فصل: فَصْلٌ: الَّذِي يَرْجِعُ إلَى مُدَّةِ الْمُزَارَعَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (نسخة منقحة)



.فَصْلٌ: ِبَيَانُ أَنْوَاعِ الْمُزَارَعَةِ:

وَبَيَانُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ بِبَيَانِ أَنْوَاعِ الْمُزَارَعَةِ فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ: الْمُزَارَعَةُ أَنْوَاعٌ (مِنْهَا): أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ وَالْبَذْرُ وَالْبَقَرُ وَالْآلَةُ مِنْ جَانِبٍ، وَالْعَمَلُ مِنْ جَانِبٍ وَهَذَا جَائِزٌ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ يَصِيرُ مُسْتَأْجِرًا لِلْعَامِلِ لَا غَيْرُ لِيَعْمَلَ لَهُ فِي أَرْضِهِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ الَّذِي هُوَ نَمَاءُ مِلْكِهِ وَهُوَ الْبَذْرُ.
(وَمِنْهَا): أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ مِنْ جَانِبٍ، وَالْبَاقِي كُلُّهُ مِنْ جَانِبٍ، وَهَذَا أَيْضًا جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ يَصِيرُ مُسْتَأْجِرًا لِلْأَرْضِ لَا غَيْرُ بِبَعْضِ الْخَارِجِ الَّذِي هُوَ نَمَاءُ مِلْكِهِ وَهُوَ الْبَذْرُ.
(وَمِنْهَا): أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ وَالْبَذْرُ مِنْ جَانِبٍ وَالْبَقَرُ وَالْآلَةُ وَالْعَمَلُ مِنْ جَانِبٍ فَهَذَا أَيْضًا جَائِزٌ؛ لِأَنَّ هَذَا اسْتِئْجَارٌ لِلْعَامِلِ لَا غَيْرُ مَقْصُودًا فَأَمَّا الْبَذْرُ فَغَيْرُ مُسْتَأْجَرٍ مَقْصُودًا، وَلَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الْأُجْرَةِ بَلْ هِيَ تَوَابِعُ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَنْفَعَةُ الْعَامِلِ؛ لِأَنَّهُ آلَةٌ لِلْعَمَلِ فَلَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الْعَمَلِ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ خَيَّاطًا فَخَاطَ بِإِبْرَةِ نَفْسِهِ جَازَ وَلَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الْأُجْرَةِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ تَابِعًا لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَكَانَ جَارِيًا مَجْرَى الصِّفَةِ لِلْعَمَلِ كَانَ الْعَقْدُ عَقْدًا عَلَى عَمَلٍ جَيِّدٍ، وَالْأَوْصَافُ لَا قِسْطَ لَهَا مِنْ الْعِوَضِ فَأَمْكَنَ أَنْ تَنْعَقِدَ إجَارَةً ثُمَّ تَتِمَّ شَرِكَةً بَيْنَ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ وَبَيْنَ مَنْفَعَةِ الْعَامِلِ.
(وَمِنْهَا): أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ وَالْبَقَرُ مِنْ جَانِبٍ، وَالْبَذْرُ وَالْعَمَلُ مِنْ جَانِبٍ وَهَذَا لَا يَجُوزُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ.
(وَجْهُ) قَوْلِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَرْضُ وَالْبَذْرُ مِنْ جَانِبٍ، وَجُعِلَتْ مَنْفَعَةُ الْبَقَرِ تَابِعَةً لِمَنْفَعَةِ الْعَامِلِ فَكَذَا، إذَا كَانَ الْأَرْضُ وَالْبَقَرُ مِنْ جَانِبٍ يَجِبُ أَنْ يَجُوزَ، وَيُجْعَلَ مَنْفَعَةُ الْبَقَرِ تَابِعَةً لِمَنْفَعَةِ الْأَرْضِ.
(وَجْهُ) ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْعَامِلَ هُنَا يَصِيرُ مُسْتَأْجِرًا لِلْأَرْضِ وَالْبَقَرِ جَمِيعًا مَقْصُودًا بِبَعْضِ الْخَارِجِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَحْقِيقُ مَعْنَى التَّبَعِيَّةِ هُنَا؛ لِاخْتِلَافِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْبَقَرِ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ، فَبَقِيَتْ أَصْلًا بِنَفْسِهَا، فَكَانَ هَذَا اسْتِئْجَارَ الْبَقَرِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ أَصْلًا وَمَقْصُودًا، وَاسْتِئْجَارُ الْبَقَرِ مَقْصُودًا بِبَعْضِ الْخَارِجِ لَا يَجُوزُ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُزَارَعَةَ تَنْعَقِدُ إجَارَةً ثُمَّ تَتِمُّ شَرِكَةً، وَلَا يُتَصَوَّرُ انْعِقَادُ الشَّرِكَةِ بَيْنَ مَنْفَعَةِ الْبَقَرِ وَبَيْنَ مَنْفَعَةِ الْعَامِلِ بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ انْعِقَادُ الشَّرِكَةِ بَيْنَ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ وَمَنْفَعَةِ الْعَامِلِ وَالثَّانِي: أَنَّ جَوَازَ الْمُزَارَعَةِ ثَبَتَ بِالنَّصِّ مُخَالِفًا لِلْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ مَعْدُومَةٌ، وَهِيَ مَعَ انْعِدَامِهَا مَجْهُولَةٌ فَيَقْتَصِرُ جَوَازُهَا عَلَى الْمَحَلِّ الَّذِي وَرَدَ النَّصُّ فِيهِ، وَذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْآلَةُ تَابِعَةً، فَإِذَا جُعِلَتْ مَقْصُودَةً يُرَدُّ إلَى الْقِيَاسِ.
(وَمِنْهَا): أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ وَالْبَقَرُ مِنْ جَانِبٍ، وَالْأَرْضُ وَالْعَمَلُ مِنْ جَانِبٍ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْبَذْرِ يَصِيرُ مُسْتَأْجِرًا لِلْأَرْضِ وَالْعَامِلِ جَمِيعًا بِبَعْضِ الْخَارِجِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْمُزَارَعَةِ.
(وَمِنْهَا): أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِنْ جَانِبٍ، وَالْبَاقِي كُلُّهُ مِنْ جَانِبٍ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ أَيْضًا؛ لِمَا قُلْنَا وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي هَذَيْنِ الْفَصْلَيْنِ أَيْضًا أَنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ اسْتِئْجَارَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَائِزٌ عِنْدَ الِانْفِرَادِ فَكَذَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ (وَالْجَوَابُ): مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْجَوَازَ عَلَى مُخَالَفَةِ الْقِيَاسِ ثَبَتَ عِنْدَ الِانْفِرَادِ فَتَبْقَى حَالَةُ الِاجْتِمَاعِ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ، وَطَرِيقُ الْجَوَازِ فِي هَذَيْنِ الْفَصْلَيْنِ بِالِاتِّفَاقِ أَنْ يَأْخُذَ صَاحِبُ الْبَذْرِ الْأَرْضَ مُزَارَعَةً ثُمَّ يَسْتَعِيرَ مِنْ صَاحِبِهَا لِيَعْمَلَ لَهُ فَيَجُوزَ، وَالْخَارِجُ يَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ.
(وَمِنْهَا): أَنْ يَشْتَرِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَحَدِهِمْ الْأَرْضُ وَمِنْ الْآخَرِ الْبَقَرُ وَمِنْ الْآخَرِ الْبَذْرُ وَمِنْ الرَّابِعِ الْعَمَلُ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ؛ أَيْضًا لِمَا مَرَّ، وَفِي عَيْنِ هَذَا وَرَدَ الْخَبَرُ بِالْفَسَادِ، فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنَّ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ اشْتَرَكُوا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى هَذَا الْوَجْهَ فَأَبْطَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُزَارَعَتَهُمْ، وَعَلَى قِيَاسِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ.
(وَمِنْهَا): أَنْ يُشْتَرَطَ فِي عَقْدِ الْمُزَارَعَةِ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْبَذْرِ مِنْ قِبَلِ أَحَدِهِمَا، وَالْبَعْضُ مِنْ قِبَلِ الْآخَرِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَصِيرُ مُسْتَأْجِرًا صَاحِبَهُ فِي قَدْرِ بَذْرِهِ، فَيَجْتَمِعُ اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ وَالْعَمَلُ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ وَإِنَّهُ مُفْسِدٌ.
(وَمِنْهَا): أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ مِنْ جَانِبٍ، وَالْبَذْرُ وَالْبَقَرُ مِنْ جَانِبٍ دَفَعَ صَاحِبُ الْأَرْضِ أَرْضَهُ إلَيْهِ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا بِبَذْرِهِ وَبَقَرِهِ مَعَ هَذَا الرَّجُلِ الْآخَرِ عَلَى أَنَّ مَا خَرَجَ مِنْ شَيْءٍ فَثُلُثُهُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ، وَثُلُثَاهُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ وَالْبَقَرِ، وَثُلُثُهُ لِذَلِكَ الْعَامِلِ، وَهَذَا صَحِيحٌ فِي حَقِّ صَاحِبِ الْأَرْضِ، وَالْعَامِلُ الْأَوَّلُ فَاسِدٌ فِي حَقِّ الْعَامِلِ الثَّانِي، وَيَكُونُ ثُلُثُ الْخَارِجِ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ، وَثُلُثَاهُ لِلْعَامِلِ الْأَوَّلِ، وَلِلْعَامِلِ الثَّانِي أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَفْسُدَ الْمُزَارَعَةُ فِي حَقِّ الْكُلِّ لِأَنَّ صَاحِبَ الْبَذْرِ، وَهُوَ الْعَامِلُ الْأَوَّلُ جَمَعَ بَيْنَ اسْتِئْجَارِ الْأَرْضِ، وَالْعَامِلِ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ؛ لِكَوْنِهِ خِلَافَ مَوْرِدِ الشَّرْعِ بِالْمُزَارَعَةِ، وَمَعَ ذَلِكَ حُكِمَ بِصِحَّتِهَا فِي حَقِّ صَاحِبِ الْأَرْضِ وَالْعَامِلِ الْأَوَّلِ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِيمَا بَيْنَ صَاحِبِ الْأَرْضِ وَالْعَامِلِ الْأَوَّلِ وَقَعَ اسْتِئْجَارًا لِلْأَرْضِ لَا غَيْرُ وَإِنَّهُ صَحِيحٌ، وَفِيمَا بَيْنَ الْعَامِلَيْنِ وَقَعَ اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ وَالْعَامِلِ جَمِيعًا وَإِنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ الْوَاحِدُ لَهُ جِهَتَانِ: جِهَةُ الصِّحَّةِ وَجِهَةُ الْفَسَادِ خُصُوصًا فِي حَقِّ شَخْصَيْنِ، فَيَكُونُ صَحِيحًا فِي حَقِّ أَحَدِهِمَا فَاسِدًا فِي حَقِّ الْآخَرِ.
وَلَوْ كَانَ الْبَذْرُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ صَاحِبِ الْأَرْضِ صَحَّتْ الْمُزَارَعَةُ فِي حَقِّ الْكُلِّ، وَالْخَارِجُ بَيْنَهُمْ عَلَى الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يُعْتَبَرُ مُسْتَأْجِرًا لِلْعَامِلَيْنِ جَمِيعًا، وَالْجَمْعُ بَيْنَ اسْتِئْجَارِ الْعَامِلَيْنِ لَا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ، وَإِذَا صَحَّ الْعَقْدُ كَانَ الْخَارِجُ عَلَى الشَّرْطِ.

.فَصْلٌ: الَّذِي يَرْجِعُ إلَى آلَةِ الْمُزَارَعَةِ:

وَأَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى آلَةِ الْمُزَارَعَةِ فَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْبَقَرُ فِي الْعَقْدِ تَابِعًا، فَإِنْ جُعِلَ مَقْصُودًا فِي الْعَقْدِ تَفْسُدُ الْمُزَارَعَةُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الْفَصْلِ الْمُتَقَدِّمِ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ.

.فَصْلٌ: الَّذِي يَرْجِعُ إلَى مُدَّةِ الْمُزَارَعَةِ:

وَأَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى مُدَّةِ الْمُزَارَعَةِ فَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْمُدَّةُ مَعْلُومَةً، فَلَا تَصِحُّ الْمُزَارَعَةُ إلَّا بَعْدَ بَيَانِ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّهَا اسْتِئْجَارٌ بِبَعْضِ الْخَارِجِ، وَلَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ مَعَ جَهَالَةِ الْمُدَّةِ، وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ فِي الْمُعَامَلَةِ أَنْ لَا تَصِحَّ إلَّا بَعْدَ بَيَانِ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّهَا اسْتِئْجَارُ الْعَامِلِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ، فَكَانَتْ إجَارَةً بِمَنْزِلَةِ الْمُزَارَعَةِ إلَّا أَنَّهَا جَازَتْ فِي الِاسْتِحْسَانِ لِتَعَامُلِ النَّاسِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ الْمُدَّةِ، وَتَقَعُ عَلَى أَوَّلِ جُزْءٍ يَخْرُجُ مِنْ الثَّمَرَةِ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ؛ لِأَنَّ وَقْتَ ابْتِدَاءِ الْمُعَامَلَةِ مَعْلُومٌ (فَأَمَّا) وَقْتُ ابْتِدَاءِ الْمُزَارَعَةِ فَمُتَفَاوِتٌ حَتَّى إنَّهُ لَوْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَتَفَاوَتُ يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ الْمُدَّةِ، وَهُوَ عَلَى أَوَّلِ زَرْعٍ يَخْرُجُ كَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ أَنَّ بَيَانَ الْمُدَّةِ فِي دِيَارِنَا لَيْسَ بِشَرْطٍ، كَمَا فِي الْمُعَامَلَةِ.

.فَصْلٌ: الشَّرَائِطُ الْمُفْسِدَةُ لِلْمُزَارَعَةِ:

وَأَمَّا الشَّرَائِطُ الْمُفْسِدَةُ لِلْمُزَارَعَةِ فَأَنْوَاعٌ: وَقَدْ دَخَلَ بَعْضُهَا فِي بَيَانِ الشَّرَائِطِ الْمُصَحِّحَةِ (مِنْهَا): شَرْطُ كَوْنِ الْخَارِجِ لِأَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يَقْطَعُ الشَّرِكَةَ الَّتِي هِيَ مِنْ خَصَائِصِ الْعَقْدِ.
(وَمِنْهَا): شَرْطُ الْعَمَلِ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ التَّسْلِيمَ، وَهُوَ التَّخْلِيَةُ.
(وَمِنْهَا): شَرْطُ الْبَقَرِ؛ لِأَنَّ فِيهِ جَعْلَ مَنْفَعَةِ الْبَقَرِ مَعْقُودًا عَلَيْهَا مَقْصُودَةً فِي بَابِ الْمُزَارَعَةِ وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ.
(وَمِنْهَا) شَرْطُ الْعَمَلِ وَالْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ خِلَافُ مَوْرِدِ الشَّرْعِ الَّذِي هُوَ خِلَافُ الْقِيَاسِ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْفُصُولِ الْمُتَقَدِّمَةِ.
(وَمِنْهَا): شَرْطُ الْحَمْلِ وَالْحِفْظِ عَلَى الْمُزَارِعِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَمَلِ الْمُزَارَعَةِ.
(وَمِنْهَا): شَرْطُ الْحَصَادِ وَالرَّفْعِ إلَى الْبَيْدَرِ وَالدِّيَاسُ وَالتَّذْرِيَةُ؛ لِأَنَّ الزَّرْعَ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ؛ إذْ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ صَلَاحُهُ، وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ الزَّرْعُ قَبْلَ تَنَاهِيهِ وَإِدْرَاكِهِ وَجَفَافِهِ مِمَّا يَرْجِعُ إلَى إصْلَاحِهِ مِنْ السَّقْيِ وَالْحِفْظِ وَقَلْعِ الْحَشَاوَةِ وَحَفْرِ الْأَنْهَارِ وَتَسْوِيَةِ الْمُسَنَّاةِ وَنَحْوِهَا فَعَلَى الْمُزَارِعِ؛ لِأَنَّ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الزَّرْعِ، وَهُوَ النَّمَاءُ لَا يَحْصُلُ بِدُونِهِ عَادَةً، فَكَانَ مِنْ تَوَابِعِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَكَانَ مِنْ عَمَلِ الْمُزَارَعَةِ فَيَكُونُ عَلَى الْمُزَارِعِ، وَكُلُّ عَمَلٍ يَكُونُ بَعْدَ تَنَاهِي الزَّرْعِ وَإِدْرَاكِهِ وَجَفَافِهِ قَبْلَ قِسْمَةِ الْحَبِّ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِخُلُوصِ الْحَبِّ وَتَنْقِيَتِهِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى شَرْطِ الْخَارِجِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَمَلِ الْمُزَارَعَةِ؛ وَلِهَذَا قَالُوا: لَوْ دَفَعَ أَرْضًا مُزَارَعَةً، وَفِيهَا زَرْعٌ قَدْ اسْتَحْصَدَ لَا يَجُوزُ لِانْقِضَاءِ وَقْتِ عَمَلِ الْمُزَارَعَةِ؛ إذْ الْعَمَلُ فِيهِ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ مِمَّا لَا يُفِيدُهُ، وَكُلُّ عَمَلٍ يَكُونُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ مِنْ الْحَمْلِ إلَى الْبَيْتِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِإِحْرَازِ الْمَقْسُومِ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نَصِيبِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُؤْنَةُ مِلْكِهِ فَيَلْزَمُهُ دُونَ غَيْرِهِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ أَجَازَ شَرْطَ الْحَصَادِ وَرَفْعِ الْبَيْدَرِ وَالدِّيَاسِ وَالتَّذْرِيَةِ عَلَى الْمُزَارِعِ لِتَعَامُلِ النَّاسِ، وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا بِمَا وَرَاءَ النَّهْرِ يُفْتُونَ بِهِ أَيْضًا، وَهُوَ اخْتِيَارُ نُصَيْرِ بْنِ يَحْيَى وَمُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ مِنْ مَشَايِخِ خُرَاسَانَ وَالْجُذَاذُ فِي بَابِ الْمُعَامَلَةِ لَا يَلْزَمُ الْعَامِلَ بِلَا خِلَافٍ.
(أَمَّا) فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَلَا يُشْكِلُ.
وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ فَلِانْعِدَامِ التَّعَامُلِ فِيهِ.
وَلَوْ بَاعَ الزَّرْعَ قَصِيلًا فَاجْتَمَعَا عَلَى أَنْ يَقْصِلَاهُ كَانَ الْقَصْلُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي قَدْرِ شَرْطِ الْحَبِّ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ شَرْطِ الْحَصَادِ.
(وَمِنْهَا): شَرْطُ التِّبْنِ لِمَنْ لَا يَكُونُ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِهِ، وَجُمْلَتُهُ أَنَّ هَذَا لَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا أَنْ شَرَطَا أَنْ يَكُونَ التِّبْنُ بَيْنَهُمَا وَإِمَّا أَنْ سَكَتَا عَنْهُ وَإِمَّا أَنْ شَرَطَا أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، فَإِنْ شَرَطَا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا لَا شَكَّ أَنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُقَرَّرٌ، وَمُقْتَضَى الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الْخَارِجِ مِنْ الزَّرْعِ مِنْ مَعَانِي هَذَا الْعَقْدِ عَلَى مَا مَرَّ، وَإِنْ سَكَتَا عَنْهُ يَفْسُدُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ: لَا يَفْسُدُ، وَيَكُونُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ مِنْهُمَا ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ مُحَمَّدًا رَجَعَ إلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ.
(وَجْهُ) قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ مَا يَسْتَحِقُّهُ صَاحِبُ الْبَذْرِ يَسْتَحِقُّهُ بِبَذْرِهِ لَا بِالشَّرْطِ فَكَانَ شَرْطُ التِّبْنِ، وَالسُّكُوتُ عَنْهُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ.
(وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ: أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا- أَعْنِي الْحَبَّ وَالتِّبْنَ- مَقْصُودٌ مِنْ الْعَقْدِ فَكَانَ السُّكُوتُ عَنْ التِّبْنِ بِمَنْزِلَةِ السُّكُوتِ عَنْ الْحَبِّ، وَذَا مُفْسِدٌ بِالْإِجْمَاعِ فَكَذَا هَذَا، وَإِنْ شَرَطَا أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، فَإِنْ شَرْطَاهُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ جَازَ، وَيَكُونُ لَهُ، لِأَنَّ صَاحِبَ الْبَذْرِ يَسْتَحِقُّهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ؛ لِكَوْنِهِ نَمَاءَ مِلْكِهِ فَالشَّرْطُ لَا يَزِيدُهُ إلَّا تَأْكِيدًا، وَإِنْ شَرَطَاهُ لِمَنْ لَا بَذْرَ لَهُ فَسَدَتْ الْمُزَارَعَةُ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ صَاحِبِ الْبَذْرِ التِّبْنَ بِالْبَذْرِ لَا بِالشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ، وَنَمَاءُ مِلْكِ الْإِنْسَانِ مِلْكُهُ فَصَارَ شَرْطُ كَوْنِ التِّبْنِ لِمَنْ لَا بَذْرَ مِنْ قِبَلِهِ بِمَنْزِلَةِ شَرْطِ كَوْنِ الْحَبِّ لَهُ، وَذَا مُفْسِدٌ كَذَا هَذَا.
(وَمِنْهَا): أَنْ يَشْتَرِطَ صَاحِبُ الْأَرْضِ عَلَى الْمُزَارِعِ عَمَلًا يَبْقَى أَثَرُهُ وَمَنْفَعَتُهُ بَعْدَ مُدَّةٍ، فَالْمُزَارَعَةُ كَبِنَاءِ الْحَائِطِ والسرقند وَاسْتِحْدَاثِ حَفْرِ النَّهْرِ وَرَفْعِ الْمُسَنَّاةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَبْقَى أَثَرُهُ وَمَنْفَعَتُهُ إلَى مَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ.
وَأَمَّا الْكِرَابُ فَلَا يَخْلُو فِي الْأَصْلِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَمَّا إنْ شَرَطَاهُ فِي الْعَقْدِ وَأَمَّا إنْ سَكَتَا عَنْهُ، فَإِنْ سَكَتَا عَنْهُ هَلْ يَدْخُلُ تَحْتَ عَقْدِ الْمُزَارَعَةِ حَتَّى يُجْبَرَ الْمُزَارِعُ عَلَيْهِ لَوْ امْتَنَعَ أَوْ لَا؟ فَسَنَذْكُرُهُ فِي حُكْمِ الْمُزَارَعَةِ الصَّحِيحَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِنْ شَرَطَاهُ فِي الْعَقْدِ فَلَا يَخْلُو أَيْضًا مِنْ وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ شَرَطَاهُ مُطْلَقًا عَنْ صِفَةِ التَّثْنِيَةِ، وَإِمَّا أَنْ شَرَطَاهُ مُقَيَّدًا بِهَا، فَإِنْ شَرَطَاهُ مُطْلَقًا عَنْ الصِّفَةِ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ يُفْسِدُ الْعَقْدَ؛ لِأَنَّ أَثَرَهُ يَبْقَى إلَى مَا بَعْدَ الْمُدَّةِ وَقَالَ عَامَّتُهُمْ: لَا يُفْسِدُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْكِرَابَ بِدُونِ التَّثْنِيَةِ مِمَّا يُبْطِلُ السَّقْيَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَبْقَى لَهُ أَثَرٌ وَمَنْفَعَةٌ بَعْدَ الْمُدَّةِ فَلَمْ يَكُنْ شَرْطُهُ مُفْسِدًا لِلْعَقْدِ، وَإِنْ شَرَطَاهُ مَعَ التَّثْنِيَةِ فَسَدَتْ الْمُزَارَعَةُ؛ لِأَنَّ التَّثْنِيَةَ إمَّا أَنْ تَكُونَ عِبَارَةً عَنْ الْكِرَابِ مَرَّتَيْنِ: مَرَّةً لِلزِّرَاعَةِ وَمَرَّةً بَعْدَ الْحَصَادِ؛ لِيَرُدَّ الْأَرْضَ عَلَى صَاحِبِهَا مَكْرُوبَةً، وَهَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ لَا شَكَّ فِيهِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ شَرْطُ عَمَلٍ لَيْسَ هُوَ مِنْ عَمَلِ الْمُزَارَعَةِ؛ لِأَنَّ الْكِرَابَ بَعْدَ الْحَصَادِ لَيْسَ مِنْ عَمَلِ الْمُزَارَعَةِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عِبَارَةً عَنْ فِعْلِ الْكِرَابِ مَرَّتَيْنِ قَبْلَ الزِّرَاعَةِ، وَإِنَّهُ عَمَلٌ يَبْقَى أَثَرُهُ وَمَنْفَعَتُهُ إلَى مَا بَعْدَ الْمُدَّةِ، فَكَانَ مُفْسِدًا حَتَّى إنَّهُ لَوْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَبْقَى لَا يُفْسِدُ كَذَا قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا.
وَلَوْ دَفَعَ الْأَرْضَ مُزَارَعَةً عَلَى أَنَّهُ إنْ زَرَعَهَا بِغَيْرِ كِرَابٍ فَلِلْمُزَارِعِ الرُّبُعُ، وَإِنْ زَرَعَهَا بِكِرَابٍ فَلَهُ الثُّلُثُ، وَإِنْ كَرَبَهَا وَثَنَّاهَا فَلَهُ النِّصْفُ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى مَا شَرَطَا كَذَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ، وَهَذَا مُشْكِلٌ فِي شَرْطِ الْكِرَابِ مَعَ التَّثْنِيَةِ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُفْسِدٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يُفْسِدَهَا هَذَا الشَّرْطُ، وَإِذَا عَمِلَ يَكُونُ لَهُ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ، فَأَمَّا شَرْطُ الْكِرَابِ وَعَدَمُهُ فَصَحِيحٌ عَلَى الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُفْسِدٍ، وَبَعْضُهُمْ صَحَّحُوا جَوَابَ الْكِتَابِ، وَفَرَّقُوا بَيْنَ هَذَا الشَّرْطِ وَبَيْنَ شَرْطِ التَّثْنِيَةِ بِفَرْقٍ لَمْ يَتَّضِحْ، وَفَرَّعَ فِي الْأَصْلِ فَقَالَ: وَلَوْ زَرَعَ بَعْضَ الْأَرْضِ بِكِرَابٍ وَبَعْضَهَا بِغَيْرِ كَرَابٍ وَبَعْضَهَا بِثُنْيَانٍ فَهُوَ جَائِزٌ، وَالشَّرْطُ بَيْنَهُمَا فِي كُلِّ الْأَرْضِ نَافِذٌ عَلَى مَا شَرَطَا كَذَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ، وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ إنْ شَرَطَ التَّثْنِيَةَ فِي كُلِّ الْأَرْضِ عِنْدَ اخْتِيَارِهِ ذَلِكَ يَصِحُّ فِي الْبَعْضِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى.

.فَصْلٌ: بَيَانُ حُكْمِ الْمُزَارَعَةِ الصَّحِيحَةِ:

وَأَمَّا بَيَانُ حُكْمِ الْمُزَارَعَةِ الصَّحِيحَةِ عِنْدَ مَنْ يُجِيزُهَا فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ-: لِلْمُزَارَعَةِ الصَّحِيحَةِ أَحْكَامٌ: مِنْهَا: أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ مِنْ عَمَلِ الْمُزَارَعَةِ مِمَّا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِإِصْلَاحِهِ فَعَلَى الْمُزَارِعِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ تَنَاوَلَهُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ.
(وَمِنْهَا): أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ مِنْ بَابِ النَّفَقَةِ عَلَى الزَّرْعِ مِنْ السِّرْقِينِ وَقَلْعِ الْحَشَاوَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ فَعَلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ حَقِّهِمَا، وَكَذَلِكَ الْحَصَادُ وَالْحَمْلُ إلَى الْبَيْدَرِ وَالدِّيَاسُ وَتَذْرِيَتُهُ؛ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ عَمَلِ الْمُزَارَعَةِ حَتَّى يَخْتَصَّ بِهِ الْمُزَارِعُ.
(وَمِنْهَا): أَنْ يَكُونَ الْخَارِجُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ قَدْ صَحَّ فَيَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ».
(وَمِنْهَا): أَنَّهَا إذَا لَمْ تُخْرِجُ الْأَرْضُ شَيْئًا فَلَا شَيْءَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا أَجْرُ الْعَمَلِ وَلَا أَجْرُ الْأَرْضِ سَوَاءٌ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ أَوْ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ بِخِلَافِ الْمُزَارَعَةِ الْفَاسِدَةِ أَنَّهُ يَجِبُ فِيهَا أَجْرُ الْمِثْلِ، وَإِنْ لَمْ تُخْرِجْ الْأَرْضُ شَيْئًا، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْعَقْدِ الصَّحِيحِ هُوَ الْمُسَمَّى وَهُوَ بَعْضُ الْخَارِجِ، وَلَمْ يُوجَدْ الْخَارِجُ فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ، وَالْوَاجِبُ فِي الْمُزَارَعَةِ الْفَاسِدَةِ أَجْرُ مِثْلِ الْعَمَلِ فِي الذِّمَّةِ لَا فِي الْخَارِجِ، فَانْعِدَامُ الْخَارِجِ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَهُ فِي الذِّمَّةِ فَهُوَ الْفَرْقُ.
(وَمِنْهَا): أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ غَيْرُ لَازِمٍ فِي جَانِبِ صَاحِبِ الْبَذْرِ لَازِمٌ فِي جَانِبِ صَاحِبِهِ.
وَلَوْ امْتَنَعَ بَعْدَمَا عَقَدَ الْمُزَارَعَةَ عَلَى الصِّحَّةِ، وَقَالَ: لَا أُرِيدُ زِرَاعَةَ الْأَرْضِ لَهُ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ.
وَلَوْ امْتَنَعَ صَاحِبُهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا مِنْ عُذْرٍ، وَعَقْدُ الْمُعَامَلَةِ لَازِمٌ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَمْتَنِعَ إلَّا مِنْ عُذْرٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنَّ صَاحِبَ الْبَذْرِ لَا يُمْكِنُهُ الْمُضِيُّ فِي الْعَقْدِ إلَّا بِإِتْلَافِ مِلْكِهِ، وَهُوَ الْبَذْرُ؛ لِأَنَّ الْبَذْرَ يَهْلِكُ فِي التُّرَابِ فَلَا يَكُونُ الشُّرُوعُ فِيهِ مُلْزِمًا فِي حَقِّهِ؛ إذْ الْإِنْسَانُ لَا يُجْبَرُ عَلَى إتْلَافِ مِلْكِهِ وَلَا كَذَلِكَ مَنْ لَيْسَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِهِ وَالْمُعَامَلَاتُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي لُزُومِ الْمَعْنَى إيَّاهُمْ إتْلَافُ مِلْكِهِمْ، فَكَانَ الشُّرُوعُ فِي حَقِّهِمْ مُلْزِمًا، وَلَا يَنْفَسِخُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ كَمَا فِي سَائِرِ الْإِجَارَاتِ.
وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُزَارِعُ كَرَبَ الْأَرْضَ أَوْ لَمْ يَكْرُبْهَا؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى لَا يُوجِبُ الْفَصْلَ بَيْنَهُمَا، وَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ فِي عَمَلِ الْكِرَابِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي حُكْمِ الْمُزَارَعَةِ الْمُنْفَسِخَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمِنْهَا: وِلَايَةُ جَبْرِ الْمُزَارِعِ عَلَى الْكِرَابِ وَعَدَمُهَا، وَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ شَرَطَا الْكِرَابَ فِي الْعَقْدِ وَإِمَّا أَنْ سَكَتَا عَنْ شَرْطِهِ فَإِنْ شَرْطَاهُ يُجْبَرُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ شَرْطٌ صَحِيحٌ فَيَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَإِنْ سَكَتَا عَنْهُ يُنْظَرُ إنْ كَانَتْ الْأَرْضُ مِمَّا يُخْرِجُ الزَّرْعَ بِدُونِ الْكِرَابِ زَرْعًا مُعْتَادًا يُقْصَدُ مِثْلُهُ فِي عُرْفِ النَّاسِ لَا يُجْبَرُ الْمُزَارِعُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا لَا يُخْرِجُ أَصْلًا أَوْ يُخْرِجُ، وَلَكِنْ شَيْئًا قَلِيلًا لَا يُقْصَدُ مِثْلُهُ بِالْعَمَلِ يُجْبَرُ عَلَى الْكِرَابِ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ عَقْدِ الْمُزَارَعَةِ يَقَعُ عَلَى الزِّرَاعَةِ الْمُعْتَادَةِ، وَعَلَى هَذَا إذَا امْتَنَعَ الْمُزَارِعُ عَنْ السَّقْيِ، وَقَالَ: اُدْعُهَا حَتَّى تَسْقِيَهَا السَّمَاءُ فَهُوَ عَلَى قِيَاسِ هَذَا التَّفْصِيلِ أَنَّهُ إنْ كَانَ الزَّرْعُ مِمَّا يَكْتَفِي بِمَاءِ السَّمَاءِ، وَيُخْرِجُ زَرْعًا مُعْتَادًا بِدُونِهِ لَا يُجْبَرُ عَلَى السَّقْيِ، وَإِنْ كَانَ مَعَ السَّقْيِ أَجْوَدَ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَكْتَفِي بِهِ يُجْبَرُ عَلَى السَّقْيِ؛ لِمَا قُلْنَا.
(وَمِنْهَا): جَوَازُ الزِّيَادَةِ عَلَى الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ مِنْ الْخَارِجِ وَالْحَطِّ عَنْهُ وَعَدَمُ الْجَوَازِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ مَا احْتَمَلَ إنْشَاءَ الْعَقْدِ عَلَيْهِ احْتَمَلَ الزِّيَادَةَ، وَمَا لَا فَلَا، وَالْحَطُّ جَائِزٌ فِي الْحَالَيْنِ جَمِيعًا كَمَا فِي الزِّيَادَةِ فِي الثَّمَنِ فِي بَابِ الْبَيْعِ إذَا عُرِفَ هَذَا فَنَقُولُ: الزِّيَادَةُ وَالْحَطُّ فِي الْمُزَارَعَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمُزَارِعِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ صَاحِبِ الْأَرْضِ وَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْمَزَارِعِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ صَاحِبِ الْأَرْضِ بَعْدَ مَا اسْتَحْصَدَ الزَّرْعُ أَوْ قَبْلَ أَنْ يَسْتَحْصِدَ، فَإِنْ كَانَ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتَحْصَدَ، وَالْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ، وَكَانَتْ الْمُزَارَعَةُ عَلَى النِّصْفِ مَثَلًا فَزَادَ الْمَزَارِعُ صَاحِبَ الْأَرْضِ السُّدُسَ فِي حِصَّتِهِ، وَجَعَلَ لَهُ الثُّلُثَيْنِ، وَرَضِيَ بِهِ صَاحِبُ الْأَرْضِ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ، وَالْخَارِجُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ نِصْفَانِ، وَإِنْ زَادَ صَاحِبُ الْأَرْضِ الْمَزَارِعَ السُّدُسَ فِي حِصَّتِهِ وَتَرَاضَيَا فَالزِّيَادَةُ جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ زِيَادَةٌ عَلَى الْأُجْرَةِ بَعْدَ انْتِهَاءِ عَمَلِ الْمُزَارَعَةِ بِاسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمَنْفَعَةُ- وَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ أَنْشَآ الْعَقْدَ بَعْدَ الْحَصَادِ لَا يَجُوزُ فَكَذَلِكَ الزِّيَادَةُ-، وَالثَّانِيَ حَطٌّ مِنْ الْأُجْرَةِ وَإِنَّهُ لَا يَسْتَدْعِي قِيَامَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَمَا فِي بَابِ الْبَيْعِ، هَذَا إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ فَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الْأَرْضِ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ زَادَ الْمُزَارِعُ جَازَ؛ لِمَا قُلْنَا، هَذَا إذَا زَادَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ مَا اسْتَحْصَدَ الزَّرْعَ فَإِنْ زَادَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَحْصِدَ جَازَ أَيُّهُمَا كَانَ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ يَحْتَمِلُ إنْشَاءَ الْعَقْدِ فَيَحْتَمِلُ الزِّيَادَةَ أَيْضًا بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ.

.فَصْلٌ: حُكْمُ الْمُزَارَعَةِ الْفَاسِدَةِ:

وَأَمَّا حُكْمُ الْمُزَارَعَةِ الْفَاسِدَةِ فَأَنْوَاعٌ: (مِنْهَا): أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُزَارِعِ شَيْءٌ مِنْ أَعْمَالِ الْمُزَارَعَةِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ بِالْعَقْدِ وَلَمْ يَصِحَّ وَ(مِنْهَا): أَنَّ الْخَارِجَ يَكُونُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ سَوَاءٌ كَانَ رَبَّ الْأَرْضِ أَوْ الْمُزَارِعَ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ صَاحِبِ الْبَذْرِ الْخَارِجَ لِكَوْنِهِ نَمَاءَ مِلْكِهِ لَا بِالشَّرْطِ لِوُقُوعِ الِاسْتِغْنَاءِ بِالْمِلْكِ عَنْ الشَّرْطِ، وَاسْتِحْقَاقُ الْأَجْرِ الْخَارِجِ بِالشَّرْطِ وَهُوَ الْعَقْدُ فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ اسْتَحَقَّهُ صَاحِبُ الْمِلْكِ وَلَا يَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ.
(وَمِنْهَا): أَنَّ الْبَذْرَ إذَا كَانَ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الْأَرْضِ كَانَ لِلْعَامِلِ عَلَيْهِ أَجْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْبَذْرَ إذَا كَانَ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الْأَرْضِ كَانَ هُوَ مُسْتَأْجِرًا لِلْعَامِلِ فَإِذَا فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ وَجَبَ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ، وَإِذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ كَانَ عَلَيْهِ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَجْرُ مِثْلِ أَرْضِهِ؛ لِأَنَّ الْبَذْرَ إذَا كَانَ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ يَكُونُ هُوَ مُسْتَأْجِرًا لِلْأَرْضِ، فَإِذَا فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ أَرْضِهِ.
(وَمِنْهَا): أَنَّ الْبَذْرَ إذَا كَانَ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الْأَرْضِ وَاسْتَحَقَّ الْخَارِجَ وَغَرِمَ لِلْعَامِلِ أَجْرَ مِثْلِ عَمَلِهِ فَالْخَارِجُ كُلُّهُ لَهُ طَيِّبٌ؛ لِأَنَّهُ حَاصِلٌ مِنْ مِلْكِهِ وَهُوَ الْبَذْرُ فِي مِلْكِهِ وَهُوَ الْأَرْضُ، وَإِذَا كَانَ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ وَاسْتَحَقَّ الْخَارِجَ وَغَرِمَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَجْرَ مِثْلِ أَرْضِهِ فَالْخَارِجُ كُلُّهُ لَا يَطِيبُ لَهُ بَلْ يَأْخُذُ مِنْ الزَّرْعِ قَدْرَ بَذْرِهِ وَقَدْرَ أَجْرِ مِثْلِ الْأَرْضِ وَيَطِيبُ ذَلِكَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ سُلِّمَ لَهُ بِعِوَضٍ وَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ تَوَلَّدَ مِنْ بَذْرِهِ لَكِنْ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ، فَتَمَكَّنَتْ فِيهِ شُبْهَةُ الْخُبْثِ فَكَانَ سَبِيلُهُ التَّصَدُّقَ.
(وَمِنْهَا): أَنَّ أَجْرَ الْمِثْلِ لَا يَجِبُ فِي الْمُزَارَعَةِ الْفَاسِدَةِ مَا لَمْ يُوجَدْ اسْتِعْمَالُ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ الْمُزَارَعَةَ عَقْدُ إجَارَةٍ وَالْأُجْرَةُ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ لَا تَجِبُ إلَّا بِحَقِيقَةِ الِاسْتِعْمَالِ، وَلَا تَجِبُ بِالتَّخْلِيَةِ لِانْعِدَامِ التَّخْلِيَةِ فِيهَا حَقِيقَةً؛ إذْ هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ رَفْعِ الْمَوَانِعِ وَالتَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ حَقِيقَةً وَشَرْعًا، وَلَمْ يُوجَدْ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْإِجَارَاتِ.
(وَمِنْهَا): أَنَّ أَجْرَ الْمِثْلِ يَجِبُ فِي الْمُزَارَعَةِ الْفَاسِدَةِ، وَإِنْ لَمْ تُخْرِجْ الْأَرْضُ شَيْئًا بَعْدَ أَنْ اسْتَعْمَلَهَا الْمُزَارِعُ، وَفِي الْمُزَارَعَةِ الصَّحِيحَةِ إذَا لَمْ تُخْرِجْ شَيْئًا لَا يَجِبُ شَيْءٌ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَقَدْ مَرَّ الْفَرْقُ فِيمَا تَقَدَّمَ.
(وَمِنْهَا): أَنَّ أَجْرَ الْمِثْلِ فِي الْمُزَارَعَةِ الْفَاسِدَةِ يَجِبُ مُقَدَّرًا بِالْمُسَمَّى عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ: يَجِبُ تَامًّا، وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْأُجْرَةُ وَهُوَ حِصَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسَمَّاةً فِي الْعَقْدِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ تَامًّا بِالْإِجْمَاعِ.
(وَجْهُ) قَوْلِ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ- أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْإِجَارَةِ وُجُوبُ أَجْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، وَهُوَ تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ بِعِوَضٍ وَمَبْنَى الْمُعَاوَضَاتِ عَلَى الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْبَدَلَيْنِ، وَذَلِكَ فِي وُجُوبِ أَجْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ الْمِثْلُ الْمُمْكِنُ فِي الْبَابِ؛ إذْ هُوَ قَدْرُ قِيمَةِ الْمَنَافِعِ الْمُسْتَوْفَاةِ إلَّا أَنَّ فِيهِ ضَرْبَ جَهَالَةٍ، وَجَهَالَةُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ فلابد مِنْ تَسْمِيَةِ الْبَدَلِ تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ فَوَجَبَ الْمُسَمَّى عَلَى قَدْرِ قِيمَةِ الْمَنَافِعِ أَيْضًا، فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ لِفَوَاتِ شَرْطٍ مِنْ شَرَائِطِهِ وَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى الْبَدَلِ الْأَصْلِيِّ لِلْمَنَافِعِ وَهُوَ أَجْرُ الْمِثْلِ؛ وَلِهَذَا إذَا لَمْ يُسَمِّ الْبَدَلَ أَصْلًا فِي الْعَقْدِ وَجَبَ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ.
(وَجْهُ)
قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ: أَنَّ الْأَصْلَ مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ وَهُوَ: وُجُوبُ أَجْرِ الْمِثْلِ بَدَلًا عَنْ الْمَنَافِعِ قِيمَةً لَهَا؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمِثْلُ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ لَكِنْ مُقَدَّرًا بِالْمُسَمَّى؛ لِأَنَّهُ كَمَا يَجِبُ اعْتِبَارُ الْمُمَاثَلَةِ فِي الْبَدَلِ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ يَجِبُ اعْتِبَارُ التَّسْمِيَةِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ تَصَرُّفِ الْعَاقِلِ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ، وَأَمْكَنَ ذَلِكَ بِتَقْدِيرِ أَجْرِ الْمِثْلِ بِالْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ مَا رَضِيَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْمُسَمَّى، وَالْآجِرُ مَا رَضِيَ بِالنُّقْصَانِ عَنْهُ فَكَانَ اعْتِبَارُ الْمُسَمَّى فِي تَقْدِيرِ أَجْرِ الْمِثْلِ بِهِ عَمَلًا بِالدَّلِيلَيْنِ وَرِعَايَةً لِلْجَانِبَيْنِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ فَكَانَ أَوْلَى بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْبَدَلُ مُسَمًّى فِي الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ إذَا لَمْ يَكُنْ مُسَمًّى أَصْلًا لَا حَاجَةَ إلَى اعْتِبَارِ التَّسْمِيَةِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُ أَجْرِ الْمِثْلِ فَهُوَ الْفَرْقُ.