فصل: فَصْلٌ: شَرْطُ وُجُوبِهَا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (نسخة منقحة)



.فَصْلٌ: بَيَانُ مِقْدَارِ الْوَاجِبِ مِنْ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ:

وَأَمَّا بَيَانُ مِقْدَارِ الْوَاجِبِ مِنْ هَذِهِ النَّفَقَةِ فَنَفَقَةُ الْأَقَارِبِ مُقَدَّرَةٌ بِالْكِفَايَةِ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ لِلْحَاجَةِ فَتَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ وَكُلُّ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ نَفَقَةُ غَيْرِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ لَهُ الْمَأْكَلُ وَالْمَشْرَبُ وَالْمَلْبَسُ وَالسُّكْنَى وَالرَّضَاعُ إنْ كَانَ رَضِيعًا؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا لِلْكِفَايَةِ وَالْكِفَايَةُ تَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَإِنْ كَانَ لِلْمُنْفَقِ عَلَيْهِ خَادِمٌ يَحْتَاجُ إلَى خِدْمَتِهِ تُفْرَضُ لَهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ الْكِفَايَةِ.

.فَصْلٌ: بَيَانُ كَيْفِيَّةِ وُجُوبِهَا:

وَأَمَّا بَيَانُ كَيْفِيَّةِ وُجُوبِهَا فَهَذِهِ النَّفَقَةُ تَجِبُ عَلَى وَجْهٍ لَا تَصِيرُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ أَصْلًا سَوَاءٌ فَرَضَهَا الْقَاضِي أَوْ لَا بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ فَإِنَّهَا تَصِيرُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ بِفَرْضِ الْقَاضِي أَوْ بِالتَّرَاضِي حَتَّى لَوْ فَرَضَ الْقَاضِي لِلْقَرِيبِ نَفَقَةَ شَهْرٍ فَمَضَى الشَّهْرُ وَلَمْ يَأْخُذْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِهَا بَلْ تَسْقُطُ وَفِي نَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ لِلْمَرْأَةِ وِلَايَةُ الْمُطَالَبَةِ بِمَا مَضَى مِنْ النَّفَقَةِ فِي مُدَّةِ الْفَرْضِ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا وَجْهَ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ فَيَقَعُ الْفَرْقُ بَيْنَ النَّفَقَتَيْنِ فِي أَشْيَاءَ: مِنْهَا مَا وَصَفْنَاهُ آنِفًا أَنَّ نَفَقَةَ الْمَرْأَةِ تَصِيرُ دَيْنًا بِالْقَضَاءِ أَوْ بِالرِّضَا وَنَفَقَةُ الْأَقَارِبِ لَا تَصِيرُ دَيْنًا أَصْلًا وَرَأْسًا، وَمِنْهَا أَنَّ نَفَقَةَ الْأَقَارِبِ أَوْ كِسْوَتَهُمْ لَا تَجِبُ لِغَيْرِ الْمُعْسِرِ وَنَفَقَةُ الزَّوْجَاتِ أَوْ كِسْوَتُهُنَّ تَجِبُ لِلْمُعْسِرَةِ وَالْمُوسِرَةِ وَمِنْهَا أَنَّ نَفَقَةَ الْأَقَارِبِ أَوْ كِسْوَتَهُمْ إذَا هَلَكَتْ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْفَرْضِ تَجِبُ نَفَقَةٌ أُخْرَى وَكِسْوَةٌ أُخْرَى وَفِي نَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ لَا تَجِبُ.
وَمِنْهَا أَنَّ نَفَقَةَ الْأَقَارِبِ أَوْ كِسْوَتَهُمْ إذَا تَعَيَّبَتْ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ لَا تَجِبُ أُخْرَى وَفِي نَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ تَجِبُ وَقَدْ مَرَّ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فِي فَصْلِ نَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ وَمِنْهَا أَنَّهُ إذَا عَجَّلَ نَفَقَةَ مُدَّةٍ فِي الْأَقَارِبِ فَمَاتَ الْمُنْفَقُ عَلَيْهِ قَبْلَ تَمَامِ الْمُدَّةِ لَا يَسْتَرِدُّ شَيْئًا مِنْهَا بِلَا خِلَافٍ وَفِي نَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ خِلَافٌ مُحَمَّدٌ وَيُحْبَسُ فِي نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ كَمَا يُحْبَسُ فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ أَمَّا غَيْرُ الْأَبِ فَلَا شَكَّ فِيهِ.
وَأَمَّا الْأَبُ فَيُحْبَسُ فِي نَفَقَةِ الْوَلَدِ أَيْضًا وَلَا يُحْبَسُ فِي سَائِرِ دُيُونِهِ؛ لِأَنَّ إيذَاءَ الْأَبِ حَرَامٌ فِي الْأَصْلِ وَفِي الْحَبْسِ إيذَاؤُهُ إلَّا أَنَّ فِي النَّفَقَةِ ضَرُورَةً وَهِيَ ضَرُورَةُ دَفْعِ الْهَلَاكِ عَنْ الْوَلَدِ؛ إذْ لَوْ لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهِ لَهَلَكَ فَكَانَ هُوَ بِالِامْتِنَاعِ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ كَالْقَاصِدِ إهْلَاكَهُ فَدُفِعَ قَصْدُهُ بِالْحَبْسِ وَيَحْمِلُ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ الْأَذَى لِهَذِهِ الضَّرُورَةِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَمْ يُوجَدْ فِي سَائِرِ الدُّيُونِ وَلِأَنَّ هاهنا ضَرُورَةً أُخْرَى وَهِيَ ضَرُورَةُ اسْتِدْرَاكِ هَذَا الْحَقِّ أَعْنِي: النَّفَقَةَ؛ لِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ فَتَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى الِاسْتِدْرَاكِ بِالْحَبْسِ؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ يَحْمِلُهُ عَلَى الْأَدَاءِ فَيَحْصُلُ الِاسْتِدْرَاكُ، وَلَوْ لَمْ يُحْبَسْ يَفُوتُ حَقُّهُ رَأْسًا فَشُرِعَ الْحَبْسُ فِي حَقِّهِ لِضَرُورَةِ اسْتِدْرَاكِ الْحَقِّ صِيَانَةً لَهُ عَنْ الْفَوَاتِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ فِي سَائِرِ الدُّيُونِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَفُوتُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى الِاسْتِدْرَاكِ بِالْحَبْسِ وَلِهَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا: إنَّ الْمُمْتَنِعَ مِنْ النَّفَقَةِ يُضَرُّ وَلَا يُحْبَسُ بِخِلَافِ الْمُمْتَنِعِ مِنْ سَائِرِ الْحُقُوقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُ هَذَا الْحَقِّ بِالْحَبْسِ؛ لِأَنَّهُ يَفُوتُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ فَيُسْتَدْرَكُ بِالضَّرْبِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْحُقُوقِ وَكَذَلِكَ الْجَدُّ أَبَ الْأَبِ وَإِنْ عَلَا لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الْأَبِ عِنْدَ عَدَمِهِ.

.فَصْلٌ: بَيَانُ الْمُسْقِطِ لَهَا بَعْدَ الْوُجُوبِ:

وَأَمَّا بَيَانُ الْمُسْقِطِ لَهَا بَعْدَ الْوُجُوبِ فَالْمُسْقِطُ لَهَا بَعْدَ الْوُجُوبِ هُوَ مُضِيُّ الزَّمَانِ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ وَلَا اسْتِدَانَةٍ حَتَّى لَوْ فَرَضَ الْقَاضِي نَفَقَةَ شَهْرٍ لِلْقَرِيبِ فَلَمْ يَقْبِضْ وَلَا اسْتَدَانَ عَلَيْهِ حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ- سَقَطَتْ النَّفَقَةُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ هَذِهِ النَّفَقَةَ تَجِبُ صِلَةً مَحْضَةً فَلَا يَتَأَكَّدُ وُجُوبُهَا إلَّا بِالْقَبْضِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.فَصْلٌ: نَفَقَةُ الرَّقِيقِ:

وَأَمَّا نَفَقَةُ الرَّقِيقِ فَالْكَلَامُ فِي هَذَا الْفَصْلِ فِي مَوَاضِعَ: فِي بَيَانِ وُجُوبِ هَذِهِ النَّفَقَةِ، وَفِي بَيَانِ سَبَبِ وُجُوبِهَا، وَفِي بَيَانِ شَرْطِ الْوُجُوبِ، وَفِي بَيَانِ مِقْدَارِ الْوَاجِبِ، وَفِي بَيَانِ كَيْفِيَّةِ الْوُجُوبِ.
أَمَّا الْأَوَّلُ فَوُجُوبُهَا ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْمَعْقُولِ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا} أَمَرَ بِالْإِحْسَانِ إلَى الْمَمَالِيكِ وَمُطْلَقُ الْأَمْرِ يُحْمَلُ عَلَى الْوُجُوبِ، وَالْإِنْفَاقُ عَلَيْهِمْ إحْسَانٌ بِهِمْ فَكَانَ وَاجِبًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَمْرًا بِالْإِحْسَانِ إلَى الْمَمَالِيكِ أَمْرًا بِتَوْسِيعِ النَّفَقَةِ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ الْمَرْءَ لَا يَتْرُكُ أَصْلَ النَّفَقَةِ عَلَى مَمْلُوكِهِ إشْفَاقًا عَلَى مِلْكِهِ وَقَدْ يُقَتِّرُ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ مَمْلُوكًا فِي يَدِهِ فَأَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ السَّادَاتِ بِتَوْسِيعِ النَّفَقَةِ عَلَى مَمَالِيكِهِمْ شُكْرًا لِمَا أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ حَيْثُ جَعَلَ مَنْ هُوَ مِنْ جَوْهَرِهِمْ وَأَمْثَالِهِمْ فِي الْخِلْقَةِ خَدَمًا وَخَوَلًا أَذِلَّاءَ تَحْتَ أَيْدِيهِمْ يَسْتَخْدِمُونَهُمْ وَيَسْتَعْمِلُونَهُمْ فِي حَوَائِجِهِمْ.
وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوصِي بِالْمَمْلُوكِ خَيْرًا وَيَقُولُ: «أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ وَاكْسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا لَا يُطِيقُونَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا}» وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ آخِرُ وَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ «الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَجَعَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُغَرْغِرُ بِهَا فِي صَدْرِهِ وَمَا يَقْبِضُ بِهَا لِسَانَهُ» وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ أَنَّ نَفَقَةَ الْمَمْلُوكِ وَاجِبَةٌ، وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَهُوَ عَبْدٌ مَمْلُوكٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ فَلَوْ لَمْ تُجْعَلْ نَفَقَتُهُ عَلَى مَوْلَاهُ؛ لَهَلَكَ.

.فَصْلٌ: سَبَبُ وُجُوبِ نَفَقَةِ الرَّقِيقِ:

وَأَمَّا سَبَبُ وُجُوبِهَا فَالْمِلْكُ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ الِاخْتِصَاصَ بِالْمَمْلُوكِ انْتِفَاعًا وَتَصَرُّفًا وَهُوَ نَفْسُ الْمِلْكِ فَإِذَا كَانَتْ مَنْفَعَتُهُ لِلْمَالِكِ كَانَتْ مُؤْنَتُهُ عَلَيْهِ؛ إذْ الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ وَعَلَى هَذَا يُبْنَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ نَفَقَةُ وَلَدِهِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ أُمَّهُ إنْ كَانَتْ حُرَّةً؛ فَهُوَ حُرٌّ، وَإِنْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً؛ فَهُوَ مِلْكُ مَوْلَاهَا فَكَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى الْمَوْلَى وَلِأَنَّ الْعَبْدَ لَا مَالَ لَهُ بَلْ هُوَ وَمَا فِي يَدِهِ لِمَوْلَاهُ وَالْمَوْلَى أَجْنَبِيٌّ عَنْ هَذَا الْوَلَدِ فَكَيْفَ تَجِبُ النَّفَقَةُ فِي مَالِ الْغَيْرِ لِمِلْكِ الْغَيْرِ؟ وَكَذَا لَا يَجِبُ عَلَى الْحُرِّ نَفَقَةُ وَلَدِهِ الْمَمْلُوكِ بِأَنْ تَزَوَّجَ حُرٌّ أَمَةَ غَيْرِهِ فَوَلَدَتْ وَلَدًا؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ غَيْرِهِ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ مَمْلُوكِ غَيْرِهِ.
وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ بَطَلَتْ النَّفَقَةُ لِبُطْلَانِ سَبَبِ الْوُجُوبِ وَهُوَ الْمِلْكُ ثُمَّ إنْ كَانَ بَالِغًا صَحِيحًا فَنَفَقَتُهُ فِي كَسْبِهِ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا أَوْ زَمِنًا؛ قَالُوا: إنَّ نَفَقَتَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ وَاحِدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حُرٌّ عَاجِزٌ لَا يُعْرَفُ لَهُ قَرِيبٌ وَبَيْتُ الْمَالِ مَالُ الْمُسْلِمِينَ فَكَانَتْ نَفَقَتُهُ فِيهِ، وَكَذَا اللَّقِيطُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَالٌ فَنَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِمَا قُلْنَا، وَقَالُوا فِي الصَّغِيرِ فِي يَدِ رَجُلٍ: قَالَ لِرَجُلٍ: هَذَا عَبْدُك أَوْدَعْتَنِيهِ فَجَحَدَ قَالَ مُحَمَّدٌ: أَسْتَحْلِفُهُ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا أَوْدَعْته فَإِنْ حَلَفَ قَضَيْت بِنَفَقَتِهِ عَلَى الَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِرِقِّهِ ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ لِغَيْرِهِ وَقَدْ رَدَّ الْغَيْرُ إقْرَارَهُ فَبَقِيَ فِي يَدِهِ وَالْيَدُ دَلِيلُ الْمِلْكِ فَيَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَلَوْ كَانَ كَبِيرًا لَمْ أَسْتَحْلِفْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ كَبِيرًا كَانَ فِي يَدِ نَفْسِهِ وَكَانَ دَعْوَاهُ هَدَرًا فَيَقِفُ الْأَمْرُ عَلَى دَعْوَى الْكَبِيرِ فَكُلُّ مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ عَبْدُهُ وَصَدَّقَهُ؛ فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهُ، وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ فَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ مِلْكَيْهِمَا، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ فِي أَيْدِيهِمَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي أَنَّهُ لَهُ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمَا فَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِمَا وَقَالُوا فِي الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَتَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ الْمَوْلَيَانِ: إنَّ نَفَقَةَ هَذَا الْوَلَدِ عَلَيْهِمَا وَعَلَى الْوَلَدِ إذَا كَبِرَ نَفَقَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَبٌ كَامِلٌ فِي حَقِّهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.فَصْلٌ: شَرْطُ وُجُوبِهَا:

وَأَمَّا شَرْطُ وُجُوبِهَا فَهُوَ أَنْ يَكُونَ الرَّقِيقُ مَمْلُوكَ الْمَنَافِعِ وَالْمَكَاسِبِ لِلْمَوْلَى فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ فَيَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ نَفَقَةُ عَبْدِهِ الْقِنِّ وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ أَكْسَابَهُمْ مِلْكُ الْمَوْلَى، وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ مُكَاتَبِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكِ الْمَكَاسِبِ لِمَوْلَاهُ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ أَحَقُّ بِكَسْبِهِ مِنْ مَوْلَاهُ فَكَانَ فِي مَكَاسِبِهِ كَالْحُرِّ؛ فَكَانَتْ نَفَقَتُهُ فِي كَسْبِهِ كَالْحُرِّ وَكَذَا مُعْتَقُ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا: حُرٌّ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَالْعَبْدُ الْمُوصَى بِرَقَبَتِهِ لِإِنْسَانٍ وَبِخِدْمَتِهِ لِآخَرَ- نَفَقَتُهُ عَلَى صَاحِبِ الْخِدْمَةِ لَا عَلَى صَاحِبِ الرَّقَبَةِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ لِصَاحِبِ الْخِدْمَةِ، وَنَفَقَةُ عَبْدِ الرَّهْنِ عَلَى الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الذَّاتِ وَالْمَنْفَعَةِ لَهُ، وَنَفَقَةُ عَبْدِ الْوَدِيعَةِ عَلَى الْمُودِعِ لِمَا قُلْنَا، وَنَفَقَةُ عَبْدِ الْعَارِيَّةِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَنْفَعَةِ فِي زَمَنِ الْعَارِيَّةِ لَهُ؛ إذْ الْإِعَارَةُ تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ، وَنَفَقَةُ عَبْدِ الْغَصْبِ قَبْلَ الرَّدِّ عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِهِ- عَلَى بَعْضِ طُرُقِ أَصْحَابِنَا حَتَّى لَوْ لَمْ تَكُنْ مَضْمُونَةً عَلَى الْغَاصِبِ فَكَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ رَدَّ الْمَغْصُوبِ عَلَى الْغَاصِبِ وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَيْهِ لِكَوْنِهَا مِنْ ضَرُورَاتِ الرَّدِّ وَالنَّفَقَةُ مِنْ ضَرُورَاتِ الرَّدِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ إلَّا بِاسْتِبْقَائِهِ وَلَا يَبْقَى عَادَةً إلَّا بِالنَّفَقَةِ فَكَانَتْ النَّفَقَةُ مِنْ مُؤْنَاتِ الرَّدِّ لِكَوْنِهَا مِنْ ضَرُورَاتِهِ فَكَانَتْ عَلَى الْغَاصِبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.فَصْلٌ: وَأَمَّا مِقْدَارُ الْوَاجِبِ مِنْهَا:

فَمِقْدَارُ الْكِفَايَةِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا لِلْكِفَايَةِ فَتُقَدَّرُ بِقَدْرِ الْكِفَايَةِ كَنَفَقَةِ الْأَقَارِبِ.

.فَصْلٌ: كَيْفِيَّةُ وُجُوبِهَا:

وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ وُجُوبِهَا فَإِنَّهَا تَجِبُ عَلَى وَجْهٍ يُجْبَرُ عَلَيْهَا عِنْدَ الطَّلَبِ وَالْخُصُومَةِ فِي الْجُمْلَةِ بَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَمْلُوكَ إذَا خَاصَمَ مَوْلَاهُ فِي النَّفَقَةِ عِنْدَ الْقَاضِي فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَأْمُرُهُ بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهِ فَإِنْ أَبَى يَنْظُرُ الْقَاضِي فَكُلُّ مَنْ يَصْلُحُ لِلْإِجَارَةِ يُؤَاجِرُهُ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ أُجْرَتِهِ أَوْ يَبِيعُهُ إنْ كَانَ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ كَالْقِنِّ، وَرَأْيُ الْبَيْعِ أَصْلَحُ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْإِنْفَاقِ وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ لِلْإِجَارَةِ بِأَنْ كَانَ صَغِيرًا أَوْ جَارِيَةً وَلَا مَحَلًّا لِلْبَيْعِ كَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ يُجْبِرُهُ عَلَى الْإِنْفَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ بَيْعُهُ وَلَا إجَارَتُهُ، وَتَرْكُهُ جَائِعًا تَضْيِيعٌ إلَى آدَمِيٍّ فَيُجْبَرُ الْمَوْلَى عَلَى الْإِنْفَاقِ، وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ.
(وَأَمَّا) نَفَقَةُ الْبَهَائِمِ فَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَكِنَّهُ يُفْتَى فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ فِي تَرْكِهِ جَائِعًا تَعْذِيبَ الْحَيَوَانِ بِلَا فَائِدَةٍ وَتَضْيِيعَ الْمَالِ وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ وَلِأَنَّهُ سَفَهٌ لِخُلُوِّهِ عَنْ الْعَاقِبَةِ الْحَمِيدَةِ وَالسَّفَهُ حَرَامٌ عَقْلًا، وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْجَبْرَ عَلَى الْحَقِّ يَكُونُ عِنْدَ الطَّلَبِ وَالْخُصُومَةِ مِنْ صَاحِبِ الْحَقِّ، وَلَا خَصْمَ؛ فَلَا يُجْبَرُ وَلَكِنْ تَجِبُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِمَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ.
وَأَمَّا نَفَقَةُ الْجَمَادَاتِ كَالدُّورِ وَالْعَقَارِ فَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا لِمَا قُلْنَا، وَلَا يُفْتَى أَيْضًا بِالْوُجُوبِ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ هُنَاكَ تَضْيِيعَ الْمَالِ فَيُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ.

.كِتَابُ الْحَضَانَةِ:

الْكَلَامُ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي مَوَاضِعَ: فِي تَفْسِيرِ الْحَضَانَةِ وَفِي بَيَانِ مَنْ لَهُ الْحَضَانَةُ، وَفِي بَيَانِ مُدَّةِ الْحَضَانَةِ، وَفِي بَيَانِ مَكَانِ الْحَضَانَةِ.
أَمَّا الْأَوَّلُ: فَالْحَضَانَةُ فِي اللُّغَةِ تُسْتَعْمَلُ فِي مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا جَعْلُ الشَّيْءِ فِي نَاحِيَةٍ يُقَالُ: حَضَنَ الرَّجُلُ الشَّيْءَ أَيْ اعْتَزَلَهُ فَجَعَلَهُ فِي نَاحِيَةٍ مِنْهُ، وَالثَّانِي: الضَّمُّ إلَى الْجَنْبِ يُقَالُ: حَضَنْته وَاحْتَضَنْته إذَا ضَمَمْته إلَى جَنْبِك، وَالْحَضْنُ الْجَنْبُ فَحَضَانَةُ الْأُمِّ وَلَدَهَا هِيَ ضَمُّهَا إيَّاهُ إلَى جَنْبِهَا وَاعْتِزَالُهَا إيَّاهُ مِنْ أَبِيهِ لِيَكُونَ عِنْدَهَا فَتَقُومَ بِحِفْظِهِ وَإِمْسَاكِهِ وَغَسْلِ ثِيَابِهِ وَلَا تُجْبَرُ الْأُمُّ عَلَى إرْضَاعِهِ إلَّا أَنْ لَا يُوجَدَ مَنْ تُرْضِعُهُ فَتُجْبَرَ عَلَيْهِ وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَتْ شَرِيفَةً لَمْ تُجْبَرْ وَإِنْ كَانَتْ دَنِيَّةً تُجْبَرْ وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْعَامَّةِ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} قِيلَ: فِي بَعْضِ وُجُوهِ التَّأْوِيلِ أَيْ: لَا تُضَارَّ بِإِلْزَامِ الْإِرْضَاعِ مَعَ كَرَاهَتِهَا وَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْمُطَلَّقَاتِ: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} جَعَلَ تَعَالَى أَجْرَ الرَّضَاعِ عَلَى الْأَبِ لَا عَلَى الْأُمِّ مَعَ وُجُودِهَا؛ فَدَلَّ أَنَّ الرَّضَاعَ لَيْسَ عَلَى الْأُمِّ وَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} أَيْ: رِزْقُ الْوَالِدَاتِ الْمُرْضِعَاتِ فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْمُطَلَّقَاتُ؛ فَفِيهِ أَنَّهُ لَا إرْضَاعَ عَلَى الْأُمِّ حَيْثُ أَوْجَبَ بَدَلَ الْإِرْضَاعِ عَلَى الْأَبِ مَعَ وُجُودِ الْأُمِّ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْمَنْكُوحَاتُ كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ- وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ- إيجَابَ زِيَادَةِ النَّفَقَةِ عَلَى الْأَبِ لِلْأُمِّ الْمُرْضِعَةِ لِأَجْلِ الْوَلَدِ، وَإِلَّا فَالنَّفَقَةُ تَسْتَحِقُّهَا الْمَنْكُوحَةُ مِنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَلِأَنَّ الْإِرْضَاعَ إنْفَاقٌ عَلَى الْوَلَدِ وَنَفَقَةُ الْوَلَدِ يَخْتَصُّ بِهَا الْوَالِدُ لَا يُشَارِكُهُ فِيهَا الْأُمُّ كَنَفَقَتِهِ بَعْدَ الِاسْتِغْنَاءِ.
فَكَمَا لَا تَجِبُ عَلَيْهَا نَفَقَتُهُ بَعْدَ الِاسْتِغْنَاءِ؛ لَا تَجِبُ عَلَيْهَا قَبْلَهُ، وَهُوَ إرْضَاعُهُ وَهَذَا فِي الْحُكْمِ.
وَأَمَّا فِي الْفَتْوَى فَتُفْتَى بِأَنَّهَا تُرْضِعُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} قِيلَ فِي بَعْضِ تَأْوِيلَاتِ الْآيَةِ: أَيْ لَا تُضَارَّ بِوَلَدِهَا بِأَنْ تَرْمِيَهُ عَلَى الزَّوْجِ بَعْدَ مَا عَرَفَهَا وَأَلِفَهَا وَلَا تُرْضِعَهُ فَيَتَضَرَّرَ الْوَلَدُ وَمَتَى تَضَرَّرَ الْوَلَدُ تَضَرَّرَ الْوَالِدُ؛ لِأَنَّهُ يَتَأَلَّمُ قَلْبُهُ بِذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} أَيْ: لَا يُضَارَّ الْمَوْلُودُ لَهُ بِسَبَبِ الْإِضْرَارِ بِوَلَدِهِ كَذَا قِيلَ: فِي بَعْضِ وُجُوهِ التَّأْوِيلِ وَلِأَنَّ النِّكَاحَ عَقْدُ سَكَنٍ وَازْدِوَاجٍ وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمَا عَلَى مَصَالِحِ النِّكَاحِ وَمِنْهَا إرْضَاعُ الْوَلَدِ فَيُفْتَى بِهِ وَلَكِنَّهَا إنْ أَبَتْ لَا تُجْبَرُ عَلَيْهِ؛ لِمَا قُلْنَا، إلَّا إذَا كَانَ لَا يُوجَدُ مَنْ يُرْضِعُهُ فَحِينَئِذٍ تُجْبَرُ عَلَى إرْضَاعِهِ؛ إذْ لَوْ لَمْ تُجْبَرْ عَلَيْهِ لَهَلَكَ الْوَلَدُ، وَلَوْ الْتَمَسَ الْأَبُ لِوَلَدِهِ مُرْضِعًا فَأَرَادَتْ الْأُمُّ أَنْ تُرْضِعَهُ بِنَفْسِهَا فَهِيَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا أَشْفَقُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ فِي انْتِزَاعِ الْوَلَدِ مِنْهَا إضْرَارًا بِهَا وَإِنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} قِيلَ فِي بَعْضِ الْأَقَاوِيلِ: أَيْ لَا يُضَارَّهَا زَوْجُهَا بِانْتِزَاعِ الْوَلَدِ مِنْهَا وَهِيَ تُرِيدُ إمْسَاكَهُ وَإِرْضَاعَهُ فَإِنْ أَرَادَتْ أَنْ تَأْخُذَ عَلَى ذَلِكَ أَجْرًا فِي صُلْبِ النِّكَاحِ لَمْ يَجُزْ لَهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِرْضَاعَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهَا فِي الْحُكْمِ فَهُوَ مُسْتَحَقٌّ فِي الْفَتْوَى وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأَجْرِ عَلَى أَمْرٍ مُسْتَحَقٍّ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ رِشْوَةً وَلِأَنَّهَا قَدْ اسْتَحَقَّتْ نَفَقَةَ النِّكَاحِ وَأُجْرَةَ الرَّضَاعِ، وَأُجْرَةُ الرَّضَاعِ بِمَنْزِلَةِ النَّفَقَةِ فَلَا تَسْتَحِقُّ نَفَقَتَيْنِ وَلِأَنَّ أَجْرَ الرَّضَاعِ يَجِبُ لِحِفْظِ الصَّبِيِّ وَغُسْلِهِ وَهُوَ مِنْ نَظَافَةِ الْبَيْتِ، وَمَنْفَعَةُ الْبَيْتِ تَحْصُلُ لِلزَّوْجَيْنِ فَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ عِوَضًا عَنْ مَنْفَعَةٍ تَحْصُلُ لَهَا حَتَّى لَوْ اسْتَأْجَرَهَا عَلَى إرْضَاعِ وَلَدِهِ مِنْ غَيْرِهَا جَازَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهَا فَلَا يَكُونُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى فِعْلٍ وَاجِبٍ عَلَيْهَا وَكَذَا لَيْسَ فِي حِفْظِهِ مَنْفَعَةٌ تَعُودُ إلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تُسْكِنَهُ مَعَهَا وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةً مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ لَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ الْأُجْرَةَ كَمَا لَا يَجُوزُ فِي صُلْبِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ بَعْدَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ قَائِمٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ.
وَأَمَّا الْمَبْتُوتَةُ فَفِيهَا رِوَايَتَانِ: فِي رِوَايَةٍ: لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ الْأَجْرَ؛ لِأَنَّهَا مُسْتَحِقَّةٌ لِلنَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى فِي حَالِ قِيَامِ الْعِدَّةِ فَلَا يَحِلُّ لَهَا الْأُجْرَةُ كَمَا لَا يَحِلُّ لِلزَّوْجَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ: يَجُوزُ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ قَدْ زَالَ بِالْإِبَانَةِ فَصَارَتْ كَالْأَجْنَبِيَّةِ وَأَمَّا إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَالْتَمَسَتْ أُجْرَةَ الرَّضَاعِ وَقَالَ الْأَبُ: أَنَا أَجِدُ مَنْ يُرْضِعُهُ بِغَيْرِ أَجْرٍ أَوْ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَذَلِكَ لَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} وَلِأَنَّ فِي إلْزَامِ الْأَبِ بِمَا تَلْتَمِسُهُ الْأُمُّ إضْرَارًا بِالْأَبِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} أَيْ: لَا يُضَارَّ الْأَبُ بِالْتِزَامِ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا تَلْتَمِسُهُ الْأَجْنَبِيَّةُ كَذَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ التَّأْوِيلَاتِ وَلَكِنْ تُرْضِعُهُ عِنْدَ الْأُمِّ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا لِمَا فِيهِ مِنْ إلْحَاقِ الضَّرَرِ بِالْأُمِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.فَصْلٌ: بَيَانُ مَنْ لَهُ الْحَضَانَةُ:

وَأَمَّا بَيَانُ مَنْ لَهُ الْحَضَانَةُ فَالْحَضَانَةُ تَكُونُ لِلنِّسَاءِ فِي وَقْتٍ وَتَكُونُ لِلرِّجَالِ فِي وَقْتٍ وَالْأَصْلُ فِيهَا النِّسَاءُ؛ لِأَنَّهُنَّ أَشْفَقُ وَأَرْفَقُ وَأَهْدَى إلَى تَرْبِيَةِ الصِّغَارِ ثُمَّ تُصْرَفُ إلَى الرِّجَالِ؛ لِأَنَّهُمْ عَلَى الْحِمَايَةِ وَالصِّيَانَةِ وَإِقَامَةِ مَصَالِحِ الصِّغَارِ أَقْدَرُ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَرْطٌ فلابد مِنْ بَيَانِ شَرْطِ الْحَضَانَتَيْنِ وَوَقْتِهِمَا أَمَّا الَّتِي لِلنِّسَاءِ فَمِنْ شَرَائِطِهَا أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ ذَاتَ رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الصِّغَارِ فَلَا حَضَانَةَ لِبَنَاتِ الْعَمِّ وَبَنَاتِ الْخَالِ وَبَنَاتِ الْعَمَّةِ وَبَنَاتِ الْخَالَةِ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْحَضَانَةِ عَلَى الشَّفَقَةِ، وَالرَّحِمُ الْمَحْرَمُ هِيَ الْمُخْتَصَّةُ بِالشَّفَقَةِ ثُمَّ يَتَقَدَّمُ فِيهَا الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ فَأَحَقُّ النِّسَاءِ مِنْ ذَوَاتِ الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ بِالْحَضَانَةِ الْأُمُّ؛ لِأَنَّهُ لَا أَقْرَبَ مِنْهَا ثُمَّ أُمُّ الْأُمِّ ثُمَّ أُمُّ الْأَبِ؛ لِأَنَّ الْجَدَّتَيْنِ وَإِنْ اسْتَوَيَتَا فِي الْقُرْبِ لَكِنْ إحْدَاهُمَا مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ أَوْلَى.
وَهَذِهِ الْوِلَايَةُ مُسْتَفَادَةٌ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ فَكُلُّ مَنْ يُدْلِي بِقَرَابَةِ الْأُمِّ كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ أَشْفَقَ ثُمَّ الْأَخَوَاتُ فَأُمُّ الْأَبِ أَوْلَى مِنْ الْأُخْتِ؛ لِأَنَّ لَهَا وِلَادًا فَكَانَتْ أَدْخَلَ فِي الْوِلَايَةِ وَكَذَا هِيَ أَشْفَقُ، وَأَوْلَى الْأَخَوَاتِ الْأُخْتُ لِأَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ الْأُخْتُ لِأُمٍّ ثُمَّ الْأُخْتُ لِأَبٍ؛ لِأَنَّ الْأُخْتَ لِأَبٍ وَأُمٍّ تُدْلِي بِقَرَابَتَيْنِ فَتُرَجَّحُ عَلَى الْأُخْتِ لِأُمٍّ بِقَرَابَةِ الْأَبِ وَتُرَجَّحُ الْأُخْتُ لِأُمٍّ؛ لِأَنَّهَا تُدْلِي بِقَرَابَةِ الْأُمِّ فَكَانَتْ أَوْلَى مِنْ الْأُخْتِ لِأَبٍ، وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْأُخْتِ لِأَبٍ مَعَ الْخَالَةِ أَيَّتُهُمَا أَوْلَى؟ رُوِيَ عَنْهُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ أَنَّ الْخَالَةَ أَوْلَى وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ.
وَرُوِيَ عَنْهُ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ أَنَّ الْأُخْتَ لِأَبٍ أَوْلَى، وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى مَا رُوِيَ أَنَّ بِنْتَ حَمْزَةَ لَمَّا رَأَتْ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَمَسَّكَتْ بِهِ وَقَالَتْ: ابْنَ عَمِّي فَأَخَذَهَا فَاخْتَصَمَ فِيهَا عَلِيٌّ وَجَعْفَرٌ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَقَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: بِنْتُ عَمِّي وَقَالَ جَعْفَرٌ: بِنْتُ عَمِّي وَخَالَتُهَا عِنْدِي وَقَالَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: بِنْتُ أَخِي آخَيْت بَيْنِي وَبَيْنَ حَمْزَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا لِخَالَتِهَا وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْخَالَةُ وَالِدَةٌ» فَقَدْ سَمَّى الْخَالَةَ وَالِدَةً فَكَانَتْ أَوْلَى وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّ الْأُخْتَ لِأَبٍ بِنْتُ الْأَبِ وَالْخَالَةَ بِنْتُ الْجَدِّ فَكَانَتْ الْأُخْتُ أَقْرَبَ فَكَانَتْ أَوْلَى وَبِنْتُ الْأُخْتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْلَى مِنْ الْخَالَةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ وَلَدِ الْأَبَوَيْنِ وَكَذَا بِنْتُ الْأُخْتِ لِأُمٍّ؛ لِأَنَّهَا مِنْ وَلَدِ الْأُمِّ وَالْخَالَةُ وَلَدُ الْجَدِّ، وَكَذَا بِنْتُ الْأُخْتِ لِأَبٍ أَوْلَى مِنْ الْخَالَةِ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ وَلَدِ الْأَبِ، وَالْخَالَةُ وَلَدُ الْجَدِّ فَكَانَتْ أَوْلَى.
وَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى فَلَا شَكَّ أَنَّ الْخَالَةَ تَتَقَدَّمُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا تَتَقَدَّمُ عَلَى أُمِّهَا وَهِيَ الْأُخْتُ لِأَبٍ فَلَأَنْ تَتَقَدَّمَ عَلَى بِنْتِهَا- وَهِيَ أَبْعَدُ مِنْ أُمِّهَا- أَوْلَى، وَبَنَاتُ الْأُخْتِ أَوْلَى مِنْ بَنَاتِ الْأَخِ لِأَنَّ الْأَخَ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْحَضَانَةِ، وَالْأُخْتُ لَهَا حَقٌّ فِيهَا فَكَانَ وَلَدُ الْأُخْتِ أَوْلَى وَالْخَالَاتُ أَوْلَى مِنْ بَنَاتِ الْأَخِ؛ لِأَنَّ بِنْتَ الْأَخِ تُدْلِي بِقَرَابَةِ الذَّكَرِ وَالْخَالَةُ تُدْلِي بِقَرَابَةِ الْأُمِّ؛ فَكَانَتْ الْخَالَةُ أَوْلَى، وَبَنَاتُ الْأَخِ أَوْلَى مِنْ الْعَمَّاتِ، وَإِنْ كَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَعْنِي: بِنْتَ الْأَخِ وَالْعَمَّةَ تُدْلِي بِذَكَرٍ لَكِنَّ بِنْتَ الْأَخِ أَقْرَبُ؛ لِأَنَّهَا وَلَدُ الْأَبِ وَالْعَمَّةُ وَلَدُ الْجَدِّ فَكَانَتْ بِنْتُ الْأَخِ أَقْرَبَ فَكَانَتْ أَوْلَى ثُمَّ الْخَالَاتُ أَوْلَى مِنْ الْعَمَّاتِ وَإِنْ تَسَاوَيْنَ فِي الْقُرْبِ؛ لِأَنَّ الْخَالَاتِ يُدْلِينَ بِقَرَابَةِ الْأُمِّ فَكُنَّ أَشْفَقَ، وَأَوْلَى الْخَالَاتِ الْخَالَةُ لِأَبٍ وَأُمٍّ؛ لِأَنَّهَا تُدْلِي بِقَرَابَتَيْنِ ثُمَّ الْخَالَةُ لِأُمٍّ لِإِدْلَائِهَا بِقَرَابَةِ الْأُمِّ ثُمَّ الْخَالَةُ لِأَبٍ ثُمَّ الْعَمَّاتُ، وَذَكَرَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ أَنَّ أُمَّ الْأَبِ أَوْلَى مِنْ الْخَالَةِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ زُفَرُ: الْخَالَةُ أَوْلَى، وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْخَالَةُ وَالِدَةٌ» وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ أُمَّ الْأَبِ لَهَا أَوْلَادٌ وَالْوِلَايَةُ فِي الْأَصْلِ مُسْتَفَادَةٌ بِالْوِلَادِ، وَأَوْلَى الْعَمَّاتِ الْعَمَّةُ لِأَبٍ وَأُمٍّ؛ لِأَنَّهَا تُدْلِي بِقَرَابَتَيْنِ ثُمَّ الْعَمَّةُ لِأُمٍّ لِاتِّصَالِهَا بِجِهَةِ الْأُمِّ ثُمَّ الْعَمَّةُ لِأَبٍ.
وَأَمَّا بَنَاتُ الْعَمِّ وَالْخَالِ وَالْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ فَلَا حَقَّ لَهُنَّ فِي الْحَضَانَةِ لِعَدَمِ الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَمِنْهَا أَنْ لَا تَكُونَ ذَاتَ زَوْجٍ أَجْنَبِيٍّ مِنْ الصَّغِيرِ فَإِنْ كَانَتْ فَلَا حَقَّ لَهَا فِي الْحَضَانَةِ، وَأَصْلُهُ مَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً وَيَزْعُمُ أَبُوهُ أَنْ يَنْزِعَهُ مِنِّي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مِنْهُ مَا لَمْ تَنْكِحِي».
وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ: طَلَّقَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أُمَّ ابْنِهِ عَاصِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَلَقِيَهَا وَمَعَهَا الصَّبِيُّ فَنَازَعَهَا وَارْتَفَعَا إلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَضَى أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِعَاصِمِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لِأُمِّهِ مَا لَمْ يَشِبَّ أَوْ تَتَزَوَّجْ وَقَالَ: إنَّ رِيحَهَا وَفِرَاشَهَا خَيْرٌ لَهُ حَتَّى يَشِبَّ أَوْ تَتَزَوَّجَ، وَذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَلِأَنَّ الصَّغِيرَ يَلْحَقُهُ الْجَفَاءُ وَالْمَذَلَّةُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ يَبْغَضُهُ لِغَيْرَتِهِ وَيَنْظُرُ إلَيْهِ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنْ الْمَوْتِ وَيُقَتِّرُ عَلَيْهِ النَّفَقَةَ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَتْ بِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الصَّبِيِّ لَا يَسْقُطُ حَقُّهَا فِي الْحَضَانَةِ كَالْجَدَّةِ إذَا تَزَوَّجَتْ بِجَدِّ الصَّبِيِّ أَوْ الْأُمِّ تَزَوَّجَتْ بِعَمِّ الصَّبِيِّ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ الْجَفَاءُ مِنْهُمَا لِوُجُودِ الْمَانِعِ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ الْقَرَابَةُ الْبَاعِثَةُ عَلَى الشَّفَقَةِ، وَلَوْ مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا أَوْ أَبَانَهَا عَادَ حَقُّهَا فِي الْحَضَانَةِ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ قَدْ زَالَ فَيَزُولُ الْمَنْعُ وَيَعُودُ حَقُّهَا وَتَكُونُ هِيَ أَوْلَى مِمَّنْ هِيَ أَبْعَدُ مِنْهَا كَمَا كَانَتْ، وَمِنْهَا: عَدَمُ رِدَّتِهَا حَتَّى لَوْ ارْتَدَّتْ عَنْ الْإِسْلَامِ بَطَلَ حَقُّهَا فِي الْحَضَانَةِ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّةَ تُحْبَسُ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ الصَّبِيُّ، وَلَوْ تَابَتْ وَأَسْلَمَتْ يَعُودُ حَقُّهَا لِزَوَالِ الْمَانِعِ، وَسُئِلَ مُحَمَّدٌ عَنْ النِّسَاءِ إذَا اجْتَمَعْنَ وَلَهُنَّ أَزْوَاجٌ؟ قَالَ: يَضَعُهُ الْقَاضِي حَيْثُ شَاءَ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُنَّ فَصَارَ كَمَنْ لَا قَرَابَةَ لَهُ وَمِنْهَا أَنْ تَكُونَ حُرَّةً فَلَا حَقَّ لِلْأَمَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ فِي حَضَانَةِ الْوَلَدِ الْحُرِّ؛ لِأَنَّ الْحَضَانَةَ ضَرْبٌ مِنْ الْوِلَايَةِ وَهُمَا لَيْسَتَا مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ فَأَمَّا إذَا أُعْتِقَتَا فَهُمَا فِي الْحَضَانَةِ كَالْحُرَّةِ؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَفَادَتَا الْوِلَايَةَ بِالْعِتْقِ، وَأَهْلُ الذِّمَّةِ فِي هَذِهِ الْحَضَانَةِ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحَقَّ إنَّمَا يَثْبُتُ نَظَرًا لِلصَّغِيرِ وَإِنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ بِالْإِسْلَامِ وَالْكُفْرِ، وَكَذَا اتِّحَادُ الدِّينِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِثُبُوتِ هَذَا الْحَقِّ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْحَاضِنَةُ كِتَابِيَّةً وَالْوَلَدُ مُسْلِمٌ؛ كَانَتْ فِي الْحَضَانَةِ كَالْمُسْلِمَةِ كَذَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ لِمَا قُلْنَا وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الرَّازِيّ يَقُولُ: إنَّهَا أَحَقُّ بِالصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ حَتَّى يَعْقِلَا فَإِذَا عَقَلَا؛ سَقَطَ حَقُّهَا؛ لِأَنَّهَا تُعَوِّدُهُمَا أَخْلَاقَ الْكَفَرَةِ وَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَيْهِمَا، وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُوَفِّقُ.