فصل: ومن باب الركاز:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم السنن



.ومن باب إحياء الموات:

قال أبو داود: حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الوهاب حدثنا أيوب عن هشام بن عروة عن أبيه عن سعيد بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أحيى أرضًا ميتة فهي له وليس لعرق ظالم حق».
قلت: إحياء الموات إنما يكون بحفره وتحجيره وبإجراء الماء إليه وبنحوها من وجوه العمارة، فمن فعل ذلك فقد ملك به الأرض سواء كان ذلك بإذن السلطان أو بغير إذنه، وذلك لأن هذا كلمة شرط وجزاء فهو غير مقصور على عين دون عين ولا على زمان دون زمان، وإلى هذا ذهب أكثر أهل العلم.
وقال أبو حنيفة لا يملكها بالإحياء حتى يأذن له السلطان في ذلك وخالفه صاحباه فقالا كقول عامة العلماء.
وقوله: «ليس لعرق ظالم حق» هو أن يغرس الرجل في غير أرضه بغير إذن صاحبها فإنه يؤمر بقلعه إلاّ أن يرضى صاحب الأرض بتركه.
قال أبو داود: حدثنا هناد بن السري حدثنا عبدة عن محمد بن إسحاق عن يحيى بن عروة عن أبيه قال ولقد خبرني الذي حدثني هذا الحديث «أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم غرس أحدهما نخلا في أرض الآخر فقضى لصاحب الأرض بأرضه وأمر صاحب النخل أن يخرج نخله منها، قال فلقد رأيتها وأنها لتضرب أصولها بالفؤوس وأنها لنخل عُم حتى أخرجت منها».
قوله: نخل عم أي طوال واحدها عميم ورجل عميم إذا كان تام الخلق.
قال أبو داود: حدثنا عبد الواحد بن غياث حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا الأعمش عن جامع بن شداد عن كلثوم عن زينب «أنها كانت تفلي رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده امرأة عثمان بن عفان ونساء من المهاجرات وهن يشتكين منازلهن أنها تضيق عليهن ويخرجن منها فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تورث دور المهاجرين النساء فمات عبد الله بن مسعود فورثته امرأته دارًا بالمدينة».
قلت: قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أقطع المهاجرين الدور بالمدينة فتأولوها علي وجهين أحدهما أنه إنما كان أقطعهم العَرصة ليبتنوا فيها الدور، فعلى هذا الوجه يصح ملكهم في البناء الذي أحدثوه في العرصة. والوجه الآخر أنهم إنما أقطعوا الدور عارية، وإليه ذهب أبو إسحاق المروزي، وعلى هذا الوجه لا يصح الملك فيها وذلك أن الميراث لا يجري إلاّ في فيما كان الموروث مالكًا له وقد وضعه أبو داود في باب إحياء الموات، فقد يحتمل أن يكون إنما أحيا تلك البقاع بالبناء فيها إذ كانت غير مملوكة لأحد قبل والله أعلم.
وقد يكون نوع من الإقطاع إرفاقا من غير تمليك وذلك كالمقاعد في الأسواق والمنازل في الأسفار إنما يرتفق بها ولا تملك.
فأما توريثه الدور نساء المهاجرين خصوصا؛ فيشبه أن يكون ذلك على معنى القسمة بين الورثة، وإنما خصصهن بالدور لأنهن بالمدينة غرائب لا عشيرة لهن بها فجاز لهن الدور لما رأى من المصلحة في ذلك.
وفيه وجه آخر وهو أن تكون تلك الدور في أيديهن مدة حياتهن على سبيل الإرفاق بالسكنى دون الملك كما كانت دور النبي صلى الله عليه وسلم وحجره في أيدي نسائه بعده لا على سبيل الميراث فإنه صلى الله عليه وسلم قال: «نحن لا نورث ما تركناه صدقة». ويحكى عن سفيان بن عيينة أنه قال كان نساء النبي صلى الله عليه وسلم في معنى المعتدات لأنهن لا ينكحن وللمعتدة السكنى فجعل لهن سكنى البيوت ما عشن ولا يملكن رقابها.

.ومن باب الدخول في أرض الخراج:

قال أبو داود: حدثنا حيوة بن شريح الحضرمي الحمصي حدثنا بقية حدثني عمارة بن أبي الشعثاء حدثني سنان بن قيس حدثني شبيب بن نعيم حدثني يريد بن خمير حدثني أبو الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أخذ أرضا بجزيتها فقد استقال حجرته، ومن نزع صغار كافر من عنقه فجعله في عنقه فقد ولى الإسلام ظهره».
قلت: معنى الجزية هاهنا الخراج، ودلالة الحديث أن المسلم إذا اشترى أرضا خراجية من كافر فإن الخراج لا يسقط عنه، وإلى هذا ذهب أصحاب الرأي إلاّ أنهم لم يروا فيما أخرجت من حب عشرًا، وقالوا لا يجتمع الخراج مع العشر.
وقال عامة أهل العلم العشر عليه واجب فيما أخرجته الأرض من حب إذا بلغ خمسة أوساق.
والخراج عند الشافعي على وجهين: أحدهما جزية والآخر بمعنى الكراء والأجرة. فإذا فتحت الأرض صلحًا على أن أرضها لأهلها فما وضع عليها من خراج فمجراها مجرى الجزية التي تؤخذ من رؤوسهم، فمن أسلم منهم سقط ما عليه من الخراج كما يسقط ما على رقبته من الجزية ولزومه العشر فيما أخرجت أرضه وإن كان الفتح إنما وقع على أن الأرض للمسلمين ويؤدى في كل سنة عنها شيئا فالأرض للمسلمين وما يؤخذ منهم عنها فهو أجرة الأرض فسواء من أسلم منهم أو أقام على كفره فعليه أداء ما اشترط عليه ومن باع منهم شيئا من تلك الأرضين فبيعه باطل لأنه باع ما لا يملك. وهذا سبيل أرض السواد عنده.

.ومن باب الأرض يحميها الرجل:

قال أبو داود: حدثنا ابن السرح أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن الصعب بن جثامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا حمى إلاّ لله ولرسوله» قال ابن شهاب وبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حمى النقيع.
قلت: قوله: «لا حمى إلاّ لله ولرسوله» يريد لا حمى إلاّ على معنى ما أباحه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى الوجه الذي حماه، وفيه إبطال ما كان أهل الجاهلية يفعلونه من ذلك وكان الرجل العزيز منهم إذا انتجع بلدًا مخصبًا أوفى بكلب على جبل أو على نشر من الأرض ثم استعوى الكلب ووقف له من يسمع منتهى صوته بالعواء فحيث انتهى صوته حماه من كل ناحية لنفسه ومنع الناس منه.
فأما ما حماه رسول الله صلى الله عليه وسلم لمهازيل إبل الصدقة ولضعفى الخيل كالنقيع وهو مكان معروف مستنقع للمياه ينبت فيه الكلأ، وقد يقال أنه مكان ليس بحد واسع يضيق بمثله على المسلمين المرعى فهو مباح وللأئمة أن يفعلوا ذلك على النظر ما لم يضق منه على العامة المرعى، وهذا الكلام الذي سقته معنى كلام الشافعي في بعض كتبه.

.ومن باب الركاز:

قال أبو داود: حدثنا جعفر بن مسافر حدثنا ابن أبي فديك الزَمعي عن عمته قريبة بنت عبد الله بن وهب عن أمها كريمة بنت المقداد عن ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب أنها أخبرته؛ قالت: «ذهب المقداد لحاجته ببقيع الخبخبة فإذا جرذ يخرج من جحر دينارًا ثم لم يزل يخرج دينارًا دينارا حتى أخرج سبعة عشر دينارا ثم أخرج خرقة حمراء، يَعني فيها دينارا فكانت ثمانية عشر دينارا فذهب بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره وقال له خذ صدقتها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم هل أهويت للجحر، قال لا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم بارك الله لك فيها».
قوله: «هل أهويت للجحر» يدل على أنه لو أخذها من الجحر لكان ركازًا يجب في الخمس.
وقوله: «بارك الله لك فيها» لا يدل على أنه جعلها له في الحال ولكنه محمول على بيان الأمر في اللقطة التي إذا عرفت سنة فلم تعرف كانت لآخذها.
قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة سمعا أبا هريرة رضي الله عنه يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «في الركاز الخمس».
قال أبو داود: حدثنا يحيى بن أيوب حدثنا عباد بن العوام عن هشام عن الحسن: قال الركاز الكنز العادي.
قلت: الركاز على وجهين فالمال الذي يوجد مدفونا لا يعلم له مالك ركاز لأن صاحبه قد كان ركزه في الأرض أي أثبته فيها.
والوجه الثاني من الركاز عروق الذهب والفضة فتستخرج بالعلاج ركزها الله في الأرض ركزًا، والعرب تقول أركز المعدن إذا أنال الركاز.
والحديث إنما جاء في النوع الأول منهما وهو الكنز الجاهلي على ما فسره الحسن، وإنما كان فيه الخمس لكثرة نفعه وسهولة نيله والأصل إن ما خفت مؤونته كثر مقدار الواجب فيه وما كثرت مؤونته قل مقدار الواجب فيه كالعشر فيما سقي بالأنهار ونصف العشر فيما سقي بالدواليب.
واختلفوا في مصرف الركاز، فقال أبو حنيفة يصرف مصرف الفيء، وقال الشافعي يصرف مصرف الصدقات، واحتجوا لأبي حنيفة بأنه مال مأخوذ من أيدي المشركين، واحتجوا للشافعي بأنه مال مستفاد من الأرض كالزرع وبأن الفيء يكون أربعة أخماسه للمقاتلة وهذا المال يختص به الواجد له كمال الصدقة.

.ومن باب نبش القبور العادية يكون فيها المال:

قال أبو داود: حدثنا يحيى بن معين حدثنا وهب بن جرير حدثنا أبي قال: سمعت محمد بن إسحاق يحدث عن إسماعيل بن أمية عن بجير بن أبي بجير، قال: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرجنا معه إلى الطائف فمررنا بقبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا قبر أبي رغال وكان بهذا الحرم يُدفع عنه فلما خرج أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان فدفن فيه. وآية ذلك أنه دفن معه غصن من ذهب إن أنتم نبشتم عنه أصبتموه معه فابتدره الناس فاستخرجوا الغصن».
قلت: هذا سبيله سبيل الركاز لأنه مال من دفن الجاهلية لا يعلم مالكه، وكان أبو رغال من بقية قوم عاد أهلكهم الله فلم يبق لهم نسل ولا عقب فصار حكم ذلك المال حكم الركاز.
وفيه دليل على جواز نبش قبور المشركين إذا كان فيه أرب أو نفع للمسلمين وإن ليست حرمتهم في ذلك كحرمة المسلمين.

.كتاب البيوع:

.من باب التجارة يخالطها الحلف والكذب:

أخبرنا الشيخ الإمام أبو المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل بن محمد الروياني بقراءتي عليه بآمد طبرستان فأقر به في شهور سنة تسع وتسعين وأربعمائة قال أخبرنا أبو نصر أحمد بن محمد البلخي، قال أخبرنا أبو سليمان حمد بن محمد الخطابي البستي، قال: حَدَّثنا أبو بكر محمد بن بكر بن داسة قال: حدثنا أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني رحمه الله؛، قال: حَدَّثنا مسدد، قال: حَدَّثنا أبو معاوية عن الأعمش، عَن أبي وائل عن قيس بن أبي غرزة قال: «كنا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نسمى السماسرة فمر بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمانا باسم هو أحسن منه فقال يا معشر التجار أن البيع يحضره اللغو والحلف فشوبوه بالصدقة».
قال الشيخ أبو سليمان السمسار أعجمي وكان كثير ممن يعالج البيع والشراء فيهم عجما فتلقنوا هذا الاسم عنهم فغيره رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى التجارة التي هي من الأسماء العربية، وذلك معنى قول فسمانا باسم هو أحسن منه.
وقد تدعو العرب التاجر أيضًا الرّقاحي والترقيح في كلامهم إصلاح المعيشة.
وقد احتج بهذا الحديث بعض أهل الظاهر ممن لا يرى الزكاة في أموال التجارة وزعم أنه لو كان تجب فيها صدقة كما تجب في سائر الأموال الظاهرة لأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بها ولم يقتصر على قوله: «فشوبوه بالصدقة» أو بشيء من الصدقة.
قال الشيخ وليس فيما ذكروه دليل على ما ادعوه لأنه إنما أمرهم في هذا الحديث بشيء من الصدقة غير معلوم المقدار في تضاعيف الأيام ومر الأوقات ليكون كفارة عن اللغو والحلف.
فأما الصدقة المقدرة التي هي ربع العشر الواجبة عند تمام الحول فقد وقع البيان فيها من غير هذه الجهة، وقد روى سمرة بن جندب «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرهم أن يخرجوا الصدقة عن الأموال التي يعدونها للبيع»، وقد ذكره أبو داود في كتاب الزكاة ثم هو عمل الأمة وإجماع أهل العلم فلا يعد قول هؤلاء معهم خلافا.

.ومن باب استخراج المعادن:

قال أبو داود: حدثنا القعنبي، قال: حَدَّثنا عبد العزيز بن محمد عن عمرو، يَعني ابن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس «أن رجلا لزم غريمًا له بعشرة دنانير فقال والله ما أفارقك حتى تقضيني أو تأتيني بحميل قال فتحمل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه بقدر ما وعده، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم من أين أصبت هذا الذهب قال من معدن، قال لا حاجة لنا فيها ليس فيها خير فقضاها عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم».
قال الشيخ في هذا الحديث إثبات الحمالة والضمان وفيه إثبات ملازمة الغريم ومنعه من التصرف حتى يخرج من الحق الذي عليه. وأما رده الذهب الذي استخرجه من المعدن، وقوله: «لا حاجة لنا فيه» ليس فيه خير فيشبه أن يكون ذلك لسبب علمه فيه خاصة لا من جهة أن الذهب المستخرج من المعدن لا يباح تموله وتملكه، فإن عامة الذهب والورق مستخرجة من المعادن، وقد أقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم بلال بن الحارث المعادن القبلية وكانوا يؤدون عنها الحق وهو عمل المسلمين وعليه أمر الناس إلى اليوم. ويحتمل أن يكون ذلك من أجل أن أصحاب المعادن يبيعون ترابها ممن يعالجه فيحصل ما فيه من ذهب أو فضة وهو غرر لا يدرى هل يوجد فيه شيء منهما أم لا. وقد كره بيع تراب المعادن جماعة من العلماء منهم عطاء والشعبي وسفيان الثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه.
وفيه وجه آخر وهو أن مع قوله: «لا حاجة لنا فيها» ليس لنا فيها خير، أي ليس لها رواج ولا لحاجتنا فيها نجاح، وذلك أن الذي كان تحمله عنه دنانير مضروبة، والذي جاء به تبر غير مضروب وليس بحضرته من يضربه دنانير وإنما كان تحمل إليهم الدنانير من بلاد الروم، وأول من وضع السكة في الإسلام وضرب الدنانير عبد الملك بن مروان، وقد يحتمل ذلك أيضًا وجها آخر وهو أن يكون إنما كرهه لما يقع فيه من الشبهة ويدخله من الغرر عند استخراجهم إياه من المعدن وذلك أنهم إنما استخرجوه بالعشر أو الخمس أو الثلث مما يصيبونه وهو غرر لا يدرى هل يصيب العامل فيه شيئا أم لا، فكان ذلك بمنزلة العقد على رد الآبق والبعير الشارد لأنه لا يدرى هل يظفر بهما أم لا.
وفيه أيضًا نوع من الخطر والتغرير بالأنفس لأن المعدن ربما انهار على من يعمل فيه فكره من أجل ذلك معالجته واستخراج ما فيه.
وكانت الدنانير تحمل إليهم في زمان النبي صلى الله عليه وسلم من بلاد الروم وكان أول من ضربها في الإسلام عبد الملك بن مروان فهي تدعي المروانية إلى هذا الزمان.