فصل: (قول ابن مسعود: من أراد.....):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: القول المفيد على كتاب التوحيد (نسخة منقحة)



.(قول ابن مسعود: من أراد.....):

قال ابن مسعود: من أراد أن ينظر إلى وصية محمد التي عليها خاتمة؛ فليقرأ قوله تعالى: {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئًا} إلى قوله: {وأن هذا صراطي مستقيمًا فاتبعوه ولا تتبعوا السبل} [الأنعام: 151- 153] الآية.
* قوله: قال ابن مسعود: (من أراد...) إلخ. الاستفهام هنا للحث والتشويق، واللام في قوله: (فليقرأ) للإرشاد.
قوله: (وصية محمد)، الوصية بمعنى العهد، ولا يكون العهد وصية إلا إذا كان في أمر هام.
وقوله: (محمد)، أي: رسول الله محمد بن عبد الله الهاشمي القرشي، وهذا التعبير من ابن مسعود يدل على جواز مثله، مثل: قال محمد رسول الله، ووصية محمد، ولا ينافي قوله تعالى: {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضًا} [النور: 63]؛ لأن دعاء الرسول هنا أي: مناداته؛ فلا تقولوا عند المناداة: يا محمد! ولكن قولوا: يا رسول الله! أما الخبر؛ فهو أوسع من باب الطلب، ولهذا يجوز أن تقول: أنا تابعٌ لمحمد، أو اللهم! صل على محمد، وما أشبه ذلك.
قوله: (التي عليها خاتمه)، الخاتم بمعنى التوقيع.
وقوله: (وصية محمد) ليست وصية مكتوبة مختومًا عليها؛ لأن النبي لم يوص بشيء، ويدل لذلك: أن أبا جحيفة سأل علي بن أبي طالب: هل عهد إليكم النبي بشيء؟ فقال: لا. والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا فهمًا يؤتيه الله تعالى في القرآن، وما في هذه الصحيفة. قيل: وما في هذه الصحيفة؟ قال: العقل، وفكاك الأسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر.
فلا يظنّ أن النبي أوصى بهذه الآيات وصية خاصة مكتوبة، لكن ابن مسعود رضي الله عنه يرى أن هذه الآيات قد شملت الدين كلّه؛ فكأنها الوصية التي ختم عليها رسول الله وأبقاها لأمته.
وهي آيات عظيمة، إذا تدبرها الإنسان وعمل بها؛ حصلت له الأوصاف الثلاثة الكاملة: العقل، والتذكر، والتقوى.
وقوله: (فليقرأ قوله تعالى...) إلخ الآيات سبق الكلام عليها.

.(قول معاذ بن جبل قال: كنت رديف النبي على حمار...):

وعن معاذ بن جبل (رضي الله عنه)؛ قال: كنت رديف النبي على حمار، فقال لي: «يا معاذ! أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله؟». قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا».
قوله: (رديف) بمعنى رادف؛ أي: راكب معه خلفه؛ فهو فعيل بمعنى فاعل، مثل: رحيم بمعنى راحم، وسميع بمعنى سامع.
قوله: (على حمار)، أي: أهلي؛ لأن الوحشي لا يركب.
قوله: (أتدري)، أي: أتعلم.
قوله: (ما حق الله على العباد؟)، أي: ما أوجبه عليهم، وما يجب أن يعاملوه به، وألقاه على معاذ بصيغة السؤال؛ ليكون أشد حضورًا لقلبه حتى يفهم ما يقول.
قوله: (وما حق العباد على الله؟)، أي: ما يجب أن يعاملهم به، والعباد لم يوجبوا شيئًا، بل الله أوجبه على نفسه فضلًا منه على عباده، قال تعالى: {كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءًا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم} [الأنعام: 54].
فأوجب سبحانه على نفسه أن يرحم من عمل سوءًا بجهالة؛ أي: بسفه وعدم حسن تصرف ثم تاب من بعد ذلك وأصلح.
ومعنى كتب؛ أي: أوجب.
قوله: (قلت: الله ورسوله أعلم)، لفظ الجلالة الله: مبتدأ، و: (رسوله): معطوف عليه، وأعلم: خبر المبتدأ، وأفرد الخبر هنا مع أنه لاثنين؛ لأنه على تقدير: (مِنْ)، واسم التفضيل إذا كان على تقدير: (مِنْ)؛ فإن الأشهر فيه الإفراد والتذكير.
والمعنى: أعلم من غيرهما، وأعلم مني أيضًا.
قوله: (يعبدوه)، أي: يتذللوا له بالطاعة.
قوله: (ولا يشركوا به شيئًا)، أي: في عبادته وما يختص به، وشيئًا نكرة في سياق النفي؛ فتعم كل شيء لا رسولًا ولا ملكًا ولا وليًّا ولا غيرهم.
وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئًا. قلت: يا رسول الله! أفلا أبشر الناس؟ قال: «لا تبشرهم فيتكلوا». أخرجاه في (الصحيحين).
وقوله: «وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئًا»، وهذا الحق تفضل الله به على عباده، ولم يوجبه عليه أحد، ولا تظن أن قوله: (من لا يشرك به شيئًا) أنه مجرد عن العبادة؛ لأن التقدير: من يعبده ولا يشرك به شيئًا، ولم يذكر قوله: (من يعبده)؛ لأنه مفهوم من قوله: (وحق العباد)، ومن كان وصفه العبودية؛ فلابد أن يكون عابدًا.
ومن لم يعبد الله ولم يشرك به شيئًا؛ هل يعذب؟
الجواب: نعم، يعذب؛ لأن الكلام فيه حذف، وتقديره: من يعبده ولا يشرك به شيئًا، ويدل لهذا أمران:
الأول: قوله: (حق العباد)، ومن كان وصفه العبودية؛ فلابد أن يكون عابدًا.
الثاني: أن هذا في مقابل قوله فيما تقدم: (أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئًا)؛ فعلم أن المراد بقوله: (لا يشركوا به شيئًا)؛ أي: في العبادة.
قوله: (أفلا أبشر الناس)، أي: أأسكت فلا أبشر الناس؟ ومثل هذا التركيب: الهمزة ثم حرف العطف ثم الجملة لعلماء النحو فيه قولان:
الأول: أنّ بين الهمزة وحرف العطف محذوفًا يقدر بما يناسب المقام، وتقديره هنا: أأسكت فلا أبشر الناس؟.
الثاني: أنه لا شيء محذوف، لكن هنا تقديم وتأخير، وتقديره: فألا أبشر؟ فالجملة معطوفة على ما سبق، وموضع الفاء سابق على الهمزة؛ فالأصل: فألا أبشر الناس؟ لكن لما كان مثل هذا التركيب ركيكًا، وهمزة الاستفهام لها الصدارة؛ قدمت على حرف العطف، ومثل ذلك قوله تعالى: {أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت} [الغاشية: 17]، وقوله تعالى: {أفلا تبصرون} [السجدة: 27] وقوله تعالى: {أفلم يسيروا في الأرض} [الحج: 46].
والبشارة: هي الإخبار بما يسر.
وقد تستعمل في الإخبار بما يضر، ومنه قوله تعالى: {فبشرهم بعذاب أليم} [الانشقاق: 24]، لكن الأكثر الأول.
قوله: (لا تبشرهم)، أي: لا تخبرهم، ولا ناهية.
ومعنى الحديث أن الله لا يعذب من لا يشرك به شيئًا، وأن المعاصي تكون مغفورة بتحقيق التوحيد، ونهى عن إخبارهم؛ لئلا يعتمدوا على هذه البشرى دون تحقيق مقتضاها؛ لأن تحقيق التوحيد يستلزم اجتناب المعاصي؛ لأن المعاصي صادرة عن الهوى، وهذا نوع من الشرك، قال تعالى: {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه} [الجاثية: 23].
ومناسبة الحديث للترجمة: فضيلة التوحيد، وأنه مانع من عذاب الله.

.(مسائل):

* فيه مسائل:
الأولى: الحكمة من خلق الجن والإنس. الثانية: أن العبادة هي التوحيد، لأن الخصومة فيه.
المسائل:
* الأولى: الحكمة من خلق الجن والإنس، أخذها رحمه الله من قوله تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} [الذاريات: 56]؛ فالحكمة هي عبادة الله لا أن يتمتعوا بالمآكل والمشارب والمناكح.
الثانية: أن العبادة هي التوحيد، أي: أن العبادة مبنية على التوحيد؛ فكل عبادة لا توحيد فيها ليست بعباده، لاسيما أن بعض السلف فسروا قوله تعالى: {إلا ليعبدون}: إلا ليوحدون.
وهذا مطابق تمامًا لما استنبطه المؤلف رحمه الله من أن العبادة هي التوحيد؛ فكل عبادة لا تبنى على التوحيد فهي باطلة، قال: «قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرك فيه معي غيري؛ تركته وشركه».
وقوله: (لأن الخصومة فيه)، أي: في التوحيد بين الرسول وقريش؛ فقريش يعبدون الله يطوفون له ويصلون، ولكن على غير الإخلاص والوجه الشرعي؛ فهي كالعدم لعدم الإتيان بالتوحيد، قال تعالى: {وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله} [التوبة: 54].
* الثالثة: أن من لم يأت به، لم يعبد الله، ففيه معنى قوله: {ولا أنتم عابدون ما أعبد} [الكافرون: 3].
* الرابعة: الحكمة في إرسال الرسل.
* الخامسة: أن الرسالة عمت كل أمة.
* وقوله في الثالثة: ففيه معنى قوله: {ولا أنتم عابدون ما أعبد}، لستم عابدين عبادتي؛ لأن عبادتكم مبنية على الشرك، فليست بعبادة لله تعالى.
* الرابعة: الحكمة في إرسال الرسل، أخذها رحمه الله تعالى من قوله تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولًا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} [النحل: 36].
فالحكمة هي: الدعوة إلى عبادة الله وحده، واجتناب عبادة الطاغوت.
* الخامسة: أن الرسالة عمت كل أمة، أخذها من قوله تعال: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولًا} [النحل: 36].
السادسة: أن دين الأنبياء واحد. السابعة: المسألة الكبيرة أن عبادة الله لا تحصل إلى بالكفر بالطاغوت؛ ففيه معنى قوله تعالى: {فمن يكفر بالطاغوت} [البقرة: 256].
* السادسة: أن دين الأنبياء واحد، أخذها من قوله تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولًا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}، ومثله قوله تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} [الأنبياء: 25]، وهذا لا ينافى قوله تعالى: {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجًا} [المائدة: 48]؛ لأن الشرعة العملية تختلف باختلاف الأمم والأماكن والأزمنة، وأما أصل الدين؛ فواحد، قال تعالى: {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحًا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه} [الشورى: 13].
* السابعة: المسالة الكبيرة أن عبادة الله لا تحصل إلا بالكفر بالطاغوت.ودليله قوله تعالى: {واجتنبوا الطاغوت}، فمن عبَدَ الله ولم يكفر بالطاغوت؛ فليس بموحد، ولهذا جعل المؤلف رحمه الله هذه المسألة كبيرة؛ لأن كثيرًا من المسلمين جهلها في زمانه وفي زماننا الآن.
* تنبيه:
لا يجوز إطلاق الشرك أو الكفر أو اللعن على من فعل شيئًا من ذلك؛ لأن الحكم بذلك في هذه وغيرها له أسباب وله موانع؛ فلا نقول لمن أكل الربا: ملعون؛ لأنه قد يوجد مانع يمنع من حلول اللعنة عليه؛ كالجهل مثلًا، أو الشبهة، وما أشبه ذلك، وكذا الشرك لا نطلقه على من فعل شركًا؛ فقد تكون الحجة ما قامت عليه بسبب تفريط علمائهم، وكذا نقول: من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا؛ غفر له ما تقدم من ذنبه، ولكن لا نحكم بهذا لشخص معين، إذ إن الحكم المعلق على الأوصاف لا ينطبق على الأشخاص إلا بتحقق شروط انطباقه وانتفاء موانعه.
فإذا رأينا شخصًا يتبرز في الطريق؛ فهل نقول له: لعنك الله؟
الجواب: لا، إلا إذا أريد باللعن في قوله: «اتقوا الملاعن» أن الناس أنفسهم يلعنون هذا الشخص ويكرهونه، ويرونه مخلًا بالأدب مؤذيًا للمسلمين؛ فهذا شيء أخر.
فدعاء القبر شرك، لكن لا يمكن أن نقول لشخص معين فعله: هذا مشرك؛ حتى نعرف قيام الحجة عليه، أو نقول: هذا مشرك باعتبار ظاهر حاله.
الثامنة: أن الطاغوت عام في كل ما عبد من دون الله. التاسعة: عظم شأن الثلاث آيات المحكمات في سورة الأنعام عند السلف، وفيها عشر مسائل، أولها النهي عن الشرك.
* الثامنة: أن الطاغوت عام في كل ما عبد من دون الله. فكل ما عبد من دون الله، فهو طاغوت، وقد عرّفه ابن القيم: بأنه كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع، فالمعبود كالصنم، والمتبوع كالعالم، والمطاع كالأمير.
* التاسعة: عظم شأن الثلاث آيات المحكمات في سورة الأنعام، المحكمات؛ أي: التي ليس فيها نسخ، أخذ ذلك من قول ابن مسعود رضي الله عنه.
العاشرة: الآيات المحكمات في سورة الإسراء، وفيها ثماني عشر مسألةً، بدأها الله بقوله تعالى: {لا تجعل مع الله إلهًا آخر فتقعد مذمومًا مخذولًا} [الإسراء: 22]. وختمها بقوله تعالى: {ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنّم ملومًا مدحورًا} [الإسراء: 39]، ونبهنا الله سبحانه على عظم شأن هذه المسائل بقوله: {ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة} [الإسراء: 39].
* العاشرة: الآيات المحكمات في سورة الإسراء. وهي قوله تعالى: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه} [الإسراء: 23]، وفيها ثماني عشرة مسألة بدأها بقوله تعالى: {لا تجعل مع الله إلهًا آخر فتقعد مذمومًا مخذولًا}، وختمها بقوله تعالى: {ولا تجعل مع الله إلهًا آخر فتلقى في جهنم ملومًا مدحورًا}.
وقد نبهنا الله- سبحانه- على عظم شأن هذه المسائل بقوله تعالى: {ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة}.
فبدأها الله بالنهي عن الشرك بقوله تعالى: {لا تجعل مع الله إلهًا آخر فتقعد مذمومًا مخذولًا}، والقاعد ليس قائمًا؛ لأنه لا خير لمن أشرك بالله، مذمومًا عند الله وعند أوليائه، مخذولًا لا ينتصر في الدنيا ولا في الآخرة.
وختمها بقوله: {ولا تجعل مع الله إلهًا آخر فتلقى في جهنم ملومًا مدحورًا} [الإسراء: 39]، فهذه عقوبته عندما يلقى في النار كلٌّ يلومه ويدحره فيندحر والعياذ بالله.
الحادية عشرة: آية سورة النساء التي تسمى آية الحقوق العشرة، بدأها الله تعالى بقوله: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا} [النساء: 36]، الثانية عشرة: التنبيه على وصية رسول الله عند موته. الثالثة عشرة: معرفة حق الله علينا.
* الحادية عشرة: آية سورة النساء التي تسمى آية الحقوق العشرة، بدأها بقوله تعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا}، فأحق الحقوق حق الله، ولا تنفع الحقوق إلا بهP فبدئت هذه الحقوق به، ولهذا لما سأل النبي حكيم بن حزام عمن كان يتصدق ويعتق ويصل رحمه في الجاهلية هل له من أجر؟ فقال النبي: «أسلمت على ما أسلفت من الخير»؛ فدل على أنه إذا لم يسلم لم يكن له أجر، فصارت الحقوق كلها لا تنفع إلا بتحقيق حق الله.
* الثانية عشرة: التنبيه على وصية رسول الله عند موته. وذلك من حديث ابن مسعود رضى الله عنه، ولكن النبي لم يوص بها حقيقةً، بل أشار إلى أننا إذا تمسكنا بكتاب الله؛ فلن نضلّ بعده، ومن أعظم ما جاء به كتاب الله قوله تعالى: {قل تعالوا أتل ما حرّم ربكم عليكم} [الأنعام: 151].
* الثالثة عشرة: معرفة حق الله علينا. وذلك بأن نعبده ولا نشرك به شيئًا.
الرابعة عشرة: معرفة حق العباد عليه إذا أدوا حقه. الخامسة عشرة: أن هذه المسألة لا يعرفها أكثر الصحابة. السادسة عشرة: جواز كتمان العلم للمصلحة.
* الرابعة عشرة: معرفة حق العباد عليه إذا أدوا حقّه. وذلك بأن لا يعذّب من لا يشرك به شيئًا، أما من أشرك؛ فإنه حقيقٌ أن يعذّب.
* الخامسة عشرة: أن هذه المسألة لا يعرفها أكثر الصحابة. وذلك أن معاذًا أخبر بها تأثمًا، أي خروجًا من إثم الكتمان عند موته بعد أن مات كثيرٌ من الصحابة؛ وكأنه رضي الله عنه علم أن النبي كان يخشى أن يفتتن الناس بها ويتكلوا، ولم يرد كتمها مطلقًا؛ لأنه لو أراد ذلك لم يخبر بها معاذًا ولا غيره.
* السادسة عشرة: جواز كتمان العلم للمصلحة. هذه ليست على إطلاقها؛ إذ إن كتمان العلم على سبيل الإطلاق لا يجوز لأنه ليس بمصلحة، ولهذا أخبر النبي معاذًا ولم يكتم ذلك مطلقًا، وأما كتمان العلم في بعض الأحوال، أو عن بعض الأشخاص لا على سبيل الإطلاق؛ فجائزٌ للمصلحة؛ كما كتم النبي ذلك عن بقية الصحابة خشية أن يتّكلوا عليه، وقال لمعاذ: «لا تبشّرهم فيتّكلوا».
ونظير هذا الحديث قوله لأبي هريرة: «بشّر الناس أن من قال: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه دخل الجنّة».
بل قد تقتضي المصلحة ترك العمل؛ وإن كان فيه مصلحة لرجحان مصلحة الترك، كما هم النبي أن يهدم الكعبة ويبنيها على قواعد إبراهيم، ولكن ترك ذلك خشية افتتان الناس، لأنهم حديثو عهد بكفرٍ.
السابعة عشرة: استحباب بشارة المسلم بما يسرّه. الثامنة عشرة: الخوف من الاتكال على سعة رحمة الله.
* السابعة عشرة: استجاب بشارة المسلم بما يسره. لقوله: (أفلا أبشّر الناس؟)، وهذه من أحسن الفوائد.
* الثامنة عشرة: الخوف من الاتّكال على سعة رحمة الله. وذلك لقوله: «لا تبشّرهم فيتكلوا»، لأن الاتّكال على رحمة الله يسبب مفسدة عظيمة هي الأمن من مكر الله.
وكذلك القنوط من رحمة الله يبعد الإنسان من التوبة ويسبب اليأس من رحمة الله، ولهذا قال الإمام أحمد: (ينبغي أن يكون سائرًا إلى الله بين الخوف والرجاء؛ فأيهما غلب هلك صاحبه) فإذا غلب الرجاء أدى ذلك إلى الأمن من مكر الله، وإذا غلب الخوف أدى ذلك إلى القنوط من رحمة الله.
وقال بعض العلماء: إن كان مريضًا غلّب جانب الرجاء، وإن كان صحيحًا غلّب جانب الخوف.
وقال بعض العلماء: إذا نظر إلى رحمة الله وفضله غلّب جانب الرّجاء، وإذا نظر إلى فعله وعمله غلب جانب الخوف لتحصل التوبة.
ويستدلون بقوله تعالى: {والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة} [المؤمنون: 60]؛ أي: خائفة أن لا يكون تقبّل منهم لتقصير أو قصور، وهذا القول جيد، وقيل: يغلب الرجاء عند فعل الطاعة ليحسن الظن بالله، ويغلب جانب الخوف إذا هم بالمعصية لئلا ينتهك حرمات الله.
وفي قوله: (أفلا أبشّر الناس؟) دليل على أن التبشير مطلوب فيما يسرّ من أمر الدين والدنيا، ولذلك بشّرت الملائكة إبراهيم، قال تعالى: {وبشّروه بغلام عليم} [الذريات: 28]، وهو إسحاق، والحليم إسماعيل، وبشّر النبي أهله بابنه إبراهيم، فقال: «ولد لي الليلة ولد سميته باسم أبي إبراهيم»؛ فيؤخذ منه أنه ينبغي للإنسان إدخال السرور على إخوانه المسلمين ما أمكن بالقول أو بالفعل؛ ليحصل له بذلك خيرٌ كثيرٌ وراحة وطمأنينة قلب وانشراح صدر.
وعليه، فلا ينبغي أن يدخل السوء على المسلم، ولهذا يروى عن النبي: «لا يحدثني أحدٌ عن أحد بشيء، فإني أحبّ أن أخرج إليكم وأنا سليم الصّدر».
وهذا الحديث فيه ضعفٌ، لكن معناه صحيح؛ لأنه إذا ذكر عندك رجلٌ بسوءٍ؛ فسيكون في قلبك عليه شيءٌ ولو أحسن معاملتك، لكن إذا كنت تعامله وأنت لا تعلم عن سيئاته، ولا محذور في أن تتعامل معه؛ كان هذا طيبًا، وربما يقبل منك النصيحة أكثر، والنفوس ينفر بعضها من بعضٍ قبل الأجسام، وهذه مسائل دقيقةٌ تظهر للعاقل بالتأمّل.
التاسعة عشرة: قول المسؤول عما لا يعلم: الله ورسوله أعلم.
* التاسعة عشرة: قول المسؤول عما لا يعلم: الله ورسوله أعلم، وذلك لإقرار النبي معاذًا لما قالها، ولم ينكر النبي على معاذٍ، حيث عطف رسول الله على الله بالواو، وأنكر على من قال: (ما شاء الله وشئت)، وقال: «أجعلتني لله ندًّا؟! بل ما شاء الله وحده».
فيُقال: إن الرسول عنده من العلوم الشرعية ما ليس عند القائل، ولهذا لم ينكر الرسول على معاذ.
بخلاف العلوم الكونية القدرية؛ فالرسول ليس عنده علم منها.
فلو قيل: هل يحرم صوم العيدين؟
جاز أن نقول: الله ورسوله أعلم، ولهذا كان الصحابة إذا أشكلت عليهم المسائل ذهبوا إلى رسول الله فيبينها لهم، ولو قيل: هل يتوقع نزول مطر في هذا الشهر؟ لم يجز أن نقول: الله ورسوله أعلم، لأنه من العلوم الكونية.
العشرون: جواز تخصيص بعض الناس بالعلم دون بعض. الحادية والعشرون: تواضعه لركوب الحمار مع الإرداف عليه. الثانية والعشرون: جواز الأرداف على الدابة.
* العشرون: جواز تخصيص بعض الناس بالعلم دون بعض. وذلك لأن النبي خص هذا العلم بمعاذ دون أبي بكر وعمر وعثمان وعلي.
فيجوز أن نخصص بعض الناس بالعلم دون بعض، حيث أن بعض الناس لو أخبرته بشيء من العلم افتتن، قال ابن مسعود: «إنك لن تحدث قومًا بحدث لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة»، وقال علي: «حدثوا الناس بما يعرفون»، فيحدث كل أحد حسب مقدرته وفهمه وعقله.
* الحادية والعشرون: تواضعه لكروب الحمار مع الإرداف عليه. النبي أشرف الخلق جاهًا، ومع ذلك هو أشد الناس تواضعًا. حيث ركب الحمار وأردف عليه، وهذا في غاية التواضع؛ إذ إن عادة الكبراء عدم الإرداف، وركب الحمار، ولو شاء لركب ما أراد، ولا منقصة في ذلك؛ إذ إن من توضع لله- عز وجل- رفعه.
* الثانية والعشرون: جواز الإرداف على الدابة. وذلك أن النبي أردف معاذًا، لكن يشترط للإرداف أن لا يشق على الدابة، فإن شق؛ لم يجز ذلك.
الثالثة والعشرون: عظم شأن هذه المسألة. الرابعة والعشرون: فضيلة معاذ بن جبل.
* الثالثة والعشرون: عظم شأن هذه المسألة. حيث أخبر النبي معاذًا، وجعلها من الأمور التي يبشر بها.
* الرابعة والعشرون: فضيلة معاذ رضي الله عنه. وذلك أن النبي خصه بهذا العلم، وأردفه معه على الحمار.