فصل: فَصْلٌ: بَيَانُ مَا يَنْتَهِي بِهِ عَقْدُ الْإِجَارَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (نسخة منقحة)



.فَصْلٌ: حُكْمُ اخْتِلَافِ الْعَاقِدَيْنِ فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ:

وَأَمَّا حُكْمُ اخْتِلَافِ الْعَاقِدَيْنِ فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الْبَدَلِ أَوْ الْمُبْدَلِ، وَالْإِجَارَةُ وَقَعَتْ صَحِيحَةً يُنْظَرُ: إنْ كَانَ اخْتِلَافُهُمَا قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنَافِعِ تَحَالَفَا لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا» وَالْإِجَارَةُ نَوْعُ بَيْعٍ فَيَتَنَاوَلُهَا الْحَدِيثُ، وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى وَهِيَ قَوْلُهُ: وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهَا يَتَنَاوَلُ بَعْضَ أَنْوَاعِ الْإِجَارَةِ.
وَهُوَ مَا إذَا بَاعَ عَيْنًا بِمَنْفَعَةٍ، وَاخْتَلَفَا فِيهَا، وَإِذَا ثَبَتَ التَّحَالُفُ فِي نَوْعٍ بِالْحَدِيثِ ثَبَتَ فِي الْأَنْوَاعِ كُلِّهَا بِنَتِيجَةِ الْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا، وَلِأَنَّ التَّحَالُفَ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ مُوَافِقٌ الْأُصُولَ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ فِي أُصُولِ الشَّرْعِ عَلَى الْمُنْكِرِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْكِرٌ مِنْ وَجْهٍ وَمُدَّعٍ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ الْمُؤَاجِرَ يَدَّعِي عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ زِيَادَةَ الْأُجْرَةِ، وَالْمُسْتَأْجِرُ مُنْكِرٌ، وَالْمُسْتَأْجِرُ يَدَّعِي عَلَى الْمُؤَاجِرِ وُجُوبَ تَسْلِيمِ الْمُسْتَأْجَرِ بِمَا يَدَّعِي مِنْ الْأُجْرَةِ، وَالْمُؤَاجِرُ يُنْكِرُ، فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْكِرًا مِنْ وَجْهٍ، وَالْيَمِينُ وَظِيفَةُ الْمُنْكِرِ فِي أُصُولِ الشَّرْعِ.
وَلِهَذَا جَرَى التَّحَالُفُ قَبْلَ الْقَبْضِ، فَبَيْعُ الْعَيْنِ وَالتَّحَالُفُ هاهنا قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ، ثُمَّ إنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي قَدْرِ الْبَدَلِ يُبْدَأُ بِيَمِينِ الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وُجُوبَ الْأُجْرَةِ الزَّائِدَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي قَدْرِ الْمُبْدَلِ يُبْدَأُ بِيَمِينِ الْمُؤَاجِرِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وُجُوبَ تَسْلِيمِ زِيَادَةِ الْمَنْفَعَةِ، وَإِذَا تَحَالَفَا تُفْسَخُ الْإِجَارَةُ، وَأَيُّهُمَا نَكَلَ لَزِمَهُ دَعْوَى صَاحِبِهِ، لِأَنَّ النُّكُولَ بَذْلٌ أَوْ إقْرَارٌ، وَالْبَدَلَ وَالْمُبْدَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَحْتَمِلُ الْبَذْلَ وَالْإِقْرَارَ، وَأَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ يُقْضَى بِبَيِّنَتِهِ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى لَا تُقَابِلُ الْحُجَّةَ، وَإِنْ أَقَامَا جَمِيعًا الْبَيِّنَةَ فَإِنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي الْبَدَلِ فَبَيِّنَةُ الْمُؤَاجِرِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ زِيَادَةَ الْأُجْرَةِ، وَإِنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي الْمُبْدَلِ فَبَيِّنَةُ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ زِيَادَةَ الْمَنْفَعَةِ، فَإِنْ ادَّعَى الْمُؤَاجِرُ فَضْلًا فِيمَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ الْأَجْرِ وَادَّعَى الْمُسْتَأْجِرُ فَضْلًا فِيمَا يَسْتَحِقُّ مِنْ الْمَنْفَعَةِ بِأَنْ قَالَ: الْمُؤَاجِرُ أَجَرْتُك هَذِهِ الدَّابَّةَ إلَى الْقَصْرِ بِعَشَرَةٍ، وَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ: إلَى الْكُوفَةِ بِخَمْسَةٍ، أَوْ قَالَ الْمُؤَاجِرُ: أَجَّرْتُكَ شَهْرًا بِعَشَرَةٍ، وَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ: لِشَهْرَيْنِ بِخَمْسَةٍ فَالْأَمْرُ فِي التَّحَالُفِ وَالنُّكُولِ وَإِقَامَةِ أَحَدِهِمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَلَوْ أَقَامَا جَمِيعًا الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ بَيِّنَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْفِعْلِ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ، فَيَكُونُ إلَى الْكُوفَةِ بِعَشَرَةٍ، وَشَهْرَيْنِ بِعَشَرَةٍ؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تُثْبِتُ زِيَادَةً؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ الْمُؤَاجِرِ تُثْبِتُ زِيَادَةَ الْأَجْرِ، وَبَيِّنَةُ الْمُسْتَأْجِرِ تُثْبِتُ زِيَادَةَ الْمَنْفَعَةِ فَتُقْبَلُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى الزِّيَادَةِ الَّتِي تُثْبِتُهَا.
، وَإِنْ كَانَ اخْتِلَافُهُمَا بَعْدَ مَا اسْتَوْفَى الْمُسْتَأْجِرُ بَعْضَ الْمَنْفَعَةِ بِأَنْ سَكَنَ الدَّارَ الْمُسْتَأْجَرَةَ بَعْضَ الْمُدَّةِ أَوْ رَكِبَ الدَّابَّةَ الْمُسْتَأْجَرَةَ بَعْضَ الْمَسَافَةِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ فِيمَا مَضَى مَعَ يَمِينِهِ، وَيَتَحَالَفَانِ وَتُفْسَخُ الْإِجَارَةُ فِيمَا بَقِيَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الْمَنَافِعِ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى حَسَبِ حُدُوثِهَا شَيْئًا فَشَيْئًا، فَكَانَ كُلُّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَنْفَعَةِ مَعْقُودًا عَلَيْهِ مُبْتَدَأً، فَكَانَ مَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ وَالْمَسَافَةِ مُنْفَرِدًا فَيَتَحَالَفَانِ فِيهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا هَلَكَ بَعْضُ الْمَبِيعِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ التَّحَالُفُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَرَدَ عَلَى جُمْلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ الْعَيْنُ الْقَائِمَةُ لِلْحَالِ، وَكُلُّ جُزْءٍ مِنْ الْمَبِيعِ لَيْسَ بِمَعْقُودٍ عَلَيْهِ مُبْتَدَأً إنَّمَا الْجُمْلَةُ مَعْقُودٌ عَلَيْهَا بِعَقْدٍ وَاحِدٍ فَإِذَا تَعَذَّرَ الْفَسْخُ فِي قَدْرِ الْهَالِكِ يَسْقُطُ فِي الْبَاقِي.
، وَإِنْ كَانَ اخْتِلَافُهُمَا بَعْدَ مُضِيِّ وَقْتِ الْإِجَارَةِ أَوْ بَعْدَ بُلُوغِ الْمَسَافَةِ الَّتِي اسْتَأْجَرَ إلَيْهَا لَا يَتَحَالَفَانِ فِيهِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ فِي مِقْدَارِ الْبَدَلِ مَعَ يَمِينِهِ، وَلَا يَمِينَ عَلَى الْمُؤَاجِرِ لِأَنَّ التَّحَالُفَ يُثْبِتُ الْفَسْخَ، وَالْمَنَافِعُ الْمُنْعَدِمَةُ لَا تَحْتَمِلُ فَسْخَ الْعَقْدِ فَلَا يَثْبُتُ التَّحَالُفُ، وَهَذَا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ قِيَامَ الْمَبِيعِ فِي بَابِ الْبَيْعِ شَرْطُ جَرَيَانِ التَّحَالُفِ فِي الْمَبِيعِ الْهَالِكِ، وَالْمَنَافِعُ هاهنا هَالِكَةٌ فَلَا يَثْبُتُ فِيهَا التَّحَالُفُ.
وَأَمَّا مُحَمَّدٌ فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَبِيعِ الْهَالِكِ وَبَيْنَ الْمَنَافِعِ الْهَالِكَةِ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ لَهُ أَنَّ الْمَنَافِعَ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ بِأَنْفُسِهَا عَلَى أَصْلِنَا، وَإِنَّمَا تَتَقَوَّمُ بِالْعَقْدِ فَإِذَا فُسِخَتْ الْإِجَارَةُ بِالتَّحَالُفِ تَبْقَى الْمَنَافِعُ مُسْتَوْفَاةً مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ فَلَا تَتَقَوَّمُ فَلَا يَثْبُتُ التَّحَالُفُ، بِخِلَافِ الْأَعْيَانِ فَإِنَّهَا مُتَقَوِّمَةٌ بِأَنْفُسِهَا، فَإِذَا فُسِخَ الْبَيْعُ بِالتَّحَالُفِ يَبْقَى الْعَقْدُ مُتَقَوِّمًا بِنَفْسِهِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَيَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ، وَإِنَّمَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ عَلَيْهِ، وَالْخِلَافُ مَتَى وَقَعَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُسْتَحِقِّ، وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ.
وَإِنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي جِنْسِ الْأَجْرِ بِأَنْ قَالَ الْمُسْتَأْجِرُ: اسْتَأْجَرْتُ هَذِهِ الدَّابَّةَ إلَى مَوْضِعِ كَذَا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَقَالَ الْآخَرُ: بِدِينَارٍ، فَالْحُكْمُ فِي التَّحَالُفِ وَالنُّكُولِ وَإِقَامَةِ أَحَدِهِمَا الْبَيِّنَةَ مَا وَصَفْنَا.
فَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُؤَاجِرِ؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الْأُجْرَةَ حَقًّا لَهُ، وَبَيِّنَةُ الْمُسْتَأْجِرِ لَا تُثْبِتُ الْأُجْرَةَ حَقًّا لَهُ فَكَانَتْ بَيِّنَةُ الْمُؤَاجِرِ أَوْلَى بِالْقَبُولِ.
وَلَوْ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْمُؤَاجِرُ: أَجَّرْتُكَ هَذِهِ الدَّابَّةَ إلَى الْقَصْرِ بِدِينَارٍ، وَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ: إلَى الْكُوفَةِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَهِيَ إلَى الْكُوفَةِ بِدِينَارٍ، وَخَمْسَةِ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ إلَى الْقَصْرِ، وَقَعَ فِي الْبَدَلِ فَكَانَتْ بَيِّنَةُ الْمُؤَاجِرِ أَوْلَى لِمَا قُلْنَا، وَتَثْبُتُ الْإِجَارَةُ إلَى الْقَصْرِ بِدِينَارٍ، ثُمَّ الْمُسْتَأْجِرُ يَدَّعِي مِنْ الْقَصْرِ إلَى الْكُوفَةِ بِخَمْسَةٍ؛ لِأَنَّ الْقَصْرَ نِصْفُ الطَّرِيقِ، وَالْمُؤَاجِرُ يَجْحَدُ هَذِهِ الْإِجَارَةَ، فَالْبَيِّنَةُ الْمُثْبِتَةُ لِلْإِجَارَةِ أَوْلَى مِنْ النَّافِيَةِ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ مِنْ رَجُلٍ دَارًا سَنَةً فَاخْتَلَفَا فَأَقَامَ الْمُسْتَأْجِرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اسْتَأْجَرَ أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا بِدِرْهَمٍ، وَشَهْرًا بِتِسْعَةٍ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ رَبُّ الدَّارِ أَنَّهُ أَجَرَهَا بِعَشَرَةٍ قَالَ: فَإِنِّي آخُذُ بِبَيِّنَةِ رَبِّ الدَّارِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي فَضْلَ أُجْرَةٍ فِي أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا، وَقَدْ أَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً فَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ، فَأَمَّا الشَّهْرُ الثَّانِي عَشَرَ فَقَدْ أَقَرَّ الْمُسْتَأْجِرُ لِلْمُؤَاجِرِ فِيهِ بِفَضْلِ الْأُجْرَةِ فِيمَا ادَّعَى، فَإِنْ صَدَّقَهُ عَلَى ذَلِكَ وَإِلَّا سَقَطَ الْفَضْلُ بِتَكْذِيبِهِ، وَلَوْ اخْتَلَفَ الْخَيَّاطُ، وَرَبُّ الثَّوْبِ فَقَالَ رَبُّ الثَّوْبِ: أَمَرْتُكَ أَنْ تَقْطَعَهُ قَبَاءً، وَقَالَ الْخَيَّاطُ: أَمَرْتَنِي أَنْ أَقْطَعَهُ قَمِيصًا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الثَّوْبِ مَعَ يَمِينِهِ عِنْدَنَا، وَالْخَيَّاطُ ضَامِنٌ قِيمَةَ الثَّوْبِ، وَإِنْ شَاءَ رَبُّ الثَّوْبِ أَخَذَ الثَّوْبَ، وَأَعْطَاهُ أَجْرَ مِثْلِهِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: الْقَوْلُ قَوْلُ الْخَيَّاطِ مَعَ يَمِينِهِ، وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فَقَالَ فِي مَوْضِعٍ مِثْلَ قَوْلِهِمَا، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ: يَتَحَالَفَانِ فَإِذَا حَلَفَا سَقَطَ الضَّمَانُ عَنْ الْخَيَّاطِ، وَسَقَطَ الْأَجْرُ، وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّ صَاحِبَ الثَّوْبِ أَقَرَّ بِالْإِذْنِ بِالْقَطْعِ، غَيْرَ أَنَّهُ يَدَّعِي زِيَادَةَ صِفَةٍ تُوجِبُ الضَّمَانَ، وَتُسْقِطُ الْأَجْرَ، وَالْخَيَّاطُ يُنْكِرُ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، وَلَنَا أَنَّ الْإِذْنَ مُسْتَفَادٌ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الثَّوْبِ فَكَانَ الْقَوْلُ فِي صِفَةِ الْإِذْنِ قَوْلَهُ، وَلِهَذَا لَوْ وَقَعَ الْخِلَافُ فِي أَصْلِ الْإِذْنِ بِالْقَطْعِ فَقَالَ صَاحِبُ الثَّوْبِ: لَمْ آذَنْ بِالْقَطْعِ، كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، وَكَذَا إذَا قَالَ: لَمْ آذَنْ بِقَطْعِهِ قَمِيصًا، وَقَدْ خَرَجَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى؛ لِأَنَّ الْمَأْذُونَ فِيهِ قَطْعُ الْقَبَاءِ لَا مُطْلَقُ الْقَطْعِ، وَلَا مَعْنَى لِأَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ التَّحَالُفَ وَضْعٌ لِلْفَسْخِ، وَلَا يُمْكِنُ الْفَسْخُ هاهنا فَلَا يَثْبُتُ التَّحَالُفُ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ يَدَّعِي عَلَى الْخَيَّاطِ الْغَصْبَ، وَالْخَيَّاطَ يَدَّعِي الْأَجْرَ وَذَلِكَ مِمَّا لَا يَثْبُتُ فِيهِ التَّحَالُفُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ تَضْمِينُ الْخَيَّاطِ قِيمَةَ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الثَّوْبِ لَمَّا حَلَفَ عَلَى دَعْوَى الْخَيَّاطِ فَقَدْ صَارَ الْخَيَّاطُ بِقَطْعِهِ الثَّوْبَ لَا عَلَى الصِّفَةِ الْمَأْذُونِ فِيهَا مُتَصَرِّفًا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَصَارَ مُتْلِفًا الثَّوْبَ عَلَيْهِ فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ، وَإِنْ شَاءَ رَبُّ الثَّوْبِ أَخَذَ الثَّوْبَ، وَأَعْطَاهُ أَجْرَ مِثْلِهِ، أَمَّا اخْتِيَارُ أَخْذِ الثَّوْبِ فَلِأَنَّهُ أَتَى بِأَصْلِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ مَعَ تَغَيُّرِ الصِّفَةِ فَكَانَ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ الرِّضَا بِهِ، وَإِعْطَاؤُهُ أَجْرَ الْمِثْلِ لَا الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى الْوَصْفِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ، وَطَرِيقَةٌ أُخْرَى لِبَعْضِ مَشَايِخِنَا أَنَّ مَنْفَعَةَ الْقَبَاءِ وَالْقَمِيصِ مُتَقَارِبَةٌ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالْقَبَاءِ انْتِفَاعَ الْقَمِيصِ بِأَنْ يَسُدَّ وَسَطَهُ وَأَزْرَارَهُ، وَإِنَّمَا يُفَوِّتُ بَعْضَ الْأَغْرَاضِ، فَقَدْ وُجِدَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَعَ الْعَيْبِ فَيَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ حَتَّى قَالُوا: لَوْ قَطَعَهُ سَرَاوِيلَ لَمْ تَجِبْ لَهُ الْأُجْرَةُ لِاخْتِلَافِ مَنْفَعَةِ الْقَبَاءِ وَالسَّرَاوِيلِ، فَلَمْ يَأْتِ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ رَأْسًا قَالَ الْقُدُورِيُّ: وَالرِّوَايَةُ بِخِلَافِ هَذَا فَإِنَّ هِشَامًا رَوَى أَنَّ مُحَمَّدًا قَالَ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ شَبَهًا لِيَضْرِبَ لَهُ طَشْتًا مَوْصُوفًا فَضَرَبَهُ كُوزًا: إنَّ صَاحِبَهُ بِالْخِيَارِ: إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ مِثْلَ شَبَهِهِ، وَالْكُوزُ لِلْعَامِلِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَأَعْطَاهُ أَجْرَ مِثْلِهِ لَا يُجَاوِزُ مَا سُمِّيَ، فَفِي السَّرَاوِيلِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ، وَوَجْهُهُ مَا مَرَّ أَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى الضَّرْبِ، وَالصِّنَاعَةُ صِفَةٌ لَهُ فَقَدْ وَافَقَ فِي أَصْلِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَخَالَفَ فِي الصِّفَةِ، فَيَثْبُتُ لِلْمُسْتَعْمِلِ الْخِيَارُ، وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ، وَبِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي رَجُلٍ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَنْزِعَ لَهُ ضِرْسًا مُتَآكِلًا فَنَزَعَ ضِرْسًا مُتَآكِلًا فَقَالَ الْآمِرُ: أَمَرْتُك بِغَيْرِ هَذَا بِهَذَا الْأَجْرِ، وَقَالَ الْمَأْمُورُ: أَمَرْتنِي بِاَلَّذِي نَزَعْتُ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ فِي ذَلِكَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ مَعَ يَمِينِهِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْأَمْرَ يُسْتَفَادُ مِنْ قِبَلِهِ خَاصَّةً، فَكَانَ الْقَوْلُ فِي الْمَأْمُورِ بِهِ قَوْلَهُ، وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى صَبَّاغٍ ثَوْبًا لِيَصْبُغَهُ أَحْمَرَ فَصَبَغَهُ أَحْمَرَ عَلَى مَا وَصَفَ لَهُ بِالْعُصْفُرِ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الْأَجْرِ، فَقَالَ الصَّبَّاغُ: عَمِلْته بِدِرْهَمٍ، وَقَالَ رَبُّ الثَّوْبِ: بِدَانَقَيْنِ، فَإِنْ قَامَتْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ أُخِذَتْ بَيِّنَةُ الصَّبَّاغِ، وَإِنْ لَمْ يَقُمْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ فَإِنِّي أَنْظُرُ إلَى مَا زَادَ الْعُصْفُرُ فِي قِيمَةِ الثَّوْبِ فَإِنْ كَانَ دِرْهَمًا أَوْ أَكْثَرَ أَعْطَيْته دِرْهَمًا بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ الصَّبَّاغُ مَا صَبَغْته بِدَانَقَيْنِ، وَإِنْ كَانَ مَا زَادَ فِي الثَّوْبِ مِنْ الْعُصْفُرِ أَقَلَّ مِنْ دَانَقَيْنِ أَعْطَيْته دَانَقَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ صَاحِبُ الثَّوْبِ مَا صَبَغْته إلَّا بِدَانَقَيْنِ، أَمَّا إذَا قَامَتْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ فَلِأَنَّ بَيِّنَةَ الصَّبَّاغِ تُثْبِتُ زِيَادَةَ الْأُجْرَةِ فَكَانَتْ أَوْلَى بِالْقَبُولِ.
وَأَمَّا إذَا لَمْ تَقُمْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ فَلِأَنَّ مَا زَادَ الْعُصْفُرُ فِي قِيمَةِ الثَّوْبِ إذَا كَانَ دِرْهَمًا أَوْ أَكْثَرَ كَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِلصَّبَّاغِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يُزَادُ عَلَى دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِسُقُوطِ الزِّيَادَةِ، وَإِذَا كَانَ مَا زَادَ الْعُصْفُرُ دَانَقَيْنِ كَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِرَبِّ الثَّوْبِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ دَانَقَيْنِ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ يَزِيدُ فِي الثَّوْبِ نِصْفَ دِرْهَمٍ قَالَ: أَعْطَيْت الصَّبَّاغَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ مَا صَبَغْته بِدَانَقَيْنِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الدَّعْوَى إذَا سَقَطَتْ لِلتَّعَارُضِ بِحُكْمِ الصَّبْغِ فَوَجَبَ قِيمَةُ الصِّبْغِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْقَصَّارِ مَعَ رَبِّ الثَّوْبِ إذَا اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الْأُجْرَةِ، وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمَا إنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ رَبِّ الثَّوْبِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الثَّوْبِ عَيْنُ مَالٍ قَائِمٍ لِلْقَصَّارِ، فَلَمْ يُوجَدْ مَا يَصْلُحُ حُكْمًا فَيُرْجَعَ إلَى قَوْلِ صَاحِبِ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّ الْقَصَّارَ يَدَّعِي عَلَيْهِ زِيَادَةَ ضَمَانٍ، وَهُوَ يُنْكِرُ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ صِبْغٍ لَهُ قِيمَةٌ فَإِنْ كَانَ الصِّبْغُ أَسْوَدَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الثَّوْبِ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ السَّوَادَ نُقْصَانٌ عِنْدَهُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ صِبْغٍ يُنْقِصُ الثَّوْبَ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الْقَضَاءُ بِالدَّعْوَى لِلتَّعَارُضِ، وَلَا سَبِيلَ إلَى الرُّجُوعِ إلَى قِيمَةِ الصِّبْغِ؛ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهُ، فَيُرْجَعُ إلَى قَوْلِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ، وَلَوْ اخْتَلَفَ الصَّبَّاغُ وَرَبُّ الثَّوْبِ فَقَالَ رَبُّ الثَّوْبِ: أَمَرْتُك بِالْعُصْفُرِ، وَقَالَ الصَّبَّاغُ: بِالزَّعْفَرَانِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الثَّوْبِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ يُسْتَفَادُ مِنْ قِبَلِهِ، وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ مَا إذَا أَمَرَ الْمُسْتَعْمِلُ الصَّانِعَ بِالزِّيَادَةِ مِنْ عِنْدِهِ ثُمَّ اخْتَلَفَا فَقَالَ فِي الْأَصْلِ فِي رَجُلٍ دَفَعَ غَزْلًا إلَى حَائِكٍ يَنْسِجُهُ ثَوْبًا وَأَمَرَهُ أَنْ يَزِيدَ فِي الْغَزْلِ رِطْلًا مِنْ عِنْدِهِ مِثْلَ غَزْلِهِ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ ثَمَنَ الْغَزْلِ وَأُجْرَةَ الثَّوْبِ دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً، فَاخْتَلَفَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الثَّوْبِ، فَقَالَ الْحَائِكُ: قَدْ زِدْت، وَقَالَ رَبُّ الثَّوْبِ: لَمْ تَزِدْ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْغَزْلِ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى عَمَلِهِ؛ لِأَنَّ الصَّانِعَ يَدَّعِي عَلَى صَاحِبِ الثَّوْبِ الضَّمَانَ وَهُوَ يُنْكِرُ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى عَمَلِهِ؛ لِأَنَّهُ يَمِينٌ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ، فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ، وَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ لَزِمَهُ مِثْلُ الْغَزْلِ؛ لِأَنَّ النُّكُولَ حُجَّةٌ يُقْضَى بِهَا فِي هَذَا الْبَابِ فَإِنْ أَقَامَ الصَّانِعُ بَيِّنَةً قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ، وَلَوْ اتَّفَقَا أَنَّ غَزْلَ الْمُسْتَعْمَلِ كَانَ مَنًّا، وَقَالَ الصَّانِعُ: قَدْ زِدْت فِيهِ رِطْلًا فَوُزِنَ الثَّوْبُ فَوُجِدَ زَائِدًا عَلَى مَا دُفِعَ إلَيْهِ زِيَادَةً لَمْ يُعْلَمْ أَنَّ مِثْلَهَا يَكُونُ مِنْ الدَّقِيقِ، وَادَّعَى رَبُّ الثَّوْبِ أَنَّ الزِّيَادَةَ مِنْ الدَّقِيقِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الصَّانِعِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الثَّوْبِ يَدَّعِي خِلَافَ الظَّاهِرِ، وَإِنْ كَانَ الثَّوْبُ مُسْتَهْلَكًا قَبْلَ أَنْ يُعْلَمَ وَزْنُهُ، وَلَمْ يُقِرَّ الْمُسْتَعْمِلُ أَنَّ فِيهِ مَا قَالَ الصَّانِعُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّ الصَّانِعَ يَدَّعِي عَلَيْهِ الضَّمَانَ، وَلَا ظَاهِرَ هاهنا يَشْهَدُ لَهُ فَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ، وَقَالَ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى صَائِغٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فِضَّةً، وَقَالَ: زِدْ عَلَيْهَا دِرْهَمَيْنِ قَرْضًا عَلَيَّ فَصُغْهُ قَلْبًا، وَأَجْرُك دِرْهَمٌ فَصَاغَهُ وَجَاءَ بِهِ مَحْشُوًّا فَاخْتَلَفَا، فَقَالَ الصَّائِغُ: قَدْ زِدْت عَلَيْهِ دِرْهَمَيْنِ، وَقَالَ رَبُّ الْقَلْبِ: لَمْ تَزِدْ شَيْئًا قَالَ مُحَمَّدٌ: يَتَحَالَفَانِ ثُمَّ الصَّائِغُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ دَفَعَ الْقَلْبَ، وَأَخَذَ مِنْهُ أُجْرَةَ خَمْسَةِ دَوَانِيقَ، وَإِنْ شَاءَ دَفَعَ إلَيْهِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فِضَّةً، وَأَخَذَ الْقَلْبَ، أَمَّا التَّحَالُفُ فَلِأَنَّ الصَّائِغَ يَدَّعِي عَلَى صَاحِبِ الْقَلْبِ الْقَرْضَ، وَهُوَ يُنْكِرُ فَيُسْتَحْلَفُ، وَصَاحِبُ الْقَلْبِ يَدَّعِي عَلَى الصَّائِغِ اسْتِحْقَاقَ الْقَلْبِ بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَهُوَ يُنْكِرُ، فَيُسْتَحْلَفُ، وَإِذَا بَطَلَ دَعْوَى الصَّائِغِ فِي الْقَلْبِ عُلِمَ أَنَّ الْوَزْنَ عَشَرَةٌ وَإِنَّمَا بَذَلَ صَاحِبُ الْقَلْبِ لِلصَّائِغِ دِرْهَمًا لِصِيَاغَتِهِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا، فَإِذَا لَمْ تَثْبُتْ الزِّيَادَةُ تَلْزَمُهُ لِلْعَشَرَةِ خَمْسَةُ دَوَانِيقَ، وَإِنَّمَا كَانَ لِلصَّائِغِ أَنْ يَحْبِسَ الْقَلْبَ، وَيُعْطِيَ صَاحِبَ الْقَلْبِ مِثْلَ فِضَّتِهِ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ أَنَّ الزِّيَادَةَ ثَابِتَةٌ، وَأَنَّهُ يَتَقَرَّرُ بِبُطْلَانِ حَقِّهِ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ عِوَضِ الْقَرْضِ، فَلَا يَجُوزُ اسْتِحْقَاقُهَا مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ، وَلَا ضَرَرَ عَلَى صَاحِبِ الْقَلْبِ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ مِثْلُ حَقِّهِ، وَقَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى نَدَّافٍ ثَوْبًا، وَقُطْنًا يَنْدِفُ عَلَيْهِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَزِيدَ مِنْ عِنْدِهِ مَا رَأَى، ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الثَّوْبِ أَتَاهُ وَقَدْ نَدَفَ عَلَى الثَّوْبِ عِشْرِينَ أَسْتَارًا مِنْ قُطْنٍ، فَاخْتَلَفَا، فَقَالَ صَاحِبُ الثَّوْبِ: دَفَعْت إلَيْك خَمْسَةَ عَشَرَ أَسْتَارًا مِنْ قُطْنٍ، وَأَمَرْتُك أَنْ تَزِيدَ عَلَيْهِ عَشَرَةً وَتَنْقُصَ إنْ رَأَيْت فَلَمْ تَزِدْ إلَّا خَمْسَةَ أَسَاتِيرَ، وَقَالَ النَّدَّافُ: دَفَعْت إلَيَّ عَشَرَةً وَأَمَرْتنِي أَنْ أَزِيدَ عَشَرَةً فَزِدْتهَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ النَّدَّافِ، وَعَلَى صَاحِبِ الثَّوْبِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ عَشَرَةَ أَسَاتِيرَ مِنْ قُطْنٍ كَمَا ادَّعَى؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الثَّوْبِ لَا يَدَّعِي عَلَى النَّدَّافِ مُخَالَفَةَ مَا أَمَرَهُ بِهِ، وَإِنَّمَا يَدَّعِي أَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِ خَمْسَةَ عَشَرَ أَسْتَارًا، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ النَّدَّافِ فِي مِقْدَارِهِ فَتَبْقَى الْعَشَرَةُ زِيَادَةً فَيَضْمَنُهَا صَاحِبُ الثَّوْبِ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الثَّوْبِ قَالَ: دَفَعْت إلَيْك خَمْسَةَ عَشَرَ، وَأَمَرْتُك أَنْ تَزِيدَ عَلَيْهِ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَقَالَ النَّدَّافُ: دَفَعْت إلَيَّ عَشَرَةً وَأَمَرْتنِي أَنْ أَزِيدَ عَلَيْهِ عَشَرَةً فَزِدْتُ عَلَيْهِ عَشَرَةً، فَصَاحِبُ الثَّوْبِ فِي هَذَا بِالْخِيَارِ: إنْ شَاءَ صَدَّقَهُ وَدَفَعَ إلَيْهِ عَشَرَةَ أَسَاتِيرَ وَأَخَذَ ثَوْبَهُ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ قِيمَةَ ثَوْبِهِ، وَمِثْلَ عَشَرَةِ أَسَاتِيرَ قُطْنٍ، وَكَانَ الثَّوْبُ لِلنَّدَّافِ؛ لِأَنَّ النَّدَّافَ يَزْعُمُ أَنَّهُ فَعَلَ مَا أَمَرَهُ بِهِ، وَصَاحِبَ الثَّوْبِ يَدَّعِي الْخِلَافَ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِيمَا أَمَرَ بِهِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ النَّدَّافِ فِي مِقْدَارِ مَا قَبَضَ، وَقَالَ بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي رَجُلٍ أَعْطَى رَجُلًا ثَوْبًا لِيَقْطَعَهُ قَبَاءً مَحْشُوًّا، وَدَفَعَ إلَيْهِ الْبِطَانَةَ، وَالْقُطْنَ فَقَطَّعَهُ وَخَاطَهُ، وَحَشَاهُ، وَاتَّفَقَا عَلَى الْعَمَلِ، وَالْأُجْرَةِ: فَإِنَّ الثَّوْبَ ثَوْبُ رَبِّ الثَّوْبِ وَالْقُطْنَ قُطْنُهُ، غَيْرَ أَنَّ رَبَّ الثَّوْبِ إنْ قَالَ: إنَّ الْبِطَانَةَ لَيْسَتْ بِطَانَتِي، فَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْخَيَّاطِ مَعَ يَمِينِهِ أَلْبَتَّةَ أَنَّ هَذَا بِطَانَتُهُ، وَيَلْزَمُ رَبَّ الثَّوْبِ، وَيَسَعُ رَبُّ الثَّوْبِ أَنْ يَأْخُذَ الْبِطَانَةَ فَيَلْبَسُهَا لِأَنَّ الْبِطَانَةَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْخَيَّاطِ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِيهَا ثُمَّ إنْ كَانَتْ بِطَانَةُ صَاحِبِ الثَّوْبِ؛ حَلَّ لَهُ لُبْسُهَا، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَهَا فَقَدْ رَضِيَ الْخَيَّاطُ بِدَفْعِهَا إلَيْهِ بَدَلَ بِطَانَتِهِ؛ فَحَلَّ لَهُ لُبْسُهَا، وَرَوَى بِشْرٌ وَابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيمَنْ أَعْطَى حَمَّالًا مَتَاعًا لِيَحْمِلَهُ مِنْ مَوْضِعٍ بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ، فَحَمَلَهُ ثُمَّ اخْتَلَفَا، فَقَالَ رَبُّ الْمَتَاعِ: لَيْسَ هَذَا مَتَاعِي، وَقَالَ الْحَمَّالُ: هُوَ مَتَاعُكَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْحَمَّالِ مَعَ يَمِينِهِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَلَا يَلْزَمُ الْآمِرَ الْأَجْرُ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ، وَيَأْخُذَهُ؛ لِأَنَّ الْمَتَاعَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْحَمَّالِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، وَلَا يَلْزَمُ صَاحِبَ الْمَتَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَرِفْ بِاسْتِيفَاءِ الْمَنَافِعِ، فَإِنْ صَدَّقَهُ فَقَدْ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْأَجْرُ، قَالَ: وَالنَّوْعُ الْوَاحِدُ وَالنَّوْعَانِ فِي هَذَا سَوَاءٌ، إلَّا أَنَّهُ فِي النَّوْعِ الْوَاحِدِ أَفْحَشُ وَأَقْبَحُ يُرِيدُ بِهَذَا لَوْ حَمَّلَهُ طَعَامًا أَوْ زَيْتًا، وَقَالَ: الْأَجِيرُ هَذَا طَعَامُكَ بِعَيْنِهِ، وَقَالَ رَبُّ الطَّعَامِ: كَانَ طَعَامِي أَجْوَدَ مِنْ هَذَا، فَإِنَّ هَذَا يَفْحُشُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلَ رَبِّ الطَّعَامِ، وَيَبْطُلُ الْأَجْرُ، وَيَحْسُنُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْحَمَّالِ، وَيَأْخُذُ الْأَجْرَ إنْ كَانَ قَدْ حَمَلَهُ، فَأَمَّا إذَا كَانَا نَوْعَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ بِأَنْ جَاءَ بِشَعِيرٍ وَقَالَ رَبُّ الطَّعَامِ: كَانَ طَعَامِي حِنْطَةً فَلَا أَجْرَ لِلْحَمَّالِ حَتَّى يُصَدِّقَهُ وَيَأْخُذَهُ، وَإِنَّمَا قَالَ: يَقْبُحُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ يَمْلِكُ صَاحِبُ الطَّعَامِ أَنْ يَأْخُذَ الشَّعِيرَ عِوَضًا عَنْ طَعَامِهِ؛ لِأَنَّ الْحَمَّالَ قَدْ بَذَلَ لَهُ ذَلِكَ فَإِذَا أَخَذَ الْعِوَضَ سَلِمَتْ لَهُ الْمَنْفَعَةُ فَأَمَّا فِي النَّوْعَيْنِ فَلَا يَسَعُهُ أَنْ يَأْخُذَ النَّوْعَ الْآخَرَ إلَّا بِالتَّرَاضِي بِالْبَيْعِ، فَمَا لَمْ يُصَدِّقْهُ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ الْأَجْرَ، وَلَوْ اخْتَلَفَ الصَّانِعُ وَالْمُسْتَأْجِرُ فِي أَصْلِ الْأَجْرِ كَالنَّسَّاجِ وَالْقَصَّارِ، وَالْخَفَّافِ وَالصَّبَّاغِ فَقَالَ رَبُّ الثَّوْبِ وَالْخُفِّ: عَمِلْتَهُ لِي بِغَيْرِ شَرْطٍ، وَقَالَ الصَّانِعُ: لَا؛ بَلْ عَمِلْتُهُ بِأُجْرَةِ دِرْهَمٍ، أَوْ اخْتَلَفَ رَبُّ الدَّارِ مَعَ الْمُسْتَأْجِرِ فَقَالَ رَبُّ الدَّارِ: أَجَرْتُهَا مِنْك بِدِرْهَمٍ، وَقَالَ السَّاكِنُ بَلْ سَكَنْتهَا عَارِيَّةً، فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الثَّوْبِ، وَالْخُفِّ، وَسَاكِنِ الدَّارِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ مَعَ يَمِينِهِ، وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ كَانَ الرَّجُلُ حُرًّا ثِقَةً فَعَلَيْهِ الْأَجْرُ، وَإِلَّا فَلَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ كَانَ الرَّجُل انْتَصَبَ لِلْعَمَلِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ انْتَصَبَ لِلْعَمَلِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِهِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُمَا لَمْ يَشْتَرِطَا الْأَجْرَ لَكِنَّ الصَّانِعَ قَالَ: إنِّي إنَّمَا عَمِلْت بِالْأَجْرِ، وَقَالَ رَبُّ الثَّوْبِ: مَا شَرَطْت لَك شَيْئًا، فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا.
(وَجْهُ) قَوْلِهِمَا اعْتِبَارُ الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ فَإِنَّ انْتِصَابَهُ لِلْعَمَلِ، وَفَتْحَهُ الدُّكَّانَ لِذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَعْمَلُ إلَّا بِالْأُجْرَةِ، وَكَذَا إذَا كَانَ حَرِيفَهُ فَكَانَ الْعَقْدُ مَوْجُودًا دَلَالَةً، وَالثَّابِتُ دَلَالَةً كَالثَّابِتِ نَصًّا.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَنَافِعَ عَلَى أَصْلِنَا لَا تَتَقَوَّمُ إلَّا بِالْعَقْدِ، وَلَمْ يُوجَدْ، أَمَّا إذَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُمَا لَمْ يَشْتَرِطَا الْأَجْرَ فَظَاهِرٌ، وَكَذَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَثْبُتُ مَعَ الِاخْتِلَافِ لِلتَّعَارُضِ فَلَا تَجِبُ الْأُجْرَةُ، ثُمَّ إنْ كَانَ فِي الْمَصْنُوعِ عَيْنٌ قَائِمَةٌ لِلصَّانِعِ كَالصِّبْغِ الَّذِي يَزِيدُ، وَالنَّعْلِ يَغْرَمُ رَبُّ الثَّوْبِ وَالْخُفِّ لِلصَّانِعِ مَا زَادَ الصِّبْغُ وَالنَّعْلُ فِيهِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ دِرْهَمًا، وَإِلَّا فَلَا وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ.

.فَصْلٌ: بَيَانُ مَا يَنْتَهِي بِهِ عَقْدُ الْإِجَارَةِ:

وَأَمَّا بَيَانُ مَا يَنْتَهِي بِهِ عَقْدُ الْإِجَارَةِ فَعَقْدُ الْإِجَارَةِ يَنْتَهِي بِأَشْيَاءَ مِنْهَا الْإِقَالَةُ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ فَكَانَ مُحْتَمِلًا لِلْإِقَالَةِ كَالْبَيْعِ.
وَمِنْهَا مَوْتُ مَنْ وَقَعَ لَهُ الْإِجَارَةُ إلَّا لِعُذْرٍ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ كَبَيْعِ الْعَيْنِ، وَالْكَلَامُ فِيهِ عَلَى أَصْلٍ ذَكَرْنَاهُ فِي كَيْفِيَّةِ انْعِقَادِ هَذَا الْعَقْدِ، وَهُوَ أَنَّ الْإِجَارَةَ عِنْدَنَا تَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْمَنَافِعِ شَيْئًا فَشَيْئًا.
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمَا يَحْدُثُ مِنْ الْمَنَافِعِ فِي يَدِ الْوَارِثِ لَمْ يَمْلِكْهَا الْمُورَثُ لِعَدَمِهَا، وَالْمِلْكُ صِفَةُ الْمَوْجُودِ لَا الْمَعْدُومِ فَلَا يَمْلِكُهَا الْوَارِثُ، إذْ الْوَارِثُ إنَّمَا يَمْلِكُ مَا كَانَ عَلَى مِلْكِ الْمُورَثِ، فَمَا لَمْ يَمْلِكْهُ يَسْتَحِيلُ وِرَاثَتُهُ، بِخِلَافِ بَيْعِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ مِلْكٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ مَلَكَهُ الْمُورَثُ إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ، فَجَازَ أَنْ يَنْتَقِلَ مِنْهُ إلَى الْوَارِثِ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تُمْلَكُ إلَّا بِالْعَقْدِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا فِي يَدِ الْوَارِثِ لَمْ يُعْقَدْ عَلَيْهِ رَأْسًا؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ مَعْدُومَةً حَالَ حَيَاةِ الْمُورَثِ، وَالْوَارِثُ لَمْ يَعْقِدْ عَلَيْهَا فَلَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهَا لِلْوَارِثِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مَنَافِعُ الْمُدَّةِ تُجْعَلُ مَوْجُودَةً لِلْحَالِ كَأَنَّهَا أَعْيَانٌ قَائِمَةٌ، فَأَشْبَهَ بَيْعَ الْعَيْنِ، وَالْبَيْعُ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ، كَذَا الْإِجَارَةُ، وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ مَا إذَا أَجَرَ رَجُلَانِ دَارًا مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُ الْمُؤَاجِرَيْنِ أَنَّ الْإِجَارَةَ تَبْطُلُ فِي نَصِيبِهِ عِنْدَنَا، وَتَبْقَى فِي نَصِيبِ الْحَيِّ عَلَى حَالِهَا؛ لِأَنَّ هَذَا شُيُوعٌ طَارِئٌ، وَإِنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْعَقْدِ فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ لِمَا بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ، وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلَانِ مِنْ رَجُلٍ دَارًا فَمَاتَ أَحَدُ الْمُسْتَأْجِرِينَ فَإِنْ رَضِيَ الْوَارِثُ بِالْبَقَاءِ عَلَى الْعَقْدِ، وَرَضِيَ الْعَاقِدُ أَيْضًا جَازَ، وَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ عَقْدٍ مُبْتَدَإٍ، وَلَوْ مَاتَ الْوَكِيلُ بِالْعَقْدِ لَا تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَقَعْ لَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ عَاقِدٌ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ لِمَا قُلْنَا، وَكَذَا لَوْ مَاتَ أَبُو الصَّبِيِّ فِي اسْتِئْجَارِ الظِّئْرِ لَا تُنْقَضُ الْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ وَقَعَتْ لِلصَّبِيِّ وَالظِّئْرِ وَهُمَا قَائِمَانِ، وَلَوْ مَاتَ الظِّئْرُ اُنْتُقِضَتْ الْإِجَارَةُ وَكَذَا لَوْ مَاتَ الصَّبِيُّ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعْقُودٌ لَهُ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْإِجَارَةَ تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمَعْقُودِ لَهُ، وَلَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْعَاقِدِ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْعَقْدِ بَعْدَ مَوْتِ مَنْ وَقَعَ لَهُ الْعَقْدُ يُوجِبُ تَغْيِيرَ مُوجَبِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ مَنْ وَقَعَ لَهُ إنْ كَانَ هُوَ الْمُؤَاجِرَ فَالْعَقْدُ يَقْتَضِي اسْتِيفَاءَ الْمَنَافِعِ مِنْ مِلْكِهِ، وَلَوْ بَقَّيْنَاهُ بَعْدَ مَوْتِهِ لَاسْتُوْفِيَتْ الْمَنَافِعُ مِنْ مِلْكِ غَيْرِهِ، وَهَذَا خِلَافُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُسْتَأْجِرُ فَالْعَقْدُ يَقْتَضِي اسْتِحْقَاقَ الْأُجْرَةِ مِنْ مَالِهِ، وَلَوْ بَقَّيْنَا الْعَقْدَ بَعْدَ مَوْتِهِ لَاسْتُحِقَّتْ الْأُجْرَةُ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ، وَهَذَا خِلَافُ مُوجَبِ الْعَقْدِ، بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ مَنْ لَمْ يَقَعْ الْعَقْدُ لَهُ كَالْوَكِيلِ، وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ مِنْهُ لَا يَقَعُ مُقْتَضِيًا اسْتِحْقَاقَ الْمَنَافِعِ، وَلَا اسْتِحْقَاقَ الْأُجْرَةِ مِنْ مِلْكِهِ، فَإِبْقَاءُ الْعَقْدِ بَعْدَ مَوْتِهِ لَا يُوجِبُ تَغْيِيرَ مُوجَبِ الْعَقْدِ، وَكَذَلِكَ الْوَلِيُّ فِي الْوَقْفِ إذَا عَقَدَ ثُمَّ مَاتَ لَا تُنْتَقَضُ الْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَقَعْ لَهُ فَمَوْتُهُ لَا يُغَيِّرُ حُكْمَهُ.
وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى مَكَّةَ فَمَاتَ الْمُؤَاجِرُ فِي بَعْضِ الْمَفَازَةِ فَلَهُ أَنْ يَرْكَبَهَا أَوْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا إلَى مَكَّةَ أَوْ إلَى أَقْرَبِ الْأَمَاكِنِ مِنْ الْمِصْرِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِبُطْلَانِ الْإِجَارَةِ هاهنا يُؤَدِّي إلَى الضَّرَرِ بِالْمُسْتَأْجِرِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْرِيضِ مَالِهِ، وَنَفْسِهِ إلَى التَّلَفِ، فَجُعِلَ ذَلِكَ عُذْرًا فِي بَقَاءِ الْإِجَارَةِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ إنَّ الْإِجَارَةَ كَمَا تُفْسَخُ بِالْعُذْرِ تَبْقَى بِالْعُذْرِ.
وَقَالُوا فِيمَنْ اكْتَرَى إبِلًا إلَى مَكَّةَ ذَاهِبًا، وَجَائِيًا فَمَاتَ الْجَمَّالُ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ فَلِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَرْكَبَهَا إلَى مَكَّةَ أَوْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا، وَعَلَيْهِ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِانْفِسَاخِ الْإِجَارَةِ فِي الطَّرِيقِ إلْحَاقُ الضَّرَرِ بِالْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِدُ مَا يَحْمِلُهُ وَيَحْمِلُ قُمَاشَهُ، وَإِلْحَاقُ الضَّرَرِ بِالْوَرَثَةِ إذَا كَانُوا غُيَّبًا؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ تَفُوتُ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ، فَكَانَ فِي اسْتِيفَاءِ الْعَقْدِ نَظَرٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَإِذَا، وَصَلَ إلَى مَكَّةَ رَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي فَسْخِ الْإِجَارَةِ عِنْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَسْتَأْجِرَ مِنْ جَمَّالٍ آخَرَ، ثُمَّ يَنْظُرُ الْحَاكِمُ فِي الْأَصْلَحِ فَإِنْ رَأَى بَيْعَ الْجِمَالِ وَحِفْظَ الثَّمَنِ لِلْوَرَثَةِ أَصْلَحَ فَعَلَ ذَلِكَ، وَإِنْ رَأَى إمْضَاءَ الْإِجَارَةِ إلَى الْكُوفَةِ أَصْلَحَ فَعَلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ نُصِّبَ نَاظِرًا مُحْتَاطًا، وَقَدْ يَكُونُ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ أَحْوَطَ فَيَخْتَارُ ذَلِكَ، قَالُوا: وَالْأَفْضَلُ إذَا كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ ثِقَةً أَنْ يُمْضِيَ الْقَاضِي الْإِجَارَةَ، وَالْأَفْضَلُ إذَا كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ أَنْ يَفْسَخَهَا فَإِنْ فَسَخَهَا وَقَدْ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ عَجَّلَ الْأُجْرَةَ سَمِعَ الْقَاضِي بَيِّنَتَهُ عَلَيْهَا، وَقَضَاهُ مِنْ ثَمَنِهَا؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ إذَا انْفَسَخَتْ فَلِلْمُسْتَأْجِرِ إمْسَاكُ الْعَيْنِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ جَمِيعَ الْأُجْرَةِ، وَقَامَ الْقَاضِي مَقَامَ الْغَائِبِ فَنُصِّبَ لَهُ خَصْمًا، وَسَمِعَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ.
وَلَوْ مَاتَ أَحَدٌ مِمَّنْ وَقَعَ لَهُ عَقْدُ الْإِجَارَةِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، وَفِي الْأَرْضِ الْمُسْتَأْجَرَةِ زَرْعٌ لَمْ يُسْتَحْصَدْ يُتْرَكُ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ إلَى أَنْ يُسْتَحْصَدَ، وَيَكُونُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ عَلَى وَرَثَتِهِ مَا سُمِّيَ مِنْ الْأَجْرِ لِأَنَّ فِي الْحُكْمِ بِالِانْفِسَاخِ وَقَلْعِ الزَّرْعِ ضَرَرًا بِالْمُسْتَأْجِرِ، وَفِي الْإِبْقَاءِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ ضَرَرًا بِالْوَارِثِ، وَيُمْكِنُ تَوْفِيرُ الْحَقَّيْنِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ بِإِبْقَاءِ الزَّرْعِ إلَى أَنْ يُسْتَحْصَدَ بِالْأَجْرِ فَيَجِبُ الْقَوْلُ بِهِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ الْمُسَمَّى اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ أَجْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ انْفَسَخَ حَقِيقَةً بِالْمَوْتِ، وَإِنَّمَا بَقَّيْنَاهُ حُكْمًا، فَأَشْبَهَ شُبْهَةَ الْعَقْدِ، وَاسْتِيفَاءُ الْمَنَافِعِ بِشُبْهَةِ الْعَقْدِ تُوجِبُ أَجْرَ الْمِثْلِ، كَمَا لَوْ اسْتَوْفَاهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانُ أَنَّ التَّسْمِيَةَ تَنَاوَلَتْ هَذِهِ الْمُدَّةَ فَإِذَا مَسَّتْ الضَّرُورَةُ إلَى التَّرْكِ بِعِوَضٍ كَانَ إيجَابُ الْعِوَضِ الْمُسَمَّى أَوْلَى لِوُقُوعِ التَّرَاضِي، بِخِلَافِ التَّرْكِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ لَمْ تَتَنَاوَلْ مَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فَتَعَذَّرَ إيجَابُ الْمُسَمَّى فَوَجَبَ أَجْرُ الْمِثْلِ.
وَمِنْهَا هَلَاكُ الْمُسْتَأْجَرِ، وَالْمُسْتَأْجَرِ فِيهِ لِوُقُوعِ الْيَأْسِ عَنْ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بَعْدَ هَلَاكِهِ فَلَمْ يَكُنْ فِي بَقَاءِ الْعَقْدِ فَائِدَةٌ، حَتَّى لَوْ كَانَ الْمُسْتَأْجَرُ عَبْدًا أَوْ ثَوْبًا أَوْ حُلِيًّا أَوْ ظَرْفًا أَوْ دَابَّةً مُعَيَّنَةً فَهَلَكَ أَوْ هَلَكَ الثَّوْبُ الْمُسْتَأْجَرُ فِيهِ لِلْخِيَاطَةِ أَوْ لِلْقِصَارَةِ؛ بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ لِمَا قُلْنَا، وَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى دَوَابَّ بِغَيْرِ أَعْيَانِهَا فَسَلَّمَ إلَيْهِ دَوَابَّ فَقَبَضَهَا فَمَاتَتْ لَا تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ، وَعَلَى الْمُؤَاجِرِ أَنْ يَأْتِيَهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ هَلَكَ مَا لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ إذَا لَمْ تَكُنْ مُعَيَّنَةً فَالْعَقْدُ يَقَعُ عَلَى مَنَافِعَ فِي الذِّمَّةِ، وَإِنَّمَا تُسَلَّمُ الْعَيْنُ لِيُقِيمَ مَنَافِعَهَا مَقَامَ مَا فِي ذِمَّتِهِ، فَإِذَا هَلَكَ بَقِيَ مَا فِي الذِّمَّةِ بِحَالِهِ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُعَيِّنَ غَيْرَهَا، وَقَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَ إشَارَةِ الرِّوَايَاتِ فِي الدَّارِ إذَا انْهَدَمَ كُلُّهَا أَوْ انْقَطَعَ الْمَاءُ عَنْ الرَّحَى أَوْ الشُّرْبُ مِنْ الْأَرْضِ أَنَّ الْإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ أَوْ يَثْبُتُ حَقُّ الْفَسْخِ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَعَلَى هَذَا أَيْضًا يُخَرَّجُ مَوْتُ الظِّئْرِ أَنَّ الْإِجَارَةَ تَبْطُلُ بِهِ؛ لِأَنَّهَا مُسْتَأْجَرَةٌ.
وَمِنْهَا انْقِضَاءُ الْمُدَّةِ إلَّا لِعُذْرٍ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ إلَى غَايَةٍ يَنْتَهِي عِنْدَ وُجُودِ الْغَايَةِ فَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِانْتِهَاءِ الْمُدَّةِ، إلَّا إذَا كَانَ ثَمَّةَ عُذْرٌ بِأَنْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ وَفِي الْأَرْضِ زَرْعٌ لَمْ يُسْتَحْصَدْ فَإِنَّهُ يُتْرَكُ إلَى أَنْ يُسْتَحْصَدَ بِأَجْرِ الْمِثْلِ، بِخِلَافِ مَا إذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ وَفِي الْأَرْضِ رَطْبَةٌ أَوْ غَرْسٌ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْقَلْعِ؛ لِأَنَّ فِي تَرْكِ الزَّرْعِ إلَى أَنْ يُدْرِكَ مُرَاعَاةَ الْحَقَّيْنِ، وَالنَّظَرَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ؛ لِأَنَّ لِقَطْعِهِ غَايَةً مَعْلُومَةً، فَأَمَّا الرَّطْبَةُ فَلَيْسَ لِقَطْعِهَا غَايَةٌ مَعْلُومَةٌ فَلَوْ لَمْ تُقْطَعْ لَتَعَطَّلَتْ الْأَرْضُ عَلَى صَاحِبِهَا فَيَتَضَرَّرُ بِهِ، وَبِخِلَافِ الْغَاصِبِ إذَا زَرَعَ الْأَرْضَ الْمَغْصُوبَةَ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْقَلْعِ، وَلَا يُتْرَكُ إلَى وَقْتِ الْحَصَادِ بِأَجْرٍ؛ لِأَنَّ التَّرْكَ فِي الْإِجَارَةِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ نَظَرٌ لَهُ، وَهُوَ مُسْتَحِقٌّ لِلنَّظَرِ؛ لِأَنَّهُ زَرَعَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ فَأَمَّا الْغَاصِبُ فَظَالِمٌ مُتَعَدٍّ فِي الزَّرْعِ فَلَا يَسْتَحِقُّ النَّظَرَ بِالتَّرْكِ مَعَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَضَرَّ بِنَفْسِهِ حَيْثُ زَرَعَ أَرَاضِيَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَكَانَ مُضَافًا إلَيْهِ.
وَمِنْهَا عَجْزُ الْمُكَاتَبِ بَعْدَ مَا اسْتَأْجَرَ شَيْئًا أَنَّهُ يُوجِبُ بُطْلَانَ الْإِجَارَةِ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ اُسْتُحِقَّتْ مِنْ كَسْبِ الْمُكَاتَبِ، وَبِالْعَجْزِ يَبْطُلُ كَسْبُهُ فَتَبْطُلُ الْإِجَارَةُ إذْ لَا سَبِيلَ إلَى إيجَابِهَا مِنْ مَالِ الْمَوْلَى، فَإِنْ عَجَزَ بَعْدَ مَا اسْتَأْجَرَ فَالْإِجَارَةُ بَاقِيَةٌ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: تَبْطُلُ، وَالْكَلَامُ فِيهِ رَاجِعٌ إلَى أَصْلٍ نَذْكُرُهُ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ فِي كَيْفِيَّةِ مِلْكِ الْمَوْلَى كَسْبَ الْمُكَاتَبِ عِنْدَ عَجْزِهِ أَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كَسْبَ الْمُكَاتَبِ مَوْقُوفٌ مِلْكُهُ فِي الْحَقِيقَةِ عَلَى عَجْزِهِ أَوْ عِتْقِهِ، فَإِنْ عَجَزَ مَلَكَهُ الْمَوْلَى مِنْ الْأَصْلِ، وَإِنْ عَتَقَ مَلَكَهُ الْمُكَاتَبُ مِنْ الْأَصْلِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هُوَ مِلْكُ الْمُكَاتَبِ، ثُمَّ إذَا عَجَزَ انْتَقَلَ إلَى الْمَوْلَى كَمَا يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ مِنْ الْمَيِّتِ إلَى وَرَثَتِهِ بِالْمَوْتِ،، وَوَجْهُ الْبِنَاءِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ أَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَمَّا وَقَعَ الْمِلْكُ لِلْمَوْلَى فِي الْكَسْبِ مِنْ حِينِ وُجُودِهِ صَارَ كَأَنَّ الْإِجَارَةَ وُجِدَتْ مِنْ الْمَوْلَى فَلَا تُنْتَقَضُ بِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ، وَلَمَّا كَانَ الْمِلْكُ لِلْمَوْلَى فِيهِ مِنْ طَرِيقِ الِانْتِقَالِ مِنْ الْمُكَاتَبِ عِنْدَ عَجْزِهِ- عَلَى أَصْلِ مُحَمَّدٍ- صَارَ بِمَنْزِلَةِ انْتِقَالِ الْمِلْكِ مِنْ الْمَيِّت إلَى وَارِثِهِ عِنْدَ عَجْزِهِ، وَذَلِكَ يُوجِبُ انْتِقَاضَ الْإِجَارَةِ، كَذَا هَذَا، وَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمُكَاتَبِ إذَا وُهِبَتْ لَهُ هِبَةٌ ثُمَّ عَجَزَ أَنَّ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَرْجِعُ، وَسَنَذْكُرُهُ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ، وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ.