فصل: باب قول الله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه} الآية (الأعراف: 180).

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: القول المفيد على كتاب التوحيد (نسخة منقحة)



.باب قول الله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه} الآية [الأعراف: 180].

هذا الباب يتعلق بتوحيد الأسماء والصفات، لأن هذا الكتاب جامع لأنواع التوحيد الثلاثة:توحيد العبادة، وتوحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات.
وتوحيد الأسماء والصفات: هو إفراد الله عز وجل بما ثبت له من صفات الكمال على وجه الحقيقة، بلا تمثيل ولا تكييف ولا تعطيل.
لأنك إذا عطلت لم تثبت، وإن مثلت لم توحد، والتوحيد مركب من إثبات ونفي، أي: إثبات الحكم للموحد ونفيه عما عداه، فمثلًا إذا قلت: زيد قائم، لم توحده بالقيام، وإذا قلت: زيد غير قائم، لم تثبت له القيام، وإذا قلت: لا قائم إلا زيد، وحدته بالقيام وإذا قلت لا إله إلا الله وحده بالألوهية وإذا اثبت الله الأسماء والصفات دون أن يماثله أحد فهذا هو توحيد الأسماء والصفات، وإن نفيتها عنه، فهذا تعطيل، وإن مثلت، فهذا إشراك.
قوله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى}. طريق التوحيد هنا تقديم الخبر لأن تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر، ففي الآية توحيد الأسماء لله.
وقوله: {الحسنى}. مؤنث أحسن، فهي اسم تفضيل، ومعنى الحسنى، أي: البالغة في الحسن أكمله، لأن اسم التفضيل يدل على هذا، والتفضيل هنا مطلق، لأن اسم التفضيل قد يكون مطلقًا مثل زيد الأفضل وقد يكون مقيدًا مثل: زيد أفضل من عمرو.
وهنا التفضيل مطلق، لأنه قال: {ولله الأسماء الحسنى}.
فأسماء الله تعالى بالغة في الحسن أكمله من كل وجه، ليس فيها نقص لا فرضًا ولا احتمالًا.
وما يخبر به عن الله أوسع مما يسمي به الله، لأن الله يخبر عنه بالشيء ويخبر عنه بالمتكلم والمريد، مع أن الشيء لا يتضمن مدحًا والمتكلم والمريد يتضمنان مدحًا من وجه وغير مدح من وجه، ولا يسمي الله بذلك، فلا يسمي بالشيء ولا بالمتكلم ولا بالمريد، لكن يخبر بذلك عنه.
وقد سبق لنا مباحث قيمة في أسماء الله تعالى:
الأول: هل أسماء الله تعالى أعلام أو أوصاف؟
الثاني: هل أسماء الله مترادفة أو متباينة؟
الثالث: هل أسماء الله هي الله أو غيره؟
الرابع: أسماء الله توفيقية.
الخامس: أسماء الله غير محصورة بعدد معين.
السادس: أسماء الله إذا كانت متعدية، فإنه يجب أن تؤمن بالاسم والصفة وبالحكم الذي يسمى أحيانًا بالأثر، وإن كانت غير متعدية، فإنه يجب أن تؤمن بالاسم والصفة.
السابع: إحصاء أسماء الله معناه:
1. الإحاطة بها لفظًا ومعني.
2. دعاء الله بها، لقوله تعالى: {فادعوه بها}، وذلك بأن تجعلها وسيلة لك عند الدعاء، فتقول: يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم! وما أشبه ذلك.
3. أن تتعبد لله بمقتضاها، فإذا علمت أنه رحيم تتعرض لرحمته، وإذا علمت أنه غفور تتعرض لمغفرته، وإذا علمت أنه سميع اتقيت القول الذي يغضبه، وإذا علمت أنه بصير أجتنبت الفعل الذي لا يرضاه.
قوله: {فادعوه بها}. الدعاء هو السؤال، والدعاء قد يكون بلسان المقال، مثل: اللهم! إغفر لي يا غفور وهكذا، أو بلسان الحال وذلك بالتعبد له، ولهذا قال العلماء: إن الدعاء داء مسألة ودعاء عبادة، لأن حقيقة الأمر أن المتعبد يرجو بلسان حاله رحمة الله ويخاف عقابه.
والأمر بدعاء الله بها يتضمن الأمر بمعرفتها، لأن لا يمكن دعاء الله بها إلا بعد معرفتها.
وهذا خلافًا لما قاله بعض المداهنين في وقتنا الحاضر: إن البحث في الأسماء والصفات لا فائدة فيه ولا حاجة إليه.
أيريدون أن يعبدوا شيئًا لا أسماء له ولا صفات؟!
أم يريدون أن يداهنوا هؤلاء المحرفين حتى لا يحصل جدل ولا مناظرة معهم؟! وهذا مبدأ خطير أن يقال للناس لا تبحثوا في الأسماء والصفات، مع أن الله أمرنا بدعائه بها، والأمر للوجوب، ويقتضي وجوب علمنا بأسماء الله، ومعلوم أيضًا أننا لا نعلمها أسماء مجردة عن المعاني، بل لابد أن لها معاني فلا بد أن نبحث فيها، لأن علمها ألفاظًا مجردة لا فائدة فيه، وإن قدر أن فيه فائدة بالتعبد باللفظ، فإنه لا يحصل به كمال الفائدة.
واعلم أن دعاء الله بأسمائه له معنيان:
الأول: دعاء العبادة، وذلك بأن تتعبد لله بما تقتضيه تلك الأسماء، ويطلق على الدعاء عبادة، قال تعالى: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي} [غافر: 60]، ولم يقل: عن دعائي، فدل على أن الدعاء عبادة.
فمثلًا الرحيم يدل على الرحمة، وحينئذ تتطلع إلى إسباب الرحمة وتفعلها.
والغفور يدل على المغفرة، وحينئذ تتعرض لمغفرة الله عز وجل بكثرة التوبة والاستغفار كذلك وما أشبه ذلك.
والقريب: يقتضي أن تتعرض إلى القرب منه بالصلاة وغيرها، وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد.
والسميع: يقتضي أن تتعبد لله بمقتضى السمع، بحيث لا تسمع الله قولًا يغضبه ولا يرضاه منك.
والبصير: يقتضي أن تتعبد لله بمقتضى ذلك البصر بحيث لا يرى منك فعلًا يكرهه منك.
الثاني: دعاء المسألة، وهو أن تقدمها بين يدي سؤالك متوسلًا بها إلى الله تعالى.
مثلًا: يا حي، يا قيوم اغفر لي وارحمني، وقال: «فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم»، والإنسان إذا دعا وعلل، فقد أثني على ربه بهذا الاسم طالبًا أن يكون سببًا للإجابة، والتوسل بصفة المدعو المحبوبة له سبب للإجابة، فالثناء على الله بأسمائه من أسباب الإجابة.
قوله تعالى: {وذروا الذين يلحدون}.
{ذروا}: اتركوا: {الذين}: مفعول به، وجملة يلحدون صلة الموصول.
ثم توعدهم بقوله: {سيجزون ما كانوا يعملون}، وهو الإلحاد، أي: سيجزون جزاءه المطابق للعمل تمامًا، ولهذا يعبر الله تعالى بالعمل عن الجزاء إشارة للعدل، وأنه لا يجزى الإنسان إلا بقدر عمله.
والمعنى ذروهم، أي: لا تسلكوا مسلكهم ولا طريقهم: فإنهم على ضلال وعدوان، وليس المعنى عدم مناصحتهم وبيان الحق لهم، إذ لا يترك الظالم على ظلمه، ويحتمل أن المراد بقوله: {ذروا} تهديدًا للملحدين.
والإلحاد: مأخوذ من اللحد، وهو الميل، لحد وألحد بمعنى مال، ومنه سمي الحفر بالقبر لحدًا، لأنه مائل إلى جهة القبلة.
والإلحاد في أسماء الله: الميل بها عما يجب فيها، وهو أنواع:
الأول: أن ينكر شيئًا من الأسماء أو مما دلت عليه من الصفات أو الأحكام، ووجه كونه إلحادًا أنه مال بها عما يجب لها، إذ الواجب إثباتها وإثبات ما تتضمنه من الصفات والأحكام.
الثاني: أن يثبت لله أسماء لم يسم الله بها نفسه، كقوله الفلاسفة في الله: إنه علة فاعلة في هذا الكون تفعل، وهذا الكون معلول لها، وليس هناك إله.
وبعضهم يسميه العقل الفعال، فالذي يدير هذا الكون هو العقل الفعال، وكذلك النصاري يسمون الله أبًا وهذا إلحاد.
الثالث: أن يجعلها دالة على التشبيه، فيقول: الله سميع بصير قدير، والإنسان سميع بصير قدير، اتفقت هذه الأسماء، فيلزم أن تتفق المسميات، ويكن الله سبحانه وتعالى ممائلًا للخلق، فيتدرج بتوافق الأسماء إلى التوافق بالصفات.
ووجه الإلحاد: أن أسماء دالة على معان لائقة بالله لا يمكن أن تكون مشابهة لما تدل عليه من المعاني في المخلوق.
الرابع: أن يشتق من هذه الأسماء للأصنام، كتسمية اللات من الإله أو من الله، والعزى من العزيز، ومناة من المنان حتى يلقوا عليها شيئاَ من الألوهية ليبرروا ما هم عليه.
واعلم أن التعبير بنفي التمثيل أحسن من التعبير بنفي التشبيه، لوجوه ثلاثة:
1. أنه هو الذي نفاه الله في القرآن، فقال: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} [الشوري:11].
2. أنه ما من شيئين موجودين إلا وبينهما تشابه من بعض الوجوه، واشتراك في المعنى من بعض الوجوه.
فمثلًا: الخالق والمخلوق اشتركًا في معنى الوجود، لكن وجود هذا يخصه ووجود هذا يخصه، وكذلك العلم والسمع والبصر ونحوها اشترك فيها الخالق والمخلوق في أصل المعنى، ويتميز كل واحد منهما بما يختص به.
3. أن الناس اختلفوا في معنى التشبيه حتى جعل بعضهم إثبات الصفات تشبيهًا، فيكون معنى بلا تشبيه، أي: بلا إثبات صفات على اصطلاحهم.
قوله تعالى: {سيجزون ما كانوا يعملون} لم يقل يجزون العقاب إشارة إلى أن الجزاء من جنس العمل، وهذا وعيد، وهو كقوله تعالى: {سنفرغ لكم أيه الثقلان} [الرحمن: 31]، وليس المعنى أن الله عز وجل مشغول الآن وسيخلفه الفراغ فيما بعد.
قوله: {يعملون}. العمل يطلق على القول والفعل، قال تعالى: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرًّا يره} [الزلزلة: 7-8] وهذا يكون في الأفعال والأقوال.
ذكر ابن أبي حاتم عن ابن عباس: {يلحدون في أسمائه}: (يشركون). وعنه: (سموا اللات من الإله، والعزي من العزيز). وعن الأعمش: (يدخلون فيها ما ليس منها).
قول ابن عباس: (يشركون). تفسير للإلحاد، ويتضمن الإشراك بها في جهتين:
1. أن يجعلوها دالة على المماثلة.
2. أو يشتقوا منها أسماء للأصنام، كما في الرواية الثانية عن ابن عباس التي ذكرها المؤلف، فمن جعلها دالة على المماثلة، فقد أشرك لأنه جعل لله مثيلًا، ومن أخذ منها أسماء لأصنامه، فقد أشرك لأنه جعل مسميات هذه الأسماء مشاركة لله عز وجل.
وقوله: (وعنه). أي: ابن عباس.
قوله: (سموا اللات من الإله..) وهذا أحد نوعي الإشراك بها أن يشتق منها أسماء للأصنام.
تنبيه:
فيه كلمة تقولها النساء عندنا وهي: (وعزالي)، فما هو المقصود بها؟
الجواب: المقصود أنها من التعزية، أي: أنها تطلب الصبر والتقوىة وليست تندب العزى التي هي الصنم، لأنها قد لا تعرف أن هناك صنمًا اسمه العزى ولا يخطر ببالها هذا، وبعض الناس قال: يجب إنكارها، لأن ظاهر اللفظ أنها تندب العزى، وهذا شرك، ولكن نقول: لو كان هذا هو المقصود لوجب الإنكار، لكننا نعلم علم اليقين أن هذا غير مقصود، بل يقصد بهذا اللفظ التقوى والصبر والثبات على هذه المصيبة.
قوله: (عن الأعمش: يدخلون فيها ما ليس منها). هذا أحد أنواع الإلحاد، وهو أن يسمى الله بما لم يسم به نفسه، ومن زاد فيها فقد ألحد، لأن الواجب فيها الوقوف على ما جاء به السمع.
* تتمة:
جاءت النصوص بالوعيد على الإلحاد في آيات الله تعالى كما في قوله تعالى: {إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا} [فصلت: 40]، فقوله: {لا يخفون علينا} فيها تهديد، لأن المعنى سنعاقبهم، والجملة مؤكدة بأن.
* وآيات الله تنقسم إلى قسمين:
1. آيات كونية: وهي كل المخلوقات من السماوات والأرض والنجوم والجبال والشجر والدواب وغير ذلك، قال الشاعر:
فواعجبًا كيف يعصي الإله ** أم كيف يجحده الجاحد

وفي كل شيء له آية ** تدل على أنه واحد

والإلحاد في الآيات الكونية ثلاثة أنواع:
1. اعتقاد أن أحدًا سوى الله منفرد بها أو ببعضها.
2. اعتقاد أن أحدًا مشارك لله فيها.
3. اعتقاد أن لله فيها معينًا في إيجادها وخلقها وتدبيرها.
والدليل قوله تعالى: {قل أدعو الذين زعمتهم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير} [سبأ: 22]، ظهير، أي: معين.
وكل ما يخل بتوحيد الربوبية، فإنه داخل في الإلحاد في الآيات الكونية.
2. آيات شرعية، وهو ما جاء به الرسل من الوحي كالقرآن، قال تعالى: {بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم} [العنكبوت: 49].
والإلحاد في الآيات الشرعية ثلاثة أنواع:
1. تكذيبها فيما يتعلق بالأخبار.
2. مخالفتها فيما يتعلق بالأحكام.
3. التحريف في الإخبار والأحكام.
والإلحاد في الآيات الكونية والشرعية حرام.
ومنه ما يكون كفرًا، كتكذيبها، فمن كذب شيئًا مع اعتقاده أن الله ورسوله أخبرا به، فهو كافر.
ومنه ما يكون معصية من الكبائر، كقتل النفس والزنا.
ومنه ما يكون معصية من الصغائر، كالنظر لأجنبية لشهوة.
* قال الله تعالى في الحرم: {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب إليم} [الحج: 25]، فسمي الله المعاصي والظلم إلحادًا، لأنها ميل عما يجب أن يكون عليه الإنسان، إذ الواجب عليه السير على صراط الله تعالى، ومن خالف، فقد ألحد.
فيه مسائل:
الأولى: إثبات الأسماء. الثانية: كونها حسنى. الثالثة: الأمر بدعائه بها.الرابعة: ترك من عارض من الجاهلين الملحدين. الخامسة: تفسير الإلحاد فيها. السادسة: وعيد من ألحد.
* فيه مسائل:
* الأولى: إثبات الأسماء. يعني لله تعالى، وتؤخذ من قوله: {ولله الأسماء}، وهذا خبر متضمن لمدلوله من ثبوت الأسماء لله، وفي الجملة حصر لتقديم الخبر، والحصر باعتبار كونها حسنى لا باعتبار الأسماء.
وأنكر الجهمية وغلاة المعتزلة ثبوت الأسماء لله تعالى.
* الثانية: كونها حسنى. أي بلغت في الحسن أكمله، لأن (حسنى) مؤنث أحسن، وهي أسم تفضيل.
* الثالثة: الأمر بدعائه بها. والدعاء نوعان: دعاء مسألة، ودعاء عبادة وكلاهما مأمور فيه أن يدعي الله بهذه الأسماء الحسنى، وسبق تفصيل ذلك..
* الرابعة: ترك من عارض من الجاهلين الملحدين. أي: ترك سبيلهم، وليس المعنى أن لا ندعوهم ولا نبين لهم، والآية تتضمن أيضًا التهديد.
* الخامسة: تفسير الإلحاد فيها. وقد سبق بيان أنواعه.
* السادسة: وعيد من ألحد. وتؤخذ من قوله تعالى: {سيجزون ما كانوا يعملون}.