الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وروي أن ثابت بن قيس بن شماس رضي الله تعالى عنه استوهب من رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير بن باطا القرظي لأنه من عليه في الجاهلية يوم بعاث فقال صلى الله عليه وسلم هو لك فأتاه فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وهب لي دمك فهو لك قال: شيخ كبير فما يصنع بالحياة ولا أهل له ولا ولد؟ فأتى ثابت رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله امرأته وولده قال: هم لك فأتاه فقال: قد وهب لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أهلك وولدك فهم لك قال أهل بيت بالحجاز لا مال لهم فما بقاؤهم على ذلك فأتى رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال: ماله قال: هو لك فأتاه فقال: قد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك فهو لك فقال أي ثابت: ما فعل الذي كان وجهه مرآة صينية يتمرأ فيها عذارى الحي كعب بن أسد؟ قال: قتل قال: فما فعل مقدمتها إذا شددنا وحاميتنا إذا فررنا عزال بن شموال؟ قال: قتل قال: فما فعل المجلسان؟ يعني بني كعب بن قريظة وبني عمرو بن قريظة قال: قتلوا قال: فإني أسألك يا ثابت بيدي عندكم إلا ألحقتني بالقوم فوالله ما في العيش بعد هؤلاء من خير فما أنا بصابر لله تعالى قتلة ذكر ناصح حتى ألقى الأحبة فقدمه ثابت فضرب عنقه فلما بلغ أبا بكر رضي الله تعالى عنه قوله: ألقى الأحبة قال: يلقاهم والله في جهنم خالدين فيها مخلدين، واستوهبت سلمى بنت قيس أم المنذر أخت سليط بن قيس وكانت إحدى خالات رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صلت معه القبلتين وبايعته مبايعة النساء رفاعة بن شموال القرظي وقالت: بأبي أنت وأمي يا نبي الله هب لي رفاعة فإنه زعم أنه سيصل ويأكل لحم الجمل فوهبه عليه الصلاة والسلام لها فاستحيته.وقتل منه كل من أنبت من الذكور، وأما النساء فلم يقتل منهم إلا امرأة يقال لها لبابة زوجة الحكم القرظي وكانت قد طرحت الرحى على خلاد بن سويد فقتلته.أخرج ابن إسحاق عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت: والله إن هذه الامرأة لعندي تحدث معي وتضحك ظهرًا وبطنًا ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقتل رجالها بالسيوف إذ هتف هاتف باسمها أين فلانة قالت: أنا والله قلت لها: ويلك ما لك؟ قالت: أقتل قلت: ولم؟ قالت: لحدث أحدثته فانطلق بها فضربت عنقها فكانت عائشة رضي الله تعالى عنها تقول: فوالله ما أنسى عجبًا منها طيب نفسها وكثرة ضحكها وقد عرفت أنها تقتل، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم أموالهم ونساءهم وأبناءهم على المسلمين، وأعلم في ذلك اليوم سهمان الخيل وسهمان الرجال، وأخرج منها الخمس وكان للفرس سهمان وللفارس سهم وللراجل الذي ليس له فرس سهم، وكانت الخيل في تلك الغزوة ستة وثلاثين فرسًا وهو أول فيء وقعت فيه السهمان وأخرج منه الخمس على ما ذكر ابن إسحاق، ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن زيد الأنصاري أخا بني عبد الأشهل بسبايا من سبايا القوم وكانت السبايا كلها على ما قيل سبعمائة وخمسين إلى نجد فابتاع بها لهم خيلًا وسلاحًا وكان عليه الصلاة والسلام قد اصطفى لنفسه الكريمة من نسائهم ريحانة بنت عمرو وكانت في ملكه صلى الله عليه وسلم حتى توفى، وقد كان عليه الصلاة والسلام عرض عليها أن يتزوجها ويضرب عليها الحجاب فقالت: يا رسول الله بل تتركني في ملك فهو أخف على وعليك فتركها صلى الله عليه وسلم وكانت حين سباها قد أبت إلا اليهودية فعزلها عليه الصلاة والسلام ووجد في نفسه لذلك فبينما هو صلى الله عليه وسلم مع أصحابه إذ سمع وقع نعلين خلفه فقال: إن هذا لنعلا ابن شعبة جاء يبشرني بإسلام ريحانة فجاءه فقال: يا رسول الله قد أسلمت ريحانة فسره ذلك من أمرها، وكان الفتح على ما في البحر في آخر ذي القعدة وهذه الغزوة وغزوة الخندق كانتا في سنة واحدة كما يدل عليه ما ذكرناه أول القصة وهو الصحيح خلافًا لمن قال: إن كلًا منهما في سنة، ولما انقضى شأن بني قريظة انفجر لسعد رضي الله تعالى عنه جرحه فمات شهيدًا، وقد استبشرت الملائكة عليهم السلام بروحه واهتز له العرش، وفي ذلك يقول رجل من الأنصار:
واستشهد يوم بني قريظة على ما روي عن ابن إسحاق من المسلمين ثم من بني الحرث بن الخزرج خلاد بن سويد بن ثعلبة بن عمرو طرحت عليه رحا فشدخته شدخًا شديدًا، وذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن له لأجر شهيدين، ومات أبو سنان بن محصن بن حرثان أخو بني أسد بن خزيمة ورسول الله عليه الصلاة والسلام محاصر بني قريظة فدفن في مقبرتهم التي يدفنون فيها اليوم وإليه دفنوا موتاهم في الإسلام، وتمام الكلام فيما وقع في هذه الغزوة في كتب السير، وقوله تعالى: {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ} عطف على قوله سبحانه وتعالى: {أَنَزلَ} الخ، والمراد بأرضهم مزارعهم، وقدمت لكثرة المنفعة بها من النخل والزروع.وفي قوله عز وجل: {أورثكم} إشعار بأنه انتقل إليهم ذلك بعد موت أولئك المقتولين وأن ملكهم إياه ملك قوي ليس بعقد يقبل الفسخ أو الإقالة {أَرْضَهُمْ وديارهم} أي حصونهم {وأموالهم} نقودهم ومواشيهم وأثاثهم التي اشتملت عليها أرضهم وديارهم.أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة من خبر طويل أن سعدًا رضي الله تعالى عنه حكم كما حكم بقتل مقاتلهم وسبي ذراريهم بأن أعقارهم للمهاجرين دون الأنصار فقال قومه: أتؤثر المهاجرين بالإعقار علينا؟ فقال: إنكم ذوو أعقار وإن المهاجرين لا أعقار لهم، وأمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حكمه.وفي الكشاف روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل عقارهم للمهاجرين دون الأنصار فقالت الأنصار في ذلك فقال عليه الصلاة والسلام: إنكم في منازلكم، وقال عمر رضي الله تعالى عنه: أما تخمس كما خمست يوم بدر؟ قال: لا إنما جعلت هذه لي طعمة دون الناس قال: رضينا بما صنع الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.وذكر الجلال السيوطي أن الخبر رواه الواقدي من رواية خارجة بن زيد عن أم العلاء قالت: لما غنم رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير جعل الحديث، ومن طريق المسور بن رفاعة قال: فقال عمر يا رسول الله ألا تخمس ما أصيب من بني النضير الحديث اه، وعليه لا يحسن من الزمخشري ذكره هاهنا مع أن الآيات عنده في شأن بني قريظة، وسيأتي الكلام فيما وقع لبني النضير في تفسير سورة الحشر إن شاء الله تعالى: {وَأَرْضًا لَّمْ} قال مقاتل، ويزيد بن رومان وابن زيد: هي خيبر فتحت بعد بني قريظة، وقال قتادة: كان يتحدث أنها مكة، وقال الحسن: هي أرض الروم وفارس، وقيل: اليمن، وقال عكرمة: هي ما ظهر عليها المسلمون إلى يوم القيامة واختاره في البحر، وقال عروة: لا أحسبها إلآ كل أرض فتحها الله تعالى على المسلمين أو هو عز وجل فاتحها إلى يوم القيامة، والظاهر أن العطف على {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ} واستشكل بأن الإرث ماض حقيقة بالنسبة إلى المعطوف عليه ومجازًا بالنسبة إلى هذا المعطوف.وأجيب بأنه يراد بأورثكم أورثكم في علمه وتقديره وذلك متحقق فيما وقع من الإرث كأرضهم وديارهم وأموالهم وفيما لم يقع بعد كارث ما لم يكن مفتوحًا وقت نزول الآية.وقدر بعضهم أورثكم في جانب المعطوف مرادًا به يورثكم إلا أنه عبر بالماضي لتحقق الوقوع والدليل المذكور، واستبعد دلالة المذكور عليه لتخالفهما حقيقة ومجازًا.وقيل: الدليل ما بعد من قوله تعالى: {وَكَانَ الله} الخ، ثم إذا جعلت الأرض شاملة لما فتح على أيدي الحاضرين ولما فتح على أيدي غيرهم ممن جاء بعدهم لا يخص الخطاب الحاضرين كما لا يخفى.ومن بدع التفاسير أنه أريد بهذه الأرض نساؤهم، وعليه لا يتوهم أشكال في العطف.وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما {لَمْ} بحذف الهمزة أبدل همزة تطأ ألفًا على حد قوله: فالتقت ساكنة مع الواو فحذفت كقولك لم تروها {تَطَئُوهَا وَكَانَ الله على كُلّ شيء قَديرًا} فهو سبحانه قادر على أن يملككم ما شاء. اهـ. .قال القاسمي: قال الإمام ابن القيم في زاد المعاد: كانت غزوة الخندق في سنة خمس من الهجرة، في شوّال على أصح القولين؛ إذ لا خلاف أن أُحدًا كانت في شوال سنة ثلاث، وواعد المشركون رسول الله صلّى الله عليه وسلم في العام المقبل وهي سنة أربع، ثم أخلفوه لأجل جدب السنة، فرجعوا، فلما كانت سنة خمس جاءوا لحربه. هذا قول أهل السير والمغازي، وخالفهم موسى بن عقبة وقال: بل كانت سنة أربع. قال أبو محمد ابن حازم: وهذا هو الصحيح الذي لا شك فيه. واحتج عليه بحديث ابن عمر في الصحيحين: أنه عرض على النبي صلّى الله عليه وسلم يوم أُحد وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يجزه، ثم عرض عليه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة فأجازه. قال: وصح أنّه لم يكن بينهما إلا سنة واحدة. وأجيب عن هذا بجوابين: أحدهما- أن ابن عمر أخبر أن النبي صلّى الله عليه وسلم رده لما استصغره عن القتال، وأجازه لما وصل إلى السن التي رآه فيها مطيقًا، وليس في هذا ما ينفي تجاوزها بسنة أو نحوها.والثاني- أنه لعله كان يوم أحد في أول الرابع عشرة، ويوم الخندق في آخر الخامس عشرة.ثم قال ابن القيم رحمه الله: وكان سبب غزوة الخندق، أن اليهود لما رأوا انتصار المشركين على المسلمين يوم أُحد، وعلموا بميعاد أبي سفيان لغزو المسلمين، فخرج لذلك ثم رجع للعام المقبل، خرج أشرافهم كسلام بن أبي الحقيق، وسلام بن مشكم، وكنانة بن الربيع وغيرهم إلى قريش بمكة، يحرضونهم على غزو رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ويوالونهم عليه، ووعدوهم من أنفسهم بالنصر لهم، فأجابتهم قريش، ثم خرجوا إلى غطفان فدعوهم فاستجابوا لهم، ثم طافوا في قبائل العرب يدعونهم إلى ذلك، فاستجاب لهم من استجاب.فخرجت قريش، وقائدهم أبو سفيان في أربعة آلاف، ووافاهم بنو سُلَيم بمرّ الظهران، وخرجت بنو أسد، وفزارة، وأشجع، وبنو مرّة، وجاءت غطفان، وقائدهم عيينة بن الحصن، وكان قد وافى الخندق من الكفار عشرة آلاف.فلما سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلم بمسيرهم إليه، استشار الصحابة، فأشار عليه سلمان الفارسي بحفر خندق يحول بين العدو وبين المدينة، فأمر به رسول الله صلّى الله عليه وسلم فبادر إليه المسلمون، وعمل بنفسه فيه وبادروا، وهجم الكفار عليهم، وكان في حفره آيات نبوّته وأعلام رسالته ما قد تواتر الخبر به، وكان حفر الخندق أمام سَلْع. وسلع جبل خلف ظهور المسلمين، والخندق بينهم وبين الكفار، وخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم في ثلاثة آلف من المسلمين، فتحصن بالجبل من خلفه، وبالخندق أمامهم.وقال ابن إسحاق: خرج في سبعمائة. وهذا غلط من خروجه يوم أُحد.وأمر النبي صلّى الله عليه وسلم بالنساء والذراري فجعلوا في آطام المدينة، واستخلف عليها ابن أم مكتوم، وانطلق حُيي بن أخطب إلى بني قريظة، فدنا من حصنهم. فأبى كعب بن أسد أن يفتح له، فلم يزل يكلمه حتى فتح له، فلما دخل عليه قال: لقد جئتكم بعزّ الدهر؛ جئتك بقريش، وغطفان، وأسد على قادتها لحرب محمد. قال: قال كعب: جئتني، والله! بذل الدهر وبجهام قد أراق ماءه، فهو رعد وبرق. فلم يزل به حتى نقض العهد الذي بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودخل مع المشركين في محاربته، فسرّ بذلك المشركون. وشرط كعب على حُيي أنه إن لم يظفروا بمحمدٍ، أن يجيء حتى يدخل معه في حصنه، فيصيبه ما أصابه. فأجابه إلى ذلك، ووفى له به. وبلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلم خبر بني قريظة، ونقضهم للعهد، فبعث إليهم السعدين، وخوات بن جبير، وعبد الله بن رواحة ليعرفوه: هل هم على عهدهم، أو قد نقضوه. فلما دنوا منهم فوجدوهم على أخبث ما يكون، وجاهروهم بالسب والعداوة، ونالوا من رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فانصرفوا عنهم، ولحنوا لرسول الله صلّى الله عليه وسلم لحنًا يخبرونه أنهم قد نقضوا العهد وغدروا. فعظم ذلك على المسلمين. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم عند ذلك: «الله أكبر! أبشروا يا معشر المسلمين». واشتد البلاء وتجهر النفاق، واستأذن بعض بني حارثة رسول الله صلّى الله عليه وسلم في الذهاب إلى المدينة وقالوا: بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارًا. وهمّ بنو سلمة بالفشل، ثم ثبّت الله الطائفتين.وأقام المشركون محاصرين رسول الله صلّى الله عليه وسلم شهرًا، ولم يكن بينهم قتال؛ لأجل ما حال الله به من الخندق، بينهم وبين المسلمين، إلا أن فوارس من قريش منهم عَمْرو بن عبد ودّ وجماعة معه، أقبلوا نحو الخندق، فلما وقفوا عليه قالوا: إن هذه مكيدة ما كانت العرب تعرفها، ثم تيمموا مكانًا ضيقًا من الخندق فاقتحموه، وجالت بهم خيلهم في السبخة بين الخندق وسلع، ودعوا إلى البراز، فانتدب لعمرو عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه، فبارزه فقتله الله على يديه، وكان من شجعان المشركين وأبطالهم، وانهزم الباقون إلى أصحابهم. وكان شعار المسلمين يومئذ: حم لا ينصرون.ولما طالت هذه الحال على المسلمين، أراد رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يصالح عُيينة بن حصن والحارث بن عوف، رئيسي غطفان على ثلث ثمار المدينة، وينصرفا بقومهما، وجرت المراوضة على ذلك، فاستشار السعدين في ذلك فقالا: يا رسول الله! إن كان الله أمرك بهذا، فسمعًا وطاعةً، وإن كان شيء تصنعه لنا، فلا حاجة لنا فيه. لقد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله، وعبادة الأوثان، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة إلا قرىً أو بيعًا، فحين أكرمنا الله بالإسلام، وهدانا له، وأعزنا بك، نعطيهم أموالنا؟ والله! لا نعطيهم إلا السيف. فصوّب رأيهما وقال: «إنما هو شيء أصنعه لكم، لما رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة».ثم إن الله عز وجل، وله الحمد، صنع أمرًا من عنده، خذل به بين العدو، وهزم جموعهم، وفلّ حدّهم؛ فكان مما هيأ من ذلك، أن رجلا من غطفان يقال له نعيم بن مسعود بن عامر، رضي الله عنه، جاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إني قد أسلمت، فمرني بما شئت. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إنما أنت رجل واحد، فخذّل عنّا ما استطعت؛ فإن الحرب خدعة». فذهب من فوره ذلك إلى بني قريظة، وكان عشيرًا لهم في الجاهلية، فدخل عليهم وهم لا يعلمون بإسلامه فقال: يا بني قريظة! إنكم قد حاربتم محمدًا، وإن قريشًا إن أصابوا فرصةً انتهزوها، وإلا انشمروا إلى بلادهم راجعين، وتركوكم ومحمدًا، فانتقم منكم. قالوا: فما العمل يا نعيم؟! قال: لا تقاتلوا معهم حتى يعطوكم رهائن. قالوا: لقد أشرت بالرأي. ثم مضى على وجهه إلى قريش. قال لهم: تعلمون ودي لكم ونصحي لكم. قالوا: نعم. قال: إن يهود قد ندموا على ما كان منهم من نقض عهد محمد وأصحابه، وإنهم قد راسلوه أنهم يأخذون منكم رهائن يدفعونها إليه، ثم يوالونه عليكم، فإن سألوكم رهائن فلا تعطوهم. ثم ذهب إلى غطفان فقال لهم مثل ذلك، فلما كان ليلة السبت من شوال بعثوا إلى يهود: إنا لسنا بأرض مقام، وقد هلك الكراع والخفُّ، فانهضوا بنا حتى نناجز محمدًا. فأرسل إليهم اليهود: إن اليوم يوم السبت، وقد علمتم ما أصاب من قبلنا حين أحدثوا فيه، ومع هذا، فإنا لا نقاتل معكم حتى تبعثوا لنا رهائن. فلما جاءتهم رسلهم بذلك، قالت قريش صدقكم، والله! نعيم. فبعثوا إلى يهود: إنا، والله! لا نرسل إليكم أحدًا، فاخرجوا معنا حتى نناجز محمدًا. فقالت قريظة: صدقكم، والله! نعيم. فتخاذل الفريقان: وأرسل الله عز وجل على المشركين جندًا من الريح في ليال شاتية باردة شديدة البرد، فجعلت تقوّض خيامهم، ولا تدع لهم قدرًا إلا كفأتها، ولا طُنُبا إلا قلعته، ولا يقر لهم قرار، وجند الله من الملائكة يزلزلونهم ويلقون في قلوبهم الرعب والخوف. وأرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان يأتيه بخبرهم، فوجدهم على هذه الحال، وقد تهيأوا للرحيل. فرجع إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأخبرهم برحيل القوم، فأصبح رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وقد ردّ الله عدوه بغيظه، لم ينالوا خيرًا، وكفى الله قتالهم، فصدق وعده، وأعز جنده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده.
|