الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.مطلب قصة أصحاب الأخدود: وإنما المشهور عندهم حادثة اليمن التي وقعت بنجران وهي أقرب إلى مكة ونزل بها القرآن تذكير لكفار قريش وتسلية لأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم لحملهم على الصبر مما يلاقونه في قومهم وتحمل المشاق في الدين طلبا لزيادة الثواب، وأصح ما جاء في هذه القصة ما رواه صهيب في رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كان لبعض الملوك ساحر فلما كبر ضم إليه غلاما ليعلمه السحر لأنه قد يحتاج إليه فيما يتعلق بملكه ورعيته وكان في طريق الغلام عند ما يذهب إلى الساحر راهب فإذا مر به سمع منه فيعجبه كلامه، فرأى ذات يوم بطريقه دابة حبست الناس فأخذ حجرا وقال اللهم إن كان الراهب أحب إليك من الساحر فاقتلها فضربها فقتلها وصار بعد ذلك مرجعا للناس يبرئ الأكمه والأبرص فعمي جليس الملك فذهب إليه فأبرأه، فقال له الملك من رد عليك بصرك؟ فقال ربي، فغضب من سماع كلمته لزعمه أن لا رب غيره فعذبه وقال له لا أتركك حتى تعلمني من رد عليك بصرك، فقال الغلام، فجاء به فعذبه حتى دله على الراهب فجاء به وأراده على الرجوع عن دينه إلى دينه، فلم يفعل، فقصه بالمنشار ثم كلف الغلام بالرجوع فأبى فأمر عونته أن يطرحوه في ذروة الجبل فأخذوه فرجف بهم الجبل فسقطوا ونجا الغلام، فأمر الملك أن يوضع في قرقوب ويلقى وسط البحر، فوضعوه وذهبوا ليقذفوه فانكفأت السفينة فغرقوا ونجا، ثم جيء به أمام الملك ليرى كيف يتمكن من قتله فقال له لا تقدر حتى تجمع الناس في صعيد وأحد وتصلبني على جزع وتأخذ سهما من كنانتي ونقول باسم رب الغلام ثم ترميني، ففعل فرماه فمات، فقال الناس آمنا برب الغلام وفي رواية مسلم كررت ثلاثا راجع آخر الجزء الأخير من صحيحه قبل كتاب التفسير، فقيل للملك نزل بك ما كنت تحذر، فأمر بحفر أخدود وأضرمها نارا وأتى بالناس واحدا واحدا فمن رجع عن دين الغلام تركه ومن أصر ألقاه فيه وبقي هكذا حتى جيء له بامرأة معها صبي وهي مصرة على دين الغلام ولما أرادوا طرحها بالأخدود تقاعست فقال لها ابنها لا تتأخري يا أماه فإنك على الحق فصبرت فرماها فيه». اهـ باختصار من الخازن.وفي هذا الحديث الذي أخرجه مسلم إثبات كرامة الأولياء وجواز الكذب للمصلحة لأن الغلام كان يتأخر عند الراهب ويقول للساحر تأخرت عند أهلي، ويقول لأهله تأخرت عند الساحر وفي رواية ابن عباس أن الملك كان بنجران من ملوك حمير يقال له يوسف ذو نواس بن شرحبيل في الفترة قبل مولد النبي صلى الله عليه وسلم بسبعين سنة وكان الغلام اسمه عبد اللّه بن ثامر، وكان أبوه أسلمه إلى الساحر ليعلمه وصار يتردد على الراهب وذكر الحديث، وذكر منبّه نحوه، وقال محمد بن اسحق عن عبد اللّه بن أبي بكر أن خربة احتفرت في زمن عمر فوجدوا فيها عبد اللّه بن ثامر واضعا يده على ضربته في رأسه إذا أميطت عنها انبعثت دما وإذا تركت ارتدت مكانها، وفي يده خاتم حديد مكتوب عليه ربي اللّه فأعادوا عليه حفرته وما ذلك على اللّه بعزيز.قال تعالى: {النَّارِ ذاتِ الوقود 5} بدل من الأخدود ووصفها تعظيما لأمرها وارتفاع لهيبها من الحطب وأجساد الناس {إِذْ هُمْ} الكفرة عونة الملك المأمورون بإلقاء من لم يرجع عن دين الغلام {عَلَيْها} أي الأخدود {قعود 6} على شفريها لئلا ينفلت منهم أحد {وَهُمْ} الكفرة المذكورون {على ما يَفْعَلُونَ} من التعذيب والإلقاء {بِالْمُؤْمِنِينَ} الممتنعين عن الكفر {شهود} بأنهم لم يفرطوا بما أمرهم به الملك ويشهد بعضهم لبعض بعدم التقصير في تنفيذ أمره {وَما نَقَمُواْ} عابوا وكرهوا {مِنْهُمْ} أي المصرين على دين الغلام شيئا ما {إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا} أي غير إيمانهم {بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الحميد 8} وهذا استثناء مفصح عن براءتهم مما يعاب وينكر وينتقد على منهاج قولهم:{الَّذي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} وما بينهما وما فيهما، وصف اللّه نفسه المقدسة بكونه عزيزا قادرا غالبا يخشى عقابه وحميدا شكورا منعما يرجى ثوابه، وبأن له عموم الخلق ملكا وعبيدا ومن كان كذلك وجبت طاعته والإيمان برسله وكتبه {وَاللَّهُ على كُلِّ شَيْءٍ شهيد 9} بما فعلوه بالمؤمنين وفيه تهديد ووعيد للكافرين وأمان ووعد للمؤمنين {إِنَّ الَّذينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ} وأرادوهم على تغيير دينهم وعذبوهم على امتناعهم في الكفر بالأنبياء {ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا} حال حياتهم ولم يؤمنوا قبل وفاتهم وماتوا على كفرهم {فَلَهُمْ} في الآخرة {عذاب جَهَنَّمَ} لكفرهم باللّه وعدم تصديق رسله {وَلَهُمْ عذاب الحريق}. لتعذيبهم غيرهم أي أن لهم عذابين قال تعالى: {الَّذينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْناهُمْ عذاباً فَوْقَ الْعذاب} أي المخصص لهم الآية 88 من سورة النحل.أي عذابا لكفرهم وعذابا لصدهم الناس عن الإيمان وفي هذه الآية.دليل على أن توبة القاتل مقبولة بالنسبة لعمومها، وبالنظر لخصوصها لا لأن الإسلام يجب ما قبله تأمل.قال تعالى: {إِنَّ الَّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ} في دنياهم وماتوا لي ذلك {لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ذلِكَ} وعد اللّه فيه {الْفَوْزُ الكبير 11} الذي لا أكبر منه لأنه حق ثابت لكل من هذه صفته ولكل من عذّب لأجل دينه من أهل الأخدود وغيرهم، راجع تفسير الآية 10 من سورة والليل {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لشديد 12} قوي جدا لا يضاهيه بطش أبدا، وهو الأخذ بالعنف فإذا وصف بالشدة فقد تفاقم فيا ويل الظالمين الجبارين من انتقام اللّه {إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ} خلقهم في الدنيا فيغريهم بالمال والولد ويخدعهم بالجاه والسلطان ويملي لهم بما يشتهون ويؤملون ليختبرهم {ويعيد 13} خلقهم ثانيا كما كانوا عليه في الدنيا حتى القلقة يعيدها لموضعها ويعرض عليهم أعمالهم حتى الذرة فما فوقها ليجازيهم {وَهُوَ الْغَفُورُ} كثير المغفرة لمن أراد من عباده وهو {الودود 14}بهم عظيم الحب لأهل طاعته وهو {ذُو العرش المجيد 15} علوه وعظمته وهيبته، يقرأ بالرفع على أنه صفة للّه وبالكسر على أنه صفة للعرش {فَعَّالٌ لما يريد 16} تكوينه في خلقه ورحمة من يريد رحمته وعذاب من يريد تعذيبه، لا يعجزه شيء ولا يسأل عما يفعل، ثم ذكر نوعا من شدة بطشه وانه لا يمنعه مانع مما يريد فعله تعالى: {هَلْ أَتاكَ} يا حبيبي {حديث الجنود 17} الذين تحزبوا على رسلهم ضد حقهم وأخص منهم {فِرْعَوْنَ وثمود 18} كيف فعلنا بهم حين تجمعوا على أنبيائهم، وإنما خصّ قصتهما لتداولها على ألسنة العرب ومعلوميتها عند أهل مكة لعلهم يتعظون بما حل فيهم، ويرتدعون عما هم عليه، ولكنهم لم ينجع بهم، لذلك أضرب عن تأميل رسوله بإيمان من لم يقدر له الإيمان من كفرة قومه بقوله: {بَلِ الَّذينَ كَفَرُوا في تكذيب 19} مستمر لك ولما جئت به من القرآن كما كذب أولئك رسلهم ولم يعتبر قومك بمن أهلكناهم من الأمم السالفة {وَاللَّهُ مِنْ وَرائِهِمْ محيط 20} قادر على إنزال العذاب بهم مثل من تقدمهم لا يفلت منهم أحد لأنهم في قبضته ولا نجاة لهم من بأسه وهذا هو معنى الإحاطة من محيط ومحاط به وفيها تعويذ للكفرة لأنهم نبذوا اللّه وراء ظهورهم وأقبلوا على شهواتهم واعلم يا سيد الرسل أن الذي تتلوه على قومك ليس بسحر ولا شعر ولا كهانة ولا هو من تلقاء نفسك ولا من خرافات الأولين ولا مما يتقوله الأقدمون ولا من تعليم الغير {بَلْ هُوَ قرآن مجيد 21} عظيم الشأن عالي البرهان ثابت عندنا ومدون {فِي لَوْحٍ محفوظ 22} من التبديل والتغيير والتحريف والنقص والزيادة وقرئ بالكسر على أنه صفة للوح وبالرفع على أنه صفة للقرآن مثل لفظ المجيد المتقدم في الآية 15 وكلاهما جائز.هذا واللّه أعلم، وأستغفر اللّه، ولا حول ولا قوة إلا باللّه العلي العظيم، وصلّى اللّه وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين. اهـ. .فصل في الوقف والابتداء في آيات السورة الكريمة: .قال زكريا الأنصاري: سورة البروج:مكية.{شهود} تام إن جعل جواب القسم {قتل أصحاب الأخدود} وجائز لطول الكلام إن جعل جواب القسم {إن بطش ربك لشديد} كما قيل به.{والأرض} كاف.{شهيد} تام وكذا {الحريق}.{الأنهار} كاف.{الكبير} تام.وما ذكرنا أنه تام من هذه الوقف إنما يأتي على قول الأول أما على الثاني فكاف.{لشديد} تام.{ويعيد} صالح.{المجيد} كاف.{لما يريد} تام.{في تكذيب} صالح.{محيط} كاف.آخر السورة تام. اهـ..قال أحمد عبد الكريم الأشموني: سورة البروج مكية.اثنتان وعشرون آية إجماعاً.وكلمها مائة وتسع كلمات.وحروفها أربعمائة وثلاثون حرفاً كحروف الانشقاق.{ومشهود} تام على أنَّ جواب القسم محذوف.{شهود} تام على أنَّ جواب القسم {قتل أصحاب الأخدود} وحذفت اللام من الجواب أي لقد قتل بناء على أنَّه خبر لادعاء وقيل هو {إن الذين فتنوا} فالوقف على {الحريق}.قال أبو جعفر وأصح الأجوبة في جواب القسم {إنَّ بطش ربك لشديد} واختلف في الشاهد والمشهود فقيل الشاهد أعضاء بني آدم والمشهود ابن آدم دليله {يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون} وقال الحسن الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم القيامة وقال ابن المسيب الشاهد يوم التروية والمشهود يوم عرفة وقيل الشاهد يوم الاثنين والمشهود يوم الجمعة وفيهما نحو من خمسة وعشرين قولاً ليس هذا محل ذكرها.{قعود} كاف ومثله {شهود}.{الحميد} ليس بوقف.{والأرض} كاف.{شهيد} تام.{عذاب جهنم} حسن.{الحريق} تام.{الأنهار} حسن.{الكبير} تام على استئناف ما بعده فإن جعل ما بعده جواب القسم لم يوقف على شيء من أوَّل السورة إلى هذا الموضع لاتساق الكلام فإن ضاق نفس القارئ عاد من أوَّل الكلام ليكون الكلام متصلاً بعضه ببعض.{لشديد} تام.{ويعيد} كاف.{الودود} حسن إن جعل {ذو} خبر لمبتدأ محذوف وليس بوقف إن جعل {ذو} صفة لما قبله.{ذو العرش} حسن لمن قرأ {المجيد} بالرفع على الابتداء وليس بوقف إن جعل نعتاً لما قبله.{المجيد} كاف بالجرِّ نعتٌ للعرش أو لربك في قوله: {إنَّ بطش ربك} وهي قراءة الأخوين والباقون بالرفع خبر بعد خبر أو نعت لـ: {ذو}.{لما يريد} تام للابتداء بالاستفهام.{الجنود} حسن إنَّ نصب {فرعون وثمود} بفعل مضمر وليس بوقف إن جرَّ بدلاً من {الجنود}{في تكذيب} كاف على استئناف ما بعده وليس بوقف إن جعل ما بعده في موضع الحال.{محيط} كاف.{مجيد} ليس بوقف لأنَّ ما بعده صفته.{محفوظ} تام على القراءتين أعني الرفع والجرّ قرأ نافع {محفوظ} بالرفع نعت لـ: {قرآن} والباقون بالجرِّ نعت لـ: {لوح}. اهـ..فصل في ذكر قراءات السورة كاملة: .قال الدمياطي: سورة البروج مكية.وآيها اثنان وعشرون.القراءات:عن الحسن {قتل} الآية 4 بالتشديد.وعنه {الوقود} الآية 5 بضم الواو.واختلف في دال {المجيد} الآية 15 فحمزة والكسائي وخلف بخفضها نعتا إما للعرش وإما لـ: {ربك} في {إن بطش ربك} وافقهم الحسن والأعمش والباقون برفعها خبر بعد خبر أو نعت لـ: {ذو}.وأمال {أتيك} حمزة والكسائي وخلف وقلله الأزرق بخلفه.واختلف في {محفوظ} الآية 22 فنافع بالرفع نعتا لـ: {قرآن} قال الله تعالى: {وإنا له لحافظون} والباقون بالكسر نعتا لـ: {لوح}. اهـ.
|