فصل: باب ما جاء في مال المملوك

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار ***


باب ما جاء في مال المملوك

1252- مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب قال من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع قال أبو عمر هكذا روى هذا الحديث نافع عن بن عمر عن عمر لم يختلف أصحاب نافع عليه في ذلك إلا أن أيوب رواه عن نافع عن بن عمر فلم يتجاوز به بن عمر ورواه مالك وعبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر عن عمر من قوله والصواب فيه عندهم عن نافع عن بن عمر عن عمر وقد روي عن أيوب عن نافع عن بن عمر عن عمر كما رواه مالك وعبيد الله سواء ورواه سالم عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم كذلك رواه الزهري وغيره عن سالم عن عبد الله عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يختلف على مالك في ذلك أيضا ومال علي بن المديني إلى تصحيح رواية سالم في ذلك وهو أحد الأحاديث التي خالف فيها سالم نافعا وقد ذكرتها في حديث نافع من ‏(‏‏(‏ التمهيد‏)‏‏)‏ في حديث من باع نخلا قد أبرت فكان نافع في هذا الحديث يأبى أن ينصرف ويقول إنما هو عن عمر ذكر معمر عن أيوب قال قال نافع في شأن العبد ما هو إلا عن عمر وذكره بن وهب عن يونس بن يزيد والليث بن سعد وبن سمعان عن بن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏(‏‏(‏من باع عبدا له مال فماله للذي باعه إلا أن يشترطه المبتاع‏)‏‏)‏ وروى معمر عن الزهري عن سالم عن بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏ من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع ومن باع نخلا فيها ثمرة قد أبرت فثمرها للبائع إلا أن يشترطه المبتاع‏)‏‏)‏‏.‏

قال أبو عمر لم يختلف عن بن عمر في رفع حديث من باع نخلا قد أبرت حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني أحمد بن زهير قال حدثني أبي‏.‏

وحدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قالا حدثني سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم عن عبد الله بن عمر عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏من باع نخلا قد أبر فثمرتها للبائع إلا أن يشترطه المبتاع ومن باع عبدا وله مال فالمال للبائع إلا أن يشترطه المبتاع قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا أن المبتاع إن اشترط مال العبد فهو له نقدا كان أو دينا أو عرضا يعلم أو لا يعلم وإن كان للعبد من المال أكثر مما اشترى به كان ثمنه نقدا أو دينا أو عرضا وذلك أن مال العبد ليس على سيده فيه زكاة وإن كانت للعبد جارية استحل فرجها بملكه إياها وإن عتق العبد أو كاتب تبعه ماله وإن أفلس أخذ الغرماء ماله ولم يتبع سيده بشيء من دينه قال أبو عمر قوله في هذا الحديث وله مال استدل به من قال إن العبد يملك وقول فماله للبائع استدل به من قال إن العبد لا يملك فإن ما بيده من المال لسيده وإن أصابه المالك إليه فجاب كما يقال غنم الراعي وسرج الدابة وباب الدار قالوا وإنما قوله وله مال كقوله وبيده مال بدليل قوله فماله للبائع فكيف يكون له مال ويكون في تلك الحال ذلك المال بعينه لسيده إذا باعه هذا ما لا يستقيم إلا على ما قلنا إن ما بيده من المال لسيده واستدل من قال إن العبد يملك فإن عبد الله بن عمر كان يأذن لعبيده في التسري ولولا أنهم يملكون ما حل لهم التسري لأن الله تعالى لم يحل الفرج إلا بنكاح أو ملك اليمين واحتج من قال بأن العبد لا يملك ولا يصح له ملك ما دام مملوكا بإجماع الأمة أن لسيده أن ينتزع منه ما بيده من المال من كسبه ومن غير كسبه وقالوا إنما معنى إذن بن عمر لعبيده في التسري لأنه كان يرى أن يزوج أمته من عبده بغير صداق فكان عنده إذنه من ذلك من هذا الباب قالوا ولو كان العبد يملك لورث قرابته فلما أجمعوا أن العبد لا يرث دل على أن ما يحصل بيده من المال هو لسيده وأنه لا يملكه ولو ملكه ما انتزعه منه سيده كما لا ينتزع مال مكاتبه قبل العجز ولكلا الفريقين في هذه المسألة ضروب من الاحتجاج يطول ذكرها ليس كتابنا هذا بموضع لها‏.‏

وأما استدلال مالك بأن العبد ليس على سيده في ماله زكاة فإن معنى ذلك عنده لأن أكثر أهل العلم يرون أن الزكاة على سيده فيما بيده من المال وطائفة من أهل الظاهر منهم داود يقولون ان العبد تلزمه الزكاة فيما بيده من المال وتلزمه الجمعة ويلزمه الحج إن أذن له سيده وتجوز شهادته وهذه الأقوال شذوذ عند الجمهور ولا خير في الشذوذ والاختلاف في ‏(‏‏(‏تسري العبد قديم وحديث وكل من يقول لا يملك العبد شيئا لا يجوز له التسري بحال من الأحوال ولا يحل له وطء فرج إلا بنكاح يأذن له فيه سيده وقد ذكرنا الاختلاف في العبد المعتق هل يبيعه ماله إذا أعتق فيما تقدم من كتاب العتق‏.‏ وأما شراء العبد واشتراط ماله فذهب مالك وأصحابه في ذلك إلى ما ذكره في ‏(‏‏(‏الموطأ‏)‏‏)‏‏.‏

قال بن القاسم عن مالك يجوز أن يشتري العبد وماله بدراهم إلى أجل وإن كان ماله دراهم أو دنانير أو غير ذلك من العروض واختلفوا في اشتراط المشتري لبعض ما للعبد في صفقة نصفا أو ثلثا أو ربعا أو أقل أو أكثر فقال بن القاسم لا يجوز له أن يستثني نصفه ولا جزءا منه وإنما له أن يشترطه كله أو يدعه كله وقال أشهب جائز أن يشترط نصفه أو ما شاء منه وقال أصبغ عن بن القاسم إن كان ما اشترى به العبد عروضا أو حيوانا فلا بأس أن يستثني نصف ماله وإن كان ماله ذهبا أو ورقا وكان الثمن ذهبا أو ورقا فلا يجوز أن يستثني نصف ماله ولا جزءا منه إلا أن يكون مال العبد عروضا أو حيوانا ودقيقا ويكون معلوما غير مجهول فإذا كان كذلك فكان الثمن عينا ذهبا أو ورقا جاز له أن يستثني ما شاء منه قال أبو عمر من روى أن لا يشترط المبتاع بلا هاء الضمير فروايته حجة لمن قال يشترط من ماله ما شاء فمن روى أن لا يشترطه المبتاع بالهاء فروايته حجة لابن القاسم ومن قال بقوله‏.‏

وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما إذا باع العبد وله مال فهو لمن باع شيئين لا يجوز فيهما إلا ما يجوز في سائر البيوع قال الشافعي لما كان مال العبد لا يدخل في صفقة راسه إلا بالشرط دل على أنه ليس تبعا له لأن ما كان تبعا لا يحتاج إلى شرط في دخوله في الصفقة كجري مياه الدار ومنافعها ولما احتاج إلى الشرط كانت صفقة واحدة وقد جمعت شيئين ولا يجوز من ذلك إلا ما يجوز من شراء دابة ودراهم معها أو دار معها أو دنانير قال أبو عمر للتابعين في مال العبد إذا بيع أو أعتق ثلاثة أقوال أحدها أن ماله تبع له في البيع والعتق جميعا وممن قال ذلك الحسن والزهري وهو قول داود وأبي ثور والثاني أن ماله لسيده في العتق والبيع جميعا وكذلك إذا كان ممن قال بذلك قتادة وجماعة وإليه ذهب الشافعي والكوفيون والثالث إن مال العبد تبع له في العتق وإن بيع فماله لسيده وللمشتري أن يشترطه إن شاء وممن قال ذلك إبراهيم النخعي وهو قول مالك والليث وقال عثمان البتي إذا باع عبدا وله مال ألف درهم بألف درهم جاز إذا كانت الرغبة في العبد لا في الدراهم‏.‏

باب ما جاء في العهدة

1253- مالك عن عبد الله بن ابي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن أبان بن عثمان وهشام بن إسماعيل كانا يذكران في خطبتهما عهدة الرقيق في الأيام الثلاثة من حين يشترى العبد أو الوليدة وعهدة السنة قال مالك ما أصاب العبد أو الوليدة في الأيام الثلاثة من حين يشتريان حتى تنقضي الأيام الثلاثة فهو من البائع وإن عهدة السنة من الجنون والجذام والبرص فإذا مضت السنة فقد بريء البائع من العهدة كلها قال مالك ومن باع عبدا أو وليدة من أهل الميراث أو غيرهم بالبراءة فقد بريء من كل عيب ولا عهدة عليه إلا أن يكون علم عيبا فكتمه فإن كان علم عيبا فكتمه لم تنفعه البراءة وكان ذلك البيع مردودا ولا عهدة عندنا إلا في الرقيق قال ابو عمر زعم الطحاوي أن العهدة في الرقيق لا أصل لها في الكتاب ولا في السنة وأن الأصول المجتمع عليها تنقضها وأنه لم يتابع مالكا أحد من فقهاء الأمصار على القول بها وليس كما قال بل عهدة الرقيق في الثلاث من كل ما يعرض وفي السنة من الجنون والجذام والبرص معروفة بالمدينة إلا انه لا يعرفها غير أهل المدينة بالحجاز ولا في سائر آفاق الإسلام إلا من أخذها على مذهب أهل المدينة وكذلك قال مالك - رحمه الله - لا أرى أن يقضي بعهدة الرقيق إلا بالمدينة خاصة أو عند قوم يعرفونها بغير المدينة فيشترطونها فتلزم ذكر بن وهب عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال قضى عمر بن عبد العزيز في رجل باع من رجل عبدا فهلك العبد في عهدة الثلاث فجعله عمر من مال البائع وذكر عن يونس بن يزيد عن بن شهاب قال سمعت سعيد بن المسيب يقول في العهدة في كل داء عضال الجذام والجنون والبرص سنة قال بن شهاب والقضاة قد أدركنا يقضون بذلك قال بن وهب‏.‏

وأخبرنا بن سمعان قال سمعت رجالا من علمائنا منهم يحيى بن سعيد الأنصاري يقولون لم تزل الولاة بالمدينة في الزمن الأول يقضون في الرقيق بعهدة السنة في الجذام والجنون والبرص إن ظهر بالمملوك شيء من ذلك قبل ان يحول الحول عليه فهو راد على البائع ويقضون في عهدة الرقيق بثلاث ليال فإن حدث في الرأس في تلك الليالي الثلاث جدت من موت أو بعض فهو من البائع وإنما كانت عهدة الثلاث من أجل حمى الربع لأنها لا يتبين إلا في ثلاث ليال وحكى أبو الزناد عن الفقهاء السبعة وعن عمر بن عبد العزيز عهدة الثلاث قال أبو عمر قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جعل عهدة الرقيق ثلاثة أيام رواه سعيد بن أبي عروبة وأبان العطار عن قتادة عن الحسن عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه همام عن قتادة عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏‏(‏لا عهدة بعد أربع‏)‏‏)‏ وبعض أصحاب همام يرويه عن همام عن قتادة عن الحسن قوله ورواه يونس عن الحسن عن عقبة بن عامر عن النبي -عليه السلام- ‏(‏‏(‏لا عهدة بعد أربع‏)‏‏)‏ وأهل الحديث يقولون إن الحسن لم يسمع من عقبة بن عامر شيئا حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن الجهم قال حدثني عبد الوهاب بن عطاء قال حدثني سعيد عن قتادة عن الحسن عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏‏(‏عهدة الرقيق أربع ليال‏)‏‏)‏‏.‏ قال هشام قال قتادة وأهل المدينة يقولون ثلاث‏.‏

وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثني عبدة ومحمد بن بشر عن سعيد عن قتادة عن الحسن عن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏عهدة الرقيق ثلاث ليال قال أبو عمر من جعلهما حديثين قضى بصحة حديث سمرة على أنه قد اختلف أيضا في سماع سمرة من الحسن ومن جعلها حديثا واحدا فقد اختلف فيه عن الحسن فهو عندهم أوهن والله أعلم‏.‏

وقال الشافعي وأبو حنيفة والأوزاعي وبن جريج وسفيان والحسن بن صالح وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود من اشترى شيئا من الرقيق وقبضه فكل ما أصابه من الثلاث وغيرها فمن المشتري مصيبة وقال أصحاب الشافعي معنى حديث عقبة في الخيار المشروط وروي عن شريح في تفسير ذلك قال عهدة المسلم لا داء ولا غائلة ولا شين ورواه أيوب عن بن سيرين عن شريح فأخبر أن العهدة هي في وجوب الرد بالعيب الموجود قبل البيع ولا يختلف في ذلك الثلاث وما فوقها وروى بن المبارك عن بن جريج عن عطاء قال لم يكن فيما عهده في الأرض قلت فما ثلاثة أيام قال كل شيء وروى بن جريج عن بن طاوس عن أبيه أنه كان لا يرى العهدة شيئا لا ثلاثا ولا أكثر وروى الشافعي قال أخبرنا مسلم بن خالد عن بن جريج قال سألت بن شهاب عن عهده السنة وعهدة الثلاث فقال ما علمت فيه أمرا سالفا قال أبو عمر لم يقل من أئمة الفتوى بالأمصار بعهده الثلاث وعهدة السنة في الرقيق غير مالك وسلفه في ذلك أيضا أهل بلدة فهي عنده مسألة اتباع لهم‏.‏

وأما القياس على سائر العروض من الحيوان إلا الرقيق وغير الحيوان من سائر العروض والمتاع فالإجماع منعقد على أن ما قبضه المبتاع وبان به إلى نفسه فمصيبته منه وهذا أصل وإجماع ينبغي ألا يرغب عنه إلا بالشرط أو يكون قاضي البلد أو الأمير فيه يحمل عليه فيجري حينئذ مجرى قاض قضى بما قد اختلف فيه العلماء فينفذ وبالله التوفيق‏.‏

باب العيب في الرقيق

1254- مالك عن يحيى بن سعيد عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر باع غلاما له بثمانمائة درهم وباعه بالبراءة فقال الذي ابتاعه لعبد الله بن عمر بالغلام داء لم تسمه لي فاختصما إلى عثمان بن عفان فقال الرجل باعني عبدا وبه داء لم يسمه وقال عبد الله بعته بالبراءة فقضى عثمان بن عفان على عبد الله بن عمر أن يحلف له لقد باعه العبد وما به داء يعلمه فأبى عبد الله أن يحلف وارتجع العبد فصح عنده فباعه عبد الله بعد ذلك بألف وخمسمائة درهم قال أبو عمر خالف سفيان بن عيينة مالكا في بعض ألفاظ هذا الخبر والمعنى قريب من السواء حدثناه عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني الخشني قال حدثني بن أبي عمر قال حدثني سفيان عن يحيى بن سعيد عن سالم بن عبد الله أن بن عمر باع غلاما له على عهد عثمان بالبراءة بسبعمائة درهم فظهر به عيب فخوصم إلى عثمان فأراد عثمان أن يحلفه فقال له إني بعته بالبراءة فأبى إلا أن يحلفه على علمه بالله ما بعته وأنت تعلم به عيبا قال فأبى وارتده فباعه بألف وأربعمائة أو ألف وخمسمائة قال سفيان‏.‏

وحدثني أيوب عن بن سيرين قال سمعت شريحا يقول عهدة المسلم وإن لم يشترط إلا داء ولا غائلة ولا خبثة ولا شينا قال أبو عمر ذكر مالك في هذا الباب بعد فصلين أو ثلاثة قال الأمر المجتمع عليه عندنا فيمن باع عبدا أو وليدة أو حيوانا بالبراءة من أهل الميراث أو غيرهم فقد بريء من كل عيب فيما باع إلا أن يكون علم في ذلك عيبا فكتمه فإن كان علم عيبا فكتمه لم تنفعه تبرئته وكان ما باع مردودا عليه قال أبو عمر هكذا هو في ‏(‏‏(‏الموطأ‏)‏‏)‏ عند أكثر الرواة فيمن باع عبدا أو وليدة أو حيوانا بالبراءة وكان مالك يفتي به مرة في سائر الحيوان ثم رجع عنه إلى أن البراءة لا تكون في شيء من الحيوان إلا في الرقيق قال بن القاسم عن مالك البراءة لا تكون في الثياب وقال في الخشب إذا كان العيب داخل الخشبة فليس بعيب ترد منه قال وكان مالك يقول مرة لا تنفعه البراءة في شيء يتابعه الناس كانوا أهل ميراث أو غيرهم إلا بيع الرقيق وحده فإنه كان يرى البراءة فيه ما لم يعلم وإن علم عيبا فلم يسمه وقد باع بالبراءة لم تنفعه البراءة من ذلك العيب قال ولو أن أهل الميراث باعوا دوابا وشرطوا البراءة وباع الوصي كذلك لم ينفعه ذلك في الدواب وليست البراءة إلا في الرقيق ثم رجع فقال لا أرى البراءة تنفع في الرقيق لأهل الميراث ولا للوصي ولا لغيرهم وإنما كانت البراءة لأهل الديون يفلسون فيبيعوا عليهم السلطان قال مالك ولا أرى البراءة تنفع أهل الميراث ولا غيرهم إلا أن يكون عيبا خفيفا وليست البراءة إلا في الرقيق والبراءة التي يتبرأ بها في هذا إذا قال أبيعك بالبراءة فقد بريء مما يصيب العبد من الأيام الثلاثة ومن عهدتها أيضا وقال بن خواز منداذ اختلف قول مالك في البيع بالبراءة فقال مرة إذا باع بالبراءة بريء من كل عيب لم يعلمه ولا يبرأ من عيب علمه فكتمه في الحيوان كله وقال مرة أخرى لا براءة إلا في الرقيق وقد قال لا تنفعه البراءة بوجه من الوجوه إلا من عيب يريه المشتري وبهذا قال الشافعي في الكتاب العراقي ببغداد‏.‏

وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا باع بيعا بالبراءة من كل عيب جاز سمى العيوب أو لم يسم وبه قال أبو ثور وقال الثوري إذا باع السلعة بالبراءة فسمى العيوب وتبرأ منها فقد بريء وإن لم يرها إياه وقال بن أبي ليلى لا يبرأ حتى يسمي العيوب كلها بأسمائها وهو قول شريح والحسن وطاوس وقال الحسن بن حي لا يبرأ حتى يبين ويسمي وقال احمد بن حنبل لا يبرأ حتى يسمي العيوب كلها ويضع يده عليها‏.‏

وقال أحمد من باع رقيقا أو حيوانا بالبراءة من كل عيب لم يبرأ مما علم إنما يبرأ مما لم يعلم وقال الليث بن سعد في بيع المواريث إنه بيع براءة وإن باع صاحب الميراث فقد بريء من العيوب كلها إلا أن تقوم بينة أنه علم ذلك العيب فكتمه وقال عبيد الله بن الحسن في رجل اشترى إبلا فقال البائع إنه بريء من الجرب ولم يعلمه أن بها جربا فإذا هي جرباء فإنه يردها وإذا تبرأ من كل عيب لم يبرأ بذلك وإذا أراه العيب فقد برأة‏.‏

وقال الشافعي إذا باع شيئا من الحيوان بالبراءة فالذي أذهب إليه في ذلك قضاء عثمان بن عفان أنه بريء من كل عيب لم يعلمه ولم يبرأ من عيب علمه ولا يسمه ولم يقف عليه والحيوان يفارق ما سواه لأنه يعتدي بالصحة والسقم وتحول طبائعه وقل ما يبرأ من عيب يخفى أو يظهر فإن صح ما في القياس - لولا ما وصفنا من افتراق الحيوان وغيره - إلا أن يبرأ من عيوب لم يرها وإن سماها لاختلافها أو يبرأ من كل عيب والأول أصح وقال إسحاق بن راهويه في بيع البراءة بقول عثمان - رضي الله عنه قال أبو عمر روي عن زيد بن ثابت أنه كان يرى البراءة من كل عيب جائزة وهو مذهب بن عمر على ما تقدم عنه في أول الباب وحجة من قال بهذا القول القياس والاستدلال بأن من أبرأ رجلا كان يعامله من كل حق له قبله فإنه يبرأ منه في الحكم لأنه حق للمشتري إذا جاز تركه تركه وأصح ما فيه عندي -والله أعلم- قول من قال لا يبرأ من العيوب حتى يريه إياه ويقفه عليه فيتأمله المشتري وينظر إليه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏ ليس الخبر كالمعاينة‏)‏‏)‏ معلوم أن العيوب تتفاوت بعضها أكثر من بعض فكيف يبرأ بما لم يعلم المشتري قدره قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا أن كل من ابتاع وليدة فحملت أو عبدا فأعتقه وكل أمر دخله الفوت حتى لا يستطاع رده فقامت البينة إنه قد كان به عيب عند الذي باعه أو علم ذلك باعتراف من البائع أو غيره فإن العبد أو الوليدة يقوم وبه العيب الذي كان به يوم اشتراه فيرد من الثمن قدر ما بين قيمته صحيحا وقيمته وبه ذلك العيب قال أبو عمر على هذا جمهور العلماء وهو قول الثوري والأوزاعي والشافعي وأبي ثور‏.‏

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد إذا أولد الجارية أو أعتقها كان له أن يرجع بأرش العيب وإن وهبها أو تصدق بها لم يكن له أن يرجع بشيء وكذلك لو قبلها هو أو غيره لم يرجع بشيء وإن ماتت رجع بالأرش قال أبو حنيفة ومحمد إن كان ثوبا فخرقه أو طعاما فأكله لم يرجع بشيء وقال أبو يوسف يرجع ما بين الصحة والعيب وجملة قول مالك في ذلك أنه إن دبر العبد أو كاتبه أو تصدق به أو بالشيء المعيب ما كان فهو فوت يأخذ قيمة العيب والرهن والإجارة ليسا بفوت عنده ومتى رجع إليه الشيء يرده إن كان لحاله وإن دخله عيب مفسد رده ورد ما نقص منه والبيع ليس بفوت عنده والهبة للثواب عنده كالبيع ها هنا ولغير الثواب كالصدقة وإن باع نصف السلعة قيل للبائع إما ان ترد نصف أرش العيب وإما أن تقبل النصف الثاني بنصف الثمن ولا شيء عليك غير ذلك‏.‏

وقال الشافعي إذا باعه أو باع نصفه لم يرجع على البائع بشيء وإن لحقه عتق أو مات فله قيمة العيب وإن لحقه عيب رجع بقيمة العيب إلا أن يقبله البائع معيبا قال أبو حنيفة إذا باع أو وهب لم يرجع بأرش العيب ويرجع في العتق والاستيلاد والتدبير إذا أطلع بعد على العيب فخصمه على العيب وقال الليث إذا باعه لم يرجع بالعيب ولو مات أو أعتقه رجع بقيمة العيب وقال عبيد الله بن الحسن فيمن اشترى عبدا فوجده مجنونا لا يميز بعد أن اعتله أن يرجع بالثمن على البائع والفلان المعتق وقال عثمان البتي في العتق والبيع يرجع بقدر العيب إلا أن يبيعه بما اشتراه وأكثر فلا يرجع بشيء فإن باعه بأقل أعطي ما نقصه العيب ما بينه وبين وفاء ما اشتراه وقال عطاء بن أبي رباح لا يرجع في الموت ولا في العتق بشيء قال أبو عمر قد أجمعوا أن المبتاع إذا وجد العيب لم يكن له أن يمسكه ويرجع بقيمة العيب فدل على أن العيب لا حصة له من الثمن وكان القياس على هذا أن يرد المعيب ما كان موجودا فإن مات لم يرجع بشيء إلا أن هؤلاء الفقهاء المذكورين اتفقوا انه يرجع في المعتق بقدر العيب قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا في الرجل يشتري العبد ثم يظهر منه على عيب يرده منه وقد حدث به عند المشتري عيب آخر إنه إذا كان العيب الذي حدث به مفسدا مثل القطع أو العور أو ما أشبه ذلك من العيوب المفسدة فإن الذي اشترى العبد بخير النظرين إن أحب أن يوضع عنه من ثمن العبد بقدر العيب الذي كان بالعبد يوم اشتراه وضع عنه وإن أحب أن يغرم قدر ما أصاب العبد من العيب عنده ثم يرد العبد فذلك له وإن مات العبد عند الذي اشتراه أقيم العبد وبه العيب الذي كان به يوم اشتراه فينظر كم ثمنه فإن كانت قيمة العبد يوم اشتراه بغير عيب مائة دينار وقيمته يوم اشتراه وبه العيب ثمانون دينارا وضع عن المشتري ما بين القيمتين وإنما تكون القيمة يوم اشتري العبد قال أبو عمر أما اختلاف العلماء فيمن اشترى سلعة أو عبدا أو وليدة أو غير ذلك من العروض فحدث عنده بالعبد عيب ثم وجد به عيبا كان عند البائع فقد أوضح مالك مذهبه في ذلك‏.‏

وقال الشافعي ببغداد إذا أصاب بالسلعة عيبا وقد حدث به آخر كان له الرد وما نقصها العيب الذي حدث عنده وبهذا قال أبو ثور ورواه عن الشافعي أيضا وهو قول بن أبي ليلى‏.‏

وقال الشافعي بمصر إذا حدث عنده عيب لم يكن له رده ولكنه يرجع بأرش النقص على البائع ليس له غير ذلك إلا أن يشاء البائع أن يقيله ويأخذها معيبة دون أن يأخذ من المشتري شيئا وقال حينئذ للمشتري سلمها وبن شئت فأمسكها ولا ترجع بشيء رواه المزني والربيع والبويطي عنه‏.‏

وقال أبو حنيفة إذا حدث عنده عيب لم يكن له أن يرد العيب الذي وجد وله أخذ الأرش وقال الثوري إذا اشترى الرجل السلعة فرأى بها عيبا وقد حدث بها عيب لم يكن له أن يرد بالعيب فهي للمشتري ويرد عليه البائع فضل ما بين الصحة والداء قال أبو عمر القولان في القياس متساويان وكان مالكا في قوله بتخيير المشتري قد جمع معنى القولين‏.‏

وأما إذا مات العبد فقولهم فيه سواء وقال بن القاسم في هذه المسألة إن البائع قال للمشتري أنا أخيرك فإن شئت فاردده ولا غرم عليك وإن شئت فاحبسه ولا غرم عليك كان ذلك له وخالف في ذلك عبد الله بن نافع وعيسى بن دينار فقالا فيه بقول مالك لا يكون المخير إلا المبتاع قال وكيف يدلس البائع بالعيب ثم يخير فيتخير ما فيه النماء والفضل ويترك ما فيه النقص قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا أن من رد وليدة من عيب وجده بها وكان قد أصابها أنها إن كانت بكرا فعليه ما نقص من ثمنها وإن كانت ثيبا فليس عليه في إصابته إياها شيء لأنه كان ضامنا لها قال أبو عمر الاختلاف في هذا قديم أيضا قال الثوري - رحمه الله - من اشترى جارية فوطئها ثم اطلع على عيب فمنهم من يقول يردها ويرد العشر من ثمنها إن كانت بكرا وإن كانت ثيبا فنصف العشر ومنهم من يقول هي له بوطئه إياها ويرد عليه فضل ما بين الصحة والداء وبه يقول الثوري‏.‏

وقال أبو حنيفة وأصحابه إلا زفر إذا اشترى جارية فوطئها ثم اطلع على عيب فليس له أن يردها ولكنه يرجع بنقصان العيب إلا أن يشاء البائع أن يقبلها ويرد الثمن وقال زفر إذا ردها بقضاء قاض وقد وطئها رد معها عقدها وقال بن أبي ليلى يردها ويرد معها مهر مثلها والمهر في قوله أن يأخذ العشر من قيمتها أو نصف العشر فيجعل المهر نصف ذلك وقال بن شبرمة إذا وطئها يردها ويرد معها مهر مثلها وهو قول الحسن بن حي وعبيد الله بن الحسن العنبري وقال عثمان البتي إن لم ينقصها الوطء ردها ولا عقد عليه وإن نقصها الوطء ردها ورد النقصان وقال الليث تلزمه إذا وطئها ويرجع بالعيب إلا أن يشاء البائع أن يأخذها فلا بأس وإن كان العيب الذي وجده لكنه وما أشبهها لزمه وضع ثمن العيب وإن كان مثل البرص وما أشبهه من القروح التي تنقص فإنه يردها إن شاء فإن كانت بكرا رد معها ما نقصها وطؤه من ثمنها قال الليث وقال الزهري وسليمان بن حبيب المحاربي في الوطء تلزمه ويرجع بقيمة العيب‏.‏

وقال الشافعي الوطء أقل من الخدمة ولا شيء عليه في وطء الثيب فإن كانت بكرا لم يردها ناقصة ولكنه يرجع بحصة العيب ما بين قيمتها معيبة وغير معيبة من الثمن وذكر عنه أبو ثور مثل قول مالك وهو كان قوله بالعراق‏.‏

وقال أبو ثور في ذلك مثل مالك حدثني أبو القاسم وعبد الوارث بن سفيان عن سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني قاسم بن وضاح قال حدثني أبو الطاهر قال حدثني يوسف أنس بن عياض عن جعفر بن محمد عن أبيه أن علي بن أبي طالب كان يقول إذا ابتاع الرجل الأمة فوجد بها عيبا وقد أصابها حط عنه بقدر العيب من ثمن الجارية وألزمها الذي ابتاعها قال أبو الطاهر وبهذا كان يقول بن وهب ويوسف بن عمر وقال بن وضاح‏.‏

وحدثني محمد بن معاوية قال سئل الليث عن الرجل يشتري الجارية ويقبضها ويمسها فيجد بها عيبا قديما قال لا يردها ولكن يوضع عنه بذلك قيمة العيب قال وقد قضى به عبد الملك بن مروان قال مالك في الجارية تباع بالجاريتين ثم يوجد بإحدى الجاريتين عيب ترد منه قال تقام الجارية التي كانت قيمة الجاريتين فينظر كم ثمنها ثم تقام الجاريتان بغير العيب الذي وجد بإحدهما تقامان صحيحتين سالمتين ثم يقسم ثمن الجارية التي بيعت بالجاريتين عليهما بقدر ثمنها حتى يقع على كل واحدة منهما حصتها من ذلك على المرتفعة بقدر ارتفاعها وعلى الأخرى بقدرها ثم ينظر إلى التي بها العيب فيرد بقدر الذي وقع عليها من تلك الحصة إن كانت كثيرة أو قليلة وإنما تكون قيمة الجاريتين عليه يوم قبضهما قال أبو عمر هذه المسألة في تبعيض الصفقة على البائع في الرد بالعيب سيأتي ذكرها بعد فيمن ابتاع رقيقا في صفقة واحدة فوجد بأحدهم عيبا أو وجده مسروقا‏.‏

وأما ما ذكره مالك في الأصل من التقويم فلا يخالفه فيه أحد يقول بقوله ويبني على أصله واتفق الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم والثوري فيمن باع عبدي الجارية وتقابضا ثم وجد بالجارية عيبا أنه يردها ويأخذ العبد وقال بن أبي ليلى إنما له قيمة الجارية ولا يأخذ العبد وكذلك سائر الحيوان وسائر العروض عندهم إذا بيع بعضه ببعض ولو مات العبد رد قيمته عند هؤلاء وعند بن أبي ليلى ترد قيمة الجارية قال مالك في الرجل يشتري العبد فيؤاجره بالإجارة العظيمة أو الغلة القليلة ثم يجد به عيبا يرد منه إنه يرده بذلك العيب وتكون له إجارته وغلته وهذا الأمر الذي كانت عليه الجماعة ببلدنا وذلك لو أن رجلا ابتاع عبدا فبنى له دارا قيمة بنائها ثمن العبد أضعافا ثم وجد به عيبا يرد منه رده ولا يحسب للعبد عليه إجارة فيما عمل له فكذلك تكون له إجارته إذا آجره من غيره لأنه ضامن له وهذا الأمر عندنا وذكر بن وهب في موطئه أيضا قال وسئل مالك عن رجل باع جارية له من رجل فتزوجها المبتاع فولدت أولادا ثم وجد بها عيبا كان عند البائع أترى ولادتها فوتا أو يردها بولدها إن شاء أو يمسكها فذكر فيها مالك شيئا ثم قال إن شاء أن يمسكها أمسكها وإن شاء أن يردها بولدها ردها ولا أرى له في العيب شيئا إن أمسكها وتلخيص مذهب مالك في هذا الباب أنه من اشترى سلعة لها غلة أو خراج أو كان عبدا فأخذ خراجه وعمله أو نخلا فأثمرت أو جارية فولدت ثم وجد عيبا فإنه يرد ولا شيء عليه في الكسب والثمرة‏.‏

وأما الولد فيرد مع أمه وسواء اشتراها وهي حامل أو حملت بعد الشراء - يعني من غيره وكذلك الاستحقاق وقال الثوري إذا باع عبدا فأغل غلة عند الذي اشتراه ثم وجد به عيبا كانت الغلة للمشتري بما ضمن‏.‏

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد إذا كانت ماشية فحلبها أو شجرا فأكل ثمرها لم يكن له ردها بالعيب إلا أن يرد قيمة الثمر واللبن هذه رواية الجوزجاني عن محمد عنهم وذكر الطحاوي أنه لا يرد اللبن فلم يختلف عنهم انه يرد كراء الولد كالشجر وكذلك لم يختلف عنهم في الدار والجارية والغلام إذا استغل شيئا من ذلك أن الغلة له ويرد السلعة بالعيب وقالوا بن غصب رجل عبد رجل ثم باعه واستغله المشتري ثم استحقه المغصوب منه كانت الغلة للمشتري وقال زفر إذا ولدت الجارية في يد المشتري أو زوجها أو وطئت بشبهة فاخذ لها مهرا أو جنى عليها جان فاخذ لها أرشا ثم اطلع على عيب فإنه يردها ويرد ذلك كله معها فإن وطئها هو ردها وعقرها إذا ردها بقضاء قاض قال وكذلك الشجر والنخل وإن ولدت رد ما نقصتها الولادة معها ومع الولد على البائع ولو أكل الثمر رد قيمة ما أكل على البائع وقال عثمان البتي وعبيد الله بن الحسن فيمن اشترى عبدا أو سلعة ثم ظهر على عيب فإن أراد أن يرده رد الغلة معه قال عبيد الله ولو وهب العبد هبة ردها على البائع مع العبد قال أبو عمر أما زفر وأصحابه وعثمان البتي وعبيد الله بن الحسن فقد جهلوا السنة المأثورة من نقل أهل المدينة في أن الخراج والغلة بالضمان وقالوا بالرأي على غير سنة فقولهم مردود بها وأشنع ما في مذهبهم أنهم جعلوا الغلة في المغصوب بالضمان فأخطأوا السنة والله المستعان‏.‏

وقال الشافعي لا يرد شيئا مما حدث عنده ولم يقع عليه الصفقة وسواء في ذلك الكسب والغلة والثمرة والولد وكلما وقعت عليه صفقة الشراء رده إذا رد الجارية بالعيب هذا حكم الرد بالعيب عنده‏.‏

وأما الاستحقاق فإنه يرد عليه النخل وولد الجارية فإذا اشترى الجارية غير حامل وزوجها وولدت عنده ثم وجد عيبا فردها به لم يرد ولدها معها قال الشافعي بين عندنا -والله أعلم- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما جعل الخراج بالضمان للمشتري في رجل يشتري عبدا فاستغله ثم وجد به عيبا فرده به لأن المشتري كان مالكا للعبد ولو هلك كانت مصيبته منه وكان الخراج إنما هلك في ملكه لا في ملك البائع ولم تقع عليه الصفقة وكذلك الولد لو حدث في ملك المشتري وهو مالك ضامن للجارية ولو هلكت هلكت من ماله ولو كانت حبلى حين ابتاعها ردها وولدها وكذلك ثمن الحائط لا فرق بين شيء من ذلك ويقول الشافعي في هذا كله قال أحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد وسائر أهل الحديث وفرقوا بين الغصب والشراء والفرق بين ذلك بين ما فيه والحمد لله وسيأتي ما في المغصوب في بابه من الأقضية ان شاء الله عز وجل أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني أبو داود قال حدثني أحمد بن مروان قال حدثني علي قال حدثني خالد بن مسلم قال حدثني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رجلا ابتاع غلاما فأقام عنده ما شاء الله أن يقيم ثم وجد به عيبا فخاصمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فرده عليه فقال الرجل يا رسول الله ‏!‏ قد اشتغل غلامي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏الخراج بالضمان‏)‏‏)‏‏.‏

وحدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن إسماعيل وأبو يحيى بن أبي ميسرة قالا حدثني محمد بن عبد الله قال حدثني مسلم بن خالد الزنجي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏ ‏(‏الخراج بالضمان‏)‏‏)‏‏.‏

وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني أحمد بن حماد ببغداد قال حدثني عبد الأعلى بن حماد النرسي قال حدثني مسلم بن خالد الزنجي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رجلا اشترى غلاما فرده بعيب فقال الرجل قد استغله يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏الغلة بالضمان‏)‏‏)‏‏.‏

وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني بكر بن حماد قال حدثني مسدد قال حدثني يحيى بن سعيد عن بن أبي ذئب عن مخلد بن خفاف بن أنمار عن عروة بن الزبير عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏‏(‏الخراج بالضمان‏)‏‏)‏‏.‏

قال مالك الأمر عندنا فيمن ابتاع رقيقا في صفقة واحدة فوجد في ذلك الرقيق عبدا مسروقا أو وجد بعبد منهم عيبا إنه ينظر فيما وجد مسروقا أو وجد به عيبا فإن كان هو وجه ذلك الرقيق أو أكثره ثمنا أو من أجله اشترى وهو الذي فيه الفضل فيما يرى الناس كان ذلك البيع مردودا كله وإن كان الذي وجد مسروقا أو وجد به العيب من ذلك الرقيق في الشيء اليسير منه ليس هو وجه ذلك الرقيق ولا من أجله اشتري ولا فيه الفضل فيما يرى الناس رد ذلك الذي وجد به العيب أو وجد مسروقا بعينه بقدر قيمته من الثمن الذي اشترى به أولئك الرقيق قال أبو عمر قد اختلف العلماء في هذه المسألة قديما وحديثا فكان شريح والشعبي والقاسم بن عبد الرحمن وحماد بن ابي سليمان يذهبون إلى أنه لا يرد المعيب وحده وأنه مخير في أن يحبس الصفقة كلها أو يردها كلها وبه قال أبو ثور‏.‏

وقال أبو حنيفة وأصحابه إلا زفر إذا اشترى عبدين صفقة واحدة فلم يقبضها أو واحدا منهما حتى وجد عيبا بأحدهما فإما أن يردهما أو يأخذهما فإن قبضها ووجد عيبا رد المعيب بحصته ولو كان المبيع صبره طعام أو تمر أو ما أشبه ذلك رد الجميع إذا وجد عيبا أو حبس الجميع لأن نظره إلى شيء من الطعام يجزئه ولا بد في العبيد أو الثياب من تغليب كل عبد وكل ثوب وهو قول الحسن بن صالح وقال زفر الرقيق والثياب يرد العيب بحصته قبل القبض وبعده وهو قول الثوري وروي ذلك عن بن سيرين وبن شبرمة والحارث العكلي ولم يفرقوا بين قبل القبض وبعده فإن كان المبيع شيئين لا يقوم أحدهما إلا بالآخر كالخفين والنعلين أو مصراعي الباب فوجد بأحدهما عيبا لم يختلفوا أنه لا يرده وحده ويردهما جميعا أو يمسكهما جميعا وقال الأوزاعي في العبدين أو الثوبين أو الدابتين وما كان مثل ذلك إن سمى لكل واحد ثمنا رد المعيب خاصة وإن لم يسم لكل واحد ثمنا وجعل جملة الثمن لجملة الصفقة فإن له أن يرد الجميع أو يرضي الجميع ومن مثال ذلك عنده أن يشتري عشرة أثواب صفقة واحدة بعشرة دنانير ثم يجد بأحدها عيبا يرد من مثله فإنه يرد البيع كله وإن قال أبيعك هذه العشرة الأثواب بعشرة دنانير كل ثوب منها بدينار فإنه يرد المعيب خاصة وقال عبيد الله بن الحسن يرد المعيب خاصة كقول الثوري والحارث العكلي وعن الشافعي روايتان إحداهما يرد المعيب بحصته والأخرى يردهما جميعا أو يمسك وحكى أصحابه أن له في تفريق الصفقة ثلاثة أقوال أحدها يبطل البيع في الكل إذا رد أحدها والآخر أنه يبطل في قدر المبيع أو في قدر ما يرد ويصح في الباقي بحصته والثالث أن لا يرد شيئا والبيع صحيح ولا تفرق الصفقة ولكن يرد الجميع أو يمسك وبالله التوفيق‏.‏

باب ما يفعل في الوليدة إذا بيعت والشرط فيها

1255- مالك عن بن شهاب أن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أخبره أن عبد الله بن مسعود ابتاع جارية من امرأته زينب الثقفية واشترطت عليه أنك إن بعتها فهي لي بالثمن الذي تبيعها به فسأل عبد الله بن مسعود عن ذلك عمر بن الخطاب فقال عمر بن الخطاب لا تقربها وفيها شرط لأحد‏.‏

1256- مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول لا يطأ الرجل وليدة إلا وليدة إن شاء باعها وإن شاء وهبها وإن شاء أمسكها وإن شاء صنع بها ما شاء قال أبو عمر أما ظاهر قول عمر لابن مسعود لا تقربها فيدل على أنه أمضى شراءه لها ونهاه عن مسيسها هذا هو الأظهر فيه ويحتمل ظاهره أيضا في قوله لا تقربها أي تنح عنها وافسخ البيع فيها فهو بيع فاسد وقد روي نحو هذا المعنى في هذا الخبر رواه سفيان بن عيينة عن مسور عن القاسم بن عبد الرحمن أن بن مسعود اشترى من امرأته جارية واشترطت عليه خدمتها فسأل عمر بن الخطاب عن ذلك فقال له عمر ليس من مالك ما كان فيه مثبوتة لغيرك قال أبو عمر وكذلك قول عبد الله بن عمر يحتمل وجهين وليس في شيء من هذين الخبرين أمر بفسخ البيع ولا خبر عن فساده وقد حدثني عبد الوارث عن قاسم عن بن وضاح قال حدثني محمد بن معاوية الحضرمي قال سمعت مالكا يقول في قول عمر لابن مسعود لا تقربها وفيها شرط لأحد يقول لا تطأها وفيها شرط لأحد وهذه الرواية عن مالك خلاف لمذهب مالك عند أصحابه والصحيح في مذهبه عند جميع أصحابه ما ذكره أبو مصعب عنه قال أبو مصعب قال مالك في حديث بن مسعود وقول عمر لا تقربها وفيها شرط لأحد يريد لا تشتريها يريد لا تشترطها‏.‏

وأما اختلاف الفقهاء في هذا الباب ففي ‏(‏‏(‏الموطأ‏)‏‏)‏‏.‏

قال مالك فيمن اشترى جارية على شرط أن لا يبيعها ولا يهبها أو ما أشبه ذلك من الشروط فإنه لا ينبغي للمشتري أن يطأها وذلك أنه لا يجوز له أن يبيعها ولا أن يهبها فإذا كان لا يملك ذلك منها فلم يملكها ملكا تاما لأنه قد استثني عليه فيها ما ملكه بيد غيره فإذا دخل هذا الشرط لم يصلح وكان بيعا مكروها قال أبو عمر أول كلام مالك في قوله لا ينبغي للمشتري أن يطأها يدل على جواز البيع وكراهته الوطء وقوله يدل على أنه لا يجوز هذا البيع وهو مذهبه ومذهب أصحابه - رحمه الله وزاد بن وهب في روايته في ‏(‏‏(‏الموطأ‏)‏‏)‏ عن مالك قال وإن اشتراها بشرط فوطئها فحملت فللبائع قيمتها يوم وطئها وتحل لسيدها فيما يستقبل وقال بن وهب في ‏(‏‏(‏موطئه‏)‏‏)‏ وسئل مالك عن الرجل يبيع الجارية على ألا تخرج بها من البلد فقال لا خير في ذلك ثم قال أرأيت إن مات الرجل أو كان عليه دين كيف يصنع بها وذكر بن القاسم عن مالك فيمن اشترى عبدا على إلا يبيع ولا يهب ولا يتصدق فهو بيع فاسد فإن مات فعليه قيمته وإن اشترى جارية على أنه يتخذها أم ولد فالبيع فاسد فإن حملت منه فعليه قيمتها يوم قبضها وكذلك إن أعتقها وقال بن وهب عن مالك في الرجل يبيع عبده على أن يخرج به من البلد الذي هو به فقال لا بأس بذلك فقد يكون العبد فاسدا خبيثا فيشترط بائعه ان يخرج به إلى بلد آخر لذلك وقال بن وهب ايضا عن مالك فيمن ابتاع جارية على أنه لا يبيعها ولا يهبها فباعها المشتري فإنه ينقض البيع وترد إلى صاحبها إلا أن يرضى أن يسلمها إليه ولا شرط فيها وإن كانت قد فاتت فلم توجد أعطى البائع فضل ما وضع له من الشرط وروى أشهب عن مالك أنه شرط سئل عن بيع العبد على أن يدبر أو يعتق إلى أجل سنة أو نحوها قال لا أرى ذلك جائزا وأرى أن يفسخ البيع وليس هذا بحسن‏.‏

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد إذا اشترى عبدا على ألا يبيع ولا يهب فالبيع فاسد فإن قبضه فأعتقه أو تصدق به أو تصرف فيه بسائر وجوه التصرف جاز عتقه وعليه القيمة‏.‏

وقال الشافعي إذا ابتاع الرجل العبد على ألا يبيعه او على أن يبيعه من فلان أو على ألا يستخدمه أو على أن لا يعتقه أو على أن يخارجه فالبيع فاسد ولا يجوز الشرط في هذا إلا في موضع واحد وهو العتق اتباعا للسنة ولفراق العتق ما سواه فنقول إن اشتراه منه على أن يعتقه فأعتقه فالبيع جائز حكاه الربيع والمزني عن الشافعي وقال المزني عن الشافعي إنه لا يجوز تصرف المشتري في البيع الفاسد بحال وروى أبو ثور عن الشافعي انه كان يقول في هذه المسألة كلها البيع جائز والشرط فاسد قال أبو عمر قول أبي حنيفة وأصحابه في هذا الباب كقول الشافعي في رواية الربيع والمزني إلا أن أبا حنيفة ومحمدا قالا يستحسن فيمن اشترط العتق على المشتري فأعتق أن يجيز العتق ويجعل عليه الثمن وإن مات قبل أن يعتقه كانت عليه القيمة وقال أبو يوسف العتق جائز وعليه القيمة وانفرد الشافعي بقوله فيمن اشترى عبدا أو جارية شراء فاسدا فأعتقه أنه لا يجوز عتق المبتاع للعبد إذا ابتاعه بيعا فاسدا وقبضه لأنه لم يملكه بالبيع الفاسد ولا يجوز له التصرف فيه‏.‏

وقال أبو ثور كل شرط اشترط البائع على المبتاع مما كان البائع يملكه فهو جائز مثل ركوب الدابة وسكنى الدار وما كان من شرط على المشتري بعد ملكه مما لم يكن في ملك البائع مثل أن يعتق العبد ويكون ولاؤه للبائع وأن لا يبيع ولا يهب فهذا شرط لا يجوز والبيع فيه جائز والشرط باطل وقول بن أبي ليلى في هذا الباب كله مثل قول أبي ثور على حديث عائشة في قصة بريرة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز البيع وأبطل الشرط وحجة من رأى البيع في ذلك فاسدا أن البائع لم تطب نفسه على البيع إلا بأن يلتزم المشتري شرطه وعلى ذلك ملكه ما كان يملكه ولم يرض بإخراج السلعة من يده إلا بذلك فإذا لم يسلم له شرطه لم يملك عليه ما ابتاعه بطيب نفس منه فوجب فسخ البيع بينهما لفساد الشرط الذي يمنع منه المبتاع من التصرف فيما ابتاعه تصرف ذي الملك في ملكه وحجة من روى الشرط والبيع جائزين من حديث جابر قال ابتاع مني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيرا وشرط لي ظهره إلى المدينة وهذا حديث اختلف في ألفاظه اختلافا لا تقوم معه حجة لأن منها ألفاظا تدل على أن الخطاب الذي جرى بين جابر وبين النبي ليس فيه بيان أن الشرط كان في نص العقد ومنها ما يدل على أنه لم يكن بيعا ومنها ما يدل على أن البيع وقع على ذلك الشرط ومع هذا الاختلاف لا تقوم معه حجة واما اختلاف العلماء في هذا المعنى فقال مالك لا أرى بأسا أن يشتري الرجل الدابة ويشترط عليه البائع ركوبها يوما أو يومين فإن اشترط عليه ركوبها شهرا فلا خير فيه قال ولا بأس أن يشتري الرجل الدابة ويشترط ظهرها يوما أو يومين يركبها يسافر عليها فإن رضي أمسك وإن سخط ردها قال ولا بأس أن يشترط البائع سكنى الدار مدة معلومة السنة والأشهر ما لم تتباعد فإن شرط سكناها حياته فلا بأس فيه وقال الأوزاعي لا بأس أن يبع الرجل بعيرا ويشترط ظهره إلى المدينة أو إلى وقت يسميه وقال الليث بن سعد لا بأس أن يشترط سكنى الدار سنة إلا أنها إن احترقت كانت من المشتري ولا يجوز أن يشترط ظهر الدابة إلى موضع لا قريب ولا بعيد ولا يصلح أن يبيع الدابة ويستثني ظهرها وكره أن يستثني سكنى الدار عشرين سنة‏.‏

وقال أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما إذا اشترى دارا على أن يسكنها البائع شهرا أو شرط خدمة العبد أو ركوب الدابة وقتا مؤقتا أو غير مؤقت فالبيع فاسد‏.‏

وأما أحمد بن حنبل فمذهبه الذي لا اختلاف عنه فيه أن البيع إذا كان فيه شرط واحد وهو بيع جائز وإذا كان فيه شرطان بطل البيع على ظاهر حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏‏(‏لا يحل شرطان في بيع ولا بيع وسلف ولا تبع ما ليس عندك‏)‏‏)‏‏.‏

قال أحمد ومن شرطين في بيع أن يقول أبيعك بكذا على أن آخذ منك الدينار بكذا وكذلك إن باعه بدراهم على أن يأخذ ذهبا أو يبيع منه بذهب على أن يأخذ منه دراهم وحجته في إجازة شرط واحد في البيع حديث جابر في بيعه بعير له من النبي صلى الله عليه وسلم على أن له ظهره إلى المدينة‏.‏

وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني أحمد بن زهير قال حدثني أبي قال حدثني إسماعيل بن إبراهيم قال حدثني أيوب عن عمرو بن شعيب قال حدثني أبي عن جدي عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏لا يحل بيع وسلف ولا شرطان في بيع ولا تبع ما ليس عندك‏)‏‏)‏ وشرطان في بيع ان يقول أبيعك هذه السلعة إلى شهر بكذا أو إلى شهرين بكذا‏.‏

باب النهي عن أن يطأ الرجل وليدة ولها زوج

1257- مالك عن بن شهاب ان عبد الله بن عامر أهدى لعثمان بن عفان جارية ولها زوج ابتاعها بالبصرة فقال عثمان لا أقربها حتى يفارقها زوجها فأرضى بن عامر زوجها ففارقها قال أبو عمر عبد الله بن عامر هذا هو عبد الله بن عامر بن كريز بن حبيب بن عبد شمس ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان أميرا على العراق لعثمان - رضي الله عنه وفيه يقول بن أذينة وإن الذي أعطى العراق بن عامر لذي الذي أجرى السنة معافري‏.‏

1258- مالك عن بن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أن عبد الرحمن بن عوف ابتاع وليدة فوجدها ذات زوج فردها قال أبو عمر روى هذا الحديث سفيان بن عيينة عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ان عبد الرحمن بن عوف اشترى جارية من عاصم بن عدي فأخبر أن لها زوجا فردها سفيان عن عمرو قال سئل شريح عن الأمة تشترى ولها زوج فقال لا يصلح سيفان في غمد واحد نقول لا يصلح أن يصيبها ولها زوج سفيان عن مطرف عن الشعبي عن شريح قال إني لأكره أن أطأ امرأة لو وجدت عندها رجلا لم نقم عليها الحد قال أبو عمر في خبر بن شهاب المتقدم في قصة عثمان وبن عامر دليل على أن عثمان كان لا يرى أن بيع الأمة طلاقها ولو رأى ذلك وامتنع من وطئها بعد الاستبراء ولا احتاج إلى مفارقة زوجها لها ومذهب عبد الرحمن بن عوف في ذلك كذلك وهما مخالفان لابن مسعود وبن عباس في هذه المسألة وقد تقدمت في كتاب النكاح والطلاق وقد اختلف العلماء في الجارية تباع ولها زوج أو العبد يباع وله زوجة ولم يعلم المشتري بشيء من ذلك فقال مالك إذا كان للأمة زوج أو كانت مستحاضة كان ذلك عيبا ترد منه وكذلك العبد إذا كان له زوجة أو كان لأحدهما ولد‏.‏

وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا اشترى عبدا له امرأة أو أمة لها زوج ثم علم فهذا عيب ترد منه وهو قول عبيد الله بن الحسن وقال الحسن بن حي ليس ذلك بعيب‏.‏

وقال أبو ثور هو عيب ترد منه وقال عثمان البتي الزوج للجارية عيب وإن وجد للعبد امرأة كان للمشتري أن يكرهه على طلاقها فإن أبى أن يطلقها ولزمته نفقة لها فهي على البائع‏.‏

وقال الشافعي إن كان ينقص كونها ذات زوج من الثمن فهو عيب وإلا فلا وليس عنده بعيب ما لم ينقص من الثمن وما نقص منه قل أو كثر فهو عيب يرد منه‏.‏

وقال أبو حنيفة لو باع أمته في عدة الطلاق أو الموت أو حائضا لم يكن شيء من ذلك عيبا ترد منه‏.‏

باب ما جاء في ثمر المال يباع أصله

1259- مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏(‏‏(‏من باع نخلا قد أبرت فثمرها للبائع إلا أن يشترط المبتاع‏)‏‏)‏‏.‏

قال أبو عمر لا يختلف أهل العلم بالحديث في صحة هذا الحديث وهو عند جميعهم صحيح‏.‏

وأما قوله صلى الله عليه وسلم ‏(‏‏(‏من باع نخلا قد أبرت‏)‏‏)‏ فالأبار عند أهل العلم وأهل اللغة لقاح النخل يقال منه أبر النخل يؤبرها أبرا أو تأبرت تأبرا قال الخليل الأبار لقاح النخل قال والأبار أيضا علاج الزرع بما يصلحه من السقي والتعاهد قال الشاعر ولي الأصل الذي في مثله يصلح الآبر زرع المؤتبر ولا أعلم بين أهل العلم خلافا أن التلقيح هو أن يؤخذ طلع ذكور النخل فيدخل بين ظهراني طلع الإناث‏.‏

وأما معنى الأبار في سائر ثمار الأشجار فابن القاسم يراعي ظهور الثمرة لا غير ومعناه انعقاد الثمرة وثبوتها وقال بن عبد الحكم كل ما لا يؤبر من الثمار فاللقاح فيها بمنزلة الأبار في النخل واللقاح أن تنور الشجرة ويعقد فيسقط منه ما يسقط ويثبت ما يثبت فهذا هو اللقاح فيما عدا النخيل من الأشجار قال‏.‏

وأما أن يورق أو ينور قط فلا هذا فيما يذكر من ثمار الأشجار‏.‏

وأما ما يذكر من ثمار شجر التين وغيرها فإن إباره التذكير وهذا قول الشافعي وسائر العلماء ولم يختلفوا في أن الحائط إذا تشقق طلع إناثه فأخذ إباره وقد أبر غيره مما حاله مثل حاله أن حكمه حكم ما قد أبر لأنه قد جاء عليه وقت الأبار وظهرت إبرته بعد مغيبها في الخف‏.‏

وأما اختلاف العلماء في ثمار النخيل يباع أصله فقال مالك والشافعي وأصحابهما والليث بن سعد بظاهر حديث بن عمر المذكور في أول هذا الباب قالوا إذا كان في النخل ثمر وقد أبر قبل عقد البيع فهو للبائع إلا أن يشترطه المبتاع فإن اشترطه المبتاع في صفقة واحدة فهو له وإن كان النخل لم يؤبر فالثمر للمشتري بالعقد من غير شرط وإن كان بعض الحائط مؤبرا أو بعضه لم يؤبر كان ما أبر منه للبائع وما لم يؤبر للمشتري فإن كان المؤبر أو غيره الأقل كان تبعا للأكثر منهما وهذا كله قول مالك وقد روي عنه أن المؤبر قليلا أو كثيرا للبائع والذي لم يؤبر قليلا أو كثيرا للمبتاع كما لو كان المؤبر أو غير المؤبر متساويين وأجاز مالك - رحمه الله - للمشتري أصول النخل المؤبر إذا لم يشترط الثمرة أن يشتريها هو وحده دون غيره قبل بدو صلاحها في صفقة واحدة كما كان له أن يشترطها في صفقة هذه رواية بن القاسم عنه في هذه المسألة وفي مال العبد وروى بن وهب عن مالك أن ذلك لا يجوز فيها لا له ولا لغيره ولم يجز ذلك الشافعي ولا الثوري ولا أحمد ولا إسحاق ولا أبو ثور ولا داود ولا الطبري وكذلك قال المغيرة وبن دينار وبن عبد الحكم وهو الصواب فإن لم يشترطه المبتاع فالثمرة للبائع متروكة في النخل إلى الجذاذ‏.‏

وقال الشافعي ومعقول إذا كانت الثمرة للبائع أن على المشتري تركها في شجرها إلا أن تبلغ الجذاذ والقطاف من الشجر فإذا كان لا يصلح بها إلا السقاء فعلى المشتري تخلية البائع وما يكفي من السقي وإنما من الماء ما تصلح به الثمرة مما لا غنى له عنه وهذا كله معنى قول مالك ومن ذكرنا معه‏.‏

وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا باع الرجل نخلا أو شجرا فيها ثمر قد ظهر فهو للبائع إذا لم يشترطه المشتري وعليه قلعة من شجر المشتري ومن نخله وليس له تركه إلى الجذاذ ولا إلى غيره وسواء عندهم أبر أو لم يؤبر إذا كان قد ظهر في النخل فإن اشترط البائع في البيع ترك الثمرة إلى الجذاذ فإن أبا حنيفة وأبا يوسف قالا البيع فاسد وقال محمد بن الحسن إذا كان صلاحها لم يبد فالبيع فاسد إن اشترط البائع بقاءها إلى جذاذها وإن كان قد بدا صلاحها فالبيع والشرط جائزان واختاره الطحاوي قال أبو عمر خالف الكوفيون السنة في ذلك إلى قياس ولا قياس مع النص ومن حجتهم الإجماع على أن الثمرة لو لم تؤبر حتى تناهت وصارت بلحا أو بسرا وبيع النخل أن الثمرة لا تدخل فيه قالوا فعلمنا أن المعنى في ذكر التأبير ظهور الثمرة فاعتبروا ظهور الثمرة ولم يعرفوا بين المؤبر وغير المؤبر وقال بن أبي ليلى سواء أبر النخل أو لم يؤبر إذا بيع أصله فالثمرة للمشتري اشترطها أو لم يشترطها كسعف النخل قال أبو عمر هذا أشد خلافا للحديث وبالله التوفيق وقال بن القاسم عن مالك من اشترى أرضا فيها زرع ولم يبد صلاحه فالزرع للبائع إلا أن يشترطه المشتري وبدو صلاحه عند بن القاسم أن يبرز ويظهر ويستقل وإن وقع البيع والبذر لم ينبت فهو للمبتاع بغير شرط ولا يحتاج إلى شرط وقد روي عن مالك أنه للبائع وذكر بن عبد الحكم عن مالك قال ومن ابتاع أرضا وفيها زرع قد ألقح فهو للبائع إلا أن يشترطه المبتاع وإن كان لم يلقح فهو للمبتاع قال وكذلك لو ألقح أكثره كان للبائع كله دون المبتاع وقال ولقاح القمح والشعير أن يحبب ويسنبل حتى لو يبين حينئذ لم يكن فسادا وقولهم في اشتراط نصف الثمرة وغيرها كقولهم في اشتراط نصف مال العبد أو بعضه وقد تقدم ذكر ذلك في بابه والحمد لله كثيرا‏.‏