فصل: ومن باب الإمام يقبل هدايا المشركين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم السنن



.ومن باب أخذ الجزية من المجوس:

قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار سمع بجالة يحدث عمرو بن أوس وأبا الشعثاء كنت كاتبًا لجزء بن معاوية عم الأحنف بن قيس إذ جاءنا كتاب عمر قبل موته بسنة اقتلوا كل ساحر وفرقوا بين كل ذي محرم من المجوس وانهوهم عن الزمزمة، فقتلنا في يوم ثلاث سواحر وفرقنا بين كل رجل من المجوس وحريمه في كتاب الله وصنع طعامًا كثيرًا فدعاهم فعرض السيف على فخذه فأكلوا ولم يزمزموا وألقوا وقر بغل أو بغلين من الورق ولم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجر.
قوله: ألقوا وقر بغل أو بغلين من الورق يريد أخِلة من الورق يأكلون بها، قلت ولم يحملهم عمر على هذه الأحكام فيما بينهم وبين أنفسهم إذا خلوا، وإنما منعهم من إظهار ذلك للمسلمين وأهل الكتاب لا يكشفون عن أمورهم التي يتدينون بها ويستعملونها فيما بينهم إلاّ أن يترافعوا إلينا في الأحكام. فإذا فعلوا ذلك فإن على حاكم المسلمين أن يحكم فيهم بحكم الله المنزل وإن كان ذلك في الأنكحة فرق بينهم وبين ذوات المحارم كما يفعل ذلك في المسلمين.
وفي امتناع عمر من أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجر دليل على أن رأي الصحابة أنه لا تقبل الجزية من كل مشرك كما ذهب إليه الأوزاعي وإنما تقبل من أهل الكتاب.
وقد اختلف العلماء في المعنى الذي من أجله أخذت منهم الجزية فذهب الشافعي في أغلب قوليه إلى أنها إنما قبلت منهم لأنهم من أهل الكتاب، وروي ذلك عن علي بن أبي طالب.
وقال أكثر أهل العلم إنهم ليسوا من أهل الكتاب، وإنما أخذت الجزية من اليهود والنصارى بالكتاب ومن المجوس بالسنة.
واتفق عامة أهل العلم على تحريم نكاح نسائهم وذبائحهم وسمعت ابن أبي هريرة يحكي عن إبراهيم الحربي أنه قال لم يزل الناس متفقين على تحريم نكاح المجوس حتى جاءنا خلاف من الكرخ، يَعني أبا ثور.

.ومن باب تعشير أهل الذمة إذا اختلفوا بالتجارات:

قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا أبو الأحوص حدثنا عطاء بن السائب عن حرب بن عبيد الله عن جده أبي أمه عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما العشور على اليهود والنصارى وليس على المسلمين عشور».
قوله: «ليس على المسلمين عشور» يريد عشور التجارات والبياعات دون عشور الصدقات.
قلت: والذي يلزم اليهود والنصارى من العشور هو ما صالحوا عليه وقت العقد فإن لم يصالحوا عليه فلا عشور عليهم ولا يلزمهم شيء أكثر من الجزية فأما عشور غلات أرضيهم فلا تؤخذ منهم، وهذا كله على مذهب الشافعي.
وقال أصحاب الرأي إن أخذوا منا العشور في بلادهم إذا اختلف المسلمون إليهم في التجارات أخذناها منهم وإلا فلا.

.ومن باب الذمي يسلم في بعض السنة هل عليه الجزية؟

قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن الجراح عن جرير عن قابوس عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس على مسلم جزية».
قلت: هذا يتأول على وجهين أحدهما أن معنى الجزية الخراج فلو أن يهوديا أسلم وكانت في يده أرض صولح عليها وضعت عن رقبته الجزية وعن أرضه الخراج وهو قول سفيان والشافعي، قال سفيان وإن كانت الأرض مما أخذ عنوة ثم أسلم صاحبها وضعت عنه الجزية وأقر على أرضه الخراج.
والوجه الآخر أن الذمي إذا أسلم وقد مر بعض الحول لم يطالب بحصة ما مضى من السنة كما لا يطالب المسلم بالصدقة إذا باع الماشية قبل مضي الحول لأنها حق يجب باستكمال الحول.
واختلفوا فيه إذا أسلم بعد استكمال الحول فقال أبو عبيد لا يستأدى الجزية لما مضى واحتج فيه بالأثر عن عمر بن الخطاب.
وقال أبو حنيفة إذا مات أحد منهم وعليه شيء من جزية رأسه لم يؤخذ بذلك ورثته ولم يؤخذ ذلك من تركته. لأن ذلك ليس بدين عليه وإن أسلم أحد منهم وقد بقي عليه شيء منها سقط عنه ولم يؤخذ منه.
وعند الشافعي يطالب به ويراه كالدين لا يسقط عنه إلاّ بالأداء؛ وقد علق القول فيه أيضًا، وقوله مع الجماعة أولى والله أعلم.

.ومن باب الإمام يقبل هدايا المشركين:

قال أبو داود: حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا أبو داود حدثنا عمران عن قتادة عن يزيد بن عبد بن الشخير عن عياض بن حماد، قال: «أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم ناقة فقال هل أسلمت قلت لا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم إني نهيت عن زبد المشركين».
الزبد العطاء، وفي رده هديته وجهان أحدهما أن يغيظه برد الهدية فيمتعض منه فيحمله ذلك على الإسلام. والآخر أن للهدية موضعًا من القلب، وقد روي تهادوا تحابوا، ولا يجوز عليه صلى الله عليه وسلم أن يميل بقلبه إلى مشرك فرد الهدية قطعًا لسبب الميل.
وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل هدية النجاشي وليس ذلك بخلاف لقوله: «نهيت عن زبد المشركين» لأنه رجل من أهل الكتاب ليس بمشرك، وقد أبيح لنا طعام أهل الكتاب ونكاحهم وذلك خلاف حكم أهل الشرك.

.ومن باب إقطاع الأرضين:

قال أبو داود: حدثنا العباس بن محمد بن حاتم حدثنا الحسين بن محمد أخبرنا أبو أويس حدثني كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده «أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث معادن القبليّة جلسيها وغورّيها وحيث يصلح الزرع من قدس ولم يعطه حق مسلم، وكتب له النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كتابًا»؛ قال أبو أويس وحدثني ثور بن زيد مولى بني الديل عن عكرمة عن ابن عباس مثله.
قلت: يقال إن معادن القبلية من ناحية القُرُع. وقوله: «جلسيها» يريد نجديها ويقال لنجد جَلْس.
قال الأصمعي: وكل مرتفع جلس، والغور ما انخفض من الأرض يريد أنه اقطعه وِهادها ورُباها.
قلت: إنما يقطع الناس من بلاد العنوة ما لم يحزه ملك مسلم فإذا أقطع رجلًا بياض أرض فإنه يملكها بالعمارة والإحياء ويثبت ملكه عليها فلا تتزع من يده أبدا. فإذا اقطعه معدنا نظر فإن كان المعدن شيئا ظاهرا كالنفط والقير ونحوهما فإنه مردود لأن هذه الأشياء منافع حاصلة وللناس فيها مرفق وهي لمن سبق إليها ليس لأحد أن يتملكها فيستأثر بها على الناس، وإن كان لها معدن من معادن الذهب والفضة أو النحاس وسائر الجواهر المستكنة في الأرض المختلطة بالتربة والحجارة التي لا تستخرج إلاّ بمعاناة ومؤنة فإن العطية ماضية إلاّ أنه لا يملك رقبتها حتى يحظرها على غيره إذا عطلها وترك العمل فيها، إنما له أن يعمل فيها ما بدا له أن يعمل فإذا ترك العمل خلي بينه وبين الناس، وهذا كله على معاني الشافعي.
وفي قوله: «ولم يعطه حق مسلم» دليل على أن من ملك أرضا مرة ثم عطلها أو غاب عنها فإنها لا تملك عليه بإقطاع أو إحياء وهي باقية على ملكه الأول.
قال أبو داود: حدثنا قتيبة بن سعيد ومحمد بن المتوكل العسقلاني المعنى واحد إن محمد بن يحيى بن قيس المازني حدثهم قال أخبرني أبي عن ثمامة بن شراحيل عن سُمي بن قيس عن شمير قال ابن المتوكل بن عبد المدان عن أبيض بن حمال «أنه وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقطعه الملح الذي بمأرب فقطعه له فلما أن ولى قال رجل من المجلس: أتدري ما أقطعت له إنما أقطعت له الماء العِدّ قال فانتزع منه، قال وسأل عما يحمي من الأراك قال ما لم تنله أخفاف الإبل».
قلت: وهذا يبين ما قلنا من أن المعدن الظاهر الموجود خيره ونفعه لا يقطعه أحد، والماء العد هو الماء الدائم الذي لا ينقطع.
وفيه من الفقه أن الحاكم إذا تبين الخطأ في حكم نقضه وصار إلى ما استبان من الصواب في الحكم الثاني.
وقوله: «ما لم تنله أخفاف الإبل» ذكر أبو داود عن محمد بن الحسن المخزومي أنه قال معناه أن الإبل تأكل منتهى رؤوسها ويحمي ما فوقه.
وفيه وجه آخر وهو أنه إنما يحمي من الأراك ما بعد عن حضرة العمارة فلا تبلغه الإبل الرائحة إذا أرسلت في الرعي.
وفي هذا دليل على أن الكلأ والرعي لا يمنع من السارحة وليس لأحد أن يستأثر به دون سائر الناس.
قال أبو داود: حدثنا محمد بن أحمد القرشي حدثنا عبد الله بن الزبير حدثنا فرج بن سعيد حدثني عمي ثابت بن سعيد عن أبيه عن جده عن أبيض بن حمال «أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حمى الأراك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا حمى في الأراك قال أراكة في حظاري، قال فرج، يَعني بحظاري الأرض التي فيها الزرع المحاط عليها».
قلت: يشبه أن يكون هذه الأراكة يوم إحياء الأرض وحظر عليها قائمة فيها فملك الأرض بالإحياء ولم يملك الأراكة إذ كانت مرعى السارحة، فأما الأراك إذا نبت في ملك رجل فإنه محمي لصاحبه غير محظور عليه يملكه والتصرف فيه ولا فرق بينه وبين سائر الشجر الذي يتخذه الناس في أراضيهم.
قال أبو داود: حدثنا عمر بن الخطاب حدثنا الفريابي حدثنا أبان قال عمر وهو ابن عبد الله بن أبي حازم قال: حدثني عثمان بن أبي حازم عن أبيه عن جده صخر «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا ثقيفا، فلما أن سمع ذلك صخر ركب في خيل يُمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد نبي الله صلى الله عليه وسلم قد انصرف ولم يفتح فجعل صخر يومئذ عهد الله وذمته أن لا يفارق هذا القصر حتى ينزلوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يفارقهم حتى نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتب إليه صخر: أما بعد؛ فإن ثقيفا قد نزلت على حكمك يا رسول الله وأنا مقبل إليهم وهم في خيل فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة جامعة فدعا لأحمس عشر دعوات، اللهم بارك لأحمس في خيلها ورجالها، فأتاه القوم فتكلم المغيرة بن شعبة، قال يا نبي الله إن صخرا قد أخذ عمتي وقد أسلمت ودخلت فيما دخل فيه المسلمون، فدعاه فقال يا صخر إن القوم إذا أسلموا أحرزوا دماءهم وأموالهم فادفع إلى المغيرة عمته فدفعها إليه وسأل النبي صلى الله عليه وسلم ما لبني سليم قد هربوا عن الإسلام وتركوا ذلك الماء، فقال يا نبي الله أنزلنيه أنا وقومي، قال نعم فأنزله وأسلم السُلميون فأتوا صخرًا فسألوه أن يدفع إليهم الماء فأبى فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا يا نبي الله أسلمنا وأتينا صخرا ليدفع إلينا ماءنا فأبى علينا، فدعاه فقال يا صخر إن القوم إذا أسلموا أحرزوا أموالهم ودماءهم فادفع إلى القوم ماءهم، قال نعم يا نبي الله فرأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتغير عند ذلك حمرة حياء من أخذه الجارية وأخذه الماء».
قلت: يشبه أن يكون أمره برد الماء عليهم إنما هو على معنى استطابة النفس عنه ولذلك كان يظهر في وجهه أثر الحياء، والأصل أن الكافر إذا هرب عن مال له فإنه يكون فيئا فإذا صار فيئا وقد ملكه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جعله لصخر فانه لا ينتقل عنه ملكه إليهم بإسلامهم فيما بعد ولكنه استطاب نفس صخر عنه ثم رده عليهم تألفا لهم على الإسلام وترغيبا لهم في الدين والله أعلم.
وأما رده المرأة فقد يحتمل أن يكون على هذا المعنى أيضًا كما فعل ذلك في سبي هوازن بعد أن استطاب أنفس الغانمين عنها، وقد يحتمل أن يكون ذلك الأمر فيها بخلاف ذلك لأن القوم إنما نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان السبي والدماء والأموال موقوفة على ما يريه الله فيهم فرأى صلى الله عليه وسلم أن ترد المرأة وأن لا تسبى.
قال أبو داود: حدثنا حسين بن علي حدثنا يحيى بن آدم حدثنا أبو بكر بن عياش عن هشام بن عروة عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع الزبير نخلًا».
قلت: النخل مال ظاهر العين حاضر النفع كما المعادن الظاهرة فيشبه أن يكون إنما أعطاه ذلك من الخمس الذي هو سهمه، وكان أبو إسحاق المروزي يتأول إقطاع النبي صلى الله عليه وسلم المهاجرين الدور على معنى العارية.
قال أبو داود: حدثنا حفص بن عمر وموسى بن إسماعيل المعنى واحد قالا: حَدَّثنا عبد الله بن حسان العنبري حدثتني جدتاي صفية ودُحيبة ابنتا عُليبة وكانتا ربيبتي قيلة بنت مخرمة وكانت جدة أبيهما أنها أخبرتهما، قالت: «قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت وتقدم صاحبي تعني حريث بن حسان وافد بكر بن وائل فبايعه على الإسلام عليه وعلى قومه، ثم قال يا رسول الله اكتب بيننا وبين بني تميم بالدهناء أن لا يجاوزها إلينا منهم إلاّ مسافر أو مجاور، قال اكتب له يا غلام بالدهناء، فلما رأيته قد أمر له بها شخص بي وهي وطني وداري فقلت له يا رسول الله أنه لم يسألك السوية من الأرض إذ سألك إنما هو هذه الدهناء مقيد الجمل ومرعى الغنم ونساء تميم وأبناؤها وراء ذلك، فقال أمسك يا غلام صدقت المسكينة المسلم أخو المسلم يسعهما الماء والشجر ويتعاونان على الفَتّان».
قوله: مقيد الجمل أي مرعى الجمل ومسرحه فهولا يبرح منه ولا يتجاوزه في طلب المرعى فكأنه مقيد هناك كقول الشاعر:
خليليّ بالموماة عُوجا فلا أرى ** بها منزلًا إلاّ جَريب المقيّد

وفيه من الفقه أن المرعى لا يجوز إقطاعه وأن الكلأ بمنزلة الماء لا يمنع.
وقوله يسعهما الماء والشجر يأمرهما بحسن المجاورة وينهاهما عن سوء المشاركة وقوله ويتعاونا على الفتان، يقال معناه الشيطان الذي يفتن الناس عن دينهم ويضلهم ويروى الفتان بضم الفاء وهو جماعة الفاتن كما قالوا كاهن وكهان.