الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي
قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وإن حاض وأمنى.. لم يبلغ). واختلف أصحابنا فيه: فقال الصيمري: إذا حاض من فرج النساء، وأمنى من فرج الرجال.. لم يحكم ببلوغه. وقال الشيخ أبو حامد، وعامة أصحابنا: يحكم ببلوغه؛ لأنه إن كان رجلا.. فقد احتلم، وإن كانت امرأة.. فقد حاضت، وما ذكره الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فله تأويلان: أحدهما: أنه أراد: إذا أمنى وحاض من فرج واحد. والثاني: أنه أراد: حاض أو أمنى. فإن قيل: هلا جعلتم خروج المني منه من أحد الفرجين دليلا على بلوغه، كما جعلتم خروج البول دليلا على ذكوريته، أو أنوثيته؟ فالجواب: أن البول لا يخرج إلا من الفرج المعتاد، والمني قد يخرج من المعتاد وغيره.
وقال مالك، وأبو حنيفة: (إذا بلغ الرجل مصلحا لماله.. دفع إليه ماله وإن كان مفسدا لدينه). دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6]. قال ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (الرشد: العقل، والحلم، والوقار). والحلم والوقار لا يكون إلا لمن كان مصلحا لماله ودينه، وكذا روي عن الحسن في تفسيرها: أنه قال: وإصلاح في ماله، إصلاح في دينه، ولأن إفساده لدينه يمنع رشده، والثقة في حفظ ماله، كما أن الفسق في الدين يمنع من قبول قوله وإن عرف منه الصدق في القول. إذا ثبت هذا: فبلغ غير مصلح لماله ولدينه.. فإنه يستدام عليه الحجر وإن صار شيخا. وبه قال مالك، وأبو يوسف، ومحمد رحمة الله عليهم. وقال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (إذا بلغ غير مصلح لماله.. لم يدفع إليه ماله، لكن إن تصرف فيه ببيع أو عتق أو غيره.. نفذ تصرفه، فإذا بلغ خمسا وعشرين سنة.. انفك عنه الحجر، ودفع إليه ماله وإن كان مفسدا لدينه وماله؛ لأنه قد آن له أن يصير جَدا؛ لأنه قد يبلغ باثنتي عشرة سنة، فيتزوج، ويولد له، ويبلغ ولده باثنتي عشرة سنة، ويولد له. قال: وأنا أستحيي أن أمنع الجد ماله). دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6]. فأمر بدفع المال إليهم بالبلوغ، وبإيناس الرشد، وقد بينا الرشد ما هو. وهذا لم يؤنس منه الرشد، فلم يفك عنه الحجر، ولم يدفع إليه ماله، كما لو كان ابن أربع وعشرين سنة. وأما قوله: (إنه قد آن له أن يصير جدا) فلا اعتبار لكونه جدا، ألا ترى أن المجنون يستدام عليه الحجر ما دام مجنونا وإن كان جدا؟ إذا ثبت هذا: فإنه ينظر بماله من كان ينظر فيه قبل البلوغ؛ لأنه حجر ثبت عليه من غير حاكم، فكان إلى الناظر فيه قبل البلوغ، كالنظر في مال الصغير.
أحدهما: لا يصح إلا بعد البلوغ؛ لأن الاختبار: أن يدفع إليه المال ليبيع ويشتري فيه وينفقه، وهذا لا يصح إلا بعد البلوغ، وأما قبل ذلك: فهو محجور عليه للصغر. والثاني: يصح قبل البلوغ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6]. وهذا يقتضي أن يكون الاختبار قبل بلوغ الاختبار، ولأن تأخير النكاح إلى البلوغ يؤدي إلى الحجر على رشيد؛ لأنه قد يبلغ مصلحا لماله ودينه، فلو قلنا: إن الاختبار لا يجوز إلا بعد البلوغ.. لاستديم الحجر على رشيد، ومنع من ماله؛ لأنه لا يدفع إليه، إلا بعد الاختبار. فإذا قلنا بهذا: فكيف يختبر بالبيع والشراء؟ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: يأمره الولي أن يساوم في السلع، ويقرر الثمن، ولا يتولى العقد؛ لأن عقد الصبي لا يصح، ولكن يعقد الولي. والثاني: منهم من قال: يشتري الولي سلعة، ويدعها بيد البائع، ويواطئه على بيعها من الصبي، فإن اشتراها منه بثمنها.. عرف رشده. والثالث منهم من قال: يجوز عقد الصبي؛ لأنه موضع ضرورة، وأما كيفية الاختبار: فإن كان من أولاد التجار والسوقة الذين يخرجون إلى السوق.. فاختباره: أن يدفع إليه شيء من ماله ليبيع ويشتري في السوق، فإن كان ضابطا حازما في البيع والشراء.. علم رشده، وإن كان يغبن بما لا يتغابن الناس بمثله.. فهو غير رشيد. وإن كان من أولاد الملوك والكبار والنبلاء والتناء الذين يصانون عن الأسواق.. قال الشيخ أبو حامد: واختبارهم أصعب من الأول، واختبار الواحد منهم: أن يدفع إليه شيء من المال، ويجعل إليه نفقة الدار مدة شهر، وما أشبهه، للخبز والماء والملح واللحم، فإن كان ضابطا حافظا يحسن إنفاق ذلك.. علم رشده، وإن كان غير ضابط.. لم يعلم رشده. قال الصيدلاني: وولد التناء يختبر بالزراعة، هذا إذا كان المختبر غلاما، فإن كان امرأة.. قال الشيخ أبو حامد، وابن الصباغ: لا تختبر بالبيع ولا الشراء؛ لأن العادة جرت أنها لا تباشر ذلك، وإنما تختبر البنت بأن يدفع إليها شيئا من المال، ويجعل نساء ثقات يشرفن على فعلها، وتؤمر بإنفاق ذلك في الخبز والماء والملح واللحم، كما يختبر من يصان عن الأسواق من الرجال، ويضاف إلى هذا شراء القطن والغزل؛ لأن هذا من عمل النساء. وقال الصيمري: إن كانت متبذلة تعامل التجار والصناع.. اختبرت بالبيع والشراء أيضا. قال الصيمري: ولا يعلم رشده حتى يتكرر ذلك منه التكرر الذي يؤمن أن يكون ذلك اتفاقا. قال المسعودي [في "الإبانة" ق \ 277] ولا يضمن الولي المال الذي يدفعه إليه للاختبار؛ لأن ذلك موضع حاجة إليه.
وقال مالك: (لا ينفك عنها الحجر حتى تتزوج، ويدخل بها، وإذا تزوجت.. لم يجز لها أن تتصرف بأكثر من ثلث مالها بغير معاوضة إلا بإذن زوجها). دليلنا: ما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خطب في العيد، فلما فرغ من خطبته.. أتى النساء، فوعظهن، وقال: تصدقن ولو من حليكن»، فتصدقن بحليهن. فلو كان لا ينفذ تصرفهن بغير إذن أزواجهن.. لما أمرهن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالصدقة، ولا محالة أنه كان فيهن من لها زوج، ومن لا زوج لها. ولأنها حرة بالغة رشيدة، فلم تمنع من مالها، كما لو تزوجت.
أحدهما: لا يفتقر إلى الحاكم؛ لأنه حجر لم يفتقر ثبوته إلى الحاكم، فلم يفتقر فكه إلى الحاكم، كالحجر على المجنون، وفيه احتراز من الحجر على السفيه. والثاني: لا ينفك إلا بحكم الحاكم؛ لأنه يفتقر إلى نظر واجتهاد، فافتقر إلى الحاكم، كالحجر على السفيه. هذا هو المشهور. وقال الصيمري: إن كان الناظر في ماله هو الأب أو الجد.. لم يفتقر إلى الحاكم، وإن كان الناظر فيه أمين الحاكم.. لم ينفك إلا بالحاكم، وإن كان الناظر فيه هو الحاكم.. ففيه وجهان: أحدهما: لا يفتقر فكه إلى الحاكم، كما لو كان الناظر في ماله هو الأب أو الجد. والثاني: يفتقر إلى الحاكم، كما لو كان الناظر فيه أمين الحاكم.
أما إفساد الدين: فمعروف، وأما إفساد المال: قال الشيخ أبو حامد: فيكون بأحد أمرين: أحدهماإما بأن ينفقه في المعاصي، مثل: الزنا، وشرب الخمر، وغير ذلك. والثاني: أن ينفقه في ما لا مصلحة له فيه، ولا غرض، مثل: أن يشتري ما يساوي درهما بمائة درهم، فأما إذا أكل الطيبات، أو لبس الناعم من الثياب، أو أنفق على الفقهاء والفقراء والصوفية.. فهذا ليس فيه إفساد المال. وأما إذا عاد مفسدا لدينه، وهو مصلح لماله.. فهل يعاد عليه الحجر؟ فيه وجهان: أحدهما قال أبو العباس: يعاد عليه الحجر؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ} [البقرة: 282]. فأثبت الولاية على السفيه، وهذا سفيه، ولأنه معنى لو قارن البلوغ.. لمنع من فك الحجر عنه، فإذا طرأ بعد فك الحجر عنه.. اقتضى إعادة الحجر عليه، كالتبذير. والثاني: قال أبو إسحاق: لا يعاد عليه الحجر؛ لأن الحجر يراد لحفظ ماله، فإن كان مصلحا لماله.. لم يعد عليه الحجر، ويخالف إذا قارن إفساد الدين البلوغ؛ لأن الحجر إذا ثبت.. لم يزل عنه إلا بأمر قوي، فكذلك إذا فك عنه الحجر.. لم يعد عليه إلا بأمر قوي. هذا مذهبنا. وأما إذا عاد مفسدا لماله ودينه: أعيد عليه الحجر، وبه قال عثمان، وعلي، والزبير، وابن الزبير، وعبد الله بن جعفر، وعائشة أم المؤمنين رضي الله عنهم، وفي التابعين: شريح، وعطاء، وفي الفقهاء: مالك، وأهل المدينة، وأهل الشام، وأبو يوسف، ومحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وقال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (لا يعاد عليه الحجر إذا سلم إليه ماله بعد خمس وعشرين سنة، سواء وجد منه إفساد المال والدين أو أحدهما). دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ} [البقرة: 282]. قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (والسفيه: هو المفسد لماله ودينه، والضعيف: هو الصبي والشيخ الفاني، والذي لا يستطيع أن يمل: هو المجنون، والسفيه: اسم ذم يتناول المبذر. فأما قَوْله تَعَالَى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ} [البقرة: 142].. فأراد: اليهود والنصارى، وقيل أراد المنافقين. وقَوْله تَعَالَى: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5]. قيل: أراد به النساء، وقيل: أراد به المبذرين. وقوله جل وعز: {أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5]، أي: أموالهم، كقوله تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188]، أي: أموال بعضكم). ويدل على ما ذكرناه: ما روي: «أن حبان بن منقذ أصابه في عقدته ضعف، فأتي أهله النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فسألوه أن يحجر عليه، فقال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تبع"، فقال: إني لا أصبر، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: من بايعته.. فقل: لا خلابة، ولي الخيار ثلاثا» فلو كان الحجر لا يجوز على البالغ، لأنكر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عليهم سؤالهم، وإنما لم يجبهم إلى الحجر عليه؛ لأنه يحتمل أن الذي كان يغبن به مما يتغابن الناس بمثله. ويدل على ما ذكرناه: إجماع الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وأرضاهم، وهو ما روى هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد الله بن جعفر: (أنه اشترى أرضا سبخة بستين ألف درهم، وغبن فيها، فلقي عثمان عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، فقال له: لم لا تحجر على ابن أخيك - وفي بعض الأخبار: أن عثمان قال: ما يسرني أن تكون لي بنعلي - ففزع عبد الله بن جعفر من ذلك، ومضى إلى الزبير، فأعلمه بذلك، فقال الزبير: أنا شريكك فيها، فأتى علي عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وقال له: احجر على عبد الله بن جعفر، فقال: كيف أحجر على من شريكه الزبير؟ !). وإنما قال هذا في الزبير؛ لأنه كان معروفا بجودة التجارة والتبصر فيها، فدل على: أن الحجر جائز عندهم. وروي: (أن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كانت تنفق نفقة كثيرة، فقال ابن الزبير: لتنتهين عائشة، أو لأحجرن عليها، فبلغها ذلك، فحلفت أن لا تكلمه، فأتاها ابن الزبير، فاعتذر إليها، فكفرت عن يمينها وكلمته). فلم ينكر عليه أحد. ونقول: عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بالغة رشيدة، فكيف يحجر عليها؟! ولأن كل معنى لو قارن البلوغ.. منع من تسليم المال إليه، فإذا طرأ بعد البلوغ اقتضى إعادة الحجر عليه، كالمجنون.
دليلنا: (أن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأرضاه سأل عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأرضاه: أن يحجر على عبد الله بن جعفر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -)، فدل على: أنه لا يصير محجورا عليه إلا بالحاكم. ولأن الحجر بالتبذير مختلف فيه، فافتقر إلى الحاكم، كمدة العنة لا تثبت إلا بالحاكم؛ لموضع الاختلاف فيه. وإذا حجر عليه.. لم ينظر في ماله إلا الحاكم؛ لأنه حجر ثبت بالحاكم، فكان هو الناظر، كالحجر على المفلس، ويستحب أن يشهد الحاكم على ذلك، ويأمر مناديا: ألا إن الحاكم حجر على فلان؛ لئلا يغتر الناس بمعاملته.
أحدهما: يلزمه ذلك، وبه قال الصيدلاني، والعثماني؛ لأن الحجر لا يبيح له مال غيره. والثاني: لا يلزمه. قال في "الإفصاح": وهو الأصح. وإن غصب من غيره عينا، فتلفت في يده، أو أتلفها في يده أو في يد مالكها.. وجب عليه ضمانها؛ لأن السفيه أحسن حالا من الصبي والمجنون؛ لأنه مكلف، ثم ثبت أن الصبي والمجنون إذا أتلفا على غيرهما مالا.. وجب عليهما الضمان، فكذلك هذا مثله. وإن أودعه رجل عينا، فأتلفها.. فهل يجب عليه الضمان؟ فيه وجهان: أحدهما: لا يجب عليه ضمانها؛ لأن صاحبها عرضها للإتلاف بتسليمها إليه. والثاني: يجب عليه الضمان؛ لأن مالكها لم يرض بإتلافها؛ فأشبه إذا غصبه إياها، أو أتلفها. وإن تلفت في يده بغير تفريط.. لم يلزمه ضمانها؛ لأن غير المحجور عليه لا يلزمه ذلك، فالمحجور عليه أولى. وإن أقر لغيره بعين في يده أو دين في ذمته.. لم يلزمه ذلك في الحال، ولا بعد فك الحجر؛ لأنا لو قبلنا إقراره.. لبطلت فائدة الحجر، والحجر يقتضي حفظ ماله.
أحدهما: تبرأ، كما لو سلمت المرأة المال إلى العبد بإذن سيده. والثاني: لا تبرأ؛ لأنه ليس من أهل القبض. هذا مذهبنا، وبه قال عامة أهل العلم. وقال ابن أبي ليلى، والنخعي، وأبو يوسف: لا يصح طلاقه وخلعه. دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229]. ولم يفرق بين السفيه وغيره، ولأنه يستفيد بالطلاق، فإنه إن كان قبل الدخول.. رجع إليه نصف المهر، وإن كان بعد الدخول.. سقطت عنه النفقة والكسوة والمصالح، ويحصل ذلك له بالخلع وما بذلت له.
أحدهما: يجوز له أن يأذن له مطلقا، كما يجوز للسيد أن يطلق الإذن لعبده في ذلك. والثاني: لا يجوز حتى يعين له الولي المرأة، أو القبيلة والمهر؛ لأنه ربما تزوج بامرأة شريفة يستغرق مهرها ماله، بخلاف العبد، فإنه لا يزوج الشريفة، وأيضا فإن المهر في كسبه، فلا يؤدي إلى إخراج شيء من مال السيد. وإن تزوج السفيه بغير إذن الولي، ودخل بها.. فما الذي يلزمه؟ قال المسعودي [في "الإبانة" ق \ 275] فيه ثلاثة أقوال: أحدها: لا يلزمه شيء، كما لو اشترى شيئا بغير إذن وليه وأتلفه. والثاني: يلزمه مهر المثل، كما لو جنى على غيره. والثالث: يلزمه أقل شيء يستباح به البضع؛ لأنه لا يستباح بالإباحة. وأما البغداديون من أصحابنا: فقالوا: هي على وجهين: أحدهما: لا يلزمه شيء. والثاني: يلزمه مهر المثل.
أحدهما: يصح، كما يصح النكاح إذا أذن له فيه. والثاني: لا يصح؛ لأن البيع والشراء يختلف حكمه ساعة، فساعة؛ لأنه قد يزيد سعر الأسواق وينقص، فافتقر إلى عقد الولي، ولأن البيع والشراء يتضمن المال لا غير، وهو محجور عليه في المال، بخلاف النكاح.
وإن وجب له القصاص.. فله أن يقتص؛ لأن القصد منه التشفي، وإن عفا عنه على مال.. كان له، وإن عفا عنه مطلقا، أو على غير مال، فإن قلنا: إن الواجب القصاص لا غير.. صح عفوه. وإن قلنا: إن الواجب أحد الأمرين.. لم يصح عفوه عن المال. وإن أقر بجانية العمد.. صح إقراره؛ لأنه غير متهم في ذلك، فإن أراد المقر له العفو على المال.. قال الطبري: فإن قلنا: إن موجب العمد القود.. ثبت المال؛ لأن الذي ثبت بإقراره هو القتل أو القطع دون المال، وإن قلنا: إن موجبه أحد الأمرين.. فهل يثبت المال؟ اختلف أصحابنا فيه: فمنهم من قال: فيه قولان، كالعبد إذا أقر بالسرقة.. فإنه يقبل في القطع، وهل يقبل في المال؟ فيه قولان. ومنهم من قال: له أخذ المال، قولا واحدا؛ لأن الواجب أحدهما لا بعينه، وكل واحد منهما بدل عن الآخر، وتعلقهما بسبب واحد، وأما السرقة: ففيها حكمان: أحدهما: القطع لله تعالى. والآخر: للآدمي، فجاز ثبوت أحدهما دون الآخر، ولهذا: لو شهد رجل وامرأتان على السرقة.. ثبت المال دون القطع، ولو شهدا على القتل لم يثبت. وإن دبر السفيه، أو أوصى.. فاختلف أصحابنا فيه: فمنهم من قال: فيه قولان، كالصبي. ومنهم من قال: يصح، قولا واحدا. قال الطبري: وهو الصحيح؛ لأن الصغير لا حكم لقوله، ولا يصح شيء من إقراره، بخلاف السفيه، فإنه يصح إقراره بالنسب. |