فصل: باب العتق في المرض والوصية بالعتق

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: منحة الخالق على البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***


باب العتق في المرض والوصية بالعتق

لما كان الإعتاق في المرض من أنواع الوصية، وكان له أحكام مخصوصة أفرده بباب على حدة، وأخرجه عن صريح الوصية لأن الصريح هو الأصل قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏تحريره في مرضه‏)‏ يعني يكون وصية فإن خرج من الثلث لا سعاية عليه، وسيأتي حكم ذلك إن شاء الله تعالى أطلق في كونه وصية فشمل ما إذا عجل البدل أو بعضه فمات السيد أو مات العبد قبل السيد، وترك مالا وما إذا أعتق على مال أو لا قال في المبسوط مسائله تشتمل على فصول إحداها في تعجيل المعتق بعض السعاية إلى مولاه، والثاني في ترك السعاية بعد موته، والثالث في تعجيل بعض السعاية في حياته وترك السعاية بعد موته، وإذا أعتق عبدا في مرضه قيمته ثلثمائة فعجل العبد لمولاه مائتي درهم فأنفقها ثم مات ولا مال له غيرها يسعى في ثلثي المائة الباقية، وسلم له ثلث المائة، وهو حر لأن العتق في مرض الموت وصية، وفي الوصايا يعتبر مال الميت يوم القسمة لا يوم الوصية، والموت ومال الميت يوم القسمة مائة درهم لأنه لما عجل ثلثي السعاية في حياة المولى صح التعجيل لأنه عجل بعد وجود سبب الوجوب لأن السعاية تجب عليه بعد الموت لكن بالسبب السابق، وهو العتق أو تعجيل الحكم بعد وجود سبب الوجوب جائزة كتعجيل الزكاة وغيرها فصار المعجل ملكا للمولى، وقد أنفقها في حياته في حاجته‏.‏ والوصايا تنفذ عما يفضل عن حاجته الحالية، والفاضل عن حاجته يوم القسمة مائة درهم، وقد أوصى للعبد بجميع المائة فيكون له ثلث المائة الباقية، ولو عجل قيمته كلها فأنفقها لم يسع في شيء لأنه أدى قيمة نفسه مرة بعدما صار مكاتبا عند أبي حنيفة، وحرا مديونا عندهما فلا يلزمه أخرى كالمكاتب الحقيقي إذا أدى بدل الكتابة مرة يعتق فكذا هذا، ولو عجل شيئا، واكتسب العبد ألف درهم ثم مات العبد، وترك بنتا ومولاة ثم مات السيد فللمولى من الألف خمسمائة وعشرون، وسعاية العبد من ذلك أربعون، وميراثه أربعمائة وثمانون، والباقي للبنت، ولو عجل للمولى قيمته كلها فأنفقها المولى، والمسألة بحالها فللبنت من تلك الألف ستمائة، ولوارث المولى أربعمائة، ولو اكتسب العبد ومات عن ثلاثمائة، وترك بنتا وامرأة ثم مات المولى في مرضه فلورثة المولى من ذلك مائتان وثمانية وعشرون درهما، وأربعة أسباع درهم، وللبنت سبعة وخمسون درهما وسبع دراهم، وللمرأة أربعة عشر درهما وسبع دراهم، ولو ترك بنتين وامرأة ومولاة، والمسألة بحالها قسمت الثلاثمائة على سبعة وستين للمولى من ذلك ثلاثة وأربعون سعاية وخمسة ميراثا، وللبنتين ستة عشر، وللمرأة ثلاثة، وإذا أعتق في مرضه عبدا قيمته ثلاثمائة ثم اكتسب العبد ثلاثمائة ثم مات، وترك بنتا ثم مات المولى وله أيضا ثلاثمائة وصية فمن ذلك مائتان وأربعون للمولى من ذلك مائة وعشرون من إرثه، وللبنت مائة وعشرون، وتخريجه لأبي حنيفة في المحيط، ولو عجل مائة إلى المولى فأكلها ثم مات، وترك ثلاثمائة، وبنتا ومولاة فللمولى من ذلك مائة درهم بالسعاية، ومائة بالميراث، ولو أعتق عبدين في المرض قيمة كل واحد منهما ثلاثمائة لا مال له غيرهما فمات أحدهما، وترك ألف درهم اكتسبها بعد العتق ولا وارث له غير المولى سعى الحي في أربعين درهما، وكانت للمولى مع الألف الذي تركه الميت لأن ماله ألف وثلاثمائة متروكة عن الميت وثلاثمائة قيمة الحي، ولو أوصى بستمائة لما أعتق العبدين في مرضه وستمائة أكثر من ثلث ماله فإذا لم تجز الورثة يجعل ماله على ثلاثة أسهم سهم للعبدين بالوصية بينهما نصفين فانكسر فأضعف فصار ستة؛ للمولى أربعة وللعبد سهمان، وتخريجه يطلب في المحيط قال الشارح إن حكم التحرير حكم الوصية يعتبر من الثلث، ومزاحمة أصحاب الوصايا في التصرف لا حقيقة الوصية‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ومحاباته‏)‏ يعني في مرضه وصية تعتبر من الثلث قال في المحيط والمحاباة في المرض وصية وأطلق المحاباة فشمل ما إذا كان في نكاح أو بيع أصله أن الوصية عقد إرث صحيحة لأن منافع البضع عند الدخول متقومة، وإذا تزوج المريض امرأة على مائة درهم ولا مال له غيرها، ومهر مثلها خمسون درهما ثم ماتت المرأة ثم مات الزوج كان وصيتها ثلاثة وثلاثين درهما وثلثا‏.‏ وتخريجه أن مال الزوج لما حابى به، وهو خمسون وما ورث منها، وذلك نصف مهر مثلها خمسة وعشرون فصار مال الزوج خمسة وسبعين فيجعل ذلك على ثلاثة أسهم سهم للمرأة يعود نصفه إلى الزوج بالميراث فانكسر فأضعف فصار ستة سهمان للمرأة يعود سهم من نصيبها إلى الزوج بالميراث، وهذا هو السهم الدائر فيطرح من نصيب الزوج يبقى له ثلاثة، وللمرأة سهمان فيصير مال الزوج في الآخرة على خمسة وسبعين خمساها للمرأة الثلث، وذلك ثلاثون من خمسة وسبعين فلها ثلاثون درهما بالوصية من مائة، ويرد عشرون على ورثة الزوج نقصا للوصية بالمحاباة ثم يضم ثلاثون إلى مهر مثلها، وذلك خمسون فصار ثمانين للزوج نصفه، وذلك أربعون، وينقص أربعون ثم ما أصاب الزوج من أربعين يضم إلى ما أخذه بنقص الوصية، وذلك عشرون فصار له ستون، وقد نفذنا الوصية في ثلاثين فاستقام الثلث والثلثان، وأما تخريج أبي يوسف أن مال الزوج لما حابى به، وذلك خمسون فيكون لها ثلث المحاباة، وذلك ستة عشر وثلثان ولا يعتبر ماله بما يرث منها لما بينا في الباب المتقدم ثم يضم ستة عشر وثلثين إلى مهر مثلها، وذلك خمسون فيصير ستة وستين وثلثين للزوج نصف ذلك بالميراث، وذلك ثلاثة وثلاثون وثلث فهذا مال استفاده الزوج بالميراث فيجعل على ثلاثة أسهم سهم للمرأة فيعود نصفه إلى الزوج بالميراث فانكسر فأضعف صار ستة؛ للمرأة سهمان فيعود منها سهم إلى الزوج فهذا هو السهم الدائر فاطرحه من نصيب الزوج يبقى له ثلاثة، وللمرأة سهمان‏.‏ وذلك ثلاثة وثلاثون وثلث على خمسة خمساه للمرأة، وذلك ثلاثة عشر وثلث درهم يضم ذلك إلى ستة عشر فصار ثلاثين، وأما تخريج محمد بأن للمرأة ثلث المحاباة، وذلك ستة عشر وثلثان يضم ذلك إلى مهر مثلها، وذلك خمسون فصار ستة وستين وثلثا درهم فيجعل ذلك على سهمين سهم للزوج فقد مات الزوج عن سهم للمرأة ثلث ذلك بالوصية فانكسر بالثلث فاضرب سهمين في ثلاثة فصار ستة للزوج ثلاثة، وللمرأة سهم فصار المال، وهو ستة وستون وثلثان على خمسة خمس ذلك للمرأة، وذلك ثلاثة عشر وثلث يضم إلى ما أعطينا لها في الابتداء، وذلك ستة عشر وثلثان فصار وصيتها ثلاثين‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وهبته وصية‏)‏ يعني حكمها حكم الوصية أي إذا وهب المريض في مرضه يكون حكمه حكم الوصية أطلق في الهبة فشمل ما إذا عادت للمريض أو لم تعد، وللأجنبي، وللوارث قال في المنتقى وهب المريض لرجل أمة، وقيمتها ثلاثمائة ولا مال له غيرها فباعها الموهوب له للواهب، وهو صحيح بمائة درهم، ولم يقبض المائة ثم مات الواهب من مرضه، والجارية تسلم لورثة الواهب، ويأخذون من الموهوب له ثلاثة وثلاثين درهما وثلثا لأنه حين باعها إياه كان كأنه قد استملك الجارية وصارت قيمتها دينا عليه، وهي ثلثمائة فكانت هذه الثلاثمائة زيادة في مال الميت فصار ماله ستمائة إلا أن عليه دين مائة درهم فصار ماله الذي تجوز فيه وصيته خمسمائة درهم فللموهوب له ثلثها‏.‏ وذلك مائة وستة وستون وثلثان فيكون ذلك وصية له من قيمة الأمة يبقى عليه مائة وثلاثة وثلاثون وثلث، وقد كان له على الواهب مائة دينا يبقى عليه ثلاثة وثلاثون وثلث، ولو وهب المريض أمة قيمتها ستمائة درهم فباعها الموهوب له من الواهب بمائتي درهم ثم ماتا جميعا ولا مال لواحد منهما غيرها فإن الجارية تباع، وتدفع المائتين إلى ورثته لأن الهبة قد نفذت من الثلث فينفذ بيعه من الواهب في الثلث لأن بيع المريض لا يجوز إلا بمثل قيمته، وقيمته ثلثها مائة درهم فيرد ذلك القدر من ثمنها إلى تركة الموهوب له مريض وهب عبده لرجل، وعليه دين محيط بقيمته ولا مال له غيرها فأعتقه الموهوب له قبل موت المريض جاز عتقه لأنه أعتق ما يملكه، وإن أعتقه بعد موته لم يجز عتقه لأنه تعلق حق الغريم به بيعا واستيفاء وصار مستغرقا بدينه فانقضت الهبة من الأصل، وعاد إلى قديم ملكه فظهر أنه أعتق ما لا يملكه قال محمد مريض أقر لعبد رجل أنه ابنه ثم مات قال أبو يوسف إن صدقه السيد في حياة المريض ورثه لأنه ثبت نسبه منه بتصادقهما فإن صدقه بعد موته لا يرثه لأن إقراره قد بطل بموته، وذكر الحسن بن زياد عن أبي يوسف في مريض له ابن معروف، وهو عبد لرجل فأقر المريض أن المولى قد أعتق ابنه قال إن صدقه في حياته ورثه إذا مات، وإن صدقه بعد موته لم يرثه لما بينا‏.‏ ولو وهب أحد الزوجين لصاحبه في المرض أصله أن أجوبتهم لمسائل الباب متفقة، وتخاريجهم لها مختلفة فأبو حنيفة اعتبر جميع مال الموصي في القسمة وطرح السهم الدائر من جملة المال لأن الدور يقع بسبب المال المستفاد بالميراث، وأنه لو لم يرث منها شيئا بأن كان عليها دين مستغرق لجميع ماله لم يقع الدور ومحمد اعتبر القسمة في المال الموصى به وطرح السهم الدائر من المال المستفاد بالوصية لأن الدور يقع من ذلك فإنه لو لم يستفد شيئا بالوصية بأن كان على الزوج دين مستغرق يقع الدور، والصحيح ما قاله أبو حنيفة لأن الوصية للمرأة، والمرأة للزوج من وصيتها إنما توزع من مال الزوج لا من مالها فكان العمل من ماله فكان طرح السهم الدائر من نصيبه أولى‏.‏

ثم المسائل على فصول أحدها في هبة الزوج لامرأته في مرضه، والثاني في هبته في مرضه لامرأته ووصيته لأجنبي، والثالث في هبة كل واحد من الزوجين لصاحبه، وإذا وهب لامرأته في مرضه مائة درهم لا مال له غيرها وماتت ومات، وتركت عصبة للزوج لورثة الزوج ستون ببعض الهبة، وجازت في أربعين للزوج من ذلك عشرة بميراثه، ولعصبتها عشرون لأنها لما ماتت قبل موت الزوج صارت أجنبية، ولم تبق وارثة قبل موت الزوج فصحت الهبة لها فلم تبطل الهبة لها، وإن كانت الهبة المنفذة وصية والوصية تبطل بموت الموصى له قبل موت الموصي لأنها هبة حقيقية حتى ملكها الموهوب له في الحال وصية حكما حتى تنفذ من الثلث‏.‏ والهبة لا تبطل بموت الموهوب له قبل موت الواهب بعدما تمت بالقبض، وباعتبار أنها وصية تنفذ من الثلث عملا بالشبهين ولا يجوز إبطالها بالشك بعد صحتها ثم تخريجه لأبي حنيفة، وهو أن جميع المال للزوج المائة الموهوبة فيجعل على ثلاثة أسهم لحاجتين لأجل الوصية للمرأة، وذلك سهم وسهمان للزوج ماتت المرأة عن سهم فيكون ميراثا بين زوجها وعصبتها نصفين، وقد انكسر بالنصف فأضعف فصار ستة فصار للزوج أربعة، ولها سهمان فيعود إلى الزوج سهم بالميراث منها، وهو السهم الدائر فاطرحه من نصيب الزوج فكان نصيبه أربعة فبقي له ثلاث، ولها سهمان فصار جميع مال الزوج على خمسة خمسا المائة، وذلك أربعون لها بالوصية، وللزوج ثلاثة أخماسها ستون ثم يعود إلى الزوج نصف حصتها بالميراث فصار للزوج ثمانون، ولعصبتها عشرون، وأما تخريج أبي يوسف، وهو أن مال الزوج ما يرث منها لا جميع ما وهب منها لأن هذه هبة منفذة، ولهذا لا تبطل بموتها قبل موت الزوج فيعتبر بما لو وهبها في الصحة ثم ماتت، والزوج وارثها يعتبر مال الزوج ما ورث منها لا جميع الموهوب فكذا هذا، وقد ورث الزوج منها ستة عشر درهما وثلثي درهم لأن لها ثلث المائة ثلاثة وثلاثين وثلث فيكون للزوج نصفه، وذلك ستة عشر درهما وثلثان ثم لها خمسا ستة عشر بعد طرح السهم الدائر من الوجه الذي بينا، وذلك ستة دراهم وثلثان يضم إلى ما أعطينا لها في الابتداء‏.‏ وذلك ثلاثة وثلاثون وثلث فصار لها أربعون ثم يرث الزوج منها عشرين فيصير لورثة الزوج ثمانون، وأما تخريج محمد بأن لها ثلث المائة، وذلك ثلاثة وثلاثون وثلث فيجعل ذلك المال على سهمين لحاجتك إلى النصف للزوج بالميراث فيكون لها ثلث ذلك السهم بالوصية فانكسر بالثلث فاضرب أصل الفريضة، وذلك سهمان في ثلاثة فصار ستة فاطرح السهم الدائر من جميع السهام فصار خمسة فلها خمسي ثلاثة وثلاثين وثلث، وذلك ستة دراهم وثلثان فصار لها أربعون، وللورثة ثمانون، ولو كان لها مائة أخرى، والمسألة بحالها فإنه يرد إلى ورثة الزوج عشرون درهما ببطلان الهبة، وأربعون درهما بالميراث، وتخريجه أن مال الزوج مائتا درهم وخمسون درهما، وللمرأة بالوصية خمسا ذلك بعد طرح السهم الدائر، وذلك مائة ثم يعود إلى الزوج نصفها بالميراث، وذلك خمسون فصار للزوج مائتان، وقد نفذنا الوصية في مائة فاستقام الثلث والثلثان، ولو كان للمرأة مائتا درهم ثم سوى ذلك ولا مال للزوج سوى ما وهب، والمسألة بحالها جازت الهبة في ستين، وتخريجه أن مال الزوج يوم القسمة مائة وخمسون المائة الموهوبة وخمسون ميراثا فيجعل ذلك على ثلاثة للمرأة سهم وللزوج سهمان ثم سهم المرأة يصير ميراثا بين زوجها وعصبتها فانكسر بالنصف فضعف فصار لها سهمان ثم عاد إلى الزوج سهم بالميراث فصار في يد الزوج خمسة فالسهم الخامس هو الدائر فاطرحه من نصيب الزوج بقي نصيبه ثلاثة، وبقي حق المرأتين سهمين فصار مال الزوج على خمسة فلها خمساه‏.‏ وذلك ستون، ويرد أربعون إلى الزوج فصار في يد الزوج تسعون ثم يعود نصف ما صار لها بالوصية إلى الزوج، وذلك ثلاثون فصار للزوج مائة وعشرون، وقد نفذت الوصية في ستين فاستقام الثلث والثلثان، ولو كان على أحدهما دين قضي دينه أولا ثم ما فضل ينفذ التبرع في ثلثه وهب لامرأته في مرضه مائة لا مال له غيرها، وعليه دين خمسون ثم ماتت المرأة قبله أخذ رب الدين خمسين، وجازت وصيتها في عشرين يعود نصفه إلى الزوج بالميراث فيكون لورثة الزوج أربعون، ولورثتها عشرة لأن الوصية تنفذ من المال الفارغ عن الدين وخمسون درهما من مال الزوج مشغول بالدين فيجعل كالهالك، ويعتبر ماله الفارغ خمسون، وقد أوصى بذلك كله فتنفذ الوصية من الثلث، ولها خمسا خمسين بعد طرح السهم الدائر على ما بينا، وذلك عشرون فلها عشرون بالوصية، وترد ثلاثين على ورثة الزوج ثم يعود نصف ما صار لها بالوصية من الزوج، وبالميراث، وذلك عشرة فصار له أربعون، وقد نفذنا الوصية في عشرين، ولو وهب لها ثمانين درهما، وكان عليها عشرة دينا كانت وصيتها ثلاثين درهما، وتخريجه أن مال الزوج خمسة وسبعون لأن دين المرأة نصفه على الزوج لأن قدر ما يصير للمرأة بالوصية كان ملكا للزوج، ويعود إلى ملكه بالميراث فصار كالقائم في ملكه لما عاد إليه مثله فكذا هذا ونصف الدين من ذلك المال فكان نصف الدين على الزوج معنى واعتبارا، وذلك خمسة‏.‏ والمشغول بالدين كالهالك في حق تنفيذ الوصية فيبقى مال الزوج خمسة وسبعين فيجعل ذلك على ثلاثة أسهم سهم لها يعود نصفه إلى الزوج بالميراث فانكسر فأضعف ستة سهمان للمرأة، وأربعة للزوج ثم يعود سهم من سهمي المرأة إلى الزوج بالميراث فيصير له خمسة فالسهم الخامس هو السهم الدائر فاطرح من نصيب الزوج فصار ماله على خمسة أسهم خمساه للمرأة، وذلك ثلاثون يقضى من ذلك دينها عشرة يبقى عشرون فارغا عن الدين والوصية فيعود نصف ذلك إلى الزوج بالميراث، وذلك عشرة فصار لها ستون، ولو وهب لها مائة، وعليها عشرة دراهم، والمسألة بحالها فلها ثمانون وثلثان بالوصية، وتخريجه على ما ذكرنا‏.‏

ولو وهب لها مائة درهم، وأوصى لرجل بثلث ماله قسمت المائة على أحد عشر سهما سهمان للمرأة وسهمان للموصى له وسبعة لورثة الزوج في قول أبي حنيفة ثم يرث الزوج منهما سهما فيكون لورثته ثمانية أسهم، وعلى قولهما تقسم على أحد وعشرين لها ستة، وللموصى له سهمان ثم ترجع منها ثلاثة إلى الزوج بالإرث، وتخريجه لأبي حنيفة، وهو أنه اجتمع في مال الزوج وصيتان وصية للمرأة، ووصية للآخر بالثلث، ولم تجز الورثة فيجعل ثلث المال بينهما نصفين لأن عنده الموصى له بأكثر من الثلث لا يضرب إلا بالثلث فصار كأنه أوصى لكل واحد منهما بالثلث‏.‏ فيقسم على طريق العول لا على سبيل المنازعة لأن هذه الوصية بمعنى الميراث لأن حق كل واحد منهما شائع في كل التركة فاجعل ثلث المال على سهمين لحاجتك إلى النصف فصار حقه في سبعة، وبقي حق الموصى لهما في أربعة كما كان فصار مال الزوج في الآخرة على أحد عشر ثم يعود سهم من سهام المرأة إلى الزوج بالميراث فيصير لورثة الزوج ثمانية، وقد نفذنا الوصية في أربعة، وبقي لعصبة المرأة سهم، وللموصى له بالثلث سهمان، وأما تخريجهما أن من أصلهما أن الموصى له بالجميع يضرب في الثلث بجميع حقه، والموصى له بالثلث يضرب بالثلث فتضرب المرأة بثلاثة أسهم، وللأجنبي بسهم فصار الثلث على أربعة وصار الجميع على اثني عشر لورثة الزوج ثمانية، وللموصى لهما أربعة للمرأة من ذلك ستة، وللأجنبي سهمان فقد ماتت المرأة عن سبعة فيعود نصفها إلى الزوج بالميراث، وهو ثلاثة ونصف، وهذا مال استفاده الزوج لم تنفذ فيه الوصية فيصير بين الموصى لهما وبين ورثة الزوج فهي السهام الدائرة فاطرحها من نصيب الزوج، ونصيبه ستة عشر بقي له ثلاثة عشر، وللموصى له ثمانية فقد صار المال في الآخرة على أحد وعشرين للمرأة ستة يعود نصفها إلى الزوج بالميراث فصار له ستة عشر بقي للمرأة ثلاثة، وللأجنبي سهما لأن عند محمد تطرح السهام الدائرة من جميع المال بقي أحد وعشرون فتقسم على نحو ما ذكرنا، ولو كانت هي التي أوصت بثلث مالها، ولم يوص الزوج جازت الوصية في ثلاثة أسهم من ثمانية أسهم سهم من ذلك للموصى له‏.‏ وسهم يعود إلى الزوج بميراثه منها، وسهم لورثتها، وتخريجه أن تجعل المال على ثلاثة أسهم سهم للمرأة بالوصية، وقد انكسر هذا السهم بين ورثتها، والموصى له على ثلاثة فاضرب ثلاثة في ثلاثة فصار تسعة فثلاثة بين الموصى له والزوج والعصبة على ثلاثة مستقيم لكل واحد سهم فقد عاد إلى الزوج سهم بالميراث، وهو السهم الدائر فاطرحه من نصيب الزوج يبقى للزوج خمسة، وللمرأة ثلاثة فصار مال الزوج ثمانية ثم يعود سهم مما صار لها إلى الزوج بالميراث فيصير لورثة الزوج ستة، وقد نفذت الوصية في ثلاثة، ولو تركت ابنها وزوجها، ولم يوص إلا لها بالهبة فالهبة في أربعة أسهم من أحد عشر سهما، وتخريجه أن يجعل مال الزوج، وذلك مائة على ثلاثة أسهم للمرأة ثلاثة انكسر على ورثتها بالربع فاضرب ثلاثة في أربعة فصار اثني عشر صار للمرأة أربعة، وقد استقامت بين ورثتها فيعود سهم إلى الزوج بالميراث فهو السهم الدائر فاطرحه من نصيب الزوج يبقى له سبعة، وبقي حقها في أربعة فصار مال الزوج على أحد عشر فيعود سهم إلى الزوج بالميراث منها فصار له ثمانية، وقد نفذنا الوصية في أربعة فصار مال الزوج على أحد عشر امرأة وهبت لزوجها في مرضها مائة درهم، ووهب لها في مرضه مائة درهم ولا مال لهما غيرهما ثم ماتا معا لم يرث أحدهما من صاحبه، ويحوز كل واحد منهما نصف الهبة لأنهما لما ماتا معا لم يبق كل واحد وارثا لصاحبه لأنه ميت وقت موت صاحبه فجازت الهبتان في النصف‏.‏ وتخريجه أن مال الزوج يوم القسمة مائة وثلاثة وثلاثون‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ولم يسع إن أجيز‏)‏ أي إذا أجازت الورثة العتق في المرض فلا سعاية على المعتق لأن العتق في المرض وصية على ما بيناه، وهو يجوز بإجازة الورثة فلا يلزمه شيء لأن المنع لحقهم فيسقط بالإجازة على ما بينا هذا إذا لم يخرج من الثلث‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏فإن حابا فحرر فهي أحق، وبعكسه استويا‏)‏ أي إذا حابا ثم أعتق فالمحاباة أولى فإن أعتق ثم حابا فهما سواء، وهو المراد بقوله وبعكسه استويا، وأطلق في المحاباة فشمل الدراهم والدنانير والأجل والبيع والإقالة، وهذا عند أبي حنيفة، وقالا هما سواء في المسألتين، والأصل فيهما أن الوصايا إذا لم يكن فيها ما جاوز الثلث فلكل واحد من أصحاب الوصايا أن يضرب بجميع وصيته في الثلث لا يقدم البعض على البعض إلا بالعتق الموقع في المرض، والعتق المعلق بموت الموصي كالتدبير الصحيح سواء كان مطلقا أو مقيدا، والمحاباة في المرض بخلاف ما إذا قال إذا مت فهو حر بعد موتي بيوم، والمعنى فيه أن كل ما يكون منفذا عقيب الموت من غير حاجة إلى التقييد فهو في المعنى أسبق مما يحتاج إلى تقييد بعد الموت، والترجيح يقع بالسبق لأن ما ينفذ بعد الموت من غير تنفيذ ينزل منزلة الديوان فإن صاحب الدين ينفرد باستيفاء دينه إذا ظفر بجنس حقه‏.‏ وفي هذه الأشياء يصير مستوفيا بنفس الموت، والدين مقدم على الوصية فكذا الحق الذي في معناه وغيرها من الوصايا قد تساوت في السبب، والتساوي فيه يوجب التساوي في الاستحقاق فإذا ثبت هذا فهما يقولان إن العتق أقوى لأنه لا يلحقه الفسخ والمحاباة يلحقها الفسخ ولا معتبر بالتقدم في الذكر لأنه لا يوجب التقديم إلا إذا اتحد المستحق، واستوت الحقوق على ما يجيء بيانه إن شاء الله تعالى وأبو حنيفة يقول أن المحاباة أقوى لأنها تثبت في ضمن عقد المعاوضة فكان تبرعا بمعناها لا بصفتها حتى يأخذه الشفيع، ويملكه العبد والصبي المأذون لهما، والإعتاق تبرع صيغة ومعنى فإذا وجدت المحاباة أولا دفعت الأضعف، وإذا وجد العتق أولا، وثبت، وهو لا يحتمل الدفع كان من ضروراته المزاحمة، وعلى هذا قال أبو حنيفة إذا حابى ثم أعتق يقسم الثلث بين المحابتين نصفين ثم ما أصاب المحاباة الأخيرة قسم بينهما وبين العتق لأن العتق مقدم عليهما فيستويان، ولو أعتق ثم حابى ثم أعتق قسم الثلث بين العتق الأول وبين المحاباة وما أصاب العتق قسم بينه وبين العتق الثاني ولا يقال إن أصحاب المحاباة تسترد ما أصاب العتق الذي بعده في المسألتين لكونه أولى منه لأنا نقول لا يمكن ذلك لأنه لا يلزم منه الدور‏.‏ بيانه أن صاحب المحاباة الأول في المسألة الأولى لو استرد من العتق لكونه أولى لاسترد منه صاحب المحاباة الثاني لاستوائهما ثم استرد العتق لأنه يساوي صاحب المحاباة الثاني، وفي المسألة الثانية لو استرد صاحب المحاباة، وهكذا إلى ما لا يتناهى، والسبيل في الدور قطعه، وعندهما العتق أولى من الكل، وفي المحيط إذا أسلم الرجل في مرضه مائة درهم في عشرة أكرار حنطة تساوي مائة درهم ثم مات قبل حلوله فإن شاء الذي عليه السلم يعجل ثلثي الطعام، وكان الثلث عليه إلى أجله، وإن شاء رد عليهم رأس المال لأن المريض حابى بالأجل لأنه اشترى بمائة طعاما يساوي مائة، وأجله في جميع ماله، وتأجيل المال بمعنى الوصية بجميع المال لأن الوارث يصير ممنوعا من جميع المال إلى الأجل متى صحت الوصية بجميعه، وإن أبوا فالوصية تصح بقدر الثلث فيصح التأجيل بقدر الثلث، وبطل في الثلثين فإذا بطل الأجل في الثلث يخير المسلم إليه لأنه لزمه زيادة شيء لم يرض منه لأن المسلم إليه إنما رضي أن يكون جميع الطعام عليه مؤجلا فإذا لزمه تعجيل ثلثي الطعام، والمعجل خير من المؤجل فقد لزمه زيادة شيء لم يرض به فيخير، ولو كان الطعام يساوي خمسين فإن شاء عجل الطعام كله ورد سدس المال، وإن شاء فسخ ورد كل المال لأنه حابى بالثمن وبالأجل‏.‏ وقد تقدم اعتبار المحابتين جميعا لأنه ينقسم ثلثا المال عليهما نصفين لأنه لو حابى بالثمن لا غير كان لصاحب المحاباة ثلث المائة، وكذلك لو حابى بالأجل كان له ثلث الطعام إلى أجله فإذا صار نصف المال للمحاباة كان بالثمن كان نصف ثلث الطعام إلى أجله، وإذا صار الثلث للمحابتين جميعا متى اختار المسلم إليه المضي في السلم أنه يرد ثلث رأس المال إلى رب السلم حتى ينقسم ثلث المال على المحابتين جميعا ينقض السلم في الثلث فإذا دخل الأجل، وأدى المسلم إليه سدس الطعام يسترد منه نصف الثلث من رأس المال لأنه بحلول الأجل ذهب بالمحاباة في الأجل، وبقيت المحاباة في الثمن، ومتى استرد نصف الثلث تنقض الإقالة في السلم بعد استقرارها في رأس المال، وأنه لا يجوز فلهذه الضرورة تعذر اعتبار المحاباة بالأجل مع المحاباة بالثمن فكان إلغاء المحاباة بالأجل أولى لأنه بيع، وإذا لغت المحاباة بالأجل صار كأنه حابى بالثمن لا غير فيخير، وإذا أسلم المريض عشرة دراهم في كر يساوي عشرين ثم أقاله ثم مات جازت الإقالة في ثلثي الكر، ويقال للمسلم إليه أد ثلث الكر، ورد عليهم ثلثي رأس المال لأن المحاباة في مرض الموت وصية والوصية معتبرة في الثلث، ولو أسلم عشرة دراهم في كر يساوي ثلاثين درهما، وقد حابى بعشرين، والعشرة من عشرين قدر نصفه، ولو أخذ منه رأس المال، وأنفقه جازت الإقالة في ثلث الكر، وبطلت في ثلثيه‏.‏ ويقال للمسلم إليه أد إلى الورثة ثلثي الكر، وارجع عليهم بثلثي العشرة لأن ثلث ماله مثل ثلث المحاباة لأن ماله يوم القسمة ستة دراهم وثلاثين، وقد حاباه بعشرين فيكون ثلث ماله مثل ثلث المحاباة فتجوز الإقالة في ثلثي الكر، وبطلت في ثلثه فرد المسلم إليه إلى الورثة ثلثي الكر، وقيمته عشرون إلا أن على رب السلم ستة دراهم وثلاثين دينا لأنه قبض عشرة دراهم من المسلم إليه رأس المال ثلثه بحق جواز في ثلثي الكر وثلثه بغير حق لبطلان الإقالة في ثلثي الكر، وقد استهلكها فصار ذلك دينا عليه، والإقالة قبل قبض السلم، وبعده سواء عندهما، وعند أبي حنيفة هو بعد القبض ابتداء بيع لما عرف أن الإقالة فسخ عندهما، وعنده بيع جديد، وإذا اشترى في مرضه عبدا قيمته مائة بخمسين درهما فلم يتقابضا حتى تقايلا البيع فالبائع بالخيار إن شاء رد العبد، وأخذ ثمنه، وبطلت الإقالة، وإن شاء سلم لهم ثلث العبد، وأخذ منهم ثلث الخمسين لأن ثلث المال مثل ثلث المحاباة لأن ثلث المال المشترى ثلاثة وثلاثون وثلث لأن ماله عند قسمته مائة، وقد حابى بخمسين فتجوز الإقالة في ثلثي العبد ولا تجوز في ثلثه ثم يخير بين فسخ الإقالة وبين أن يجيزه أو لم يجيزه في السلم لأن الإقالة في البيع تحتمل الفسخ ما دام المعقود عليه قائما‏.‏ وفي السلم لا تحتمل الفسخ لأنه لا يمكن أن يجعل بيعا مستقلا لأن الاستدلال بالسلم فيه قبل القبض لا يجوز، ولو أسلم عشرين درهما في كر يساوي عشرة في مرضه، وله على الناس ديون فلم يخرج حتى أبطل القاضي السلم أو أعطى الكر ورد سدس رأس المال ثم خرج الدين جاز ذلك، ولم يرد على المسلم إليه شيء إلا أن يخرج الدين قبل أن يختصموا فإن خرج مقدار ما يخرج المحاباة من الثلث سلم له المحاباة لأن المحاباة عشرة لأن ماله العين عشرون درهما، والدين لا يعد مال الميت ما لم يقبض لأنه قد لا يخرج فيكون ثلث ماله ستة دراهم وثلثان فتصح المحاباة بقدر، ويتخير بين الفسخ والمضي لأن السلم يحتمل الفسخ، وقد تعين على المسلم إليه شرط عقده فيتخير فإذا أبى المسلم إليه الفسخ، ونقض القاضي السلم فإنه لا ينتقض النقض بعد ذلك فإن زال السبب المقتضي للنقض، وهو عدم خروج المحاباة من ثلث ماله لأن القضاء بالنقض لا يحتمل البطلان كما لو قضى بفسخ البيع بسبب العيب ثم زال العيب لا يعود البيع، وإن زال المقتضي للفسخ، وهو العيب فكذا هذا، وإن خرج من الدين قبل النقض مقدار ما يخرج المحاباة من الثلث سلم له المحاباة لأن الدين بالقبض صار عينا فيعتبر ماله يوم القسمة، وإذا أسلم إلى مريض عشرة دراهم في كر يساوي أربعين فأنفق رأس المال ثم مات ولا مال له غير الكر فرب السلم بالخيار إن شاء نقض السلم، ورجع على الورثة بدراهمه، وإن شاء أخذ الكر، وأعطى عشرين درهما لأنه تغير عليه شرط عقده فإن رضي أن يسلم له جميع الكر بعشرة دراهم، والآن لا يسلم له الجميع بعشرة‏.‏ وعقده مما لا يحتمل الفسخ فيتخير فإن مضى في السلم أخذ جميع الكر ورد عشرين لأن المسلم إليه حاباه بقدر ثلاثين فإنه باع ما يساوي أربعين بعشرة، والمحاباة أكثر من ثلث ماله فتنفذ الوصية من الثلث، وجميع ماله بعد الدين ثلاثون لأن عشرة من الكر مشغول بالعشرة التي استهلكها المسلم إليه فالمشغول بالدين لا يعدل مال الميت لأن الدين مقدم على الوصية، والفارغ من الدين قدر ثلثين فيكون له عشرة بالوصية، ويرد عشرا على الورثة هكذا ذكره الحاكم في مختصره، وذكر الفقيه أبو بكر البلخي في، وجيزه أنه متى اختار المضي يأخذ نصف الكر، ويترك النصف لأنه يكون لرب السلم نصف الكر قيمته عشرون عشرة منها تعوض ما قبض، وهو رأس المال، وعشرة بغير عوض بالمحاباة، وهو ثلث مال الميت، والصحيح ما ذكر الحاكم لأن في هذا تبعيض على ورثة المسلم إليه بغير رضاهم، وهذا لا يجوز كما في العبد والثوب الواحد فإن كان على الميت دين يحيط بتركته لم تجز المحاباة في التركة لأن المحاباة في المرض وصية والوصية تنفذ من ثلث المال الفارغ عن الدين، ولم يوجد، ولو أسلم إلى مريض عشرة في كر قيمته مائة فقبض رأس المال، وأنفقه ومات، وقد أوصى بثلث ماله فإن شاء رب السلم نقض السلم، وأخذ دراهمه، ويجوز للآخر وصيته، وإن شاء أخذ الكر، وأعطى الورثة ستين درهما ولا شيء لصاحب الوصية في قول أبي حنيفة، وعندهما يتحاصان في الثلث يضرب فيه رب السلم بتسعين وصاحب الوصية بثلاثين، وهو ثلث المال فيكون الثلث بينهما على أربعة فيأخذ رب السلم الكر‏.‏ ويؤدي سبعة وستين درهما ونصفا منها تسعة ربع الثلث لصاحب الوصية، وتخريجه أن عند أبي حنيفة المحاباة أولى من الوصية ومال الميت قيمته مائة إلا أن عشرة منها مشغولة بالدين فيبقى ماله الفارغ بين رب السلم والموصى له على أربعة لأن الوصية بالمحاباة وصية بجميع ماله، وذلك تسعون والوصية الأخرى بالثلث، وذلك ثلاثون فيقسم الثلث على سبيل العول عندهما على أربعة ثلاثة أرباعه لصاحب المحاباة، وذلك ثلاث وعشرون ونصف وأربعة للموصى له الآخر، وإذا كان للمريض على رجلين كر حنطة يساوي ثلاثين، ورأس ماله عشرة، وأقالهما ومات، وأحدهما غائب قيل للحاضر رد ثلاثة أعشار نصف رأس المال، وذلك درهم ونصف، وأد سبعة أعشار نصف الكر، وذلك يساوي عشرة ونصفا فإذا قدم الغائب جازت الإقالة في نصف الكر فيؤدي القادم نصف رأس المال حصته درهم ونصف، وربع الكر قيمته سبعة دراهم ونصف، وترد الورثة على الحاضر الطعام الذي أخذوه قدر ثلثه من عشرة ونصف، ويأخذون منه درهما من رأس المال، والثلث على سهمين، والجميع على ستة للغائب فيطرح نصيبه لأنه مستوفى وصيته بقي خمسة خمس للحاضر وأربعة للورثة فيكون للحاضر خمس ما عليه، وعليه نصف كر قيمته خمسة عشر، وخمس خمسة ثلاثة دراهم فيكون له ثلاثة دراهم ثلاثة أعشار ثلث ماله فصحت الإقالة بقدر ثلاثة أعشار ثلث ماله فصحت الإقالة بقدر ثلاثة أعشار نصف الكر، وذلك أربعة ونصف‏.‏ وبطلت في سبعة أعشار نصف الكر فيرد ذلك، وقيمته عشرة ونصف إلا أن درهما ونصفا العوض ما أدى من درهم من رأس المال وثلاثة محاباة، وإذا ظهرت وصية الحاضر ثلاثة دراهم ظهر أن وصية الغائب مثل ذلك فقد نفذنا الوصية في ستة، وأعطينا الورثة ضعفها اثني عشر فقد استقام الثلث والثلثان، وإذا حضر الغائب فقد صحت الإقالة في نصف الكر رجل اشترى أبويه، وأخاه في مرضه بثلاثة آلاف درهم، وقيمتهم سواء ففي قياس قول أبي حنيفة تجوز الوصية بالعتق للأم والأخ، والثلث بينهما، وللأب ما بقي، وتسعى الأم في نصف قيمتها، والأخ في نصف قيمته، وقال محمد الوصية كلها للأخ جائزة لأنه لا يرث بأن يعتق مع الأبوين ولا وصية للأم، ولها الميراث مع الأب، وتسعى فيما زاد على حصتها‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وإن أوصى أن يعتق عنه بهذه المائة عبدا فهلك منها درهم لم تنفذ‏)‏ بخلاف الحج، وهذا قول أبي حنيفة في العتق، وقالا يعتق عنه بما بقي لأنه وصية بنوع قربة فيجب تنفيذها ما أمكن قياسا على الوصية بالحج، وله أنه وصية بالعتق بعبد يشترى بمائة من ماله، وتنفيذها فيمن يشتري بأقل منه تنفيذ في غير الموصى له، وذلك لا يجوز بخلاف الوصية بالحج لأنها قربة محضة هي حق الله تعالى، والمستحق لم يتبدل وصار كما إذا أوصى لرجل بمائة فهلك بعضها يدفع إليه الباقي‏.‏ وقيل هذا الخلاف مبني على الخلاف في العتق هل هو حق الله تعالى أو حق العبد، وقيدنا بالمائة لأنه لو ذكر الثلث، وقال وهو ألف فظهر أنه أقل فالوصية باطلة، ولو أوصى بأن يشترى بثلث ماله وهو ألف عبدا يعتق عنه فإذا هو أقل من ذلك فالوصية باطلة‏.‏ قيل هذا قول أبي حنيفة، وقيل قول الكل، والفرق لهما أن الوصية لهما وقع الشك في صحتها فلا تصح بالشك ولا كذلك مسألة الكتاب لأنها كانت صحيحة فلا تبطل بالشك هذا إذا أوصى له بالعتق فقط فلو أوصى له بالعتق وبالمال قال في الفتاوى سئل أبو القاسم عمن أوصى إلى رجل فقال إذا بلغ ولدي فأعتق عبدي هذا وأعطه مائتي درهم، والعبد مفسد، وهو في تعب منه فرضي العبد أن يعتق في الحال ولا يطلب صلته قال لا يجوز عتق الوصي قبل الوقت الذي أقر به الموصي، وسئل أبو بكر عمن أوصى بعتق عبديه، وأوصى لهم بصلة، وللعبيد متاع وكسوة كسا لهم صاحبهم، ومتاع وهبة لهم من غير المولى قال لا يكون للعبيد من المتاع إلا ما يواري جسدهم، وفي المنتقى إذا قال في مرضه الذي مات فيه إن مت من مرضي هذا ففلانة حرة وما كان في يدها من شيء فهو عليها صدقة قال أرى ذلك جائزا على وجه الصدقة‏.‏ ولها ما كان في يدها يوم مات، وعليها البينة أن هذا كان في يدها يوم مات، وفي فتاوى الفضلي أوصى بعتق أمة، وأن يعطى لها بعد العتق من ثلث ماله كذا قال إن كانت الأمة معينة جازت لها الوصية بالعتق، وبالمال جميعا، وإن كانت بغير عينها جازت الوصية بالعتق ولا تجوز الوصية بالمال إلا أن يقول جعلت ذلك مفوضا إلى الوصي إن أحب أعطى التي أعتقها فيكون ذلك وصية جائزة كقوله ضع ثلث مالي حيث شئت ألا ترى أنه لو أوصى أن تباع أمته ممن أحب جاز، ويخير الوارث على أن يبيعها ممن أحب، وإن أبى ذلك الرجل أن يشتريها بقيمتها حط عن قيمتها مقدار ثلث ما للموصي أوصى أن يشتري عبدا في بلد كذا بمائة، ويعتق يعتبر بلد الموصي لا بلد العبد، وفي الجامع إذا أوصى بثلثه يشتري منه كل سنة بمائتي درهم عبدا فيعتق أو قال من ثلثي فإنه يشتري بذلك في أول السنة، ويعتق عنه ولا يوزع على المدة هذا إذا لم يعينه فإن كان معينا قال في الأصل وإذا أوصى أن تعتق عنه جارية بعينها، وهي تخرج من الثلث أو أوصى أن يشترى له نسمة بعينها، وتعتق عنه فاشتريت له، وجنى عليها جناية قبل العتق فإن الأرش للورثة، وإن اشترى به ما لا يمكن إعتاقه يكون صارفا وصية الميت إلى غير ما أوصى، وهذا لا تجوز، وكذلك لو كان الأرش عبدا مدفوعا فيها فلو أعتق فإنه لا يعتق، وكان ما اكتسب من مال فهو للورثة‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وبعتق عبده فمات فجنى، ودفع بطلت‏)‏ أي إذا أوصى بعتق عبد فمات المولى فجنى العبد، ودفع بالجناية بطلت الوصية لأن الدفع قد صح لأن حق ولي الجناية يقدم على حق الموصي فكذا على حق الموصى له، وهو العبد نفسه لأنه يتلقى الملك من جهة الموصي، وملك الموصي باق إلى أن يدفع، وبه يزول ملكه فإذا خرج به عن ملكه بطلت الوصية كما إذا باعه الوصي أو وارثه بعد موته بالدين هذا إذا قتل خطأ فلو قتل عمدا فتارة يقتل مولاه عمدا، وتارة يقتل غيره قال في المبسوط أصله أن الدم متى انقلب مالا فإنه يعتبر ذلك من مال الميت حتى تنفذ منه وصيته، ويقضى دينه لأن ذلك بدل نفسه بعد وفاته كما لو كان القتل خطأ، والدم متى كان مشتركا بين اثنين فعفا أحدهما يعتبر مال الميت خمسة آلاف حصة غير العافي ولا يجعل كأن العافي أتلف القصاص، وأنه ليس بمال فلا يمكننا أن نجعله مستوفيا للمال، ولهذا شهود القصاص إذا رجعوا لم يضمنوا، وتقسم التركة بعد تنفيذ الوصية على السهام التي كانت تقسم قبل الوصية حتى يكون ضرر نقصان الوصية عائدا على الكل بقدر حصصهم لأن حقوقهم في التركة على السواء فما يلحقهم من الضرر بسبب تنفيذ الوصية يجب أن يكون على الكل لأن الاستحقاق بالوصية بمنزلة الهلاك‏.‏ وهلاك بعض التركة يكون على الكل فكذا الاستحقاق فإذا أعتق عبدا قيمته ألف في مرضه ثم قتله عمدا، وله وليان فعفا أحدهما أخذ غير العافي نصف الدية فقاسمه أخاه على اثني عشر سهما للعافي، وعتق العبد بلا سعاية لأن جميع مال الميت ستة آلاف خمسة آلاف بعد الوصية بالعتق فتقسم بينهما على اثني عشر سهما لأن الباقي بعد الوصية يقسم على السهام التي كانت قبل الوصية، وقبل الوصية كان يقسم مال الميت بين الاثنين على اثني عشر لأن حق العافي في نصف العبد خمسة، وحق الساكت في خمسة آلاف وخمسمائة، وإن كانت قيمة العبد ثلاثة آلاف سعى في ثلاثمائة وثلاثة وثلاثين فيقسم ذلك مع نصف الدية بين الاثنين على ستة عشر للعافي ثلاثة أسهم، والباقي للساكت لأن مال الميت ثمانية آلاف وثلاثة آلاف قيمة العبد وثلث ماله ألفان وستمائة وستة وستون وثلثا درهم فيعتق منه هذا القدر بغير سعاية، ويسعى في الباقي، وذلك ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث فبقي مال الميت خمسة آلاف وثلاثمائة وثلاثين فيقسم بين الاثنين على ستة عشر لأن حق العافي في نصف العبد، وذلك ألف وخمسمائة، وحق الساكت ثلاثة عشر سهما، ولو لم يكن في المال وصية يقسم المال على هذه السهام فكذلك بعد الوصية، وإن مات العبد قبل أن يسعى فللعافي سدس نصف الدية، والباقي للآخر لأن الباقي من المال بعد الوصية‏.‏ وهلاك بعض التركة يقسم بين الورثة على السهام التي كانت تقسم قبل الوصية والهلاك، ولو لم يكن في المال وصية يقسم مال الميت بين الاثنين على ستة أسهم لأن حق العافي في نصف العبد، وذلك ألف ومائتان وخمسون، وحق الساكت في العبد كذلك، وفي نصف الدية خمسة آلاف فيكون حقه في ستة آلاف ومائتين وخمسين فاجعل كلا بألف ومائتين وخمسين سهما فيصير حق العافي في سهم، وحق الساكت في خمسة فيكون كله ستة أسهم فيقسم بعد الوصية، والهلاك على هذه السهام فيكون للعافي سهم من ستة، وذلك سدس نصف الدية، ولو كان على المقتول دين ألف قضي الدين من نصف الدية ثم اقتسما الباقي على سبعة أسهم سهم للعافي لأن العبد صار مستوفيا نصيبه قدر ألفي درهم لأنا نجعل الباقي من مال الميت بعد الدين، وذلك أربعة آلاف درهم ثلثي مال الميت يزيد عليه مثل نصفه، وذلك ألفان فقد صار العبد مستوفيا من وصيته قدر ألفين فصار كأن الميت ترك خمسة آلاف درهم، وقيمته ألفان فيكون كله سبعة آلاف فذهب بالدين ألفان وبالوصية ألف بقي من المال أربعة آلاف فيقسم ذلك بين الاثنين على سبعة أسهم لأن قبل الوصية، والدين حق العافي في نصف العبد قيمته ألف درهم، وحق الساكت في نصف العبد ألف وخمسة آلاف نصف الدين فاجعل ألفا سهما فصار حق العافي في سهم، وحق الساكت في ستة أسهم، وكذلك بعد الوصية‏.‏ والدين يقسم على هذه السهام، ولو كان له عبدان قيمة كل واحد ألفان، والمسألة بحالها سعى كل واحد في خمسمائة يضم ذلك إلى نصف الدية يقسم بينهما على تسعة للعافي سهمان لأن جميع مال الميت تسعة آلاف خمسة نصف الدية، وأربعة قيمة العبدين، وقد أوصى بأربعة آلاف وثلث ماله ثلاثة آلاف فيكون بين العبدين نصفين لاستواء وصيتهما فأصاب كل عبد ألف وخمسمائة، وذلك ثلاثة أرباعه فيعتق من كل واحد، ويسعى في أربعة فيضم ألف السعاية إلى خمسة آلاف نصف الدية فيصير ستة آلاف يقسم بينهما على تسعة لأن حق العافي في نصف العبدين، وذلك ألفان، وحق الساكت كذلك، وله أيضا نصف الدية فيكون نصيبه سبعة آلاف فيكون تسعة أسهم فيقسم ستة آلاف على تسعة أسهم للعافي من ذلك سهمان، وذلك ألف وثلاثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث، والباقي للساكت فإن مات أحد العبدين قبل أن يؤدي شيئا سعى الباقي في ستمائة إلى نصف الدية، ويقسم بين الورثة على اثنين وأربعين سهما ثمانية ونصف من مال العافي، والباقي للساكت لأن الميت صار مستوفيا وصيته، وذلك سهم من ستة لأن الثلث كان بينهما نصفين على سهمين بقي خمسة أسهم سهم من ذلك العبد الحي، وأربعة أسهم للورثة، وجميع مال الميت سبعة آلاف نصف الدية وألفان قيمة العبد الحي فيكون للعبد الحي خمس سبعة آلاف، وخمس السبعة آلاف ألف وأربعمائة فقد صار مستوفيا من وصيته ذلك القدر‏.‏ ويسعى من ستمائة إلى تمام قيمته فيظهر أن الميت صار مستوفيا من وصيته ذلك القدر أيضا لأن حقهما سواء فصار مال الميت ثمانية آلاف وأربعمائة خمسة آلاف نصف الدية، وألفان قيمة العبد الحي، وألف وأربعمائة قيمة العبد الميت وما زاد على ذلك صار مستوفيا من وصيته هذا القدر أيضا لأن حقهما صار تاويا فلا يحتسب من مال الميت، وقد نفذنا الوصية في ألفين وثمانمائة بقي للورثة خمسة آلاف وستمائة ضعف ما نفذنا الوصية فيه فيقسم ذلك بين الابنين على أربعة وثمانين من غير كسر لأن قيمة الحي ألفان، وجميع مال الميت ثمانية آلاف، وأربعمائة فاجعل لكل مائة سهما فصار أربعة وثمانين سهما سبعة عشر للعافي لأن حقه في ألف وسبعمائة، والباقي للساكت، ولو كان للميت ألف عينا ومات أحد العبدين سعى العبد الحي في أربعمائة، ويقسم بين الابنين على ثمانية وأربعين فنقول قيمة العبد ثلاثة آلاف وستمائة، وألف قائمة بين الابنين نصفين لكل واحد ألفان وثلاثمائة، وقد كان للساكت نصف خمسة آلاف فصار نصيبه سبعة آلاف وثلاثمائة فاجعل كل مائة سهما فيصير كل ألف عشرة أسهم فيصير نصيب العافي ثلاثة وعشرين، ونصيب الساكت ثلاثة وسبعين فصار مال الميت مقسوما بينهما على ستة وتسعين، وإذا أوصى لرجل بعبد بعينه يساوي أربعة آلاف درهم لا مال له غيره ثم قتل رجلا عمدا وله ابنان فعفا أحدهما كان للموصى له ثلاثة أرباع العبد، ويرد ربعه، ويضم إلى نصف الدية الذي يؤخذ من القاتل فيقتسمانه على أربعة وخمسين للعافي من ذلك اثنا عشر يأخذ منها أربعة ونصفا من العبد، والباقي من نصف الدية، وتخريجه أن مال الميت كله تسعة آلاف خمسة آلاف دية، وقيمة العبد أربعة آلاف، وقد أوصى بأربعة آلاف، والموصى له بأكثر من الثلث إذا لم تجز الورثة لا يضرب إلا بقدر الثلث فيكون للموصى له ثلث ماله ثلاثة آلاف، وذلك ثلاثة أرباع العبد، ويرد ربعه إلى الورثة فيحصل للورثة ستة آلاف فيقسم ذلك بينهما على تسعة أسهم لأن العبد كان بينهما نصفين لكل واحد منهما ألفان، وللساكت خمسة آلاف نصف الدية فاجعل كل ألف سهمين فصار حق الساكت في سبعة، وحق العافي في سهمين، وستة آلاف على تسعة لا تستقيم فتضرب ستة في تسعة فصار أربعة وخمسين كان للعافي سهمان ضربناهما في ستة فصار له اثنا عشر، وللساكت سبعة ضربناها في ستة فصار اثنين وأربعين ثم العافي يأخذ أربعة ونصفا من العبد الباقي في الدية لأن العبد مع الدية جنسان مختلفان فيختلف المقصود بخلاف السعاية مع الدية لأن السعاية من جنس الدية دراهم أو دنانير فلم يختلف المقصود فلهذا لم يتبين حق كل واحد منهما في السعاية، والمرض قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وإن فدى لا‏)‏ أي لا تبطل الوصية إن فداه الورثة‏.‏ وكان الفداء في أموالهم لأنهم هم الذين التزموه، وجازت الوصية لأن العبد ظهر عن الجناية فصار كأنه لم يجز هذا إذا كانا خطأ، وولي الجناية واحدا فلو كان له وليان والقتل عمدا فعفا أحدهما، واختار أخذ العبد قال في المبسوط فلو عفا عنه ولي المقتول في العمد، وهو عبد قيمته عشرة آلاف، وأوصى لرجل بثلث ماله فاختاره مولى الجناية أخذ العبد كان له سدس العبد وسدسه للموصى له بالثلث وأربعة أسداسه للورثة عند أبي حنيفة، وإن اختار الفداء فدى بخمسة أسداس الدية، وأخذ صاحب الثلث سدس الدية من الورثة لأن عنده الموصى له بالثلث يساوي الموصى له بالجميع لأن الموصى له بالثلث لا يضرب بالزيادة فصار الثلث على سهمين وصار الجميع على ستة فالولي يملك سدس العبد، ويدفع خمسة أسداس إلى الورثة ثم الموصى له بالثلث يأخذ جميع ما بقي من الثلث من يد الورثة، وذلك سدس الكل، وبقي للورثة سدس العبد، ومتى كانت الدية والقسمة سواء لا يختلف الجواب بين الدفع والفداء، وإن كانت قيمته ألف درهم فحكم الدفع كذلك، وإن فداه فدى ثلثه بثلث الدية يأخذ الموصى له من ذلك ثلثي ألف من ثلث الدية، والباقي للورثة، وعلى قولهما أن مولى العبد يضرب في الثلث بجميع العبد وصاحب الثلث يضرب بالثلث فيقسم ثلث المال على أربعة لمولى العبد ثلاثة أرباع الثلث، ويدفع الباقي إلى الورثة فيأخذ صاحب الثلثين من الورثة ربع الثلث فيجري الجواب على قولهما على مقتضى هذا‏.‏ ولو كانت قيمته خمسة آلاف فحكم الدفع لا يختلف فإن فداه فدى خمسة أسباعه بخمسة أسباع الدية سهم من ذلك لصاحب الثلث، وأربعة للورثة، وتخريجه في المحيط، ولو قتل خطأ وللمقتول وليان قال ولو دفع العبد بالجناية لأحد الوليين ثم مات العبد قال في المبسوط ولو قتل عبد لرجل رجلا خطأ، وله وليان فدفع نصفه أحدهما، والآخر غائب ثم مات العبد ولا مال له غيره فإن الولي الغائب يرجع على القابض بربع قيمة العبد لأن نصف العبد الجاني مات، وأخلف بدلا لأن النصف الذي قبضه الحاضر مضمون عليه وأن قبضه للاستيفاء قبض ضمان فقد فات نصف المقبوض عن خلف، وهو القيمة وفات النصف الذي غير مقبوض بلا خلف لأن العبد في مولى الجاني أمانة، وليس بمضمون فيرجع الغائب بنصف قيمته ما هو مضمون على القابض، وهو ربع قيمة الكل، ولو كان قد أنصفه منه بنفس الدية ثم مات العبد، وحضر الغائب فإنهما يقتسمان نصفه نصفين، ويرجعان على مولى العبد بنصف الدية أيضا فيكون بينهما نصفين، ولو فدى من أحدهما ثم قتل العبد، وأخذ السيد قيمته دفع نصف القيمة إلى الغائب لأن اختيار الفداء في حق أحدهما لا يكون اختيارا للفداء في حق الآخر ما دام قائما لأنه لا ضرر على الآخر في ذلك فإنه لو اختار الدفع إليهما كأن يصل إليه نصف العبد، وهذا العبد قائم معنى لقيام بدله، وهو القيمة لأن البدل قائم مقام المبدل معنى، واعتبارا فيدفع البدل إلى الغائب لأنه بدل حقه ولا يتراجعان، وإن كان دفع القيمة إلى الغائب فهو كدفع نصف العبد إليه، ولو دفع إليه نصف العبد لا يتراجعان‏.‏ فكذا إذا دفعه معنى واعتبارا قيل المراد بنصف القيمة نصف الدية، ومن أصحابنا من قال اختيار الفداء للحاضر لا يكون اختيارا للدية في حق الغائب عند أبي حنيفة لأن أحد الورثة لا ينتصب خصما عن الباقين فتكون المسألة الثانية على قول أبي حنيفة، والأولى على قولهما، ولو دفع نصفه إلى أحدهما، واختار الفداء من الآخر، وهو معسر لا يقدر على شيء فإنه يرجع على أخيه بربع العبد، وإن كان مستهلكا بربع القيمة، وقال في الأصل بربع الدية، وهو محمول على أن القيمة مثل الدية فهذا قولهما، وفي قول أبي حنيفة لا يرجع على الآخر بربع القيمة لكن يتبع مولى العبد بنصف الدية متى أقر لأن عنده اختيار الفداء من المفلس لا يصح لما مر في كتاب الديات‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وبثلثه لزيد وترك عبدا فادعى زيد عتقه في صحته، والوارث في مرضه فالقول للوارث ولا شيء لزيد إلا أن يفضل من ثلثه شيء أو يبرهن على دعواه‏)‏ أي إذا أوصى بثلث ماله لزيد، وله عبد، وأقر الموصى له، والوارث أن الميت أعتق هذا العبد فقال الموصى له أعتقه في الصحة، وقال الوارث أعتقه في المرض فالقول قول الوارث ولا شيء للموصى له إلا أن يفضل من الثلث شيء أو تقوم البينة أن العتق كان في الصحة لأن الموصى له يدعي استحقاق ثلث ماله سوى العبد لأن العتق في الصحة ليس بوصية فينفذ من جميع المال، والوارث ينكر استحقاقه ثلث ماله غير العبد لأن العتق في المرض وصية‏.‏ وهو مقدم على غيره من الوصايا فذهب الثلث بالعتق فبطل حق الموصى له بالثلث فكان منكرا لاستحقاقه، والقول للمنكر مع اليمين، ولكن العتق حادث، والحوادث تضاف إلى أقرب الأوقات للتيقن بها فكان الظاهر شاهدا للورثة فيكون القول قولهم مع اليمين فلا شيء للموصى له إلا أن يفضل من الثلث شيء من قيمة العبد فإنه لا مزاحم له فيه فيسلم له ذلك أو تقوم له البينة أن العتق وقع في الصحة فيكون له جميع العبد لأن الثابت بالبينة كالثابت معاينة، والموصى له خصم بالإجماع إلا أنه ثبت حقه فكذا العبد أما عند أبي حنيفة فظاهر لأن العتق حق العبد على ما عرف من مذهبه فيكون خصما فيه لإثبات حقه، وأما عندهما فلأن العتق فيه حق العبد، وإن كان حقا بعد فيكون بذلك خصما، وهو نظير حد القذف فإنه حق الله تعالى، وفيه حق العبد فيكون خصما بذلك، وكذا السرقة الحد فيها حق الله تعالى فاسترداد المال حق العبد فلا بد من خصومته حتى يقطع السارق كذا في الشارح هذا إذا كان الموصى له غير العبد فلو كان هو العبد قال في الأصل رجل مات، وترك عبدا وورثة صغارا، وترك دينا على رجل فأقام العبد بينة أن مولاه أعتقه، وأوصى إليه، ومن عليه الدين حاضر فالشهادة جائزة، ويقضى بالعتق، وبالوصايا للعبد، وينبغي في قياس قول أبي حنيفة أن لا تقبل شهادتهما في العتق‏.‏ وإن كانت الورثة كبارا، وأقام العبد بينة على ذلك فالشهادة جائزة، ويقضى بالعتق وبالوصايا، هذا على خلاف رواية الأصل‏.‏ وفي نوادر إبراهيم عن محمد رجل مات، ولرجل عليه دين، وأوصى بثلث ماله أو بدرهم سماه لرجل فأخذها الموصى له ثم جاء الغريم، والورثة شهود أو غيب، وقدم الموصى له إلى القاضي، والموصى له لا يكون خصما للغريم هذا إذا حصلت الوصية له بقدر الثلث، وإذا حصلت الوصية بما زاد على الثلث إلى جميع المال وصحة الوصية بأن لم يكن للميت وارث فالموصى له خصم الغريم في هذه الحالة، ويعتبر الموصى له في هذه الحالة بالوارث قال محمد رحمه الله في الجامع رجل هلك وترك ثلاثة آلاف درهم، وأقام وارثا واحدا فأقام رجل البينة أن الميت أوصى له بثلث ماله، وجحد الوارث ذلك قضى القاضي له بالثلث، وأعطاه بذلك، وهو ألف درهم ثم جاء رجل، وأقام البينة أن الميت أوصى له بثلث ماله، وأحضر الموصى له إلى القاضي فالقاضي يجعله خصما، ويأمره أن يدفع نصف ما في يده إلى الثاني فإن قضى القاضي على الأول بنصف الثلث، ولم يكن عنده شيء بأن هلك الثلث في يده أو استهلكه، وهو فقير، والوارث لم يكلف الثاني إعادة البينة، وكان للموصى له الثاني أن يشارك الوارث فيما في يده، ويأخذ خمس ما في يد الوارث، ولو كان الموصى له هو الغائب فأحضر الثاني الوارث إلى القاضي قضى على الأول، وإن كان القاضي قضى بوصية الأول‏.‏ ولم يدفع إليه شيئا حتى خاصمه الثاني، والوارث غائب فإن خاصمه إلى ذلك القاضي بعينه جعل خصما، وإن خاصمه إلى قاض آخر لم يجعله خصما، ولو كان الموصى له الأول هو الغائب، والوارث حاضر لم يدفع المال إلى الأول فالوارث خصم للموصى له الثاني، وهذا كله إذا أقر الموصى له الأول بأن كان المال الذي في يده بحكم الوصية أو كان ذلك معلوم للقاضي فإذا لم يكن شيء من ذلك فقال الأول هو مالي ورثته عن أبي الميت وما أوصى لي بشيء وما أخذت من ماله شيئا فإنه يكون خصما للموصى له الثاني بمنزلة ما لو ادعى رجل عبدا في يد رجل أنه اشتراه من فلان بكذا، وقال ذو اليد هو عبدي ورثته عن أبي يكون خصما، ويقضى عليه للمدعي كذا هنا، وإن قال هذا المال عندي وديعة لفلان الميت الذي يدعي الوصية من جهته أو قال غصبته منه فهو خصم إلا أن يقيم بينة على ما قال قال رجل أقام بينة على وارث ميت إن الميت أوصى بهذه الجارية بعينها، وهي ثلث ماله، وقضى القاضي بذلك، ودفعها إليه، وغاب الوارث ثم أقام الآخر البينة على الموصى له أن الميت أوصى له بها ذكروا رجوعا قضى القاضي بكل الجارية للثاني، وإن لم يذكروا رجوعا قضى بنصفها للثاني للمزاحمة والمساواة، ويكون هذا قضاء على الوارث غاب أو حضر حتى أن الموصى له الأول لو أبطل حقه كان كل الجارية للثاني فإن غاب الموصى له، وحضر الوارث لم ينتصب الوارث خصما للموصى له الآخر خاصمه إلى القاضي الأول أو إلى غيره فإن كان القاضي قضى للأول بالجارية فلم يدفعها إليه حتى خاصم الثاني الوارث فإن خاصمه فيها إلى القاضي الأول لم يجعله خصما، وإن خاصمه إلى قاض آخر يجعله خصما ثم القاضي إذا سمع بينة الثاني على الوارث في هذا الفصل‏.‏ وهو ما إذا خاصمه الثاني عند قاض آخر قضى للثاني بنصف الجارية سواء شهد شهوده على الرجوع عن الأول أو لم يشهدوا على الرجوع إنما يشكل فيما إذا شهدوا على الرجوع، ولو أقام الأول بينة أن الميت أوصى له بثلث ماله، ودفعه القاضي إليه ثم أقام الثاني البينة على الأول أن الميت رجع عن الوصية الأولى، وأوصى بثلث ماله للثاني فالقاضي يأخذ الثلث من الأول، ويدفعه إلى الثاني قال محمد في الجامع الصغير رجل له على آخر ألف درهم قرض أو كان غصب منه ألف درهم، وكانت في يد الغاصب قائمة بعينها أقام رجل البينة أن فلانا استودعه ألف درهم، وهي قائمة بعينها في يد المودع فأقام رجل البينة أن صاحب المال توفي، وأوصى له بهذا الألف التي هي قبل هذا الرجل، والرجل مقر بالمال لكنه يقول لا أدري مات فلان أو لم يمت لم يجعل القاضي بينهما خصومة حتى يحضر وارث أو وصي كذلك، ونظيرها إذا ادعى عينا في يد رجل أنه اشتراها من فلان الغائب وصاحب اليد يقول أنا مودع الغائب أو غصبته منه لا ينتصب خصما للمودع كذا هنا، وهذا الذي ذكرنا إن كان الذي قبله المال مقرا بذلك فإن كان الذي في يده المال قال هذا ملكي، وليس عندي من مال الميت شيء صار خصما للمدعي وصار كرجل ادعى عينا في يد رجل أنه اشتراه من فلان الغائب، وصاحب اليد يقول هو لي ينتصب خصما للمدعي كذا هذا، وإن جعله القاضي خصما في هذا الوجه قضى له بثلث ما في يد المدعى عليه إلا أن يقيم البينة أن الميت ترك ألف درهم غير هذا الألف‏.‏ وأن الوارث قبض ذلك فحينئذ يقضي القاضي للموصى له بكل هذا الألف، ولو حضر الوارث بعد ذلك، وقال لم أقبض من مال الميت شيئا ما لم يلتفت إلى قوله فإن أقام البينة أن فلانا مات، ولم يدع وارثا ولا وصيا يقبل القاضي بينته ثم عاد محمد إلى صدر المسألة فقال لو أن الموصى له أقام البينة أن فلانا مات، ولم يدع وارثا، وأوصى إليه بالألف التي قبل فلان، وقال الشهود لا نعلم له وارثا، والذي قبله المال مقر بالمال الذي قبله فالقاضي يقضي بالمال للموصى له قال محمد في الجامع رجل بيده ألف درهم دين أو كان الألف في يده غصبا أو وديعة أو كانت الألف لهذا فغاب صاحب المال فقام رجل وادعى أن صاحب المال أوصى له بهذا الألف الذي قبل هذا الرجل ولا بينة له فصدقه الذي قبله المال فهذا على وجهين أما إن أقر المدعي أن لصاحب المال وارثا غائبا أو قال لا أدري أله وارث أم لا أو قال المدعي ليس لصاحب المال وارث، وإن كان صاحب المال رجلا نصرانيا أسلم، ولم يترك أحدا، وصدقه الذي قبله في ذلك ففي الوجه الأول القاضي لا يقضي على الذي في يديه المال في الوجوه الأربعة الغصب الوديعة والدين والإيصاء إلا أن القاضي يتلوم في ذلك ويتأنى ولا يعجل فإن جاء مدع أو وارث، وإلا قضى القاضي بالمال للمدعي، وإن كان المال وديعة عند رجل كان له أن يضمن القابض بإجماع، وهل له أن يضمن المودع فعلى قول محمد رحمه الله كان له ذلك‏.‏ وعلى قول أبي يوسف رحمه الله ليس له ذلك، وإن كان المال دينا فلصاحب المال أن يضمن الغريم، وليس له أن يضمن القابض، وإن ضمن الغريم كان للغريم أن يرجع على القابض، وأما إذا كان المال وصل إليه من قبل أبيه أوصى إليه أبوه، وصورة هذا، وتفسيره إذا كان الرجل ألف درهم دفعها إلى رجل، وجعله وصيا فيه ثم مات الموصى له فوصل المال إلى ابن الموصي من جهة أبيه الذي كان أوصى بها إلى ابنه، وكان في يديه فدفع إلى هذا المدعي بأمر القاضي ثم جاء صاحب المال حيا، ولكن حضر وارثه فأقام البينة أنه أخوه من أبيه وأمه لا وارث له غيره فلا ضمان على الذي قبله المال في الوجوه كلها، وإن الذي في يده المال أقر أن هذا أخ صاحب المال، وأنه قد مات إلا أني لا أدري أهذا وارثه أم لا لم يقض القاضي في ذلك زمانا فلم يظهر له وارث آخر، ودفع المقر المال إلى المقر له بأمر القاضي ثم جاء صاحب المال حيا قال محمد في الكتاب فهو بمنزلة الموصى له في جميع ما وصفت لك في حق التضمين، ولو بقي صاحب المال حيا لكن جاء رجل، وأقام البينة أنه ابنه قال في الكتاب هذا بمنزلة الموصى له في جميع ما وصفت لك في أنه لا ضمان على الذي قبله المال في الفصول كلها، وأن الضمان على القابض، ولو أن الذي في يديه المال أقر لرجل أنه ابن الميت، وأن للميت ابنا آخر، وقال الابن المقر له ليس له ابن آخر تلوم القاضي زمانا‏.‏ وإذا تلوم زمانا، ولم يحضر وارث آخر دفع المال كله إليه ثم قال في الكتاب إذا تلوم القاضي زمانا، ولم يظهر للميت ابن آخر أمر القاضي الذي قبله المال أن يدفع المال كله إلى المدعي، ويأخذ منه كفيلا ثقة وما لم يعطه كفيلا ثقة لا يدفع المال نظرا للغائب لجواز أن يكون للميت ابن آخر فمن مشايخنا من قال هذا قولهما أما على قول أبي حنيفة لا يأخذ كفيلا، وقال بعض المشايخ لا بل هذا على الاتفاق فإن جاء وارث آخر فلا ضمان على الذي قبله المال في الوجوه كلها، ولكن الضمان على القابض، وكفيله، ولو كان الذي حضر ادعى أن له على صاحب المال ألف درهم دين، وأنه مات فصدقه الذي قبله المال في ذلك لم يلتفت القاضي إلى ذلك، ولم يجعل بينهما خصومة حتى يحضر الوارث في الوجوه الأربعة، وهذا إذا أنكر المدعي أن للميت وارثا، وقال لا أدري له وارث أم لا فإن أقر الذي قبله المال، والمدعي أنه ليس له وارث فالقاضي يتلوم، ويتأنى زمانا ثم إذا تلوم زمانا، ولم يظهر له وارث فالقاضي لا يدفع المال إلى المقر، ولكن ينصب لنصيب الميت وصيا ليستوفي مال الميت على الناس، ويوفي ما على الميت للناس، وإذا نصب بأمر المدعي بإقامة البينة على الوصي فإن أقام البينة على هذا الوصي يأمر القاضي الوصي بأن يدفع حقه إليه، وإذا دفع ثم جاء صاحب المال حيا‏.‏ والمال مستهلك عند المقر له كان الجواب في الوجوه كلها الأربعة الوديعة، والدين، والغصب، والإيصاء كما قلنا في الفصل الأول، ولو لم يجئ صاحب المال حيا لكن حضر وارثه، وجحد الدين لم يلتفت إلى جحوده، وكان قضاء القاضي ماضيا ولا يكلف المدعي المدين إقامة البينة على الوارث، وقال في الجامع الصغير رجل له وديعة أو غصب أو دين عليه فجاء رجل، وأقام البينة أن صاحب المال قد توفي، وهذا المدعي أخوه لأبيه وأمه ووارثه لا وارث له غيره، والذي قبله المال جاحد للمال أو مقر بالمال منكر لما سواه فالمدعى عليه خصم له فإذا قضى القاضي له بالمال كله فقبضه ثم جاء صاحب المال حيا، وقد هلك في يد القابض فإن كان الذي عنده غاصبا فصاحب المال بالخيار إن شاء ضمن الشهود، وإن شاء ضمن الغاصب، وإن شاء ضمن الأخ فإن اختار تضمين الغاصب كان الغاصب بالخيار، وإن شاء ضمن الشهود، ورجعوا على الأخ، وإن شاء ضمن الأخ لا يرجع على أحد ولا يرجع على الشهود، وإن كان الذي عليه المال مودوعا فلا ضمان لصاحب المال على الشهود فإذا أخذ صاحب المال الدين من الغريم كان الغريم بالخيار إن شاء ضمن الشاهدين أو ضمن الأخ فإن ضمن الشهود رجعوا على الأخ، وإن ضمن الأخ لا يرجع على الشهود، ولو لم يأت صاحب المال حيا فلا يتحقق موته كما شهدت الشهود فجاء رجل، وأقام بينة أني ابن الميت قضى القاضي بذلك فلا ضمان على الدافع في الوجوه كلها، ولكن الابن مخير إن شاء ضمن الشهود، وإن شاء ضمن الأخ فإن ضمن الأخ لم يرجع على الشهود، وإن ضمن الشهود رجعوا على الأخ‏.‏ ولو لم يقم الثاني بينة أنه ابن الميت لكنه أقام بينة أنه أخو الميت لأبيه وأمه ووارثه قضى القاضي ببينته، ويقضي القاضي له بنصف ما قبض الأول من الميراث ولا ضمان على الذي قبله المال في الصور كلها ولا ضمان على الشهود هنا‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ولو ادعى رجل دينا، والعبد عتقا، وصدقهما الوارث سعى في قيمته وتدفع إلى الغريم‏)‏ وهذا عند أبي حنيفة، وقالا يعتق ولا يسعى في شيء لأن الدين، والعتق في الصحة ظهرا معا بتصديق الوارث في كلام واحد فصار كأنهما وجدا معا أو ثبت ذلك بالبينة والعتق في الصحة لا يوجب السعاية، وإن كان على المعتق دين، وله أن الإقرار بالدين أقوى من الإقرار بالعتق، ولهذا يعتبر إقراره بالدين من جميع المال، وبالعتق من الثلث، والأقوى يدفع الأدنى فصار كإقرار المورث نفسه بأن ادعى عليه رجل دينا وعبده عتقا في صحته فقال في مرضه صدقتما فإنه يعتق العبد، ويسعى في قيمته فكذا هذا، وقضية الدفع أن يبطل العتق في المرض أصلا إلا أنه بعد وقوعه لا يحتمل البطلان فيدفع من حيث المعنى بإيجاب السعاية عليه، ولأن الدين أسبق فإنه لا مانع له من الاستناد فيستند إلى حالة الصحة ولا يمكن استناد العتق إلى تلك الحالة لأن الدين يمنع العتق في حال المرض مجانا فتجب السعاية، وعلى هذا الخلاف إذا مات وترك ألف درهم فقال رجل لي على الميت ألف درهم دين وقال آخر هذا الألف كان لي وديعة فعنده الوديعة أقوى، وعندهما سواء كذا في الهداية، وقال في النهاية ذكر فخر الإسلام والكيساني الوديعة أقوى عندهما لا عنده عكس ما ذكر في الهداية بخلاف إقرار المورث نفسه لأن إقراره بالدين يثبت في الذمة، وبالوديعة يتناول العين فيكون صاحبها أولى لتعلق حقه بها، وإقرار الوارث بالدين يتناول عين التركة كإقراره الوديعة يتناول العين، وصاحب الكافي ضعف أيضا ما ذكره صاحب الهداية، وجعل الأصح خلافه، وفي الفتاوى سئل أبو القاسم عمن أوصى إلى رجل فقال إذا أدرك ولدي فأعتق عبدي هذا، وأعطه مائتي درهم، والعبد معه، وهو في لعب منه فرضي العبد أن يعتق في الحال ولا يطلب منه شيئا قال لا يجوز عتق العبد قبل الوقت الذي أقر به الوصي، وسئل أبو بكر عمن أوصى بعتق عبده، وأوصى له بصلة، وللعبد متاع وكسوة من سيده وهبة وهبها له غير المولى قال لا يكون للعبد من ذلك المتاع إلا ما يواري عورته‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وبحقوق الله قدمت الفرائض، وإن أخرها كالحج والزكاة والكفارات‏)‏ لأن الفرض أهم من النفل، والظاهر منه البداية بالأهم قال في الأصل إذا اجتمعت الوصايا فإن كان ثلث المال يوفي بالكل أو أجازت الورثة الوصايا بأسرها نفذت الوصايا بأسرها، وإن لم تجز الورثة الوصايا فإن كانت الوصايا كلها للعباد يقدم الأقوى فالأقوى، وإلا بدئ بما بدأ به كما سيأتي في القول التي بعدها فإن كان في الوصايا عتق قدم على غيره، وإن استوت في القوة فإنهم يتحاصون فيها بأن يضرب بقدر حقه في الثلث، وقد تقدم، وإن كانت الوصايا كلها لله تعالى إن كانت النوافل كلها عينا بأن أوصى أن يتصدق بمائة على فقير بعينه، وأوصى بأن يعتق نسمة بعينها تطوعا فإنهما يتحاصان ولا يبدأ بما بدأ به الميت فإن كان صاحب النسمة لا يبيع النسمة بما يخصها أو ماتت النسمة في يد صاحبها حتى وقع العجز عن تنفيذ الوصية فإنه يكمل وصية الموصى له بالمائة لأن صحة الوصية للعبد صحت ثم بطلت لأنا نعتبر البطلان بوقوع اليأس عن تنفيذ الوصية للعبد فأما إذا كانت الوصايا كلها فرائض، وقد استوت في الوكالة، وليس معها وصية للمعين بأن أوصى بأداء الزكاة، وبحجة الإسلام، وبأن يعتق عنه عبد عن كفارة يمين فإن على قول الفقيه أبي بكر البلخي يبدأ بما بدأ به الميت بخلاف ما لو أوصى بعتق في كفارة فطر فإنه يبدأ بكفارة الفطر أو القتل، وإن أخرها الميت‏.‏ وقد روى أبو يوسف في الأمالي عن أبي حنيفة والحسن بن زياد عن أبي حنيفة أنه يبدأ بالحج ثم بالزكاة ثم بالعتق عن كفارة اليمين سواء بدأ بالحج أو أخر، وفي الكافي، وروي عن أبي يوسف أنه يقدم عليه الزكاة بكل حال ثم يقدم الحج على الكفارات، وكفارة الظهار والقتل واليمين مقدم على صدقة الفطر، وصدقة الفطر مقدمة على الأضحية، وعلى هذا القياس يقدم بعض الواجبات كالنذر يقدم على الأضحية وما ليس بواجب يقدم منه ما قدمه الموصي فإن أوصى بعتق في كفارة قتل أو كفارة يمين أو ظهار يبدأ بكفارة القتل، وإن أخرها الميت، وإن كانت الكفارة كفارة اليمين ساوت كفارة القتل في القوة والوكالة بخلاف ما إذا أوصى بالعتق في كفارة يمين، وبالعتق في كفارة ظهار، وبكفارة جزاء الصيد، وبكفارة الحلف في الأذى فإنه يبدأ بما بدأ به الميت، وروى القاضي الإمام الجليل في شرح مختصر الطحاوي عن أصحابنا أنه يبدأ بالزكاة ثم بالحج ثم بالعتق عن الكفارة هذا كله إذا لم يكن مع الفرائض نفل فإن كان النفل بغير العين بأن أوصى بأن يحج عنه حجة الإسلام، ويعتق عنه نسمة لا بعينها تطوعا فالفرض أولى، وإن أخره الميت، وهذا استحسان، والقياس أن يبدأ بالنفل إذا كان الميت بدأ بالنفل فأما إذا كان مع الفرائض عين بأن أوصى بحجة الإسلام، وبأن يعتق عنه معين يتحاصان سواء بدأ بالعتق أو أخر هذه جملة ما أورده الشيخ الإمام المعروف بخواهر زاده‏.‏ وذكر الشيخ الإمام الزاهد أحمد الطواف في شرحه، ويسن أن بعد الفرائض تقدم الكفارة على النذور، وفي الذخيرة تقدم كفارة القتل على غيرها من الكفارات، وعلى النذور، وتقدم النذور على الأضحية، وصدقة الفطر، وتقدم صدقة الفطر على الأضحية لأنها واجبة بالاتفاق، وإن كان مع الفرض وصية بعتق، ونفل ليس بمعين بأن أوصى لرجل بمائة درهم، وأوصى بعتق نسمة لا بعينها فإنه يجب التوزيع والمحاصة لتظهر صحة المعين فإذا ظهر صحة المعين من الثلث خرج المعين عن الوسط بقي بعد هذا فرض ونفل، وليس بعين فيقدم الفرض فإن بقي بعد الفرض شيء ولا يؤخذ بذلك نسمة قالوا يصرف إلى الموصى له بالعين، وفي فتاوى الخلاصة فإن كان مع شيء من هذه الوصايا حق الله نحو أن يقول ثلث مالي في الحج والزكاة والكفارة، ولزيد قسم على أربعة أسهم، وفي فتاوى أبي الليث إذا قال أخرجوا من مالي عشرين ألفا فأعطوا فلانا كذا وفلانا كذا حتى بلغ أحد عشر ألفا ثم قال‏:‏ والباقي للفقراء ثم مات فإذا ثلث ماله تسعة آلاف درهم، والورثة لم يجيزوا فإنه ينفذ من وصية كل واحد منهم تسعة أجزاء من عشرين جزءا، ويبطل من وصية كل واحد منهم أحد عشر جزءا من عشرين جزءا أو يجعل قوله والباقي للفقراء بعدما سمى عشرين ألفا، وذلك لكل واحد من ذلك نصيبهما حتى بلغ أحد عشر ألفا فإنه قال أعطوا ثلث مالي لفلان كذا حتى بلغ أحد عشر ألفا‏.‏ ثم قال وأعطوا الباقي للفقراء فإذا بلغ ماله تسعة آلاف أو أكثر إلى أحد عشر ألفا لا شيء للفقراء، ويعطى كل واحد من أصحاب الوصايا حصة كاملة إن كان الثلث أحد عشر ألفا ثم يعطى كل واحد منهم تسعة أجزاء من أحد عشر جزءا من وصيته، ويبطل سهمان من أحد عشر، وفي الواقعات للناطقي الواجبات في الوصايا على أربع مراتب ما أوجبه الله تعالى أبدا كالزكاة والحج، والثاني ما أوجبه على العبد بسبب من جهته ككفارة اليمين وكفارة الظهار وكفارة القتل، والثالث ما أوجبه على نفسه من غير ثبوته عليه بالنذر كقوله على صدقة أو عتق وما أشبهه، والرابع التطوع كقوله تصدقوا عني بعد وفاتي، وقد اختلفت الرواية في الحج مع الزكاة فعن أبي حنيفة في المجرد أنه تقدم حجة الإسلام، وإن أخر الحج عن الزكاة في الوصية لفظا، وفي نوادر ابن رستم إذا أوصى بالزكاة والحج والفرض يبدأ بما بدأ به الميت فعلى هذا الترتيب الذي بيناه يجب إيفاؤها مرتبة إذا لم يف ثلث ماله بذلك كله‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وإن تساوت في القوة بدئ بما بدأ به‏)‏ لأن الظاهر من حال المريض يبدأ بما هو الأهم عنده، والثابت بالظاهر كالثابت فصار كأنه نص على تقديمه باعتبار حاله فتقدم الزكاة على الحج لتعلق حق العبد بها، وعن أبي يوسف أن الحج يقدم، وهو قول محمد، وهما يقدمان على الكفارة لرجحانهما عليها لأنه جاء الوعيد فيهما ما لم يأت في غيرهما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم‏}‏ الآية، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏فتكوى بها جباههم وجنوبهم‏}‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏ومن كفر فإن الله غني عن العالمين‏}‏ مكان قوله ومن ترك الحج إلى غير ذلك من النصوص والأخبار الواردة فيهما‏.‏ وكذا ما ورد نص بوعيد فيه يقدم وما ليس بواجب قدم منه ما قدمه الموصي لما بينا، وقد تقدم أن الوصايا إذا اجتمعت لا يقدم البعض على البعض إلا العتق والمحاباة على ما بينا من قبل ولا معتبر بالتقديم ولا بالتأخير ما لم ينص عليه، ولهذا لو أوصى لجماعة على التعاقب يستوون في الاستحقاق ولا يقدم أحد على أحد غير أن المستحق إذا اتحد، ولم يف الثلث بالوصايا كلها يقدم الأهم فالأهم باعتبار أن الموصي يبدأ بالأهم عادة فيكون ذلك كالتنصيص عليه لأن من عليه قضاء من صلاة أو حج أو صوم لا يشتغل بالنفل من ذلك الجنس، ويترك القضاء عادة، ولو فعل ذلك نسب إلى الحيف قدمنا لو كان معها وصية لآدمي‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وبحجة الإسلام أحجوا عنه رجلا من بلده يحج عنه راكبا‏)‏ لأنه وجب عليه أن يحج من بلدة فيجب عليه الإحجاج كما وجب لأن الوصية لأداء ما هو الواجب عليه، وإنما اشترط أن يكون راكبا لأنه لا يلزمه أن يحج ماشيا فوجب عليه الإحجاج على الوجه الذي لزمه، وفي النوازل وقال نصير رجل مات، وأوصى بأن يحج عنه فحج عنه ابنه ثم مات في الطريق قال إن لم يكن له وارث غيره فإنه يحج عن الميت من وطنه، ويغرم الوارث ما أنفق في الطريق، وقال محمد بن سلمة الذي يحج عن الميت لا يتداوى من مال الميت ولا يحتجم ولا يشتري منه ماء ليتوضأ أو يغتسل من الجنابة ولا بأس بأن يشتري ما يغسل به ثيابه وبدنه ورأسه من الوسخ‏.‏

ولم يتعرض المؤلف للوصية بالصدقة، ونحن نذكر ذلك تتميما للفائدة‏.‏ وهذا يشتمل على أقسام الأول إذا أوصى بالتصدق بشيء فيتصدق بغيره سئل ابن مقاتل عمن أوصى أن يتصدق عنه بألف درهم فتصدق عنه بالحنطة أو على عكسه قال يجوز قال الفقيه معناه أنه أوصى أن يتصدق عنه بألف درهم حنطة، ولكن سقط ذلك عن السؤال فقيل له إن كانت الحنطة موجودة فأعطى قيمته دراهم قال أرجو أن يجوز، وفي النوازل، وبه نأخذ، وفي الظهيرية رجل قال تصدقوا بثلث مالي، وورثته فقراء فإن كانوا كبارا فأجاز بعضهم لبعض جاز للموصي أن يعطيهم من ذلك شيئا، وعن محمد لو أوصى بصدقة ألف درهم بعينها فتصدق الوصي مكانها بألف من مال الميت جاز، وإن هلكت الأولى قبل أن يتصدق الوصي يضمنه الورثة مثلها، وعنه أنه تبطل الوصية، ولو أوصى بأن يتصدق بشيء من ماله على فقراء الحج هل يجوز أن يتصدق على غيرهم من الفقراء قال الشيخ الإمام أبو نصر يجوز ذلك، وإن أوصى بالدراهم، وأعطاهم حنطة لم يجز قال الفقيه، وقد قيل إنه يجوز، وبه نأخذ، وسئل خلف عمن أوصى أن يتصدق بهذا الثوب قال إن شاءوا تصدقوا بعينه، وإن شاءوا باعوا وأعطوا ثمنه، وإن شاءوا أعطوا قيمة الثوب، وأمسكوا الثوب، وقال محمد بن سلمة بل يتصدق بعينه كما هو‏.‏ وكذا اللقطة، ولو نذر، وقال لله علي أن أتصدق بهذا الثوب جاز أن يتصدق بقيمته قال الفقيه أبو الليث رحمه الله بقول خلف نأخذ فإنه ذكر في الزيادات فيمن أوصى أن يباع هذا العبد، ويتصدق بثمنه على المساكين جاز لهم التصدق بعين العبد فثبت أن التصدق بالعين وبالثمن على السواء، وسئل أبو القاسم عمن أوصى إلى رجل، وقال له بالفارسية فلان نعم راجام كر فأعطاه ثمن الكرباس قال هذا يقع على المخيط، وفي الأجناس، وفي نوادر ابن سماعة عن محمد إذا أوصى أن يتصدق عنه بألف درهم فتصدق بقيمتها دنانير يجوز، وفي الخانية روى ابن سماعة عن محمد أنه يجوز، ولو أوصى أن يتصدق بثمنه فليس له أن يمسك الثوب للورثة، ويتصدق بقيمته، ولو قال اشتر عشرة أثواب، وتصدق بها فاشترى الوصي فله أن يبيعها ويتصدق بثمنها، وكذلك لو قال تصدقوا بثلث مالي وله دور وأرضون فللوصي أن يبيع تلك الدور والأرضين، ويتصدق بالثمن، وكذلك لو قال تصدقوا بثلث مالي، وبهذا العبد فللوصي أن يبيع ذلك العبد، ويتصدق بالثمن، وعن محمد إذا أوصى أن يتصدق عنه بألف درهم بعينها فتصدق الوصي بألف أخرى مكانها من مال الميت جاز،‏.‏ والحاصل أن الحي إذا نذر بالتصدق بمال نفسه فتصدق بمثله أو قيمته ففيه روايتان فإن هلكت الألف التي عينها الوصي قبل أن يتصدق الوصي ضمن الوارث مثلها، وعنه أيضا لو أوصى بألف درهم بعينها تصدق عنه فهلكت الألف بطلت الوصية‏.‏ وفي النوازل إذا أوصى لرجل بهذه البقرة لم يكن للورثة أن يتصدقوا بثمنها قال الفقيه، وبه نأخذ القسم الثاني من هذا النوع إذا أوصى أن يتصدق على مسكين بعينه فتصدق على غيره ضمن، وفي نوادره إذا أوصى أن يتصدق على مساكين مكة أو مساكين الري فتصدق الوصي على غير هذا الصنف ضمن إن كان الآخر حيا، وكذلك لو أوصى أن يتصدق على المرضى من الفقراء أو الشيوخ من الفقراء فتصدق على الشباب من الفقراء ضمن في ذلك كله، ولم يقيد هذا المسألة بحياة الآمر، وفي الخانية، ولو قال لله علي أن أتصدق على فلان فتصدق على غيره لو فعل ذلك بنفسه جاز، ولو أمر غيره بالتصدق ففعل المأمور ذلك ضمن المأمور، ولو قال لله علي أن أتصدق على مساكين مكة فله أن يتصدق على غيرهم، وعن أبي يوسف رواية أخرى فيمن أوصى أن يتصدق عنه على فقراء مكة فتصدق على فقراء غيرها أنه يجوز، وسئل أبو نصر عمن أوصى أن يتصدق عنه لهم فتصدق على غيرهم من الفقراء قال يجوز على ما تقدم عنه، وفي أمالي الحسن قول أبي حنيفة كقول محمد، والمذكور في الأمالي إذا أوصى لمساكين الكوفة فقسم الوصي في غير مساكين الكوفة ضمن، ولم يفرق بين حياة الآمر وبين وفاته والفتوى على الجواز في هذه المسائل‏.‏ وفي نوادر أبي يوسف إذا قال لعبده تصدق بهذه العشرة الدراهم على عشرة مساكين فتصدق بها على مسكين واحد دفعة واحدة جاز قال وهذا على أن الآمر في الصدقة ليس على عدد المساكين، ولو قال تصدق بها على عشرة لا يجوز، وفي الظهيرية لو قال تصدق بها على مسكين واحد فأعطاها عشرة مساكين جاز، ولو قال في عشرة أيام فتصدق في يوم واحد جاز، وكذا في الخانية، وفي الفتاوى سئل إبراهيم بن يوسف عمن أوصى لفقراء أهل بلخ فالأفضل أن لا يتجاوز بلخا، ولو أعطى فقراء مكة، وكورة أخرى جاز‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وإلا فمن حيث يبلغ‏)‏ أي إن لم يبلغ ثلث النفقة إذا أحجوا عنه من بلده حجوا من حيث يبلغ، والقياس أن لا يحج عنه لأنه أوصى بالحج على صفة، وقد عدمت تلك الصفة فيه، ولكن جاز ذلك استحسانا لأن مقصوده تنفيذ الوصية فيجب تنفيذها ما أمكن ولا يمكن على هذا الوجه فيوفى به على وجه ممكن، وهو أولى من إبطاله بخلاف العتق، وقد فرقنا بينهما فيما إذا أوصى بأن يشتري عبدا بمال قدره فضاع بعضه على قول أبي حنيفة‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ومن خرج من بلده حاجا فمات في الطريق، وأوصى بأن يحج عنه يحج عنه من بلده‏)‏ وإن أحجوا عنه من موضع آخر فإن كان أقرب من بلده إلى مكة ضمنوا النفقة، وإن كان أبعد لا ضمان عليهم لأنهم في الأول لم يحصلوا مقصوده بصفة الكمال، والإطلاق يقتضي ذلك، وفي الثاني حصلوا مقصوده وزيادة‏.‏ وهذا عند أبي حنيفة، وقالا يحج عنه من حيث مات استحسانا لأن سفره بنية الحج وقع قربة، وسقط فرض من قطع المسافة بقدره، وقد وقع أجره على الله ‏{‏ومن يخرج من بيته مهاجرا‏}‏ الآية، ولم ينقطع سفره بموته بل كتب له حج مبرور فيبدأ من ذلك المكان كأنه من أهل ذلك المكان بخلاف ما إذا خرج من بيته للتجارة لأن سفره لم يقع قربة فيحج عنه من بلده ولأبي حنيفة أن الوصية تنصرف إلى الحج من بلده لأنه الواجب عليه على ما قررناه، وعمله قد انقطع بالموت لقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «كل عمل ابن آدم ينقطع بموته إلا ثلاث» الحديث، والمراد بالثلاث في حق أحكام الآخرة من الثواب، وهذا الخلاف فيمن له وطن، وأما من لا وطن له فيحج عنه من حيث مات بالإجماع لأنه لو حج بنفسه إنما كان يتجهز من حيث هو فكذا إذا حج غيره لأن وطنه حيث حل قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏والحاج عن غيره مثله‏)‏ أي المأمور بالحج عن الغير فحج عنه فمات في الطريق فحكمه حكم الحاج عن نفسه إذا مات في الطريق حتى يحج عنه كما بينا من وطنه عند أبي حنيفة، وعندهما من حيث مات الأول، وقد ذكرناها في كتاب الحج، والله أعلم‏.‏