فصل: فَصْلٌ: بَيَانُ مَا يُسْقِطُ الْحَدَّ بَعْدَ وُجُوبِهِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (نسخة منقحة)



.فَصْلٌ: بَيَانُ مَا يُسْقِطُ الْحَدَّ بَعْدَ وُجُوبِهِ:

وَأَمَّا بَيَانُ مَا يُسْقِطُ الْحَدَّ بَعْدَ وُجُوبِهِ فَالْمُسْقِطُ لَهُ أَنْوَاعٌ: مِنْهَا الرُّجُوعُ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالشُّرْبِ وَالسُّكْرِ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا فِي الرُّجُوعِ وَهُوَ الْإِنْكَارُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَاذِبًا فِيهِ، فَإِنْ كَانَ صَادِقًا فِي الْإِنْكَارِ يَكُونُ كَاذِبًا فِي الْإِقْرَارِ، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فِي الْإِنْكَارِ- يَكُونُ صَادِقًا فِي الْإِقْرَارِ فَيُورِثُ شُبْهَةً فِي ظُهُورِ الْحَدِّ، وَالْحُدُودُ لَا تُسْتَوْفَى مَعَ الشُّبُهَاتِ، وَقَدْ رُوِيَ: «أَنَّ مَاعِزًا لَمَّا أَقَرَّ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالزِّنَا؛ لَقَّنَهُ الرُّجُوعَ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: لَعَلَّك قَبَّلْتَهَا، لَعَلَّك مَسَسْتَهَا».
«وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: لِتِلْكَ الْمَرْأَةِ أَسَرَقْتِ قُولِي: لَا مَا إخَالُكِ سَرَقْتِ» وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ تَلْقِينًا لِلرُّجُوعِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُحْتَمَلًا لِلسُّقُوطِ بِالرُّجُوعِ- مَا كَانَ لِلتَّلْقِينِ مَعْنًى، وَهَذَا هُوَ السُّنَّةُ لِلْإِمَامِ إذَا أَقَرَّ إنْسَانٌ عِنْدَهُ بِشَيْءٍ مِنْ أَسْبَابِ الْحُدُودِ الْخَالِصَةِ أَنْ يُلَقِّنَهُ الرُّجُوعَ دَرَأَ لِلْحَدِّ، كَمَا فَعَلَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ، وَسَوَاءٌ رَجَعَ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ الْإِمْضَاءِ أَوْ بَعْدَ إمْضَاءِ بَعْضِ الْجَلَدَاتِ أَوْ بَعْضِ الرَّجْمِ وَهُوَ حَيٌّ بَعْدُ؛ لِمَا قُلْنَا، ثُمَّ الرُّجُوعُ عَنْ الْإِقْرَارِ قَدْ يَكُونُ نَصًّا، وَقَدْ يَكُونُ دَلَالَةً، بِأَنْ أَخَذَ النَّاسُ فِي رَجْمِهِ؛ فَهَرَبَ وَلَمْ يَرْجِعْ، أَوْ أَخَذَ الْجَلَّادُ فِي الْجَلْدِ؛ فَهَرَبَ وَلَمْ يَرْجِعْ، حَتَّى لَا يُتَّبَعَ وَلَا يُتَعَرَّضَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْهَرَبَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ دَلَالَةُ الرُّجُوعِ وَرُوِيَ أَنَّهُ «لَمَّا هَرَبَ مَاعِزٌ ذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: هَلَّا خَلَّيْتُمْ سَبِيلَهُ» دَلَّ أَنَّ الْهَرَبَ دَلِيلُ الرُّجُوعِ، وَأَنَّ الرُّجُوعَ مُسْقِطٌ لِلْحَدِّ، وَكَمَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالزِّنَا يَصِحُّ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالْإِحْصَانِ، حَتَّى لَوْ ثَبَتَ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالزِّنَا، وَرَجَعَ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالْإِحْصَانِ- يَسْقُطُ عَنْهُ الرَّجْمُ وَيُجْلَدُ؛ لِأَنَّ الْإِحْصَانَ شَرْطُ صَيْرُورَةِ الزِّنَا عِلَّةً؛ لِوُجُوبِ الرَّجْمِ فَيَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهُ، كَمَا يَصِحُّ عَنْ الزِّنَا؛ فَيَبْطُلُ الْإِحْصَانُ وَيَبْقَى الزِّنَا، فَيَجِبُ الْجَلْدُ.
وَأَمَّا الرُّجُوعُ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالْقَذْفِ فَلَا يُسْقِطُ الْحَدَّ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحَدَّ حَقُّ الْعَبْدِ مِنْ وَجْهٍ، وَحَقُّ الْعَبْدِ بَعْدَ مَا ثَبَتَ لَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ بِالرُّجُوعِ كَالْقِصَاصِ وَغَيْرِهِ، وَمِنْهَا تَصْدِيقُ الْمَقْذُوفِ وَالْقَاذِفِ فِي الْقَذْفِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا صَدَّقَهُ فَقَدْ ظَهَرَ صِدْقُهُ فِي الْقَذْفِ، وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يُحَدَّ الصَّادِقُ عَلَى الصِّدْقِ؛ وَلِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ إنَّمَا وَجَبَ؛ لِدَفْعِ عَارِ الزِّنَا وَشَيْنِهِ عَنْ الْمَقْذُوفِ، وَلَمَّا صَدَّقَهُ فِي الْقَذْفِ فَقَدْ الْتَزَمَ الْعَارَ بِنَفْسِهِ، فَلَا يَنْدَفِعُ عَنْهُ بِالْحَدِّ فَيَسْقُطُ ضَرُورَةً، وَمِنْهَا تَكْذِيبُ الْمَقْذُوفِ الْمُقِرَّ فِي إقْرَارِهِ بِالْقَذْفِ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ: إنَّكَ لَمْ تَقْذِفْنِي بِالزِّنَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَذَّبَهُ فِي الْقَذْفِ فَقَدْ كَذَّبَ نَفْسَهُ فِي الدَّعْوَى، وَالدَّعْوَى شَرْطُ ظُهُورِ هَذَا الْحَدِّ.
(وَمِنْهَا) تَكْذِيبُ الْمَقْذُوفِ حُجَّتَهُ عَلَى الْقَذْفِ- وَهِيَ الْبَيِّنَةُ- بِأَنْ يَقُولَ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْحَدِّ قَبْلَ الْإِمْضَاءِ: شُهُودِي شَهِدُوا بِزُورٍ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا فِي التَّكْذِيبِ فَثَبَتَ الشُّبْهَةُ، وَلَا يَجُوزُ اسْتِيفَاءُ الْحَدِّ مَعَ الشُّبْهَةِ.
(وَمِنْهَا) تَكْذِيبُ الْمَزْنِيِّ بِهَا الْمُقِرَّ بِالزِّنَا قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ بِأَنْ قَالَ رَجُلٌ: زَنَيْتُ بِفُلَانَةَ فَكَذَّبَتْهُ وَأَنْكَرَتْ الزِّنَا، وَقَالَتْ: لَا أَعْرِفُكَ- وَيَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْ الرَّجُلِ، وَهَذَا قَوْلُهُمَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَسْقُطُ، كَذَا ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ- الِاخْتِلَافَ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ مَعَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ.
(وَجْهُ) قَوْلِهِ أَنَّ زِنَا الرَّجُلِ قَدْ ظَهَرَ بِإِقْرَارِهِ، وَامْتِنَاعُ الظُّهُورِ فِي جَانِبِ الْمَرْأَةِ لِمَعْنًى يَخُصُّهَا وَهُوَ إنْكَارُهَا؛ فَلَا يَمْنَعُ الظُّهُورَ فِي جَانِبِ الرَّجُلِ، وَلَهُمَا أَنَّ الزِّنَا لَا يَقُومُ إلَّا بِالْفَاعِلِ وَالْمَحِلِّ، فَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ فِي جَانِبِهَا- امْتَنَعَ الظُّهُورُ فِي جَانِبِهِ، هَذَا إذَا أَنْكَرَتْ وَلَمْ تَدَّعِي عَلَى الرَّجُلِ حَدَّ الْقَذْفِ، فَإِنْ ادَّعَتْ عَلَى الرَّجُلِ حَدَّ الْقَذْفِ- يُحَدُّ حَدَّ الْقَذْفِ وَيَسْقُطُ حَدُّ الزِّنَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ حَدَّانِ، هَذَا إذَا كَذَّبَتْهُ وَلَمْ تَدَّعِي النِّكَاحَ.
(فَأَمَّا) إذَا ادَّعَتْ النِّكَاحَ وَالْمَهْرَ قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ- يَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْ الرَّجُلِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا لِلشُّبْهَةِ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ صَادِقَةً فِي دَعْوَى النِّكَاحِ فَتَمَكَّنَتْ الشُّبْهَةُ فِي وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهَا، وَإِذَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا الْحَدُّ- تَعَدَّى إلَى جَانِبِ الرَّجُلِ فَسَقَطَ عَنْهُ وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يَخْلُو عَنْ عُقُوبَةٍ أَوْ غَرَامَةٍ، وَإِنْ كَانَ دَعْوَى النِّكَاحِ مِنْهَا بَعْدَ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى الرَّجُلِ- لَا مَهْرَ لَهَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ لِضَرُورَةِ إقَامَةِ الْحَدِّ وَلَمْ تُوجَدْ، وَعَلَى هَذَا إذَا أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ بِالزِّنَا مَعَ فُلَانٍ، فَأَنْكَرَ الرَّجُلُ وَكَذَّبَهَا أَوْ ادَّعَى النِّكَاحَ عَلَى الِاتِّفَاقِ وَالِاخْتِلَافِ، وَلَوْ أَقَرَّ الرَّجُلُ بِالزِّنَا بِفُلَانَةَ فَادَّعَتْ الْمَرْأَةُ الِاسْتِكْرَاهَ- يُحَدُّ الرَّجُلُ بِالِاتِّفَاقِ، فُرِّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْأَوَّلِ.
(وَوَجْهُ) الْفَرْقِ أَنَّ الْمَرْأَةَ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ أَنْكَرَتْ وُجُودَ الزِّنَا فَلَمْ يَثْبُتْ الزِّنَا مِنْ جَانِبِهَا؛ فَتَعَدَّى إلَى جَانِبِ الْآخَرِ، وَهَاهُنَا أَقَرَّتْ بِالزِّنَا لَكِنَّهَا ادَّعَتْ الشُّبْهَةَ لِمَعْنًى يَخُصُّهَا- وَهُوَ كَوْنُهَا مُكْرَهَةً- فَلَا يَتَعَدَّى إلَى جَانِبِ الرَّجُلِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا أَنَّا لَوْ تَيَقَّنَّا بِالْإِكْرَاهِ- يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى الرَّجُلِ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ تَيَقَّنَّا بِالنِّكَاحِ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ- لَا يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى الرَّجُلِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَمِنْهَا) رُجُوعُ الشُّهُودِ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَبْلَ الْإِمْضَاءِ؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُمْ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ فَيُورِثُ شُبْهَةً، وَالْحُدُودُ لَا تُسْتَوْفَى مَعَ الشُّبُهَاتِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْأَحْكَامَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِرُجُوعِ الشُّهُودِ فِي بَابِ الْحُدُودِ كُلِّهِمْ أَوْ بَعْضِهِمْ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ، قَبْلَ الْإِمْضَاءِ أَوْ بَعْدَ الْإِمْضَاءِ، بِمَا فِيهِ مِنْ الِاتِّفَاقِ وَالِاخْتِلَافِ فِي كِتَابِ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَاتِ.
(وَمِنْهَا) بُطْلَانُ أَهْلِيَّةِ شَهَادَتِهِمْ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَبْلَ الْإِمْضَاءِ بِالْفِسْقِ وَالرِّدَّةِ وَالْجُنُونِ وَالْعَمَى وَالْخَرَسِ وَحَدِّ الْقَذْفِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ.
(وَمِنْهَا) مَوْتُهُمْ فِي حَدِّ الرَّجْمِ خَاصَّةً فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْبِدَايَةَ بِالشُّهُودِ شَرْطُ جَوَازِ الْإِقَامَةِ، وَقَدْ فَاتَ بِالْمَوْتِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُتَصَوَّرُ عَوْدُهُ فَسَقَطَ الْحَدُّ ضَرُورَةً.
(وَأَمَّا) اعْتِرَاضُ مِلْكِ النِّكَاحِ أَوْ مِلْكِ الْيَمِينِ فَهَلْ يُسْقِطُ الْحَدَّ بِأَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا أَوْ بِجَارِيَةٍ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا؟ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ، رَوَى مُحَمَّدٌ- رَحِمَهُ اللَّهُ- عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْهُ أَنَّهُ يَسْقُطُ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ أَنَّ اعْتِرَاضَ الشِّرَاءِ يَسْقُطُ، وَاعْتِرَاضَ النِّكَاحِ لَا يَسْقُطُ.
(وَجْهُ) رِوَايَةِ الْحَسَنِ أَنَّ الْبُضْعَ لَا يَصِيرُ مَمْلُوكًا لِلزَّوْجِ بِالنِّكَاحِ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ- كَانَ الْعُقْرُ لَهَا، وَالْعُقْرُ بَدَلُ الْبُضْعِ، وَالْبَدَلُ إنَّمَا يَكُونُ لِمَنْ كَانَ لَهُ الْمُبْدَلُ، فَلَمْ يَحْصُلْ اسْتِيفَاءُ مَنَافِعِ الْبُضْعِ مِنْ مَحِلٍّ مَمْلُوكٍ لَهُ، فَلَا يُورِثُ شُبْهَةً، وَبُضْعُ الْأَمَةِ يَصِيرُ مَمْلُوكًا لِلْمَوْلَى بِالشِّرَاءِ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ كَانَ الْعُقْرُ لِلْمَوْلَى فَحَصَلَ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ مَحِلٍّ مَمْلُوكٍ لَهُ؛ فَيُورِثُ شُبْهَةً فَصَارَ كَالسَّارِقِ إذَا مَلَكَ الْمَسْرُوقَ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَبْلَ الْإِمْضَاءِ.
(وَجْهُ) رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَصِيرُ مَمْلُوكَةً لِلزَّوْجِ بِالنِّكَاحِ فِي حَقِّ الِاسْتِمْتَاعِ فَحَصَلَ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ مَحِلٍّ مَمْلُوكٍ؛ فَيَصِيرُ شُبْهَةً كَالسَّارِقِ إذَا مَلَكَ الْمَسْرُوقَ.
(وَجْهُ) رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ- أَنَّ الْوَطْءَ حَصَلَ زِنًا مَحْضًا؛ لِمُصَادِفَتِهِ مَحِلًّا غَيْرَ مَمْلُوكٍ لَهُ فَحَصَلَ مُوجِبًا لِلْحَدِّ وَالْعَارِضِ- وَهُوَ الْمِلْكُ- لَا يَصْلُحُ مُسْقِطًا؛ لِاقْتِصَارِهِ عَلَى حَالَةِ ثُبُوتِهِ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِالنِّكَاحِ وَالشِّرَاءِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وُجِدَ لِلْحَالِ فَلَا يَسْتَنِدُ الْمِلْكُ الثَّابِتُ بِهِ إلَى وَقْتِ وُجُودِ الْوَطْءِ، فَبَقِيَ الْوَطْءُ خَالِيًا عَنْ الْمِلْكِ، فَبَقِيَ زِنًا مَحْضًا مُوجِبًا لِلْحَدِّ، بِخِلَافِ السَّارِقِ إذَا مَلَكَ الْمَسْرُوقَ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ وُجِدَ الْمُسْقِطُ وَهُوَ بُطْلَانُ وِلَايَةِ الْخُصُومَةِ؛ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ هُنَاكَ شَرْطٌ، وَقَدْ خَرَجَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ خَصْمًا بِمِلْكِ الْمَسْرُوقِ، وَلِذَلِكَ افْتَرَقَا، وَاَللَّهُ- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أَعْلَمُ.
وَلَوْ غَصَبَ جَارِيَةً فَزَنَى بِهَا فَمَاتَتْ؛ رَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ عَلَيْهِ الْحَدَّ وَقِيمَةَ الْجَارِيَةِ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُمَا أَنَّ عَلَيْهِ الْقِيمَةَ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ هَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ.
(وَجْهُ) رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الضَّمَانَ لَا يَجِبُ إلَّا بَعْدَ هَلَاكِ الْجَارِيَةِ، وَهِيَ بَعْدَ الْهَلَاكِ لَا تَحْتَمِلُ الْمِلْكَ فَلَا يَمْلِكُهَا الْغَاصِبُ بِالضَّمَانِ فَلَا يَمْتَنِعُ وُجُوبُ الْحَدِّ.
(وَجْهُ) رِوَايَةِ الْحَسَنِ أَنَّ الضَّمَانَ لَا يَجِبُ بَعْدَ الْهَلَاكِ وَإِنَّمَا يَجِبُ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْحَيَاةِ، وَهِيَ مُحْتَمَلَةٌ لِلْمِلْكِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَيَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ وُجُودِ السَّبَبِ؛ وَلِأَنَّ حَيَاةَ الْمَحِلِّ تُشْتَرَطُ؛ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ فِيهِ مَقْصُودًا بِمُبَادَلَةٍ مَقْصُودَةٍ، وَالْمِلْكُ هاهنا يُثْبِتُ ضَرُورَةَ اسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ فِي مِلْكِ رَجُلٍ وَاحِدٍ فِي عَقْدِ الْمُبَادَلَةِ، فَلَا يُشْتَرَطُ لَهُ حَيَاةُ الْمَحِلِّ فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ فِي الْمَيِّتِ، وَأَنَّهُ يَمْنَعُ وُجُوبَ الْحَدِّ وَلَوْ غَصَبَ حُرَّةً فَزَنَى بِهَا فَمَاتَتْ- فَعَلَيْهِ الْحَدُّ وَالدِّيَةُ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الضَّمَانِ فِي الْحُرَّةِ لَا يُوجِبُ مِلْكَ الْمَضْمُونِ؛ لِأَنَّ الْمَحِلَّ لَا يَحْتَمِلُ التَّمَلُّكَ فَلَا يَمْتَنِعُ وُجُوبُ الْحَدِّ، بِخِلَافِ الْأَمَةِ، وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ.

.فَصْلٌ: حُكْمُ الْحُدُودِ إذَا اجْتَمَعَتْ:

وَأَمَّا حُكْمُ الْحُدُودِ إذَا اجْتَمَعَتْ، فَالْأَصْلُ فِي أَسْبَابِ الْحُدُودِ إذَا اجْتَمَعَتْ أَنْ يُقَدَّمَ حَقُّ الْعَبْدِ فِي الِاسْتِيفَاءِ عَلَى حَقِّ اللَّهِ- عَزَّ وَجَلَّ؛ لِحَاجَةِ الْعَبْدِ إلَى الِانْتِفَاعِ بِحَقِّهِ، وَتَعَالَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ الْحَاجَاتِ، ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ لَمْ يُمْكِنْ اسْتِيفَاءُ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى تَسْقُطُ ضَرُورَةً، وَإِنْ أَمْكَنَ اسْتِيفَاؤُهَا فَإِنْ كَانَ فِي إقَامَةِ شَيْءٍ مِنْهَا إسْقَاطُ الْبَوَاقِي- يُقَامُ ذَلِكَ دَرْءًا لِلْبَوَاقِي لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «ادْرَءُوا الْحُدُودَ مَا اسْتَطَعْتُمْ» وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي إقَامَةِ شَيْءٍ مِنْهَا إسْقَاطُ الْبَوَاقِي- يُقَامُ الْكُلُّ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ فِي الِاسْتِيفَاءِ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا- فَنَقُولُ: إذَا اجْتَمَعَ الْقَذْفُ وَالشُّرْبُ وَالسُّكْرُ وَالزِّنَا مِنْ غَيْرِ إحْصَانٍ- وَالسَّرِقَةُ- بِأَنْ قَذَفَ إنْسَانًا بِالزِّنَا، وَشَرِبَ الْخَمْرَ وَسَكِرَ مِنْ غَيْرِ الْخَمْرِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ الْمَعْهُودَةِ، وَزَنَى وَهُوَ غَيْرُ مُحْصَنٍ، وَسَرَقَ مَالَ إنْسَانٍ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ إلَى الْإِمَامِ؛ بَدَأَ الْإِمَامُ بِحَدِّ الْقَذْفِ فَيَضْرِبُهُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ- عَزَّ شَأْنُهُ- مِنْ وَجْهٍ، وَمَا سِوَاهُ حُقُوقُ الْعِبَادِ عَلَى الْخُلُوصِ فَيُقَدَّمُ اسْتِيفَاؤُهُ، ثُمَّ يَسْتَوْفِي حُقُوقَ اللَّهِ- تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهَا.
وَلَيْسَ فِي إقَامَةِ شَيْءٍ مِنْهَا إسْقَاطُ الْبَوَاقِي فَلَا يَسْقُطُ، ثُمَّ إذَا ضُرِبَ حَدَّ الْقَذْفِ- يُحْبَسُ حَتَّى يَبْرَأَ مِنْ الضَّرْبِ، ثُمَّ الْإِمَامُ بِالْخِيَارِ فِي الْبِدَايَةِ إنْ شَاءَ بَدَأَ بِحَدِّ الزِّنَا، وَإِنْ شَاءَ بِحَدِّ السَّرِقَةِ، وَيُؤَخِّرُ حَدَّ الشُّرْبِ عَنْهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا ثَبَتَا بِنَصِّ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ، وَحَدُّ الشُّرْبِ لَمْ يَثْبُتْ بِنَصِّ الْكِتَابِ الْكَرِيمِ، إنَّمَا ثَبَتَ بِإِجْمَاعٍ مَبْنِيٍّ عَلَى الِاجْتِهَادِ أَوْ عَلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الثَّابِتَ بِنَصِّ الْكِتَابِ آكَدُ ثُبُوتًا، وَلَا يَجْمَعُ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، بَلْ يُقَامُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَعْدَ مَا بَرَأَ مِنْ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْكُلِّ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ يُفْضِي إلَى الْهَلَاكِ.
وَلَوْ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ هَذِهِ الْحُدُودِ حَدُّ الرَّجْمِ، بِأَنْ زَنَى وَهُوَ مُحْصَنٌ- يُبْدَأُ بِحَدِّ الْقَذْفِ، وَيَضْمَنُ السَّرِقَةَ، وَيُرْجَمُ، وَيُدْرَأُ عَنْهُ مَا سِوَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ حَقُّ الْعَبْدِ فَيُقَدَّمُ فِي الِاسْتِيفَاءِ، وَفِي إقَامَةِ حَدِّ الرَّجْمِ إسْقَاطُ الْبَوَاقِي فَيُقَامُ دَرْءًا لِلْبَوَاقِي؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ وَاجِبَةُ الدَّرْءِ مَا أَمْكَنَ؛ فَيُدْرَأُ، إلَّا أَنَّهُ يَضْمَنُ السَّرِقَةَ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَا يَحْتَمِلُ الدَّرْءَ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مَعَ هَذِهِ الْحُدُودِ قِصَاصٌ فِي النَّفْسِ- يُبْدَأُ بِحَدِّ الْقَذْفِ وَيَضْمَنُ السَّرِقَةَ وَيُقْتَلُ قِصَاصًا، وَيُدْرَأُ مَا سِوَى ذَلِكَ وَإِنَّمَا بُدِئَ بِحَدِّ الْقَذْفِ دُونَ الْقِصَاصِ الَّذِي هُوَ خَالِصُ حَقِّ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ فِي الْبِدَايَةِ بِالْقِصَاصِ إسْقَاطَ حَدِّ الْقَذْفِ وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ؛ لِذَلِكَ يُبْدَأُ بِحَدِّ الْقَذْفِ وَيُقْتَلُ قِصَاصًا وَيَبْطُلُ مَا سِوَى ذَلِكَ؛ لِتَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ بَعْدَ الْقَتْلِ، إلَّا أَنَّهُ يَضْمَنُ السَّرِقَةَ؛ لِمَا قُلْنَا.
وَلَوْ كَانَ مَعَ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ قِصَاصٌ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ- يُحَدُّ حَدَّ الْقَذْفِ، وَيُقْتَصُّ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ، وَيُقْتَصُّ فِي النَّفْسِ، وَيُلْغَى مَا سِوَى ذَلِكَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْحُدُودِ حَدُّ الْقَذْفِ وَيُقْتَصُّ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ، ثُمَّ يُقْتَصُّ فِي النَّفْسِ، وَيُلْغَى مَا سِوَى ذَلِكَ، وَلَوْ اجْتَمَعَتْ الْحُدُودُ الْخَالِصَةُ وَالْقَتْلُ يُقْتَصُّ وَيُلْغَى مَا سِوَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَ الْقِصَاصِ عَلَى الْحُدُودِ فِي الِاسْتِيفَاءِ وَاجِبٌ، وَمَتَى قُدِّمَ اسْتِيفَاؤُهُ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الْحُدُودِ؛ فَتَسْقُطُ ضَرُورَةً، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

.فَصْلٌ: حُكْمُ الْمَحْدُودِ:

وَأَمَّا حُكْمُ الْمَحْدُودِ فَالْحَدُّ إنْ كَانَ رَجْمًا فَإِذَا قُتِلَ- يُدْفَعُ إلَى أَهْلِهِ فَيَصْنَعُونَ بِهِ مَا يُصْنَعُ بِسَائِرِ الْمَوْتَى، فَيُغَسِّلُونَهُ وَيُكَفِّنُونَهُ وَيُصَلُّونَ عَلَيْهِ وَيَدْفِنُونَهُ، بِهَذَا «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رُجِمَ مَاعِزًا فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: اصْنَعُوا بِهِ مَا تَصْنَعُونَ بِمَوْتَاكُمْ»، وَإِنْ كَانَ جَلْدًا فَحُكْمُ الْمَحْدُودِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ مِنْ الشَّهَادَةِ وَغَيْرِهَا، إلَّا الْمَحْدُودَ فِي الْقَذْفِ خَاصَّةً فِي أَدَاءِ الشَّهَادَةِ، فَإِنَّهُ تَبْطُلُ شَهَادَتُهُ عَلَى التَّأْبِيدِ، حَتَّى لَا تُقْبَلَ، وَإِنْ تَابَ إلَّا فِي الدِّيَانَاتِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ- رَحِمَهُ اللَّهُ- تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بَعْدَ التَّوْبَةِ- وَقَدْ ذَكَرْنَا الْمَسْأَلَةَ وَفُرُوعَهَا فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ- وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

.فَصْلٌ: في التَّعْزِيرِ:

وَأَمَّا التَّعْزِيرُ فَالْكَلَامُ فِيهِ فِي مَوَاضِعَ فِي بَيَانِ سَبَبِ وُجُوبِ التَّعْزِيرِ، وَفِي بَيَانِ شَرْطِ وُجُوبِهِ، وَفِي بَيَانِ قَدْرِهِ، وَفِي بَيَانِ وَصْفِهِ، وَفِي بَيَانِ مَا يَظْهَرُ بِهِ.
(أَمَّا) سَبَبُ وُجُوبِهِ فَارْتِكَابُ جِنَايَةٍ لَيْسَ لَهَا حَدٌّ مُقَدَّرٌ فِي الشَّرْعِ، سَوَاءٌ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَتَرْكِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، أَوْ عَلَى حَقِّ الْعَبْدِ بِأَنْ آذَى مُسْلِمًا بِغَيْرِ حَقٍّ بِفِعْلٍ أَوْ بِقَوْلٍ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ بِأَنْ قَالَ لَهُ: يَا خَبِيثُ، يَا فَاسِقُ، يَا سَارِقُ، يَا فَاجِرُ، يَا كَافِرُ، يَا آكِلَ الرِّبَا، يَا شَارِبَ الْخَمْرِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَإِنْ قَالَ لَهُ: يَا كَلْبُ، يَا خِنْزِيرُ، يَا حِمَارُ يَا ثَوْرُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ- لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ؛ لِأَنَّ فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ إنَّمَا وَجَبَ التَّعْزِيرُ؛ لِأَنَّهُ أَلْحَقَ الْعَارَ بِالْمَقْذُوفِ، إذْ النَّاسُ بَيْنَ مُصَدِّقٍ وَمُكَذِّبٍ فَعُزِّرَ؛ دَفْعًا لِلْعَارِ عَنْهُ، وَالْقَاذِفُ فِي النَّوْعِ الثَّانِي أَلْحَقَ الْعَارَ بِنَفْسِهِ بِقَذْفِهِ غَيْرَهُ بِمَا لَا يُتَصَوَّرُ؛ فَيَرْجِعُ عَارُ الْكَذِبِ إلَيْهِ لَا إلَى الْمَقْذُوفِ.

.فَصْلٌ: شَرْطُ وُجُوبِهِ:

وَأَمَّا شَرْطُ وُجُوبِهِ فَالْعَقْلُ فَقَطْ؛ فَيُعَزَّرُ كُلُّ عَاقِلٍ ارْتَكَبَ جِنَايَةً لَيْسَ لَهَا حَدٌّ مُقَدَّرٌ، سَوَاءٌ كَانَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا، ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا، بَالِغًا أَوْ صَبِيًّا، بَعْدَ أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ، إلَّا الصَّبِيَّ الْعَاقِلَ فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ تَأْدِيبًا لَا عُقُوبَةً؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ التَّأْدِيبِ، أَلَا تَرَى إلَى مَا رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: «مُرُوا صِبْيَانَكُمْ بِالصَّلَاةِ؛ إذَا بَلَغُوا سَبْعًا وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا؛ إذَا بَلَغُوا عَشْرًا» وَذَلِكَ بِطَرِيقِ التَّأْدِيبِ وَالتَّهْذِيبِ لَا بِطَرِيقِ الْعُقُوبَةِ؛ لِأَنَّهَا تَسْتَدْعِي الْجِنَايَةَ، وَفِعْلُ الصَّبِيِّ لَا يُوصَفُ بِكَوْنِهِ جِنَايَةً، بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ وَلَا مِنْ أَهْلِ التَّأْدِيبِ.

.فَصْلٌ: قَدْرُ التَّعْزِيرِ:

وَأَمَّا قَدْرُ التَّعْزِيرِ فَإِنَّهُ إنْ وَجَبَ بِجِنَايَةٍ لَيْسَ مِنْ جِنْسِهَا مَا يُوجِبُ الْحَدَّ، كَمَا إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ: يَا فَاسِقُ، يَا خَبِيثُ، يَا سَارِقُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ- فَالْإِمَامُ فِيهِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ عَزَّرَهُ بِالضَّرْبِ، وَإِنْ شَاءَ بِالْحَبْسِ، وَإِنْ شَاءَ بِالْكَهْرِ وَالِاسْتِخْفَافِ بِالْكَلَامِ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُ سَيِّدِنَا عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ: يَا أَحْمَقُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عَلَى سَبِيلِ التَّعْزِيرِ مِنْهُ إيَّاهُ، لَا عَلَى سَبِيلِ الشَّتْمِ، إذْ لَا يُظَنُّ ذَلِكَ مِنْ مِثْلِ سَيِّدِنَا عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا بِأَحَدٍ فَضْلًا عَنْ الصَّحَابِيِّ، وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ رَتَّبَ التَّعْزِيرَ عَلَى مَرَاتِبِ النَّاسِ، فَقَالَ: التَّعَازِيرُ عَلَى أَرْبَعَةِ مَرَاتِبَ: تَعْزِيرُ الْأَشْرَافِ، وَهُمْ الدَّهَّاقُونَ وَالْقُوَّادُ، وَتَعْزِيرُ أَشْرَافِ الْأَشْرَافِ وَهُمْ الْعَلَوِيَّةُ وَالْفُقَهَاءُ، وَتَعْزِيرُ الْأَوْسَاطِ: وَهُمْ السُّوقَةُ، وَتَعْزِيرُ الْأَخِسَّاءِ: وَهُمْ السِّفْلَةُ.
فَتَعْزِيرُ أَشْرَافِ الْأَشْرَافِ بِالْإِعْلَامِ الْمُجَرَّدِ، وَهُوَ أَنْ يَبْعَثَ الْقَاضِي أَمِينَهُ إلَيْهِ فَيَقُولُ لَهُ: بَلَغَنِي أَنَّكَ تَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا، وَتَعْزِيرُ الْأَشْرَافِ بِالْإِعْلَامِ وَالْجَرِّ إلَى بَابِ الْقَاضِي وَالْخِطَابِ بِالْمُوَاجَهَةِ، وَتَعْزِيرُ الْأَوْسَاطِ بِالْإِعْلَامِ وَالْجَرِّ وَالْحَبْسِ، وَتَعْزِيرُ السَّفَلَةِ بِالْإِعْلَامِ وَالْجَرِّ وَالضَّرْبِ وَالْحَبْسِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّعْزِيرِ هُوَ الزَّجْرُ، وَأَحْوَالُ النَّاسِ فِي الِانْزِجَارِ عَلَى هَذِهِ الْمَرَاتِبِ، وَإِنْ وَجَبَ بِجِنَايَةٍ فِي جِنْسِهَا الْحَدُّ لَكِنَّهُ لَمْ يَجِبْ؛ لِفَقْدِ شَرْطِهِ كَمَا إذَا قَالَ لِصَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ: يَا زَانِي، أَوْ لِذِمِّيَّةٍ أَوْ أُمِّ وَلَدٍ: يَا زَانِيَةُ، فَالتَّعْزِيرُ فِيهِ بِالضَّرْبِ وَيَبْلُغُ أَقْصَى غَايَاتِهِ، وَذَلِكَ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ- عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ وَفِي رِوَايَةِ النَّوَادِرِ عَنْهُ تِسْعَةٌ وَسَبْعُونَ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ مُضْطَرِبٌ ذَكَرَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ- رَحِمَهُ اللَّهُ- وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُ لَا يَبْلُغُ التَّعْزِيرُ الْحَدَّ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ بَلَغَ حَدًّا فِي غَيْرِ حَدٍّ فَهُوَ مِنْ الْمُعْتَدِينَ» إلَّا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ صَرَفَ الْحَدَّ الْمَذْكُورَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى الْأَحْرَارِ.
وَزَعَمَ أَنَّهُ الْحَدُّ الْكَامِلُ لَا حَدَّ الْمَمَالِيكِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بَعْضُ الْحَدِّ وَلَيْسَ بِحَدٍّ كَامِلٍ، وَمُطْلَقُ الِاسْمِ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ فِي كُلِّ بَابٍ؛ وَلِأَنَّ الْأَحْرَارَ هُمْ الْمَقْصُودُونَ فِي الْخِطَابِ، وَغَيْرُهُمْ مُلْحَقٌ بِهِمْ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ فِي رِوَايَةٍ يُنْقَصُ مِنْهَا سَوْطٌ، وَهُوَ الْأَقْيَسُ؛ لِأَنَّ تَرْكَ التَّبْلِيغِ يَحْصُلُ بِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: يُنْتَقَصُ مِنْهَا خَمْسَةٌ.
وَرُوِيَ ذَلِكَ أَثَرًا عَنْ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: يُعَزَّرُ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- فَقَلَّدْتُهُ فِي نُقْصَانِ الْخَمْسَةِ وَاعْتُبِرَتْ عَنْهُ أَدْنَى الْحُدُودِ.
وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: أَخَذْتُ كُلَّ نَوْعٍ مِنْ بَابِهِ، وَأَخَذْتُ التَّعْزِيرَ فِي اللَّمْسِ وَالْقُبْلَةِ مِنْ حَدِّ الزِّنَا، وَالْقَذْفَ بِغَيْرِ الزِّنَا مِنْ حَدِّ الْقَذْفِ؛ لِيَكُونَ إلْحَاقَ كُلِّ نَوْعٍ بِبَابِهِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ صَرَفَهُ إلَى حَدِّ الْمَمَالِيكِ وَهُوَ أَرْبَعُونَ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ حَدًّا مُنَكَّرًا فَيَتَنَاوَلُ حَدًّا مَا، وَأَرْبَعُونَ حَدٌّ كَامِلٌ فِي الْمَمَالِيكِ فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ فِي الْحَمْلِ عَلَى هَذَا الْحَدِّ أَخْذًا بِالثِّقَةِ وَالِاحْتِيَاطِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْحَدِّ يَقَعُ عَلَى النَّوْعَيْنِ، فَلَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ يَقَعُ الْأَمْنُ عَنْ وَعِيدِ التَّبْلِيغِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْلُغُ، وَلَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى مَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ- لَا يَقَعُ الْأَمْنُ عَنْهُ؛ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ حَدَّ الْمَمَالِيكِ فَيَصِيرُ مُبَلِّغًا غَيْرَ الْحَدِّ- الْحَدَّ؛ فَيَلْحَقُهُ الْوَعِيدُ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِيمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ.

.فَصْلٌ: صِفَةُ التَّعْزِيرِ:

وَأَمَّا صِفَتُهُ فَلَهُ صِفَاتٌ مِنْهَا: أَنَّهُ أَشَدُّ الضَّرْبِ، وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي الْمُرَادِ بِالشِّدَّةِ الْمَذْكُورَةِ قَالَ بَعْضُهُمْ: أُرِيدَ بِهَا الشِّدَّةُ مِنْ حَيْثُ الْجَمْعِ، وَهِيَ أَنْ يَجْمَعَ الضَّرَبَاتِ فِيهِ عَلَى عُضْوٍ وَاحِدٍ وَلَا يُفَرِّقُ بِخِلَافِ الْحُدُودِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُرَادُ مِنْهَا الشِّدَّةُ فِي نَفْسِ الضَّرْبِ وَهُوَ الْإِيلَامُ، ثُمَّ إنَّمَا كَانَ أَشَدَّ الضَّرْبِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا- أَنَّهُ شُرِعَ لِلزَّجْرِ الْمَحْضِ لَيْسَ فِيهِ مَعْنَى تَكْفِيرِ الذَّنْبِ، بِخِلَافِ الْحُدُودِ فَإِنَّ مَعْنَى الزَّجْرِ فِيهَا يَشُوبُهُ مَعْنَى التَّكْفِيرِ لِلذَّنْبِ، قَالَ: «عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: الْحُدُودُ كَفَّارَاتٌ لِأَهْلِهَا» فَإِذَا تَمَحَّضَ التَّعْزِيرُ لِلزَّجْرِ- فَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَشَدَّ أَزْجَرُ فَكَانَ فِي تَحْصِيلِ مَا شُرِعَ لَهُ أَبْلَغُ.
وَالثَّانِي- أَنَّهُ قَدْ نَقَصَ عَنْ عَدَدِ الضَّرَبَاتِ فِيهِ فَلَوْ لَمْ يُشَدِّدْ فِي الضَّرْبِ- لَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ مِنْهُ وَهُوَ الزَّجْرُ، وَمِنْهَا: أَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْعَفْوَ وَالصُّلْحَ وَالْإِبْرَاءَ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ خَالِصًا، فَتَجْرِي فِيهِ هَذِهِ الْأَحْكَامُ، كَمَا تَجْرِي فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ لِلْعِبَادِ مِنْ الْقِصَاصِ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ الْحُدُودِ، وَمِنْهَا: أَنَّهُ يُوَرَّثُ كَالْقِصَاصِ وَغَيْرِهِ؛ لِمَا قُلْنَا، وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَا يَتَدَاخَلُ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَبْدِ لَا تَحْتَمِلُ التَّدَاخُلَ- بِخِلَافِ الْحُدُودِ- وَيُؤْخَذُ فِيهِ الْكَفِيلُ إلَّا أَنَّهُ لَا يُحْبَسُ؛ لِتَعْدِيلِ الشُّهُودِ، أَمَّا التَّكْفِيلُ؛ فَلِأَنَّ التَّكْفِيلَ لِلتَّوْثِيقِ، وَالتَّعْزِيرُ حَقٌّ لِلْعَبْدِ فَكَانَ التَّوْثِيقُ مُلَائِمًا لَهُ بِخِلَافِ الْحُدُودِ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- وَأَمَّا عَدَمُ الْحَبْسِ؛ فَلِأَنَّ الْحَبْسَ يَصْلُحُ تَعْزِيرًا فِي نَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ مَشْرُوعًا قَبْلَ تَعْدِيلِ الشُّهُودِ، بِخِلَافِ الْحُدُودِ أَنَّهُ يُحْبَسُ فِيهَا لِتَعْدِيلِ الشُّهُودِ؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ لَا يَصْلُحُ حَدًّا، وَاَللَّهُ-
تَعَالَى- أَعْلَمُ.

.فَصْلٌ: بَيَانُ مَا يَظْهَرُ بِهِ:

وَأَمَّا بَيَانُ مَا يَظْهَرُ بِهِ فَنَقُولُ: إنَّهُ يَظْهَرُ بِهِ سَائِرُ حُقُوقِ الْعِبَادِ مِنْ الْإِقْرَارِ وَالْبَيِّنَةِ وَالنُّكُولِ وَعِلْمِ الْقَاضِي، وَيُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ، وَكِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي، كَمَا فِي سَائِرِ حُقُوقِ الْعِبَادِ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ- لَا يُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ، وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ عَلَى الْخُلُوصِ فَيَظْهَرُ بِمَا يَظْهَرُ بِهِ حُقُوقُ الْعِبَادِ، وَلَا يُعْمَلُ فِيهِ الرُّجُوعُ كَمَا لَا يُعْمَلُ فِي الْقِصَاصِ وَغَيْرِهِ، بِخِلَافِ الْحُدُودِ الْخَالِصَةِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَاَللَّهُ تَعَالَى- عَزَّ شَأْنُهُ- أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.