فصل: الْقِسْمُ الثَّانِي مَظِنَّاتُ الْأَسْبَابِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة (نسخة منقحة)



.الْقِسْمُ الثَّانِي مَظِنَّاتُ الْأَسْبَابِ:

وَالْمَظِنَّةُ فِي اللُّغَةِ وَاصْطِلَاحِ الْعُلَمَاءِ الَّتِي يُوجَدُ عِنْدَهَا الظَّنُّ مِنْ بَابِ مَقْتَلٍ وَمَضْرَبٍ الَّذِي هُوَ الْقَتْلُ وَالضَّرْبُ فَجعله مَكَان الظَّن مجَاز وَهِي ثَمَان:

الْمَظِنَّةُ الْأُولَى:
مَسُّ الذَّكَرِ بِبَاطِنِ الْكَفِّ عِنْدَ مَالِكٍ وَبِبَاطِنِ الْأَصَابِعِ أَيْضًا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ كَمَا حَكَاهُ فِي الْكِتَابِ يُوجِبُ الْوُضُوءَ خِلَافًا ح لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» وَقَالَ أَشْهَبُ بَاطِنُ الْأَصَابِعِ لَا يُوجِبُ وُضُوءًا وَوَجْهُ تَخْصِيصِ بَاطِنِ الْكَفِّ وَالْأَصَابِعِ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ اللَّمْسَ يَكُونُ بِهِمَا وَلِأَنَّ فِيهِمَا مِنَ اللُّطْفِ وَالْحَرَارَةِ الْمُحَرِّكَيْنِ لِلْمَذْيِ مَا لَيْسَ فِي غَيْرِهِمَا وَلِأَنَّ الْأَصَابِعَ أَصْلُ الْيَدِ بِدَلِيلِ تَكْمِيلِ الْعَقْلِ فِيهِمَا وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ الْأَصَابِعَ أَقَلُّ حَرَارَةً وَلُطْفًا مِنْ بَاطِنِ الْكَفِّ فَلَا تلْحق بِهِ. وَلَا يشْتَرط اللَّذَّة عِنْد المغاربة وَبَعض البغدادين وَتُشْتَرَطُ عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ قِيَاسًا عَلَى لَمْسِ النِّسَاءِ وَلِحَدِيث طلق قَالَ قدمنَا على سَوَّلَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ رَجُلٌ كَأَنَّهُ بَدَوِيٌّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَرَى فِي مَسِّ الرَّجُلِ ذَكَرَهُ بَعْدَ مَا يَتَوَضَّأُ فَقَالَ «هَلْ هُوَ إِلَّا بِضْعَةٌ مِنْكَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ يُجْمَعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ بِوُجُودِ اللَّذَّةِ وَعَدَمِهَا وَعِنْدَ جَمِيع الْمَغَارِبَةِ بِتَعْيِينِ الْكَفِّ وَالْأَصَابِعِ لِلْوُجُوبِ وَقَالُوا طَلْقٌ مِنَ الْمُرْجِئَةِ فَيَسْقُطُ حَدِيثُهُ فَلَا حَاجَةَ إِلَى الْجمع وَقَالَ مَالك فِي العتيبة لَا يَجِبُ مِنْ مَسِّهِ وُضُوءٌ كَمَا قَالَهُ أَبُو حنيفَة وَأَوْرَدَ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى حَدِيثِ بُسْرَةَ عَشَرَةَ أَسْئِلَةٍ:
أَحدهَا أَن رِوَايَة عَنْهَا مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ وَهُوَ كَانَ يُحَدِّثُ فِي زَمَانه مَنَاكِير وَلذَلِك لم يقبل طَلْحَة مِنْهُ الرِّوَايَة وَقَالَ لَا أَعْرِفُهُ.
وَثَانِيهَا أَنَّهُ أَرْسَلَ رَجُلًا مِنَ الشُّرَطِ لِيَنْقُلَ لَهُ مَا أَنْكَرَهُ عَلَيْهِ طَلْحَة وَالرجل مَجْهُول.
وَثَالِثُهَا: أَنَّ رَبِيعَةَ شَيْخَ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ لَوْ شَهِدَتْ بُسْرَةُ فِي بَقْلَةٍ مَا قَبِلْتُهَا.
وَرَابِعُهَا رِوَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْوُضُوءَ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ سُنَّةٌ فَكَيْفَ يَصِحُّ عِنْدَهُ هَذَا الْحَدِيثُ ثُمَّ يَسْتَجِيزُ هَذَا الْقَوْلَ.
وَخَامِسُهَا قَوْلُ ابْنِ مَعِينٍ لَمْ يَصِحَّ فِي مَسِّ الذَّكَرِ حَدِيثٌ.
وَسَادِسُهَا أَنَّ الرَّجُلَ أَوْلَى بِنَقْلِهِ مِنْ بُسْرَةَ.
وَسَابِعُهَا أَنَّهُ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى فَيَنْبَغِي أَنْ يُنْقَلَ مُسْتَفِيضًا وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ دَلَّ عَلَى ضَعْفِهِ.
وَثَامِنُهَا إِنْكَارُ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ الله عَنْهُم لحكمه كعلي وَابْن مسعودفيقول عَليّ مَا أُبَالِي مسته أَوْ مَسِسْتُ طَرْفَ أَنْفِي وَيَقُولُ ابْنُ مَسْعُودٍ إِنْ كَانَ شَيْءٌ مِنْكَ نَجِسًا فَاقْطَعْهُ.
وَتَاسِعُهَا سَلَّمْنَا صِحَّتَهُ لَكِنْ نَحْمِلُهُ عَلَى غَسْلِ الْيَدِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَجْمِرُونَ ثُمَّ يَعْرَقُونَ ثُمَّ يُؤْمَرُ مَنْ مَسَّ مَوْضِعَ الْحَدَثِ بِالْوُضُوءِ الَّذِي هُوَ النَّظَافَةُ.
وَعَاشِرُهَا أَنَّهُ مُعَارَضٌ بِحَدِيثِ طَلْقٍ وَالْقِيَاسِ عَلَى سَائِرِ الْأَعْضَاءِ. وَالْجَوَابُ:
عَنِ الْأَوَّلِ: أَنَّ مَرْوَانَ كَانَ عَدْلًا وَلِذَلِكَ كَانَتِ الصَّحَابَةُ تَأْتَمُّ بِهِ وَتَغْشَى طَعَامَهُ وَمَا فَعَلَ شَيْئًا إِلَّا عَنِ اجْتِهَادٍ وَإِنْكَارُ عُرْوَةَ لِعَدَمِ اطِّلَاعِهِ.
وَعَنِ الثَّانِي: أَنَّ الرَّجُلَ مَعْلُومٌ عِنْدَ عُرْوَةَ وَإِلَّا لَمَا حَسُنَتْ إِقَامَةُ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ بِهِ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُرْوَةَ سَمِعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْهَا.
وَعَنِ الثَّالِثِ: أَنَّ عَدَمَ اسْتِقْلَالِ الْمَرْأَةِ فِي الشَّهَادَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ قَبُولِ رِوَايَتِهَا وَإِلَّا لَمَا قُبِلَتْ رِوَايَةُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا.
وَعَنِ الرَّابِعِ: أَنَّهُ لَمْ يَطْعَنْ فِي الصِّحَّةِ وَإِنَّمَا تَرَدَّدَ فِي دَلَالَةِ اللَّفْظِ هَلْ هِيَ لِلْوُجُوبِ أَوِ النَّدْبِ؟.
وَعَنِ الْخَامِسِ: أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُ فَقَدْ صَحَّ عِنْدَ غَيْرِهِ.
وَعَنِ السَّادِسِ وَالسَّابِعِ: أَنَّ الْخَبَرَ رَوَاهُ نَحْوُ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ.
وَعَنِ الثَّامِنِ: أَنَّ الْحَدِيثَ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُمْ وَثَبَتَ عِنْدَ غَيْرِهِمْ وَلَا يَجِبُ فِي الصَّحَابِيِّ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَى سَائِرِ الْأَحَادِيثِ.
وَعَنِ التَّاسِعِ: أَنَّ لَفْظَ الشَّارِعِ إِذَا وَرَدَ حُمِلَ عَلَى عُرْفِهِ حَتَّى يَرِدَ خِلَافُهُ.
وَعَنِ الْعَاشِرِ: أَنَّ حَدِيثَ طَلْقٍ لَا يَصِحُّ وَالْقِيَاسُ قُبَالَةَ النَّصِّ فَاسِدٌ قَالَ صَاحِبُ الِاسْتِذْكَارِ الَّذِي تَقَرَّرَ عِنْدَ الْمَغَارِبَةِ أَنَّ مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ أُمِرَ بِالْوُضُوءِ مَا لَمْ يُصَلِّ فَإِنْ صَلَّى أُمِرَ بِالْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ وَكَذَلِكَ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ نَافِعٍ وَأَشْهَبُ وَقَالَ سَحْنُونُ وَالْعُتْبِيُّ لَا يُعِيدُ مُطْلَقًا قَالَ اللَّخْمِيُّ الْإِعَادَةُ مُطْلَقًا رِوَايَةُ الْمَدَنِيِّينَ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ الْعَامِدُ يُعِيدُ مُطْلَقًا وَالنَّاسِي فِي الْوَقْتِ وَقَالَ سَحْنُونُ أَيْضًا يُعِيدُ فِي الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثِ. وَاخْتَلَفُوا فِي مَسِّهِ نَاسِيًا أَوْ عَلَى ثَوْبٍ خَفِيفٍ أَوْ بِذِرَاعِهِ أَوْ بِظَاهِرِ كَفِّهِ أَوْ قَصَدَ إِلَى مَسِّهِ بِشَيْءٍ مِنْ أَعْضَائِهِ سِوَى يَدِهِ. وَتَحْصِيلُ الْمَذْهَبِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْمَغَارِبَةِ أَنَّ مَسَّهُ بِبَاطِنِ الْكَفِّ وَالْأَصَابِعِ دُونَ حَائِلٍ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَغَيْرُ ذَلِكَ لَا يَنْقُضُهُ. فِي الْجَوَاهِرِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ الْعَمَلُ مِنَ الرِّوَايَاتِ عَلَى وُجُوبِ الْوُضُوءِ مِنْهُ مِنْ فَوْقِ ثَوْبٍ أَوْ مِنْ تَحْتِهِ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ الْوُجُوبُ مِنْ فَوْقِ الْغِلَالَةِ الْخَفِيفَةِ.
فُرُوعٌ ثَمَانِيَةٌ:
الْأَوَّلُ مِنَ الطَّرَّازِ:
إِذَا مَسَّهُ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ أَوْ بِحَرْفِ كَفِّهِ أَوْ بِأُصْبُعٍ زَائِدَةٍ انْتَقَضَ عَلَى ظَاهِرِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَفِي الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ خِلَافٌ وَالْقِيَاسُ عَلَى سَائِرِ الْأَحْدَاثِ يَقْتَضِي أَنَّ الْقَصْدَ لَا يُشْتَرَطُ وَكَذَلِكَ عُمُومُ الْحَدِيثِ.
الثَّانِي فِي الْجَوَاهِرِ:
لَوْ مَسَّ ذكره بعد قطعه لم ينْتَقض وضوؤه لِأَنَّه صَارَ لَيْسَ بِذَكَرٍ لَهُ وَالْحَدِيثُ إِنَّمَا وَرَدَ فِي ذَكَرِهِ وَلِذَهَابِ اللَّذَّةِ مِنْهُ وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَوِ اسْتَدْخَلَتْهُ لَمْ يَجِبْ عَلَى صَاحِبِهِ غُسْلٌ.
الثَّالِثُ:
قَالَ لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُ الْخِتَانِ بِذَكَرِ الْمَخْتُونِ وَلَا بِذَكَرِ الْغَيْرِ خِلَافًا ش لِأَنَّه لَيْسَ ذَكَرًا لَهُ.
الرَّابِعُ:
قَالَ لَا وُضُوءَ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ مَسِّ فَرْجِهَا قَالَهُ فِي الْكِتَابِ لِأَنَّ فَرْجَهَا لَيْسَ بِذَكَرٍ فَيَتَنَاوَلَهُ الْحَدِيثُ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّ عَلَيْهَا الْوُضُوءَ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «مَنْ أَفْضَى بِيَدِهِ إِلَى فَرْجِهِ فَلْيَتَوَضَّأْ».
وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ «وَيْلٌ لِلَّذِينِ يَمَسُّونَ فُرُوجَهُمْ ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ فَقُلْتُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا لِلرِّجَالِ فَمَا بَالُ النِّسَاءِ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِذَا مَسَّتْ إِحْدَاكُنَّ فَرْجَهَا فَلْتَتَوَضَّأْ» وَرُوِيَ عَنْهُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ أَنْ تُلَطِّفَ وَبَيْنَ أَلَّا تُلَطِّفَ فَيَجِبُ الْوُضُوءُ مِنَ الْأَوَّلِ لِوُجُودِ اللَّذَّةِ وَسَأَلَ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ مَالِكًا عَنِ الْإِلْطَافِ فَقَالَ أَنْ تُدْخِلَ يَدَهَا بَيْنَ شَفْرَيْهَا. وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي بَقَاءِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ عَلَى ظَاهِرِهَا أَوْ جَعْلِ التَّفْصِيلِ تَفْسِيرًا لِلْإِطْلَاقَيْنِ أَوْ جَعْلِ الْمَذْهَبِ عَلَى قَوْلَيْنِ النَّقْضُ مُطْلَقًا أَوِ التَّفْصِيلُ ثَلَاثَ طُرُقٍ.
الْخَامِسُ:
قَالَ لَا يَنْتَقِضُ الْوضُوء بِمَسّ الدبر وَانْفَرَدَ حمد يس بِإِيجَاب مس حَلْقَةِ الدُّبُرِ لِلْوُضُوءِ تَخْرِيجًا عَلَى إِيجَابِ مَسِّ الْمَرْأَةِ لِفَرْجِهَا وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ لَا يُوجِبُهُ.
السَّادِسُ:
قَالَ مَسُّ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ فَرْجَهُ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ يَتَخَرَّجُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَن أيقين الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ عَلَى مَذْهَبِ الْمَغَارِبَةِ وَعَلَى مَذْهَبِ الْبَغْدَادِيِّينَ فِي مُرَاعَاةِ اللَّذَّةِ فَفِي أَيِّ فَرْجٍ اعْتَادَ وُجُودَهَا أَوْجَبَ الْوُضُوءَ.
السَّابِعُ:
لَا ينتفض وُضُوءُ مَنْ مَسَّ ذَكَرَ غَيْرِهِ وَقَالَ الْأَيْلِيُّ الْبَصْرِيّ من أَصْحَابنَا ينتفض.
الثَّامِنُ:
قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي تَهْذِيبِهِ قَالَ أَشْهَبُ مَنْ صَلَّى خَلْفَ مَنْ لَا يَرَى الْوُضُوءَ مِنَ الْمُلَامَسَةِ أَعَادَ أَبَدًا وَمَنْ صَلَّى خلف من لَا يرى الْوضُوء من مس الذَّكَرِ لَمْ يُعِدْ لِأَنَّ الْوُضُوءَ مِنَ الْمُلَامَسَةِ ثَابِتٌ بِالْقُرْآنِ الْمُتَوَاتِرِ وَمِنْ مَسِّ الذَّكَرِ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ وَقَالَ سَحْنُونُ يُعِيدَانِ جَمِيعًا فِي الْوَقْتِ.
الْمَظِنَّةُ الثَّانِيَةُ:
الْمُلَامَسَةُ قَالَ فِي الْكِتَابِ مَسُّ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ صَاحِبَهُ لِلَذَّةٍ مِنْ فَوْقِ ثَوْبٍ أَوْ مِنْ تَحْتِهِ أَوْ قُبْلَةٌ فِي غَيْرِ الْفَمِ يُوجِبُ الْوُضُوءَ خِلَافًا ح فِي اشْتِرَاطِهِ التَّجَرُّدَ وَالتَّعَانُقَ وَالْتِقَاءَ الْفَرْجَيْنِ مَعَ الِانْتِشَارِ وَلِمَنْعِ مُحَمَّد ابْن الْحَسَنِ إِيجَابَ الْمُلَامَسَةِ مُطْلَقًا وَخِلَافًا ش فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ اللَّذَّةِ مَعَ نَقْضِهِ أَصْلَهُ بِذَوَاتِ الْمَحَارِمِ لَنَا قَوْله تَعَالَى {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} وَفِي اشْتِرَاطِ اللَّذَّةِ مَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِجْلَايَ فِي قِبْلَتِهِ فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي فَقَبَضْتُ رِجْلِي وَالْبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ. وَفِي الْمُوَطَّأِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ كُنْتُ نَائِمَةً إِلَى جَنْبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ففقدت رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ اللَّيْلِ فَلَمَسْتُهُ بِيَدِي فَوَقَعْتُ عَلَى أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ الْحَدِيثَ.
تَمَسَّكَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ هَذَا حُكْمٌ تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ مَنْ لَمَسَ زَوْجَتَهُ انْتَقَضَ وضوؤه بَلْ نُقِلَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ كَانَ يُقَبِّلُ بَعْضَ زَوْجَاتِهِ وَلَا يَتَوَضَّأُ نَقَلَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْإِفْضَاءُ وَالتَّغَشِّي وَالرَّفَثُ وَالْمُلَامَسَةُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى كِنَايَاتٌ عَنِ الْوَطْءِ وَلِأَنَّ السَّبَبَ فِي الْحَقِيقَةِ إِنَّمَا هُوَ الْمَذْيُ وَيُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ فَلَا حَاجَةَ إِلَى اعْتِبَارِ مَظِنَّةٍ لَهُ.
وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ: أَنَّ تَمَسُّكَهُمْ بِعُمُومِ الْبَلْوَى هُنَا وَفِي مَسْأَلَةِ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى يَجِبُ اشْتِهَارُهُ وَإِلَّا فَهُوَ غَيْرُ مَقْبُولٍ لِأَنَّ مَا تَعُمُّ بِهِ الْبلوى يكثر السؤوال فِيهِ فَيَكْثُرُ الْجَوَابُ عَنْهُ فَيَشْتَهِرُ وَهُمْ نَقَضُوا هَذِهِ الْقَاعِدَةَ بِإِيجَابِ الْوُضُوءِ مِنَ الْحِجَامَةِ وَالدَّمِ السَّائِلِ مِنَ الْجَسَدِ وَغَيْرِهِمَا وَقَدْ كَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَتْلُو طُولَ عُمُرِهِ {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} وَهُوَ مَقْطُوعٌ بِهِ مُتَوَاتِرٌ.
وَعَنِ الثَّانِي: أَنَّ الْحَدِيثَ غَيْرُ صَحِيحٍ طَعَنَ فِيهِ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ هَذِهِ اللَّفْظَةُ لَا تُحْفَظُ وَإِنَّمَا الْمَحْفُوظُ كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ.
وَعَنِ الثَّالِثِ: أَنَّ قَوْلَهُ مَدْفُوعٌ بِقَوْلِ عَائِشَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ الْقُبْلَةَ تُوجِبُ الْوُضُوءَ.
وَعَنِ الرَّابِعِ: أَنَّ مَظِنَّةَ الشَّيْءِ تُعْطِي حُكْمَ ذَلِكَ الشَّيْءِ وَإِنْ أَمْكَنَ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ كَالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ مَظِنَّةَ الْإِنْزَالِ أُعْطِيَ حُكْمَهُ وَالنَّوْمُ مَظِنَّةُ الْحَدَثِ وَأُعْطِيَ حُكْمَهُ مَعَ إِمْكَانِ الْوُقُوفِ عَلَيْهِ وَعَلَى رَأْيِهِمُ الْمُبَاشَرَةُ مَعَ التَّجَرُّدِ وَمَا مَعَهُ مَظِنَّةٌ أَيْضًا.
وَلَا فَرْقَ عِنْدَنَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَلْمُوسُ عُضْوًا أَوْ شَعْرًا مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ أَجْنَبِيَّةٍ أَو محرم وَبَيْنَ قَلِيلِ الْمُبَاشَرَةِ وَغَيْرِهَا وَبَيْنَ الْيَدِ وَالْفَمِ وَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ إِذَا وُجِدَتِ اللَّذَّةُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ.
فُرُوعٌ ثَمَانِيَةٌ:«الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ» وقَوْله تَعَالَى حِكَايَةً عَنِ الْجَانِّ {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا} أَي طلبناها. وَلَمَّا كَانَتِ النِّسَاءُ تُلْمَسُ طَلَبًا لِلَّذَّةِ قَالَ الله تَعَالَى {أَو لامستم النِّسَاء} وَالْأَصْلُ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْحَقِيقَةُ فَيَكُونُ هَذَا نَصًّا عَلَى إِبْطَالِ مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَعَلَى اشْتِرَاطِ اللَّذَّةِ وَالطَّلَبِ.

الْمَظِنَّةُ الثَّالِثَةُ:
النَّوْمُ وَلَيْسَ حَدَثًا فِي نَفْسِهِ وَنَقَلَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ قَوْلًا إِنَّهُ حَدَثٌ وَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى الْمَذْهَبِ فَهُوَ يُوجِبُ الْوُضُوءَ لِكَوْنِهِ مَظِنَّةَ الرِّيحِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «الْعَيْنَانِ وِكَاءُ السَّهِ فَإِذَا نَامَتِ الْعَيْنَانِ انْفَتَحَ الْوِكَاءُ» عَلَى أَنَّ أَبَا عُمَرَ قَالَ فِي التَّمْهِيدِ هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ إِلَّا أَنَّ مَعْنَاهُ مَعْلُومٌ بِالْعَادَةِ وَجَرَتْ عَادَةُ الْفُقَهَاءِ بِذِكْرِهِ فَذَكَرْتُهُ. وَالْوِكَاءُ الْخَيْطُ الَّذِي يُرْبَطُ بِهِ الشَّيْءُ وَالسَّهُ أَصله الْعَجز وَيَقُولُونَ رجل سِتَّة وَامْرَأَةٌ سَتْهَاءُ إِذَا كَانَ الرَّجُلُ أَوِ الْمَرْأَةُ كَبِيرَةَ الْعَجُزِ ثُمَّ يُسْتَعْمَلُ مَجَازًا فِي حَلْقَةِ الدبر وَهُوَ المُرَاد هَهُنَا وَأَصْلُ اللَّفْظَةِ سَتَهٍ مِثْلَ قَلَمٍ فَحُذِفَتِ التَّاءُ الَّتِي هِيَ عَيْنُ الْكَلِمَةِ فَبَقِيَ سَهُ وَيُرْوَى بِحَذْفِ لَامِ الْكَلِمَةِ الَّتِي هِيَ الْهَاءُ وَإِثْبَاتِ الْعَيْنِ الَّتِي هِيَ التَّاءُ. فَشَبَّهَ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْإِنْسَانَ بِزِقٍّ مَفْتُوحٍ لَا يَمْنَعُ خُرُوجَ الرِّيحَ مِنْهُ إِلَّا الْحَوَاسُّ وَذَهَابُهَا بِمَنْزِلَةِ ذَهَابِ الْخَيْطِ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ الزِّقُّ. وَقَدِ اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي النَّوْمِ الَّذِي هُوَ مَظِنَّةٌ فَضَبَطَهُ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ بِالزَّمَانِ وَكَيْفِيَّةِ النَّوْمِ فَقَالَ طَوِيلٌ ثَقِيلٌ نَاقِضٌ بِلَا خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ وَقَصِيرٌ خَفِيفٌ غَيْرُ نَاقِضٍ عَلَى الْمَعْرُوفِ مِنْهُ وَخَفِيفٌ طَوِيلٌ يُسْتَحَبُّ مِنْهُ الْوُضُوءُ وَثَقِيلٌ قَصِيرٌ فِيهِ قَوْلَانِ: وَضَبَطَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَمِيدِ بِهَيْئَةِ النَّائِمِ فَإِن كَانَ يُتَهَيَّأُ مِنْهُ الْخُرُوجُ مَعَ الطُّولِ نَقَضَ كَالرَّاقِدِ وَعَكْسُهُ كَالْقَائِمِ وَالْمُحْتَبِي لَا يَنْقُضُ وَإِنْ كَانَ الطُّولُ فَقَطْ كَالْحَالَتَيْنِ مُسْتَنِدًا وَعَكْسُهُ كَالرَّاكِعِ فَفِيهِمَا قَوْلَانِ وَهَذَا الضَّبْطُ أَشْبَهُ بِرِوَايَاتِ الْكِتَابِ وَمَقْصُودُ الْجَمِيعِ مَظِنَّةُ الْخُرُوجِ فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ خَرَجَ لَمْ يَشْعُرْ بِهِ انْتَقَضَ وَعَكْسُهُ لَا يَنْتَقِضُ وَإِنِ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ فَهُوَ كَالشَّاكِّ فِي انْتِقَاضِ وُضُوئِهِ. وَهَذَا الْكَلَامُ عَلَى النَّوْمِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ فَلْنَتَكَلَّمْ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ التَّفْصِيلِ فَنَقُولُ: لِلنَّائِمِ إِحْدَى عَشْرَةَ حَالَةً:
الْأُولَى:
السَّاجِدُ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ يَجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءُ إِذَا اسْتَثْقَلَ خِلَافًا ح لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا وُجُوهكُم} الْآيَةَ قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ مَعْنَاهُ قُمْتُمْ مِنَ الْمَضَاجِعِ فَجَعَلَ النَّوْمَ سَبَبًا وَاخْتَارَ هَذَا التَّفْسِيرَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَذْكُرِ النَّوْمَ فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ فَوَجَبَ حَمْلُ هَذَا عَلَيْهِ. وَقَالَ غَيْرُهُ إِذَا أَرَدْتُمُ الْقِيَامَ لِلصَّلَاةِ مُحْدِثِينَ عَلَى أَيِّ حَالَةٍ كُنْتُمْ لِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ لِمَا قِيلَ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ صَلَّيْتَ وَقَدْ نِمْتَ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ «تَنَامُ عَيْنِي وَلَا يَنَامُ قَلْبِي» فَلَوْ كَانَ نَوْمُ الْقَلْبِ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْوُضُوءِ لَمْ يَكُنْ لِهَذَا الْكَلَامِ مَعْنًى.
الثَّانِيَةُ:
الرَّاكِعُ إِذَا اسْتَثْقَلَ نوماُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ خِلَافًا ح لِمَا سَبَقَ.
الثَّالِثَةُ:
الْمُضْطَجِعُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ رَاعَى مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ الِاسْتِثْقَالَ فِي الِاضْطِجَاعِ وَلَمْ يَرَهُ الْقَاضِي فِي التَّلْقِين هَهُنَا وَلَا فِي السُّجُودِ.
الرَّابِعَةُ وَالْخَامِسَةُ:
الرَّاكِبُ وَالْجَالِسُ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِذَا اسْتَثْقَلَ وَطَالَ أَوْجَبَ الْوُضُوءَ وَإِلَّا فَلَا قَالَ وَبَيْنَ الْعِشَائَيْنِ طَوِيلٌ خلافًا ش وح قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا وُضُوءَ عَلَى الرَّاكِبِ وَالرَّاكِعِ وَالْجَالِسِ إِنْ كَانَ غَيْرَ مُسْتَنِدٍ وَمُرَاعَاةُ الشَّافِعِيَّةِ انْضِمَامَ الْمَخْرَجِ مِنَ الْجَالِسِ فِي عَدَمِ الْإِيجَابِ لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّه إِذَا ضَعُفَتِ الْقُوَّةُ الْمَاسِكَةُ وَانْصَبَّ الرِّيحُ إِلَى الْمَخْرَجِ لَمْ يَمْنَعْهُ الِانْضِمَامُ فَإِنَّ الرِّيحَ أَلْطَفُ مِنَ الْمَاءِ وَالْمَاءُ لَا يَنْضَبِطُ بِسَبَبِ الضَّمِّ فَالرِّيحُ أَوْلَى بِذَلِكَ. السَّادِسَةُ:
الْمُحْتَبِي قَالَ فِي الْكِتَابِ لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ لِأَنَّه لَا يَثْبُتُ لَوِ اسْتَثْقَلَ بِخِلَافِ الْجَالِسِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ فَرَّقَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ بَيْنَ مَنْ نَامَ قَاعِدًا وَطَالَ فِي انْتِظَارِ الصَّلَاةِ وَبَين من لَا ينتظرها وَقيل لَهُ وَبِمَا رَأَى الرُّؤْيَا قَالَ ذَلِكَ أَحْلَامٌ لِأَنَّ مُنْتَظِرَ الصَّلَاةِ لَا يُمَكِّنُ نَفْسَهُ مِنْ كَمَالِ النَّوْمِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَهُوَ ضَرُورَةٌ تَحْصُلُ لِلنَّاسِ فِي انْتِظَارِ الصَّلَاةِ وَالْحُلْمُ قَدْ يَكُونُ حَدِيثَ النَّفْسِ وَلِأَنَّهُ إِنَّمَا يَحْصُلُ مَعَ خِفَّةِ النَّوْمِ وَلِذَلِكَ تَكْثُرُ الرُّؤْيَا آخِرَ اللَّيْلِ بَعْدَ أَخْذِ النَّهْمَةِ مِنَ النَّوْمِ.
فَرْعٌ:
قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ إِذَا سَقَطَ الْمُحْتَبِي قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ من أَصْحَاب الشَّافِعِي إِذَا زَالَتْ أَلْيَتَاهُ أَوْ إِحْدَاهُمَا قَبْلَ انْتِبَاهِهِ انْتَقَضَتْ طَهَارَتُهُ وَإِنِ انْتَبَهَ لِزَوَالِهِمَا لَمْ تَنْتَقِضْ قَالَ وَهَذَا حَسَنٌ. قَالَ صَاحِبُ التَّنْبِيهَاتِ الْمُحْتَبِي هُوَ الْجَالِسُ قَائِمَ الرُّكْبَتَيْنِ جَامِعًا يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ بِالتَّشْبِيكِ وَالْمَسْكِ.
السَّابِعَةُ:
الْمُسْتَنِدُ قَالَ الْقَاضِي فِي الْإِشْرَافِ هُوَ عِنْدَ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ كَالْجَالِسِ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَانُوا يَنْتَظِرُونَ الصَّلَاةَ وَلَا يُعَرُّونَ عَنِ النَّوْمِ وَالِاسْتِنَادُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ هُوَ كَالْمُضْطَجِعِ لِأَنَّه بِاسْتِنَادِهِ خَرَجَ عَنْ هَيْئَةِ الْجُلُوسِ مُعْتَمِدَ الْأَعْضَاءِ مُنَحِّلَهَا قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَهَذَا أَحْسَنُ.
الثَّامِنَةُ: الْقَائِمُ.
التَّاسِعَةُ الْمَاشِي.
الْعَاشِرَةُ:
الْمُسْتَنِدُ الْقَائِمُ قَالَ صَاحِبُ الْقَبَسِ مَا اسْتَثْقَلَ نَوْمًا فِي هَذِهِ الْحَالَاتِ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَإِلَّا فَلَا.
الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ:
إِذَا اسْتَثْفَرَ وَارْتَبَطَ ثُمَّ نَامَ قَالَ الطَّرْطُوشِيُّ الَّذِي يَأْتِي عَلَى الْمَذْهَبِ أَنْ لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ.
فَائِدَةٌ: الْفَرْقُ بَيْنَ السِّنَةِ وَالْغَفْوَةِ وَالنَّوْمِ:
أَنَّ الْأَبْخِرَةَ مُتَصَاعِدَةٌ عَلَى الدَّوَامِ فِي الْجَسَدِ إِلَى الدِّمَاغِ فَمَتَى صَادَفَتْ مِنْهُ فُتُورًا أَوْ إِعْيَاءً اسْتَوْلَتْ عَلَيْهِ وَهُوَ مَعْدِنُ الْحِسِّ وَالْحَرَكَةِ فَيَحْصُلُ فِيهِ فُتُورٌ وَهُوَ السِّنَةُ فَإِنْ عَمَّ الِاسْتِيلَاءُ حَاسَّةَ الْبَصَرِ فَهُوَ غَفْوَةٌ وَإِنْ عَمَّ جَمِيعَ الْجَسَدِ فَهُوَ نَوْمٌ مُسْتَثْقَلٌ. وَالْأَوَّلَانِ لَا وُضُوءَ فِيهِمَا لِمَا فِي مُسْلِمٍ كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينامون ثمَّ يصلونَ وَلَا يتوضؤن وَمِنْهُ أَيْضًا أَعْتَمَّ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ ذَاتَ لَيْلَةٍ بِالْعِشَاءِ حَتَّى رَقَدَ النَّاسُ وَاسْتَيْقَظُوا وَرَقَدُوا وَاسْتَيْقَظُوا فَقَامَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ الصَّلَاةَ وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي هَذَا كَثِيرَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحِمَهُ اللَّهُ مَنْ نَامَ عَلَى هَيْئَةٍ مِنْ هَيْئَاتِ الصَّلَاةِ اخْتِيَارًا مِثْلَ الرَّاكِعِ وَالْقَائِمِ وَالسَّاجِدِ وَالْجَالِسِ فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا الْوُضُوءُ عَلَى الْمُضْطَجِعِ وَالْمَائِلِ وَالْمُسْتَنِدِ مُحْتَجًّا بِمَا يُرْوَى فِي التِّرْمِذِيِّ وَأَبِي دَاوُدَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ نَامَ وَهُوَ سَاجِدٌ حَتَّى غَطَّ وَنَفَخَ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ قَدْ نِمْتَ فَقَالَ إِنَّ الْوُضُوءَ لَا يَجِبُ إِلَّا عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا فَإِنَّهُ إِذَا اضْطَجَعَ اسْتَرْخَتْ مَفَاصِلُهُ وَضَعَّفَهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَنْكَرَهُ.
الْمَظِنَّةُ الرَّابِعَةُ:
الْخَنْقُ مِنَ الْجِنِّ قَالَ فِي الْكِتَابِ يُوجِبُ الْوُضُوءَ دُونَ الْغَسْلِ سَوَاءٌ كَانَ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا لِشِدَّةِ اسْتِيلَائِهِ عَلَى الْحَوَاسِّ فَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ حَالَاتِهِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُوجِبُ الْغَسْلَ إِنْ دَامَ يَوْمًا أَو أَيَّامًا قَالَ الشَّافِعِي رَحِمَهُ اللَّهُ قِيلَ مَا جُنَّ إِنْسَانٌ إِلَّا أَنْزَلَ.
الْمَظِنَّةُ الْخَامِسَةُ:
الْإِغْمَاءُ يُوجِبُ الْوُضُوءَ لِمَا سَلَفَ قَالَهُ فِي الْكِتَابِ.
الْمَظِنَّةُ السَّادِسَةُ:
ذَهَابُ الْعَقْلِ بِالْجُنُونِ لَا بِالْجِنِّ قَالَ فِي الْكِتَابِ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ. الْمَظِنَّةُ السَّابِعَةُ:
السُّكْرُ قَالَ فِي الْكِتَابِ يُوجِبُ الْوُضُوءَ فَإِنَّ النُّصُوصَ الْمُوجِبَةَ لِلْوُضُوءِ مِنَ النَّوْمِ تُوجِبُهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّ هَؤُلَاءِ لَوْ رُدُّوا لِإِحْسَاسِهِمْ لَمْ يَرْجِعُوا بِخِلَافِ النَّائِمِ.
الْمَظِنَّةُ الثَّامِنَةُ:
الْهَمُّ الْمُذْهِبُ لِلْعَقْلِ بِغَلَبَتِهِ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ قِيلَ لَهُ هُوَ قَاعِدٌ قَالَ أُحِبُّ أَنْ يَتَوَضَّأَ قَالَ يَحْتَمِلُ الِاسْتِحْبَابُ أَنْ يَكُونَ خَاصًّا بِالْقَاعِدِ بِخِلَافِ الْمُضْطَجِعِ لِتَمَكُّنِهِ مِنَ الْأَرْضِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَامًّا فِيهِمَا فَهَذِهِ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ مُوجبا للْوُضُوء عندنَا.
تذييل:
وَقَعَ بَيْنِي وَبَيْنَ بَعْضِ فُضَلَاءِ الشَّافِعِيَّةِ خِلَافٌ هَلْ هَذِهِ الْأُمُورُ نَوَاقِضُ لِلطَّهَارَةِ أَوْ مُوجِبَاتٌ لِلْوُضُوءِ وَالْتَزَمْتُ أَنَّهَا مُوجِبَاتٌ.
وَيَنْبَنِي عَلَى الْخِلَافِ مَنْ لَمْ يُحْدِثْ قَطُّ ثُمَّ أَرَادَ الصَّلَاةَ فَإِنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْوُضُوءِ إِجْمَاعًا وَيَبْقَى الْخِلَافُ فِي مُدْرِكِ هَذَا الْوُجُوبِ فَإِنَّا قُلْنَا إِنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ مُوجِبَةٌ فَسَبَبُ هَذَا الْأَمْرِ مَا تَقَدَّمَ مِنْهُ مِنَ الْإِحْدَاثِ وَإِنْ قُلْنَا إِنَّهَا لَيْسَتْ مُوجِبَةً بَلْ نَاقِضَةٌ لِلطَّهَارَةِ فَلَا عِبْرَةَ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ إِحْدَاثِهِ لِأَنَّهَا لَمْ تَرِدْ عَلَى طَهَارَةٍ فَتَنْقُضَهَا وَيَجِبُ الْوُضُوءُ لِكَوْنِهِ شَرْطًا فِي الصَّلَاةِ كَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ. وَأَكْثَرُ عِبَارَاتِ أَصْحَابِنَا أَنَّهَا مُوجِبَةٌ لِلْوُضُوءِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ إِنَّهَا نَاقِضَةٌ لِلطَّهَارَةِ وَجَمَعَ الْقَاضِي فِي التَّلْقِينِ بَيْنَهُمَا فَقَالَ بَابُ مَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ وَيَنْقُضُهُ بَعْدَ صِحَّتِهِ وَالْخِلَافُ يَرْجِعُ إِلَى مُدْرِكِ الْحُكْمِ لَا الْحُكْمِ.