فصل: فَصْلٌ: فِي كَرَاهَةِ الْحِيلَةِ لِلْإِسْقَاطِ وَعَدَمِهَا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (نسخة منقحة)



.فَصْلٌ: بَيَانُ الْحِيلَةِ فِي إسْقَاطِ الشُّفْعَةِ:

وَأَمَّا بَيَانُ الْحِيلَةِ فِي إسْقَاطِ الشُّفْعَةِ فَقَدْ ذَكَرُوا لِإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ حِيَلًا بَعْضُهَا يَعُمُّ الشُّفَعَاءَ كُلَّهُمْ وَبَعْضُهَا يَخُصُّ الْبَعْضَ دُونَ الْبَعْضِ أَمَّا الَّذِي يَعُمُّ كُلَّ الشُّفَعَاءِ فَنَحْوَ أَنْ يَشْتَرِيَ الدَّارَ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا أَلْفًا فَيَشْتَرِيهَا بِأَلْفَيْنِ وَيَنْقُدَ مِنْ الثَّمَنِ أَلْفًا إلَّا عَشَرَةً ثُمَّ يَبِيعَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْبَائِعِ عَرَضًا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةٍ فَتَحْصُلُ الدَّارُ لِلْمُشْتَرِي بِأَلْفٍ لَا يَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ إلَّا بِأَلْفَيْنِ، وَهَذِهِ الْحِيلَةُ لَيْسَتْ بِمُسْقِطَةٍ لِلشُّفْعَةِ شَرْعًا لَكِنَّهَا مَانِعَةٌ مِنْ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ عَادَةً أَلَا تَرَى أَنَّ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِأَلْفَيْنِ وَيَلْتَزِمَ الضَّرَرَ.
(وَأَمَّا) الَّذِي يَخُصُّ بَعْضَ الشُّفَعَاءِ دُونَ بَعْضٍ فَأَنْوَاعٌ مِنْهَا أَنْ يَبِيعَ دَارًا إلَّا ذِرَاعًا مِنْهَا فِي طُولِ الْحَدِّ الَّذِي يَلِي دَارَ الشَّفِيعِ، فَالشَّفِيعُ لَا يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ؛ أَمَّا فِي قَدْرِ الذِّرَاع فَلِانْعِدَامِ الشَّرْطِ وَهُوَ الْبَيْعُ وَأَمَّا فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ فَلِانْعِدَامِ السَّبَبِ وَهُوَ الْجِوَارُ، وَمِنْهَا أَنْ يَهَبَ الْبَائِعُ الْحَائِطَ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَارِ مَعَ أَصْلِهِ لِلْمُشْتَرِي مَقْسُومًا وَيُسَلِّمَهُ إلَيْهِ أَوْ يَهَبَ لَهُ مِنْ الْأَرْضِ قَدْرَ ذِرَاعٍ مِنْ الْجَانِبِ الَّذِي يَلِي دَارَ الشَّفِيعِ وَيُسَلِّمَهُ إلَيْهِ ثُمَّ يَبِيعَ مِنْهُ الْبَقِيَّةَ بِالثَّمَنِ فَلَا شُفْعَةَ لِلْجَارِ لَا فِي الْمَوْهُوبِ وَلَا فِي الْمَبِيعِ.
(أَمَّا) فِي الْمَوْهُوبِ فَلِانْعِدَامِ شَرْطِ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ- وَهُوَ الْبَيْعُ- وَأَمَّا فِي الْمَبِيعِ فَلِانْعِدَامِ سَبَبِ الْوُجُوبِ وَهُوَ الْجِوَارُ، وَمِنْهَا أَنْ يَبِيعَ الدَّارَ نِصْفَيْنِ فَيَبِيعَ الْحَائِطَ بِأَصْلِهِ أَوَّلًا بِثَمَنٍ كَثِيرٍ ثُمَّ يَبِيعَ بَقِيَّةَ الدَّارِ بِثَمَنٍ قَلِيلٍ فَلَا شُفْعَةَ لِلشَّفِيعِ شَرْعًا فِيمَا وَرَاءَ الْحَائِطِ لِانْعِدَامِ السَّبَبِ وَهُوَ الْجِوَارُ وَلَا يَأْخُذُ الْحَائِطَ عَادَةً لِكَثْرَةِ الثَّمَنِ.
وَمِنْهَا أَنْ يَبِيعَ الدَّارَ وَالْأَرْضَ فِي صَفْقَتَيْنِ فَيَبِيعَ مِنْ الدَّارِ بِنَاهَا وَمِنْ الْأَرْضِ أَشْجَارَهَا أَوَّلًا بِثَمَنٍ قَلِيلٍ ثُمَّ يَبِيعُ الْأَرْضَ بِثَمَنٍ كَثِيرٍ فَلَا شُفْعَةَ لِلشَّفِيعِ فِي الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ شَرْعًا لِانْفِرَادِهِمَا بِالصَّفْقَةِ، وَلَا يَأْخُذُ الْأَرْضَ بِذَلِكَ الثَّمَنِ عَادَةً لِيَضْمَنَ تَكْثِيرَ الثَّمَنِ وَمِنْهَا أَنْ يَبِيعَ الدَّارَ نِصْفَيْنِ فَيَبِيعُ عُشْرًا مِنْهَا بِثَمَنٍ كَثِيرٍ ثُمَّ يَبِيعَ الْبَقِيَّةَ بِثَمَنٍ قَلِيلٍ فَلَا يَأْخُذُ الشَّفِيعُ الْعُشْرَ بِثَمَنِهِ عَادَةً لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ، وَلَا شُفْعَةَ لَهُ فِي تِسْعَةِ أَعْشَارِهَا شَرْعًا لِأَنَّهُ حِينَ اشْتَرَى الْبَقِيَّةَ كَانَ شَرِيكَ الْبَائِعِ بِالْعُشْرِ، وَالشَّرِيكُ فِي الْبُقْعَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْجَارِ وَالْخَلِيطِ، وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ الْحِيلَةِ لَا يَصْلُحُ لِلشَّرِيكِ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ إذَا كَانَ شَرِيكًا لَهُ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَ الْبُقْعَةِ بِقَلِيلِ الثَّمَنِ أَيْضًا.
وَلَوْ كَانَتْ الدَّارُ لِصَغِيرٍ فَلَا تُبَاعُ بَقِيَّةُ الدَّارِ بِقَلِيلِ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إذْ هُوَ بَيْعُ مَالِ الصَّغِيرِ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ مِقْدَارُ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ عَادَةً.
وَالْوَلِيُّ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ فَالسَّبِيلُ فِيهِ أَنْ تُبَاعَ بَقِيَّةُ الدَّارِ بِثَمَنِ مِثْلِهِ.
(وَمِنْهَا) مَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنْ يُقِرَّ الْبَائِعُ بِسَهْمٍ مِنْ الدَّارِ لِلْمُشْتَرِي ثُمَّ يَبِيعَ بَقِيَّةَ الدَّارِ مِنْهُ فَلَا يَسْتَحِقُّ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ، أَمَّا فِي الْقَدْرِ الْمُقَرِّ بِهِ فَلِانْعِدَامِ شَرْطِ الِاسْتِحْقَاقِ وَهُوَ الْبَيْعُ.
وَأَمَّا فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ؛ فَلِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ صَارَ شَرِيكَ الْبَائِعِ فِي ذَلِكَ السَّهْمِ، وَالشَّرِيكُ فِي الْبُقْعَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْجَارِ وَالْخَلِيطِ، وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ كَانَ يُفْتِي بِوُجُوبِ الشُّفْعَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَيُخَطِّئُ الْخَصَّافَ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِي السَّهْمِ الْمُقَرِّ بِهِ لَمْ تَثْبُتْ إلَّا بِإِقْرَارٍ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ.

.فَصْلٌ: فِي كَرَاهَةِ الْحِيلَةِ لِلْإِسْقَاطِ وَعَدَمِهَا:

وَأَمَّا الْكَلَامُ فِي كَرَاهَةِ الْحِيلَةِ لِلْإِسْقَاطِ وَعَدَمِهَا فَالْحِيلَةُ إمَّا إنْ كَانَتْ بَعْدَ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ وَإِمَّا إنْ كَانَتْ قَبْلَ الْوُجُوبِ؛ فَإِنْ كَانَتْ بَعْدَ الْوُجُوبِ قِيلَ إنَّهَا مَكْرُوهَةٌ بِلَا خِلَافٍ وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي لِلشَّفِيعِ صَالَحْتُكَ عَلَى كَذَا كَذَا دِرْهَمًا عَلَى أَنْ تُسَلِّمَ لِي شُفْعَتَكَ فَيَقْبَلَ فَتَبْطُلُ شُفْعَتُهُ وَلَا يَسْتَحِقَّ بَدَلَ الصُّلْحِ، أَوْ يَقُولَ لَهُ اشْتَرِ الدَّارَ مِنِّي بِكَذَا فَيَقُولَ اشْتَرَيْتُ فَتَبْطُلَ شُفْعَتُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ قَبْلَ الْوُجُوبِ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا تُكْرَهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تُكْرَهُ.
(وَجْهُ) قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ شَرْعَ الْحِيلَةِ يُؤَدِّي إلَى سَدِّ بَابِ الشُّفْعَةِ وَفِيهِ إبْطَالُ هَذَا الْحَقِّ أَصْلًا وَرَأْسًا.
(وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إنَّ الْحِيلَةَ قَبْلَ الْوُجُوبِ مَنْعٌ مِنْ الْوُجُوبِ بِمُبَاشَرَةِ سَبَبِ الِامْتِنَاعِ شَرْعًا وَهَذَا جَائِزٌ كَالشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ وَسَائِرِ التَّمْلِيكَاتِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَمْنَعُ حُدُوثَ الْمِلْكِ لِلْبَائِعِ فِي الْمَبِيعِ بِمُبَاشَرَةِ سَبَبِ الِامْتِنَاعِ شَرْعًا وَهُوَ الشِّرَاءُ، وَكَذَا الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَسَائِرُ التَّمْلِيكَاتِ.
وَقَدْ خُرِّجَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ هَذَا إبْطَالٌ لِحَقِّ الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ إبْطَالَ الشَّيْءِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ ضَرَرٌ وَالْحَقُّ هاهنا لَمْ يَثْبُتْ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا تَكُونُ الْحِيلَةُ إبْطَالًا لَهُ بَلْ هُوَ مَنْعٌ مِنْ الثُّبُوتِ بِمُبَاشَرَةِ سَبَبِ الِامْتِنَاعِ شَرْعًا وَأَنَّهُ جَائِزٌ، فَمَا ذَكَرَهُ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ الْحُكْمُ الْمَرْوِيُّ وَمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ احْتِيَاطًا وَالْأَصْلُ فِي شَرْعِ الْحِيلَةِ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي قِصَّةِ سَيِّدِنَا أَيُّوبَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ} وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

.كِتَابُ الذَّبَائِحِ وَالصُّيُودِ:

نَحْتَاجُ فِي هَذَا الْكِتَابِ إلَى بَيَانِ الْمَأْكُولِ وَغَيْرِ الْمَأْكُولِ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ، وَإِلَى بَيَانِ الْمَكْرُوهِ مِنْهَا، وَإِلَى بَيَانِ شَرَائِطِ حِلِّ الْأَكْلِ فِي الْمَأْكُولِ، وَإِلَى بَيَانِ مَا يَحْرُمُ أَكْلُهُ مِنْ أَجْزَاءِ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَالْحَيَوَانُ فِي الْأَصْلِ نَوْعَانِ: نَوْعٌ يَعِيشُ فِي الْبَحْرِ، وَنَوْعٌ يَعِيشُ فِي الْبَرِّ أَمَّا الَّذِي يَعِيشُ فِي الْبَحْرِ فَجَمِيعُ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ الْحَيَوَانِ مُحَرَّمُ الْأَكْلِ إلَّا السَّمَكَ خَاصَّةً فَإِنَّهُ يَحِلُّ أَكْلُهُ إلَّا مَا طَفَا مِنْهُ وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَقَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى رَحِمَهُمُ اللَّهُ إنَّهُ يَحِلُّ أَكْلُ مَا سِوَى السَّمَكِ مِنْ الضُّفْدَعِ، وَالسَّرَطَانِ، وَحَيَّةِ الْمَاءِ وَكَلْبِهِ وَخِنْزِيرِهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ لَكِنْ بِالذَّكَاةِ، وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ إلَّا فِي إنْسَانِ الْمَاءِ وَخِنْزِيرِهِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَحِلُّ جَمِيعُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ ذَكَاةٍ وَأَخْذُهُ ذَكَاتَهُ، وَيَحِلُّ أَكْلُ السَّمَكِ الطَّافِي.
أَمَّا الْكَلَامُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَهُمْ احْتَجُّوا بِظَاهِرِ قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} وَاسْمُ الصَّيْدِ يَقَعُ عَلَى مَا سِوَى السَّمَكِ مِنْ حَيَوَانِ الْبَحْرِ فَيَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْكُلُّ حَلَالًا، وَبِقَوْلِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حِينَ «سُئِلَ عَنْ الْبَحْرِ فَقَالَ: هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ وَالْحِلُّ مَيْتَتُهُ» وَصَفَ مَيْتَةَ الْبَحْرِ بِالْحِلِّ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ السَّمَكِ وَغَيْرِهِ، وَلَنَا قَوْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْبَرِّيِّ وَالْبَحْرِيِّ، وَقَوْلُهُ عَزَّ شَأْنُهُ «وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ» وَالضُّفْدَعُ وَالسَّرَطَانُ وَالْحَيَّةُ وَنَحْوُهَا مِنْ الْخَبَائِثِ وَرُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «سُئِلَ عَنْ ضُفْدَعٍ يُجْعَلُ شَحْمُهُ فِي الدَّوَاءِ فَنَهَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنْ قَتْلِ الضَّفَادِعِ» وَذَلِكَ نَهْيٌ عَنْ أَكْلِهِ.
وَرُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا سُئِلَ عَنْهُ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «خَبِيثَةٌ مِنْ الْخَبَائِثِ» وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي الْآيَةِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الصَّيْدِ الْمَذْكُورِ هُوَ فِعْلُ الصَّيْدِ وَهُوَ الِاصْطِيَادُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الصَّيْدُ حَقِيقَةً لَا الْمِصْيَدُ؛ لِأَنَّهُ مَفْعُولُ فِعْلِ الصَّيْدِ، وَإِطْلَاقُ اسْمِ الْفِعْلِ يَكُونُ مَجَازًا وَلَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْ حَقِيقَةِ اللَّفْظِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ؛ وَلِأَنَّ الصَّيْدَ اسْمٌ لِمَا يَتَوَحَّشُ وَيَمْتَنِعُ وَلَا يُمْكِنُ أَخْذُهُ إلَّا بِحِيلَةٍ إمَّا لِطَيَرَانِهِ أَوْ لِعَدْوِهِ وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ حَالَةَ الِاصْطِيَادِ لَا بَعْدَ الْأَخْذِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ لَحْمًا بَعْدَهُ وَلَمْ يَبْقَ صَيْدًا حَقِيقَةً لِانْعِدَامِ مَعْنَى الصَّيْدِ وَهُوَ التَّوَحُّشُ وَالِامْتِنَاعُ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ عُطِفَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ عَزَّ شَأْنُهُ «وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا» وَالْمُرَادُ مِنْهُ الِاصْطِيَادُ مِنْ الْمُحْرِمِ لَا أَكْلُ الصَّيْدِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُبَاحٌ لِلْمُحْرِمِ إذَا لَمْ يَصْطَدْهُ بِنَفْسِهِ وَلَا غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا دَلِيلَ فِي الْآيَةِ عَلَى إبَاحَةِ الْأَكْلِ بَلْ خَرَجَتْ لِلْفَصْلِ بَيْنَ الِاصْطِيَادِ فِي الْبَحْرِ وَبَيْنَ الِاصْطِيَادِ فِي الْبَرِّ لِلْمُحْرِمِ.
وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَالْحِلُّ مَيْتَتُهُ السَّمَكُ خَاصَّةً بِدَلِيلِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ: الْمَيْتَتَانِ السَّمَكُ وَالْجَرَادُ، وَالدَّمَانِ الْكَبِدُ وَالطِّحَالُ» فُسِّرَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِالسَّمَكِ وَالْجَرَادِ فَدَلَّ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا السَّمَكُ وَيُحْمَلُ الْحَدِيثُ عَلَى السَّمَكِ وَتَخْصِيصِهِ بِمَا تَلَوْنَا مِنْ الْآيَةِ وَرَوَيْنَا مِنْ الْخَبَرِ.
(وَأَمَّا) الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الطَّافِي فَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ احْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ} مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} أَيْ: أُحِلَّ لَكُمْ طَعَامُهُ وَهَذَا يَتَنَاوَلُ مَا صِيدَ مِنْهُ وَمَا لَمْ يُصَدْ وَالطَّافِي لَمْ يُصَدْ فَيَتَنَاوَلُهُ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي صِفَةِ الْبَحْرِ «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ وَالْحِلُّ مَيْتَتُهُ» وَأَحَقُّ مَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الْمَيْتَةِ الطَّافِي؛ لِأَنَّهُ الْمَيِّتُ حَقِيقَةً وَبِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ الْمَيْتَتَانِ السَّمَكُ وَالْجَرَادُ» فَسَّرَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْمَيْتَةَ بِالسَّمَكِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الطَّافِي وَغَيْرِهِ.
وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ «نَهَى عَنْ أَكْلِ الطَّافِي» وَعَنْ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَا تَبِيعُوا فِي أَسْوَاقِنَا الطَّافِيَ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: مَا دَسَرَهُ الْبَحْرُ فَكُلْهُ وَمَا وَجَدْتَهُ يَطْفُو عَلَى الْمَاءِ فَلَا تَأْكُلْهُ.
وَأَمَّا الْآيَةُ فَلَا حُجَّةَ لَهُ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {وَطَعَامُهُ} مَا قَذَفَهُ الْبَحْرُ إلَى الشَّطِّ فَمَاتَ كَذَا قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ وَذَلِكَ حَلَالٌ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطَافٍ إنَّمَا الطَّافِي اسْمٌ لِمَا مَاتَ فِي الْمَاءِ مِنْ غَيْرِ آفَةٍ وَسَبَبٍ حَادِثٍ وَهَذَا مَاتَ بِسَبَبٍ حَادِثٍ وَهُوَ قَذْفُ الْبَحْرِ فَلَا يَكُونُ طَافِيًا وَالْمُرَادُ مِنْ الْحَدِيثَيْنِ غَيْرُ الطَّافِي لِمَا ذَكَرْنَا ثُمَّ السَّمَكُ الطَّافِي الَّذِي لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ عِنْدَنَا هُوَ الَّذِي يَمُوتُ فِي الْمَاءِ حَتْفَ أَنْفِهِ بِغَيْرِ سَبَبٍ حَادِثٍ مِنْهُ سَوَاءٌ عَلَا عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ أَوْ لَمْ يَعْلُ بَعْدَ أَنْ مَاتَ فِي الْمَاءِ حَتْفَ أَنْفِهِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ حَادِثٍ، وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: هُوَ الَّذِي يَمُوتُ فِي الْمَاءِ بِسَبَبٍ حَادِثٍ وَيَعْلُو عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ فَإِنْ لَمْ يَعْلُ يَحِلُّ، وَالصَّحِيحُ هُوَ الْحَدُّ الْأَوَّلُ وَتَسْمِيَتُهُ طَافِيًا لِعُلُوِّهِ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ عَادَةً.
وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي السَّمَكِ إذَا كَانَ بَعْضُهَا فِي الْمَاءِ وَبَعْضُهَا عَلَى الْأَرْضِ إنْ كَانَ رَأْسُهَا عَلَى الْأَرْضِ أُكِلَتْ وَإِنْ كَانَ رَأْسُهَا أَوْ أَكْثَرُهُ فِي الْمَاءِ لَمْ تُؤْكَلْ؛ لِأَنَّ رَأْسَهَا مَوْضِعُ نَفَسِهَا فَإِذَا كَانَ خَارِجًا مِنْ الْمَاءِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَاتَ بِسَبَبٍ حَادِثٍ وَإِذَا كَانَ فِي الْمَاءِ أَوْ أَكْثَرُهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَاتَ فِي الْمَاءِ بِغَيْرِ سَبَبٍ وَقَالُوا فِي سَمَكَةٍ ابْتَلَعَتْ سَمَكَةً أُخْرَى أَنَّهَا تُؤْكَلُ؛ لِأَنَّهَا مَاتَتْ بِسَبَبٍ حَادِثٍ.
وَلَوْ مَاتَ مِنْ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَكَدَرِ الْمَاءِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ: فِي رِوَايَةٍ لَا يُؤْكَلُ؛ لِأَنَّ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ وَكَدَرَ الْمَاءِ لَيْسَ مِنْ أَسْبَابِ الْمَوْتِ ظَاهِرًا فَلَمْ يُوجَدْ الْمَوْتُ بِسَبَبٍ حَادِثٍ يُوجِبُ الْمَوْتَ ظَاهِرًا أَوْ غَالِبًا فَلَا يُؤْكَلُ وَفِي رِوَايَةٍ يُؤْكَلُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ أَسْبَابُ الْمَوْتِ فِي الْجُمْلَةِ فَقَدْ وُجِدَ الْمَوْتُ بِسَبَبٍ حَادِثٍ فَلَمْ يَكُنْ طَافِيًا فَيُؤْكَلُ وَيَسْتَوِي فِي حِلِّ الْأَكْلِ جَمِيعُ أَنْوَاعِ السَّمَكِ مِنْ الْجِرِّيثِ وَالْمَارْمَاهِيِّ وَغَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الدَّلَائِلِ فِي إبَاحَةِ السَّمَكِ لَا يَفْصِلُ بَيْنَ سَمَكٍ وَسَمَكٍ إلَّا مَا خُصَّ بِدَلِيلٍ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إبَاحَةُ الْجِرِّيثِ وَالسَّمَكِ الذَّكَرِ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ غَيْرِهِمَا خِلَافُ ذَلِكَ فَيَكُونُ إجْمَاعًا.
(وَأَمَّا) الَّذِي يَعِيشُ فِي الْبَرِّ فَأَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ: مَا لَيْسَ لَهُ دَمٌ أَصْلًا، وَمَا لَيْسَ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ، وَمَا لَهُ دَمٌ سَائِلٌ مِثْلُ الْجَرَادِ وَالزُّنْبُورِ وَالذُّبَابِ وَالْعَنْكَبُوتِ وَالْعَضَّابَةِ وَالْخُنْفُسَاءِ وَالْبُغَاثَةِ وَالْعَقْرَبِ.
وَنَحْوِهَا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ إلَّا الْجَرَادَ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْخَبَائِثِ لِاسْتِبْعَادِ الطِّبَاعِ السَّلِيمَةِ إيَّاهَا وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ} إلَّا أَنَّ الْجَرَادَ خُصَّ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ» فَبَقِيَ عَلَى ظَاهِرِ الْعُمُومِ.
وَكَذَلِكَ مَا لَيْسَ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ مِثْلُ الْحَيَّةِ وَالْوَزَغِ وَسَامِّ أَبْرَصَ وَجَمِيعِ الْحَشَرَاتِ وَهَوَامِّ الْأَرْضِ مِنْ الْفَأْرِ وَالْقُرَادِ وَالْقَنَافِذِ وَالضَّبِّ وَالْيَرْبُوعِ وَابْنِ عِرْسٍ وَنَحْوِهَا، وَلَا خِلَافَ فِي حُرْمَةِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إلَّا فِي الضَّبِّ فَإِنَّهُ حَلَالٌ عَنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَاحْتَجَّ بِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: «أَكَلْت عَلَى مَائِدَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَحْمَ ضَبٍّ» وَعَنْ ابْنِ سَيِّدِنَا عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي فَأَجِدُ نَفْسِي تَعَافُهُ فَلَا آكُلُهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ» وَهَذَا نَصٌّ عَلَى عَدَمِ الْحُرْمَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَإِشَارَةٌ إلَى الْكَرَاهَةِ الطَّبِيعِيَّةِ.
(وَلَنَا) قَوْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ} وَالضَّبُّ مِنْ الْخَبَائِثِ وَرُوِيَ عَنْ سَيِّدَتِنَا عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أُهْدِيَ إلَيْهِ لَحْمُ ضَبٍّ فَامْتَنَعَ أَنْ يَأْكُلَهُ فَجَاءَتْ سَائِلَةٌ فَأَرَادَتْ سَيِّدَتُنَا عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنْ تُطْعِمَهَا إيَّاهُ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتُطْعِمِينَ مَا لَا تَأْكُلِينَ؟» وَلَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ امْتِنَاعُهُ لِمَا أَنَّ نَفْسَهُ الشَّرِيفَةَ عَافَتْهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا مَنَعَ مِنْ التَّصَدُّقِ بِهِ كَشَاةِ الْأَنْصَارِ إنَّهُ لَمَّا امْتَنَعَ مِنْ أَكْلِهَا أَمَرَ بِالتَّصَدُّقِ بِهَا؛ وَلِأَنَّ الضَّبَّ مِنْ جُمْلَةِ الْمُسُوخِ وَالْمُسُوخُ مُحَرَّمَةٌ كَالدُّبِّ وَالْقِرْدِ وَالْفِيلِ فِيمَا قِيلَ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الضَّبِّ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إنَّ أُمَّةً مُسِخَتْ فِي الْأَرْضِ وَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْهَا» وَهَكَذَا رُوِيَ: «عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: كُنَّا فِي بَعْضِ الْمَغَازِي فَأَصَابَتْنَا مَجَاعَةٌ فَنَزَلْنَا فِي أَرْضٍ كَثِيرَةِ الضَّبَابِ فَنَصَبْنَا الْقُدُورَ وَكَانَتْ الْقُدُورُ تَغْلِي إذْ جَاءَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قُلْنَا الضَّبُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: إنَّ أُمَّةً مُسِخَتْ فَأَخَافُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْهَا فَأَمَرَ بِإِلْقَاءِ الْقُدُورِ»، وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَمَا رَوَيْنَا فَهُوَ خَاطِرٌ وَالْعَمَلُ بِالْخَاطِرِ أَوْلَى.
وَمَا لَهُ دَمٌ سَائِلٌ نَوْعَانِ: مُسْتَأْنِسٌ وَمُسْتَوْحِشٌ أَمَّا الْمُسْتَأْنِسُ مِنْ الْبَهَائِمِ فَنَحْوُ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ بِالْإِجْمَاعِ وَبِقَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ}، وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} وَاسْمُ الْأَنْعَامِ يَقَعُ عَلَى هَذِهِ الْحَيَوَانَاتِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَلَا تَحِلُّ الْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ- رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى-.
وَحُكِيَ عَنْ بِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ قَالَ: لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْحِمَارِ وَاحْتَجَّ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} وَلَمْ يَذْكُرْ الْحَمِيرَ الْإِنْسِيَّةَ.
وَرُوِيَ: «أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَقَالَ: إنَّهُ فَنِيَ مَالِي وَلَمْ يَبْقَ لِي إلَّا الْحُمُرُ الْأَهْلِيَّةُ، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: كُلْ مِنْ سَمِينِ مَالِكَ فَإِنِّي إنَّمَا كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ جَلَّالِ الْقَرْيَةِ».
وَرُوِيَ عَنْ جَوَالِّ الْقُرَى بِتَشْدِيدِ اللَّامِ وَرُوِيَ: «فَإِنَّمَا قَذِرْتُ لَكُمْ جَالَّةُ الْقَرْيَةِ».
(وَلَنَا) قَوْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً}، وَسَنَذْكُرُ وَجْهَ الِاسْتِدْلَالِ بِالْآيَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَرَوَى أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ سَيِّدِنَا عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَعَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ».
وَرُوِيَ: «أَنَّ سَيِّدَنَا عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَهُوَ يُفْتِي النَّاسَ فِي الْمُتْعَةِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ يَوْمَ خَيْبَرَ فَرَجَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ ذَلِكَ» وَرُوِيَ أَنَّهُ «قِيلَ لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَوْمَ خَيْبَرَ أُكِلَتْ الْحُمُرُ فَأَمَرَ أَبَا طَلْحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُنَادِي: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَاكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ فَإِنَّهَا رِجْزٌ» وَرُوِيَ فَإِنَّهَا رِجْسٌ وَهَذِهِ أَخْبَارٌ مُسْتَفِيضَةٌ عَرَفَهَا الْخَاصُّ وَالْعَامُّ وَقَبِلُوهَا وَعَمِلُوا بِهَا وَظَهَرَ الْعَمَلُ بِهَا.
وَأَمَّا الْآيَةُ فَقَدْ اُخْتُصَّ مِنْهَا أَشْيَاءُ غَيْرُ مَذْكُورَةٍ فِيهَا فَيَخْتَصُّ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الدَّلَائِلِ مَعَ أَنَّ مَا رَوَيْنَا مِنْ الْأَخْبَارِ مَشْهُورَةٌ وَيَجُوزُ نَسْخُ الْكِتَابِ بِالْخَبَرِ الْمَشْهُودِ وَعَلَى أَنَّ فِي الْآيَةِ الشَّرِيفَةِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ سِوَى الْمَذْكُورِ فِيهَا وَقْتَ نُزُولِهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْفِعْلِ هُوَ الْحَالُ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ نُزُولِ الْآيَةِ تَحْرِيمُ سِوَى الْمَذْكُورِ فِيهَا، ثُمَّ حَرَّمَ مَا حَرَّمَ بَعْدُ عَلَى أَنَّا نَقُولُ بِمُوجِبِ الْآيَةِ: لَا مُحَرَّمَ سِوَى الْمَذْكُورِ فِيهَا وَنَحْنُ لَا نُطْلِقُ اسْمَ الْمُحَرَّمِ عَلَى لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ إذْ الْمُحَرَّمُ الْمُطْلَقُ مَا تَثْبُتُ حُرْمَتُهُ بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ، فَأَمَّا مَا كَانَتْ حُرْمَتُهُ مَحَلَّ الِاجْتِهَادِ فَلَا يُسَمَّى مُحَرَّمًا عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ نُسَمِّيهِ مَكْرُوهًا فَنَقُولُ بِوُجُوبِ الِامْتِنَاعِ عَنْ أَكْلِهَا عَمَلًا مَعَ التَّوَقُّفِ فِي اعْتِقَادِ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ.
وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «كُلْ مِنْ سَمِينِ مَالِكَ» أَيْ: مِنْ أَثْمَانِهَا كَمَا يُقَالُ فُلَانٌ أَكَلَ عَقَارَهُ أَيْ: ثَمَنَ عَقَارِهِ وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ إطْلَاقًا لِلِانْتِفَاعِ بِظُهُورِهَا بِالْإِكْرَاءِ كَمَا يُحْمَلُ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا عَمَلًا بِالدَّلَائِلِ كُلِّهَا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ التَّحْرِيمِ فَانْفَسَخَ بِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ جُهِلَ التَّارِيخُ فَالْعَمَلُ بِالْخَاطِرِ أَوْلَى احْتِيَاطًا، فَإِنْ قِيلَ مَا رَوَيْتُمْ يَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «نَهَى عَنْ أَكْلِ الْحُمُرِ يَوْمَ خَيْبَرَ»؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ غَنِيمَةً مِنْ الْخُمُسِ أَوْ لِقِلَّةِ الظَّهْرِ أَوْ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ جَلَّالَةً فَوَقَعَ التَّعَارُضُ وَالْجَوَابُ أَنَّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ مَحْمَلًا.
(أَمَّا) الْأَوَّلُ؛ فَلِأَنَّ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْجُنْدُ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ الْخُمْسُ كَالطَّعَامِ وَالْعَلَفِ.
(وَأَمَّا) الثَّانِي؛ فَلِأَنَّ الْمَرْوِيَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِإِكْفَاءِ الْقُدُورِ يَوْمَ خَيْبَرَ وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الظَّهْرِ.
(وَأَمَّا) الثَّالِثُ؛ فَلِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ خَصَّ النَّهْيَ بِالْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَخْتَصُّ بِالْحُمُرِ بَلْ يُوجَدُ فِي غَيْرِهَا.
(وَأَمَّا) لَحْمُ الْخَيْلِ فَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يُكْرَهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لَا يُكْرَهُ، وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاحْتَجَّا بِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «أَكَلْنَا لَحْمَ فَرَسٍ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَأَذِنَ فِي الْخَيْلِ» وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ: «أَطْعَمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لُحُومَ الْخَيْلِ وَنَهَانَا عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ» وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «كُنَّا قَدْ جَعَلْنَا فِي قُدُورِنَا لَحْمَ الْخَيْلِ وَلَحْمَ الْحِمَارِ فَنَهَانَا النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنْ نَأْكُلَ لَحْمَ الْحِمَارِ وَأَمَرَنَا أَنْ نَأْكُلَ لَحْمَ الْخَيْلِ»، وَعَنْ سَيِّدَتِنَا أَسْمَاءَ بِنْتِ سَيِّدِنَا أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهَا قَالَتْ: «نَحَرْنَا فَرَسًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكَلْنَاهُ» وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَدَلَالَةُ الْإِجْمَاعِ.
(أَمَّا) الْكِتَابُ الْعَزِيزُ فَقَوْلُهُ جَلَّ شَأْنُهُ: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً}.
(وَوَجْهُ) الِاسْتِدْلَالِ بِهِ مَا حُكِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ لَحْمِ الْخَيْلِ فَقَرَأَ بِهَذِهِ الْآيَةِ الشَّرِيفَةِ وَقَالَ: وَلَمْ يَقُلْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِتَأْكُلُوهَا فَيُكْرَهُ أَكْلُهَا وَتَمَامُ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ذَكَرَ الْأَنْعَامَ فِيمَا تَقَدَّمَ وَمَنَافِعَهَا وَبَالَغَ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ}.
وَكَذَا ذَكَرَ فِيمَا بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ الشَّرِيفَةِ مُتَّصِلًا بِهَا مَنَافِعَ الْمَاءِ الْمُنْزَلِ مِنْ السَّمَاءِ، وَالْمَنَافِعَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ، وَالْمَنَافِعَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالْبَحْرِ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ بَيَانَ شِفَاءٍ لَا بَيَانَ كِفَايَةٍ، وَذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خَلَقَ الْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِلرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ، ذَكَرَ مَنْفَعَةَ الرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَنْفَعَةَ الْأَكْلِ فَدَلَّ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا مَنْفَعَةٌ أُخْرَى سِوَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَلَوْ كَانَ هُنَاكَ مَنْفَعَةٌ أُخْرَى سِوَى مَا ذَكَرْنَا لَمْ يُحْتَمَلْ أَنْ لَا نَذْكُرُهَا عِنْدَ ذِكْرِ الْمَنَافِعِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَا عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ وَالِاسْتِقْصَاءِ، وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ} وَلَحْمُ الْخَيْلِ لَيْسَ بِطَيِّبٍ بَلْ هُوَ خَبِيثٌ؛ لِأَنَّ الطِّبَاعَ السَّلِيمَةَ لَا تَسْتَطِيبُهُ بَلْ تَسْتَخْبِثُهُ حَتَّى لَا تَجِدَ أَحَدًا تُرِكَ بِطَبْعِهِ إلَّا وَيَسْتَخْبِثُهُ وَيُنَقِّي طَبْعَهُ عَنْ أَكْلِهِ وَإِنَّمَا يَرْغَبُونَ فِي رُكُوبِهِ أَلَا يَرْغَبُ طَبْعُهُ فِيمَا كَانَ مَجْبُولًا عَلَيْهِ، وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الشَّرْعَ إنَّمَا جَاءَ بِإِحْلَالِ مَا هُوَ مُسْتَطَابٌ فِي الطَّبْعِ لَا بِمَا هُوَ مُسْتَخْبَثٌ وَلِهَذَا لَمْ يَجْعَلْ الْمُسْتَخْبَثَ فِي الطَّبْعِ غِذَاءَ الْيُسْرِ وَإِنَّمَا جَعَلَ مَا هُوَ مُسْتَطَابٌ بَلَغَ فِي الطِّيبِ غَايَتُهُ.
(وَأَمَّا) السُّنَّةُ فَمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ أَصَابَ النَّاسَ مَجَاعَةٌ فَأَخَذُوا الْحُمُرَ الْأَهْلِيَّةَ فَذَبَحُوهَا فَحَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لُحُومَ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ، وَلُحُومَ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ، وَكُلَّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ، وَكُلَّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ، وَحَرَّمَ الْخِلْسَةَ وَالنُّهْبَةَ» وَعَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ»، وَعَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ: «حُرِّمَ عَلَيْكُمْ الْحِمَارُ الْأَهْلِيُّ وَخَيْلُهَا» وَهَذَا نَصٌّ عَلَى التَّحْرِيمِ، وَعَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «الْخَيْلُ لِثَلَاثَةٍ فَهِيَ لِرَجُلٍ سِتْرٌ، وَلِرَجُلٍ أَجْرٌ، وَلِرَجُلٍ وِزْرٌ» صَلَحَتْ لِلْأَكْلِ لَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: الْخَيْلُ لِأَرْبَعَةٍ لِرَجُلٍ سِتْرٌ، وَلِرَجُلٍ أَجْرٌ، وَلِرَجُلِ وِزْرٌ وَلِرَجُلٍ طَعَامٌ.
(وَأَمَّا) دَلَالَةُ الْإِجْمَاعِ فَهِيَ أَنَّ الْبَغْلَ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ وَلَدُ الْفَرَسِ فَلَوْ كَانَتْ أُمُّهُ حَلَالًا لَكَانَ هُوَ حَلَالًا أَيْضًا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْوَلَدِ حُكْمُ أُمِّهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْهَا وَهُوَ كَبَعْضِهَا.
أَلَا تَرَى أَنَّ حِمَارَ وَحْشٍ لَوْ نُزِّيَ عَلَى حِمَارَةٍ أَهْلِيَّةٍ فَوَلَدَتْ لَمْ يُؤْكَلْ وَلَدُهَا؟، وَلَوْ نَزَا حِمَارٌ أَهْلِيٌّ عَلَى حِمَارَةٍ وَحْشِيَّةٍ وَوَلَدَتْ يُؤْكَلُ وَلَدُهَا؟ لِيُعْلَمَ أَنَّ حُكْمَ الْوَلَدِ حُكْمُ أُمِّهِ فِي الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ دُونَ الْفَحْلِ فَلَمَّا كَانَ لَحْمُ الْفَرَسِ حَرَامًا كَانَ لَحْمُ الْبَغْلِ كَذَلِكَ، وَمَا رُوِيَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْ جَابِرٍ وَمَا فِي رِوَايَةِ سَيِّدَتِنَا أَسْمَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا يُحْتَمَل أَنَّهُ كَانَ ذَلِكَ فِي الْحَالِ الَّتِي كَانَ يُؤْكَلُ فِيهَا الْحُمُرُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إنَّمَا نَهَى عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ يَوْمَ خَيْبَرَ وَكَانَتْ الْخَيْلُ تُؤْكَلُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ثُمَّ حُرِّمَتْ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مَا عَلِمْنَا الْخَيْلَ أُكِلَتْ إلَّا فِي حِصَارٍ، وَعَنْ الْحَسَنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ الْخَيْلِ فِي مَغَازِيهِمْ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَأْكُلُونَهَا فِي حَالِ الضَّرُورَةِ كَمَا قَالَ الزُّهْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى هَذَا عَمَلًا بِالدَّلِيلِ صِيَانَةً لَهَا عَنْ التَّنَاقُضِ أَوْ يَتَرَجَّحُ الْحَاظِرُ عَلَى الْمُبِيحِ احْتِيَاطًا وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا حُجَجُ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ أَنَّهُ يَحْرُمُ أَكْلُ لَحْمِ الْخَيْلِ.
(وَأَمَّا) عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ يُكْرَهُ أَكْلُهُ وَلَمْ يُطْلَقْ التَّحْرِيمُ لِاخْتِلَافِ الْأَحَادِيثِ الْمَرْوِيَّةِ فِي الْبَابِ وَاخْتِلَافِ السَّلَفِ فَكُرِهَ أَكْلُ لَحْمِهِ احْتِيَاطًا لِبَابِ الْحُرْمَةِ.
وَأَمَّا الْمُتَوَحِّشُ مِنْهَا نَحْوُ الظِّبَاءِ وَبَقَرِ الْوَحْشِ وَحُمُرِ الْوَحْشِ وَإِبِلِ الْوَحْشِ فَحَلَالٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَلِقَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ} وَقَوْلُهُ عَزَّ شَأْنُهُ: {وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ}، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} وَلُحُومُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مِنْ الطَّيِّبَاتِ فَكَانَ حَلَالًا وَرُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ فَقَالَ: الْأَهْلِيَّةُ؟ فَقِيلَ: نَعَمْ» فَدَلَّ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى اخْتِلَافِ حُكْمِ الْأَهْلِيَّةِ وَالْوَحْشِيَّةِ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْأَهْلِيَّةِ الْحُرْمَةُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الدَّلَائِلِ فَكَانَ حُكْمُ الْوَحْشِيَّةِ الْحِلَّ ضَرُورَةً وَرُوِيَ: «أَنَّ رَجُلًا مِنْ فِهْرٍ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَهُوَ بِالرَّوْحَاءِ وَمَعَ الرَّجُلِ حِمَارٌ وَحْشِيٌّ عَقَرَهُ فَقَالَ: هَذِهِ رَمْيَتِي يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهِيَ لَكَ فَقَبِلَهُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَأَمَرَ سَيِّدَنَا أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَسَمَهُ بَيْنَ الرِّفَاقِ»، وَالْحَدِيثُ وَإِنْ وَرَدَ فِي حِمَارِ الْوَحْشِ لَكِنَّ إحْلَالَ الْحِمَارِ الْوَحْشِيِّ إحْلَالٌ لِلظَّبْيِ وَالْبَقَرِ الْوَحْشِيِّ وَالْإِبِلِ الْوَحْشِيِّ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْحِمَارَ الْوَحْشِيَّ لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ مِنْ الْأَهْلِيِّ مَا هُوَ حَلَالٌ بَلْ هُوَ حَرَامٌ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ مِنْ جِنْسِهَا مِنْ الْأَهْلِيِّ مَا هُوَ حَلَالٌ فَكَانَتْ أَوْلَى بِالْحِلِّ.
وَأَمَّا الْمُسْتَأْنِسُ مِنْ السِّبَاعِ وَهُوَ الْكَلْبُ وَالسِّنَّوْرُ الْأَهْلِيُّ فَلَا يَحِلُّ وَكَذَلِكَ الْمُتَوَحِّشُ مِنْهَا الْمُسَمَّى بِسِبَاعِ الْوَحْشِ وَالطَّيْرِ وَهُوَ كُلُّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَكُلُّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ لِمَا رُوِيَ فِي الْخَبَرِ الْمَشْهُورِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ «نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَكُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ»، وَعَنْ الزُّهْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ حَرَامٌ» فَذُو النَّابِ مِنْ سِبَاعِ الْوَحْشِ مِثْلُ الْأَسَدِ وَالذِّئْبِ وَالضَّبُعِ وَالنَّمِرِ وَالْفَهْدِ وَالثَّعْلَبِ وَالسِّنَّوْرِ الْبَرِّيِّ وَالسِّنْجَابِ وَالْفَنَكِ وَالسَّمُّورِ وَالدَّلَقِ وَالدُّبِّ وَالْقِرْدِ وَالْفِيلِ وَنَحْوِهَا فَلَا خِلَافَ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ إلَّا الضَّبُعَ فَإِنَّهُ حَلَالٌ عِنْدَ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ «قَالَ: فِي الضَّبُعِ كَبْشٌ، فَقُلْت لَهُ: أَهُوَ صَيْدٌ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَقُلْت: يُؤْكَلُ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَقُلْت: أَسَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ؟ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: نَعَمْ».
(وَلَنَا) أَنَّ الضَّبُعَ سَبُعٌ ذُو نَابٍ فَيَدْخُلُ تَحْتَ الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ وَمَا رُوِيَ لَيْسَ بِمَشْهُورٍ فَالْعَمَلُ بِالْمَشْهُورِ أَوْلَى عَلَى أَنَّ مَا رَوَيْنَا مُحَرِّمٌ وَمَا رَوَاهُ مُحَلِّلٌ وَالْمُحَرِّمُ يَقْضِي عَلَى الْمُبِيحِ احْتِيَاطًا وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْأَرْنَبِ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: «كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَهْدَى لَهُ أَعْرَابِيٌّ أَرْنَبَةً مَشْوِيَّةً فَقَالَ: لِأَصْحَابِهِ كُلُوا»، وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَفْوَانَ أَوْ صَفْوَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: «أَصَبْت أَرْنَبَتَيْنِ فَذَبَحْتُهُمَا بِمَرْوَةِ وَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَنِي بِأَكْلِهِمَا».
وَذُو الْمِخْلَبِ مِنْ الطَّيْرِ كَالْبَازِي وَالْبَاشَقِ وَالصَّقْرِ وَالشَّاهِينِ وَالْحِدَأَةِ وَالنَّعَّابِ وَالنَّسْرِ وَالْعُقَابِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَيَدْخُلُ تَحْتَ نَهْيِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنْ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ وَرُوِيَ أَنَّهُ «نَهَى عَنْ كُلِّ ذِي خَطْفَةٍ وَنُهْبَةٍ وَمُجَثَّمَةٍ وَعَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ الطَّيْرِ وَالْمُجَثَّمَةِ» رُوِيَ بِكَسْرِ الثَّاءِ وَفَتْحِهَا مِنْ الْجُثُومِ وَهُوَ تَلَبُّدُ الطَّائِرِ الَّذِي مِنْ عَادَتِهِ الْجُثُومُ عَلَى غَيْرِهِ لِيَقْتُلَهُ وَهُوَ السِّبَاعُ مِنْ الطَّيْرِ فَيَكُونُ نَهْيًا عَلَى أَكْلِ كُلِّ طَيْرٍ هَذَا عَادَتُهُ وَبِالْفَتْحِ هُوَ الصَّيْدُ الَّذِي يَجْثُمُ عَلَيْهِ طَائِرٌ فَيَقْتُلُهُ فَيَكُونُ نَهْيًا عَنْ أَكْلِ كُلِّ طَيْرٍ قَتَلَهُ طَيْرٌ آخَرُ بِجُثُومِهِ عَلَيْهِ وَقِيلَ بِالْفَتْحِ هُوَ الَّذِي يُرْمَى حَتَّى يَجْثُمَ فَيَمُوتَ، وَمَا لَا مِخْلَبَ لَهُ مِنْ الطَّيْرِ فَالْمُسْتَأْنِسُ مِنْهُ كَالدَّجَاجِ وَالْبَطِّ وَالْمُتَوَحِّشُ كَالْحَمَامِ وَالْفَاخِتَةِ وَالْعَصَافِيرِ والقبج وَالْكُرْكِيِّ وَالْغُرَابِ الَّذِي يَأْكُلُ الْحَبَّ وَالزَّرْعَ وَالْعَقْعَقِ وَنَحْوِهَا حَلَالٌ بِالْإِجْمَاعِ.