فصل: وقوله تعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا} (النساء: 36).

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: القول المفيد على كتاب التوحيد (نسخة منقحة)



.وقوله تعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا} [النساء: 36].

* الآية الرابعة قوله تعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا} الآية.
{ولا تشركوا} في مقابل: (لا إله)؛ لأنها نفي.
وقوله: {واعبدوا} في مقابل: (إلا إله)؛ لأنها إثبات.
وقوله: {شيئًا} نكرة في سياق النهي؛ فتعم كل شيء: لا نبيًّا، ولا ملكًا، ولا وليًّا، بل ولا أمرًا من أمور الدنيا؛ فلا تجعل الدنيا شريكًا مع الله، والإنسان إذا كان همه الدنيا كان عابدًا لها؛ كما قال: «تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميلة، تعس عبد الخميصة».
قوله: {وبالوالدين إحسانًا} يقال فيها ما قيل في الآية السابقة.
قوله: {وبذي القربى واليتامى والمساكين}؛ أي: إحسانًا.
وذو القربى هم من يجتمعون بالشخص في الجد الرابع.
واليتامى: جَمْعُ يتيم، وهو الذي مات أبوه، ولم يبلغ.
والمساكين: هم الذين عدموا المال فأسكنهم الفقر.
وابن السبيل: هو المسافر الذي انقطعت به النفقة.
قوله: {والجار ذي القربى والجار الجنب} الجار: الملاصق للبيت، أو من حوله، وذي القربى؛ أي: القريب، والجار الجنب؛ أي: الجار البعيد.
قوله: {والصاحب بالجانب}، قيل: إنه الزوجة، وقيل: صاحبك في السفر، لأنه يكون إلى جنبك، ولكل منهما حق؛ فالآية صالحة لهما.
قوله: {وما ملكت أيمانكم} هذا يشمل الإحسان إلى الأرقّاء والبهائم؛ لأن الجميع ملك اليمين.
قوله: {إن الله لا يحب من كان مختالًا فخورًا}.
المختال: في هيئته.
والفخور: في قوله، والله لا يحب هذا ولا هذا.

.وقوله تعالى: {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئًا} [الأنعام: 151] الآيات.

* الآية الخامسة إلى السابعة قوله تعالى: {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم}.
الخطاب للنبي، أمره الله أن يقول للناس: {تعالوا}؛ أي أقبلوا، وهلموا، وأصله من العلو كأن المنادي يناديك أن تعلو إلى مكانه، فيقول: تعالى؛ أي: ارتفع إلي.
وقوله: {أتل} بالجزم جوابًا للأمر في قوله: {تعالوا}.
وقوله: {ما حرّم ربكم عليكم} (ما) اسم موصول مفعول لأتل، والعائد محذوف، والتقدير: ما حرمه ربكم عليكم.
وقال: {ربكم} ولم يقل: ما حرم الله؛ لأن الرب هنا أنسب، حيث إن الرب له مطلق التصرف في المربوب، والحكم عليه بما تقتضيه حكمته.
قوله: {ألا تشركوا} أن: تفسيرية، تفسر: {اتل ما حرم}؛ أي: أتلو عليكم ألا تشركوا به شيئًا، وليست مصدرية، وقد قيل به، وعلى هذا القول تكون (لا) زائدة، ولكن القول الأول أصح، أي: أتل عليكم عدم الإشراك؛ لأن الله لم يحرم علينا أن لا نشرك به، بل حرم علينا أن نشرك به، وما يؤيد أنّ (أنْ) تفسيرية أن (لا) هنا ناهية لتتناسب الجمل؛ فتكون كلها طلبية.
قوله: {وبالوالدين إحسانًا}، أي: وأتل عليكم الأمر بالإحسان إلى الوالدين.
قوله: {ولا تقتلوا أولادكم}، بعد أن ذكر حق الأصول ذكر حق الفروع.
والأولاد في اللغة العربية: يشمل الذكر والأنثى، قال تعالى: {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين} [النساء: 11].
قوله: {من إملاق}، الإملاق: الفقر، و: {من} للسببية والتعليل؛ أي: بسبب الإملاق.
قوله: {نحن نرزقكم وإيّاهم}، أي: إذا أبقيتموهم؛ فإنّ الرزق لن يضيق عليكم بإبقائهم، لأن الذي يقوم بالرزق هو الله.
وبدأ هنا برزق الوالدين؛ وفي سورة الإسراء بدأ برزق الأولاد، والحكمة في ذلك أنه قال هنا: {من إملاق}؛ فالإملاق حاصل، فبدأ بذكر الوالدين اللذين أملقا، وهناك قال: {خشية إملاق} [الإسراء: 31]؛ فهما غنيان، لكن يخشيان الفقر، فبدأ برزق الأولاد قبل رزق الوالدين.
وتقييد النهي عن قتل الأولاد بخشية الإملاق بناءٍ على واقع المشركين غالبًا، فلا مفهوم له.
قوله: {ولا تقربوا الفواحش}، لم يقل: لا تأتوا؛ لأن النهي عن القرب أبلغ من النهي عن الإتيان؛ لأن النهي عن القرب نهي عنها، وعما يكون ذريعة إليها، ولذلك حَرُم على الرجل أن ينظر إلى المرأة الأجنبية، وأن يخلو بها، وأن تسافر المرأة بلا محرم؛ لأن ذلك يقرب من الفواحش.
قوله: {ما ظهر منها وما بطن}، قيل: ما ظهر فحشه، وما خفي؛ لأن الفواحش منها شيء مستفحش في نفوس جميع الناس، ومنها شيء فيه خفاء.
وقيل: ما أظهرتموه، وما أسررتموه، فالإظهار: فعل الزنا- والعياذ بالله- مجاهرةً، والإبطان فعله سرًا.
وقيل: ما عظم فحشه، وما كان دون ذلك؛ لأنّ الفواحش ليست على حد سواء، ولهذا جاء في الحديث: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر»، وهذا يدل على أن الكبائر فيها أكبر وفيها ما دون ذلك.
قوله: {ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق}، النفس التي حرم الله: هي النفس المعصومة، وهي نفس المسلم، والذمي، والمعاهد، والمستأمن؛ بكسر الميم.
والحق: ما أثبته الشرع.
والباطل: ما نفاه الشرع.
فمن الحق الذي أثبته الشرع في قتل النفس المعصومة أن يزني المحصن فيرجم حتى يموت، أو يقتل مكافئه، أو يخرج على الجماعة، أو يقطع الطريق؛ فإنه يقتل، قال: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثّيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة».
وقال هناك: {ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق}، وقال قبلها: {ولا تقتلوا أولادكم}؛ فيكون النهي عن قتل الأولاد مكررًا مرتين: مرة بذكر الخصوص، ومرة بذكر العموم.
وقوله: {ذلكم وصاكم به}، المشار إليه ما سبق، والوصية بالشيء هي العهد به على وجه الاهتمام، ولهذا يقال: وصيته على فلان؛ أي: عهدت به إليه ليهتم به.
قوله: {تعقلون}، العقل هنا: حسن التصرف، وأما في قوله تعالى: {إنا جعلناه قرآنًا عربيًّا لعلكم تعقلون} [الزخرف: 3]، فمعناه: تفهمون.
وفي هذا دليلٌ على أن هذه الأمور إذا التزم بها الإنسان؛ فهو عاقل رشيد، وإذا خالفها؛ فهو سفيه ليس بعاقل.
وقد تضمنت هذه الآية خمس وصايا:
الأولى: توحيد الله.
الثانية: الإحسان بالوالدين.
الثالثة: أن لا نقتل أولادنا.
الرابعة: أن لا نقرب الفواحش.
الخامسة: أن لا نقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق.
قوله: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن}، قوله: {ولا تقربوا} هذا حماية لأموال اليتامى أن لا نقربها إلا بالخصلة التي هي أحسن؛ فلا نقربها بأي تصرف إلا بما نرى أنه أحسن، فإذا لاح للولي تصرفان أحدهما أكثر ربحًا؛ فالواجب عليه أن يأخذ بما هو أكثر ربحًا لأنه أحسن.
والحسن هنا يشمل: الحسن الدنيوي، والحسن الديني، فإذا لاح تصرفان أحدهما أكثر ربحًا وفيه ربًا، والآخر أقل ربحًا وهو أسلم من الربا؛ فنقدم الأخير؛ لأن الحسن الشرعي مقدم على الحسن الدنيوي المادي.
قوله: {حتى يبلغ أشده}، {حتى} هنا: حرف غاية؛ فما بعدها مخالف لما قبلها.
أي: إذا بلغ أشده؛ فإننا ندفعه إليه بعد أن نختبره، وننظر في حسن تصرفه، ولا يجوز لنا أن نبقيه عندنا.
ومعنى أشده: قوته العقلية والبدنية، والخطاب هنا لأولياء اليتامى أو للحاكم على قول بعض أهل العلم، وبلوغ الأشد يختلف، والمراد به هنا الأشد الذي يكون به التكليف، وهو تمام خمسة عشرة سنة، أو إنبات العانة أو الإنزال.
قوله: {وأوفوا الكيل والميزان}، أي: أوفوا الكيل إذا كلتم فيما يكال من الأطعمة والحبوب.
وأوفوا الميزان: إذا وزنتم فيما يوزن؛ كاللحوم مثلًا.
والأمر بالإيفاء شاملٌ لجميع ما تتعامل به مع غيرك؛ فيجب عليك أن توفي بالكيل والوزن وغيرهما في التعامل.
قوله: {بالقسط}، أي: بالعدل، ولما كان قوله: {بالقسط} قد يشق بعض الأحيان؛ لأن الإنسان قد يفوته أن يوفي الكيل أو الوزن أحيانًا، أعقب ذلك بقوله: {لا نكلف نفسًا إلا وسعها}، أي: طاقتها، فإذا بذل جهده وطاقته، وحصل النقص؛ فلا يعد مخالفًا؛ لأن ما خرج عن الطاقة معفو عنه فيه، كما أن هذه الجملة تفيد العفو من وجه، وهو ما خرج عن الوسع؛ فإنها تفيد التغليظ من وجه، وهو أن على المرء أن يبذل وسعه في الإيفاء بالقسط، ولكن منى تبين الخطأ وجب تلافيه لأنه داخل في الوسع.
قوله: {وإذ قلتم فاعدلوا}، معناه: أي قول تقوله؛ فإنه يجب عليك أن تعدل فيه، سواء كان ذلك لنفسك على غيرك، أو لغيرك على نفسك، أو لغيرك على غيرك، أو لتحكم بين اثنين؛ فالواجب العدل؛ إذ العدل في اللغة الاستقامة، وضده الجور والميل، فلا تمل يمينًا ولا شمالًا، ولم يقل هنا: {لا نكلف نفسًا إلا وسعها}؛ لأن القول لا يشق فيه العدل غالبًا.
قوله: {ولو كان ذا قربى}، أي: المقول له ذا قرابة، أي: صاحب قرابة، فلا تحابيه لقرابته، فتميل معه على غيره من أجله؛ فأجعل أمرك إلى الله- عزّ وجلّ- الذي خلقك، وأمرك بهذا، وإليه سترجع. ويسألك- عز وجل- ماذا فعلت في هذه الأمانة.
وقد أقسم أشرف الخلق، وسيد ولد آدم، وأعدل البشر، محمد، وقال: «وايم الله؛ لو أن فاطمة بنت محمد سرقت؛ لقطعت يدها».
قوله: {وبعهد الله أوفوا}، قدم المتعلق؛ للاهتمام به، وعهد الله: ما عهد به إلى عباده، وهي عبادته سبحانه وتعالى والقيام بأمره؛ كما قال عز وجل: {ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبًا وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضًا حسنًا} [المائدة: 12]، هذا ميثاق من جانب المخلوق، وقوله تعالى: {لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار} [المائدة: 12]، هذا من جانب الله- عز وجل-.
قوله: {ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون}، هذه الآية الكريمة فيها أربع وصايا من الخالق عز وجل:
الأولى: أن لا نقرب مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن.
الثانية: أن نوفي الكيل والميزان بالقسط.
الثالثة: أن نعدل إذا قلنا.
…الرابعة: أن نوفي بعهد الله.
والآية الأولى فيها خمس وصايا. صار الجميع تسع وصايا.
ثم قال عز وجل: {وأن هذا صراطي مستقيمًا فاتبعوه}، هذه هي الوصية العاشرة، فقوله: {وأن هذا صراطي} يحتمل أن المشار إليه ما سبق؛ لأنك لو تأملته وجدته محيطًا بالشرع كله؛ إما نصًا، وإما إيماءً، ويحتمل أن المراد به ما علم من دين الله؛ أي: هذا الذي جاءكم به الرسول هو صراطي؛ أي: الطريق الموصل إليه سبحانه وتعالى.
والصراط يضاف إلى الله- عز وجل-، ويضاف إلى سالكه؛ ففي قوله تعالى: {صراط الذين أنعمت عليهم} [الفاتحة: 7] هنا أضيف إلى سالكه، وفي قوله تعالى: {صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض} [الشورى: 53] هنا أضيف إلى الله- عز وجل-؛ فإضافته إلى الله- عز وجل- لأنه موصل إليه، ولأنه هو الذي وضعه لعباده- جل وعلا-، وإضافته إلى سالكه لأنهم هم الذين سلكوه.
قوله: {مستقيمًا} هذه حال من (صراط)؛ أي: حال كونه مستقيمًا لا اعوجاج فيه فاتبعوه.
قوله: {ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله} السبل؛ أي: الطرق الملتوية الخارجة عنه.
وتفرق: فعل مضارع منصوب بأن بعد فاء السببية، لكن حذفت منه تاء المضارعة، وأصلها: (تتفرق)، أي أنكم إذا اتبعتم السبل تفرقت بكم عن سبيله، وتشتت بكم الأهواء وبعدت.
وهنا قال: {السبل}: جمع سبيل، وفي الطريق التي أضافها الله إلى نفسه قال: {سبيله} سبيل واحد؛ لأن سبيل الله- عز وجل- واحد، وأما ما عداه؛ فسبل متعددة، ولهذا قال النبي: «وستفترق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار، إلا واحدة»؛ فالسبيل المنجي واحد، والباقية متشعبة متفرقة، ولا يرد على هذا قوله تعالى: {يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام} [المائدة: 16]، لأن (سبل) في الآية الكريمة؛ وإن كانت مجموعة؛ لكن أضيفت إلى السلام فكانت منجية، ويكون المراد بها شرائع الإسلام.
وقوله: {ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون}، أي: ذلك المذكور وصاكم لتنالوا به درجة التقوى، والالتزام بما أمر الله به ورسوله.