فصل: ومن باب بيان مواضع قسم الخمس وسهم ذي القربى:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم السنن



.ومن باب بيان مواضع قسم الخمس وسهم ذي القربى:

قال أبو داود: حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن عبد الله بن المبارك عن يونس بن يزيد عن الزهري أخبرني سعيد بن المسيب أخبرني جبير بن مطعم «أنه جاء هو وعثمان بن عفان يكلمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قسم من الخمس في بني هاشم وبني المطلب فقلت يا رسول الله قسمت لإخواننا بني المطلب ولم تعطنا شيئا، يَعني بني عبد شمس وبني نوفل وقرابتنا وقرابتهم منك واحدة فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد، قال جبير ولم يقسم لبني عبد شمس ولا لبني نوفل من ذلك الخمس كما قسم لبني هاشم وبني المطلب، قال وكان أبو بكر يقسم الخمس نحو قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غير أنه لم يكن يعطي قربى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيهم، قال وكان عمر بن الخطاب يعطيهم منه وعثمان بعده».
قلت: قوله: «بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد» يريد به الحلف الذي كان بين بني هاشم وبين بني المطلب في الجاهلية، وفي غير هذه الرواية أنه قال إنا لم نفترق في جاهلية ولا في إسلام، وكان يحيى بن معين يرويه إنما بنو هاشم وبن المطلب سيّ واحد بالسين غير المعجمة أي مثل سواء يقال هذا سيّ هذا أي مثله ونظيره.
وفي الحديث دليل على ثبوت سهم ذي القربى لأن عثمان وجبيرا إنما طالباه بالقرابة، وقد عمل به الخلفاء بعد عمر وعثمان، وجاء في هذه الرواية أن أبا بكر لم يقسم لهم، وقد جاء في غير هذه الرواية عن علي أن أبا بكر قسم لهم وقد رواه أبو داود.
قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا ابن نمير حدثنا هاشم بن البريد حدثنا حسين بن ميمون عن عبد الله بن عبد الله عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: سمعت عليا يقول: «اجتمعت أنا والعباس وفاطمة وزيد بن حارثة عند النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله إن رأيت أن توليني حقنا من هذه الخمس في كتاب الله تعالى فأقسمه في حياتك كي لا ينازعني أحد بعدك فافعل. قال: ففعل ذلك فقسمته حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ولانيه أبو بكر حتى كان آخر سنة من سني عمر فإنه أتاه مال كثير فعزل حقنا ثم أرسل إليَّ فقلت بنا عنه العام غنى وبالمسلمين إليه حاجة فأردده عليهم، ثم لم يدعني إليه أحد بعد عمر فلقيت العباس بعدما خرجت من عند عمر فقال يا علي حرمتنا الغداة شيئًا لا يرد علينا أبدًا وكان رجلا داهيًا».
قلت: فقد روي عن علي رضي الله عنه أن أبا بكر كان يقسم فيهم وكذلك عمر إلى أن تركوا حقهم منه فدل ذلك على ثبوت حقهم.
وقد اختلف العلماء في ذلك فقال الشافعي حقهم ثابت وكذلك مالك بن أنس وقال أصحاب الرأي لا حق لذي القربى وقسموا الخمس في ثلاثة أصناف. وقال بعضهم إنما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني المطلب للنصرة في القرابة ألا تراه يقول إنا لم نفترق في جاهلية ولا إسلام فنبه على أن سبب الاستحقاق النصرة والنصرة قد انقطعت فوجب أن تنقطع العطية.
قلت: هذا المعنى بمفرده لا يصح على الاعتبار ولو كان ذلك من أجل النصرة حسب لكان بنو هاشم أولى الناس بأن لا يعطوا شيئا فقد كانوا ألبًا واحدًا عليه وإنما هو عطية باسم القرابة كالميراث، وقد قيل إنما أعطوه عوضا من الصدقة المحرمة عليهم وتحريم الصدقة باق فليكن السهم باقيًا.
قال أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عنبسة حدثنا يونس عن ابن شهاب أخبرني عبد الله بن الحارث بن نوفل الهاشمي أن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث ابن عبد المطلب أخبره «أن أباه ربيعة بن الحارث وعباس بن عبد المطلب قالا لعبد المطلب بن ربيعة والفضل بن عباس ائتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولا له يا رسول الله قد بلغنا من السن ما ترى وأحببنا أن نتزوج وأنت يا رسول الله أبر الناس وأوصلهم وليس عند أبوينا ما يصَدِقان عنا فاستعملنا يا رسول الله على الصدقات فلنؤد إليك ما يؤدي العمال ولنُصب ما كان فيها من مرفق، قال فأتى علي بن أبي طالب ونحن على تلك الحال فقال لنا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال والله لا يستعمل منكم أحدا على الصدقة، فقال له ربيعة هذا من أمرك قد نلت صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نحسدك عليه فألقى علي رضي الله عنه رداءه ثم اضطجع عليه فقال أنا أبو الحسن القَرْم والله لا أريم حتى يرجع إليكما ابناكما بحَوْر ما بعثتما به إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال عبد المطلب فانطلقت أنا والفضل حتى نوافق صلاة الظهر قد قامت فصلينا مع الناس ثم أسرعت أنا والفضل إلى باب حجرة النبي صلى الله عليه وسلم وهو يومئذ عند زينب بنت جحش فقمنا بالباب حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بأذني وأذن الفضل فقال اخرجا ما تصرران ثم دخل فأذن لي وللفضل فدخلنا فتواكلنا الكلام قليلًا ثم كلمته أو كلمه الفضل قد شك في ذلك عبد الله فقال كلمه بالذي أمرنا به أبوانا فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة ورفع بصره قبل سقف البيت حتى طال علينا أنه لا يرجع إلينا شيئا حتى رأينا زينب تلمع من وراء الحجاب بيدها تريد أن لا نعجل وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمرنا، ثم خفض رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه فقال لنا إن هذه الصدقة إنما هي أوساخ الناس وأنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد ادعوا لي نوفل بن الحارث فدعي له نوفل، فقال يا نوفل أنكح عبد المطلب فأنكحني نوفل ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم ادعوا لي مَحْمية بن جزء وهو رجل من بني زبيد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمله على الأخماس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمحمية أنكح الفضل فأنكحه، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قم فاصدق عنهما من الخمس كذا وكذا».
قوله: أنا أبو الحسن القرم هو في أكثر الروايات القوم وكذلك رواه لنا ابن داسة بالواو وهذا لا معنى له وإنما هو القرم وأصل القرم في الكلام فحل الإبل ومنه قيل للرئيس قرم يريد بذلك أنه المقدم في الرأي والمعرفة بالأمور فهو فيهم بمنزلة القرم في الإبل.
وقوله بحور ما بعثتما به أي بجواب المسألة التي بعثتما فيها وبرجوعها؛ وأصل الحور الرجوع يقال كلمته فما أحار إليَّ جوابًا، أي ما رد إلي جوابًا.
وقوله: «أخرجا ما تصرران» يريد ما تكتمان أو ما تضمران من الكلام وأصله من الصرر وهو الشد والإحكام.
وقوله فتواكلنا الكلام معناه أن كل واحد منا قد وكل الكلام إلى صاحبه يريد أن يبتدئ الكلام صاحبه دونه.
وقوله: «قم فاصدق عنهما من الخمس» أي من حصته من الخمس الذي هو سهم النبي صلى الله عليه وسلم وكان يأخذ لطعامه ونفقة أهله قدر الكفاية ويرد الباقي منه على يتامى بني هاشم وأياماهم ويضعه حيث أراه الله من وجوه المصلحة. وهو معنى قوله: «مالي مما أفاء الله عليّ إلاّ الخمس وهو مردود عليكم»، وقد يحتمل أن يكون إنما أمره أن يسوق المهر عنهما من سهم ذي القربى وهو من جملة الخمس والله أعلم.
قال أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عنبسة بن خالد حدثنا يونس عن ابن شهاب أخبرني علي بن الحسين أن حسين بن علي أخبره أن عليا رضي الله عنه قال: «كانت لي شارف من نصيبي من المغنم يوم بدر وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاني شارفا من الخمس يومئذ، فلما أردت أن أبني بفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم واعدت رجلا صواغًا من بني قينقاع أن يرتحل معي فنأتي بأذخر أردت أن أبيعه من الصواغين فنستعين به في وليمة عرسي فبينا أنا أجمع لشارفي متاعا من الأقتاب والغرائر والحبال وشارفاي مناخان إلى جنب حجرة رجل من الأنصار أقبلت حين جمعت ما جمعت فإذا شارفاي قد اجتُبْت أسنمتهما وبقرت خواصرهما وأخذ من أكبادهما فلم أملك عيني حين رأيت ذلك المنظر فقلت من فعل هذا قالوا فعله حمزة بن عبد المطلب وهو في هذا البيت في شرب من الأنصار غنته قينته وأصحابه فقالت في غنائها، ألا يا حمز للشُرُف النواء، فوثب إلى السيف فاجتب أسنمتهما وبقر خواصرهما وأخذ من أكبادهما، قال علي رضي الله عنه فانطلقت حتى أدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده زيد بن حارثة، قال فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لقيت فقال مالك فقلت يا رسول الله ما رأيت كاليوم عدا حمزة على ناقتي فاجتب أسنمتهما وبقر خواصرهما وها هو ذا في بيت معه شرب قال فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بردائه فارتدى به ثم انطلق يمشي فاتبعته أنا وزيد بن حارثة حتى جاء إلى البيت الذي فيه حمزة فاستأذن له فإذا هم شَرب فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يلوم حمزة فيما فعل، فإذا حمزة ثمل محمرة عيناه فنظر حمزة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صعَّد النظر فنظر إلي سرته، ثم صعد النظر فنظر إلى ركبته، ثم صعد النظر فنظر إلى وجهه، ثم قال حمزة وهل أنتم إلاّ عبيد لآبائي فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ثمل فنكص على عقبه القهقرى فخرج وخرجنا معه».
قلت: الشارف المسنة من النوق، وقولها: ألا يا حمز للشرف النواء. فإن الشرف جمع الشارف والنواء السمان يقال نوت الناقة تنوي فهي ناوية وهي نواء قال الشاعر:
لطال ما جررتكن جرا ** حتى نوى الأعجف واستمرا

وتمام البيت:
ألا يا حمز للشرف النواء ** وهن معقلات بالفِناء

في أبيات تستدعيه فيها نحرهن وأن يطعم لحومهن أصحابه وأضيافه فهزته أريحية الشراب والسماع فكان منه ذلك الصنيع؛ والثمل السكران.
وقد احتج بهذا الحديث بعض من ذهب إلى إبطال طلاق السكران وزعم أن أقواله التي تكون منه في حال السكر لا حكم لها قال ولو كان يلزمه أقواله لكان حمزة حين خاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم بما خاطبه به من القول خارجا من الدين.
قلت: وقد ذهب على هذا القائل أن هذا إنما كان من حمزة قبل تحريم الخمر لأن حمزة قتل يوم أحد وكان تحريم الخمر بعد غزوة أحد فكان معذورا في قوله غير مؤاخذ به وكان الحرج عنه زائلا إذ كان سببه الذي دعاه إليه مباحا كالنائم والمغمى عليه يجري على لسانه الطلاق والقذف فلا يؤاخذ بهما، فأما وقد حرمت الخمر حتى صار شاربها مؤاخذًا بشربها محدودا فيها فقد صار كذلك مؤاخذا بما يجري على لسانه من قول يلزمه به حكم كالطلاق والقذف وسائر جنايات اللسان، وقد أجمعت الصحابة على أن حد السكران حد المفتري قالوا وذلك لأنه إذا سكر هذى فإذا هذى افترى فألزموه حد المفتري.
وفي ذلك بيان أنهم جعلوه مؤاخذًا بأقواله معاقبا بجناياته وإنما توقفوا عن قتله إذا ارتد في حال السكر استيناء به ليتوب في صحوه في حال يعقل ما يقوله ويصح منه ما يعتقده من التوبة وهو لو ارتد صاحيا لاستتيب ولم يقتل في فوره فكذلك إذا ارتد وهو سكران.
وقد اختلف العلماء في أقوال السكران، فقال مالك والثوري والأوزاعي والشافعي طلاق السكران لازم وهو قول أصحاب الرأي، وقد روي ذلك عن سعيد بن المسيب وعطاء والحسن والشعبي والنخعي وابن سيرين ومجاهد، وقال ربيعة بن أبي عبد الرحمن والليث بن سعد وإسحاق بن راهويه وأبو ثور والمزني طلاقه غير لازم، وقد روي ذلك عن عثمان بن عفان وابن عباس وهو قول القاسم بن حد وعمر بن عبد العزيز وطاوس. ووقف أحمد بن حنبل عن الجواب في هذه المسألة وقال لا أدري.
قال أبو داود: حدثنا يحيى بن خلف حدثنا عبد الأعلى عن سعيد الجريري، عَن أبي الورد عن ابن أعبد قال: قال لي عليّ ألا أحدثك عني وعن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت من أحب أهله إليه قلت بلى قال: «أنها جرت بالرحى حتى أثر في يدها واستقت بالقربة حتى أثرت في نحرها وكنست البيت حتى اغبرت ثيابها فأتى النبي صلى الله عليه وسلم خدم فقلت لو أتيت أباك فسألتيه خادما فأتته فوجدت عنده حُدّاثًا فرجعت فأتته من الغد فقال ما كان حاجتك فسكتت فقلت أنا أحدثك يا رسول الله جرت بالرحى حتى أثر في يدها وحملت القربة حتى أثرت في نحرها، فلما أن جاءك الخدم أمرتها أن تأتيك فتستخدمك خادما يقيها حر ما هي فيه، قال اتقي الله يا فاطمة وأدي فريضة ربك واعملي عمل أهلك وإذا أخذت مضجعك فسبحي ثلاثا وثلاثين، واحمدي ثلاثا وثلاثين، وكبري أربعا وثلاثين فتلك مائة فهي خير لك من خادم قالت رضيت عن الله وعن رسوله».
قلت: فيه من الفقه أن المرأة ليس لها أن تطالب زوجها بخادم كما لها أن تطالبه بالنفقة والكسوة وإنما لها عليه أن يكفيها الخدمة حسب ولو كان ذلك واجبا لها عليه لأشبه أن يلزمه رسول الله صلى الله عليه وسلم عليًا أو يخبره من جهة الحكم في ذلك وإن كانت الحال بين علي وفاطمة ألطف من أن يجري بينهما المناقشة في الحقوق الواجبة على الزوجين.
قال أبو داود: حدثنا محمد بن عيسى حدثنا عنبسة بن عبد الواحد القرشي حدثنا الدخيل بن إياس بن نوح بن مُجَّاعة عن هلال بن سراج بن مجاعة عن أبيه عن جده مجاعة «أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم يطلب دية أخيه قتلته بنو سدوس من بني ذهل فقال النبي صلى الله عليه وسلم لو كنت جاعلًا لمشرك دية جعلتها لأخيك ولكن سأعطيك منها عقبى فكتب له النبي صلى الله عليه وسلم بمائة من الإبل من أول خمس يخرج من مشركي بني ذهل».
قلت: معنى العقبى العوض ويشبه أن يكون إنما أعطاه ذلك تألفًا له أو لمن وراءه من قومه على الإسلام.