقاوة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏48‏]‏

‏{‏وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا ‏(‏48‏)‏‏}‏

‏{‏وَمَا تَدْعُونَ‏}‏‏:‏ أي ما تعبدون، ‏{‏وَأَدْعُوا رَبِىّ‏}‏‏:‏ أي أعبده‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏49- 50‏]‏

‏{‏فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا ‏(‏49‏)‏ وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا ‏(‏50‏)‏‏}‏

لما أَيِسَ من أصلِه آنسَه اللَّهُ بما أكرمه من نَسْلِه، فأنبتهم نباتاً حسناً، ورزقهم النبوةَ، ولسان الصدق بالذكر لهم على الدوام فقال‏:‏

‏{‏وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏51‏]‏

‏{‏وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا ‏(‏51‏)‏‏}‏

مُخْلَصاً خالصاً لله، ولم يكن لغيرِه بوجهٍ؛ فلم تأخذه في الله لومةُ لائم، ولم يستفزه طمع نحو إيثار حظٍ، ولم يُغْض في اللَّهِ على شيءٍ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏52‏]‏

‏{‏وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا ‏(‏52‏)‏‏}‏

للنجوى مزية على النداء، فجمع له الوصفَيْن‏:‏ النداءَ في بدايته، والسماعَ والنجوى في نهايته؛ فوقَفَه الحقُّ وناداه، وفي جميع الحالين تولاّه‏.‏

‏{‏مِن جَانِبِ الطُّورِ‏}‏‏:‏ ترجع إلى موسى فموسى كان بجانب الطور‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏53‏]‏

‏{‏وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا ‏(‏53‏)‏‏}‏

من خصائص موسى أنه وهب له أخاه هارون نبيَّاً‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏54- 55‏]‏

‏{‏وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا ‏(‏54‏)‏ وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا ‏(‏55‏)‏‏}‏

كان صادق الوعد إذ وعد من نفسه الصبر على ذبح أبيه، وصبر على ذلك إلى أن ظهر الفِداء‏.‏ وصدق الوعد لأنه حفظ العهد‏.‏ وكان يأمر أهله بالصلاة- بأمر الله أياه- وبالزكاة، ويشتمل هذه على أمره إياهم بالعيادة البدنية والمالية حيثما وكيفما كان‏.‏

‏{‏وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً‏}‏ وكان هذا أشرفَ خِصاله وأَجلَّ صفاته‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏56- 57‏]‏

‏{‏وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا ‏(‏56‏)‏ وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا ‏(‏57‏)‏‏}‏

الصِّدِّيق كثير الصدق، لا يشوب صدقه مَذْقٌ، ويكون قائماً بالحقِّ للحق، ولا يكون فيه نَفَسٌ لغيرالله‏.‏

‏{‏وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً‏}‏‏:‏ درجة عظيمة في التربية لم يُسَاوِه فيها أَحَدٌ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏58‏]‏

‏{‏أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آَدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ‏(‏58‏)‏‏}‏

أقامهم بشواهد الجمع، وأخبر أن مِنَّتَه كامِنَةٌ في تخصيصِهم بأحوالهم، وتأهيلهم لِمَا رقَّاهم إليه من المآل، وأنه بفضله اختارهم واجتباهم‏.‏ ومما أنعم به عليهم من الخصائص رِقَّةُ قلوبِهم؛ فهم إذ تُتْلَى عليهم الآياتُ سجدوا، وسجوُد ظواهرِهم يدل على سجدود سرائرهم بما حقَّقَ لهم من شواهد الجمع، وأمارة صحته ما وفقهم إليه من عين الفرق؛ فبوصف التفرقة قاموا بحق آداب العبودية، وبِنعَت الجمع تحققوا بحقائق الربوبية‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏59‏]‏

‏{‏فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ‏(‏59‏)‏‏}‏

الذين حادوا عن طريقهم، وضيعَّوا حقَّ الشرع، وتخطوا واجبَ الأمر، وزاغوا عن طريق الرشد، وأخلوا بآداب الشرع، وانخرطوا في سِلْكِ متابعة الشهوات- سيلقون عن قريبٍ ما يستوجبونه، ويُعَامَلُون بما يستحقونه، ويُعَاملون بما يستحقونه‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏60- 62‏]‏

‏{‏إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا ‏(‏60‏)‏ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا ‏(‏61‏)‏ لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا ‏(‏62‏)‏‏}‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏إِلاَّ مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِى وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلاَّ سَلاَماً‏}‏‏.‏

فأولئك الذين تداركتهْم الرحمةُ الأزليةُ، وسيبقون في النعم السرمدية‏.‏ يستنجز الحقُّ لهم عِدَاتِهِم، ويُوَصِّلُهم إلى درجاتهم، ويُحَقِّق لهم ما وعدهم‏.‏

‏{‏إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً‏}‏‏:‏ لأن ما أُتِيتَه فقد أتاك أو ما أَتَاكَ فقد أتيته‏.‏

‏{‏لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً‏}‏‏:‏ فإِن أسماعَهم مصونةٌ عن سماعِ الأغيارِ، لا يسمعون إلا من اللَّهِ وبالله، فإن لم يكن ذلك فلا يسمعون إلا الله‏.‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً‏}‏‏.‏

كانوا يعدون مَنْ عنده طعام البكرة والعشية مِنْ جملة المياسيرِ والأغنياءِ لكونهم فقراءَ؛ إنْ وجدوا غَداءَهم ففي الغالب يَعْدِمُونَ عشاءَهم، وإِنْ وجدوا عشاءَهم فَقَلَّما كانوا يجدون غداءَهم‏.‏ ويقال في‏:‏ ‏{‏وَلَهُم مَّا يَشْتَهُونَ فيها‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 57‏]‏‏:‏ بمقدار الغدو والعشي من الزمان في الجنة أي كالوقت‏.‏ ثم إن الأرزاق تختلف في الجنة؛ فللأشباحِ رِزْقٌ من مطعومِ ومشروب، وللأرواحِ رزقٌ من سماعٍ وشهود، ولكلٍ- على قَدْرِ استحقاقه- قِسْطٌ معلوم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏63‏]‏

‏{‏تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا ‏(‏63‏)‏‏}‏

فالجنة للأتقياء من هذه الأمة مُعَدّةٌ له، والرحمةُ لُعصاةِ المسلمين مُدَّخرةٌ لهم، الجنةُ لُطْفٌ من الله تعالى، والرحمةُ وَصْفٌ لله تعالى‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏مِنْ عِبَادِنَا‏}‏‏:‏ فَعَبْدُه على الخصوصية مَنْ كان اليومَ في قيد أمره‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏مَن كَانَ تَقِيّاً‏}‏‏:‏ قوم يتقون المعاصي والمخالفات، وقوم يتقون الشهواتِ، وآخرون يتقون الغفلاتِ، وآخرون يتقون شهود كُلَّ غيره‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏64‏]‏

‏{‏وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ‏(‏64‏)‏‏}‏

إن الملائكةَ- عليهم السلام- أبداً يَنْزِلون بإِذن الحقِّ تعالى، فبعضهم بإنجاد المظلومين، وبعضهم بإِغاثة الملهوفين، وبعضهم بتدمير الجاحدين، وبعضهم بنصرة المؤمنين، وبعضهم إلى ما لا يحصى من أمور الناس أجميعن‏.‏ واللَّهُ- سبحانه- لا يترك جاحداً ولا عابداً من حِفْظٍ وإنعامٍ، أو إمهالٍ ونكَال‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏65‏]‏

‏{‏رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ‏(‏65‏)‏‏}‏

بحق الإظهار يجب أن يكون هو ربَّها، ويكون مالَكها، ويكون قادراً عليها‏.‏

وإذا وجدت فهو فاعلها، فمعنى كون فعل الشيء لفاعله أنه في مقدوره وجوده‏.‏

ويقال إذا كان ربَّ الأكابرِ من الأقوياء فهو أيضاً ربُّ الأصاغر من الضعفاء، وقيمةُ العَبْدِ بمالِكِه وقَدْرِه، لا بثمنه في نَفْسِه وَخَطَره‏.‏

قوله‏:‏ ‏{‏فَاعْبُدْهُ‏}‏ أي قِفْ حيثما أمرك، ودَعْ ما يقع لك، وخَلِّ رأيك وتدبيرك‏.‏

قوله ‏{‏وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ‏}‏‏:‏ الاصطبار غاية الصبر‏.‏

قوله‏:‏ ‏{‏هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً‏}‏‏:‏ أي كفواً ونظيراً‏.‏ ويقال هل تعرف أحداً يسمى «الله» غيرَ اللَّهِ‏؟‏ ويقال أَنَّي بالنظير *** وهو بالقِدَمِ متوحد‏!‏ والتشبيه يقتضي التسوية بين المتشابهين، ولا مِثْلَ له *** لا موجوداً ولا موهوماً‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏66- 67‏]‏

‏{‏وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا ‏(‏66‏)‏ أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا ‏(‏67‏)‏‏}‏

أنكروا حديثَ البعثِ غاية الإنكار، فأقام الحّجَة عليهم بالنشأة الأولى؛ فقال‏:‏ إن الذي قدر على خَلْقِ في الابتداء وهم نُطَفٌ ضعفاء، وقَبْلُ كانوا في أصلابِ الآباءِ وأرحامِ الأمهاتِ فَفَطَرَهمُ، وعلى ما صَوَّرَهم، وفي الوقت الذي أراد- عن بطون أمهاتهم أَخْرَجَهُم‏.‏

قوله‏:‏ ‏{‏وَلَمْ يَكُ شَيْئاً‏}‏ فيه دليل على صحة أهل البصائر أَنّ المعدومَ لم يك شيئاً في حال عَدَمِه‏.‏

ويقال أبطل لهم كلَّ دعوى حيث ذَكَّرَهم نَسبَهم وكَوْنَهم مِنَ العَدَمِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏68‏]‏

‏{‏فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا ‏(‏68‏)‏‏}‏

نحشرهم جميعاً فيجتمعون في العَرْصَةِ ثم يختلف مُنْقَلَبُهم؛ فيصير قومٌ إلى النار ثم إلى دَرَكاتٍ بعضها أسفل من بعض- واسمُ جهنم يجمع أماكنهم‏.‏ ويصير قومٌ إلى الجنة ثم هي دَرَجَاتٌ بعضها أعلى رتبةً ودرجةً من بعض- واسمُ الجنة يشتمل على جميع مساكنهم‏.‏

ويقال التفاوتُ في الجنةِ بين الدرجاتِ أكثرُ من التفاوت بين أهل الدارين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏69‏]‏

‏{‏ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا ‏(‏69‏)‏‏}‏

مَنْ تَقدَّمَ عليهم في الإضلال والضلال ضوعف عليه غداً العذاب والأغلال‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏70‏]‏

‏{‏ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا ‏(‏70‏)‏‏}‏

ينزل في كل دَرَكَةٍ من دركاتها من هو أهل لها، فمن كان عتوُّه اليومَ أشدَّ غلوا كان في النار أبعدَ من الله وأشدَّ عقوبةً وإذلالاً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏71‏]‏

‏{‏وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا ‏(‏71‏)‏‏}‏

كلٌّ يَرِدُ النارَ ولكن لا ضيْرَ منها ولا احتباسَ بها لأحدٍ إلا بمقدار ما عليه من ‏(‏‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ والزلل؛ فأشدُّهم انهماكاً أشدهم بالنار اشتعالاً واحتراقاً‏.‏ وقوم يردونها- كما في الخبر‏:‏ «إن للنار عند مرورهم عليها إذوابةً كإذوابةِ اللَّبَن، فيدخلونها ولا يحسون بها، فإذا عبروها قالوا‏:‏ أو ليس وعدنا جهنم على طريق‏؟‏ فيقال لهم‏.‏ عبرتم وما شعرتم»

تفسير الآية رقم ‏[‏72‏]‏

‏{‏ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ‏(‏72‏)‏‏}‏

يُنَجِّي مَنْ كان مؤمناً، بعضهم قَبْلَ بعض، وبعضهم بَعْدَ بعض، ولكن لا يبقى من المؤمنين مَنْ لا ينجيهم‏.‏ ويترك الكفار فيها بنعت الخيبة عن الخروج منها، وعند ذلك يشتدُّ عليهم البلاء، وتُطْبقُ عليهم أبوابُ جهنم، وينقطع منهم الرجاء والأمل‏.‏

وإنما ينجو القوم بحسب تقواهم؛ فزيادة التقوى توجِب لهم التعجيل في النجاة؛ فمن سابقٍ ومن لاحقٍ، ومن منقطع، ومن محترق *** إلى كثيرٍ من الأصناف والألوان‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏73‏]‏

‏{‏وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا ‏(‏73‏)‏‏}‏

يعني إذا قُرِئَتْ عليهم آياتُ القرآن قابلوها بالردِّ والجحد والعتو والزيغ، ويَدَّعُون أنهم على حقٍ، ولا يعتمدون في ذلك إلا على الحَدْسِ والظَّنِّ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏74‏]‏

‏{‏وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا ‏(‏74‏)‏‏}‏

أي إن هؤلاء ينخرطون في سِلْكِ مَنْ تَقَدَّمهم، كما سلكوا في الريب منهاجهم، وسَيَلْقَوْن ما يستوجبونه على سوء أعمالهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏75‏]‏

‏{‏قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا ‏(‏75‏)‏‏}‏

إن الله تعالى يُمْهِلُ الكفارَ ليركنوا إلى أباطيل ظنونهم، ويَغْترُّوا بسلامةِ أحوالهم، فينسونه في غفلة الإمهال والاغترار بسلامة أحوالهم، ثم يغشاهم التقدير بما يستوجب حسبانهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏{‏حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ أي يحل بهم موعودُ العقوبة عاجلاً أو قيام الساعة آجلاً، فعند ذلك يتضح لهم ما تعامَوْا عنه من شدة الانتقام، وسيعلمون عند ذلك ما فاتهم وما أصابهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏76‏]‏

‏{‏وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا ‏(‏76‏)‏‏}‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً‏}‏‏.‏

أي يُغْنيهم بنور البدر عن الاستضاءة بنور النجم، ثم بطلوع الفجر قبل طلوع الشمس، فإذا مَتَعَ نهارُ العرفانِِ فلا ظلمة ولا تهمة‏.‏

‏{‏وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَّرَدّا‏}‏

‏{‏وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ‏}‏‏:‏ الشهادةُ بالربوبيةِ خيرٌ من غيرها مما لا يوجد فيه صدق الإخلاص‏.‏

ويقال‏:‏ ‏{‏وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ‏}‏‏:‏ التي تبقى عند الله مقبولة‏.‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏خَيْرٌ‏}‏ لأن في استحقاقِ القبول زيادةً للهدى؛ فيصير عِلْمُ اليقين عينَ اليقين، وعينُ يقينهم حَقَّ اليقين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏77‏]‏

‏{‏أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآَيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا ‏(‏77‏)‏‏}‏

أخْبِرْ بقصة ذلك الكافر الذي قال بيمين- من غير حجة- لأُعْطيَنَّ مالاً وولداً، ورأى أن يكون ليمينه تصديق، فهل هو‏:‏

تفسير الآية رقم ‏[‏78‏]‏

‏{‏أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا ‏(‏78‏)‏‏}‏

هل يقول ما يقول بتعريفِ منا‏؟‏ أم هل اتخذ مع الله عهداً‏؟‏ ليس الأمركذلك ودليل الخطاب يقتضي أن المؤمن إذا ظن بالله تعالى ظناً جميلاً، أو أمَّلَ منه أشياء كثيرة فالله تعالى يحققها له، ويَصْدُقُ ظَنُّه لأنه على عهد مع الله تعالى، والله تعالى لا يخلف عهده‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏79- 80‏]‏

‏{‏كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا ‏(‏79‏)‏ وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا ‏(‏80‏)‏‏}‏

كلا *** ليس الأمر على ما يقول، وليس لقولهم تحقيق، بل سنمد لهم من العذاب مداً أي سنطيل في العذاب مدتهم‏.‏

‏{‏وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ لن نُمَتِّعَه بأولاده وَحَشمِه وخَدَمهِ وقَوْمه، ويعود إلينا منفرداً عنهم‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏81- 82‏]‏

‏{‏وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آَلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا ‏(‏81‏)‏ كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا ‏(‏82‏)‏‏}‏

حكموا بظنهم الفاسدِ أنَّ أصنامَهم تمنعهم، وأنَّ ما عبدوه من دون الله تعالى توجِبُ عبادتهم لهم عند الله تعالى وسيلةً *** وهيهات‏!‏ هيهات أن تكون لمغاليط حسبانهم تحقيق، بل إذا حُشِرُوا وحُشِرَتْ أصنامُهم تَبَرَّأَتْ أصنامُهم منهم، وما أمَّلُوا نفعاً منها عاد ضرراً عليهم‏.‏

ويقال طلبوا العِزَّ في أماكن الذل، فأخفقوا في الطلب، ونُفُوا عن المراد‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏83‏]‏

‏{‏أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا ‏(‏83‏)‏‏}‏

تؤزهم أي تزعجهم، فخاطر الشيطان يكون بإزعاج وغُمَّة، وخاطر الحقِّ يكون بَروْحٍ وسكينة، وهذه إحدى الدلائل بينهما‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏84‏]‏

‏{‏فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا ‏(‏84‏)‏‏}‏

الأنفاس في الحكم معدودة؛ فمن لم يستوف فلا انقضاء لها‏.‏ وإذا انتهى الأَجَلُ فلا تنفع بعد ذلك الحِيَلُ، وقبل انقضائه لا يزيد ولا ينقص بالعلل‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏85‏]‏

‏{‏يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا ‏(‏85‏)‏‏}‏

قيل ركباناً على نجائب طاعاتهم، وهم مختلفون؛ فَمِنْ راكبٍ على صدور طاعاته، ومن راكبٍ على مراكب هِمَمِه، ومن راكبٍ على نجائب أنواره‏.‏ ومِنْ محمولٍ يحمله الحقُّ في عقباه كما يحمله اليومَ في دنياه‏.‏ وليس محمولُ الحقِّ كمحمول الخَلْق‏!‏

تفسير الآية رقم ‏[‏86‏]‏

‏{‏وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا ‏(‏86‏)‏‏}‏

فأولئك يُساقون بوصف العِزَّ، وهؤلاء يُساقون بنعت الذُّلِّ، فيجمعهم في السَّوْقِ، ولكن يُغَابر بينهم في معانيه‏.‏ *** فشتَّان ما هما‏!‏‏!‏

تفسير الآية رقم ‏[‏87‏]‏

‏{‏لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا ‏(‏87‏)‏‏}‏

وذلك العهدُ حِفْظُهم في دنياهم ما أُخِذَ عليهم- يومَ الميثاق- من القيام بالشهادة بوحدانية مولاهم‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏88- 91‏]‏

‏{‏وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا ‏(‏88‏)‏ لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا ‏(‏89‏)‏ تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا ‏(‏90‏)‏ أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا ‏(‏91‏)‏‏}‏

ما أعظم بهتانَهم في مقالتهم‏!‏ وما أشدَّ جرأتَهم في قبيح حالتهم‏!‏ لكنَّ الصمديةَ متقدِّسِةٌ عن عائدٍ يعود إليها من زَيْنٍ بتوحيدِ مُوَحِّد، أو شَيْنٍ بإلحاد مُلْحِد *** فما شاهت إِلاَّ وجوهُهم بما خاضوا فيه من مقالهم، وما صاروا إليه من ضلالهم‏.‏ كما لم يَتَجمَّلْ بما قاله الآخرون إلا القائل، وما عاد إلا القائل مقابلٌ من عاجلٍ أو آجل‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏92- 95‏]‏

‏{‏وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا ‏(‏92‏)‏ إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ‏(‏93‏)‏ لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا ‏(‏94‏)‏ وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ‏(‏95‏)‏‏}‏

أنَّى بالولد وهو واحد‏؟‏‏!‏ وأَنَّى بالولادة ولا جنسَ له وجوباً ولا جوازاً‏؟‏‏!‏

‏{‏لَّقَدْ أَحْصَاهُم‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏‏:‏ لا يَعْزُب عن عِلْمِه معلومٌ، ولا ينفكُّ عن قدرته- مما يصح أن يقال حدوثه- موهوم‏.‏

‏{‏وَكُلُّهُمْ ءَاتيهِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَرْداً‏}‏ لا خَدَمَ يصحبهم، ولا حَشَمَ يلحقهم، كلَّ بِنَفْسِهِ مشتغِلٌ، وعن غيره منفرد‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏96‏]‏

‏{‏إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ‏(‏96‏)‏‏}‏

يجعل في قلوبهم وداً لله نتيجةً لأعمالهم الخالصة، وفي الخبر‏:‏ «لا يزال العبد يتقربَ إليَّ بالنوافل حتى يحبني وأحبه»‏.‏

ويقال يجعل لهم الرحمن وداً في قلوب عباده، وفي قلوب الملائكة، فأهل الخير والطاعة محبوبون مِنْ كلِّ أحد من غير استحقاق بفعل‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏97‏]‏

‏{‏فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا ‏(‏97‏)‏‏}‏

الكلام واحد والخطاب واحد، وهو لقوم تيسير، ولآخرين تخويف وتحذير فطوبى لِمَنْ يُسِّر لما وفِّق به، والويل لمن خُوِّف بل خُذِلَ فيه‏.‏ والقومُ بين موفقٍ ومَخْذُولٍ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏98‏]‏

‏{‏وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا ‏(‏98‏)‏‏}‏

أثبتهم وأحياهم، وعلى ما شاء فطرهم وأبقاهم، ثم بعد ذلك- لما شاء- أماتهم وأفناهم، فبادوا بأجمعهم، وهلكوا عن آخرهم، فلا كبير منهم ولا صغير، ولا جليل ولا حقير، وسَيُطَالبونَ- يومَ النشور- بالنقير والقطمير‏.‏

سورة طه

تفسير الآيات رقم ‏[‏1- 2‏]‏

‏{‏طه ‏(‏1‏)‏ مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى ‏(‏2‏)‏‏}‏

الطاء إشارة إلى قلبه- عليه السلام- من غير الله، والهاء إشارة إلى اهتداء قلبه إلى الله‏.‏

وقيل طَأْ بِسرِّك بساط القربة فأنتَ لا تهتدي إلى غيرنا‏.‏

ويقال طوينا عن سرِّك ذِكْرَ غيرنا، وهديناك إلينا‏.‏

ويقال طوبى لمن اهتدى بك‏.‏ ويقال طاب عيشُ مَنْ اهتدى بك‏.‏

‏{‏مَآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ القُرْءَانَ لِتَشْقَى‏}‏‏:‏ أي ليس المقصود من إيجابنا إليك تعبدك، وإنما هذا استفتاحُ الوُصلة، والتمهيد لبساط القُرْبَةِ‏.‏

ويقال إنه لما قال له‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ‏}‏ ‏[‏الحجر‏:‏ 88‏]‏ وقف بِفَرْدِ قدم تباعدا وتنزهاً عن أن يقرب من الدنيا استمتاعاً بها بوجهٍ فقيل له‏:‏ طأ الأرض بقدميك *** لِمَ كل هذا التعب الذي تتحمله‏؟‏ فزاد في تعبده، ووقف، حتى تقدمت قدماه وقال‏:‏ «أفلا أكون عبداً شكوراً» أي لما أهلني من التوفيق حتى أعبده‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏3‏]‏

‏{‏إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى ‏(‏3‏)‏‏}‏

فالقرآنُ تَبْصِرةٌ لذوي العقول، تذكرة لذوي الوصول، فهؤلاء به يستبصرون فينالون به راحةَ النَّفْسِ في آجِلِهم، وهؤلاء به يذكرون فيجدون رَوْحَ الأُنْسِ في عاجِلهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏4‏]‏

‏{‏تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا ‏(‏4‏)‏‏}‏

جَعَلَ الأرض قراراً لِعبادِه‏.‏ ونفوسُ العابدين أرضٌ وقرارٌ لطاعتهم، وقلوبُ العارفين قرارٌ لمعارفهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏5‏]‏

‏{‏الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ‏(‏5‏)‏‏}‏

استواء عَرْشِه في السماءِ معلوم، وعَرْشه في الأرض قلوبُ أهل التوحيد‏.‏

قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ‏}‏ ‏[‏الحاقة‏:‏ 17‏]‏ وعرش القلوب‏:‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَحَمَلْنَاهُمْ فِى البَرِّ وَالبَحْرِ‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 70‏]‏ أمَّا عرش السماء فالرحمن عليه استوى، وعرشُ القلوبِ الرحمنُ عليه استولى‏.‏ عرشُ السماءِ قِبْلَهُ دعاءِ الخَلْق، وعرشُ القلبِ مَحَلٌّ نَظَرِ الحق‏.‏‏.‏ *** فشتَّان بين عرشٍ وعرش‏!‏

تفسير الآية رقم ‏[‏6‏]‏

‏{‏لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى ‏(‏6‏)‏‏}‏

له الأشياء على العموم مِلْكاً، والأولياء تخصيصاً وتشريفاً‏.‏ له ما بين السموات والأرض مما أظهر من العَدَمِ؛ فالكلُّ له إثباتاً وخَلْقَاً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏7‏]‏

‏{‏وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ‏(‏7‏)‏‏}‏

النَّفْسُ لا تقف على ما في القلب، والقلبُ لا يقف على أسرار الرُّوح، والروح لا سبيل له إلى حقائق السرِّ‏.‏ والذي هو أخفى من السِّرِّ فهو ما لا يَطَّلِعُ عليه إلا الحق‏.‏

ويقال الذي هو أخفى من السر لا يفسده الشيطان، ولا يكتبه المَلَكَانِ، ويستأثِرُ بِعلْمه الجبَّارُ، ولا تقف عليه الأغيار‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏8‏]‏

‏{‏اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ‏(‏8‏)‏‏}‏

نَفَى كل موهوم من الحدثان بأن يكون شيءٌ منه صالحاً للإبداع، وأثبت كُلِّ ما في الوجود له باستحقاق القِدَم‏.‏

‏{‏لَهُ الأَسْمَآءُ الحُسْنَى‏}‏ أي صفاته، على انقسامها إلى صفة ذات وصفة معنى‏.‏

ويقال ‏{‏لَهُ الأسْمَآءُ الحُسْنَى‏}‏ تعريفٌ للخَلْق بأنَّ استحقاق العلو والتقدُّس عن النقائص له على وصف التفرُّد به‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏9‏]‏

‏{‏وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى ‏(‏9‏)‏‏}‏

سؤال في صيغة الاستفهام والمراد منه التقرير والإثبات‏.‏ وأجرى- تعالى- سُنَّتَه في كتابه أن يذكر قصة موسى عليه السلام في أكثر المواقع التي يذكر فيها حديث نبينا صلى الله عليه وسلم فيعقبه بذكر موسى عليه السلام‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏10‏]‏

‏{‏إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى ‏(‏10‏)‏‏}‏

ألاح له النار حتى أخرجه من أهله يطلبها، وكان المقصودُ إخراجَه من بينهم، فكان موسى عليه السلام يدنو والنار تنأى، وقال لأهلِه‏:‏

‏{‏امْكُثُوا إِنِِّى ءَانَسْتُ نَاراً‏}‏ فقال أهلُه‏:‏ كيف تتركنا والوادي مسبع‏؟‏ فقال‏:‏ لأجلِكُم أفارقكم؛ فلَعَلِّي آتيكم من هذه النار بقبس‏.‏

ويقال استولى على موسى عند رؤيته النار الانزعاجُ، فلم يتمالك حتى خرج‏.‏ ففي القصة أنه لما أتاها وَجَدَ شجرةً تشتعل من أولها إلى آخرها، فجمع موسى- عليه السلام- حشائشَ ليأخذ من تلك النار، فعرف أن هذه النارلا تسمح نفْسُها بأَنْ تُعْطِي إلى أحدٍ شعلة‏:‏

وقَلَن لنا نحن الأَهِلَّةُ إنما *** نضيءُ لِمَنْ يَسْرِي بليلٍ ولا نُقْرِي

يا موسى هذه النارُ تضيءُ ولكن لا تعطي لأحدٍ منها شعلة‏.‏ يا موسى هذه النارُ تحرق القلوبَ لا النفوس‏.‏

ويقال كان موسى عليه السلام في مزاولة قَبسٍ من النار فكان يحتال كيف يأخذ منها شيئاً، فبينما هو في حالته إذ سمع النداءَ من الحقِّ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏11- 12‏]‏

‏{‏فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى ‏(‏11‏)‏ إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ‏(‏12‏)‏‏}‏

علم موسى أنه كلام الحق- سبحانه- لَمَّا سَمِعَ فيه الترتيبَ والتنظيمَ والتركيب، فَعَلِمَ أنه خطاب الحق‏.‏

ويقال إنما عرف موسى- عليه السلام- أنه كلامُ الله بتعريفٍ خصَّه الحق- سبحانه- به من حيث الإلهام دون نوع من الاستدلال‏.‏

قوله‏:‏ ‏{‏فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ فإِن بِسَاطَ حضرةِ الملوكِ لا يُوطَأُ بِنَعْلٍ‏.‏

ويقال ألقِ عصاك يا موسى واخلع نعليك، وأَقِمْ عندنا هذه الليلةَ ولا تَبْرَحْ ويقال الإشارة في الأمر بخلع النعلين تفريغ القلب من حديث الدارَيْن، والتجرد للحقِّ بنعت الانفراد‏.‏

ويقال‏:‏ ‏{‏اخلع نعليك‏}‏‏:‏ تَبَرَّأْ عن نَوْعَيْ أفعالك، وامْحُ عن الشهود جنْسَيْ أحوالِك من قربٍ وبُعْدٍ، ووَصْلٍ وفَصْلٍ، وارتياح واجتياح، وفناء وبقاء‏.‏ *** وكُنْ بوصفنا؛ فإٍنما أنت بحقنا‏.‏

أَثْبَتَه في أحواله حتى كان كالمجرد عن جملته، المُصْطَلَم عن شواهده‏.‏

قوله‏:‏ ‏{‏إِنَّكَ بِالْوَادِ المُقَدَّسِ طُوىً‏}‏‏:‏ أي إنك بالوادي المقدس عن الأعلال؛ وساحاتُ الصمدية تَجِلُّ عن كل شيْن، وإيمانٍ وزَيْن؛ عن زَيْنٍ بإحسان وشَيْنٍ بعصيان؛ لأنَّ للربوبية سَطَعَاتِ عِزِّ تقهر كل شيء‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏13‏]‏

‏{‏وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى ‏(‏13‏)‏‏}‏

وعلى علمٍ مني بك اصطفيتكُ، وجَرَّدْتُكَ ونقيتك عن دَنَسِ الأوهام وكلّ ما يُكَدِّرُ صَفْوَك‏.‏

ويقال بعدما اخترتُك فأنت لي وبي، وأنت محو في فنائك عنك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏14‏]‏

‏{‏إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ‏(‏14‏)‏‏}‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏إِنَّنِى أَنَا اللَّهُ لآَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِى‏}‏‏.‏

تقدَّسْتُ عن الأعلال في أَزلي، وتنزهت ‏(‏‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ والأشكال باستحقاقي لجلالي وجمالي‏.‏

ويقال‏:‏ ‏{‏لآَ إِلَهَ إلاَّ أَنَا‏}‏‏:‏ الأغيار في وجودي فَقْدٌ، والرسومُ والأطلالُ عند ثبوتِ حقي محوٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏{‏فَاعْبُدْنِى‏}‏‏:‏ أي تَذَلَّلْ لِحُكْمي، وأنفِذْ أمري، واخضعْ لجبروتِ سلطاني‏.‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِى‏}‏‏.‏

اقامتُها من غير ملاحظة مُجْرِيها ومُنْشِيها يُورِث الإعجاب‏.‏ وإذا أقام العبدُ صلاتَه على نعت الشهود والتحقق بأن مجريها غيره كانت الصلاة بهذا فتحاً لباب المواصلة‏.‏ والوقوف على محل النجوى، والتحقق بخصائص القرب والزلفة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏15‏]‏

‏{‏إِنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى ‏(‏15‏)‏‏}‏

الفائدة في تعريف العِباد بِقُرْب الساعةِ أن يستفيقوا من غفلات التفرقة، فإذا حضروا بقلوبهم- ففي حال استدامة الذكر- فما هو موعودٌ في الآجل أكثره للحاضرين موجودٌ في العاجل؛ والحاضرة لهم كالآخرة‏.‏ وكذلك جعلوا من أمارات الاستقامة شهودَ الوقتِ قيامة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏16‏]‏

‏{‏فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى ‏(‏16‏)‏‏}‏

إذا أكرمه الّلَهُ بحُسْنِ التنبيه، وأحضره بنعت الشهود فلا ينبغي أن ينزل عن سماء صفاته إلى جحيم أهل الغفلة في تطوحهم في أودية التفرقة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏17‏]‏

‏{‏وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى ‏(‏17‏)‏‏}‏

كرَّرَ عليه السؤالَ في غير آية من عصاه لمَّا كان المعلوم له سبحانه فيها من إظهاره فيها عظيم المعجزة‏.‏

ويقال إنما قال ذلك لأنه صَحِبَتْهُ هيبةُ المقام عند فَجْأَةِ سماعِ الخطاب، فَلِيُسَكِّنَ بعضَ ما به من بَوَادِهِ الإجلال *** رَدَّهُ إلى سماعِ حديث العصَا، وأراه ما فيها من الآيات‏.‏

ويقال لو تركه على ما كان عليه من غَلَبَاتِ الهيبة لعلَّه كان لا يعي ولا يطيق ذلك‏.‏ *** فقال له‏:‏ وما تلك بيمينك يا موسى‏؟‏

تفسير الآية رقم ‏[‏18‏]‏

‏{‏قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى ‏(‏18‏)‏‏}‏

قال هي عصاي وأخذ يُعدِّد ما له فيها من وجوه الانتفاع فقال له‏:‏

‏{‏قَالَ أَلْقِهَا يا مُوسَى‏}‏‏.‏

فإنَّك بنعت التوحيد، واقفٌ على بساط التفريد، ومتى يصحُّ ذلك، ومتى يَسْلَمُ لك أن يكون لَكَ معتمدٌ تتوكأ عليه، ومستند عليه تستعين، وبه تنتفع‏؟‏

ثم قال‏:‏ ‏{‏وَلِىَ فِيهَا مَئَارِبُ أُخْرَى‏}‏‏:‏ أَوَّلُ قَدَمٍ في الطريق تَرْكُ كلِّ سَبَبٍ، والتَّنَقِّي عن كل طَلَبٍ؛ فكيف كان يَسْلَمُ له أن يقول‏:‏ أَفْعَلُ بها، وأمتنع، ولي فيها مآرب أخرى‏.‏

ويقال ما ازداد موسى- عليه السلام- تفصيلاً في انتفاعه بعصاه إلا كان أقوى وأَوْلَى بأن يؤمن بإلقائها، والتنقي عن الانتفاع بهاعلى موجب التفرُّد لله‏.‏

ويقال التوحيد التجريد، وعلامةُ صحته سقوط الإضافات بأْسْرِها؛ فَلا جَرَمَ لما ذكر موسى- عليه السلام- ذلك أُمِرَ بإلقائها فجعلها اللَّهُ حَيَّةً تسعى، وولَّى موسى هارباً ولم يُعَقِّب‏.‏ وقيل له يا موسى هذه صفة العلاقة؛ إذا كوشِفَ صاحبُها بِِسِرِّها يهرب منها‏.‏

ويقال لمَّا باسطه الحقُّ بسماع كلامه أخذته أريحية سماع الخطاب، فأجاب عما يُسْأَل وعمَّا لم يُسْأَل فقال‏:‏ ‏{‏وَلِىَ فِيهَا مَئَارِبُ أُخْرَى‏}‏‏:‏ وذَكَرَ وجوها من الانتفاع؛ منها أنه قال تؤنسني في حال وحدتي، وتضيءُ لي الليلَ إذا أظلم، وتحملني إذ عَييتُ في الطريق فأركبُها، وأَهُشُّ به على غنمي، وتدفع عني عَدَوِّي‏.‏ وأعظم مأربٍ لي فيها أَنَّكَ قُلْتَ‏:‏ ‏{‏وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ‏؟‏‏}‏ وأيةُ نعمةٍ أو مأربٍ أو منفعةٍ تكون أعظمَ مِنْ أَنْ تقولَ لي‏:‏ وما تلك‏؟‏ ويقال قال الحقُّ- بعد ما عدَّد موسى وجوَه الآياتِ وصنوفَ انتفاعِه بها- ولَكَ يا موسى فيها أشياءٌ أخرى أنت غافلٌ عنها وهي انقلابُها حيةً، وفي ذلك لك معجزةٌ وبرهانُ صِدْقٍ‏.‏

ويقال جميعُ ما عَدَّدَ من المنافع في العصا كان من قِبَلِ الله‏.‏ *** فكيف له أن ينسبها ويضيفها إلى نفسه، ولهذا قالوا‏:‏

يا جنَّة الخُلْدِ، والهدايا إذا *** تُهدَى إليك فما مِنْكِ يُهْدَى

ويقال قال موسى لها رآها حيةً تهتز‏:‏ لقد عَلِمْتُ كلَّ وصفٍ بهذه العصا، أَمَّا هذه الواحدة فلم أعرفها‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏19- 21‏]‏

‏{‏قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى ‏(‏19‏)‏ فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى ‏(‏20‏)‏ قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى ‏(‏21‏)‏‏}‏

لا عِبْرةَ بما يوهِمُ ظاهرُ الأشياء؛ فقد يُوهِمُ الظاهرُ بشيءٍ ثم يبدو خِلافُه في المستقبل؛ فعصا موسى صارت حيةً‏.‏

ثم قال المقصود بذلك أن تكون لك آيةً ومعجزةً لا بلاءً وفتنةً‏.‏

قوله‏:‏ ‏{‏قَالَ خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ أَشْهَدَه- بانقلاب العصا من حالٍ إلى حال؛ مرةً عصا ثم ثعباناً ثم عصا مرةً أخرى- أَنَّه يُثَبِّتُ عِبادَه في حال التلوين مرةً ومرةٌ؛ فَمِنْ أَخْذٍ ومِنْ رَدَّ، ومن جَمْعٍ ومن فَرْقٍ الخ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏22- 23‏]‏

‏{‏وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آَيَةً أُخْرَى ‏(‏22‏)‏ لِنُرِيَكَ مِنْ آَيَاتِنَا الْكُبْرَى ‏(‏23‏)‏‏}‏

كما أراه آيةً من خارج أراه آيةً من نَفْسِه، وهي قلْبُ يَدِه بيضاءَ؛ إِذْ جَعَلَها في جيبه من غير البَرَص‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏سَنُرِيهِمْ ءَايَاتِنَا فِى الأَفَاقِ وَفِى أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحَقُّ‏}‏ ‏[‏فصلت‏:‏ 53‏]‏‏.‏

وإنما قال‏:‏ أَدْخِلْ يَدَكَ في جيبِك ولم يقل كُمِّك لأنه لم يكن لِمَا عليه من اللِّباس كُمَّان‏.‏

قوله‏:‏ ‏{‏لِنُرِيَكَ مِنْ ءَايَاتِنَا الكُبْرَى‏}‏‏:‏ الآية الكبرى هي ما كان يجده في نفسه من الشهود والوجود، وما لا يكون بتكلُّفِ العبد وتصرُّفهِ من فنون الأحوال التي يدركها صاحبُها ذوقاً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏24‏]‏

‏{‏اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ‏(‏24‏)‏‏}‏

بعدما أسمعه كلامه من غير واسطة، وشَرَّفَ مقامَه، وأَجْزَلَ إكرامَه أَمَرَه بالذهاب ليدعوَ فرعونَ إلى الله- مع عِلْمِه بأنه لا يؤمن ولا يجيب ولا يسمع ولا يَعْرِف- فشَقَّ على موسى ذهابُه إلى فرعون، وسماعُ جْحدِه منه، بعد ما سمع من الله كلامه سبحانه، ولكنه آثر أَمْرَ محنته على مرادِ نفسه‏.‏

ويقال لمَّا أَمَرَه بالذهاب إلى فرعونَ سأل اللَّهَ أُهْبَةَ النَّقْلِ وما به يتمُّ تبليغ ما حمل من الرسالة، ومن ذلك قوله‏:‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏25- 28‏]‏

‏{‏قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ‏(‏25‏)‏ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ‏(‏26‏)‏ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي ‏(‏27‏)‏ يَفْقَهُوا قَوْلِي ‏(‏28‏)‏‏}‏

ليُعْلَمَ أَنَّ مِنْ شَرْطِ التكليفِ التَّمَكُّنَ مِنْ اَداءِ المأمور به‏.‏

ويقال إن موسى لما أَخَذَ في المخاطبة مع الله كاد لا يسكت من كثرة ما سأله فظل يدعو‏:‏ ‏{‏رَبِّ اشْرَحْ لِى صَدْرِى وَيَسِّرْ لِىَ أَمْرِى‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ وهكذا إلى آخر الآيات والأسئلة‏.‏

قوله‏:‏ ‏{‏قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِى صَدْرِى وَيَسِّرْ لِى أَمْرِى‏}‏‏:‏ حتى أُطِيقَ أنْ أَسمعَ كلامَ غيرك بعدما سَمِعْتُ منك ‏{‏وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِسَانِى‏}‏‏:‏ حتى ينطلقَ بمخاطبة غيرك، وقَوِّني حتى أرُدُّ *** بِكَ لا بي‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏29- 31‏]‏

‏{‏وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي ‏(‏29‏)‏ هَارُونَ أَخِي ‏(‏30‏)‏ اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي ‏(‏31‏)‏‏}‏

سَأَلَ أنْ يَصْحَبَ أخاه معه، ولما ذهب لسماع كلام الله حين قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 143‏]‏ كان بمفرده، لأن الذهاب إلى الخَلْق يوجِب الوحشةَ؛ فَطَلَبَ من أخيه الصحبة ليُخَفِّفَ عليه كلفة المشقة‏.‏

ويقال إن المحبةَ توجِبُ التجرُّدَ والانفراد وألا يكونَ للغيرِ مع المحبِّ مساغ؛ ففي ذهابه إلى فرعون استصحب أخاه، ولمَّا كان الذهابُ إلى الميقاتِ لم يكن للغيرِ سيلٌ إلى صحبته، إذ كان المقصود من ذهابِه أن يكونَ مخصوصاً بحاله‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏33- 35‏]‏

‏{‏كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا ‏(‏33‏)‏ وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا ‏(‏34‏)‏ إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا ‏(‏35‏)‏‏}‏

بين أن طَلَبَه مُشاركةَ أخيه له بحقِّ ربه لا بحظِّ نَفْسِه حيث قال‏:‏ ‏{‏كَىْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً‏}‏

تفسير الآية رقم ‏[‏36‏]‏

‏{‏قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى ‏(‏36‏)‏‏}‏

أعطيناكَ ما سألتَ، وتناسيت ابتداءَ حالِكَ حين حفظناك في اليمِّ وَنَجَّيْنَا اُمَّكَ من ذلك الغَمِّ، ورَبَّيْنَاك في حِجْرِ العَدُوِّ‏.‏ *** فأين- حينذاك- كان سؤالُكَ واختيارُكَ ودعاؤُك‏؟‏

وأثبتنا في قلب امرأة فرعون شفقتك، وألقينا عليكَ المحبةَ حتى أحبّكَ عدوُّك، وربَّاكَ حتى قَتَلَ بِسَبَبِكَ ما لا يُحْصَى من الولدان، والذي بَدَأَكَ بهذه المِنَنِ هو الذي آتاك سُوْلَكَ، وحقَّقَ لك مأموَلَكَ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏38- 39‏]‏

‏{‏إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى ‏(‏38‏)‏ أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي ‏(‏39‏)‏‏}‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏إِذْ أَوْحَيْنَآ إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى أَنِ اقْذِفِيِه فِى التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِى الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ اليَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأخُذُهُ عَدُوٌّ لَّهُ‏}‏‏.‏

كان ذلك وحيَ إلهامٍ؛ ألقَى اللَّهُ في قلبها أن تجعله في تابوت، وتلقيه في اليمِ يعني نهر النيل، فَفَعَلَتْ، فألقاه النهر على الساحل، فَحُمِلَ إلى فرعون‏.‏ فَلَمَّا وَقَعَ بَصَرُ امرأةِ فرعون عليه باشر حبُّه قلبَها، وكذلك وقعت محبتُه في قلبِ فرعون، ولكنها كانت أضعفَ قلباً، فسبقت بقولها‏:‏ ‏{‏قُرَّتُ عَيْنٍ لِىّ وَلَكَ لاَ تَقْتُلُوهُ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ ‏[‏القصص‏:‏ 9‏]‏، ولولا أنها عَلِمَتْ أنه أخذ شعبةً من قلبِ فرعون ما أخذ من قلبها لم تقل‏:‏ ‏{‏قُرَّتُ عَيْنٍ لِىّ وَلَكَ‏}‏ ‏[‏القصص‏:‏ 9‏]‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏{‏يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِىّ وَعَدُوٌّ لَّهُ‏}‏‏:‏ ربَّاه في حِجْرِ العدو وكان قد قَتَلَ بسببه ألوفاً من الوالدان *** ولكنْ مِنْ مَأمنِهِ يُؤْتى الحَذِرُ‏!‏ وبلاءُ كلِّ أحدٍ كان بَعْدَه إلا بَلاءَ موسى عليه السلام فإنه تَقَدَّمَ عليه بسنين؛ ففي اليوم الذي أخذ موسى في حِجْرِه كان قد أمر بقتل كثير من الولدان، ثم إنه ربَّاه ليكونَ إهلاكُ مُلْكِهِ على يده‏.‏ *** لِيُعْلَمَ أَنَّ أَسرارَ الأقدار لا يعلمها إلا الجبارُ‏.‏

يقال كان فرعون يُسَمَّى والدَ موسى وأباه- ولم يكن‏.‏ وكان يقال لأُمِّ موسى ظئر موسى- ولم تكن؛ فَمِنْ حيثُ الدعوى بالأبوة لم يكن لها تحقيق، ومن حيث كان المعنى والحقيقة لم يكن عند ذلك خبر ولا عند الآخر من ذلك معرفة *** هكذا الحديث والقصة‏.‏

ولقد جاء في القصة أنّ موسى لمَّا وَضِعَ في حِجْر فرعون لَطَمَ وجهه فقال‏:‏ إنَّ هذا من أولاد الأعداء فيجب أَنْ يُقْتَلَ، فقالت امرأتُه‏:‏ إنه صبيٌّ لا تمييزَ له، ويشهد لهذا أنه لا يُمَيِّزُ بين النار وبين غيرها من الجواهر والأشياء، وأرادت أن يصدِّق زوجُها قالتَها، فاستحضرت شيئاً من النار وشيئاً من الجواهر، فأراد موسى عليه السلام أن يمدَّ يَدَه إلى الجواهر فأخذ جبريلُ عليه السلام بيده وصَرَفَها إلى إلى النار فأخَذَ جَمْرةً بيده، وقرَّبها مِنْ فيه فاحترقَ لِسانُه- ويقال إنَّ العقدةَ التي كانت على لسانه كانت من ذلك الاحتراق- فعند ذلك قالت امرأةُ فرعون‏:‏ ها قد تبينَّ أن هذا لا تمييزَ له، فقد أخذ الجمرة إلى فيه‏.‏ وتخلَّص موسى بهذا مما حصل منه من لَطْمِ فرعون‏.‏

ويقال إنهم شاهدوا ولم يشعروا أنه لم يحترق مِنْ أَخْذِ الجمرة وهو صبيٌ رضيع، ثم احترق لسانه، فعلم الكلُّ أن هذا الأمر ليس بالقياس‏.‏ فإنه سبحانه فعَّال لما يريد‏.‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنّى‏}‏‏.‏

أي أحببتك‏.‏ ويقال في لفظ الناس‏:‏ فلانٌ ألقى محبته على فلان أي أَحَبَّه‏.‏ ويقال‏:‏ ‏{‏ألقيت عليك محبة مني‏}‏‏:‏ أي طَرَحْتُ في قلوب الناس محبةً لك، فالحقُّ إذا أحبَّ عبداً فكلُّ مَنْ شاهده أحبَّه‏.‏ ويقال لملاحةٍ في عينيه؛ فكان لا يراه أحدٌ إلا أَحَبَّه‏.‏

ويقال‏:‏ ‏{‏ألقيت عليك محبةً مني‏}‏‏:‏ أي أثْبَتُّ في قلبك محبتي؛ فإن محبةَ العبدِ لله لا تكون إلا بإثباتِ الحق- سبحانه- ذلك في قلبه، وفي معناه أنشدوا‏:‏

إنَّ المحبةَ أَمْرُها عَجَبٌ *** تُلْقَى عليكَ وما هلا سَبَبُ‏.‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏ولِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِى‏}‏‏.‏

أي بمرأىً مني، ويقال لا أُمَكِّن غيري بأَنْ يستَبْعِدَكَ عني‏.‏

ويقال أحفظك من كل غَيْرٍ، ومن كلِّ حديثٍ سوى حديثنا‏.‏ ويقال ما وَكَلْنَا حِفْظَكَ إلى أحدٍ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏40‏]‏

‏{‏إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى ‏(‏40‏)‏‏}‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏إِذْ تَمْشِى أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَن يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَىْ تَقَرَّ عَيْنُهَا‏}‏‏.‏

البلاء على حَسَبِ قوة صاحبه وضعفه، فكلما كان المرء أقوى كان بلاؤه أوفى، وكلما كان أضعف كان بلاؤه أخف‏.‏ وكانت أمُّ موسى ضعيفةً فَرَدَّ إليها وَلَدَها بعد أيام، وكان يعقوبُ أقوى في حاله فلم يُعِدْ إليه يوسفَ إلا بعد سنين طويلة‏.‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الغَمِّ‏}‏‏.‏

أجرى اللَّهُ عليه ما هو في صورةِ كبيرةٍ من قَتْلِ النَّْسِ بغير حق، ثم بيَّن اللَّهُ أنه لا يضره ذلك، فليست العِبْرَةُ فعل العبد في قلَّته وكثرته إنما العِبرةُ بعناية الحقِّ بشأنِ أحدٍ أو عداوته‏.‏

ويقال قد لا يموت كثيرٌ من الخلْقِ بفنون من العذابِ، وكم من أناس لا يموتون وقد ضُرِبُو ألوفاً من السياط‏!‏ وصاحبُ موسى عليه السلام ومقتولُه مات بوكزةٍ‏!‏ إيش الذي أوجب وقاته لولا أنه أراد به فتنةً لموسى‏؟‏ وفي بعض الكتب أنه- سبحانه- أقام موسى كذا وكذا مقاماً، وأسمعه كلامه كل مرة بإسماع آخر، وفي كل مرة كان يقول له‏:‏ ‏{‏وَقَتَلْتَ نَفْساً‏}‏‏.‏

‏{‏فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الغَمِّ‏}‏‏:‏ أريناكَ عينَ الجمع حتى زال عنك ما داخَلَكَ من الغمِّ بصفة مقتضى التفرقة، فلمَّا أريناك سِرَّ جريانِ التقديرِ نَجَّيْنَاكَ من الغم‏.‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً‏}‏‏.‏

استخلصناكَ لنا حتى لا تكون لغيرنا‏.‏ ويقال جَنَّسْنَا عليك البلاَءَ ونَوَّعْنَاه حتى جَرَّدْنَاكَ عن كل اختيارٍ وإرادة، ثم حينئذٍ رَقَّيْنَاكَ إلى ما استوجَبْتَه من العِلم الذي أَهَّلْنَاكَ له‏.‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِى أَهْلِ مَدْيَنَ‏}‏‏.‏

وكنتَ عند الناسِ أنك أجيرٌ لشعيب، ولم يظهر لهم ما أودعنا فيك، وكان يكفي- عندهم- أن تكون خَتنَاً لشعيب‏.‏

‏{‏ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى‏}‏‏.‏

أي عَدَدْنا أيالمَ كونك في مدين شعيب، وكان أهل حضرتنا من الملائكة الذين عرفوا شرَفَكَ ومحبَّتَكَ منتظرين لك؛ فجئتَ على قَدَرٍ‏.‏

ويقال إنَّ الأَجَل إذا جاء للأشياء فلا تأخيرَ فيه ولا تقديم، وأنشدوا في قريب من هذا المعنى‏:‏

بينما خاطرُ المنى بالتلاقى *** سابحٌ في فؤاده وفؤادي

جمع اللَّهُ بيننا فالتقينا *** هكذا بغتةً بلا ميعادِ

تفسير الآية رقم ‏[‏41‏]‏

‏{‏وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي ‏(‏41‏)‏‏}‏

استخلصتُكَ لي حتى لا تَصْلُحَ لأحدٍ غيري، ولا يَتَأَتَّى شيءٌ منك غير تبليغ رسالتي، وما هو مرادي منك‏.‏

ويقال أفردْتُ سِرَّك لي، وجعلْتُ إقبالَكَ عليَّ دون غيري، وحُلْتُ بينك وبين كل أحدٍ ممن هو دوني‏.‏

ويقال‏:‏ ‏{‏وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفسِى‏}‏‏:‏ قَطَعَهُ بهذا عن كلِّ أحدٍ، ثم قال له‏:‏ ‏{‏اذهب إلى فوعون‏}‏‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏42- 43‏]‏

‏{‏اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآَيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي ‏(‏42‏)‏ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ‏(‏43‏)‏‏}‏

تعلّلَ موسى عليه السلام لمَّا أرسله الحقُّ إلى فرعون بوجوهٍ من العِلل مثل قوله‏:‏ ‏{‏وَيَضِيقُ صَدْرِى وَلاَ يَنطَلِقُ لِسَانِى‏}‏ ‏[‏القصص‏:‏ 13‏]‏، ‏{‏إِنِّى قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسَاً فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ‏}‏ ‏[‏القصص‏:‏ 33‏]‏‏.‏‏.‏ إلى غير ذلك من الوجوه، فلم ينفعه ذلك، وقال الله‏:‏ ‏{‏إِنَّنِى مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 46‏]‏، فاستقل موسى عليه السلام بذلك، وقال‏:‏ الآن لا أُبالي بعد ما أنت معي‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏44‏]‏

‏{‏فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ‏(‏44‏)‏‏}‏

إنما أمرهما بالملاينة معه في الخطاب لأنه كان أول مَنْ دَعَوْه إلى الدِّين، وفي حال الدعوة يجب اللِّين؛ فإنه وقت المُهلةِ، فلا بدَّ من الإمهال ريثما ينظر؛ قال الله لنبينا صلى الله عليه وسلم ‏{‏وَجَدِلْهُم بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 125‏]‏‏:‏ وهو الإمهال حتى ينظروا ويستدلوا، وكذلك قال‏:‏ ‏{‏قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ‏}‏ ‏[‏سبأ‏:‏ 46‏]‏‏.‏

ثم إذا ظهر من الخَصمِ التمرُّدُ والإباء فحينئذٍ يُقابَلُ بالغلظة والحتف‏.‏

ويقال علَّمهما خطابَ الأكابرِ ذوي الحشمة؛ ففرعونُ- وإن كان كافراً- إلا أنه كان سلطانَ وقتهِ، والمتسلِّطَ على عبادِ الله‏.‏

ويقال إذا كان الأمرُ في مخاطبة الأعداء بالرِّفق والملاينة *** فكيف مع المؤمن في السؤال‏؟‏

ويقال في هذا إشارة إلى سهولة سؤال المَلَكَين في القبر للمؤمن‏.‏

ويقال إذا كان رِفْقُه بِمَنْ جَحَدَه فكيف رِفْقُه بِمَنْ وَحَدَه‏؟‏

ويقال إذا كان رَفْقُه بالكفَّارِ فكيف رفقُه بالأبرار‏؟‏

ويقال إذا كان رفقه بمن قال‏:‏ أنا *** فكيف رفقه بمن قال‏:‏ أنت‏؟‏

ويقال إنه أَحْسَنَ تربيةَ موسى عليه السلام؛ فأراده أن يرفق به اليومَ في الدنيا على جهة المكافأة‏.‏

وقيل تفسير هذا ما قال في آية أخرى‏:‏ ‏{‏فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى‏}‏ ‏[‏النازعات‏:‏ 18‏]‏‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى‏}‏‏:‏ أي كُونَا على رجاء أن يُؤْمِنَ‏.‏ ولم يحبرهما أنه لا يؤمن لئلا تتداخَلَهُما فَتْرَةٌ في تبليغ الرسالة عِلْماً منه بأنه لا يؤمن ولا يقبل‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏45‏]‏

‏{‏قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى ‏(‏45‏)‏‏}‏

في الآية دليلٌ على أَنَّ الخوفَ الذي تقتضيه جَبْلَةُ الإنسانِ غيرُ ملومٍ صاحبُه عليه، حيث قال مثل موسى ومثل هارون عليهما السلام‏:‏ ‏{‏إِنَّنَا نَخَافُ‏}‏‏.‏

ثم إنَّه سبحانه سَكَّنَ ما بهما من الخوف بوعد النصرة لهما‏.‏

ويقال لم يخافا على نَفْسَيْهِما شفقةً عليهما، ولكن قالا‏:‏ إننا نخاف أن تحل بنا مكيدةٌ من جهته، فلا يحصل فيما تأمرنا به قيامٌ بأمرك، فكان ذلك الخوفُ لأجل حقِّ الله لا لأَجْلِ حظوظ أنفسهما‏.‏

ويقال لم يخافا من فرعون، ولكن خافا من تسليط الله إياه عليهما، ولكنهما تأّدّبا في الخطاب‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏46‏]‏

‏{‏قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ‏(‏46‏)‏‏}‏

تلَطَّفَ في استجلاب هذا القول من الحق سبحانه، وهو قوله‏:‏ ‏{‏إِنَّنِى مَعَكُمَا‏}‏ بقولهما‏:‏ ‏{‏إِنَّنَا نَخَافُ‏}‏، وكان المقصود لهما أن يقول الحق لهما‏:‏ ‏{‏إِنَّنِى مَعَكُمَا‏}‏ وإلا فأَنّي بالخوف لِمَنْ هو مخصوصٌ بالنبُوَّةِ‏؟‏‏!‏

ويقال سَكَّنَ فيهما الخوف بقوله‏:‏ ‏{‏إِنَّنِى مَعَكُمَا‏}‏، فَقَوبا على الذهاب إليه؛ إذ مِنْ شَرْط التكليف التمكين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏47‏]‏

‏{‏فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى ‏(‏47‏)‏‏}‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏فَأْتِيَاهُ فَقُولآَ إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِى إِسْرَآءِيلَ وَلاَ تُعَذِّبْهُمْ‏}‏‏.‏

طالَ البلاءُ ببني إسرائيل من جهة فرعون، فتدارَاكَهُم الحقُّ سبحانه ولو بعد حين، بذلك أجرى سُنَّتَهُ أنه يُرخي عِنَانَ الظالم، ولكن إذا أَخَذَهُ فإِنَّ أَخْذَهُ أليمٌ‏.‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏قَدْ جِئْنَاكَ بِئَايَةٍ مِّن رَّبِّكَ‏}‏‏.‏

من شَرْطِ التكليفِ التمكينُ بالبيِّنة والآيةِ للرسولِ حتي يَتَّضِحَ ما يَدُلُّ على صِدْقِه فيما يدعو إليه من النبوة‏.‏ ثم إن تلك الآية وتلك البيِّنة ما نفعتهم، وإنا تأكدتْ بهما عليهم الحُجَّةُ؛ فإِذا عَمِيَ بَصَرُ القلبِ فأَنَّى تنفع بصيرةُ الحجة‏؟‏ وفي معناه قالوا‏:‏

وفي نَظَرِ الصادي إلى الماء حَسْرَةٌ *** إذا كان ممنوعاً سبيل المواردِ

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏وَالسَّلاَمُ عَلَى مَنِ اتّبَعَ الهُدَى‏}‏‏.‏

إنما يَتّبع الهُدَى مَنْ كَحَّلَ قلبَه بنور العرفان، فأما من كانت على قلبِه غشاوة الجهل *** فمتى يستمع إلى الهُدَى‏؟‏

تفسير الآية رقم ‏[‏48‏]‏

‏{‏إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ‏(‏48‏)‏‏}‏

ما بعث اللَّهُ نبياً إلاَّ وقد أَنْذَرَ قومَه بالعذاب على تَرْكِ الأمر، وبَشَّرَهُم بالثوابِ على حِفظِ الأمر‏.‏ والعذابُ مُعَجَّلُ‏.‏ ومؤجَّلٌ؛ فمؤجَّلُه لا يُوقَفُ على تفصيله الأعداءُ وكذلك مُؤَجَّل الثوابُ، قال تعالى‏:‏ ‏{‏فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِىَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ‏}‏ ‏[‏السجدة‏:‏ 17‏]‏‏.‏

وأما مُعَجَّلُ العقوبةِ فأنواع، وعلى حسبت مقام المرءِ تَتَوَجَّهُ عليه المُطَالَبَاتُ، والزيادةُ في العقوبةِ تَدُلُّ على زيادةِ استحقاقِ الرّتْبَةِ؛ كالحرِّ والعَبْدِ في الحَدِّ‏.‏ وقسوةُ القلب نوعُ عقوبة، وما يتداخل الطاعة نوعُ عقوبة، وخسرانُ نصيبٍ في المالِ والأَنْفُس نوعُ عقوبة *** إلى غير ذلك‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏49- 50‏]‏

‏{‏قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى ‏(‏49‏)‏ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ‏(‏50‏)‏‏}‏

‏{‏فَمَن رَّبُّكُمَا‏}‏ على التثنية، ثم قال‏:‏ ‏{‏يَا مُوسَى‏}‏ فأفرده بالخطاب بعدما قال‏:‏ ‏{‏فَمَن رَّبُّكُمَا‏؟‏‏}‏ فيحتمل أن ذلك لمُشَاكَلَة رؤوس الآي، ويحتمل أن موسى كان مُقَدَّماً على هارون فَخَصَّه بالنداء‏.‏

وإنما أجاب موسى عن هذا السؤال بالاستدلال على فِعْلِه- سبحانه فقال‏:‏ ‏{‏رَبُّنَا الَّذِى أَعْطَى كُلَّ شَئ خَلَقَهُ‏}‏ ليُعْلَمَ أنَّ الدليلَ على إثباته- سبحانه- ما دلَّتْ عليه أفعالُه‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏51- 52‏]‏

‏{‏قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى ‏(‏51‏)‏ قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى ‏(‏52‏)‏‏}‏

لا يمكنني أن أُخْبِرَكُم إلا بما أخبرني به ربي فَمَا عَرَّفَني عَرَّفْتُ، وما ستره عليَّ وَقَفْتُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏53‏]‏

‏{‏الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى ‏(‏53‏)‏‏}‏

جَعَلَ الأرضَ مستقراً لأبدانهم، وجعل أبدانَهم مستقراً لعبادته، وقلوبهم مستقراً لمعرفته، وأرواحَهم مستقراً لمحبته، وأسرارهم مستقراً لمشاهدته‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏54‏]‏

‏{‏كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى ‏(‏54‏)‏‏}‏

هيَّأَ لهم أسبابَ المعيشة، وكما نَظَرَ إليهم وَرَزَقَهُم رَزَقَ دوابَّهم التي ينتفعون بها، وأَمَرَهُم أنْ يَتَقَووْا بما تَصِلُ إليه أيديهم، وأنْ ينتفِعُوا- ما أمكنهم- بأَنْعَامِهمِ لِيَكْمُلَ لديهم إنْعَامُهم‏.‏