فصل: فَصْلٌ: الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْمَسْرُوقِ فِيهِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (نسخة منقحة)



.فَصْلٌ: الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ:

وَأَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ فَهُوَ أَنْ يَكُونَ لَهُ يَدٌ صَحِيحَةٌ، وَهُوَ يَدُ الْمِلْكِ، أَوْ يَدُ الْأَمَانَةِ كَيَدِ الْمُودِعِ، وَالْمُسْتَعِيرِ، وَالْمُضَارِبِ، وَالْمُبْضِعِ، أَوْ يَدُ الضَّمَانِ كَيَدِ الْغَاصِبِ، وَالْقَابِضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ، وَالْمُرْتَهِنِ فَيَجِبُ الْقَطْعُ عَلَى السَّارِقِ مِنْ هَؤُلَاءِ، أَمَّا مِنْ الْمَالِكِ فَلَا شَكَّ فِيهِ، وَكَذَا مِنْ أَمِينِهِ؛ لِأَنَّ يَدَ أَمِينِهِ يَدُهُ فَالْأَخْذُ مِنْهُ كَالْأَخْذِ مِنْ الْمَالِكِ، فَأَمَّا مِنْ الْغَاصِبِ فَإِنَّ مَنْفَعَةَ يَدَهُ عَائِدَةً إلَى الْمَالِكِ إذْ بِهَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الرَّدِّ عَلَى الْمَالِكِ؛ لِيَخْرُجَ عَنْ الْعُهْدَةِ، فَكَانَتْ يَدُهُ يَدَ الْمَالِكِ مِنْ وَجْهٍ، وَلِأَنَّ الْمَغْصُوبَ مَضْمُونٌ عَلَى الْغَاصِبِ.
وَضَمَانُ الْغَصْبِ عِنْدَنَا ضَمَانُ مِلْكٍ فَأَشْبَهَ يَدَ الْمُشْتَرِي، وَالْمَقْبُوضُ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ مَضْمُونٌ عَلَى الْقَابِضِ، وَالْمَرْهُونُ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِالدَّيْنِ؛ فَيَجِبُ الْقَطْعُ عَلَى السَّارِقِ مِنْهُمْ، وَهَلْ يَسْتَوْفِي بِخُصُومَتِهِمْ حَالَ غِيبَةِ الْمَالِكِ؟ فِيهِ خِلَافٌ نَذْكُرُهُ- إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى- وَلَا يَجِبُ الْقَطْعُ عَلَى السَّارِقِ مِنْ السَّارِقِ؛ لِأَنَّ يَدَ السَّارِقِ لَيْسَتْ بِيَدٍ صَحِيحَةٍ إذْ لَيْسَتْ يَدَ مِلْكٍ، وَلَا يَدَ أَمَانَةٍ، وَلَا يَدَ ضَمَانٍ، فَكَانَ الْأَخْذُ مِنْهُ كَالْأَخْذِ مِنْ الطَّرِيقِ، وَإِنْ كَانَ الْقَطْعُ دُرِئَ عَنْ الْأَوَّلِ قُطِعَ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ إذَا دُرِئَ عَنْهُ الْقَطْعُ صَارَتْ يَدُهُ يَدَ ضَمَانٍ، وَيَدُ الضَّمَانِ يَدٌ صَحِيحَةٌ كَيَدِ الْغَاصِبِ، وَنَحْوِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى عَزَّ شَأْنُهُ أَعْلَمُ.

.فَصْلٌ: الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْمَسْرُوقِ فِيهِ:

وَأَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْمَسْرُوقِ فِيهِ، وَهُوَ الْمَكَانُ فَهُوَ أَنْ تَكُونَ السَّرِقَةُ فِي دَارِ الْعَدْلِ فَلَا يُقْطَعُ بِالسَّرِقَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَدَارِ الْبَغْيِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَ لِلْإِمَامِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَلَا عَلَى دَارِ الْبَغْيِ، فَالسَّرِقَةُ الْمَوْجُودَةُ فِيهِمَا لَا تَنْعَقِدُ سَبَبًا لِوُجُوبِ الْقَطْعِ، وَبَيَانُ هَذَا فِي مَسَائِلِ التُّجَّارِ، أَوْ الْأَسَارَى مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي دَارِ الْحَرْبِ إذَا سَرَقَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، ثُمَّ خَرَجُوا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَأَخَذَ السَّارِقُ لَا يَقْطَعُهُ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَ لِلْإِمَامِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَالسَّرِقَةُ الْمَوْجُودَةُ فِيهِمَا لَمْ تَنْعَقِدْ سَبَبًا لِوُجُوبِ الْقَطْعِ، فَلَا تَسْتَوْفِي فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَكَذَلِكَ التُّجَّارُ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ فِي مُعَسْكَرِ أَهْلِ الْبَغْيِ، أَوْ الْأَسَارَى فِي أَيْدِيهِمْ إذَا سَرَقَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ.
ثُمَّ خَرَجُوا إلَى أَهْلِ الْعَدْلِ فَأَخَذَ السَّارِقُ لَمْ يَقْطَعْهُ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّ السَّرِقَةَ وُجِدَتْ فِي مَوْضِعٍ لَا يَدَ لِلْإِمَامِ عَلَيْهِ فَأَشْبَهَتْ السَّرِقَةَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَكَذَلِكَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ جَاءَ لِلْإِمَامِ تَائِبًا، وَقَدْ سَرَقَ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ لَمْ يَقْطَعْهُ؛ لِمَا قُلْنَا، وَكَذَلِكَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ أَغَارَ عَلَى مُعَسْكَرِ أَهْلِ الْبَغْيِ فَسَرَقَ مِنْهُمْ لَمْ يَقْطَعْهُ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّ السَّرِقَةَ لَمْ تَنْعَقِدْ مُوجِبَةً لِلْقَطْعِ لِعَدَمِ وَلَايَةِ الِاسْتِيفَاءِ فِيهِ؛ وَلِأَنَّهُ أَخَذَ عَنْ تَأْوِيلٍ؛ لِأَنَّ لِأَهْلِ الْعَدْلِ أَنْ يَأْخُذُوا أَمْوَالَ أَهْلِ الْبَغْيِ، وَيَحْبِسُونَهَا عِنْدَهُمْ حَتَّى يَتُوبُوا، فَكَانَ فِي الْعِصْمَةِ شُبْهَةُ الْعَدَمِ، وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ إذَا سَرَقَ مِنْ مُعَسْكَرِ أَهْلِ الْعَدْلِ، وَعَادَ إلَى مُعَسْكَرِهِ، ثُمَّ أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُقْطَعْ؛ لِأَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ إبَاحَةَ أَمْوَالِنَا، وَلَهُمْ مَنَعَةٌ، فَكَانَ أَخْذُهُ عَنْ تَأْوِيلٍ فَلَا يُقْطَعُ بِالسَّرِقَةِ كَمَا لَا يَضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ سَرَقَ مِنْ إنْسَانٍ مَالًا، وَهُوَ يَشْهَدُ عَلَيْهِ بِالْكُفْرِ، وَيَسْتَحِلُّ دَمَهُ، وَمَالَهُ يُقْطَعُ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ اعْتِقَادِ الْإِبَاحَةِ لَا عِبْرَةَ بِهِ، وَلِأَنَّا لَوْ اعْتَبَرْنَا ذَلِكَ لَأَدَّى إلَى سَدِّ بَابِ الْحَدِّ لِأَنَّ كُلَّ سَارِقٍ لَا يَعْجِزُ عَنْ إظْهَارِ ذَلِكَ فَيَسْقُطَ الْقَطْعُ عَنْ نَفْسِهِ، وَهَذَا قَبِيحٌ فَمَا يُؤَدِّي إلَيْهِ مِثْلُهُ.

.فَصْلٌ: بَيَانُ مَا تَظْهَرُ بِهِ السَّرِقَةُ عِنْدَ الْقَاضِي:

وَأَمَّا بَيَانُ مَا تَظْهَرُ بِهِ السَّرِقَةُ عِنْدَ الْقَاضِي فَنَقُولُ:- وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ- السَّرِقَةُ الْمُوجِبَةُ لِلْقَطْعِ عِنْدَ الْقَاضِي تَظْهَرُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الْبَيِّنَةُ، وَالثَّانِي: الْإِقْرَارُ.
أَمَّا الْبَيِّنَةُ فَتَظْهَرُ بِهَا السَّرِقَةُ إذَا اُسْتُجْمِعَتْ شَرَائِطُهَا؛ لِأَنَّهَا خَبَرٌ يُرَجَّحُ فِيهِ جَنَبَةُ الصِّدْقِ عَلَى جَنَبَةِ الْكَذِبِ فَيَظْهَرُ الْمُخْبَرُ بِهِ، وَشَرَائِطُ قَبُولِ الْبَيِّنَةِ فِي بَابِ السَّرِقَةِ بَعْضُهَا يَعُمُّ الْبَيِّنَاتِ كُلَّهَا، قَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ، وَبَعْضُهَا يَخُصُّ أَبْوَابَ الْحُدُودِ، وَالْقِصَاصِ، وَهُوَ الذُّكُورَةُ، وَالْعَدَالَةُ، وَالْأَصَالَةُ فَلَا تُقْبَلُ فِيهَا شَهَادَةُ النِّسَاءِ، وَلَا شَهَادَةُ الْفُسَّاقِ، وَلَا الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ فِي شَهَادَةِ هَؤُلَاءِ زِيَادَةَ شُبْهَةٍ، لَا ضَرُورَةَ إلَى تَحَمُّلِهَا فِيمَا يُحْتَالُ لِدَفْعِهِ، وَيُحْتَاطُ لِدَرْئِهِ، وَكَذَا عَدَمُ تَقَادُمِ الْعَهْدِ إلَّا فِي حَدِّ الْقَذْفِ، وَالْقِصَاصِ حَتَّى لَوْ شَهِدُوا بِالسَّرِقَةِ بَعْد حِينٍ لَمْ تُقْبَلْ وَلَا يُقْطَعُ، وَيَضْمَنُ الْمَالَ، وَالْأَصْلُ أَنَّ التَّقَادُمَ يُبْطِلُ الشَّهَادَةَ عَلَى الْحُدُودِ الْخَالِصَةِ، وَلَا يُبْطِلُهَا عَلَى حَدِّ الْقَذْفِ، وَلَا يُبْطِلُ الْإِقْرَارَ أَيْضًا.
وَالْفَرْقُ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ، وَإِنَّمَا ضَمِنَ الْمَالَ؛ لِأَنَّ التَّقَادُمَ إنَّمَا يَمْنَعُ مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَى الْحُدُودِ الْخَالِصَةِ لِلشُّبْهَةِ، وَالشُّبْهَةُ تَمْنَعُ وُجُوبَ الْحَدِّ، وَلَا تَمْنَعُ وُجُوبَ الْمَالِ، وَبَعْضُهَا يَخُصُّ أَرْبَابَ الْأَمْوَالِ وَالْحُقُوقِ، وَهُوَ الْخُصُومَةُ، وَالدَّعْوَى مِمَّنْ لَهُ يَدٌ صَحِيحَةٌ، حَتَّى لَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ سَرَقَ مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ مَا لَمْ يَحْضُرْ الْمَسْرُوقُ، مِنْهُ وَيُخَاصِمُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ كَوْنَ الْمَسْرُوقِ مِلْكًا لِغَيْرِ السَّارِقِ شَرْطٌ لِكَوْنِ الْفِعْلِ سَرِقَةً وَلَا يَظْهَرُ ذَلِكَ إلَّا بِالْخُصُومَةِ فَإِذَا لَمْ تُوجَدْ الْخُصُومَةُ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ، وَلَكِنْ يُحْبَسُ السَّارِقُ؛ لِأَنَّ إخْبَارَهُمْ أَوْرَثَ تُهْمَةً، وَيَجُوزُ الْحَبْسُ بِالتُّهْمَةِ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «حَبَسَ رَجُلًا بِالتُّهْمَةِ» وَهَلْ يُشْتَرَطُ حُضُورُ الْمَوْلَى لِقَبُولِ الْبَيِّنَةِ الْقَائِمَةِ عَلَى سَرِقَةِ عَبْدِهِ مَالَ إنْسَانٍ، وَالْعَبْدُ يَجْحَدُ اُخْتُلِفَ فِيهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ- عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ-: يُشْتَرَطُ حَتَّى لَوْ كَانَ مَوْلَاهُ غَائِبًا لَمْ تُقْبَلْ الْبَيِّنَةُ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- رِوَايَةً أُخْرَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ، وَيُقْضَى عَلَيْهِ بِالْقَطْعِ، وَإِنْ كَانَ مَوْلَاهُ غَائِبًا.
(وَجْهُ) هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْقَطْعَ إنَّمَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ بِالسَّرِقَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ آدَمِيٌّ مُكَلَّفٌ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَالٌ مَمْلُوكٌ لِلْمَوْلَى، وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ الْمَوْلَى أَجْنَبِيٌّ عَنْهُ فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ حَضْرَتِهِ، كَمَا لَا تُشْتَرَطُ حَضْرَةُ سَائِرِ الْأَجَانِبِ؛ وَلِهَذَا لَوْ أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ نَفَذَ إقْرَارُهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ الْمَوْلَى كَذَا هَذَا.
(وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ- عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ-: أَنَّ هَذِهِ الْبَيِّنَةَ تَتَضَمَّنُ إتْلَافَ مِلْكِ الْمَوْلَى فَلَا يُقْضَى بِهَا مَعَ غِيبَةِ الْمَوْلَى كَالْبَيِّنَةِ الْقَائِمَةِ عَلَى مِلْكِ شَيْءٍ مِنْ رَقَبَةِ الْعَبْدِ، وَلِأَنَّ مِنْ الْجَائِزِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ حَاضِرًا لَادَّعَى شُبْهَةً مَانِعَةً مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ، وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ مَا أَمْكَنَ، بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ مَا وَقَعَ مُوجِبًا لِلْحَدِّ لَا يَمْلِكُ الْمَوْلَى رَدَّهُ بِوَجْهٍ فَلَمْ تَتَمَكَّنْ فِيهِ شُبْهَةٌ، وَلَا تَظْهَرُ السَّرِقَةُ بِالنُّكُولِ حَتَّى لَوْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ سَرِقَةً فَأَنْكَرَ فَاسْتُخْلِفَ فَنَكَلَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالْقَطْعِ، وَيُقْضَى بِالْمَالِ؛ لِأَنَّ النُّكُولَ إمَّا أَنْ يَجْرِيَ مَجْرَى الْبَدَلِ.
وَالْقَطْعُ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ الْبَدَلَ وَالْإِبَاحَةَ، وَالْمَالُ يَحْتَمِلُ الْبَدَلَ وَالْإِبَاحَةَ، وَإِمَّا أَنْ يَجْرِيَ مَجْرَى إقْرَارٍ فِيهِ شُبْهَةُ الْعَدَمِ؛ لِكَوْنِهِ إقْرَارًا مِنْ طَرِيقِ السُّكُوتِ لَا صَرِيحًا، وَالشُّبْهَةُ تَمْنَعُ وُجُوبَ الْحَدِّ، وَلَا تَمْنَعُ وُجُوبَ الْمَالِ.
(وَأَمَّا) الْإِقْرَارُ فَتَظْهَرُ بِهِ السَّرِقَةُ الْمُوجِبَةُ لِلْقَطْعِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي الْإِقْرَارِ عَلَى نَفْسِهِ بِالْإِضْرَارِ بِنَفْسِهِ فَتَظْهَرَ بِهِ السَّرِقَةُ، كَمَا تَظْهَرُ بِالْبَيِّنَةِ، وَبَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَرْءَ قَدْ يُتَّهَمُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ مَا لَا يُتَّهَمُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الَّذِي أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ عَبْدًا مَأْذُونًا، أَوْ مَحْجُورًا بَعْدَ أَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِ الْقَطْعِ عَلَيْهِ، وَعِنْدَ زُفَرَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- لَا يُقْطَعُ بِإِقْرَارِ الْعَبْدِ مِنْ غَيْرِ تَصْدِيقِ الْمَوْلَى.
وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ: أَنَّ الْعَبْدَ إذَا أَقَرَّ بِسَرِقَةِ عَشْرَةِ دَرَاهِمَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ كَانَ مَأْذُونًا، أَوْ مَحْجُورًا، وَالْمَالُ قَائِمٌ، أَوْ هَالِكٌ فَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا؛ يُقْطَعُ ثُمَّ إنْ كَانَ الْمَالُ هَالِكًا، أَوْ مُسْتَهْلَكًا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ صَدَّقَهُ مَوْلَاهُ فِي إقْرَارِهِ، أَوْ كَذَّبَهُ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ مَعَ الضَّمَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ عِنْدَنَا، وَإِنْ كَانَ الْمَالُ قَائِمًا فَهُوَ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ، وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ، وَقَالَ زُفَرُ- رَحِمَهُ اللَّهُ-: لَا يُقْطَعُ مِنْ غَيْرِ تَصْدِيقِ الْمَوْلَى، وَالْمَالُ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ.
(وَجْهُ) قَوْلِهِ: أَنَّ إقْرَارَ الْعَبْدِ يَتَضَمَّنُ إتْلَافَ مَالِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ مَا فِي يَدِ الْعَبْدِ مَالُ مَوْلَاهُ فَلَا يُقْبَلُ مِنْ غَيْرِ تَصْدِيقِ الْمَوْلَى.
(وَلَنَا) أَنَّ الْعَبْدَ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي هَذَا الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى إنْ كَانَ يَتَضَرَّرُ بِهِ فَضَرَرُ الْعَبْدِ أَعْظَمُ، فَلَمْ يَكُنْ مُتَّهَمًا فِي إقْرَارِهِ فَيُقْبَلَ؛ وَلِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لِلْمَوْلَى فِي يَدِ الْعَبْدِ فِي حَقِّ الْقَطْعِ، كَمَا لَا مِلْكَ لَهُ فِي نَفْسِهِ فِي حَقِّ الْقَتْلِ، فَكَانَ الْعَبْدُ فِيهِ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ كَالْحُرِّ، وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ إقْرَارَهُ لَمْ يَتَضَمَّنْ إبْطَالَ حَقِّ الْمَوْلَى فِي حَقِّ الْقَطْعِ لِعَدَمِ الْحَقِّ لَهُ فِي حَقِّهِ، وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا تُقْطَعْ يَدُهُ، ثُمَّ إنْ كَانَ الْمَالُ هَالِكًا، أَوْ مُسْتَهْلَكًا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ كَذَّبَهُ مَوْلَاهُ، أَوْ صَدَّقَهُ، وَإِنْ كَانَ قَائِمًا، فَإِنْ صَدَّقَهُ مَوْلَاهُ؛ تُقْطَعُ يَدُهُ، وَالْمَالُ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ، وَإِنْ كَذَّبَهُ بِأَنْ قَالَ: هَذَا مَالِي اخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابُنَا الثَّلَاثَةُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تُقْطَعُ يَدُهُ، وَالْمَالُ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: تُقْطَعُ يَدُهُ، وَالْمَالُ لِلْمَوْلَى، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْعَبْدِ فِي الْحَالِ، وَلَا بَعْدَ الْعِتْقِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا تُقْطَعُ يَدُهُ، وَالْمَالُ لِلْمَوْلَى، وَيَضْمَنُ مِثْلَهُ لِلْمُقَرِّ لَهُ بَعْدَ الْعِتْقِ.
(وَجْهُ) قَوْلِهِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْمَحْجُورِ بِالْمَالِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ مَا فِي يَدِهِ مِلْكُ مَوْلَاهُ ظَاهِرًا وَغَالِبًا، وَإِذَا لَمْ يَنْفُذْ إقْرَارُهُ بِالْمَالِ بَقِيَ الْمَالُ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَوْلَى، وَلَا قَطْعَ فِي مَالِ الْمَوْلَى، بِخِلَافِ الْمَأْذُونِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالْمَالِ جَائِزٌ، وَإِذَا جَازَ إقْرَارُهُ بِالْمَالِ لِغَيْرِهِ تَثْبُتُ السَّرِقَةُ مِنْهُ فَيُقْطَعُ.
(وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ: أَنَّ إقْرَارَهُ بِالْحَدِّ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ بِالْمَالِ إذْ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ جَوَازِ إقْرَارِهِ فِي حَقِّ الْحَدِّ جَوَازُهُ فِي الْمَالِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: سَرَقْت هَذَا الْمَالَ الَّذِي فِي يَدِ زَيْدٍ مِنْ عَمْرٍو يُقْبَلُ إقْرَارُهُ فِي الْقَطْعِ، وَلَا يُقْبَلُ فِي الْمَالِ كَذَا هَذَا.
(وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ-: أَنَّ إقْرَارَ الْعَبْدِ بِالْحَدِّ جَائِزٌ؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ فَلَزِمَهُ الْقَطْعُ، فَبَعْدَ ذَلِكَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُقْطَعَ فِي الْمَالِ الْمُقِرِّ بِهِ بِعَيْنِهِ، وَيُرَدَّ الْمَسْرُوقُ إلَى الْمَوْلَى، وَإِمَّا أَنْ يُقْطَعَ فِي مَالٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ لَا سَبِيلَ إلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ قَطْعَ الْيَدِ فِي مَالٍ مَحْكُومٍ بِهِ لِمَوْلَاهُ لَا يَجُوزُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقْطَعَ فِي مَالٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ صَادَفَ مَالًا مُعَيَّنًا فَتَعَيَّنَ أَنْ يُقْطَعَ فِي الْمَالِ الْمُقِرِّ بِهِ بِعَيْنِهِ، وَيُرَدَّ الْمَالُ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ هَذَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ بَالِغًا عَاقِلًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ، فَأَمَّا إذَا كَانَ صَبِيًّا عَاقِلًا فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْخِطَابِ بِالشَّرَائِعِ، ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ مَأْذُونًا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالْمَالِ فَإِنْ كَانَ قَائِمًا يُرَدُّ عَلَيْهِ.
وَإِنْ كَانَ هَالِكًا يَضْمَنْ، وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ إلَّا بِتَصْدِيقِ الْمَوْلَى، فَإِنْ كَذَّبَهُ فَالْمَالُ لِلْمَوْلَى إنْ كَانَ قَائِمًا، وَإِنْ كَانَ هَالِكًا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لَا فِي الْحَالِ، وَلَا بَعْدَ الْعَتَاقِ وَلَوْ أَقَرَّ الْعَبْدُ بِسَرِقَةِ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّ النِّصَابَ شَرْطٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ مَأْذُونًا يَصِحَّ إقْرَارُهُ، وَيُرَدُّ الْمَالُ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ هَالِكًا يَضْمَنْ سَوَاءٌ كَانَ الْعَبْدُ مُخَاطَبًا أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا، فَإِنْ صَدَّقَهُ مَوْلَاهُ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَذَّبَهُ فَالْمَالُ لِلْمَوْلَى، وَيَضْمَنُ الْعَبْدُ بَعْدَ الْعِتْقِ إنْ كَانَ مُخَاطَبًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ.
وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ: أَنَّ كُلَّ مَا لَا يَصِحُّ إقْرَارُ الْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ يَصِحُّ إقْرَارُ الْعَبْدِ فِيهِ، ثُمَّ الْمَوْلَى إذَا أَقَرَّ عَلَى عَبْدِهِ بِالْقِصَاصِ، أَوْ حَدِّ الزِّنَا، أَوْ حَدِّ الْقَذْفِ، أَوْ السَّرِقَةِ، أَوْ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ لَا يَصِحُّ، فَإِذَا أَقَرَّ الْعَبْدُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَصِحُّ.
(وَأَمَّا) إذَا أَقَرَّ الْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ بِالْجِنَايَةِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ فِيمَا يَجِبُ فِيهِ الدَّفْعُ، أَوْ الْفِدَاءُ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ صَحَّ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ يُسْلَكُ فِيهَا مَسْلَكُ الْأَمْوَالِ فَكَأَنَّ الْمَوْلَى أَقَرَّ عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ.
وَلَوْ أَقَرَّ عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ يَصِحُّ كَذَا هَذَا، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَصِحُّ كَذَا إذَا أَقَرَّ عَلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ، وَاَللَّهُ- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أَعْلَمُ، وَعَدَمُ التَّقَادُمِ فِي الْإِقْرَارِ (إقْرَارُ الْعَبْدِ بِالسَّرِقَةِ) لَيْسَ بِشَرْطٍ لِجَوَازِهِ فَيَجُوزُ سَوَاءٌ تَقَادَمَ عَهْدُ السَّرِقَةِ، أَوْ لَا، بِخِلَافِ الْبَيِّنَةِ، وَالْفَرْقُ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ، وَاخْتُلِفَ فِي الْعَدَدِ فِي هَذَا الْإِقْرَارِ: أَنَّهُ هَلْ هُوَ شَرْطٌ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٌ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ-: لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَيَظْهَرُ بِالْإِقْرَارِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- شَرْطٌ فَلَا يُقْطَعُ مَا لَمْ يُقِرَّ مَرَّتَيْنِ فِي مَكَانَيْنِ، وَالدَّلَائِلُ ذَكَرْنَاهَا فِي كِتَابِ الْحُدُودِ.
وَكَذَا اُخْتُلِفَ فِي دَعْوَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ أَنَّهَا هَلْ هِيَ شَرْطُ كَوْنِ الْإِقْرَارِ مُظْهِرًا لِلسَّرِقَةِ كَمَا هِيَ شَرْطُ كَوْنِ الْبَيِّنَةِ مُظْهِرَةً لَهَا؟ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٌ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ- شَرْطٌ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ السَّارِقُ أَنَّهُ سَرَقَ مَالَ فُلَانٍ الْغَائِبِ لَمْ يُقْطَعْ مَا لَمْ يَحْضُرْ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ، وَيُخَاصَمُ عِنْدَهُمَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الدَّعْوَى فِي الْإِقْرَارِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ، وَيُقْطَعُ حَالَ غَيْبَةِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ.
(وَجْهُ) قَوْلِهِ: أَنَّ إقْرَارَهُ بِالسَّرِقَةِ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ، وَالْإِنْسَانُ يُصَدَّقُ فِي الْإِقْرَارِ عَلَى نَفْسِهِ؛ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ، وَلِهَذَا لَوْ أَقَرَّ بِالزِّنَا بِامْرَأَةٍ، وَهِيَ غَائِبَةٌ قَبْلَ إقْرَارِهِ حُدَّ كَذَا هَذَا، وَلَهُمَا مَا رُوِيَ: «أَنَّ سَمُرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: إنِّي سَرَقْت لِآلِ فُلَانٍ فَأَنْفَذَ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُمْ فَقَالُوا: إنَّا فَقَدْنَا بَعِيرًا لَنَا فِي لَيْلَةِ كَذَا فَقَطَعَهُ» فَلَوْلَا أَنَّ الْمُطَالَبَةَ شَرْطُ ظُهُورِ السَّرِقَةِ بِالْإِقْرَارِ لَمْ يَكُنْ لِيَسْأَلَهُمْ، بَلْ كَانَ يَقْطَعُ السَّارِقَ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ فِي يَدِهِ شَيْءٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِلْكُهُ.
(فَأَمَّا) إذَا أَقَرَّ بِهِ لِغَيْرِهِ لَمْ يُحْكَمْ بِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ حَتَّى يُصَدِّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ، وَالْغَائِبُ يَجُوزُ أَنْ يُصَدِّقَهُ فِيهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُكَذِّبَهُ فَبَقِيَ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ السَّارِقِ فَلَا يُقْطَعُ، وَلِأَنَّ فِي ظُهُورِ السَّرِقَةِ بِهَذَا الْإِقْرَارِ شُبْهَةَ الْعَدَمِ لِاحْتِمَالِ التَّكْذِيبِ مِنْ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَحْضُرَ فَيُكَذِّبُهُ فِي إقْرَارِهِ، بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِالزِّنَا بِامْرَأَةٍ غَائِبَةٍ أَنَّهُ يُحَدُّ الْمُقِرُّ، وَإِنْ كَانَ يُحْتَمَلُ أَنْ تَحْضُرَ الْمَرْأَةُ فَتَدَّعِي شُبْهَةً؛ لِأَنَّ هُنَاكَ لَوْ كَانَتْ حَاضِرَةً، وَادَّعَتْ الشُّبْهَةَ يَسْقُطُ الْحَدُّ لِأَجْلِ الشُّبْهَةِ فَلَوْ سَقَطَ عِنْدَ غَيْبَتِهَا لَسَقَطَ لِشُبْهَةِ الشُّبْهَةِ، وَأَنَّهَا غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي دَرْءِ الْحَدِّ، وَهَاهُنَا، بِخِلَافِهِ؛ لِأَنَّ الْمَسْرُوقَ مِنْهُ لَوْ كَانَ حَاضِرًا، وَكَذَّبَ السَّارِقَ فِي إقْرَارِهِ بِالسَّرِقَةِ مِنْهُ لَمْ يُقْطَعْ لَا لِمَكَانِ الشُّبْهَةِ، بَلْ لِانْعِدَامِ فِعْلِ السَّرِقَةِ.
فَلَمْ يَكُنْ السُّقُوطُ حَالَ الْغَيْبَةِ اعْتِبَارَ شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ مُحَمَّدٌ: لَوْ قَالَ سَرَقْت هَذِهِ الدَّرَاهِمَ، وَلَا أَدْرِي لِمَنْ هِيَ، أَوْ قَالَ: سَرَقْتهَا، وَلَا أُخْبِرُك مَنْ صَاحِبُهَا: لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّ جَهَالَةَ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ فَوْقَ غَيْبَتِهِ، ثُمَّ الْغَيْبَةُ لَمَّا مَنَعَتْ الْقَطْعَ عَلَى أَصْلِهِ فَالْجَهَالَةُ أَوْلَى؛ وَلِأَنَّ الْخُصُومَةَ لَمَّا كَانَتْ شَرْطًا، فَإِذَا كَانَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ مَجْهُولًا تَتَحَقَّقُ الْخُصُومَةُ فَلَا يُقْطَعُ، وَإِذَا عُرِفَ أَنَّ الْخُصُومَةَ شَرْطُ ظُهُورِ السَّرِقَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَطْعِ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى الِاتِّفَاقِ، وَبِالْإِقْرَارِ عَلَى الِاخْتِلَافِ فلابد مِنْ بَيَانِ مَنْ يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ، وَمَنْ لَا يَمْلِكُهَا فَنَقُولُ:- وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ- الْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ لَهُ يَدٌ صَحِيحَةٌ يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ، وَمَنْ لَا فَلَا، فَلِلْمَالِكِ أَنْ يُخَاصِمَ السَّارِقَ إذَا سَرَقَ مِنْهُ لَا شَكَّ فِيهِ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمَالِكِ يَدٌ صَحِيحَةٌ.
وَأَمَّا الْمُودِعُ، وَالْمُسْتَعِيرُ، وَالْمُضَارِبُ، وَالْمُبْضِعُ، وَالْغَاصِبُ، وَالْقَابِضُ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ، وَالْمُرْتَهِنُ فَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي أَنَّ لَهُمْ أَنْ يُخَاصِمُوا السَّارِقَ، وَتُعْتَبَرُ خُصُومَتُهُمْ فِي حَقِّ ثُبُوتِ وَلَايَةِ الِاسْتِرْدَادِ، وَالْإِعَادَةِ إلَى أَيْدِيهِمْ.
وَأَمَّا فِي حُقُوقِ الْقَطْعِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ- رَحِمَهُمُ اللَّهُ- وَيُقْطَعُ السَّارِقُ بِخُصُومَتِهِمْ، وَعِنْدَ زُفَرَ- رَحِمَهُ اللَّهُ-: لَا تُعْتَبَرُ خُصُومَتُهُمْ فِي حَقِّ الْقَطْعِ، وَلَا يُقْطَعُ السَّارِقُ بِخُصُومَةِ هَؤُلَاءِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ- رَحِمَهُ اللَّهُ-: لَا يُعْتَبَرُ بِخُصُومَةِ غَيْرِ الْمَالِكِ أَصْلًا لَا فِي حَقِّ الْقَطْعِ، وَلَا فِي حَقِّ وَلَايَةِ الِاسْتِرْدَادِ.
(وَوَجْهُ) قَوْلِ زُفَرَ- رَحِمَهُ اللَّهُ-: أَنَّ يَدَ هَؤُلَاءِ لَيْسَتْ بِيَدٍ صَحِيحَةٍ فِي الْأَصْلِ أَمَّا يَدُ الْمُرْتَهِنِ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهَا يَدُ حِفْظٍ لَا أَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ وَلَايَةُ الْخُصُومَةِ لِضَرُورَةِ الْإِعَادَةِ إلَى يَدِ الْحِفْظِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ التَّسْلِيمِ مِنْ الْمَالِكِ، وَكَذَلِكَ يَدُ الْغَاصِبِ، وَالْقَابِضِ- عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ- وَالْمُرْتَهِنِ يَدُهُمْ يَدُ ضَمَانٍ لَا يَدُ خُصُومَةٍ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لَهُمْ وَلَايَةُ الْخُصُومَةِ لِإِمْكَانِ الرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ، فَكَانَ ثُبُوتُ وَلَايَةِ الْخُصُومَةِ لَهُمْ بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ، وَالثَّابِتُ بِضَرُورَةٍ يَكُونُ عَدَمًا فِيمَا، وَرَاءَ مَحِلِّ الضَّرُورَةِ؛ لِانْعِدَامِ عِلَّةِ الثُّبُوتِ، وَهِيَ الضَّرُورَةُ، فَكَانَتْ الْخُصُومَةُ مُنْعَدِمَةً فِي حَقِّ الْقَطْعِ، وَلَا قَطْعَ بِدُونِ الْخُصُومَةِ؛ وَلِهَذَا لَا يُقْطَعُ بِخُصُومَةِ السَّارِقِ كَذَا هَذَا.
(وَلَنَا) أَنَّ الْخُصُومَةَ شَرْطُ صَيْرُورَةِ الْبَيِّنَةِ: حُجَّةً مُظْهِرَةً لِلسَّرِقَةِ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْفِعْلَ لَا يَتَحَقَّقُ سَرِقَةً مَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّ الْمَسْرُوقَ مِلْكُ غَيْرِ السَّارِقِ، وَإِنَّمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ بِالْخُصُومَةِ، فَكَانَتْ الْخُصُومَةُ شَرْطُ كَوْنِ الْبَيِّنَةِ مُظْهِرَةً لِلسَّرِقَةِ، وَكَوْنُهَا مُظْهِرَةً لِلسَّرِقَةِ ثَبَتَ بِخُصُومَةِ هَؤُلَاءِ، وَإِذَا ظَهَرَتْ السَّرِقَةُ يُقْطَعُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}، بِخِلَافِ السَّارِقِ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ بِخُصُومَتِهِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ بِصَحِيحَةٍ؛ لِمَا نَذْكُرُ عَلَى أَنَّ عَدَمَ الْقَطْعِ هُنَاكَ لِخَلَلٍ فِي مِلْكِ الْمَسْرُوقِ؛ لِمَا بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ، وَهَاهُنَا لَا خَلَلَ فِي الْعِصْمَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ هُنَاكَ لَا يُقْطَعُ بِخُصُومَةِ الْمَالِكِ، وَهَاهُنَا يُقْطَعُ وَلَوْ حَضَرَ الْمَالِكُ، وَغَابَ الْمُرْتَهِنُ هَلْ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ السَّارِقَ، وَيَقْطَعَهُ، ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ، وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ- أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ.
(وَجْهُ) رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ أَنَّ وَلَايَةَ الْخُصُومَةِ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ، وَالْمَالِكُ لَيْسَ بِمَسْرُوقٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّ السَّارِقَ لَمْ يَسْرِقْ مِنْهُ، وَإِنَّمَا سَرَقَ مِنْ غَيْرِهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَايَةُ الْخُصُومَةِ.
(وَجْهُ) رِوَايَةِ الْجَامِعِ أَنَّ الْخُصُومَةَ فِي بَابِ السَّرِقَةِ إنَّمَا شُرِطَتْ لِيُعْلَمَ أَنَّ الْمَسْرُوقَ مِلْكُ غَيْرِ السَّارِقِ، وَهَذَا يَحْصُلُ بِخُصُومَةِ الْمَالِكِ فَتَصِحُّ خُصُومَتُهُ كَمَا تَصِحُّ خُصُومَةُ الْمُرْتَهِنِ، بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُرْتَهِنِ يَدُ نِيَابَةٍ فَلَمَّا صَحَّتْ الْخُصُومَةُ بِيَدِ النِّيَابَةِ فَيَدُ الْأَصَالَةِ أَوْلَى.
وَلَوْ حَضَرَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ، وَغَابَ الْغَاصِبُ، ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ، وَيُطَالِبَ بِالْقَطْعِ، وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ سِمَاعَةَ فِي الْغَصْبِ خِلَافًا، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ- عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ- أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ فِيهِمَا، وَاحِدًا، وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يُخَاصِمَ السَّارِقَ فَيَقْطَعَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الْقَبْضِ قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ فَلَا يَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ، حَتَّى لَوْ قَضَى الدَّيْنَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ وَلَايَةُ الْقَبْضِ بِالْفِكَاكِ قَالَ الْقُدُورِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ-: وَعَلَى قِيَاسِ رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ لَا يَثْبُتُ لِلرَّاهِنِ وَلَايَةُ الْمُطَالَبَةِ مَعَ غَيْبَةِ الْمُرْتَهِنِ كَمَا فِي الْمُودِعِ، بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُرْتَهِنِ أَقْوَى مِنْ يَدِ الْمُودِعِ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُرْتَهِنِ لِنَفْسِهِ، وَيَدَ الْمُودِعِ لِغَيْرِهِ.
وَلَوْ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ السَّارِقِ كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَقْطَعَهُ، وَلَا سَبِيلَ لِلرَّاهِنِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ كَانَ لَهُ وَلَايَةُ الْقَطْعِ قَبْلَ الْهَلَاكِ، وَهَلَاكُ الْمَحِلِّ لَا يُسْقِطُ الْقَطْعَ فَيُثْبِتَ الْوَلَايَةَ.
(فَأَمَّا) الرَّاهِنُ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ حَقٌّ فِي الْمَرْهُونِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ سَقَطَ عَنْهُ الدَّيْنُ بِهَلَاكِهِ فَلَا تَثْبُتُ لَهُ وَلَايَةُ الْمُطَالَبَةِ.
(وَأَمَّا) السَّارِقُ فَلَا يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ؛ لِأَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ بِمَضْمُونَةٍ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِيَدِ مِلْكٍ، وَلَا يَدِ ضَمَانٍ، وَلَا يَدِ أَمَانَةٍ فَصَارَ الْأَخْذُ مِنْ يَدِهِ كَالْأَخْذِ مِنْ الطَّرِيقِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ الثَّانِيَ بِالْقَطْعِ، وَلَا لِلْمَالِكِ أَيْضًا وَلَايَةُ الْمُخَاصَمَةِ؛ لِأَنَّ أَخْذَ الْمَالِ مِنْ الْيَدِ الصَّحِيحَةِ شَرْطُ وُجُوبِ الْقَطْعِ، وَلَمْ يُوجَدْ فَلَا يَجِبُ الْقَطْعُ، فَلَا تَثْبُتُ لَهُ وَلَايَةُ الْمُطَالَبَةِ.
وَهَلْ لِلسَّارِقِ الْأَوَّلِ أَنْ يُطَالِبَ الثَّانِيَ بِرَدِّ الْمَسْرُوقِ إلَى يَدِهِ قَالُوا: فِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ لَهُ ذَلِكَ، وَفِي رِوَايَةٍ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ.
(وَجْهُ) الرِّوَايَةِ الْأُولَى عَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَّا: أَنَّ الْمَسْرُوقَ مِنْهُ لَمْ تَكُنْ لَهُ يَدٌ صَحِيحَةٌ فَصَارَ الْأَخْذُ مِنْهُ كَالْأَخْذِ مِنْ الطَّرِيقِ سَوَاءٌ.
(وَجْهُ) الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: أَنَّ مِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَخْتَارَ الْمَالِكُ الضَّمَانَ، وَيَتْرُكَ الْقَطْعَ فَيَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَسْتَرِدَّهُ مِنْ يَدِهِ فَيَدْفَعُ إلَيْهِ فَيَتَخَلَّصُ عَنْ الضَّمَانِ كَمَا فِي الْغَصْبِ، وَنَحْوِهِ عَلَى مَا مَرَّ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ- عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ- أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ مَا لَمْ يُقْطَعْ فَلَهُ ذَلِكَ.
(وَأَمَّا) بَعْدَ الْقَطْعِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَبْلَ الْقَطْعِ يُحْتَمَلُ اخْتِيَارُ الضَّمَانِ، وَبَعْدَهُ لَا، قَالَ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ الْقَطْعِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ إنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ فِي الْقَضَاءِ فَهُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى؛ فَيَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِرْدَادِ لِيَتَخَلَّصَ عَنْ الضَّمَانِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وَلَا تَظْهَرُ السَّرِقَةُ الْمُوجِبَةُ لِلْقَطْعِ بِعِلْمِ الْقَاضِي، سَوَاءٌ اسْتَفَادَهُ قَبْلَ زَمَانِ الْقَضَاءِ، أَوْ فِي زَمَانِ الْقَضَاءِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.