فصل: فَصْلٌ: حُكْمُ الشَّرِكَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (نسخة منقحة)



.فَصْلٌ: حُكْمُ الشَّرِكَةِ:

وَأَمَّا حُكْمُ الشَّرِكَةِ.
فَأَمَّا شَرِكَةُ الْأَمْلَاكِ فَحُكْمُهَا فِي النَّوْعَيْنِ جَمِيعًا وَاحِدٌ، وَهُوَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ كَأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ، لَا يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لِأَنَّ الْمُطْلِقَ لِلتَّصَرُّفِ الْمِلْكُ أَوْ الْوِلَايَةُ وَلَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ وِلَايَةٌ بِالْوَكَالَةِ أَوْ الْقَرَابَةِ؛ وَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الشَّرِكَةُ فِي الْعَيْنِ أَوْ الدَّيْنِ لِمَا قُلْنَا.
وَلَوْ كَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ دَيْنٌ عَلَى رَجُلٍ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ بَاعَاهُ إمَّا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ أَلْفٍ بَيْنَهُمَا أَقْرَضَاهُ إيَّاهُ، أَوْ اسْتَهْلَكَ الرَّجُلُ عَلَيْهِمَا شَيْئًا قِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ أَوْ وَرِثَا دَيْنًا لِرَجُلٍ وَاحِدٍ عَلَيْهِ، فَقَبَضَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ أَوْ بَعْضَ نَصِيبِهِ فَلِلْآخَرِ أَنْ يُشَارِكَهُ فَيَأْخُذَ مِنْهُ نِصْفَ مَا قَبَضَهُ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الدَّيْنَ الْمُشْتَرَكَ الثَّابِتَ لِلشَّرِيكَيْنِ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ إذَا قَبَضَ أَحَدُهُمَا شَيْئًا مِنْهُ فَلِلْآخَرِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي الْمَقْبُوضِ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ مَقْبُوضٌ مِنْ النَّصِيبَيْنِ، إذْ لَوْ جُعِلَ لَأَحَدِهِمَا لَكَانَ ذَلِكَ قِسْمَةَ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ لِأَنَّ مَعْنَى الْقِسْمَةِ وَهُوَ التَّمْيِيزُ لَا يَتَحَقَّقُ فِيمَا فِي الذِّمَّةِ، فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْقِسْمَةُ وَلِهَذَا لَمْ تَصِحَّ قِسْمَةُ الْعَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ كَصُبْرَةٍ مِنْ طَعَامٍ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: خُذْ مِنْهَا لَكَ هَذَا الْجَانِبُ، وَلِيَ هَذَا الْجَانِبُ لَا يَجُوزُ لِانْعِدَامِ التَّمْيِيزِ فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ فِي الْعَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ فَفِي الدَّيْنِ أَوْلَى؛ وَلِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِيهَا مَعْنَى التَّمْلِيكِ لِأَنَّ مَا مِنْ جُزْأَيْنِ إلَّا وَأَحَدُهُمَا مِلْكُهُ وَالْآخَرُ مِلْكُ صَاحِبِهِ، فَكَانَ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ بَعْضَ مِلْكِهِ، وَبَعْضُهُ عِوَضًا عَنْ مِلْكِهِ، فَكَانَ قِسْمَةُ الدَّيْنِ تَمْلِيكَ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، وَأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ فَجَعَلَ الْمَقْبُوضَ مِنْ النَّصِيبَيْنِ جَمِيعًا لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى مَا قُلْنَا وَكَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَ مَا قَبَضَهُ صَاحِبُهُ بِعَيْنِهِ لَيْسَ لِلْقَابِضِ أَنْ يَمْنَعَهُ عَنْهُ بِأَنْ يَقُولَ: أَنَا أُعْطِيكَ مِثْلَ نِصْفِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الْمَقْبُوضِ مَقْبُوضٌ عَنْ نَصِيبِهِ، فَكَانَ عَيْنَ حَقِّهِ فَلَا يَمْلِكُ الْقَابِضُ مَنْعَهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَقْبُوضُ مِثْلَ حَقِّهِ أَوْ أَجْوَدَ أَوْ أَرْدَأَ، أَمَّا إذَا كَانَ أَجْوَدَ مِنْ حَقِّهِ فَلِأَنَّ الْجَوْدَةَ لَا عِبْرَةَ بِهَا فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ الرَّدِيءُ إذَا أَعْطَى الْجَيِّدَ يُجْبِرُ صَاحِبَ الدَّيْنِ عَلَى الْقَبُولِ فَكَانَ قَبْضُهُ قَبْضًا لِعَيْنِ الْحَقِّ، وَإِنْ كَانَ أَرْدَأَ فَقَبْضُ الرَّدِيءِ عَنْ الْجَيِّدِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ وَمَا قَبَضَ الشَّرِيكُ مِنْ شَرِيكِهِ يَكُونُ قَدْرُ ذَلِكَ لِلْقَابِضِ دَيْنًا عَلَى الْغَرِيمِ، وَيَكُونُ مَا عَلَى الْغَرِيمِ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ مِنْ الدَّيْنِ حَتَّى لَوْ كَانَ الدَّيْنُ أَلْفَ دِرْهَمٍ بَيْنَهُمَا، فَقَبَضَ أَحَدُهُمَا خَمْسَمِائَةٍ فَجَاءَ الشَّرِيكُ فَأَخَذَ نِصْفَهَا كَانَ لِلْقَابِضِ مَا بَقِيَ لَهُ عَلَى الْغَرِيمِ وَذَلِكَ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ، وَتَكُونُ الشَّرِكَةُ بَاقِيَةً فِي الدَّيْنِ كَمَا كَانَتْ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَخَذَ شَرِيكُهُ نِصْفَ الْمَقْبُوضِ انْتَقَضَ قَبْضُهُ فِي نِصْفِ مَا قَبَضَ وَبَقِيَ الْبَاقِي مِنْ دَيْنِهِ عَلَى حَالِهِ.
فَإِنْ أَخْرَجَهُ الْقَابِضُ عَنْ يَدِهِ بِأَنْ وَهَبَهُ أَوْ بَاعَهُ أَوْ قَضَى دَيْنًا عَلَيْهِ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَلِشَرِيكِهِ أَنْ يُضَمِّنَهُ نِصْفَ مَا قَبَضَ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ عَلَيْهِ مَا قَبَضَهُ مِنْ نَصِيبِهِ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ، فَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ شَيْئًا، وَلَكِنْ أَبْرَأَ الْغَرِيمَ مِنْ حِصَّتِهِ، جَازَتْ الْبَرَاءَةُ، وَلَا يَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ شَيْئًا مِنْ الدَّيْنِ بَلْ أَتْلَفَ حِصَّتَهُ لَا غَيْرُ، فَلَا يَضْمَنُ فَإِنْ أَبْرَأَهُ أَحَدُهُمَا عَنْ مِائَةِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ اقْتَسَمَاهُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْغَرِيمِ، فَيَكُونُ الْمَقْبُوضُ بَيْنَهُمَا عَلَى تِسْعَةِ أَسْهُمٍ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَمَّا أَبْرَأَ الْغَرِيمَ مِنْ مِائَةِ دِرْهَمٍ بَقِيَ لَهُ مِنْ الدَّيْنِ أَرْبَعُمِائَةٍ وَلِشَرِيكِهِ خَمْسُمِائَةٍ، فَيَضْرِبَانِ فِي قَدْرِ الْمَقْبُوضِ بِتِسْعَةِ أَسْهُمٍ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ الْبَرَاءَةُ بَعْدَ الْقَبْضِ قَبْلَ أَنْ يَقْتَسِمَا لِأَنَّ الْقِسْمَةَ تَقَعُ عَلَى قَدْرِ حَقِّهِمَا، فَإِنْ اقْتَسَمَا الْمَقْبُوضَ نِصْفَيْنِ، ثُمَّ أَبْرَأَ أَحَدُهُمَا الْغَرِيمَ مِنْ مِائَةِ دِرْهَمٍ، فَالْقِسْمَةُ مَاضِيَةٌ وَلَا يَنْقُضُ إبْرَاؤُهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ شَيْئًا مِمَّا اقْتَسَمَاهُ، لِأَنَّهُمَا اقْتَسَمَا وَمِلْكُهُمَا سَوَاءٌ، فَزَوَالُ الْمُسَاوَاةِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَقْدَحُ فِي الْقِسْمَةِ.
وَلَوْ لَمْ يَقْبِضْ أَحَدُهُمَا شَيْئًا وَلَكِنْ اشْتَرَى بِنَصِيبِهِ ثَوْبًا مِنْ الْغَرِيمِ، فَلِلشَّرِيكِ أَنْ يُضَمِّنَهُ نِصْفَ ثَمَنِ الثَّوْبِ وَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الثَّوْبِ لِأَنَّهُ إنَّمَا اشْتَرَى الثَّوْبَ بِثَمَنٍ فِي ذِمَّةِ الْغَرِيمِ لَا بِمَا لَهُ فِي ذِمَّةِ الْغَرِيمِ، لِأَنَّهُ كَمَا اشْتَرَى وَجَبَ ثَمَنُ الثَّوْبِ فِي ذِمَّتِهِ وَلَهُ فِي ذِمَّةِ الْغَرِيمِ مِثْلُهُ، فَصَارَ مَا فِي ذِمَّتِهِ قِصَاصًا بِدَيْنِهِ، فَصَارَ كَأَنَّهُ قَبَضَ نِصْفَ الدَّيْنِ فَلَا يَكُونُ لَهُ عَلَى الثَّوْبِ سَبِيلٌ، فَإِنْ اجْتَمَعَا جَمِيعًا عَلَى الشَّرِكَةِ فِي الثَّوْبِ فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّهُ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ نِصْفُ ثَمَنِهِ، فَإِذَا سَلَّمَ لَهُ نِصْفَهُ بِذَلِكَ وَرَضِيَ شَرِيكُهُ بِهِ؛ صَارَ كَأَنَّهُ بَاعَ نِصْفَ الثَّوْبِ مِنْهُ فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِ بِحِصَّتِهِ شَيْئًا وَلَكِنْ صَالَحَهُ مِنْ حَقِّهِ عَلَى ثَوْبٍ وَقَبَضَهُ، ثُمَّ طَالَبَهُ شَرِيكُهُ بِمَا قَبَضَ فَإِنَّ الْقَابِضَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ سَلَّمَ إلَيْهِ نِصْفَ الثَّوْبِ وَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهُ مِثْلَ نِصْفِ حَقِّهِ مِنْ الدَّيْنِ، وَالْخِيَارُ فِي ذَلِكَ إلَى الْقَابِضِ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ لَمْ يُوجِبْ شَيْئًا عَلَى الْمَصَالِحِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ، وَالْإِبْرَاءُ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ، إلَّا أَنَّهُ قَبَضَ ثَوْبًا عَنْ الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يُسَلِّمَ نِصْفَهُ إلَى الشَّرِيكِ، وَلَهُ أَنْ يَقُولَ: أَنَا أُعْطِيكَ نِصْفَ حَقِّكَ مِنْ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَكَ فِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ، وَلِلشَّرِيكِ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ كُلِّهَا أَنْ يُسَلِّمَ لِلشَّرِيكِ مَا قَبَضَهُ وَيَرْجِعَ بِدَيْنِهِ عَلَى الْغَرِيمِ؛ لِأَنَّ مِنْ حُجَّتِهِ أَنْ يَقُولَ: دَيْنِي قَدْ ثَبَتَ عَلَيْكَ بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ، فَتَسْلِيمُكَ إلَى غَيْرِي لَا يُسْقِطُ مَا لِي فِي ذِمَّتِكَ، فَإِنْ سَلَّمَ لِلشَّرِيكِ مَا قَبَضَ، ثُمَّ نَوَى الَّذِي عَلَى الْغَرِيمِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الشَّرِيكِ وَيَكُونَ الْحُكْمُ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ كُلِّهَا كَالْحُكْمِ فِيمَا إذَا لَمْ يُسَلِّمْ إلَّا وَجْهًا وَاحِدًا وَهُوَ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ يَدِ صَاحِبِهِ بَعْدَ مَا قَبَضَ مِنْ الدَّرَاهِمِ بِعَيْنِهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَلِصَاحِبِهِ أَنْ يَمْنَعَهُ عَنْهَا، وَيُعْطِيَهُ مِثْلَهَا لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ فِي الْأَصْلِ كَانَ عَنْ حَقٍّ مُشْتَرَكٍ، وَإِنَّمَا سَلَّمَ بِهِ الشَّرِيكُ الْمَقْبُوضَ لِلْقَابِضِ لِيُسَلِّمَ لَهُ مَا فِي ذِمَّةِ الْغَرِيمِ، فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ بَقِيَ حَقُّهُ فِي الْمَقْبُوضِ كَمَا كَانَ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِي هَذَا الْوَجْهِ أَنْ يَرْجِعَ إلَى عَيْنِ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ عَنْ عَيْنِهَا بِالتَّسْلِيمِ، حَيْثُ أَجَازَ تَمَلُّكَ الْقَابِضِ لَهَا فَسَقَطَ حَقُّهُ عَنْ عَيْنِهَا، وَإِنَّمَا تَجَدَّدَ لَهُ ضَمَانٌ آخَرُ بِتَوَاءِ مَالِهِ، فَثَبَتَ ذَلِكَ فِي ذِمَّةِ الْقَابِضِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ.
فَإِنْ أَخَّرَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ لَمْ يَجُزْ تَأْخِيرُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَيَجُوزُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ وَلَا تَوَلَّى هَذَا الْعَقْدَ فِيهِ، وَأَمَّا فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ.
(وَجْهُ) قَوْلِهِمَا أَنَّ نَصِيبَهُ مِلْكُهُ فَيَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ وَلِهَذَا مَلَكَ التَّصَرُّفَ فِيهِ إسْقَاطًا بِالْإِبْرَاءِ، فَالتَّأْخِيرُ أَوْلَى لِأَنَّهُ دُونَهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ تَأْخِيرَ نَصِيبِهِ قِسْمَةُ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَأَنَّهَا غَيْرُ جَائِزَةٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ التَّأْخِيرَ قِسْمَةُ الدَّيْنِ أَنَّهُ وُجِدَ أَثَرُ الْقِسْمَةِ وَهُوَ انْفِرَادُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ بِنَصِيبِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَكُونُ لِلْآخَرِ فِيهِ حَقٌّ، وَقِسْمَةُ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا تَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ مَعْنَى الْقِسْمَةِ وَهُوَ التَّمْيِيزُ إذْ هُوَ اسْمٌ لِلْفِعْلِ أَوْ لِمَالٍ حُكْمِيٍّ فِي الذِّمَّةِ بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَثَرُ الْقِسْمَةِ وَمَعْنَاهَا، بَلْ هُوَ إتْلَافٌ لِنَصِيبِهِ فَإِنْ قِيلَ: قِسْمَةُ الدَّيْنِ تَصَرُّفٌ فِي الدَّيْنِ وَالتَّأْخِيرُ لَيْسَ تَصَرُّفًا فِي الدَّيْنِ بَلْ فِي الْمُطَالَبَةِ بِالْإِسْقَاطِ، فَالْجَوَابُ: أَنَّ التَّأْخِيرَ تَصَرُّفٌ فِي الدَّيْنِ وَالْمُطَالَبَةِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ تَغْيِيرَ الدَّيْنِ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ قَبْلَهُ كَانَ عَلَى صِفَةٍ لَوْ قَبَضَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ كَانَ لِلْآخَرِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيهِ، وَبَعْدَ التَّأْخِيرِ لَا يَبْقَى لَهُ حَقُّ الْمُشَارَكَةِ مَا دَامَ الْأَجَلُ قَائِمًا، ثُمَّ فُرِّعَ عَلَى قَوْلِهِمَا فَقَالَ: إذَا قَبَضَ الشَّرِيكُ الَّذِي لَمْ يُؤَخِّرْ نَصِيبَهُ؛ لَمْ يَكُنْ لِلَّذِي أَخَّرَ أَنْ يُشْرِكَهُ فِيمَا قَبَضَ حَتَّى يَحِلَّ دَيْنُهُ، فَإِنْ حَلَّ دَيْنُهُ فَلَهُ أَنْ يُشْرِكَهُ إنْ كَانَ قَائِمًا، وَإِنْ كَانَ مُسْتَهْلَكًا ضَمِنَهُ صَاحِبُهُ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْمُطَالَبَةِ فَلَا يَكُونُ لَهُ حَقٌّ فِي الْمَقْبُوضِ، فَإِذَا حَلَّ صَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ حَالًّا فَتَثْبُتُ لَهُ الشَّرِكَةُ، فَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ الْآخَرُ شَيْئًا حَتَّى حَلَّ دَيْنُ الَّذِي أَخَّرَ؛ عَادَ الْأَمْرُ إلَى مَا كَانَ فَمَا قَبَضَ أَحَدُهُمَا مِنْ شَيْءٍ يُشْرِكُهُ الْآخَرُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَمَّا حَلَّ فَقَدْ سَقَطَ الْأَجَلُ فَصَارَ كَمَا كَانَ قَبْلَ التَّأْجِيلِ وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ عَلَى امْرَأَةٍ فَتَزَوَّجَهَا أَحَدُهُمَا عَلَى نَصِيبِهِ مِنْ الدَّيْنِ، فَقَدْ رَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ لِشَرِيكِهِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِنِصْفِ حَقِّهِ مِنْ ذَلِكَ، وَرَوَى بِشْرٌ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ وَهُوَ رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ.
(وَجْهُ) الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ النِّكَاحَ أَوْجَبَ الْمَهْرَ فِي ذِمَّتِهِ وَلَهُ فِي ذِمَّتِهَا مِثْلُهُ فَصَارَ قِصَاصًا بِدَيْنِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَبَضَ نِصْفَ الدَّيْنِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِ حَقِّهِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى مِنْهَا ثَوْبًا بِنَصِيبِهِ مِنْ الدَّيْنِ.
(وَجْهُ) الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: أَنَّ مِنْ شَرْطِ وُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ لِشَرِيكِهِ أَنْ يُسَلِّمَ لَهُ مَا يَحْتَمِلُ الْمُشَارَكَةَ، وَلَمْ يُوجَدْ فَلَا يَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ كَمَا لَوْ أَبْرَأَهَا عَنْ نَصِيبِهِ.
وَلَوْ اسْتَأْجَرَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْغَرِيمَ بِنَصِيبِهِ فَإِنَّ شَرِيكَهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا لِأَنَّ الْأُجْرَةَ فِي مُقَابَلَتِهَا بَدَلٌ مَضْمُونٌ بِالْعَقْدِ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ، وَكَذَا الَّذِي سَلَّمَ لَهُ وَهُوَ الْمَنْفَعَةُ قَابِلٌ لِلشَّرِكَةِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ، وَرَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ أَحَدَ الطَّالِبَيْنِ إذَا شَجَّ الْمَطْلُوبَ مُوضِحَةً عَمْدًا فَصَالَحَهُ عَلَى حِصَّتِهِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِشَرِيكِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ مَا تُمْكِنُ الْمُشَارَكَةُ فِيهِ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَنْ جِنَايَةِ عَمْدٍ لَيْسَ فِي مُقَابِلَتِهِ بَدَلٌ مَضْمُونٌ، فَلَمْ يُسَلِّمْ مَا تَصِحُّ الْمُشَارَكَةُ فِيهِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ.
وَأَمَّا إذَا اسْتَهْلَكَ أَحَدُ الطَّالِبَيْنِ عَلَى الْمَطْلُوبِ مَالًا، فَصَارَتْ قِيمَتُهُ قِصَاصًا بِدَيْنِهِ أَوْ اقْتَرَضَ مِنْهُ شَيْئًا بِقَدْرِ نَصِيبِهِ مِنْ الدَّيْنِ فَلِشَرِيكِهِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ لِأَنَّ قَدْرَ الْقَرْضِ وَقِيمَةَ الْمُسْتَهْلَكِ صَارَ قِصَاصًا بِدَيْنِهِ، وَالِاقْتِصَاصُ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى فَصَارَ كَأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ وَلَوْ كَانَ وَجَبَ لِلْمَطْلُوبِ عَلَى أَحَدِ الطَّالِبَيْنِ دَيْنٌ بِسَبَبٍ قَبْلَ أَنْ يَجِبَ لَهُمَا عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَصَارَ مَا عَلَيْهِ قِصَاصًا بِمَا لِأَحَدِ الطَّالِبَيْنِ؛ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الَّذِي سَقَطَ عَنْهُ الدَّيْنُ لِشَرِيكِهِ؛ لِأَنَّهُ مَا اسْتَوْفَى الدَّيْنَ بَلْ قَضَى دَيْنًا كَانَ عَلَيْهِ، إذْ الْأَصْلُ فِي الدَّيْنَيْنِ إذَا الْتَقَيَا قِصَاصًا أَنْ يَصِيرَ الْأَوَّلُ مَقْضِيًّا بِالثَّانِي؛ لِأَنَّهُ كَانَ وَاجِبَ الْقَضَاءِ قَبْلَ الثَّانِي، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَوْفِيًا لِلدَّيْنِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْمُشَارَكَةُ، إذْ الْمُشَارَكَةُ فِي الْقَدْرِ الْمُسْتَوْفَى، وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ فِي نَوَادِرِهِ عَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ أَنَّ أَحَدَ الْغَرِيمَيْنِ اللَّذَيْنِ لَهُمَا الْمَالُ قَتَلَ عَبْدَ الْمَطْلُوبِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فَصَالَحَهُ الْمَطْلُوبُ عَلَى خَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ، كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا، وَبَرِئَ مِنْ حِصَّةِ الْقَاتِلِ مِنْ الدَّيْنِ، وَكَانَ لِشَرِيكِ الْقَاتِلِ أَنْ يُشْرِكَهُ فَيَأْخُذَ مِنْهُ نِصْفَ الْخَمْسَمِائَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ الْغَرِيمَةَ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ مُرْسَلَةٍ، أَوْ اسْتَأْجَرَ الْغَرِيمَ بِخَمْسِمِائَةٍ مُرْسَلَةٍ، فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا صَالَحَ عَلَى نَفْسِ الدَّيْنِ أَوْ تَزَوَّجَ بِهِ.
(وَوَجْهُ) الْفَرْقِ أَنَّ الْعَقْدَ هُنَا وَهُوَ الصُّلْحُ وَالنِّكَاحُ وَقَعَ عَلَى مَا فِي الذِّمَّةِ وَأَنَّهُ يُوجِبُ الْمُقَاصَّةَ؛ فَكَانَ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مَعْنًى بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِيفَاءِ حَقِيقَةً، بِخِلَافِ الصُّلْحِ عَلَى نَفْسِ الدَّيْنِ وَالتَّزَوُّجِ بِهِ فَإِنَّ الْعَقْدَ هُنَاكَ مَا وَقَعَ عَلَى مَا فِي الذِّمَّةِ مُطْلَقًا أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَقْدَ هُنَاكَ أُضِيفَ إلَى نَفْسِ الدَّيْنِ، فَلَمْ تَقَعْ الْمُقَاصَّةُ، وَلَمْ يُسَلِّمْ لَهُ أَيْضًا مَا يَحْتَمِلُ الِاشْتِرَاكَ فِيهِ فَلَا يَرْجِعُ وَذَكَرَ عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ الْمَطْلُوبُ وَأَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ وَارِثُهُ وَتَرَك مَالًا لَيْسَ فِيهِ وَفَاءٌ اشْتَرَكَا بِالْحِصَصِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ انْتِقَالَ الْمِلْكِ إلَى الْوَرَثَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} رَتَّبَ الْمِيرَاثَ عَلَى الدَّيْنِ فَلَمْ يَنْتَقِلْ الْمِلْكُ إلَى الْوَارِثِ فَلَا يَسْقُطُ دَيْنُهُ، وَكَانَ دَيْنُ الْوَارِثِ وَالْأَجْنَبِيِّ سَوَاءٌ وَلَوْ أُعْطِيَ الْمَطْلُوبُ لِأَحَدِهِمَا رَهْنًا بِحِصَّتِهِ فَهَلَكَ الرَّهْنُ عِنْدَهُ فَلِشَرِيكِهِ أَنْ يُضَمِّنَهُ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الرَّهْنِ قَبْضُ اسْتِيفَاءٍ، وَبِهَلَاكِ الرَّهْنِ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لِلدَّيْنِ حُكْمًا فَكَانَ كَالِاسْتِيفَاءِ حَقِيقَةً، وَلَوْ غَصَبَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ الْمَطْلُوبِ عَبْدًا فَمَاتَ عِنْدَهُ فَلِشَرِيكِهِ أَنْ يُضَمِّنَهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ ضَامِنًا لِقِيمَةِ الْعَبْدِ مِنْ وَقْتِ الْغَصْبِ فَهَلَكَ الْمَغْصُوبُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ بِطَرِيقِ الظُّهُورِ وَالِاسْتِنَادِ.
وَلَوْ ذَهَبَتْ إحْدَى عَيْنَيْ الْعَبْدِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فِي ضَمَانِ الْغَاصِبِ فَرَدَّهُ لَمْ يَرْجِعْ شَرِيكُهُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ مَا يُمْكِنُ الْمُشَارَكَةُ فِيهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِك الْمَضْمُونَ، فَلَا يَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ شَيْئًا بِخِلَافِ نَفْسِ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِالضَّمَانِ فَسَلَّمَ لَهُ مَا يُمْكِنُ الْمُشَارَكَةُ فِيهِ فَيَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ إذَا ذَهَبَتْ إحْدَى عَيْنَيْهِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ الْغَرِيمِ عَبْدًا بَيْعًا فَاسِدًا وَقَبَضَهُ فَمَاتَ فِي يَدِهِ أَوْ بَاعَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ أَنَّهُ يَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ كَمَا يَضْمَنُ فِي الْغَاصِبِ.
وَلَوْ ذَهَبَتْ عَيْنُهُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَرَدَّهُ لَمْ يَضْمَنْ لِشَرِيكِهِ شَيْئًا وَيَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ مِنْ حِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ خَاصَّةً وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ.
(وَأَمَّا) شَرِكَةُ الْعُقُودِ فَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهَا أَنَّهَا لَا تَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونَ فَاسِدَةً أَوْ صَحِيحَةً، أَمَّا الصَّحِيحَةُ، فَأَمَّا الشَّرِكَةُ بِالْأَمْوَالِ فَنُبَيِّنُ أَحْكَامَ الْعِنَانِ مِنْهَا وَالْمُفَاوَضَةِ وَمَا يَجُوزُ لِأَحَدِ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ وَالْمُفَاوَضَةِ أَنْ يَعْمَلَهُ فِي مَالِ الشَّرِكَةِ، وَمَا لَا يَجُوزُ، أَمَّا الْعِنَانُ فَلِأَحَدِ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ أَنْ يَبِيعَ مَالَ الشَّرِكَةِ لِأَنَّهُمَا بِعَقْدِ الشَّرِكَةِ أَذِنَ كُلُّ وَاحِدٍ لِصَاحِبِهِ بِبَيْعِ مَالِ الشَّرِكَةِ؛ وَلِأَنَّ الشَّرِكَةَ تَتَضَمَّنُ الْوَكَالَةَ فَيَصِيرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكِيلَ صَاحِبِهِ بِالْبَيْعِ؛ وَلِأَنَّ غَرَضَهُمَا مِنْ الشَّرِكَةِ الرِّبْحُ وَذَلِكَ بِالتِّجَارَةِ، وَمَا التِّجَارَةُ إلَّا الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ، فَكَانَ إقْدَامُهُمَا عَلَى الْعَقْدِ إذْنًا مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ دَلَالَةً، وَلَهُ أَنْ يَبِيعَ مَالَ الشَّرِكَةِ بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ بِالْبَيْعِ بِمُقْتَضَى الشَّرِكَةِ وُجِدَ مُطْلَقًا وَلِأَنَّ الشَّرِكَةَ تَنْعَقِدُ عَلَى عَادَةِ التُّجَّارِ، وَمِنْ عَادَتِهِمْ الْبَيْعُ نَقْدًا وَنَسِيئَةً وَلَهُ أَنْ يَبِيعَ بِقَلِيلِ الثَّمَنِ وَكَثِيرِهِ لِمَا قُلْنَا إلَّا بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْعَقْدِ وَهُوَ الِاسْتِرْبَاحُ لَا يَحْصُلُ بِهِ فَكَانَ مُسْتَثْنًى مِنْ الْعَقْدِ دَلَالَةً، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ وَجَعَلَهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ مُطْلَقًا أَنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ.
وَلَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا وَأَجَّلَ الْآخَرُ، لَمْ يَجُزْ تَأْجِيلُهُ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ بِالْإِجْمَاعِ، وَهَلْ يَجُوزُ فِي نَصِيبِ نَفْسِهِ؟ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ إذَا أَخَّرَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ، هَذَا إذَا عَقَدَ أَحَدُهُمَا وَأَجَّلَ الْآخَرُ، فَأَمَّا إذَا عَقَدَ أَحَدُهُمَا ثُمَّ أَجَّلَ الْعَاقِدُ، فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ يَجُوزُ تَأْجِيلُهُ فِي نَصِيبِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ وَعَاقِدٌ.
وَأَمَّا فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ فَيَجُوزُ تَأْجِيلُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ وَالْكَلَامُ فِيهِ بِنَاءً عَلَى مَسْأَلَةِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ، أَنَّهُ يَمْلِكُ تَأْخِيرَ الثَّمَنِ وَالْإِبْرَاءُ عَنْهُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ لَا يَمْلِكُ.
(وَوَجْهُ) الْبِنَاءِ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْعَاقِدَ فِي نَصِيبِ الشَّرِيكِ وَكِيلٌ عَنْهُ وَهِيَ مِنْ مَسَائِلِ كِتَابِ الْوَكَالَةِ إلَّا أَنَّ هُنَاكَ إذَا أَخَّرَ يَضْمَنُ مِنْ مَالِهِ لِلْمُوَكِّلِ عِنْدَهُمَا، وَهُنَا لَا يَضْمَنُ الشَّرِيكُ الْعَاقِدُ؛ لِأَنَّ الشَّرِيكَ الْعَاقِدَ يَمْلِكُ أَنْ يُقَايِلَ الْبَيْعَ ثُمَّ يَبِيعَهُ بِنَسِيئَةٍ، وَإِذَا لَمْ يُقَايِلْ وَأَخَّرَ الدَّيْنَ جَازَ، وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ لَا يَمْلِكُ أَنْ يُقَايِلَ وَيَبِيعَ بِالنَّسِيئَةِ، فَإِذَا أَخَّرَ يَضْمَنُ، وَلَهُ يَشْتَرِي بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ؛ لِمَا قُلْنَا فِي الْبَيْعِ، وَهَذَا إذَا كَانَ فِي يَدِهِ مَالٌ نَاضٌّ لِلشَّرِكَةِ وَهُوَ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ فَاشْتَرَى بِالدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ شَيْئًا نَسِيئَةً وَكَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَاشْتَرَى بِذَلِكَ الْجِنْسِ شَيْئًا نَسِيئَةً فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ دَرَاهِمُ وَلَا دَنَانِيرُ، فَاشْتَرَى بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ شَيْئًا، كَانَ الْمُشْتَرَى لَهُ خَاصَّةً دُونَ شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّا لَوْ جَعَلْنَا شِرَاءَهُ عَلَى الشَّرِكَةِ لَصَارَ مُسْتَدِينًا عَلَى مَالِ الشَّرِكَةِ، وَالشَّرِيكُ لَا يَمْلِكُ الِاسْتِدَانَةَ عَلَى مَالِ الشَّرِكَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ بِذَلِكَ كَالْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَالُ الشَّرِكَةِ أَكْثَرَ مِمَّا رَضِيَ الشَّرِيكُ بِالْمُشَارَكَةِ فِيهِ، فَلَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ عِنْدَهُ عُرُوضٌ فَاشْتَرَى بِالدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ نَسِيئَةً لِأَنَّ الْعُرُوضَ لَا تَصْلُحُ رَأْسَ مَالِ الشَّرِكَةِ فَكَانَ الشِّرَاءُ بِالْأَثْمَانِ اسْتِدَانَةً بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى بِهَا وَفِي يَدِهِ مِثْلُهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِاسْتِدَانَةٍ وَحَكَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي يَدِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ دَنَانِيرُ، فَاشْتَرَى بِدَرَاهِمَ؛ جَازَ وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ زُفَرَ يَعْتَبِرُ الْمُجَانَسَةَ فِي رَأْسِ مَالِ الشَّرِكَةِ حَقِيقَةً حَتَّى أَبَى انْعِقَادَ الشَّرِكَةِ فِي الدَّرَاهِمِ مَعَ الدَّنَانِيرِ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ حَقِيقَةً، فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ اشْتَرَى بِجِنْسِ مَا فِي يَدِهِ صُورَةً بِالدَّرَاهِمِ وَعِنْدَهُ عُرُوضٌ، وَنَحْنُ نَعْتَبِرُ الْمُجَانَسَةَ مَعْنًى وَهُوَ الثَّمَنِيَّةُ، وَقَدْ تَجَانَسَا فِي الثَّمَنِيَّةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ اشْتَرَى بِجِنْسِ مَا فِي يَدِهِ صُورَةً وَمَعْنًى، وَلَهُ أَنْ يُبْضِعَ مَالَ الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ تَنْعَقِدُ عَلَى عَادَةِ التُّجَّارِ، وَالْإِبْضَاعُ مِنْ عَادَاتِهِمْ، وَلِأَنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَعْمَلُ فِي الْبِضَاعَةِ بِعِوَضٍ، فَالْإِبْضَاعُ أَوْلَى، لِأَنَّ اسْتِعْمَالَ الْبِضْعِ فِي الْبِضَاعَةِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَلَهُ أَنْ يُودِعَ؛ لِأَنَّ الْإِيدَاعَ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ وَمِنْ ضَرُورَاتِ التِّجَارَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لابد لِلتَّاجِرِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ عِنْدَ اعْتِرَاضِ أَحْوَالٍ تَقَعُ عَادَةً؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَحْفِظَ الْمُودَعَ بِأَجْرٍ فَبِغَيْرِ أَجْرٍ أَوْلَى، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ إلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَسْتَتْبِعُ مِثْلَهُ، فَإِنْ شَارَكَ رَجُلًا شَرِكَةَ عِنَانٍ، فَمَا اشْتَرَاهُ الشَّرِيكُ فَنِصْفُهُ لَهُ، وَنِصْفُهُ لِلشَّرِيكَيْنِ، لِأَنَّهُ إنْ كَانَ لَا يَمْلِكُ الشَّرِكَةَ فِي حَقِّ الشَّرِيكِ، يَمْلِكُ التَّوْكِيلَ، وَعَقْدُ الشَّرِكَةِ يَتَضَمَّنُ التَّوْكِيلَ، فَكَانَ نِصْفُ مَا اشْتَرَاهُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ اشْتَرَى الشَّرِيكُ الَّذِي لَمْ يُشَارِكْ فَمَا اشْتَرَاهُ يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَرِيكِهِ نِصْفَيْنِ، وَلَا شَيْءَ لِلْأَجْنَبِيِّ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوَكِّلْهُ فَبَقِيَ مَا اشْتَرَاهُ عَلَى حُكْمِ الشَّرِكَةِ، وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ: إذَا شَارَكَ أَحَدُ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ رَجُلًا شَرِكَةَ مُفَاوَضَةٍ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ شَرِيكِهِ؛ لَمْ تَكُنْ مُفَاوَضَةً وَكَانَتْ شَرِكَةَ عِنَانٍ؛ لِأَنَّ الْمُفَاوَضَةَ تَقْتَضِي فَسْخَ شَرِكَةِ الْعِنَانِ؛ لِأَنَّ الْمُفَاوِضَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ شَرِيكَهُ فِي كُلِّ الْمَالِ، وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ شَرِيكِهِ فَكَانَ ذَلِكَ فَسْخًا لِلشَّرِكَةِ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُ الْفَسْخَ مَعَ غِيبَتِهِ، وَإِنْ كَانَ بِمَحْضَرٍ مِنْ صَاحِبِهِ صَحَّتْ الْمُفَاوَضَةُ؛ وَذَلِكَ إبْطَالٌ لِشَرِكَةِ الْعِنَانِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ فَسْخَ الشَّرِكَةِ مَعَ حُضُورِ صَاحِبِهِ؛ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْلِطَ مَالَ الشَّرِكَةِ بِمَالٍ لَهُ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الْخَلْطَ إيجَابُ حَقٍّ فِي الْمَالِ؛ فَلَا يَجُوزُ إلَّا فِي الْقَدْرِ الَّذِي رَضِيَ بِهِ رَبُّ الْمَالِ؛ وَهَلْ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ مَالَ الشَّرِكَةِ مُضَارَبَةً؟ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَهُ ذَلِكَ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ.
(وَجْهُ) رِوَايَةِ الْحَسَنِ أَنَّ الْمُضَارَبَةَ نَوْعُ شَرِكَةٍ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ مَعَ الْمُضَارِبِ يَشْتَرِكَانِ فِي الرِّبْحِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ الشَّرِكَةَ بِإِطْلَاقِ الْعَقْدِ، فَلَا يَمْلِكُ الْمُضَارَبَةَ.
(وَجْهُ) ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يَمْلِكُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ أَجِيرًا يَعْمَلُ فِي مَالِ الشَّرِكَةِ؛ فَلَأَنْ يَمْلِكَ الدَّفْعَ مُضَارَبَةً أَوْلَى لِأَنَّ الْأَجِيرَ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ، سَوَاءٌ حَصَلَ فِي الشَّرِكَةِ رِبْحٌ أَوْ لَمْ يَحْصُلْ، وَالْمُضَارِبُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا بِعَمَلِهِ إلَّا إذَا كَانَ فِي الْمُضَارَبَةِ رِبْحٌ فَلَمَّا مَلَكَ الِاسْتِئْجَارَ، فَلَأَنْ يَمْلِكَ الدَّفْعَ مُضَارَبَةً أَوْلَى، وَالِاسْتِدْلَالُ بِالشَّرِكَةِ غَيْرُ سَدِيدٍ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فَوْقَ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهَا تُوجِبُ الشَّرِكَةَ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ؛ وَالْمُضَارَبَةُ تُوجِبُ الشَّرِكَةَ فِي الْفَرْعِ لَا فِي الْأَصْلِ، وَالشَّيْءُ يَسْتَتْبِعُ مَا هُوَ دُونَهُ وَلَا يَسْتَتْبِعُ مَا هُوَ فَوْقَهُ أَوْ مِثْلَهُ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْمُضَارِبُ أَنْ يَدْفَعَ الْمَالَ مُضَارَبَةً بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ مِثْلُ الْمُضَارَبَةِ وَيَمْلِكُ التَّوْكِيلَ؛ لِأَنَّهُ دُونَ الْمُضَارَبَةِ، وَالْوَكِيلُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ بِإِطْلَاقِ الْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ مِثْلُ الْوَكَالَةِ، وَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِي مَالِ الشَّرِكَةِ كُلَّ مَا لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَعْمَلَهُ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ، وَسَنَذْكُرُهُ فِي كِتَابِ الْمُضَارَبَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الشَّرِيكِ أَقْوَى مِنْ تَصَرُّفِ الْمُضَارِبِ وَأَعَمَّ مِنْهُ، فَمَا كَانَ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَعْمَلَ فَالشَّرِيكُ أَوْلَى، وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَالًا مُضَارَبَةً، وَيَكُونَ رِبْحَهُ لَهُ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ بِعَمَلِهِ، فَيَخْتَصُّ بِهِ كَمَا لَوْ آجَرَ نَفْسَهُ، وَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّ شَرِيكَهُ رَضِيَ بِرَأْيِهِ وَلَمْ يَرْضَ بِرَأْيِ غَيْرِهِ.
(وَجْهُ) الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الشَّرِكَةَ تَنْعَقِدُ عَلَى عَادَةِ التُّجَّارِ، وَالتَّوْكِيلُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مِنْ عَادَاتِهِمْ؛ وَلِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورَاتِ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ التَّاجِرَ لَا يُمْكِنُهُ مُبَاشَرَةَ جَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ بِنَفْسِهِ، فَيَحْتَاجُ إلَى التَّوْكِيلِ؛ فَكَانَ التَّوْكِيلُ مِنْ ضَرُورَاتِ التِّجَارَةِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ جَمِيعَ التَّصَرُّفَاتِ بَلْ لَا يَمْلِكُ إلَّا الشِّرَاءَ فَيُمْكِنُهُ مُبَاشَرَتُهُ بِنَفْسِهِ، فَلَا ضَرُورَةَ إلَى أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ؛ وَلِأَنَّ الشَّرِكَةَ أَعَمُّ مِنْ الْوَكَالَةِ، وَالْوَكَالَةُ أَخَصُّ مِنْهَا وَالشَّيْءُ يَسْتَتْبِعُ دُونَهُ وَلَا يَسْتَتْبِعُ مِثْلَهُ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا شَرِيكَيْنِ فِي خَادِمٍ أَوْ ثَوْبٍ خَاصَّةً أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُوَكِّلَ رَجُلًا بِبَيْعِهِ وَإِنْ وَكَّلَ لَمْ يَجُزْ فِي حِصَّةِ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ شَرِكَةُ مِلْكٍ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ فِي شَرِكَةِ الْأَمْلَاكِ أَجْنَبِيٌّ عَنْ صَاحِبِهِ مَحْجُورٌ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي نَصِيبِهِ؛ لِانْعِدَامِ الْمُطْلِقِ لِلتَّصَرُّفِ وَهُوَ الْمِلْكُ وَالْوِلَايَةُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ، وَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ وَكِيلًا، وَيَدْفَعَ إلَيْهِ مَالًا وَيَأْمُرَهُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ تِجَارَتِهِمَا، وَالْمَالُ مِنْ الشَّرِكَةِ، لِمَا قُلْنَا إنَّ الشَّرِيكَ يَمْلِكَ التَّوْكِيلَ، فَكَانَ تَصَرُّفُهُ كَتَصَرُّفِ الْمُوَكِّلِ فَإِنْ أَخْرَجَ الشَّرِيكُ الْآخَرُ الْوَكِيلَ يَخْرُجُ مِنْ الْوَكَالَةِ إنْ كَانَ فِي بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ إجَارَةٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمَّا مَلَكَ التَّوْكِيلَ عَلَى صَاحِبِهِ مَلَكَ الْعَزْلَ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ الْمُوَكِّلَ وَكِيلٌ لِشَرِيكِهِ، فَإِذَا وَكَّلَ كَانَ لِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَعْزِلَ وَكِيلَهُ، وَإِنْ كَانَ وَكِيلًا فِي تَقَاضِي مَا دَايَنَهُ، فَلَيْسَ لِلْآخَرِ إخْرَاجُهُ، لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يُوَكِّلَ شَرِيكَهُ، فَلَا يَمْلِكُ أَنْ يَعْزِلَ وَكِيلَهُ عَنْهُ، وَلَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ أَجِيرًا لِشَيْءٍ مِنْ تِجَارَتِهِمَا؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ مِنْ التِّجَارَةِ حَتَّى يَمْلِكَهَا الْمَأْذُونُ فِي التِّجَارَةِ، وَهُوَ مِنْ عَادَاتِ التُّجَّارِ أَيْضًا، وَمِنْ ضَرُورَات التِّجَارَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ التَّاجِرَ لَا يَجِدْ بُدًّا مِنْهُ؛ وَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ عِنْدَ إيرَادِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا تَجْرِي مَجْرَى الْأَعْيَانِ، فَكَانَ الِاسْتِئْجَارُ بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ، وَهُوَ يَمْلِكُ الشِّرَاءَ فَيَمْلِكُ الِاسْتِئْجَارَ، وَالْأَجْرُ يَكُونُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ يُطَالَبُ بِهِ دُونَ شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ لَا شَرِيكُهُ، وَحُقُوقُ الْعَقْدِ تَرْجِعُ إلَى الْعَاقِدِ وَيَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِنِصْفِ الْأُجْرَةِ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ فِي الْعَقْدِ، وَلَهُ أَنْ يَرْهَنَ مَتَاعًا مِنْ الشَّرِكَةِ بِدَيْنٍ وَجَبَ بِعَقْدِهِ وَهُوَ الشِّرَاءُ، وَأَنْ يَرْتَهِنَ بِمَا بَاعَهُ لِأَنَّ الرَّهْنَ إيفَاءُ الدَّيْنِ وَالِارْتِهَانَ اسْتِيفَاؤُهُ، وَأَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِيفَاءَ وَالِاسْتِيفَاءَ فَيَمْلِكُ الرَّهْنَ وَالِارْتِهَانَ.
وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ إذَا رَهَنَ أَحَدُهُمَا مَتَاعًا مِنْ الشَّرِكَةِ بِدَيْنٍ عَلَيْهَا، لَمْ يَجُزْ وَكَانَ ضَامِنًا لِلرَّهْنِ وَلَوْ ارْتَهَنَ بِدَيْنٍ لَهُمَا أَدَانَاهُ وَقَبَضَ، لَمْ يَجُزْ عَلَى شَرِيكِهِ وَذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا رَهَنَ أَحَدُهُمَا بِدَيْنٍ عَلَيْهِمَا وَجَبَ بِعَقْدِهِمَا؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ إيفَاءٌ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَمْلِكُ أَنْ يُوَفِّيَ دَيْنَ الْآخَرِ مِنْ مَالِهِ إلَّا بِأَمْرِهِ، فَلَا يَمْلِكُ الرَّهْنَ وَالِارْتِهَانَ، وَاسْتِيفَاءُ أَحَدِهِمَا لَا يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَ ثَمَنِ مَا عَقَدَهُ شَرِيكُهُ لِنَفْسِهِ، فَلَا يَمْلِكُ ارْتِهَانَهُ، فَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ وَقِيمَتُهُ وَالدَّيْنُ سَوَاءٌ، ذَهَبَ بِحِصَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ الرَّهْنَ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ، وَالرَّهْنُ الْفَاسِدُ يَكُونُ مَضْمُونًا كَالصَّحِيحِ، فَكَانَ مُسْتَوْفِيًا حِصَّتَهُ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَ حِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ قَبْلَ الِارْتِهَانِ وَإِنْ وَلِيَهُ غَيْرُهُ، فَإِذَا ارْتَهَنَهُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِجَمِيعِ الدَّيْنِ، فَيَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا حِصَّتَهُ صُورَةً، فَذَهَبَ الرَّهْنُ بِحِصَّتِهِ، وَشَرِيكُهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَجَعَ بِحِصَّتِهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ، وَيَرْجِعُ الْمَطْلُوبُ بِنِصْفِ قِيمَةِ الرَّهْنِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ شَرِيكَهُ حِصَّتَهُ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الرَّهْنِ قَبْضُ اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ، فَإِذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ تَقَرَّرَ اسْتِيفَاءُ كُلِّ الدَّيْنِ، وَمَنْ اسْتَوْفَى كُلَّ الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ؛ كَانَ لِشَرِيكِهِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْغَرِيمِ بِحِصَّتِهِ، وَيَرْجِعَ الْغَرِيمُ عَلَى الْقَابِضِ بِمَا قَبَضَهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا سَلَّمَ إلَيْهِ لِيَمْلِكَ مَا فِي ذِمَّتِهِ بِمَا سَلَّمَ، وَلَمْ يَمْلِكْ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ، كَذَا هُنَا، لِلْمَطْلُوبِ أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِ قِيمَةِ الرَّهْنِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ شَاءَ الشَّرِيكُ رَجَعَ عَلَيْهِ بِنِصْفِ دَيْنِهِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ إذَا اسْتَوْفَى الدَّيْنَ الْمُشْتَرَكَ كُلَّهُ، كَانَ لِلشَّرِيكِ الْآخَرِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِنَصِيبِهِ، وَطَرِيقُ ذَلِكَ أَنَّ نِصْفَ الْمَقْبُوضِ وَقَعَ لِلْقَابِضِ وَلِشَرِيكِهِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيهِ، وَمَتَى شَارَكَهُ فِيهِ، فَلِلْقَابِضِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمَطْلُوبِ بِذَلِكَ، ثُمَّ يُشَارِكَهُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا، هَكَذَا يَسْتَوْفِي هُوَ وَيُشَارِكُهُ الْآخَرُ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَا الدَّيْنَ، طَعَنَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَالَ: يَجِبُ أَنْ لَا يَضْمَنَ الشَّرِيكُ نَصِيبَ شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا قَالَ: لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ: أَعْطِنِي رَهْنًا بِدَيْنِ فُلَانٍ الَّذِي عَلَيْكَ فَإِنْ أَجَازَهُ جَازَ وَإِنْ لَمْ يُجِزْهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيَّ فَأَعْطَاهُ وَهَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْ، وَهَذَا الطَّعْنُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ جَعَلَ الرَّهْنَ فِي يَدِ الْعَدْلِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَخَذَ رَهْنًا لِغَيْرِهِ، وَشَرَطَ أَنْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، فَقَدْ صَارَ عَدْلًا، وَهَلَاكُ الرَّهْنِ فِي يَدِ الْعَدْلِ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ لَيْسَ بِقَبْضِ اسْتِيفَاءٍ، وَهَاهُنَا إنَّمَا قَبَضَهُ لِلِاسْتِيفَاءِ، وَالرَّهْنُ الْمَقْبُوضُ لِلِاسْتِيفَاءِ مَضْمُونٌ، فَلَمْ يَصِحَّ الطَّعْنُ، وَلَهُ أَنْ يَحْتَالَ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ مِنْ أَعْمَالِ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ التَّاجِرَ يَحْتَاجُ إلَيْهَا لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي الْمُلَاءَةِ وَالْإِفْلَاسِ وَكَوْنِ بَعْضِهِمْ أَمْلَأَ مِنْ بَعْضٍ، وَفِي الْعَادَةِ يَخْتَارُ الْأَمْلَأَ فَالْأَمْلَأَ، فَكَانَتْ الْحَوَالَةُ وَسِيلَةً إلَى الِاسْتِيفَاءِ فَكَانَتْ فِي مَعْنَى الرَّهْنِ فِي التَّوَثُّقِ لِلِاسْتِيفَاءِ؛ وَلِأَنَّ الِاحْتِيَالَ تَمْلِيكُ مَا فِي الذِّمَّةِ بِمِثْلِهِ؛ فَيَجُوزُ كَالصَّرْفِ، وَحُقُوقُ عَقْدٍ تَوَلَّاهُ أَحَدُهُمَا تَرْجِعُ إلَى الْعَاقِدِ حَتَّى لَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يَقْبِضَ شَيْئًا مِنْ الثَّمَنِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ دَيْنٍ لَزِمَ إنْسَانًا بِعَقْدٍ وَلِيَهُ أَحَدُهُمَا لَيْسَ لِلْآخَرِ قَبْضُهُ، وَلِلْمَدْيُونِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ دَفْعِهِ إلَيْهِ كَالْمُشْتَرِي مِنْ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ دَفْعِ الثَّمَنِ إلَى الْمُوَكِّلِ لِأَنَّ الْقَبْضَ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ، وَحُقُوقُ الْعَقْدِ تَعُودُ إلَى الْعَاقِدِ؛ لِأَنَّ الْمَدْيُونَ لَمْ يَلْتَزِمْ الْحُقُوقَ لِلْمَالِكِ، وَإِنَّمَا الْتَزَمَهَا الْعَاقِدُ، فَلَا يَلْزَمُهُ مَا لَمْ يَلْتَزِمْهُ إلَّا بِتَوْكِيلِ الْعَاقِدِ، فَإِنْ دَفَعَ إلَى الشَّرِيكِ مِنْ غَيْرِ تَوْكِيلٍ بَرِئَ مِنْ حِصَّتِهِ، وَلَمْ يَبْرَأْ مِنْ حِصَّةِ الدَّائِنِ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَبْرَأَ الدَّافِعُ.
(وَجْهُ) الْقِيَاسِ أَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْقَابِضِ بَلْ هُوَ أَجْنَبِيٌّ عَنْهَا وَإِنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِدِ، فَكَانَ الدَّافِعُ إلَى الْقَابِضِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَا يَبْرَأُ.
(وَجْهُ) الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي نَقْضِ هَذَا الْقَبْضِ إذْ لَوْ نَقَضْنَاهُ لَاحْتَجْنَا إلَى إعَادَتِهِ لِأَنَّ الْمَدْيُونَ يَلْزَمُهُ دَفْعُهُ إلَى الْعَاقِدِ، وَالْعَاقِدُ يَرُدُّ حِصَّةَ الشَّرِيكِ إلَيْهِ، فَلَا يُفِيدُ الْقَبْضُ ثُمَّ الْإِعَادَةُ فِي الْحَالِ، وَهَذَا عَلَى الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ فِي الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا دَفَعَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ إلَى الْمُوَكِّلِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ الْوَكِيلِ لَا يُطَالِبُ الشَّرِيكَ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ لِمَا قُلْنَا، وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُخَاصِمَ فِيمَا أَدَانَهُ الْآخَرُ أَوْ بَاعَهُ وَالْخُصُومَةُ لِلَّذِي بَاعَ، وَعَلَيْهِ لَيْسَ عَلَى الَّذِي لَمْ يَلِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، فَلَا يُسْمَعُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فِيهِ وَلَا يُسْتَحْلَفُ وَهُوَ وَالْأَجْنَبِيُّ فِي هَذَا سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ، وَحُقُوقُ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِدِ وَلَوْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا شَيْئًا لَا يُطَالَبُ الْآخَرُ بِالثَّمَنِ، وَلَيْسَ لِلشَّرِيكِ قَبْضُ الْمَبِيعِ لِمَا قُلْنَا، وَلِلْعَاقِدِ أَنْ يُوَكِّلَ وَكِيلًا بِقَبْضِ الثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ فِيمَا اشْتَرَى وَبَاعَ لِمَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ، وَلِأَحَدِهِمَا أَنْ يُقَايِلَ فِيمَا بَاعَهُ الْآخَرُ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ فِيهَا مَعْنَى الشِّرَاءِ وَأَنَّهُ يَمْلِكُ الشِّرَاءَ عَلَى الشَّرِكَةِ، فَيَمْلِكُ الْإِقَالَةَ وَمَا بَاعَهُ أَحَدُهُمَا أَوْ اشْتَرَى فَظَهَرَ عَيْبٌ لَا يَرُدُّ الْآخَرُ بِالْعَيْبِ وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ، وَإِنَّهَا تَرْجِعُ إلَى الْعَاقِدِ وَالرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ فَإِنْ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِعَيْبِهِ فِي مَتَاعٍ جَازَ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى صَاحِبِهِ قَالَ الْكَرْخِيُّ: وَهَذَا قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَفَرَّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْوَكِيلِ إذَا أَقَرَّ بِالْعَيْبِ فَرَدَّ الْقَاضِي الْمَبِيعَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ إقْرَارُهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ حَتَّى يَثْبُتَ، بِالْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الْإِقْرَارِ بِالْعَيْبِ ثُبُوتُ حَقِّ الرَّدِّ عَلَيْهِ وَلِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يُقَايِلَ فِيمَا بَاعَهُ الْآخَرُ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ فِيهَا مَعْنَى الشِّرَاءِ وَأَنَّهُ يَمْلِكُ الشِّرَاءَ إلَى أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَبِيعَ وَيَقْبَلَ الْعَقْدَ، وَالْوَكِيلُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ فَإِنْ بَاعَ أَحَدُهُمَا مَتَاعًا مِنْ الشَّرِكَةِ، فَرُدَّ عَلَيْهِ فَقَبِلَهُ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي جَازَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ قَبُولَ الْمَبِيعِ بِالتَّرَاضِي مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ بِمَنْزِلَةِ شِرَاءٍ مُبْتَدَإٍ بِالتَّعَاطِي، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَمْلِكُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَا بَاعَهُ عَلَى الشَّرِكَةِ وَكَذَا الْقَبُولُ مِنْ غَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي بِمَنْزِلَةِ الْإِقَالَةِ، وَإِقَالَةُ أَحَدِهِمَا تَنْفُذُ عَلَى الْآخَرِ، وَكَذَا لَوْ حَطَّ مِنْ ثَمَنِهِ أَوْ أَخَّرَ ثَمَنَهُ لِأَجْلِ الْعَيْبِ، فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ يُوجِبُ الرَّدَّ وَمِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ الصُّلْحُ وَالْحَطُّ أَنْفَعَ مِنْ الرَّدِّ، فَكَانَ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ حَطَّ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ أَوْ أَمْرٍ يَخَافُ مِنْهُ جَازَ فِي حِصَّتِهِ وَلَمْ يَجُزْ فِي حِصَّةِ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ الْحَطَّ مِنْ غَيْرِ عَيْبٍ تَبَرُّعٌ، وَالْإِنْسَانُ يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَا مِنْ مَالِ غَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَهَبَ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ تَبَرُّعٌ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَبِيعَ مَا اشْتَرَاهُ، وَمَا اشْتَرَى صَاحِبُهُ مُرَابَحَةً عَلَى مَا اشْتَرَيَاهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكِيلٌ لِصَاحِبِهِ بِالشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ، وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ يَمْلِكُ الْبَيْعَ مُرَابَحَةً وَهَلْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُسَافِرَ بِالْمَالِ مِنْ غَيْرِ رِضَا صَاحِبِهِ؟ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَالصَّحِيحُ مِنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ وَكَذَا الْمُضَارِبُ وَالْمُبْضِعُ وَالْمُودَعُ لَهُمْ أَنْ يُسَافِرُوا.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلشَّرِيكِ وَالْمُضَارِبِ أَنْ يُسَافِرَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ لَهُ الْمُسَافَرَةَ إلَى مَوْضِعٍ لَا يَبِيتُ عَنْ مَنْزِلِهِ، وَرُوِيَ عَنْهُ يُسَافِرُ أَيْضًا بِمَا لَا حِمْلَ لَهُ وَلَا مُؤْنَةَ وَلَا يُسَافِرُ بِمَا لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ.
(وَجْهُ) ظَاهِرِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ السَّفَرَ لَهُ خَطَرٌ، فَلَا يَجُوزُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ إلَّا بِإِذْنِهِ.
(وَجْهُ) الرِّوَايَةِ الَّتِي فَرَّقَ فِيهَا بَيْنَ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ، أَنَّهُ إذَا كَانَ قَرِيبًا بِحَيْثُ لَا يَبِيتُ عَنْ مَنْزِلِهِ، كَانَ فِي حُكْمِ الْمِصْرِ.
(وَجْهُ) الرِّوَايَةِ الَّتِي فَرَّقَ فِيهَا بَيْنَ مَا لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ، وَمَا لَيْسَ لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ، أَنَّ مَا لَهُ حِمْلٌ إذَا احْتَاجَ شَرِيكُهُ إلَى رَدِّهِ، يَلْزَمُهُ مُؤْنَةُ الرَّدِّ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ، وَلَا مُؤْنَةَ تَلْزَمُهُ فِيمَا لَا حِمْلَ لَهُ.
(وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ الْإِذْنَ بِالتَّصَرُّفِ يُثْبِتُ مُقْتَضَى الشَّرِكَةِ، وَأَنَّهَا صَدَرَتْ مُطْلَقَةً عَنْ الْمَكَانِ، وَالْمُطْلَقُ يَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ إلَّا لِدَلِيلٍ، وَلِهَذَا جَازَ لِلْمُودَعِ أَنْ يُسَافِرَ، عَلَى أَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُودَعِ؛ لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ فِي مَالِ الشَّرِكَةِ كَالْمُودَعِ فِي مَالِ الْوَدِيعَةِ مَعَ مَا أَنَّ الشَّرِيكَ يَمْلِكُ أَمْرًا زَائِدًا لَا يَمْلِكُهُ الْمُودَعُ، وَهُوَ التَّصَرُّفُ، فَلَمَّا مَلَكَ الْمُودَعُ السَّفَرَ؛ فَلَأَنْ يَمْلِكَهُ الشَّرِيكُ أَوْلَى وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ إنَّ الْمُسَافَرَةَ بِالْمَالِ مُخَاطَرَةٌ بِهِ، مُسَلَّمٌ، إذَا كَانَ الطَّرِيقُ مَخُوفًا (فَأَمَّا) إذَا كَانَ آمِنًا، فَلَا خَطَرَ فِيهِ بَلْ هُوَ مُبَاحٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَمَرَ بِالِابْتِغَاءِ فِي الْأَرْضِ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ، وَرَفَعَ الْجُنَاحَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى عَزَّ شَأْنُهُ: {فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ}، وَقَالَ عَزَّ شَأْنُهُ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَمَا ذَكَرَ مِنْ لُزُومِ مُؤْنَةِ الرَّدِّ فِيمَا لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ، فَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ غَرَامَةً فِي عَادَةِ التُّجَّارِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مُؤْنَةٍ تَلْزَمُ تَلْحَقُ بِرَأْسِ الْمَالِ، هَذَا إذَا لَمْ يَقُلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ: اعْمَلْ فِي ذَلِكَ بِرَأْيِكَ، فَأَمَّا إذَا قَالَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْمُسَافَرَةُ وَالْمُضَارَبَةُ وَالْمُشَارَكَةُ، وَخَلْطُ مَالِ الشَّرِكَةِ بِمَالٍ لَهُ خَاصَّةً، وَالرَّهْنُ وَالِارْتِهَانُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ فَوَّضَ الرَّأْيَ إلَيْهِ فِي التَّصَرُّفِ الَّذِي اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ الشَّرِكَةُ مُطْلَقًا، وَإِذَا سَافَرَ أَحَدُهُمَا بِالْمَالِ، وَقَدْ أُذِنَ لَهُ بِالسَّفَرِ، أَوْ قِيلَ لَهُ: اعْمَلْ بِرَأْيِكَ، أَوْ عِنْدَ إطْلَاقِ الشَّرِكَةِ عَلَى الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فَلَهُ أَنْ يُنْفِقَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَالِ عَلَى نَفْسِهِ فِي كِرَائِهِ وَنَفَقَتِهِ وَطَعَامِهِ وَإِدَامِهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، رَوَى ذَلِكَ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِنْفَاقَ مِنْ مَالِ الْغَيْرِ، لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنِهِ نَصًّا.
(وَجْهُ) الِاسْتِحْسَانِ الْعُرْفُ وَالْعَادَةُ؛ لِأَنَّ عَادَةَ التُّجَّارِ الْإِنْفَاقُ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ، وَالْمَعْرُوفُ كَالْمَشْرُوطِ؛ وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ هُوَ التَّرَاضِي بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُسَافِرُ بِمَالِ الشَّرِكَةِ، وَيَلْتَزِمُ النَّفَقَةَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِرِبْحٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونَ؛ لِأَنَّهُ الْتِزَامُ ضَرَرٍ لِلْحَالِ لِنَفْعٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونَ فَكَانَ إقْدَامُهُمَا عَلَى عَقْدِ الشَّرِكَةِ دَلِيلًا عَلَى التَّرَاضِي بِالنَّفَقَةِ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ، وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَالِ صَاحِبِهِ كَالْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّ مَا يَحْصُلُ مِنْ الرِّبْحِ فَهُوَ فَرْعُ جَمِيعِ الْمَالِ، وَهُوَ يَسْتَحِقُّ نِصْفَ الرِّبْحِ شَائِعًا كَالْمُضَارِبِ، فَتَكُونُ النَّفَقَةُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ كَالْمُضَارِبِ إذَا سَافَرَ بِمَالِ نَفْسِهِ وَبِمَالِ الْمُضَارَبَةِ، كَانَتْ نَفَقَتُهُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، كَذَا هَذَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ: فَإِنْ رَبِحَتْ حُسِبَتْ النَّفَقَةُ مِنْ الرِّبْحِ وَإِنْ لَمْ يَرْبَحْ كَانَتْ النَّفَقَةُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ جُزْءٌ تَالِفٌ مِنْ الْمَالِ، فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ رِبْحٌ فَهُوَ مِنْهُ، وَإِلَّا فَهُوَ مِنْ الْأَصْلِ كَالْمُضَارِبِ، وَمَا اشْتَرَاهُ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ مَالِ الشَّرِكَةِ، لَا يَلْزَمُ صَاحِبَهُ، لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَدِينًا عَلَى مَالِ الشَّرِكَةِ، وَصَاحِبُهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ بِالِاسْتِدَانَةِ، وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَهَبَ، وَلَا أَنْ يُقْرِضَ عَلَى شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَبَرَّعَ.
(أَمَّا) الْهِبَةُ فَلَا شَكَّ فِيهَا.
(وَأَمَّا) الْقَرْضُ؛ فَلِأَنَّهُ لَا عِوَضَ لَهُ فِي الْحَالِ، فَكَانَ تَبَرُّعًا فِي الْحَالِ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ عَلَى شَرِيكِهِ، وَسَوَاءٌ قَالَ: اعْمَلْ بِرَأْيِكَ، أَوْ لَمْ يَقُلْ إلَّا أَنْ يَنُصَّ عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِكَ تَفْوِيضُ الرَّأْيِ إلَيْهِ فِيمَا هُوَ مِنْ التِّجَارَةِ، وَهَذَا لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ وَلَوْ اسْتَقْرَضَ مَالًا لَزِمَهُمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ تَمَلُّكُ مَالٍ بِالْعَقْدِ، فَكَانَ كَالصَّرْفِ، فَيَثْبُتُ فِي حَقِّهِ وَحَقِّ شَرِيكِهِ؛ وَلِأَنَّهُ إنْ كَانَ الِاسْتِقْرَاضُ اسْتِعَارَةً فِي الْحَالِ، فَهُوَ يَمْلِكُ الِاسْتِعَارَةَ، وَإِنْ كَانَ تَمَلُّكًا يَمْلِكْهُ أَيْضًا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدًا مِنْ تِجَارَتِهِمَا، وَلَا أَنْ يَعْتِقَ عَلَى مَالٍ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ تَنْعَقِدُ عَلَى التِّجَارَةِ، وَالْكِتَابَةُ وَالْإِعْتَاقُ لَيْسَا مِنْ التِّجَارَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُمَا الْمَأْذُونُ فِي التِّجَارَةِ، وَسَوَاءٌ قَالَ: اعْمَلْ بِرَأْيِكَ، أَوْ لَا؛ لِمَا قُلْنَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ عَبْدًا مِنْ تِجَارَتِهِمَا، فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَة وَهُوَ ضَرَرٌ مَحْضٌ، فَلَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِإِذْنٍ نَصًّا، وَكَذَلِكَ تَزْوِيجُ الْأَمَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ، وَيَجُوزُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَالْمَسْأَلَةُ تَقَدَّمَتْ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ.
وَلَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ لَمْ يَجُزْ عَلَى صَاحِبِهِ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ، فَلَا يُصَدَّقُ فِي إيجَابِ الْحَقِّ عَلَى شَرِيكِهِ بِخِلَافِ الْمُفَاوَضَةِ؛ لِأَنَّ الْجَوَازَ فِي الْمُفَاوَضَةِ بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ لَا بِالْإِقْرَارِ، وَهَذِهِ الشَّرِكَةُ لَا تَتَضَمَّنُ الْكَفَالَةَ وَلَوْ أَقَرَّ بِجَارِيَةٍ فِي يَدِهِ مِنْ تِجَارَتِهِمَا، أَنَّهَا لِرَجُلٍ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ، وَجَازَ فِي نَصِيبِهِ، لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ إقْرَارَ الْإِنْسَانِ يَنْفُذُ عَلَى نَفْسِهِ لَا عَلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ شَهَادَةٌ، وَسَوَاءٌ كَانَ قَالَ لَهُ: اعْمَلْ بِرَأْيِكَ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ يُفِيدُ الْعُمُومَ فِيمَا تَتَضَمَّنُهُ الشَّرِكَةُ، وَالشَّرِكَةُ لَمْ تَتَضَمَّنْ الْإِقْرَارَ، وَمَا ضَاعَ مِنْ مَالِ الشَّرِيكِ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ، فَيُقْبَلُ قَوْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ فِي ضَيَاعِ الْمَالِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا الْمُفَاوَضَةُ: فَجَمِيعُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَجُوزُ لِأَحَدِ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ أَنْ يَفْعَلَهُ، وَهُوَ جَائِزٌ عَلَى شَرِيكِهِ إذَا فَعَلَهُ، فَيَجُوزُ لِأَحَدِ شَرِيكَيْ الْمُفَاوَضَةِ أَنْ يَفْعَلَهُ، وَإِذَا فَعَلَهُ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّ الْمُفَاوَضَةَ أَعَمُّ مِنْ الْعِنَانِ، فَلَمَّا جَازَ لِشَرِيكِ الْعِنَانِ فَجَوَازُهُ لِلْمُفَاوِضِ أَوْلَى، وَكَذَا كُلُّ مَا كَانَ شَرْطًا لِصِحَّةِ شَرِكَةِ الْعَنَانِ فَهُوَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ أَعَمَّ مِنْ الْعِنَانِ، فَهُوَ يَقْتَضِي شُرُوطَ الْعِنَانِ، وَزِيَادَةً وَكَذَا مَا فَسَدَتْ بِهِ شَرِكَةُ الْعِنَانِ، تَفْسُدُ بِهِ شَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ؛ لِأَنَّ الْمُفَاوَضَةَ يُفْسِدُهَا مَا لَا يُفْسِدُ الْعِنَانَ، لِاخْتِصَاصِهَا بِشَرَائِطَ لَمْ تُشْتَرَطْ فِي الْعِنَانِ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَالْآنَ نُبَيِّنُ الْأَحْكَامَ الْمُخْتَصَّةَ بِالْمُفَاوَضَةِ الَّتِي تَجُوزُ لِلْمُفَاوِضِ، وَلَا تَجُوزُ لِلشَّرِيكِ شَرِكَةَ الْعِنَانِ فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ: يَجُوزُ إقْرَارُ أَحَدِ شَرِيكَيْ الْمُفَاوَضَةِ بِالدَّيْنِ عَلَيْهِ وَعَلَى شَرِيكِهِ، وَيُطَالِبُ الْمُقِرُّ لَهُ أَيَّهُمَا شَاءَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ الْآخَرِ؛ فَيَلْزَمُ الْمُقِرَّ بِإِقْرَارِهِ، وَيَلْزَمُ شَرِيكَهُ بِكَفَالَتِهِ، وَكَذَلِكَ مَا وَجَبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ دَيْنِ التِّجَارَةِ كَثَمَنِ الْمُشْتَرَى فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ وَقِيمَتِهِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَأُجْرَةِ الْمُسْتَأْجَرِ أَوْ مَا هُوَ فِي مَعْنَى التِّجَارَةِ كَالْمَغْصُوبِ وَالْخِلَافِ فِي الْوَدَائِعِ وَالْعَوَارِيّ وَالْإِجَارَاتِ وَالِاسْتِهْلَاكَات، وَصَاحِبُ الدَّيْنِ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ أَخَذَ هَذَا بِدَيْنِهِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ شَرِيكَهُ بِحَقِّ الْكَفَالَةِ، أَمَّا دَيْنُ التِّجَارَةِ فَلِأَنَّهُ دَيْنٌ لَزِمَهُ بِسَبَبِ الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ الصَّحِيحَ اشْتَمَلَ عَلَيْهِ عَقْدُ الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّهُ تِجَارَةٌ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ، فِيمَا يَلْزَمُهُ بِسَبَبِ الشَّرِكَةِ، وَلِهَذَا قَالُوا: إنَّ الْبَيِّنَةَ تُسْمَعُ فِي ذَلِكَ عَلَى الشَّرِيكِ الَّذِي لَمْ يَعْقِدْ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَزِمَهُ كَمَا لَزِمَ شَرِيكَهُ؛ لِأَنَّهُ كَفِيلٌ عَنْ شَرِيكِهِ، وَالْبَيِّنَةُ بِالدَّيْنِ تُسْمَعُ عَلَى الْكَفِيلِ كَمَا تُسْمَعُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ، وَكَذَا الْبَيْعُ الْفَاسِدُ بِدَلِيلِ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْبَيْعِ يَتَنَاوَلُ الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ، وَكَذَا الْأُجْرَةُ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تِجَارَةٌ.
(وَأَمَّا) الْغَصْبُ فَلِأَنَّ ضَمَانَهُ فِي مَعْنَى ضَمَانِ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ تَقَرُّرَ الضَّمَانِ فِيهِ يُفِيدُ مِلْكَ الْمَضْمُونِ، فَكَانَ فِي مَعْنَى ضَمَانِ الْبَيْعِ، وَالْخِلَافُ فِي الْوَدَائِعِ وَالْعَوَارِيّ وَالْإِجَارَاتِ فِي مَعْنَى الْغَصْبِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّعَدِّي عَلَى مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ فَكَانَ فِي مَعْنَى الْغَصْبِ، فَكَانَ ضَمَانُهُ ضَمَانَ الْغَصْبِ.
(وَأَمَّا) أُرُوشُ الْجِنَايَاتِ وَالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ الْقِصَاصِ، فَلَا يُؤَاخَذُ بِهِ شَرِيكُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِضَمَانِ التِّجَارَةِ وَلَا فِي مَعْنَى ضَمَانِ التِّجَارَةِ أَيْضًا؛ لِانْعِدَامِ مَعْنَى مُعَاوَضَةِ الْمَالِ بِالْمَالِ رَأْسًا.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ ضَمَانَ الْغَصْبِ وَالِاسْتِهْلَاكِ لَا يَلْزَمُ إلَّا فَاعِلَهُ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ جِنَايَةٍ فَأَشْبَهَ ضَمَانَ الْجِنَايَةِ عَلَى بَنِي آدَمَ، وَالْجَوَابُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ ضَمَانَ الْغَصْبِ وَضَمَانَ الْإِتْلَافِ فِي غَيْرِ بَنِي آدَمَ ضَمَانُ مُعَاوَضَةٍ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانٌ يَمْلِكُ بِهِ الْمَضْمُونَ عِوَضًا عَنْهُ بِخِلَافِ ضَمَانِ الْجِنَايَةِ عَلَى بَنِي آدَمَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِهِ الْمَضْمُونَ فَلَمْ يُوجَدْ فِيهِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ أَصْلًا.
وَلَوْ كَفَلَ أَحَدُهُمَا عَنْ إنْسَانٍ، فَإِنْ كَفَلَ عَنْهُ بِمَالٍ، يَلْزَمُ شَرِيكَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَلْزَمُ، وَإِنْ كَفَلَ بِنَفْسٍ لَا يُؤْخَذْ بِذَلِكَ شَرِيكُهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا.
(وَجْهُ) قَوْلِهِمَا أَنَّ الْكَفَالَةَ تَبَرُّعٌ، فَلَا تَلْزَمُ صَاحِبَهُ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا تَبَرُّعٌ اخْتِصَاصُ جَوَازِهَا بِأَهْلِ التَّبَرُّعِ، حَتَّى لَا تَجُوزَ مِنْ الصَّبِيِّ وَالْمُكَاتَبِ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ، وَكَذَا تُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ إذَا كَانَ فِي حَالِ الْمَرَضِ وَالشَّرِكَةُ لَا تَنْعَقِدُ عَلَى التَّبَرُّعِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ الْكَفَالَةَ تَقَعُ تَبَرُّعًا بِابْتِدَائِهَا، ثُمَّ تَصِيرُ مُعَاوَضَةً بِانْتِهَائِهَا لِوُجُودِ التَّمْلِيكِ وَالتَّمَلُّكِ، حَتَّى يَرْجِعَ الْكَفِيلُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ بِمَا كَفَلَ، إذَا كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ فَقُلْنَا: لَا تَصِحُّ مِنْ الصَّبِيِّ وَالْمَأْذُونِ وَالْمُكَاتَبِ وَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ عَمَلًا بِالِابْتِدَاءِ، وَيَلْزَمُ شَرِيكَهُ عَمَلًا بِالِانْتِهَاءِ، وَحُقُوقُ عَقْدٍ تَوَلَّاهُ أَحَدُهُمَا تَرْجِعُ إلَيْهِمَا جَمِيعًا، حَتَّى لَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا شَيْئًا مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ، يُطَالَبُ غَيْرُ الْبَائِعِ مِنْهُمَا بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ، كَمَا يُطَالَبُ الْبَائِعُ، وَيُطَالِبُ غَيْرُ الْبَائِعِ مِنْهُمَا الْمُشْتَرِيَ بِتَسْلِيمِ الثَّمَنِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهُ كَالْبَائِعِ.
وَلَوْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا شَيْئًا يُطَالِبُ الْآخَرَ بِالثَّمَنِ، كَمَا يُطَالِبُ الْمُشْتَرِيَ، وَلَهُ أَنْ يَقْبِضَ الْمَبِيعَ كَمَا لِلْمُشْتَرِي.
وَلَوْ وَجَدَ الْمُشْتَرِي مِنْهُمَا عَيْبًا بِالْمَبِيعِ، فَلِصَاحِبِهِ أَنْ يَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ كَمَا لِلْمُشْتَرِي، وَلَهُ الرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ كَالْمُشْتَرِي.
وَلَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا سِلْعَةً مِنْ شَرِكَتِهِمَا فَوَجَدَ الْمُشْتَرِي بِهَا عَيْبًا، فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى أَيِّهِمَا شَاءَ.
وَلَوْ أَنْكَرَ الْعَيْبَ، فَلَهُ أَنْ يُحَلِّفَ الْبَائِعَ عَلَى الْبَتَاتِ، وَشَرِيكَهُ عَلَى الْعِلْمِ.
وَلَوْ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا نَفَذَ إقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَشَرِيكِهِ.
وَلَوْ بَاعَا سِلْعَةً مِنْ شَرِكَتِهِمَا، ثُمَّ وَجَدَ الْمُشْتَرِي بِهَا عَيْبًا، فَلَهُ أَنْ يُحَلِّفَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى النِّصْفِ الَّذِي بَاعَهُ عَلَى الْبَتَاتِ، وَعَلَى النِّصْفِ الَّذِي بَاعَهُ شَرِيكُهُ عَلَى الْعِلْمِ بِيَمِينٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الْعِلْمِ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْبَتَاتِ فِيمَا بَاعَ، وَيَسْقُطُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْيَمِينُ عَلَى الْعِلْمِ، وَهُمَا جَمِيعًا فِي خَرَاجِ التِّجَارَةِ وَضَمَانِهَا سَوَاءٌ، فَفِعْلُ أَحَدِهِمَا فِيهَا كَفِعْلِهِمَا، وَقَوْلُ أَحَدِهِمَا كَقَوْلِهِمَا، وَهُمَا فِي الْحَقِيقَةِ شَخْصَانِ وَفِي أَحْكَامِ التِّجَارَةِ كَشَخْصٍ وَاحِدٍ وَلِأَحَدِهِمَا أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَ التِّجَارَةِ، أَوْ يَأْذَنَ لَهُ بِالتِّجَارَةِ لِأَنَّ تَصَرُّفَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا يَعُودُ نَفْعُهُ إلَى مَالِ الشَّرِكَةِ عَامٌّ، كَتَصَرُّفِ الْأَبِ فِي مَالِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ كَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ مَا يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَهُ الْإِنْسَانُ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ فَالْمُفَاوِضُ فِيهِ أَجْوَزُ أَمْرًا، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْأَبَ يَمْلِكُ كِتَابَةَ عَبْدِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَإِذْنَهُ بِالتِّجَارَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ رَأْسًا، فَلَأَنْ يَمْلِكَ الْمُفَاوِضُ أَوْلَى.
وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُعْتِقَ شَيْئًا مِنْ عَبِيدِ التِّجَارَةِ عَلَى مَالٍ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى التَّبَرُّعِ؛ لِأَنَّهُ يَعْتِقُ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ، وَيَبْقَى الْبَدَلُ فِي ذِمَّةِ الْمُفْلِسِ قَدْ يُسَلَّمُ لَهُ وَقَدْ لَا يُسَلَّمُ، فَكَانَ فِي مَعْنَى التَّبَرُّعِ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُهُ الْأَبُ فِي مَالِ ابْنِهِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ تَزْوِيجُ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ مَحْضٌ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةَ يَتَعَلَّقَانِ بِرَقَبَتِهِ، وَتَنْقُصُ بِهِ قِيمَتُهُ، وَيَكُونُ وَلَدُهُ لِغَيْرِهِ، فَكَانَ التَّزْوِيجُ ضَرَرًا مَحْضًا، فَلَا يُمْلِكُهُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ الْأَمَةَ؛ لِأَنَّ تَزْوِيجَ الْأَمَةِ نَفْعٌ مَحْضٌ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْمَهْرَ وَالْوَلَدَ وَيَسْقُطُ عَنْهُ نَفَقَتُهَا، وَتَصَرُّفُ الْمُفَاوِضِ نَافِذٌ فِي كُلِّ مَا يَعُودُ نَفْعُهُ إلَى مَالِ الشَّرِكَةِ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ أَوْ لَا، بِخِلَافِ الشَّرِيكِ شَرِكَةَ الْعِنَانِ فَإِنَّ نَفَاذَ تَصَرُّفِهِ يَخْتَصُّ بِالتِّجَارَةِ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَتَزْوِيجُ الْأَمَةِ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ التِّجَارَةَ مُعَاوَضَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ، وَلَمْ يُوجَدْ، فَلَا يَنْفُذُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَنْفُذُ كَتَصَرُّفِ الْمُفَاوِضِ لِوُجُودِ النَّفْعِ، وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ الْمَالَ مُضَارَبَةً، لِمَا ذَكَرْنَا فِي الشَّرِيكِ شَرِكَةَ عِنَانٍ، أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَعْمَلُ فِي مَالِ الشَّرِكَةِ بِمَالٍ يَسْتَحِقُّهُ الْأَجِيرُ بِيَقِينٍ، فَالدَّفْعُ مُضَارَبَةً أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ لَا يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ مِنْهَا بِيَقِينٍ لِجَوَازِ أَنْ يَحْصُلَ، وَأَنْ لَا يَحْصُلَ، وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ شَرِكَةَ عِنَانٍ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ شَرِكَةَ الْعِنَانِ أَخَصُّ مِنْ شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ، فَكَانَتْ دُونَهَا، فَجَازَ أَنْ تَتَضَمَّنَهَا الْمُفَاوَضَةُ كَمَا تَتَضَمَّنُ الْعِنَانُ الْمُضَارَبَةَ، لِأَنَّهَا دُونَهَا فَتَتْبَعُهَا؛ وَلِأَنَّ الْأَبَ يَمْلِكُ ذَلِكَ فِي مَالِ ابْنِهِ، فَيَمْلِكُ الْمُفَاوِضُ عَلَى شَرِيكِهِ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْلَى، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ لِلشَّرِيكِ الثَّالِثِ حَقًّا فِي مَالِ شَرِيكِهِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنِهِ، هَذَا إذَا شَارَكَ رَجُلًا شَرِكَةَ عِنَانٍ، فَأَمَّا إذَا فَاوَضَ جَازَ عَلَيْهِ وَعَلَى شَرِيكِهِ، ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَجُوزُ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ.
(وَجْهُ) قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ عَقْدَ الْمُفَاوَضَةِ عَامٌّ فَيَصِيرُ تَصَرُّفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَتَصَرُّفِ الْآخَرِ، وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ شَرِكَةَ الْعِنَانِ مِثْلُ الْمُفَاوَضَةِ وَالشَّيْءُ لَا يَسْتَتْبِعُ مِثْلَهُ، وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَرْهَنَ وَيَرْتَهِنَ عَلَى شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ هُوَ إيفَاءٌ، وَالِارْتِهَانَ اسْتِيفَاءٌ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَمْلِكُ الْإِيفَاءَ وَالِاسْتِيفَاءَ فِيمَا عَقَدَهُ صَاحِبُهُ، وَيَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَقْضِيَ مَا أَدَانَاهُ، أَوْ ادَّانَهُ صَاحِبُهُ، أَوْ مَا يُوجِبُ لَهُمَا مِنْ غَصْبٍ عَلَى رَجُلٍ أَوْ كَفَالَةٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلُ الْآخَرِ، فَيَمْلِكُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ حُقُوقَهُ بِالْوَكَالَةِ، وَمَا وَجَبَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَلِصَاحِبِ الدَّيْنِ أَنْ يَأْخُذَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ الْآخَرِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَصْمٌ عَنْ صَاحِبِهِ يُطَالَبُ بِمَا عَلَى صَاحِبِهِ، وَيُقَامُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ، وَيُسْتَحْلَفُ عَلَى عِلْمِهِ فِيمَا هُوَ مِنْ ضَمَانِ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ خَصْمٌ فِيمَا يَدَّعِي عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ وَيُسْتَحْلَفُ عَلَى عِلْمِهِ؛ لِأَنَّهُ يَمِينٌ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ، وَمَا اشْتَرَاهُ أَحَدُهُمَا مِنْ طَعَامٍ لِأَهْلِهِ أَوْ كِسْوَةٍ أَوْ مَا لابد لَهُ مِنْهُ، فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَهُوَ لَهُ خَاصَّةً دُونَ صَاحِبِهِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرَى مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يَصِحُّ الِاشْتِرَاكُ فِيهِ كَسَائِرِ الْأَعْيَانِ، لَكِنَّهُمْ اسْتَحْسَنُوا أَنْ يَكُونَ لَهُ خَاصَّةً لِلضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لابد مِنْهُ، فَكَانَ مُسْتَثْنَى مِنْ الْمُفَاوَضَةِ فَاخْتَصَّ بِهِ الْمُشْتَرِي، لَكِنْ لِلْبَائِعِ أَنْ يُطَالِبَ بِالثَّمَنِ أَيَّهُمَا شَاءَ، وَإِنْ وَقَعَ الْمُشْتَرَى لِلَّذِي اشْتَرَاهُ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يَجُوزُ فِيهِ الِاشْتِرَاكُ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ الْآخَرِ بِبَدَلِ مَا يَجُوزُ فِيهِ الِاشْتِرَاكُ، إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: إنَّ الشَّرِيكَ يَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِنِصْفِ ثَمَنِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنًا عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ لَا عَلَى وَجْهِ التَّبَرُّعِ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ ذَلِكَ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ جَارِيَةً لِلْوَطْءِ أَوْ لِلْخِدْمَةِ بِغَيْرِ إذْنِ الشَّرِيكِ؛ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ مِمَّا يَصِحُّ فِيهِ الِاشْتِرَاكُ، وَلَا ضَرُورَةَ تَدْعُو إلَى الِانْفِرَادِ بِمِلْكِهَا، فَصَارَتْ كَسَائِرِ الْأَعْيَانِ بِخِلَافِ الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ، فَإِنَّ ثَمَّةَ ضَرُورَةً فَأُخْرِجَا عَنْ عُمُومِ الشَّرِكَةِ لِلضَّرُورَةِ، وَلَا ضَرَرَ فِي الْجَارِيَةِ فَبَقِيَتْ دَاخِلَةً تَحْتَ الْعُمُومِ، فَإِنْ اشْتَرَى لَيْسَ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا وَلَا لِشَرِيكِهِ لِأَنَّهَا دَخَلَتْ فِي الشَّرِكَةِ؛ فَكَانَتْ بَيْنَهُمَا، فَهَذِهِ جَارِيَةٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَلَا يَكُونُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَطَأَهَا، فَإِنْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا جَارِيَةً لِيَطَأَهَا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ، فَهِيَ لَهُ خَاصَّةً وَلَمْ يَذْكُرْ فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ، أَنَّ الشَّرِيكَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ أَوْ لَا يَرْجِعُ، وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْخِلَافَ فَقَالَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ، وَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ.
(وَجْهُ) قَوْلِهِمَا أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْوَطْءِ مُتَحَقِّقَةٌ فَتُلْحَقُ بِالْحَاجَةِ إلَى الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ، فَإِذَا اشْتَرَاهَا لِنَفْسِهِ خَاصَّةً وَقَعَتْ لَهُ خَاصَّةً، وَصَارَتْ مُسْتَثْنَاةً عَنْ عَقْدِ الشَّرِكَةِ، فَقَدْ نَقَدَ مَا لَيْسَ بِمُشْتَرَكٍ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ، فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ شَرِيكُهُ بِالنِّصْفِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي كُلِّ مَا يَحْتَمِلُ الشَّرِكَةَ إذَا اشْتَرَاهُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ، أَنْ يَقَعَ الْمُشْتَرَى مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا مِنْ غَيْرِ إذْنٍ جَدِيدٍ مِنْ الشَّرِيكِ بِالشِّرَاءِ إلَّا فِيمَا فِيهِ ضَرُورَةٌ، وَهُوَ مَا لابد لَهُ مِنْهُ مِنْ الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْوَطْءِ فَوَقَعَ الْمُشْتَرَى عَلَى الشَّرِكَةِ بِالْإِذْنِ الثَّابِتِ بِأَصْلِ الْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ الْحَاجَةِ إلَى إذْنٍ آخَرَ، فَلَمْ يَكُنْ الْإِذْنُ الْجَدِيدُ مِنْ الشَّرِيكِ لِوُقُوعِ الْمُشْتَرَى عَلَى الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ عَلَى الشَّرِكَةِ بِدُونِهِ، فَكَانَ لِلتَّمْلِيكِ كَأَنَّهُ قَالَ: اشْتَرِ جَارِيَةً بَيْنَنَا، وَقَدْ مَلَّكْتُكَ نَصِيبِي مِنْهَا فَكَانَتْ الْهِبَةُ مُتَعَلِّقَةً بِالشِّرَاءِ، فَإِذَا اشْتَرَى وَقَبَضَ، صَحَّتْ الْهِبَةُ، كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ قَبَضْتَ مَالِي عَلَى فُلَانٍ، فَقَدْ وَهَبْتُهُ لَكَ، فَقَبَضَهُ، يَمْلِكُهُ كَذَا هُوَ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ نَقَدَ ثَمَنَ الْوَاقِعِ عَلَى الشَّرِكَةِ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ، فَلَا يَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِشَيْءٍ، فَإِنْ اشْتَرَى جَارِيَةً لِلْوَطْءِ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ فَاسْتَوْلَدَهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ، فَعَلَى الْوَاطِئِ الْعُقْرُ، يَأْخُذُ الْمُسْتَحِقُّ بِالْعُقْرِ أَيَّهُمَا شَاءَ.
(وَأَمَّا) وُجُوبُ الْعُقْرِ فَلَا شَكَّ فِيهِ؛ لِأَنَّ وَطْءَ مِلْكِ الْغَيْرِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَا يَخْلُو عَنْ أَحَدِ الْغَرَامَتَيْنِ، إمَّا الْحَدُّ وَإِمَّا الْعُقْرُ، وَقَدْ تَعَذَّرَ إيجَابُ الْحَدِّ لِمَكَانِ الشُّبْهَةِ، وَهِيَ صُورَةُ الْبَيْعِ، فَيَجِبُ الْعُقْرُ.
وَأَمَّا وِلَايَةُ الْأَخْذِ مِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ؛ فَلِأَنَّ هَذَا ضَمَانٌ وَجَبَ بِسَبَبِ الشِّرَاءِ، وَالضَّمَانُ الْوَاجِبُ بِسَبَبِ الشِّرَاءِ يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَالثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ مِنْ التِّجَارَةِ، فَكَانَ هَذَا ضَمَانَ التِّجَارَةِ، بِخِلَافِ الْمَهْرِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ وَجَبَ بِسَبَبِ النِّكَاحِ وَالنِّكَاحُ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ، فَلَا يَدْخُلُ فِي الشَّرِكَةِ.
وَلَوْ أَقَالَ أَحَدُهُمَا فِي بَيْعِ مَا بَاعَهُ الْآخَرُ، جَازَتْ الْإِقَالَةُ عَلَيْهِمَا، لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْإِقَالَةَ فِي مَعْنَى الشِّرَاءِ، وَهُوَ يَمْلِكُ الشِّرَاءَ عَلَى الشَّرِكَةِ فَيَمْلِكُ الْإِقَالَةَ وَلِأَنَّ الشَّرِيكَ شَرِكَةَ الْعِنَانِ يَمْلِكُ الْإِقَالَةَ فَالْمُفَاوِضُ أَوْلَى، وَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ أَوْ تَفَرَّقَا، لَمْ يَكُنْ لِلَّذِي لَمْ يَلِ الْمُدَايَنَةَ أَنْ يَقْبِضَ الدَّيْنَ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ بَطَلَتْ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهَا وَكَالَةٌ، وَالْوَكَالَةُ تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ لِبُطْلَانِ أَمْرِهِ بِمَوْتِهِ وَتَبْطُلُ بِمَوْتِ الْوَكِيلِ لِتَعَذُّرِ تَصَرُّفِهِ فَتَبْطُلُ الشَّرِكَةُ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَقْبِضَ نَصِيبَ الْآخَرِ إذَا لَمْ يَكُنْ هُوَ الَّذِي تَوَلَّى الْعَقْدَ، وَيَجُوزُ قَبْضُهُ فِي نَصِيبِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ مُوَكَّلٌ فِيهِ، وَقَبْضُ الْوَكِيلِ جَائِزٌ اسْتِحْسَانًا.
(
وَأَمَّا) الَّذِي وَلِيَ الْمُدَايَنَةَ، فَلَهُ أَنْ يَقْبِضَ الْجَمِيعَ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ ذَلِكَ بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ لِكَوْنِهِ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ، فَلَا يَبْطُلُ بِانْفِسَاخِ الشَّرِكَةِ بِمَوْتِ الشَّرِيكِ كَمَا لَا يَبْطُلُ بِالْعَزْلِ.
وَلَوْ آجَرَ أَحَدُهُمَا نَفْسَهُ فِي الْخِيَاطَةِ أَوْ عَمَلٍ مِنْ الْأَعْمَالِ، فَالْأَجْرُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَإِنْ آجَرَ نَفْسَهُ لِلْخِدْمَةِ فَالْأَجْرُ لَهُ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ آجَرَ نَفْسَهُ فِي عَمَلٍ يَمْلِكُ أَنْ يَتَقَبَّلَ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى صَاحِبِهِ، فَإِذَا عَمِلَ فَقَدْ أَوْفَى مَا عَلَيْهِمَا، فَكَانَتْ الْأُجْرَةُ بَيْنَهُمَا، وَفِي الثَّانِي لَا يَمْلِكُ التَّقَبُّلَ عَلَى صَاحِبِهِ، بَلْ عَلَى نَفْسِهِ خَاصَّةً، فَكَانَتْ الْأُجْرَةُ لَهُ خَاصَّةً، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا قَضَى أَحَدُهُمَا دَيْنًا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْمُفَاوَضَةِ، فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَضَى فَقَدْ صَارَ الْمَقْضِيُّ دَيْنًا عَلَى الْقَاضِي أَوَّلًا، ثُمَّ يَصِيرُ قِصَاصًا بِمَالِهِ عَلَى الْقَاضِي، فَكَانَ هَذَا تَمْلِيكًا بِعِوَضٍ فَتَنَاوَلَهُ عَقْدُ الشَّرِكَةِ، فَمَلَكَهُ فَجَازَ الْقَضَاءُ، وَلَيْسَ لِصَاحِبِهِ سَبِيلٌ عَلَى الَّذِي قَبَضَ الدَّيْنَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ قَبْضَهُ قَبْضٌ مَضْمُونٌ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ مَا لِلشَّرِيكِ أَنْ يُمَلِّكَهُ إيَّاهُ، وَيَرْجِعَ شَرِيكُهُ عَلَيْهِ بِحِصَّتِهِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَ نَفْسِهِ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ، وَلَا تَنْتَقِضُ الْمُفَاوَضَةُ، وَإِنْ ازْدَادَ مَالُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ دَيْنٌ، وَزِيَادَةُ مَالِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ إذَا كَانَتْ دَيْنًا، لَا تُوجِبُ بُطْلَانَ الْمُفَاوَضَةِ، كَمَا لَا تَمْنَعُ انْعِقَادَهَا، لِمَا مَرَّ أَنَّ الدَّيْنَ لَا يَصْلُحُ رَأْسَ مَالِ الشَّرِكَةِ، فَإِذَا اسْتَرْجَعَ ذَلِكَ بَطَلَتْ الْمُفَاوَضَةُ؛ لِأَنَّهُ ازْدَادَ لَهُ مَالٌ صَالِحٌ لِلشَّرِكَةِ عَلَى مَالِ شَرِيكِهِ.
وَلَوْ رَهَنَ أَمَةً مِنْ مَالِ الْمُفَاوَضَةِ بِخَمْسِمِائَةٍ، وَقِيمَتُهَا أَلْفٌ، فَمَاتَتْ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، ذَهَبَتْ بِخَمْسِمِائَةٍ وَلَا يَضْمَنُ مَا بَقِيَ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَكَانَ مُودَعًا فِي قَدْرِ الْأَمَانَةِ مِنْ الرَّهْنِ، وَلِلْمُودَعِ وَالْمُفَاوِضِ أَنْ يُودِعَ، وَكَذَلِكَ وَصِيُّ أَيْتَامٍ رَهَنَ أَمَةً لَهُمْ بِأَرْبَعِمِائَةٍ عَلَيْهِ، وَقِيمَتُهَا أَلْفٌ فَمَاتَتْ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، ذَهَبَتْ بِأَرْبَعِمِائَةٍ، وَذَلِكَ يَكُونُ دَيْنًا لِلْوَرَثَةِ عَلَى الْوَصِيِّ، وَهُوَ أَمِينٌ فِي الْفَضْلِ، وَكَذَلِكَ الْأَبُ يَرْهَنُ أَمَةَ ابْنٍ لَهُ صَغِيرٍ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَبَ وَالْوَصِيَّ يَمْلِكَانِ الْإِيدَاعَ وَالزِّيَادَةُ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ مِنْ الرَّهْنِ أَمَانَةٌ فَكَانَتْ وَدِيعَةً قَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَوْ أَقْرَضَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ مَالًا فَأَعْطَاهُ رَجُلًا، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ سَفْتَجَةً كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا عَلَيْهِمَا، وَلَا يَضْمَنُ؛ تَوَى الْمَالُ أَوْ لَمْ يَتْوِ، وَفِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الَّذِي أَقْرَضَ وَأَخَذَ السَّفْتَجَةَ يَضْمَنُ حِصَّةَ شَرِيكِهِ مِنْ ذَلِكَ، وَهَذَا فَرْعُ اخْتِلَافِهِمْ فِي الْكَفَالَةِ أَنَّ الْكَفِيلَ فِي حُكْمِ الْمُقْرِضِ، فَإِذَا جَازَتْ الْكَفَالَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ جَازَ الْقَرْضُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى التَّبَرُّعِ، فَكَذَلِكَ الْقَرْضُ وَقَالُوا فِي أَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ، إذَا اسْتَأْجَرَ إبِلًا إلَى مَكَّةَ لِيَحُجَّ وَيَحْمِلَ عَلَيْهَا مَتَاعَ بَيْتِهِ فَلِلْمُؤَاجِرِ أَنْ يُطَالِبَ أَيَّهُمَا شَاءَ بِالْأَجْرِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَهُوَ، الْمَنْفَعَةُ؛ مِمَّا يَجُوزُ دُخُولُهُ فِي الشَّرِكَةِ، أَلَا تَرَى لَوْ أَبْدَلَهُ مِنْ حَمْلِ مَتَاعِهِ، فَحَمَلَ عَلَيْهِمَا مَتَاعَ الشَّرِكَةِ جَازَ، وَإِذَا دَخَلَ فِي الشَّرِكَةِ كَانَ الْبَدَلُ عَلَيْهِمَا فَيُطَالِبُ بِهِ شَرِيكَهُ بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ، وَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ لَهُ خَاصَّةً، كَمَا لَوْ اشْتَرَى طَعَامًا لِنَفْسِهِ أَنَّ الْمُشْتَرَى يَقَعُ لَهُ وَيُطَالَبُ الشَّرِيكُ بِالثَّمَنِ، كَذَا هَذَا.
وَلَوْ آجَرَ أَحَدُهُمَا عَبْدًا لَهُ وَرِثَهُ لَمْ يَكُنْ لِشَرِيكِهِ أَنْ يَقْبِضَ الْإِجَارَةَ؛ لِأَنَّهَا بَدَلُ مَالٍ لَمْ يَدْخُلْ فِي الشَّرِكَةِ؛ فَلَا يَمْلِكُ قَبْضَهُ كَالدَّيْنِ الَّذِي وَجَبَ لَهُ بِالْمِيرَاثِ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ.
(وَأَمَّا) الشَّرِكَةُ بِالْأَعْمَالِ فَأَمَّا الْعِنَانُ مِنْهَا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَتَقَبَّلَ الْعَمَلَ، وَمَتَى تَقَبَّلَ يَجِبُ عَلَيْهِ، وَعَلَى شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَقْدِ الشَّرِكَةِ أَذِنَ لِصَاحِبِهِ بِتَقَبُّلِ الْعَمَلِ عَلَيْهِ، فَصَارَ وَكِيلُهُ فِيهِ كَأَنَّهُ تَقَبَّلَ الْعَمَلَ بِنَفْسِهِ، وَلِصَاحِبِ الْعَمَلِ أَنْ يُطَالِبَ بِالْعَمَلِ أَيَّهُمَا شَاءَ لِوُجُوبِهِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُطَالِبَ صَاحِبَ الْعَمَلِ بِكُلِّ الْأُجْرَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ كُلُّ الْعَمَلِ، فَكَانَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِكُلِّ الْأُجْرَةِ، وَإِلَى أَيِّهِمَا دَفَعَ صَاحِبُ الْعَمَلِ بَرِئَ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَ إلَى مَنْ أُمِرَ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ، وَعَلَى أَيِّهِمَا وَجَبَ ضَمَانُ الْعَمَلِ، وَهُوَ جِنَايَةُ يَدِهِ، كَانَ لِصَاحِبِ الْعَمَلِ أَنْ يُطَالِبَ الْآخَرَ بِهِ اسْتِحْسَانًا، كَذَا رَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُ قَالَ: إذَا جَنَتْ يَدُ أَحَدِهِمَا فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا، يَأْخُذُ صَاحِبُ الْعَمَلِ أَيَّهُمَا شَاءَ بِجَمِيعِ ذَلِكَ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ ذَلِكَ.
(وَجْهُ) الْقِيَاسِ ظَاهِرٌ لِأَنَّ هَذِهِ شَرِكَةُ عِنَانٍ لَا شَرِكَةُ مُفَاوَضَةٍ، وَحُكْمُ الشَّرْعِ فِي شَرِكَةِ الْعِنَانِ أَنَّ مَا يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَقْدِهِ لَا يُطَالَبُ بِهِ الْآخَرُ.
(وَجْهُ) الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ شَرِكَةُ ضَمَانٍ فِي حَقِّ وُجُوبِ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ الَّذِي يَتَقَبَّلُهُ أَحَدُهُمَا يَجِبُ عَلَى الْآخَرِ حَتَّى يَسْتَحِقَّ الْأَجْرَ بِهِ فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الشَّرِكَةُ مُقْتَضِيَةً وُجُوبَ الْعَمَلِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، كَانَتْ مُقْتَضِيَةً وُجُوبَ ضَمَانِ الْعَمَلِ، فَكَانَتْ فِي مَعْنَى الْمُفَاوَضَةِ فِي حَقِّ وُجُوبِ الضَّمَانِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُفَاوَضَةً حَقِيقَةً؛ حَتَّى قَالُوا فِي الدَّيْنِ: إذَا أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِثَمَنِ صَابُونٍ أَوْ أُشْنَانٍ أَوْ غَيْرِهِمَا أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ عَلَى صَاحِبِهِ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مُسْتَهْلَكًا إلَّا بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ، كَذَا إذَا أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِأَجْرِ أَجِيرٍ أَوْ حَانُوتٍ بَعْدَ مُضِيِّ هَذِهِ الْإِجَارَةِ، وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ لَمْ يُسْتَهْلَكْ وَمُدَّةُ الْإِجَارَةِ لَمْ تَمْضِ لَزِمَهُمَا جَمِيعًا بِإِقْرَارِهِ، وَإِنْ جَحَدَهُ شَرِيكُهُ كَمَا فِي شَرِكَةِ الْعِنَانِ فَدَلَّ أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا حُكْمُ الْمُفَاوَضَةِ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ بَلْ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّا خَاصَّةً، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا ادَّعَى عَلَى أَحَدِهِمَا ثَوْبًا عِنْدَهُمَا فَأَقَرَّ بِهِ أَحَدُهُمَا وَجَحَدَ الْآخَرُ، جَازَ الْإِقْرَارُ عَلَى الْآخَرِ، وَيَدْفَعُ الثَّوْبَ وَيَأْخُذُ الْأُجْرَةَ، قَالَ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَلَيْسَ بِقِيَاسٍ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِمُتَفَاوِضَيْنِ حَتَّى يُصَدَّقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بَلْ هُمَا شَرِيكَانِ شَرِكَةَ عِنَانٍ؛ فَلَا يَنْفُذُ إقْرَارُهُ عَلَى صَاحِبِهِ فِيمَا فِي يَدِ صَاحِبِهِ كَشَرِيكَيْ الْعِنَانِ فِي الْمَالِ إذَا أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِثَوْبٍ مِنْ شِرْكَتِهِمَا وَجَحَدَ الْآخَرُ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ إقْرَارَهُ عَلَى صَاحِبِهِ فِي نَصِيبِهِ، كَذَا هَذَا، وَقَدْ رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ أَخَذَ بِالْقِيَاسِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَالَ: يَنْفُذُ إقْرَارُهُ فِي النِّصْفِ الَّذِي فِي يَدِهِ وَلَا يَنْفُذُ فِي النِّصْفِ الَّذِي فِي يَدِ الشَّرِيكِ (وَوَجْهُهُ) مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الشَّيْءَ فِي أَيْدِيهِمَا، وَالشَّرِكَةُ شَرِكَةُ عِنَانٍ وَأَحَدُ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ إذَا أَقَرَّ بِثَوْبٍ فِي أَيْدِيهِمَا لَا يَنْفُذُ عَلَى صَاحِبِهِ وَإِنَّمَا اسْتَحْسَنَّا، وَأَلْحَقْنَاهَا بِالْمُفَاوَضَةِ فِي حَقِّ وُجُوبِ الْعَمَلِ، وَالْمُطَالَبَةِ بِالْأُجْرَةِ فِي حَقِّ وُجُوبِ ضَمَانِ الْعَمَلِ فَبَقِيَ الْأَمْرُ فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ.
(وَجْهُ) الِاسْتِحْسَانِ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَمَّا ظَهَرَ حُكْمُ الْمُفَاوَضَةِ فِي هَذِهِ الشَّرِكَةِ فِي حَقِّ ضَمَانِ الْعَمَلِ وَهُوَ وُجُوبُهُ حَتَّى لَزِمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كُلُّ الْعَمَلِ؛ وَجَبَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِكُلِّ الْأُجْرَةِ، وَعَلَيْهِ بِكُلِّ الْعَمَلِ، وَلَزِمَهُ ضَمَانُ مَا حَدَثَ عَلَى شَرِيكِهِ يَظْهَرُ فِي مَحَلِّ الْعَمَلِ أَيْضًا، فَيَنْفُذُ إقْرَارُهُ بِمَحَلِّ الْعَمَلِ عَلَى صَاحِبِهِ وَإِنْ عَمِلَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ، بِأَنْ مَرِضَ أَوْ سَافَرَ، أَوْ بَطَلَ فَالْأَجْرُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ فِي هَذِهِ الشَّرِكَةِ إنَّمَا يُسْتَحَقُّ بِضَمَانِ الْعَمَلِ لَا بِالْعَمَلِ لِأَنَّ الْعَمَلَ قَدْ يَكُونُ مِنْهُ، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ غَيْرِهِ كَالْقَصَّارِ وَالْخَيَّاطِ إذَا اسْتَعَانَ بِرَجُلٍ عَلَى الْقِصَارَةِ وَالْخِيَاطَةِ، أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ؛ لِوُجُودِ ضَمَانِ الْعَمَلِ مِنْهُ وَهَاهُنَا شَرْطُ الْعَمَلِ عَلَيْهِمَا، فَإِذَا عَمِلَ أَحَدُهُمَا يَصِيرُ الشَّرِيكُ الْقَابِلُ عَامِلًا لِنَفْسِهِ فِي النِّصْفِ، وَلِشَرِيكِهِ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ، وَيَجُوزُ شَرْطُ التَّفَاضُلِ فِي الْكَسْبِ، إذَا شَرَطَ التَّفَاضُلَ فِي الضَّمَانِ، بِأَنْ شَرَطَا لِأَحَدِهِمَا ثُلُثَيْ الْكَسْبِ، وَهُوَ الْأَجْرُ، وَلِلْآخَرِ الثُّلُثُ وَشَرَطَا الْعَمَلَ عَلَيْهِمَا كَذَلِكَ، سَوَاءٌ عَمِلَ الَّذِي شَرَطَ لَهُ الْفَضْلَ أَوْ لَمْ يَعْمَلْ بَعْدَ أَنْ شَرَطَا الْعَمَلَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْأُجْرَةِ فِي هَذِهِ الشَّرِكَةِ بِالضَّمَانِ لَا بِالْعَمَلِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ عَمِلَ أَحَدُهُمَا اسْتَحَقَّ الْآخَرُ الْأَجْرَ، وَإِذَا كَانَ اسْتِحْقَاقُ أَصْلِ الْأَجْرِ بِأَصْلِ ضَمَانِ الْعَمَلِ لَا بِالْعَمَلِ، كَانَ اسْتِحْقَاقُ زِيَادَةِ الْأَجْرِ بِزِيَادَةِ الضَّمَانِ، لَا بِزِيَادَةِ الْعَمَلِ، وَحُكِيَ عَنْ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ عَلَّلَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ: الْمَنَافِعُ لَا تَتَقَوَّمُ إلَّا بِالْعَقْدِ، وَالشَّرِيكُ قَدْ قَوَّمَهَا بِمِقْدَارِ مَا شَرَطَ لِنَفْسِهِ، فَلَا يَسْتَحِقُّ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِالْعَمَلِ، وَرَدَّ عَلَيْهِ الْجَصَّاصُ وَقَالَ هَذَا لَا يَصِحُّ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ فَضْلَ الْأَجْرِ لِأَقَلِّهِمَا عَمَلًا بِأَنْ شَرَطَا ثُلُثَا الْأُجْرَةِ لَهُ، جَازَ، فَدَلَّ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ فَضْلِ الْأُجْرَةِ بِفَضْلِ الضَّمَانِ لَا بِفَضْلِ الْعَمَلِ.
وَلَوْ شَرَطَا التَّفَاضُلَ فِي الْأُجْرَةِ فَجَعَلَاهَا أَثْلَاثًا، وَلَمْ يَنْسِبَا الْعَمَلَ إلَى نِصْفَيْنِ، فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّهُمَا لَمَّا شَرَطَا التَّفَاضُلَ فِي الْكَسْبِ، وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ إلَّا بِشَرْطِ التَّفَاضُلِ فِي الْعَمَلِ، كَانَ ذَلِكَ اشْتِرَاطًا لِلتَّفَاضُلِ فِي الْعَمَلِ تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهِمَا عِنْدَ إمْكَانِ التَّصْحِيحِ.
وَلَوْ شَرَطَا الْكَسْبَ أَثْلَاثًا، وَشَرَطَا الْعَمَلَ نِصْفَيْنِ، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ فَضْلَ الْأُجْرَةِ لَا يُقَابِلُهَا مَالٌ، وَلَا عَمَلٌ وَلَا ضَمَانٌ، وَالرِّبْحُ لَا يُسْتَحَقُّ إلَّا بِأَحَدِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ.
(وَأَمَّا) الْوَضِيعَةُ فَلَا تَكُونُ بَيْنَهُمَا إلَّا عَلَى قَدْرِ الضَّمَانِ حَتَّى لَوْ شَرَطَا أَنَّ مَا يَتَقَبَّلَانِهِ فَثُلُثَاهُ عَلَى أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ، وَثُلُثُهُ عَلَى الْآخَرِ، وَالْوَضِيعَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، كَانَتْ الْوَضِيعَةُ بَاطِلَةً وَالْقِبَالَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ إذَا انْقَسَمَ عَلَى قَدْرِ الضَّمَانِ كَانَتْ الْوَضِيعَةُ عَلَى قَدْرِ الضَّمَانِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ زِيَادَةِ الضَّمَانِ فِي الْوَضِيعَةِ فِي مَوْضِعٍ يَجُوزُ اشْتِرَاطُ زِيَادَةِ الرِّبْحِ فِيهِ لِأَحَدِهِمَا، وَهُوَ الشَّرِكَةُ بِالْأَمْوَالِ حَتَّى لَا تَكُونَ الْوَضِيعَةُ فِيهَا إلَّا بِقَدْرِ الْمَالِ فِي مَوْضِعٍ لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ زِيَادَةِ الرِّبْحِ فِيهِ لِأَحَدِهِمَا، فَلَأَنْ لَا يَجُوزَ أَنْ تَكُونَ الْوَضِيعَةُ فِيهِ إلَّا عَلَى قَدْرِ الضَّمَانِ أَوْلَى.
(وَأَمَّا) الْمُفَاوَضَةُ مِنْهُمَا فَمَا لَزِمَ أَحَدَهُمَا بِسَبَبِ هَذِهِ الشَّرِكَةِ، يَلْزَمُ صَاحِبَهُ، وَيُطَالَبُ بِهِ مِنْ ثَمَنِ صَابُونٍ أَوْ أُشْنَانٍ أَوْ أَجْرِ أَجِيرٍ أَوْ حَانُوتٍ، وَيَجُوزُ إقْرَارُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ عَلَيْهِ وَعَلَى شَرِيكِهِ بِالدَّيْنِ، وَلِلْمُقَرِّ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِهِ أَيَّهُمَا شَاءَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ فَيَلْزَمُ الْمُقِرَّ بِإِقْرَارِهِ وَالشَّرِيكَ بِكَفَالَتِهِ.
وَلَوْ ادَّعَى عَلَى أَحَدِهِمَا بِثَوْبٍ فِي أَيْدِيهِمَا، فَأَقَرَّ بِهِ أَحَدُهُمَا، وَجَحَدَ صَاحِبُهُ، يُصَدَّقُ عَلَى صَاحِبِهِ وَيَنْفُذُ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ.
(وَأَمَّا) الشَّرِكَةُ بِالْوُجُوهِ فَالْعِنَانُ مِنْهَا وَالْمُفَاوَضَةُ فِي جَمِيعِ مَا يَجِبُ لَهُمَا وَمَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا، وَمَا يَجُوزُ فِيهِ فِعْلُ أَحَدِهِمَا عَلَى شَرِيكِهِ، وَمَا لَا يَجُوزُ، بِمَنْزِلَةِ شَرِيكِ الْعِنَانِ، وَالْمُفَاوَضَةِ فِي الْأَمْوَالِ.
(وَأَمَّا) الشَّرِكَةُ الْفَاسِدَةُ وَهِيَ الَّتِي فَاتَهَا شَرْطٌ مِنْ شَرَائِطِ الصِّحَّةِ، فَلَا تُفِيدُ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَعْمَلَهُ بِالشَّرِكَةِ الصَّحِيحَةِ، وَالرِّبْحُ فِيهَا عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِحْقَاقُ فِيهَا بِالشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يَصِحَّ، فَأُلْحِقَ بِالْعَدَمِ، فَبَقِيَ الِاسْتِحْقَاقُ بِالْمَالِ، فَيُقَدَّرُ بِقَدْرِ الْمَالِ، وَلَا أَجْرَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبِهِ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَهُ أُجْرَةٌ فِيمَا عَمِلَ لِصَاحِبِهِ، وَهَذَا غَيْرُ سَدِيدٍ، إلَّا أَنَّهُ اسْتَحَقَّ الرِّبْحَ بِعَمَلِهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ.