فصل: ذكر فتح أرمينية وأخلاط وقف وأنظر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتوح الشام (نسخة منقحة)



.ذكر فتح طنز ويمهرد وأسعرد:

قال فعول على العبور إلى جانب أسعرد ويمهرد إذ قدم عليه أهل حصن طنز للصلح وإن يكونوا طوعا للمسلمين فقال خالد: من أسلم منكم قبلناه وكان له ما لنا وعليه ما علينا ومن بقى على دينه كانت عليه الجزية من العام القابل فأجابوه إلى ذلك فكتب لهم عهدا وعبر إلى طنز ويمهرد واسعرد والمعدن وأرزن وقرروا صلحا ورضوا به قال: وانقضت عدة صاحبة الحصن وهي جانوسة وتزوجها يوقنا ولحق خالد بعياض فوجده على سوقاريا وهي مدينة جالوت فلما وصل خالد إليه اسلم الناس بعضهم على بعض واقاموا هناك خمسة ايام وعولوا أن يسيروا إلى بدليس وأخلاط وإذ قد جاءهم الخبر أن طاريون ابنة الملك وهي زوجة الغلام يرغون الذي فتح كفرتوتا وكان من أمرها ما ذكرناه قد هربت إلى أبيها ورجعت إلى دينها قال فصعب ذلك عليهم.
قال الواقدي: حدثني محمد بن يونس قال: حدثني اسمعيل عن قيس قال أن طاريون لم تتنصر ولا عادت عن الإسلام وإنما مضت إلى ابيها لتدبر عليه حيلة وتسلم البلد للمسلمين لأنها ارادت أن تصنع كما صنع زوجها يرغون بكفرتوتا فاتفق رايها ورأى زوجها على ذلك فقال يرغون أما أنا فلا أتبعك لانني أفزع من أبيك أن يقبض علي فقالت له: الزم مكانك ولبست ثيابها وعولت على المسير وجعلت غلمانها في محل خلوة وقالت لهم اعلموا أني قد عزمت على أمر أفعله وأنا ابوح به اليكم قالوا: ايتها الملكة ما على العبد إلا الطاعة لمولاه فأوقفينا على سرك قالت لهم اعلموا إني كرهت المقام بين هؤلاء العرب وايضا قد اشتقت إلى وطني وعولت على أن أخرج بكم إلى الصيد في الجبل فإذا جن الليل طلبنا أرضنا فلما سمعوا قولها فرحوا وقالوا: نعم الرأي فقالت إني لست أكرهكم فمن كان له رغبة أن يلبث ههنا وهو مائل إلى هذا الدين فليقم غير ملوم ومن أراد الرجوع إلى وطنه فليعزم معي فإني أمضي في هذه الليلة وحق ما أسير إليه لئن بلغني أن أحدا منكم افشى سري إلى يرغون أو غيره من الناس لاضربن عنقه فمن كان عازما على صحبتي فليتبعني فأجابوها إلى ذلك فلما جن الليل ودعت يرغون وخرجت ومعها اثنا عشر نفرا كانوا لا يرتدون الإسلام وكان لها بكفر توتا اثنا عشر غلاما قد رسخ الإسلام في قلوبهم وأحبوا المسلمين قال: وسارت نحو الجبل ومضت إلى أن تركت أرزن خلف ظهرها واشرفت على بدليس فنزل صاحبها اليها وقدم لها اقامة وعلوفة وأقامت هناك بقية يومها.

.ذكر فتوح بدليس وارزن وأعمالها:

وكان من قضاء الله السابق وقدره أن عياضا لما نزل على سوقاريا ولحق به خالد.
ومن معه ولحقهم يوقنا فرح المسلمون بسلامتهم وحدثه بما جرى فسجد لله شكرا ثم بعث يوقنا رسولا إلى صاحب بدليس وكانت أرزن وبدليس وقف وأنظر وغيرها من القلاع لبطريق اسمه سروند بن بولص والجارية طاريون نازلة هناك وسروند عندها فلما علموا بقدوم يوقنا رهبوا إلى لقياه واختلت به طاريون وقالت له: يا عم لا تظن إني هاربة ولا إلى الروم طالبة وإنما أريد أن أنصح لله ولرسوله وللمسلمين وأريد أن أغدر بأبي وأقتله واسلم معاقله للمسلمين لكن يا عم أشر علي بما أصنع فأنت تعلم أن هذا الدرب لبدليس وأخلاط وعليه قلعة قف وأنظر وإذا أرادت العرب العبور فليس لهم قدرة فما الذي تراه وأخاف أن حصلت عند أبي أن لا أقدر على الرجوع إلى بعلي والى المسلمين فقال لها يوقنا اعلمي إنك إذا سرت بهذه النية فإن الله جل وعلا يفتح عليك أبواب الخير وأمضى على ما أنت عليه وأنا لا بد لي أن أمضي برسالة الأمير عياض إلى أبيك وها أنا ابكر فإذا حصلنا هناك كان لنا من التدبير ما يريده الله ونصل أن شاء الله إلى ما نريد وعلمها ما تصنع وودعته وعادت فقالت أن هذا العديم العقل يلح علي ويعذلني لأجل أن ارجع وأعود عما عزمت عليه من الرجوع إلى دين المسيح ولولا أنني أخاف ممن معه ومن صاحب هذا الحصن أن يعينه علينا لكنت قبضت عليه ثم إنها ركبت وسارت تجد السير وأرسلت بعض غلمانها يبشر اباها بقدومها فلما وصل البشير ارتجت المدينة وركب ابوها والبطارقة وأهل البلد لملتقاها فلقوها عند خضريا فلما رأت أباها ترجلت وترجل ابوها والعسكر جميعه وصقعوا بين يديها وضمها أبوها إلى صدره وقال لها يا بنتي كيف كان أمرك.
قالت أن يرغون نصب علي ووصل بي إلى عسكر المسلمين وأسلم فلم يمكنني إلا أن أطاوعه خيفة منهم إلى أن دخلوا ديار بكر فهربت اليك فصلب أبوها على وجهه وهنأها بالسلامة وركب وساروا والمواكب حولهم إلى أن دخلت البلد ودخلت دار المملكة فتلقاها الجواري والخدم وصقعوا لها وبكوا وبكت وأخرجت الصدقات والنذور للبيع والكنائس وباتت تحدثهم بما جرى لها وحديث شهرياض وكيف أخذت رأس العين فقال أبوها يا بنية كيف رأيتيهم في دينهم قالت أيها الملك القوم يتظاهرون بالدين وانهم يطلبون الدين والعدل حتى يرجع الناس إليهم وليس والله دين أفضل من دين المسيح وقد نذرت نذرا متى خلصت من يد العرب أن لا أقرب قربانا ولا أشرب خمرا ولا آكل لحم خنزير ولا أنغمس في ماء المعمودية حتى أتعبد في بيعة يوحنا شهرين كاملين فإذا أنا تطهرت من دينهم أقرب القربان وأقبل الصلبان ففرح أبوها بذلك فلما كان الغد مضت إلى البيعة وأخلت لها موضعا وجعلت تتصدق على الفقراء وتظهر النسك والعبادة وأقامت تنتظر ما وعدها به يوقنا من القدوم بالرسالة إلى أبيها.
قال الواقدي: حدثنا ابو محمد قال: حدثني من أثق به عن قيس ابن هبيرة قال كنت من أصحاب يوقنا حين سار بالرسالة إلى بدليس وتحدث مع طاريون وأنفذ صاحب بدليس إليه وكان لما بلغه قدوم يوقنا صعد إلى حصنه فاستحضره وأنا معه فوجدناه على سرير مملكته فسلمنا عليه فقال يوقنا أن أمير جيوش المسلمين بأرض ربيعة وهو عياض ابن غنم قد أرسلنا اليك ندعوك إلى توحيد الله ورسالة نبيه ولكم ما لنا وعليكم ما علينا واعتبر بمن تقدم من الملوك وأصحاب الأقاليم والعز فقد أصبحوا هالكين فما جوابك فقال: أيها السيد إني قد كنت أردت أن أرسل رسولا إلى أميركم في طلب الصلح وأعطيه شيئا وإن أبقى على ديني ومن أراد من أهل بلدي أن يرجع إلى دين القوم فلست أمنعه فقال يوقنا بكم يطيب قلبك أن تدفع في صلحك على بدليس وأرزن وما تحت يدك من البلاد فإني إذا أمضيت لك الصلح فقد رضيت به العرب فقال: أيها السيد اعطيهم مائة ألف دينار وخمسمائة زردية وألف قوس وإن لا يولي على مملكتي غيري حتى أموت وإن لا يبقى من قبلهم إلا رجل أو رجلان حتى يعلموا من أسلم شرائع الإسلام وإن يكون أمري نافذا في مملكتي ومن أسلم يكون أمره لمن يكون عندنا من قبلكم وما يكون لي عليهم حكم فقال يوقنا قد أمضينا صلحك وأتممنا عهدك وانا أعطيناك عهد الله ورسوله على ما ذكرته قال: وأعطاه عهد الله ورسوله وهادنه على الهيئة التي هادن رسول الله صلى الله عليه وسلم هرقل ملك الروم وحلف له عن المسلمين كلهم قال: وإن قيسا ذهب إلى عياض فاعلمه بما استقر بينهم فلما وصل كتاب يوقنا إلى عياض رحل من مكانه إلى أن نزل على بدليس فوجد البطريق قد أخرج ما وقع عليه الصلح فلما قدم عياض نزل إليه البطريق وتلقاهم وحياهم بأحسن تحية وأنزلهم في أحسن منزل وقدم لهم الاموال وكتبوا بذلك عهدا.
قال: ونظر المسلمون من أهل اليمن وبادية العرب إلى البنات وحسنهن فمالت أنفسهم اليهن وشرب أكثرهم الخمر فلما راى عياض ذلك صعب عليه فأمر أن يؤتوه بمن فعل ذلك فأقام عليهم الحد وأخذ منهم حق الله وقال لهم: أكفر بعد إيمان أبهذا أمرتم أم لهذه خلقتم أما سمعتم ما قال من أمره بين الكاف والنون قال فتابوا بأجمعهم فلما جن الليل اجتمع يوقنا بعياض وحدثه بأمر طاريون وما واققته عليه وإنها قد وهبت نفسها لله تعالى ومضت تدبر كيف تعمل في تسليم البلد للمسلمين وإني وعدتها أن أسير اليها وأعينها على ذلك فقال عياض إذا كان الامر كذلك فيجب علينا أن نطلع عليه خالدا وأصحابه فقال يوقنا افعل ما فيه الصواب فأرسل إلى خالد ومعاذ وقيس والمسيب بن نجيبة وعمرو بن معديكرب وعبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه وحدثهم بالحديث وقال لهم: ما ترون من الرأي.

.ذكر فتح أرمينية وأخلاط وقف وأنظر:

قال خالد: أصلح الله الأمير إذا كان الامر كذلك فابعث يوقنا رسولا ونحن معه فإذا حصلنا هناك يفعل الله ما يريد والحاضر يرى ما لا يراه الغائب.
قال فسيروا على بركة الله تعالى فتأهبوا وساروا وسار مع يوقنا خمسة وثلاثون من الصحابة وعشرون من أصحاب يوقنا فلما وصلوا أخلاط ونظرت إليهم الروم والأرمن علموا أنهم رسل فأعلموا بذلك الملك وأنهم رسل من العرب فأمر بإحضارهم فأتتهم الحجاب إلى باب رومية وهو باب بدليس فرأوهم على خيولهم فقالوا لهم: ادخلوا فأخذوهم إلى دار الامارة وأعلموا الملك بوسطيرس بذلك فأمر باحضارهم فلما توسطوا الدهليز أراد الغلمان أن يأخذوا أسلحتهم.
فقال خالد: انا قوم لا نسلم سيوفنا لغيرنا وإن الله بعث نبينا بالسيف وقد قلدنا إياه ولسنا نزيل ما خصنا الله ورسوله به فدخل الحجاب وأعلموا الملك بما قال خالد: فقال الملك دعوهم يدخلوا كيف شاءوا لئلا يظنوا اننا نخافهم وإنما ذاك ناموس الملك فدخلوا بهم فلما رآهم وسلموا عليه جلسوا على الأرض كأنهم السباع وكل منهم قد جعل يده على مقبض سيفه وقد بلغ الملك ما هم عليه من الدين والزهد في الدنيا فأوصى أصحابه أن لا يأمروهم بأن يصقعوا له فإنهم لا يجيبونهم لذلك قال فلما استقر بهم الجلوس قال لهم ترجمانه: يا هؤلاء بم أتيتم إلينا.
فقال يوقنا أن أمير جيوش المسلمين بأرض بدليس قد بعثنا اليكم رسلا ندعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وإن محمدا عبده ورسوله أو تدخلوا فيما دخل فيه الناس وتؤدوا الجزية عن يد وأنتم صاغرون فأعلم الترجمان الملك بما قاله يوقنا.
حدثنا قدامة أنه لم يكن بينهم ترجمان وإنما كان المتكلم يوقنا بالرومية وهو لسان القوم.
قال الراوي: حدثني من أثق به قال كان الترجمان بينهم لأن الملك أرمني لا يفهم إلا بلسان الأرمن ويوقنا كان روميا لا يفهم لسانا آخر فلما بلغه الترجمان غضب وقال: وحق المسيح والانجيل لا نعطيهم ولا ندخل في دينهم أو نموت عن آخرنا ولا يحسبوا أننا مثل من لاقوا من جيوش الروم ولنا الشدة والبأس والقوة والمراس ونحن نرمي عن الأقواس بالنشاب والعرب تسميه قاطع الشهوات والأسباب وأنا أبعث إلى صاحب خو وسلوس واستنصر عليهم باسراغوص ملك المرج ونردهم على أعقابهم ونستخلص منهم البلاد وليس عندنا جواب غير هذا قال فبلغهم الترجمان ما قاله.
فقال يوقنا ليأذن لنا بالانصراف لنعلم صاحبنا بهذا الجواب فقال الملك بيتوا عندنا هذه الليلة وفي غد تنصرفون وأمر بهم أن ينزلوا في المكان الفلاني فخرجوا من عنده إلى المكان الذي أمر به فنزلوا به ينتظرون ما يكون من الجارية طاريون قال: ولما خرج الصحابة من عنده ركب من وقته إلى بيعة يوحنا واجتمع بابنته وقال لها: أن العرب قد وجهوا الي رسولا ومعه جماعة وقالوا لي: كذا وكذا وأجبتهم بكذا وكذا فما ترين من الرأي فقالت أيها الملك اين هم قال عوقتهم هذه الليلة حتى أشاورك في أمرهم فقالت أريد أن أنظر من هم فإنه لا يخفى علي أمرهم فإن كانوا من وجوه العرب النافذ أمرهم فامرني أن أتحدث معهم وأطيب قلبهم بأنك تصالحهم وأطمعهم بذلك فإذا اطمأنوا بذلك أمرتك بالقبض عليهم واتركهم عندك حتى لا يكون لهم خلاص فإذا قبضت عليهم ترسل إلى صاحبهم تقول له متى تقدمت الينا مرحلة واحدة بعثت اليك برؤوسهم فإذا سمع ذلك لا يتقدم ويقع الصلح على أن نسلم إليه أصحابه وينصرك المسيح ويطول عمرك ويرفع قدرك وينصرفون عنك وما ثم رأي أوفق من هذا فقال لها يا بنية المسيح يطيل عمرك ويرفع قدرك فقومي إليهم ودعي هذه البيعة والزمي البيعة التي في دارنا فإنك كلما أقمت ههنا كان أخوف بنا وإن كان مقصودك العبادة ففي أي مكان كنت فيه فإن لك معبدا فلما سمعت قوله قالت لست أبرح من ههنا حتى يأمرني بترك هذا المكان فأرسل الملك وراء البترك فلما حضر قام الملك له وعظمه وأجلسه إلى جانبه وحدثه بقصة ابنته.
فقال البترك قد أذنت لك أن تتعبدي حيث شئت وقد استوهبت ذنوبك مع المسيح وغفر لك قال فصلبت وجهها ودعت له وقدموا لها بعض مراكب أبيها فركبت ومضت إلى المكان الذي فيه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يدخل فيه سواها وأبيها الملك فلما رأت يوقنا فرحت واستبشرت وقالت له: أيها السيد أن أبي جاهل بكم غير عارف بقولكم وسوف أكشف له عن أموركم وحق ديني ما رأيت منكم إلا خيرا وسوف أجازيكم على ذلك ولولا محبة الأهل والوطن ودين المسيح ما كنت فارقتكم وخرجت هي وأبوها ومضت إلى القصر وقالت له: ابشر بما يسرك هؤلاء وجوه القوم وساداتهم والذي عليه زي الروم هذا يوقنا بطريق حلب الذي طرده المسيح عن بابه والرأي عندي أن نطلبهم عندنا إلى هذا القصر ونقبض عليهم بحيث لا يقف أحد على سرنا قال ففرح أبوها بقولها وبعث حاجبه إلى الصحابة فأتى بهم وأنزلهم بعض حجر القصر.
قال الواقدي: وكان عمال أبيها من البطارقة والمقدمين علىالقلاع قد أتوا يهنئون أباها برجوعها إلى دين المسيح فقالت طاريون من الصواب أن نمضي أنا وأنت إلى هؤلاء العرب ونجلس عندهم ونأكل معهم حتى يطمئنوا الينا واقول لهم إني أريد أن.
أشاور أهل بلدي وأرباب دولتي فإما أن نصالحكم ونؤدي اليكم الجزية أو نقاتلكم ونبعث إليهم طعاما مبنجا فإذا أكلوه وحكم فيهم البنج قبضنا عليهم ونفعل بهم ما نريد وأشير به عليك قال فلما جن الليل أتت هي وأبوها عندهم وتحدثوا ساعة ومضوا فلما كان الغد جلس ابوها على سريره وعلمت أبنته أنه اشتغل بما هو فيه فأتت طاريون إلى الصحابة وقالت لهم إذا جئت الليلة أنا وأبي فدونكم وإياه لا تمهلوه فقد اتفق رايه على كذا وكذا فشكروها على فعلها ومضت عنهم فلما كان الليل جاءت ومعها أبوها وتقدمت كأنها تحجبه واشارت إليهم بأن لا تعجلوا وأمهلوه فامسكوا عنه وتحدثوا ساعة وخرجا من عندهم فلما خلا مع ابنته قال لها أما قولك نقبض على هؤلاء العرب فليس بصواب وإني أريد أن أجمع بطارقتي وولاة أمري من الحصون والقلاع وآخذ لك عليهم عهدا أن لا يخامروا عليك أبدا وإن يطيعوك وأرسل المال والذخائر وما نخاف عليه إلى قلعة يرقبوس فإنه أمنع قلاع الارض.
قال الواقدي: وهذه القلعة التي ذكرت في وسط بحيرة أرجيس لا سبيل لاحد عليها قال لها وإذا وليتك عليها أطلق هؤلاء العرب فإنه ما سبقني أحد من الملوك الىقبض الرسل وأيضا يتحدث عني إني فزعت من العرب وقد عولت على لقائهم فإن نصرت عليهم فذاك هو المراد وإن نصروا علي فلي اسوة بأمثالي من الملوك وقد أرسلت إلى الملك درفشيل صاحب أرزن الروم بأن يأتي الي بجنوده وعدته وعدده ووعدته أن أزوجه بأختك فاورثه فما ترين من الرأي قالت له: أيها الملك إذا عزمت على هذا الامر فلا تترك هؤلاء يمضون حتى يجتمع العسكر ويقدم الملك درفشيل بجيشه ولا يتخلف عنك أحد وبعد ذلك اترك هؤلاء فإذا ساروا إلى صاحبهم فسر أنت في أثرهم بالجيوش وأكبس عسكرهم.
فقال: يا بنية ليس من الرأي أن نطلقهم من أيدينا بل نبعث إلى صاحبهم نقول له أنهم مكرمون عندنا وقد رأينا أننا في يوم عيد ندبر فيه أمرنا فإما أن نصالحكم بأداء الجزية واما أن نقاتلكم والله ينصر من يشاء ونأمرهم أن ينزلوا في مرج بطان فإنه مرج واسع يصلح لملتقى العساكر ونضرب معهم مصفا ونحن أخبر منهم بالبلاد ونمسك عليهم الدروب فما ينجو منهم أحد ونسير إلى ديار بكر فنملكها ونأخذ أرض ربيعة ولا يبقى في هذه البلاد ملك سوانا فقالت له طاريون: افعل ما تشاء وتركته وانصرفت إلى مكانها فلما عرفت أن أباها قد أغلق أبوابه أتت إلى الصحابة وعرفتهم بما قال أبوها فقال خالد: الله يسر لنا الامر من غير تعب وإذا أراد الله أمرا هيأ أسبابه فقال يوقنا وكيف ذلك يا صاحب رسول الله فقال خالد: نعم نحن أمورنا بحمد الله منوطة بالنصر وقد كفانا كل أمر واعلموا أن هذا الرجل قد عول أن يبعث ليجمع ملوكه وجيوشهم.
ويحرضهم على قتالنا والصواب أننا نصبر حتى يجتمعوا فقالت طاريون لقد نطقت بالصواب يا صاحب رسول الله ووفقت ولعل أن يحصلوا كلهم في أيديكم إن شاء الله فإن أبي لا يقدر أن يوليني إلا في البيعة بحضرة أصحاب القلاع والحصون ويأخذ لي عليهم العهد وبعد ما يفعلون ذلك تثورون عليهم أن شاء الله ولعل أن يكون في جملتهم صاحب أرزن ونرسل العبد الصالح يوقنا بزي صاحب أرزن فلعله يملكها أن شاء الله تعالى ونكون ظفرنا بالأرب وخرجت من عندهم.
قال الواقدي: حدثنا صالح بن عمران عن عبد الرحمن بن الحسن عمن حدثه قالوا جميعا أو من قال منهم أنه لما أتفق الرأي من الملك صاحب خلاط على ما ذكرنا واصبح الصباح أرسل وراء صاحب أعماله وولاة الحصون أن يحضروا عنده فأتوا بأجمعهم ولم يتخلف منهم أحد وأتى درفشيل من أرزق ومعه عسكره وكان اجتماعهم في ليالي عيدهم الكبير فزينوا البيعة وجاءت القسوس والرهبان من كل مكان ودخلوا البيعة وصلوا وقربوا القربان فلما فرغوا من قربانهم وصلاتهم جلس الملك على سريره وابنته واقفه عن يمينه فقال للملوك والبطارقة اعلموا انني ما جمعتكم إلا لامر أعرضه عليكم وفيه سداد أمركم وملككم ودينكم وقد عولت على انني أولي أمركم الملكة طاريون فإنها كما علمتم من أصحاب العقل والرأي والتدبير في الحرب والشجاعة والبراعة فإن قضى علي فإنها تكون مالكة فما تقولون فقاموا بأجمعهم وصقعوا له وقالوا: نعم الرأي الذي رايته أيها الملك فانجز أمرك فعندها وثب قائما وأزال التاج عن رأسه ووضعه على رأس طاريون وأمسك بيدها وأجلسها على السرير ووقف عن يمينها كأنه حاجب ووقف صاحب أرزن عن يسارها وصعقت لها الملوك وبايعوها وتقدمت القسوس والرهبان وأخذوا لها عليهم العهد والميثاق وأجابوا بالسمع والطاعة وبعدها زوجوا أخت طاريون بولد صاحب أرزن وخرجوا من البيعة في خدمة طاريون إلى قصر الملك وأكلوا السماط وخلعت عليهم وزينت المدينة وضربوا خيامهم بظاهر البلد وعولوا على قتال المسلمين.
قال الواقدي: حدثني اسرائيل بن إسحاق عن أبي الاحوص قال بلغني أن عياض بن غنم لما وجه خالدا إلى مدينة ارمينية وهي أخلاط واستبطأهم ساءت به الظنون فيهم فارتحل من بدليس إلى أرض أرزن ونزل بالمرج ووجه عيونه إلى خلاط فغابوا عنه اياما وعادوا إليه وأخبروه أن الملك قد ولى ابنته طاريون على المملكة وقد عقد لها التاج على رأسها وبايعها الملوك وزينوا المملكة من أجل ذلك وقدم صاحب أرزن الروم وزوج أخت الملكة لابنه وإن القوم قد عولوا على لقائكم فلما سمع عياض ذلك قال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم غدروا أصحابنا فقال المسلمون كيف ذلك يا صاحب رسول الله قال: لان اصحابنا مضوا لامر يرومونه وقد وفد عليهم فقالوا: ثق بالله.
وتوكل عليه وأقام عياض على المرج عشرة أيام وحصل له مرض على أمر الصحابة فأتته الناس يعودونه فقال إذا أراد الله بعبده خيرا زاره الناس.
قال الواقدي: وعوفى عياض فبينما هو قد ركب مع وجوه الصحابة وهم يسيرون وقلبه مشغول من قبل خالد ومن معه وإذ قد أتاه سعيد بن زيد وهو ينادي الوحا الوحا العجل العجل فأسرع إليه عياض وقال: ما بك يا ابن زيد يرحمك الله فقال ألحق خالدا ومن معه فقد وقعوا في بحر اللجاج وهم في وسطه فلما سمع عياض ذلك قال: وكيف قال أن طاريون لما ولاها أبوها الملك وجعل العهد لها ظفرت بابيها فقتلته وبعثت وراء الملوك على لسان أبيها فلما جاءوا اليها قتلتهم وإن بعض غلمانها اطلع على سرها فمضى إلى بقية البطارقة والولاة فأخبرهم بما صنعت فلبسوا السلاح وقعدوا على أهبة فلما كان بالامس ركبت هي في جيش ابيها إلى الميدان وركبنا نحن لركوبها فما علمنا إلا والقوم قد أطبقوا علينا وقالوا: لنا أظننتم أن المسيح غفل عن أمركم وإنه لا يؤاخذكم بذنوبكم وقد أمكن الصليب منكم وهموا بأخذنا فقاتلناهم قتالا شديدا ما سمع أحد بمثله وملأنا الأرض من قتلاهم فلما جن الليل وضعت الحرب أوزارها وانفصل الجيش مع صاحب أرزن الروم وبقي مع الجارية نفر يسير من غلمانها وغلمان أبيها فأفاضت عليهم الخلع والنعم وبعثت إلى الارمن تقول لهم إنما فعلت ذلك شفقة عليكم وصونا لحريمكم لانهم ارادوا أن يقبضوا على هؤلاء العرب ويقتلوهم فكان أصحابهم لا يتركون منكم مخبرا فلما بلغهم ذلك قال العقلاء منهم والله لقد فعلت معنا كل خير وأجابها من القوم خمسة آلاف رجل وإني تركت المصف وجئت اليكم مستنفرا فلما سمع عياض كلام سعيد أمر الناس بالرحيل وسار سيرا خفيفا وخببا إلى أن أشرفوا عليهم وإذا بالحرب قد قامت على ساقها فكبر عياض ومن معه فارتجت منهم تلك الأرض والجبال وحملوا وكان خالدا وأصحابه قد أرضوا الله بقتالهم فقاتلوا قتالا ما سمع على وجه الأرض بمثله ولم يزالوا كذلك حتى انقشع الغبار وانفصل القتار وافتقدوا من قتل فوجدوا من قتل من بادية الاعراب مائة وعشرين رجلا وافتقد معاذ ابن جبل ولده فلم يجده فلما جن الليل دخل ومعه رجال من المسلمين إلى المعمعة فوجدوه يجود بنفسه وقد ناله جراحات فحملوه إلى رحله وجلس ابوه عند رأسه فقال عبد الرحمن بن غنم أخو عياض لما رأيته يجود بنفسه بكيت وانتحبت فقال له: مه وهذه الغزوة أحب الي من كل غزوة غزوتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم قال له: يا بني ستلقي ربك وكان لما أذن المؤذن للظهر فما انصرف العسكر من صلاتهم إلا وقد كفنه في دراعته وهو متضمخ بدمائه فجاءه الناس فوجدوه قد دفنه فقالوا له: يرحمك الله هلا كنت انتظرتنا حتى نحضر جنازته قال ليس ذلك من السنة وإن ذلك فعل الجاهلية وقد كنا نشتهي أن نبطىء بموتانا ولكنا أمرنا بانجاز موتانا فلما دفنه في القبر ورجع إلى رحله غسل راسه ولحيته واكتحل ولبس برديه وأتى إلى خيمة عياض وهو يكثر من الابتسام والتكبير وليس به إلا ما يسليه عن ذلك وقال هنيئا لك يا ولدي فقال له عبد الرحمن: وماذا قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من مات له ابن وكان به ضنينا وكان عليه عزيزا فحسن عليه عزاؤه ولم يرمنه شيء في قضاء الله إلا غفر له وللميت وأبداله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله وزوجه الله من الحور العين» ولما طلع النهار ركب المسلمون وطلبوا الجهاد وإذا بخيل قد أتت وعليها فرسان بغير سلاح فلما قربوا منهم ترجلوا وقصدوا الأمير فابتدر إليهم يوقنا وقال لهم: من أنتم قالوا: نحن أصحاب ارزن الروم وهذا مقدمنا وأشاروا إلى شيخ منهم حسن الشيبة فراطنه يوقنا فقال أن الله دلني عليكم وبت الليلة على نية القتال فرايت المسيح بن مريم في النوم وهو يأمرني باتباع محمد وقال لي: أن نبي هؤلاء العرب هو الذي بشرت به فمن عدل عنه فليس مني فلما سمع يوقنا قوله ترجل هو وجميع من كان معه ومشوا معه إلى عياض وحدثه بجميع ما جرى فقام له وصافحه هو والمسلمون وحدث عياضا بما حدث يوقنا ثم أسلم هو ومن معه ففرحت بذلك الجارية طاريون وسلمت إليه أختها وسار بها إلى أرزن الروم وأرسلوا معه عشرة من المسلمين ليدعوا أرزن الروم إلى الإسلام ويعلموهم شرائع الدين.
قال الواقدي: وهم رواحة بن عبد الله وسلامة بن عدي والمرقال بن الاكوع وابن خويلد وجرير بن صاعد وعبد الله بن صبرة وسهل بن سعد ومصعب بن ثابت وحازم بن معمر وابو نمير بن بشار قال: وودع درفشيل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتحل والعشرة معه حتى وصل أرزن الروم ففرح أهل المدينة بهم وخرجوا للقائهم فلما استقر الملك في مجلسه طلب أكابر الناس وحدثهم بما رآه وعرض عليهم الإسلام فأسلم أكثرهم وأقبل العشرة يعلمونهم شرائع الإسلام والقرآن قال: وسلم القلاع والحصون التي كانت لاخلاط المسلمين فمنهم من أسلم ومنهم من أقام على أداء الجزية من عامهم الآتي وبعث عياض إلى خوى وسلواس وما يلي تلك الأرض فأسلم أهلها إلا القليل وبعث من المسلمين رجالا يعلمونهم الشرائع واقر طاريون على أخلاط والله تعالى هو الموفق للصواب واليه المرجع والمآب.