فصل: كتب خالد بالفتح:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتوح الشام (نسخة منقحة)



.كتب خالد بالفتح:

قال الواقدي: ولقد بلغني أن خالدا رضي الله عنه لما رجع من غزوته ومسيره غانما ظن أن الخليفة أبا بكر الصديق رضي الله عنه حي لم يقبض فهم أن يكتب له كتابا بالفتح والبشارة وما غنم من الروم وابو عبيدة لا يخبره بذلك ولا يعلمه أن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه فدعا خالد بدواة وبياض وكتب بسم الله الرحمن الرحيم لعبد الله خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم من عامله على الشام خالد بن الوليد اما بعد سلام عليك فاني أحمد الله الذي لا إله إلا هو واصلي على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ثم أنا لم نزل في مكايدة العدو على حرب دمشق حتى انزل الله علينا نصره وقهر عدوه وفتحت دمشق عنوة بالسيف من باب شرقي وكان أبو عبيدة على باب الجابية فخدعته الروم فصالحوه على الباب الأخر ومنعني أن اسبي واقتل ولقيناه على كنيسة يقال لها:
كنيسة مريم وامامه القسس والرهبان ومعهم كتاب الصلح وأن صهر الملك توما واخر يقال له هربيس: خرجا من المدينة بمال عظيم واحمال جسيمة فسرت خلفها في عساكر الزحف وانتزعت الغنيمة من ايديهما وقتلت الملعونين واسرت ابنة الملك هرقل ثم اهديتها إليه ورجعت سالما وأنا منتظر امرك والسلام عليك وصلى الله على سيدنا محمد وعلى إله وصحبه وسلم وطوى الكتاب وختمه بخاتمه ودعا برجل من العرب يقال له عبد الله بن قرط: فدفع إليه الكتاب وسار إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم فوردها والخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقرأ عنوان الكتاب وإذا هو من خالد إلى خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر: أما عرف المسلمون وفاة ابي بكر رضي الله عنه فقال: لا يا أمير المؤمنين فقال قد وجهت بذلك كتابا إلى ابي عبيدة وأمرته على المسلمين وعزلت خالدا وما اظن أبا عبيدة يريد الخلافة لنفسه فسكت وقرأ الكتاب قال أصحاب السير في حديثهم ممن تقدم ذكرهم واسنادهم في أول الكتاب ممن روى فتوح الشام ونقلوها عن الثقاب منهم محمد بن إسحاق وسيف بن عمرو وابو عبد الله بن عمر الواقدي رضي الله عنه كل حدث بما رواه وسمعه ثقة عن ثقة قالوا: جميعا في اخبارهم إنه لما قبض أبو بكر الصديق رضي الله عنه وولى الأمر بعده عمر بن الخطاب رضي الله عنه وله من العمر اثنتان وخمسون سنة بايعه الناس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة تامة ولم يتخلف عن مبايعته أحد لا صغير ولا كبير وانقطع في امارته الشقاق والنفاق وانحسم الباطل وقام الحق وقوي السلطان في امارته وضعف كيد الشيطان وظهر أمر الله وهم كارهون ومن أمره إنه كان يجلس مع الفقير ويتلطف بالناس والمسلمين ويرحم الصغير ويوقر الكبير ويعطف على اليتيم وينصف المظلوم من الظالم حتى يرد الحق إلى اهله ولا تأخذه في الله لومة لائم وكان في امارته يدور في اسواق المدينة وعليه مرقعة وبيده درته وكانت درته أهيب من سيف الملوك وسيوفكم هذه وكان قوته في كل يوم خبز الشعير وادمه الملح الجريش وربما اكل خبزه بغير ملح تزهدا واحتباطا وترفقا على المسلمين ورأفة ورحمة لا يريد ذلك إلا الثواب من الله سبحانه وتعالى ولا يشغله شاغل عن اداء الفريضة وما اوجب الله عليه من حقوقه وسنة نبيه محمد عليه الصلاة والسلام قالت عائشة رضي الله عنها: ولقد تولى والله عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخلافة فجد في التشمر وترك عن نفسه التكبر ولقد كان أحرقه خبز الشعير والملح واراد أكل الزيت واليابس من التمر وربما أخذ شيئا من السمن ويقول: أكلت الزيت وخبز الشعير والملح والجون اهون غدا من نار جهنم من حل بها لم يمت ولم يجد فيها راحة ابدا قرارها بعيد وعذابها شديد وشرابها الصديد لا يؤذن لهم فيعتذرون جند الجنود في امارته وبعث العساكر وفتح الفتوحات ومصر الأمصار وكان يخاف عذاب النار رضي الله عنه.
قال الواقدي رحمه الله تعالى: ولقد بلغني أن هرقل لما بلغه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد ولى الأمر من بعد ابي بكر الصديق رضي الله عنه جمع الملوك والبطارقة وارباب دولته وقام فيهم خطيبا على منبر قد نصب له في كنيسة القسيسين وقال: يا بني الأصفر هذا الذي كنت أحذركم منه فلم تسمعوا مني وقد اشتد الأمر عليكم بولاية هذا الرجل الاسمر وقد دنا موعد صاحب الفتوح المشبه بنوح والله ثم والله لا بد أن يملك ما تحت سريري هذا الحذر ثم الحذر قبل وقوع الأمر ونزول الضرر وهدم القصور وقتل القسس وتبطيل الناقوس هذا صاحب الحرب والجالب على الروم والفرس الكرب هذا الزاهد في دنياه وهذا الغليظ على من أتبع في غير ملته هواه وإني ارجو لكم النصر أن امرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر وتركتم الظلم واتبعتم المسيح في اداء المفروضات ولزوم الطاعات وترك الزنا وانواع الخطايا وأن ابيتم إلا الفساد والفسوق والعصيان والركون إلى شهوات الدنيا يسلط الله عليكم عدوكم ويبلوكم بما لا طاقة لكم به ولقد أعلم أن دين هؤلاء سيظهر على كل دين ولا يزال اهله بخير ما لم يغيروا ويبدلوا فاما أن ترجعوا إليه واما أن تصالحوا القوم على اداء الجزية فلما سمع القوم ذلك نفروا وبادروا إليه وهموا بقتله فسكن غضبهم بلين كلامه ولاطفهم وقال لهم: إنما أردت أن أرى حميتكم لدينكم وهل تمكن خوف العرب في قلوبكم أم لا.
ثم استدعى برجل من المتنصرة يقال له طليعة بن ماران وضمن له مالا وقال له: انطلق من وقتك هذا إلى يثرب وانظر كيف تقتل عمر بن الخطاب فقال له طليعة: نعم أيها الملك ثم تجهز وسار حتى ورد مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكمن حولها وإذا بعمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج يشرف على أموال اليتامى ويفتقد حدائقهم فصعد المتنصر إلى شجرة ملتفة الأغصان فاستتر بأوراقها وإذا بعمر رضي الله عنه قد اقبل إلى أن قرب من الشجرة التي عليها المتنصر ونام على ظهره وتوسد بحجر فلما نام هم المتنصر أن ينزل إليه ليقتله وإذا بسبع أقبل من البرية فطاف حوله وأقبل يلحس قدميه وإذا بهاتف يقول: يا عمر عدلت فأمنت فلما استيقظ عمر رضي الله عنه ذهب السبع ونزل المتنصر وترامى على عمر رضي الله عنه فقبل يديه وقال بأبي أنت وأمي أفدى من الكائنات من السباع تحرسه والملائكة تصفه والجن تعرفه ثم أعلمه بما كان منه وأسلم على يديه.
قال الواقدي: ثم أن عمر رضي الله عنه كتب كتابا لابي عبيدة بن الجراح يقول فيه: قد وليتك على الشام وجعلتك أميرا على المسلمين وعزلت خالد بن الوليد والسلام ثم سلم الكتاب إلى عبد الله بن قرط وأقام قلقا على ما يرد عليه من أمور المسلمين وصرف همته إلى الشام.

.تولية أبي عبيدة:

قال الواقدي: حدثني رافع بن عميرة الطائي قال حدثني يونس بن عبد الأعلى وقد قرأت عليه بجامع الكوفة قال حدثني عبد الله بن سالم الثقفي عن أشياخه الثقات قال لما كانت الليلة التي مات فيها أبو بكر الصديق رضي الله عنه رأى عبد الرحمن بن عوف الزهري رضي الله عنه رؤيا قصها على عمر رضي الله عنه وكانت تلك الليلة بعينها قال رأيت دمشق والمسلمون حولها وكأني أسمع تكبيرهم في أذني وعند تكبيرهم وزحفهم رأيت حصنا قد ساخ في الأرض حنى لم أر منه شيئا ورأيت خالدا وقد دخلها بالسيف وكأن نارا أمامه وكأنه وقع على النار فانطفأت فقال الإمام علي كرم الله وجهه ورضي الله تعالى عنهم اجمعين أبشر فقد فتح الشام هذه الليلة أو قال يومك هذا أن شاء الله تعالى فبعد أيام قدم عقبة ابن عامر الجهني صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه كتاب الفتح فلما رآه قال: يا ابن عامر كم عهدك قال قلت يوم الجمعة: قال: ما معك من الخبر فقلت: خير وبشارة وإني سأذكرها بين يدي الصديق رضي الله عنه فقال قبض والله حميدا وصار إلى رب كريم وقلدها عمر الضعيف في جسمه فإن عدل فيها نجا وأن ترك أو خلط هلك قال عقبة بن عامر: فبكيت وترحمت على أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأخرجت الكتاب فدفعته إليه فلما قرأه نظر فيه وكتم الأمر إلى وقت صلاة الجمعة فلما خطب وصلى ورقى المنبر واجتمع المسلمون إليه وقرأ عليهم كتاب الفتح فضج المسلمون بالتهليل والتكبير وفرحوا ثم نزل عن المنبر وكتب إلى أبي عبيدة رضي الله عليه بتوليته وعزل خالد ثم سلمني الكتاب وأمرني بالرجوع قال فرجعت إلى دمشق فوجدت خالدا قد سار خلف توما وهربيس فدفعت الكتاب إلى ابي عبيدة فقرأه سرا ولم يخبر أحدا بموت ابي بكر الصديق رضي الله عنه ثم كتم أمره وكتم عزل خالد وتوليته على المسلمين حتى ورد خالد من السرية فكتب الكتاب بفتح دمشق ونصرهم على عدوهم وبما ملكوا من مرج الديباج واطلاق بنت الملك هرقل وسلم الكتاب إلى عبد الله بن قرط فلما ورد به إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقرأ عنوان الكتاب من خالد بن الوليد إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه إنكر الأمر ورجعت حمرته إلى البياض وقال: يا بن قرط أما علم الناس بموت أبي بكر رضي الله عنه وتوليتي أبا عبيدة بن الجراح قال عبد الله بن قرط قلت: لا فغضب وجمع الناس إليه وقام على المنبر ثم قال: يا معاشر الناس إني أمرت أبا عبيدة الرجل الأمين وقد رأيته لذلك أهلا وقد عزلت خالدا عن امارته فقال رجل من بني مخزوم أتعزل رجلا قد أشهر الله بيده سيفا قاطعا ونصربه دينه وأن الله لا يعذرك في ذلك ولا المسلمين أن أنت أغمدت سيفا وعزلت أميرا أمره الله لقد قطعت الرحم ثم سكت الرجل فنظر عمر رضي الله عنه إلى الرجل المخزومي فرآه غلاما حدث السن فقال شاب حدث السن.
غضب لابن عمه ثم نزل على المنبر وأخذ الكتاب وجعله تحت رأسه وجعل يؤامر نفسه في عزل خالد فلما كان من الغد صلى صلاة الفجر وقام فرقى المنبر خطيبا فحمد الله وأثنى عليه وذكر الرسول صلى الله عليه وسلم فصلى عليه وترحم على أبي بكر الصديق رضي الله عنه ثم قال: أيها الناس إني حملت امانة عظيمة وإني راع وكل راع مسؤول عن رعيته وقد جئت لاصلاحكم والنظر في معايشكم وما يقربكم إلى ربكم أنتم ومن حضر في هذا البلد فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من صبر على أذاها وشرها كنت له شفيعا يوم القيامة» وبلادكم بلاد لا زرع فيها ولا ضرع ولا ماء أوقر به الإبل لآمن مسيرة شهر وقد وعدنا الله مغانم كثيرة وإني أريدها للخاصة والعامة لأؤدي الأمانة والتوقير للمسلمين وما كرهت ولاية خالد على المسلمين إلا لأن خالدا فيه تبذير المال يعطي الشاعر إذا مدحه ويعطي للمجد والفارس بين يديه فوق ما يستحقه من حقه ولا يبقى لفقراء المسلمين ولا لضعافهم شيئا وإني أريد عزله وولاية أبي عبيدة مكانه والله يعلم إني ما وليته إلا أمينا فلا يقول: قائلكم عزل الرجل الشديد وولى الأمين اللين للمسلمين فإن الله معه يسدده ويعينه ثم نزل عن المنبر وأخذ جلد أدم منشور وكتب إلى أبي عبيدة كتابا فيه.
بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عمر بن الخطاب أمير المؤمنين إلى أبي عبيدة عامر بن الجراح سلام عليك فاني أحمد الله الذي لا إله إلا هو وأصلي على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وبعد فقد وليتك أمور المسلمين فلا تستحي فإن الله لا يستحي من الحق وإني أوصيك بتقوى الله الذي يبقي ويفني ما سواه والذي استخرجك من الكفر إلى الإيمان ومن الضلال إلى الهدى وقد استعملتك على جند ما هنالك مع خالد فاقبض جنده واعزله عن امارته ولا تنفذ المسلمين إلى هلكة رجاء غنيمة ولا تنفذ سرية إلى جمع كثير ولا تقل إني أرجو لكم النصر فإن النصر انما يكون مع اليقين والثقة بالله وإياك والتغرير بالقاء المسلمين إلى الهلكة وغض عن الدنيا عينيك واله عنها قلبك وإياك أن تهلك كما هلك من كان قبلك فقد رأيت مصارعهم وخبرت سرائرهم وإنما بينك وبين الآخرة ستر الخمار وقد تقدم فيها سلفك وأنت كأنك منتظر سفرا ورحيلا من دار قد مضت نضرتها وهبت زهرتها فأحزم الناس فيها الراحل منها إلى غيرها ويكون زاده التقوى وراع المسلمين ما استطعت وما الحنطة والشعير الذي وجدت بدمشق وكثرت في ذلك مشاجرتكم فهو للمسلمين وأما الذهب والفضة ففيهما الخمس والسهام وأما اختصامك أنت وخالد في الصلح او القتال فأنت الولي وصاحب الأمر وأن صلحك جرى على الحقيقة إنها للروم فسلم إليهم ذلك والسلام ورحمة الله وبركاته عليك وعلى جميع المسلمين.
وأما هديتك ابنة الملك هرقل فهديتها إلى ابيها بعد أسرها تفريط وقد كان يأخذ في فديتها مالا كثيرا يرجع به على الضعفاء من المسلمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وطوى الكتاب وختمه بخاتمة ثم دعا بعامر بن أبي وقاص أخي سعد ودفع الكتاب إليه وقال له: انطلق إلى دمشق وسلم كتابي هذا إلى ابي عبيدة وامره أن يجمع الناس إليه واقرأه أنت على الناس يا عامر واخبره بموت ابي بكر الصديق رضي الله عنه ثم دعا عمر رضي الله عنه شداد بن أوس فصافحه وقال له: أمض أنت وعامر إلى الشام فإذا قرأ أبو عبيدة الكتاب فأمر الناس يبايعونك لتكون بيعتك بيعتي.
قال الواقدي: فانطلقا يجدان في السير إلى أن وصلا إلى دمشق والناس مقيمون بها ينتظرون ما يأتيهم من خبر أبي بكر الصديق رضي الله عنه وما يأمرهم به فأشرف صاحبا عمر رضي الله عنه على المسلمين وقد طالت اعناقهم إليهما وفرحوا بقدومهما فاقبلا حتى نزلا في خيمة خالد رضي الله عنه وقال له عامر بن أبي وقاص: تركته يعني عمر بخير ومعي كتاب وانه أمرني أن اقرأه على الناس بالاجتماع فاستنكر خالد ذلك واستراب الأمر وجمع المسلمين إليه فقام عامر أبي وقاص فقرأ الكتاب فلما انتهى إلى وفاة أبي بكر الصديق رضي الله عنه ارتفع للناس ضجة عظيمة بالبكاء والنحيب وبكى خالد رضي الله عنه وقال أن كان أبو بكر قد قبض وقد استخلف عمر فالسمع والطاعة لعمر وما أمر به وقرأ عامر الكتاب إلى آخره فلما سمع الناس بما فيه من أمر المبايعة لشداد بن أوس بايعوه وكانت المبايعة بدمشق لثلاث خلت من شهر شعبان سنة ثلاث عشر من الهجرة.
قال الواقدي رحمه الله تعالى: قد بلغني إنه كان على العدو بعد عزله اشد فظاعة وأصعب جهادا لاسيما في حصن أبي القدس.