فصل: بَيَانُ مَجَارِي الْفِكْرِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين



.بَيَانُ مَجَارِي الْفِكْرِ:

اعْلَمْ أَنَّ أَنْوَاعَ مَجَارِي الْفِكْرِ أَرْبَعَةٌ: الطَّاعَاتُ وَالْمَعَاصِي وَالصِّفَاتُ الْمُهْلِكَاتُ وَالصِّفَاتُ الْمُنْجِيَاتُ.
فَأَمَّا الْمَعَاصِي: فَيَنْبَغِي أَنْ يُفَتِّشَ الْإِنْسَانُ صَبِيحَةَ كُلِّ يَوْمٍ جَمِيعَ أَعْضَائِهِ السَّبْعَةِ، ثُمَّ بَدَنَهُ هَلْ هُوَ فِي الْحَالِ مُلَابِسٌ لِمَعْصِيَةٍ بِهَا فَيَتْرُكَهَا، أَوْ لَابَسَهَا بِالْأَمْسِ فَيَتَدَارَكَهَا بِالتَّرْكِ وَالنَّدَمِ، أَوْ هُوَ مُتَعَرِّضٌ لَهَا فِي نَهَارِهِ فَيَسْتَعِدَّ لِلِاحْتِرَازِ وَالتَّبَاعُدِ عَنْهَا، فَيَنْظُرَ فِي اللِّسَانِ وَيَقُولَ: إِنَّهُ مُتَعَرِّضٌ لِلْغَيْبَةِ وَالْكَذِبِ وَتَزْكِيَةِ النَّفْسِ وَالِاسْتِهْزَاءِ بِالْغَيْرِ وَالْمُمَارَاةِ وَالْمُمَازَحَةِ وَالْخَوْضِ فِيمَا لَا يَعْنِي إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَكَارِهِ، فَيُقَرِّرَ أَوَّلًا فِي نَفْسِهِ أَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَتَفَكَّرَ فِي شَوَاهِدِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ عَلَى شِدَّةِ الْعَذَابِ فِيهَا فَيَتَحَرَّزَ مِنْهَا. وَيَتَفَكَّرَ فِي سَمْعِهِ أَنْ يُصْغِيَ بِهِ إِلَى الْغَيْبَةِ وَالْكَذِبِ وَفُضُولِ الْكَلَامِ وَإِلَى اللَّهْوِ، وَأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَحْتَرِزَ عَنْهُ. وَيَتَفَكَّرَ فِي بَطْنِهِ أَنَّهُ إِنَّمَا يَعْصِي اللَّهَ تَعَالَى فِيهِ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ: إِمَّا بِكَثْرَةِ الْأَكْلِ مِنَ الْحَلَالِ وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ عِنْدَ اللَّهِ، وَإِمَّا بِأَكْلِ الْحَرَامِ وَالشُّبْهَةِ، فَيَتَفَكَّرَ فِي الِاحْتِرَازِ عَنْ مَدَاخِلِهِ، وَيَتَفَكَّرَ فِي طَرِيقِ الْحَلَالِ وَمَوَارِدِهِ، وَيُقَرِّرَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّ الْعِبَادَاتِ كُلَّهَا ضَائِعَةٌ مَعَ أَكْلِ الْحَرَامِ، وَأَنَّ كُلَّ الْحَلَالِ هُوَ أَسَاسُ الْعِبَادَاتِ كُلِّهَا.
فَهَكَذَا يَتَفَكَّرُ فِي أَعْضَائِهِ حَتَّى يَحْفَظَهَا.
وَأَمَّا الطَّاعَاتُ: فَيَنْظُرُ أَوَّلًا فِي الْفَرَائِضِ الْمَكْتُوبَةِ عَلَيْهِ أَنَّهُ كَيْفَ يُؤَدِّيهَا وَكَيْفَ يَحْرُسُهَا عَنِ النُّقْصَانِ وَالتَّقْصِيرِ، أَوْ كَيْفَ يَجْبُرُ نُقْصَانَهَا بِالنَّوَافِلِ.
ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى عُضْوٍ عُضْوٍ فَيَتَفَكَّرُ فِي الْأَفْعَالِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِهِ مِمَّا يُحِبُّهُ اللَّهُ تَعَالَى فَيَقُولُ: إِنَّ الْعَيْنَ خُلِقَتْ لِلنَّظَرِ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عِبْرَةً، وَلِتُسْتَعْمَلَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَتَنْظُرَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، وَأَنَا قَادِرٌ عَلَى أَنْ أَشْغَلَ الْعَيْنَ بِمُطَالَعَةِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ فَلِمَ لَا أَفْعَلُهُ؟ وَأَنَا قَادِرٌ عَلَى أَنْ أَنْظُرَ إِلَى فُلَانٍ الْمُطِيعِ بِعَيْنِ التَّعْظِيمِ فَأُدْخِلَ السُّرُورَ عَلَى قَلْبِهِ فَلِمَ لَا أَفْعَلُهُ؟ وَكَذَلِكَ يَقُولُ فِي سَمْعِهِ: إِنِّي قَادِرٌ عَلَى اسْتِمَاعِ كَلَامِ مَلْهُوفٍ أَوِ اسْتِمَاعِ حِكْمَةٍ وَعِلْمٍ فَمَا لِي أُعَطِّلُهُ؟ وَقَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ بِهِ وَأَوْدَعَنِيهِ لِأَشْكُرَهُ فَمَا لِي أَكْفُرُ نِعْمَةَ اللَّهِ فِيهِ بِتَضْيِيعِهِ وَتَعْطِيلِهِ؟ وَكَذَلِكَ يَتَفَكَّرُ فِي اللِّسَانِ وَيَقُولُ: إِنِّي قَادِرٌ عَلَى أَنْ أَتَقَرَّبَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالتَّعْلِيمِ وَالْوَعْظِ وَالتَّوَدُّدِ إِلَى قُلُوبِ أَهْلِ الصَّلَاحِ، وَبِالسُّؤَالِ عَنْ أَحْوَالِ الْفُقَرَاءِ وَإِدْخَالِ السُّرُورِ عَلَى قَلْبِ زَيْدٍ الصَّالِحِ وَعَمْرٍو الْعَالِمِ بِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ، وَكُلُّ كَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ. وَكَذَلِكَ يَتَفَكَّرُ فِي مَالِهِ فَيَقُولُ: أَنَا قَادِرٌ عَلَى أَنْ أَتَصَدَّقَ بِالْمَالِ الْفُلَانِيِّ فَإِنِّي مُسْتَغْنٍ عَنْهُ، وَمَهْمَا احْتَجْتُ إِلَيْهِ رَزَقَنِي اللَّهُ تَعَالَى مِثْلَهُ، وَإِنْ كُنْتُ مُحْتَاجًا الْآنَ فَأَنَا إِلَى ثَوَابِ الْإِيثَارِ أَحْوَجُ مِنِّي إِلَى ذَلِكَ الْمَالِ. وَهَكَذَا يُفَتِّشُ عَنْ جَمِيعِ أَعْضَائِهِ وَجُمْلَةِ بَدَنِهِ وَأَمْوَالِهِ، بَلْ عَنْ دَوَابِّهِ وَأَوْلَادِهِ، فَإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ أَدَوَاتُهُ وَأَسْبَابُهُ، وَيَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ تَعَالَى بِهَا فَيَسْتَنْبِطَ بِدَقِيقِ الْفِكْرِ وُجُوهُ الطَّاعَاتِ الْمُمْكِنَةِ بِهَا، وَيَتَفَكَّرُ فِيمَا يُرَغِّبُهُ فِي الْبِدَارِ إِلَى تِلْكَ الطَّاعَاتِ، وَيَتَفَكَّرُ فِي إِخْلَاصِ النِّيَّةِ فِيهَا، وَقِسْ عَلَى هَذَا سَائِرَ الطَّاعَاتِ.
وَأَمَّا الصِّفَاتُ الْمُهْلِكَةُ الَّتِي مَحَلُّهَا الْقَلْبُ: فَيَعْرِفُهَا مِمَّا تَقَدَّمَ، وَهِيَ اسْتِيلَاءُ الشَّهْوَةِ وَالْغَضَبِ وَالْبُخْلِ وَالْكِبْرِ وَالْعُجْبِ وَالرِّيَاءِ وَالْحَسَدِ وَسُوءِ الظَّنِّ وَالْغَفْلَةِ وَالْغُرُورِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَيَتَفَقَّدُ مِنْ قَلْبِهِ هَذِهِ الصِّفَاتِ، وَيَتَفَكَّرُ فِي طَرِيقِ الْعِلَاجِ لَهَا مِمَّا سَلَفَ ذِكْرُهُ.
وَأَمَّا الْمُنْجِيَاتُ: فَهِيَ التَّوْبَةُ وَالنَّدَمُ عَلَى الذُّنُوبِ، وَالصَّبْرُ عَلَى الْبَلَاءِ، وَالشُّكْرُ عَلَى النَّعْمَاءِ، وَالْخَوْفُ وَالرَّجَاءُ، وَالزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا، وَالْإِخْلَاصُ وَالصِّدْقُ فِي الطَّاعَاتِ، وَمَحَبَّةُ اللَّهِ وَتَعْظِيمُهُ، وَالرِّضَا بِأَفْعَالِهِ، وَالشَّوْقُ إِلَيْهِ، وَالْخُشُوعُ وَالتَّوَاضُعُ لَهُ مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. فَيَتَفَكَّرُ كُلَّ يَوْمٍ فِي قَلْبِهِ: مَا الَّذِي يَعُوزُهُ مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ الَّتِي هِيَ الْمُقَرِّبَةُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَإِذَا افْتَقَرَ إِلَى شَيْءٍ مِنْهَا فَلْيَعْلَمْ أَنَّهَا أَحْوَالٌ لَا يُثْمِرُهَا إِلَّا عُلُومٌ، وَأَنَّ الْعُلُومَ لَا يُثْمِرُهَا إِلَّا أَفْكَارٌ؛ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَكْتَسِبَ لِنَفْسِهِ أَحْوَالَ التَّوْبَةِ وَالنَّدَمِ فَلْيُفَتِّشْ ذُنُوبَهُ أَوَّلًا، وَلْيَتَفَكَّرْ فِيهَا وَلْيَجْمَعْهَا عَلَى نَفْسِهِ وَلْيُعَظِّمْهَا فِي قَلْبِهِ، ثُمَّ لْيَنْظُرْ فِي الْوَعِيدِ وَالتَّشْدِيدِ الَّذِي وَرَدَ فِي الشَّرْعِ فِيهَا، وَلْيُحَقِّقْ عِنْدَ نَفْسِهِ أَنَّهُ مُتَعَرِّضٌ لِمَقْتِ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى يَنْبَعِثَ لَهُ حَالُ النَّدَمِ. وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْتَثِيرَ مِنْ قَلْبِهِ حَالَ الشُّكْرِ فَلْيَنْظُرْ فِي إِحْسَانِ اللَّهِ وَأَيَادِيهِ عَلَيْهِ، وَفِي إِرْسَالِهِ جَمِيلَ سَتْرِهِ عَلَيْهِ، وَإِذَا أَرَادَ حَالَ الْمَحَبَّةِ وَالشَّوْقِ فَلْيَتَفَكَّرْ فِي جَلَالِ اللَّهِ وَجَمَالِهِ وَعَظَمَتِهِ وَكِبْرِيَائِهِ، وَذَلِكَ بِالنَّظَرِ فِي عَجَائِبِ حِكْمَتِهِ وَبَدَائِعِ صُنْعِهِ، وَإِذَا أَرَادَ حَالَ الْخَوْفِ فَلْيَنْظُرْ أَوَّلًا فِي ذُنُوبِهِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ، ثُمَّ لْيَنْظُرْ فِي الْمَوْتِ وَسَكَرَاتِهِ، ثُمَّ فِيمَا بَعْدَهُ مِنْ سُؤَالِ الْقَبْرِ وَحَيَّاتِهِ وَعَقَارِبِهِ وَدِيدَانِهِ، ثُمَّ فِي هَوْلِ النِّدَاءِ عِنْدَ نَفْخَةِ الصُّورِ [الزُّمَرِ: 68] ثُمَّ فِي هَوْلِ الْمَحْشَرِ عِنْدَ جَمِيعِ الْخَلَائِقِ عَلَى صَعِيدٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ فِي الْمُنَاقَشَةِ فِي الْحِسَابِ وَالْمُضَايَقَةِ فِي النَّقِيرِ وَالْقِطْمِيرِ، ثُمَّ لْيُحْضِرْ فِي قَلْبِهِ صُورَةَ جَهَنَّمَ وَأَهْوَالِهَا وَسَلَاسِلِهَا وَأَغْلَالِهَا [يس: 8 وَالْإِنْسَانِ: 4] وَزَقُّومِهَا [الْوَاقِعَةِ: 52] وَصَدِيدِهَا وَأَنْوَاعِ الْعَذَابِ فِيهَا، وَأَنَّهُمْ كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بُدِّلُوا جُلُودًا غَيْرَهَا [النِّسَاءِ: 56] وَأَنَّهُمْ إِذَا رَأَوْهَا مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا [الْفَرْقَانِ: 12]، وَهَلُمَّ جَرًّا إِلَى جَمِيعِ مَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ شَرْحِهَا. وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْتَجْلِبَ حَالَ الرَّجَاءِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى الْجَنَّةِ وَنَعِيمِهَا وَأَشْجَارِهَا وَحُورِهَا وَوِلْدَانِهَا [الْوَاقِعَةِ: 17] وَنَعِيمِهَا الْمُقِيمِ وَمُلْكِهَا الدَّائِمِ. فَهَكَذَا طَرِيقُ الْفِكْرِ الَّذِي يُطْلَبُ بِهِ الْعُلُومُ الَّتِي تُثْمِرُ اجْتِلَابَ أَحْوَالِ مَحْبُوبَةٍ أَوِ التَّنَزُّهِ عَنْ صِفَاتٍ مَذْمُومَةٍ.
وَأَمَّا ذِكْرُ مَجَامِعِ تِلْكَ الْأَحْوَالِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ أَنْفَعُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ بِالتَّفَكُّرِ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ جَامِعٌ لِجَمِيعِ الْمَقَامَاتِ وَالْأَحْوَالِ، وَفِيهِ شِفَاءٌ لِلْعَالَمِينَ، فِيهِ مَا يُورِثُ الْخَوْفَ وَالرَّجَاءَ وَالصَّبْرَ وَالشُّكْرَ وَالْمَحَبَّةَ وَالشَّوْقَ وَسَائِرَ الْأَحْوَالِ، وَفِيهِ مَا يَزْجُرُ عَنْ سَائِرِ الصِّفَاتِ الْمَذْمُومَةِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَهُ الْعَبْدُ وَيُرَدِّدَ الْآيَةَ الَّتِي هُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى التَّفَكُّرِ فِيهَا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَلَوْ مِائَةَ مَرَّةٍ، فَقِرَاءَةُ آيَةٍ بِتَفَكُّرٍ وَفَهْمٍ خَيْرٌ مِنْ خَتْمَةٍ بِغَيْرِ تَدَبُّرٍ وَفَهْمٍ، فَلْيَتَوَقَّفْ فِي التَّأَمُّلِ فِيهَا وَلَوْ لَيْلَةً وَاحِدَةً، فَإِنَّ تَحْتَ كُلِّ كَلِمَةٍ مِنْهَا أَسْرَارًا لَا تَنْحَصِرُ وَلَا يُوقَفُ عَلَيْهَا إِلَّا بِدَقِيقِ الْفِكْرِ عَنْ صَفَاءِ الْقَلْبِ بَعْدَ صِدْقِ الْمُعَامَلَةِ.
وَكَذَلِكَ مُطَالَعَةُ أَخْبَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ قَدْ أُوتِيَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَكُلُّ كَلِمَةٍ مِنْ كَلِمَاتِهِ بَحْرٌ مِنْ بُحُورِ الْحِكْمَةِ، وَلَوْ تَأَمَّلَهَا الْعَالِمُ حَقَّ التَّأَمُّلِ لَمْ يَنْقَطِعْ فِيهَا نَظَرُهُ طُولَ عُمُرِهِ.

.بَيَانُ كَيْفِيَّةِ التَّفَكُّرِ فِي خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى:

اعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مَا فِي الْوُجُودِ مِمَّا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ فِعْلُ اللَّهِ وَخَلْقُهُ، وَكُلَّ ذَرَّةٍ مِنَ الذَّرَّاتِ فَفِيهَا عَجَائِبُ وَغَرَائِبُ تَظْهَرُ بِهَا حِكْمَةُ اللَّهِ وَقُدْرَتُهُ وَجَلَالُهُ وَعَظَمَتُهُ، وَإِحْصَاءُ ذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنٍ، فَلْنَذْكُرْ مِنَ الْمَوْجُودَاتِ مَا يُدْرَكُ بِحِسِّ الْبَصَرِ فَإِنَّهُ الْأَقْرَبُ إِلَى الْأَفْهَامِ، وَذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي حَثَّ عَلَى التَّفَكُّرِ فِيهَا الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ.

.آيَةُ الْإِنْسَانِ:

مِنْ آيَاتِهِ تَعَالَى الْإِنْسَانُ الْمَخْلُوقُ مِنَ النُّطْفَةِ، وَأَقْرَبُ شَيْءٍ إِلَيْكَ نَفْسُكَ، وَفِيكَ مِنَ الْعَجَائِبِ الدَّالَّةِ عَلَى عَظَمَةِ اللَّهِ تَعَالَى مَا تَنْقَضِي الْأَعْمَارُ فِي الْوُقُوفِ عَلَى عُشْرِ عُشَيْرِهِ وَأَنْتَ غَافِلٌ عَنْهُ، فَيَا مَنْ هُوَ غَافِلٌ عَنْ نَفْسِهِ وَجَاهِلٌ بِهَا كَيْفَ تَطْمَعُ فِي مَعْرِفَةِ غَيْرِكَ وَقَدْ أَمَرَكَ اللَّهُ تَعَالَى بِالتَّدَبُّرِ فِي نَفْسِكَ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ فَقَالَ: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [الذَّارِيَاتِ: 21] وَذَكَرَ أَنَّهُ مَخْلُوقٌ مِنْ نُطْفَةٍ قَذِرَةٍ فَقَالَ: {قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ} [عَبَسَ: 17- 22] وَقَالَ تَعَالَى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ} [الرُّومِ: 20] وَقَالَ تَعَالَى: {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى} [الْقِيَامَةِ: 37- 38] وَقَالَ تَعَالَى: {أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ} [الْمُرْسَلَاتِ: 20- 22] ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى كَيْفَ جَعَلَ النُّطْفَةَ عَلَقَةً وَالْعَلَقَةَ مُضْغَةً وَالْمُضْغَةَ عِظَامًا فَقَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً} [الْمُؤْمِنُونَ: 12- 14] الْآيَةَ، فَتَكْرِيرُ ذِكْرِ النُّطْفَةِ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ لَيْسَ لِيُسْمَعَ لَفْظُهُ وَيُتْرَكَ التَّفَكُّرُ فِي مَعْنَاهُ. فَانْظُرِ الْآنَ إِلَى النُّطْفَةِ وَهِيَ قَطْرَةٌ مِنَ الْمَاءِ قَذِرَةٌ لَوْ تُرِكَتْ سَاعَةً لِيَضْرِبَهَا الْهَوَاءُ فَسَدَتْ وَأَنْتَنَتْ: كَيْفَ أَخْرَجَهَا رَبُّ الْأَرْبَابِ مِنَ {الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} [الطَّارِقِ: 7]، وَكَيْفَ جَمَعَ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَأَلْقَى الْأُلْفَةَ وَالْمَحَبَّةَ فِي قُلُوبِهِمْ، وَكَيْفَ قَادَهُمْ بِسِلْسِلَةِ الْمَحَبَّةِ وَالشَّهْوَةِ إِلَى الِاجْتِمَاعِ، وَكَيْفَ اسْتَخْرَجَ النُّطْفَةَ مِنَ الرَّجُلِ بِحَرَكَةِ الْوِقَاعِ، وَكَيْفَ اسْتَجْلَبَ دَمَ الْحَيْضِ مِنْ أَعْمَاقِ الْعُرُوقِ وَجَمَعَهُ فِي الرَّحِمِ، ثُمَّ كَيْفَ خَلَقَ الْمَوْلُودَ مِنَ النُّطْفَةِ وَسَقَاهُ بِمَاءِ الْحَيْضِ وَغَذَّاهُ حَتَّى نَمَا وَكَبُرَ، وَكَيْفَ جَعَلَ النُّطْفَةَ وَهِيَ بَيْضَاءُ مُشْرِقَةٌ عَلَقَةً حَمْرَاءَ، ثُمَّ كَيْفَ جَعَلَهَا مُضْغَةً، ثُمَّ كَيْفَ قَسَّمَ أَجْزَاءَ النُّطْفَةِ وَهِيَ مُتَشَابِهَةٌ مُتَسَاوِيَةٌ إِلَى الْعِظَامِ وَالْأَعْصَابِ وَالْعُرُوقِ وَالْأَوْتَارِ وَاللَّحْمِ، ثُمَّ كَيْفَ رَكَّبَ مِنَ اللُّحُومِ وَالْأَعْصَابِ وَالْعُرُوقِ الْأَعْضَاءَ الظَّاهِرَةَ: فَدَوَّرَ الرَّأْسَ، وَشَقَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْأَنْفَ وَالْفَمَ وَسَائِرَ الْمَنَافِذِ، ثُمَّ مَدَّ الْيَدَ وَالرِّجْلَ وَقَسَّمَ رُؤُوسَهَا بِالْأَصَابِعِ وَقَسَّمَ الْأَصَابِعَ بِالْأَنَامِلِ، ثُمَّ كَيْفَ رَكَّبَ الْأَعْضَاءَ الْبَاطِنَةَ مِنَ الْقَلْبِ وَالْمَعِدَةِ وَالْكَبِدِ وَالطِّحَالِ وَالرِّئَةِ وَالرَّحِمِ وَالْمَثَانَةِ وَالْأَمْعَاءِ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى شَكْلٍ مَخْصُوصٍ وَمِقْدَارٍ مَخْصُوصٍ لِعَمَلٍ مَخْصُوصٍ؛ وَفِي آحَادِ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ مِنَ الْعَجَائِبِ وَالْآيَاتِ مَا لَوْ ذَهَبْنَا إِلَى وَصْفِهَا لَانْقَضَى فِيهَا الْأَعْمَارُ.
فَانْظُرِ الْآنَ إِلَى الْعِظَامِ وَهِيَ أَجْسَامٌ صُلْبَةٌ قَوِيَّةٌ كَيْفَ خَلَقَهَا مِنْ نُطْفَةٍ سَخِيفَةٍ رَقِيقَةٍ ثُمَّ جَعَلَهَا قِوَامًا لِلْبَدَنِ وَعِمَادًا لَهُ، ثُمَّ قَدَّرَهَا بِمَقَادِيرَ مُخْتَلِفَةٍ وَأَشْكَالٍ مُخْتَلِفَةٍ، فَمِنْهُ صَغِيرٌ وَكَبِيرٌ، وَطَوِيلٌ وَمُسْتَدِيرٌ، وَمُجَوَّفٌ وَمُصْمَتٌ، وَعَرِيضٌ وَدَقِيقٌ. وَلَمَّا كَانَ الْإِنْسَانُ مُحْتَاجًا إِلَى الْحَرَكَةِ بِجُمْلَةِ بَدَنِهِ وَبِبَعْضِ أَعْضَائِهِ مُفْتَقِرًا لِلتَّرَدُّدِ فِي حَاجَتِهِ لَمْ يَجْعَلْ عَظْمَهُ عَظْمًا وَاحِدًا، بَلْ عِظَامًا كَثِيرَةً بَيْنَهَا مَفَاصِلُ حَتَّى تَتَيَسَّرَ بِهَا الْحَرَكَةُ، وَقَدَّرَ شَكْلَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا عَلَى وَفْقِ الْحَرَكَةِ الْمَطْلُوبَةِ بِهَا، ثُمَّ وَصَلَ مَفَاصِلَهَا، وَرَبَطَ بَعْضَهَا بِأَوْتَارٍ أَنْبَتَهَا مِنْ أَحَدِ طَرَفَيِ الْعَظْمِ، وَأَلْصَقَهُ بِالْعَظْمِ الْآخَرِ كَالرِّبَاطِ لَهُ، ثُمَّ خَلَقَ فِي أَحَدِ طَرَفَيِ الْعَظْمِ زَوَائِدَ خَارِجَةً مِنْهُ، وَفِي الْآخَرِ حُفَرًا غَائِصَةً فِيهِ مُوَافِقَةً لِشَكْلِ الزَّوَائِدِ لِتَدْخُلَ فِيهَا وَتَنْطَبِقَ عَلَيْهَا، فَصَارَ الْإِنْسَانُ إِنْ أَرَادَ تَحْرِيكَ جُزْءٍ مِنْ بَدَنِهِ لَمْ يَمْتَنِعْ عَلَيْهِ، وَلَوْلَا الْمَفَاصِلُ لَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ. ثُمَّ انْظُرْ كَيْفَ خَلَقَ عِظَامَ الرَّأْسِ، وَكَيْفَ جَمَعَهَا وَرَكَّبَهَا فَأَلَّفَ بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ بِحَيْثُ اسْتَوَى بِهِ كُرَةُ الرَّأْسِ كَمَا تَرَاهُ، فَمِنْهَا مَا يَخُصُّ الْقِحْفَ وَاللَّحْيَ الْأَعْلَى وَاللَّحْيَ الْأَسْفَلَ، وَالْبَقِيَّةُ هِيَ الْأَسْنَانُ بَعْضُهَا عَرِيضَةٌ تَصْلُحُ لِلطَّحْنِ، وَبَعْضُهَا حَادَّةٌ تَصْلُحُ لِلْقَطْعِ وَهِيَ الْأَنْيَابُ وَالْأَضْرَاسُ وَالثَّنَايَا، ثُمَّ جَعَلَ الرَّقَبَةَ مَرْكَبًا لِلرَّأْسِ، ثُمَّ رَكَّبَ الرَّقَبَةَ عَلَى الظَّهْرِ، وَرَكَّبَ الظَّهْرَ مِنْ أَسْفَلِ الرَّقَبَةِ إِلَى مُنْتَهَى عَظْمِ الْعَجُزِ مِنْ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ خَرَزَةً، ثُمَّ وَصَلَ عِظَامَ الظَّهْرِ بِعِظَامِ الصَّدْرِ وَعِظَامِ الْكَتِفِ وَعِظَامِ الْيَدَيْنِ وَعِظَامِ الْعَانَةِ وَعِظَامِ الْعَجُزِ، ثُمَّ عِظَامِ الْفَخْذَيْنِ وَالسَّاقَيْنِ وَأَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ، وَتَعْدَادُ ذَلِكَ يَطُولُ، فَانْظُرْ كَيْفَ خَلَقَ جَمِيعَ ذَلِكَ مِنْ نُطْفَةٍ سَخِيفَةٍ رَقِيقَةٍ. وَالْقَصْدُ أَنْ يُنْظَرَ فِي مُدَبِّرِهَا وَخَالِقِهَا: كَيْفَ قَدَّرَهَا وَخَالَفَ بَيْنَ أَشْكَالِهَا وَخَصَّصَهَا بِعَدَدِهَا الْمَخْصُوصِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ زَادَ عَلَيْهَا وَاحِدًا لَكَانَ وَبَالًا عَلَى الْإِنْسَانِ يَحْتَاجُ إِلَى قَلْعِهِ، وَلَوْ نَقَصَ مِنْهَا وَاحِدًا لَكَانَ نُقْصَانًا يَحْتَاجُ إِلَى جَبْرِهِ. ثُمَّ أَمْرُ الْأَعْصَابِ وَالْعُرُوقِ وَالْأَوْرِدَةِ وَالشَّرَايِينَ وَعَدَدُهَا وَمَنَابِتُهَا وَانْشِعَابُهَا أَعْجَبُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ، وَشَرْحُهُ يَطُولُ. وَكُلُّ ذَلِكَ صُنْعُ اللَّهِ فِي قَطْرَةِ مَاءٍ قَذِرَةٍ. فَتَرَى مِنْ هَذَا صُنْعَهُ فِي قَطْرَةِ مَاءٍ، فَمَا صُنْعُهُ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَكَوَاكِبِهَا وَاخْتِلَافِ صُوَرِهَا وَتَفَاوَتِ مَشَارِقِهَا وَمَغَارِبِهَا !. فَلَا تَظُنَنَّ أَنَّ ذَرَّةً مِنْ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ تَنْفَكُّ عَنْ حِكْمَةٍ وَحِكَمٍ، بَلْ هِيَ أَحْكَمُ خَلْقًا وَأَتْقَنُ صُنْعًا وَأَجْمَعُ لِلْعَجَائِبِ مِنْ بَدَنِ الْإِنْسَانِ، بَلْ لَا نِسْبَةَ لِجَمِيعِ مَا فِي الْأَرْضِ إِلَى عَجَائِبِ السَّمَاوَاتِ، وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا} [النَّازِعَاتِ: 27- 29] فَارْجِعِ الْآنَ إِلَى النُّطْفَةِ وَتَأَمَّلْ حَالَهَا أَوَّلًا وَمَا صَارَتْ إِلَيْهِ ثَانِيًا، وَتَأَمَّلْ أَنَّهُ لَوِ اجْتَمَعَ الْجِنُّ وَالْإِنْسُ عَلَى أَنْ يَخْلُقُوا لِلنُّطْفَةِ سَمْعًا أَوْ بَصَرًا أَوْ عَقْلًا أَوْ قُدْرَةً أَوْ عِلْمًا أَوْ رُوحًا أَوْ يَخْلُقُوا فِيهَا عَظْمًا أَوْ عِرْقًا أَوْ عَصَبًا أَوْ جِلْدًا أَوْ شَعْرًا هَلْ يَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ؟ بَلْ لَوْ أَرَادُوا أَنْ يَعْرِفُوا كُنْهَ حَقِيقَتِهِ وَكَيْفِيَّةَ خِلْقَتِهِ بَعْدَ أَنْ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ لَعَجَزُوا عَنْهُ. فَالْعَجَبُ مِنْكَ لَوْ نَظَرْتَ إِلَى صُورَةٍ تَأَنَّقَ النَّقَّاشُ فِي تَصْوِيرِهَا لَكَثُرَ تَعَجُّبُكَ مِنْهُ، وَأَنْتَ تَرَى النُّطْفَةَ الْقَذِرَةَ كَانَتْ مَعْدُومَةً فَخَلَقَهَا خَالِقُهَا فِي الْأَصْلَابِ وَالتَّرَائِبِ، ثُمَّ أَخْرَجَهَا مِنْهَا وَشَكَّلَهَا فَأَحْسَنَ تَشْكِيلَهَا، وَقَدَّرَهَا فَأَحْسَنَ تَقْدِيرَهَا وَتَصْوِيرَهَا، وَقَسَّمَ أَجْزَاءَهَا الْمُتَشَابِهَةَ إِلَى أَجْزَاءٍ مُخْتَلِفَةٍ، فَأَحْكَمَ الْعِظَامَ فِي أَرْجَائِهَا، وَحَسَّنَ أَشْكَالَ أَعْضَائِهَا، وَزَيَّنَ ظَاهِرَهَا وَبَاطِنَهَا، وَرَتَّبَ عُرُوقَهَا وَأَعْصَابَهَا، وَجَعَلَهَا مَجْرًى لِغِذَائِهَا لِيَكُونَ ذَلِكَ سَبَبَ بَقَائِهَا، وَجَعَلَهَا سَمِيعَةً بَصِيرَةً عَالِمَةً نَاطِقَةً، وَخَلَقَ لَهَا الظَّهْرَ أَسَاسًا لِبَدَنِهَا، وَالْبَطْنَ حَاوِيًا لِآلَاتِ غِذَائِهَا، وَالرَّأْسَ جَامِعًا لِحَوَاسِّهَا.
فَفَتَّحَ الْعَيْنَيْنِ وَرَتَّبَ طَبَقَاتِهَا وَأَحْسَنَ شَكْلَهَا وَلَوْنَهَا وَهَيْئَتَهَا، ثُمَّ حَمَاهَا بِالْأَجْفَانِ لِتَسْتُرَهَا وَتَحْفَظَهَا وَتَصْقُلَهَا وَتَدْفَعَ الْأَقْذَاءَ عَنْهَا، ثُمَّ أَظْهَرَ فِي مِقْدَارِ عَدَسَةٍ مِنْهَا صُورَةَ السَّمَاوَاتِ مَعَ اتِّسَاعِ أَكْنَافِهَا وَتَبَاعُدِ أَقْطَارِهَا فَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْهَا، ثُمَّ شَقَّ أُذُنَهُ وَأَوْدَعَهُمَا مَاءً مُرًّا لِيَحْفَظَ سَمْعَهَا وَيَدْفَعَ الْهَوَامَّ عَنْهَا، وَحَوَّطَهَا بِصَدَفَةِ الْأُذُنِ لِتَجْمَعَ الصَّوْتَ فَتَرُدَّهُ إِلَى صِمَاخِهَا وَلِتُحِسَّ بِدَبِيبِ الْهَوَامِّ إِلَيْهَا، وَجَعَلَ فِيهَا تَحْرِيفَاتٍ وَاعْوِجَاجَاتٍ لِتَكْثُرَ حَرَكَةُ مَا يَدُبُّ فِيهَا وَيَطُولَ طَرِيقُهُ فَيَتَنَبَّهَ مِنَ النَّوْمِ صَاحِبُهَا إِذَا قَصَدَهَا دَابَّةٌ فِي حَالِ النَّوْمِ. ثُمَّ رَفَعَ الْأَنْفَ مِنْ وَسَطِ الْوَجْهِ وَأَحْسَنَ شَكْلَهُ وَفَتَحَ مَنْخَرَيْهِ، وَأَوْدَعَ فِيهِ حَاسَّةَ الشَّمِّ لِيَسْتَدِلَّ بِاسْتِنْشَاقِ الرَّوَائِحِ عَلَى مَطَاعِمِهِ وَأَغْذِيَتِهِ، وَلِيَسْتَنْشِقَ بِمَنْفَذِ الْمَنْخَرَيْنِ رَوْحَ الْهَوَاءِ غِذَاءً لِقَلْبِهِ وَتَرْوِيحًا لِحَرَارَةِ بَاطِنِهِ، وَفَتَحَ الْفَمَ وَأَوْدَعَهُ اللِّسَانَ نَاطِقًا وَتُرْجُمَانًا وَمُعْرِبًا عَمَّا فِي الْقَلْبِ، وَزَيَّنَ الْفَمَ بِالْأَسْنَانِ وَلِتَكُونَ آلَةَ الطَّحْنِ وَالْكَسْرِ وَالْقَطْعِ، فَأَحْكَمَ أُصُولَهَا وَحَدَّدَ رُؤُوسَهَا، وَبَيَّضَ لَوْنَهَا وَرَتَّبَ صُفُوفَهَا مُتَسَاوِيَةَ الرُّؤُوسِ مُتَنَاسِقَةَ التَّرْتِيبِ كَأَنَّهَا الدَّرُّ الْمَنْظُومُ، وَخَلَقَ الشَّفَتَيْنِ وَحَسَّنَ لَوْنَهَا وَشَكْلَهَا لِتَنْطَبِقَ عَلَى الْفَمِ فَتَسُدَّ مَنْفَذَهُ وَلِيَتِمَّ بِهَا حُرُوفُ الْكَلَامِ. ثُمَّ خَلَقَ الْحَنْجَرَةَ وَهَيَّأَهَا لِخُرُوجِ الصَّوْتِ، وَخَلَقَ لِلِّسَانِ قُدْرَةً لِلْحَرَكَاتِ وَالتَّقْطِيعَاتِ لِتُقَطِّعَ الصَّوْتَ فِي مَخَارِجَ مُخْتَلِفَةٍ تَخْتَلِفُ بِهَا الْحُرُوفُ لِيَتَّسِعَ بِهَا طَرِيقُ النُّطْقِ بِكَثْرَتِهَا، ثُمَّ خَلَقَ الْحَنَاجِرَ مُخْتَلِفَةَ الْأَشْكَالِ فِي الضِّيقِ وَالسَّعَةِ وَالْخُشُونَةِ وَالْمَلَاسَةِ وَصَلَابَةِ الْجَوْهَرِ وَرَخَاوَتِهِ وَالطُّولِ وَالْقِصَرِ حَتَّى اخْتَلَفَتْ بِسَبَبِهَا الْأَصْوَاتُ فَلَا يَتَشَابَهُ صَوْتَانِ، بَلْ يَظْهَرُ بَيْنَ كُلِّ صَوْتَيْنِ فُرْقَانٌ حَتَّى يُمَيِّزَ السَّامِعُ بَعْضَ النَّاسِ عَنْ بَعْضٍ بِمُجَرَّدِ الصَّوْتِ فِي الظُّلْمَةِ. ثُمَّ زَيَّنَ الرَّأْسَ بِالشَّعَرِ وَالْأَصْدَاغِ، وَزَيَّنَ الْوَجْهَ بِاللِّحْيَةِ وَالْحَاجِبَيْنِ، وَزَيَّنَ الْحَاجِبَ بِرِقَّةِ الشَّعَرِ وَاسْتِقْوَاسِ الشَّكْلِ، وَزَيَّنَ الْعَيْنَيْنِ بِالْأَهْدَابِ. ثُمَّ خَلَقَ الْأَعْضَاءَ الْبَاطِنَةَ وَسَخَّرَ كُلَّ وَاحِدٍ لِفِعْلٍ مَخْصُوصٍ، فَسَخَّرَ الْمَعِدَةَ لِنُضْجِ الْغِذَاءِ، وَالْكَبِدَ لِإِحَالَةِ الْغِذَاءِ إِلَى الدَّمِ، وَالْمَثَانَةَ لِقَبُولِ الْمَاءِ حَتَّى تُخْرِجَهُ فِي طَرِيقِ الْإِحْلِيلِ، وَالْعُرُوقَ تَخْدِمُ الْكَبِدَ فِي إِيصَالِ الدَّمِ إِلَى سَائِرِ أَطْرَافِ الْبَدَنِ. ثُمَّ خَلَقَ الْيَدَيْنِ وَطَوَّلَهُمَا لِتَمْتَدَّ إِلَى الْمَقَاصِدِ، وَعَرَّضَ الْكَفَّ وَقَسَّمَ الْأَصَابِعَ الْخَمْسَ، وَقَسَّمَ كُلَّ أُصْبُعٍ بِثَلَاثِ أَنَامِلَ، وَوَضَعَ الْأَرْبَعَ فِي جَانِبٍ وَالْإِبْهَامَ فِي جَانِبٍ لِتَدُورَ الْإِبْهَامُ عَلَى الْجَمِيعِ، وَبِهَذَا التَّرْتِيبِ صَلُحَتِ الْيَدُ لِلْقَبْضِ وَالْإِعْطَاءِ، ثُمَّ خَلَقَ الْأَظْفَارَ عَلَى رُؤُوسِهَا زِينَةً لِلْأَنَامِلِ وَعِمَادًا لَهَا مِنْ وَرَائِهَا حَتَّى لَا تَتَقَطَّعَ وَلِيَلْتَقِطَ بِهَا الْأَشْيَاءَ الدَّقِيقَةَ الَّتِي لَا تَتَنَاوَلُهَا الْأَنَامِلُ، وَلِيَحُكَّ بِهَا بَدَنَهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ، ثُمَّ هَدَى إِلَى مَوْضِعِ الْحَكِّ حَتَّى تَمْتَدَّ إِلَيْهِ وَلَوْ فِي النَّوْمِ وَالْغَفْلَةِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَى طَلَبٍ، وَلَوِ اسْتَعَانَ بِغَيْرِهِ لَمْ يَعْثُرْ عَلَى مَوْضِعِ الْحَكِّ إِلَّا بَعْدَ تَعَبٍ طَوِيلٍ. ثُمَّ خَلَقَ هَذَا كُلَّهُ مِنَ النُّطْفَةِ وَهِيَ فِي دَاخِلِ الرَّحِمِ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ. فَسُبْحَانَهُ مَا أَعْظَمَ شَأْنَهُ وَأَظْهَرَ بُرْهَانَهُ. ثُمَّ انْظُرْ مَعَ كَمَالِ قُدْرَتِهِ إِلَى تَمَامِ رَحْمَتِهِ فَإِنَّهُ لَمَّا ضَاقَ الرَّحِمُ عَنِ الصَّبِيِّ لَمَّا كَبِرَ كَيْفَ هَدَاهُ السَّبِيلَ حَتَّى تَنَكَّسَ وَتَحَرَّكَ وَخَرَجَ مِنْ ذَلِكَ الْمَضِيقِ وَطَلَبَ الْمَنْفَذَ كَأَنَّهُ عَاقِلٌ بَصِيرٌ بِمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ، ثُمَّ لَمَّا خَرَجَ وَاحْتَاجَ إِلَى الْغِذَاءِ كَيْفَ هَدَاهُ إِلَى الْتِقَامِ الثَّدْيِ، ثُمَّ لَمَّا كَانَ بَدَنُهُ سَخِيفًا لَا يَحْتَمِلُ الْأَغْذِيَةَ الْكَثِيفَةَ كَيْفَ دَبَّرَ لَهُ فِي خَلْقِ اللَّبَنِ اللَّطِيفِ وَاسْتَخْرَجَهُ مِنْ بَيْنِ الْفَرْثِ وَالدَّمِ سَائِغًا خَالِصًا [النَّحْلِ: 66]، وَكَيْفَ خَلَقَ الثَّدْيَيْنِ وَجَمَعَ فِيهِمَا اللَّبَنَ وَأَنْبَتَ مِنْهَا حَلَمَتَيْنِ عَلَى قَدْرِ مَا يَنْطَبِقُ عَلَيْهِمَا فَمُ الصَّبِيِّ، ثُمَّ فَتَحَ فِي حَلَمَةِ الثَّدْيِ ثُقْبًا ضَيِّقًا جِدًّا حَتَّى لَا يَخْرُجَ اللَّبَنُ مِنْهُ إِلَّا بَعْدَ الْمَصِّ تَدْرِيجًا فَإِنَّ الطِّفْلَ لَا يُطِيقُ مِنْهُ إِلَّا الْقَلِيلَ، ثُمَّ كَيْفَ هَدَاهُ لِلِامْتِصَاصِ حَتَّى يَسْتَخْرِجَ مِنْ ذَلِكَ الْمَضِيقِ اللَّبَنَ الْكَثِيرَ عِنْدَ شِدَّةِ الْجُوعِ. ثُمَّ انْظُرْ إِلَى عَطْفِهِ وَرَحْمَتِهِ وَرَأْفَتِهِ كَيْفَ أَخَّرَ خَلْقَ الْأَسْنَانِ إِلَى تَمَامِ الْحَوْلَيْنِ لِأَنَّهُ فِي الْحَوْلَيْنِ لَا يَتَغَذَّى إِلَّا بِاللَّبَنِ فَيَسْتَغْنِي عَنِ السِّنِّ، وَإِذَا كَبِرَ لَمْ يُوَافِقْهُ اللَّبَنُ السَّخِيفُ وَيَحْتَاجُ إِلَى طَعَامٍ غَلِيظٍ، وَيَحْتَاجُ الطَّعَامُ إِلَى الْمَضْغِ وَالطَّحْنِ فَأَنْبَتَ لَهُ الْأَسْنَانَ عِنْدَ الْحَاجَةِ لَا قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا، فَسُبْحَانَهُ كَيْفَ أَخْرَجَ تِلْكَ الْعِظَامَ الصُّلْبَةَ فِي تِلْكَ اللِّثَاثِ اللَّيِّنَةِ. ثُمَّ حَنَنَّ قُلُوبَ الْوَالِدَيْنِ عَلَيْهِ لِلْقِيَامِ بِتَدْبِيرِهِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ عَاجِزًا عَنْ تَدْبِيرِ نَفْسِهِ؛ فَلَوْ لَمْ يُسَلِّطِ اللَّهُ الرَّحْمَةَ عَلَى قُلُوبِهِمَا لَكَانَ الطِّفْلُ أَعْجَزَ الْخَلْقِ عَنْ تَدْبِيرِ نَفْسِهِ. ثُمَّ انْظُرْ كَيْفَ رَزَقَهُ الْقُدْرَةَ وَالتَّمْيِيزَ وَالْعَقْلَ وَالْهِدَايَةَ تَدْرِيجًا حَتَّى بَلَغَ وَتَكَامَلَ فَصَارَ مُرَاهِقًا، ثُمَّ شَابًّا ثُمَّ كَهْلًا، ثُمَّ شَيْخًا إِمَّا كَفُورًا أَوْ شَكُورًا، مُطِيعًا أَوْ عَاصِيًا، مُؤْمِنًا أَوْ كَافِرًا تَصْدِيقًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} [الْإِنْسَانِ: 1- 3] فَانْظُرْ إِلَى اللُّطْفِ وَالْكَرَمِ ثُمَّ إِلَى الْقُدْرَةِ وَالْحِكْمَةِ تَبْهَرْكَ عَجَائِبُ الْحَضْرَةِ الرَّبَّانِيَّةِ. وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِمَّنْ يَرَى خَطًّا حَسَنًا أَوْ نَقْشًا حَسَنًا عَلَى حَائِطٍ فَيَسْتَحْسِنُهُ فَيَصْرِفُ جَمِيعَ هِمَّتِهِ إِلَى التَّفَكُّرِ فِي النَّقَّاشِ وَالْخَطَّاطِ، وَأَنَّهُ كَيْفَ نَقَشَهُ وَخَطَّهُ وَكَيْفَ اقْتَدَرَ عَلَيْهِ، وَلَا يَزَالُ يَسْتَعْظِمُهُ فِي نَفْسِهِ وَيَقُولُ: مَا أَحْذَقَهُ وَمَا أَكْمَلَ صَنْعَتَهُ وَأَحْسَنَ قُدْرَتَهُ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى هَذِهِ الْعَجَائِبِ فِي نَفْسِهِ وَفِي غَيْرِهِ ثُمَّ يَغْفُلُ عَنْ صَانِعِهِ وَمُصَوِّرِهِ فَلَا يُدْهِشُهُ عَظَمَتُهُ وَلَا يُحَيِّرُهُ جَلَالُهُ وَحِكْمَتُهُ.
فَهَذِهِ نُبْذَةٌ مِنْ عَجَائِبِ بَدَنِكَ الَّتِي لَا يُمْكِنُ اسْتِقْصَاؤُهَا فَهُوَ أَقْرَبُ مَجَالٍ لِفِكْرِكَ، وَأَجْلَى شَاهِدٍ عَلَى عَظَمَةِ خَالِقِكَ، وَأَنْتَ غَافِلٌ عَنْ ذَلِكَ مَشْغُولٌ بِبَطْنِكَ وَفَرْجِكَ، لَا تَعْرِفُ مِنْ نَفْسِكَ إِلَّا أَنْ تَجُوعَ فَتَأْكُلَ وَتَشْبَعَ فَتَنَامَ وَتَشْتَهِيَ فَتُجَامِعَ وَتَغْضَبَ فَتُقَاتِلَ، وَالْبَهَائِمُ تُشَارِكُكَ فِي مَعْرِفَةِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا خَاصِّيَّةُ الْإِنْسَانِ الَّتِي حُجِبَتِ الْبَهَائِمُ عَنْهَا مَعْرِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى بِالنَّظَرِ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَجَائِبِ الْآفَاقِ وَالْأَنْفُسِ، إِذْ بِهَا يَدْخُلُ الْعَبْدُ فِي زُمْرَةِ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ، وَيُحْشَرُ فِي زُمْرَةِ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ مُقَرَّبًا مِنْ حَضْرَةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْمَنْزِلَةُ لِلْبَهَائِمِ وَلَا لِإِنْسَانٍ رَضِيَ مِنَ الدُّنْيَا بِشَهَوَاتِ الْبَهَائِمِ فَإِنَّهُ شَرٌّ مِنَ الْبَهَائِمِ بِكَثِيرٍ إِذْ لَا قُدْرَةَ لِلْبَهِيمَةِ عَلَى ذَلِكَ، وَأَمَّا هُوَ فَقَدْ خَلَقَ اللَّهُ لَهُ الْقُدْرَةَ ثُمَّ عَطَّلَهَا وَكَفَرَ نِعْمَةَ اللَّهِ فِيهَا، فَأُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا [الْفُرْقَانِ: 44]. وَإِذَا عَرَفْتَ طَرِيقَ الْفِكْرِ فِي نَفْسِكَ فَتَفَكَّرْ فِي الْأَرْضِ الَّتِي هِيَ مَقَرُّكَ، ثُمَّ فِي أَنْهَارِهَا وَبِحَارِهَا وَجِبَالِهَا وَمَعَادِنِهَا، ثُمَّ ارْتَفِعْ مِنْهَا إِلَى مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ.