الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.التفسير الإشاري: قال نظام الدين النيسابوري:التأويل: مساجد الله التي يذكر فيها أساميها عند أهل النظر، النفس والقلب والروح، والسر والخفي- وهو سر السر- وذكر كل مسجد منها مناسب لذلك المسجد. فذكر مسجد النفس الطاعات والعبادات ومنع الذكر فيه بترك الحسنات وملازمة السيئات، وذكر مسجد القلب التوحيد والمعرفة ومنع الذكر فيه بالتمسك بالشبهات والتعلق بالشهوات، كما أوحى الله إلى داود عليه السلام: يا داود حذر وأنذر أصحابك كل الشهوات فإن القلوب المعلقة بالشهوات عقولها عني محجوبة. وذكر مسجد الروح الشوق والمحبة ومنع الذكر فيه بالحظوظ والمسكنات، وذكر مسجد السر المراقبة والشهود ومنع الذكر فيه بالركون إلى الكرامات والقربات، وذكر مسجد الخفي بذل الوجود ومنع الذكر فيه بالالتفات إلى المشاهدات والمكاشفات {أولئك ما كان لهم} أن يدخلوا هذه المشاهد بقدم السلوك إلا بخطوات الخوف من سوء الحساب وألم العقاب {لهم في الدنيا خزي} من ذل الحجاب {ولهم في الآخرة عذاب} الحرمان من جوار الله.{ولله المشرق والمغرب} القلوب مشارق شموس المعارف ومغاربها، والله في مشرق كل قلب ومغربه شارق وطارق، فطارق القلب من هواجس النفس يطرق بظلمات المنى عند غلبات الهوى وغروب نجم الهدى، وشارق القلب من واردات الروح يشرق بأنوار الفتوح عند غلبات الشوق وطلوع قمر الشهود، فتكون القبلة واضحة والدلالات لائحة، فإذا تحلت شمس صفات الجلال خفيت نجوم صفات الجمال، وإذا استولى سلطان الحقيقة على ممالك الخليقة طويت بأيدي سطوات الجود سرادقات الوجود، فما بقيت الأرض ولا السماء ولا الظلمة ولا الضياء، إذ ليس عند الله صباح ولا مساء. وتلاشي العبدية في كعبة العندية، وتودوا بفناء الفناء من عالم البقاء، رفعت القبلة وما بقي إلا الله {فأينما تولوا فثم وجه الله} {إن الله واسع} يوسع قلب من يشاء من عباده ليسعه {عليم} بتوسيع القلب لسعته بلا كيف وحيف كما قال لا يسعني أرضي ولا سمائي وإنما يسعني قلب عبدي المؤمن والله أعلم. اهـ..تفسير الآية رقم (124): قوله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124)}..مناسبة الآية لما قبلها: قال البقاعي:ولما عاب سبحانه أهل الضلال وكان جُلُّهم من ذرية إبراهيم عليه السلام وجميع طوائف الملل تعظمه ومنهم العرب وبيته الذي بناه أكبر مفاخرهم وأعظم مآثرهم ذكر الجميع ما أنعم به عليه تذكيرًا يؤدي إلى ثبوت هذا الدين باطلاع هذا النبي الأمي الذي لم يخالط عالمًا قط على ما لا يعلمه إلا خواص العلماء، وذكر البيت الذي بناه فجعله الله عماد صلاحهم، وأمر بأن يتخذ بعض ما هناك مصلى تعظيمًا لأمره وتفخيمًا لعلي قدره؛ وفي التذكير بوفائه بعد ذكر الذين وفوا بحق التلاوة وبعد دعوة بني إسرائيل عامة إلى الوفاء بالشكر حث على الاقتداء به، وكذا في ذكر الإسلام والتوحيد هزّ لجميع من يعظمه إلى اتباعه في ذلك.وقال الحرالي: لما وصل الحق تعالى بالدعوة العامة الأولى في قوله تعالى: {يا أيها الناس} ذكر أمر آدم وافتتاح استخلافه ليقع بذلك جمع الناس كافة في طرفين في اجتماعهم في أب واحد ولدين واحد نظم تعالى بذلك وصل خطاب أهل الكتاب بذكر إبراهيم، ليقع بذلك اجتماعهم أيضًا في أب واحد وملة واحدة اختصاصًا بتبعية الإمامة الإبراهيمية من عموم تبعية الخلافة الآدمية تنزيلًا للكتاب وترفيعًا للخلق إلى علو اختصاص الحق، فكما ذكر تعالى في الابتداء تذكيرًا معطوفًا على أمور تجاوزها الإفصاح من أمر آدم عطف أيضًا التذكير بابتداء أمر إبراهيم عليه السلام على أمور تجاوزها الإفصاح هي أخص من متجاوز الأول كما أن إفصاحها أخص من إفصاحها وأعلى رتبة من حيث إن الخلق والأمر مبدوء من حد لم يزل ولا يزال يتكامل إلى غاية ليس وراءها مرمى فقال تعالى: {وإذ ابتلى إبراهيم}. انتهى.والمعنى أنه عامله بالأمر بأمور شاقة معاملة المختبر الممتحن، وقال: {ربه} أي المحسن إليه إشعارًا بأن تكليف العباد هو غاية الإحسان إليهم وفي ابتداء قصته بقوله: {بكلمات فأتمهن} بيان لأن أسنى أحوال العباد الإذعان والتسليم لمن قامت الأدلة على صدقه والمبادرة لأمره دون اعتراض ولا توقف ولا بحث عن علة، وفي ذلك إشارة إلى تبكيت المدعين لاتباعه من بني إسرائيل حيث اعترضوا في ذبح البقرة وارتكبوا غاية التعنت مع ما في ذبحها من وجوه الحكم بعد أن أساءوا الأدب على نبيهم في ذلك وفي غيره في أول أمرهم وأثنائه وآخره فأورثهم ذلك نكالًا وبعدًا، فظهر أن الصراط المستقيم حال إبراهيم ومن ذكر معه من الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، وأنهم المنعم عليهم؛ والظاهر عطف {إذ} على {نعمتي} في قوله: {يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم} [البقرة: 122] أي واذكروا إذ ابتلى أباكم إبراهيم فأتم ما ابتلاه به فما لكم أنتم لا تقتدون به فتفعلوا عند الابتلاء فعله في إيفاء العهد والثبات على الوعد لأجازيكم على ذلك جزائي للمحسنين، والإتمام التوفية لما له صورة تلتئم من أجزاء وآحاد- قاله الحرالي.فكأنه قيل: فما جوزي على شكره بالإتمام قبل؟ {قال} له ربه، ويجوز أن يكون {قال} بيانًا لابتلى {إني جاعلك للناس} أي كافة {إمامًا} كما كانت خلافة أبيه آدم لبنيه كافة، والإمام ما يتبع هداية إلى سداد- قاله الحرالي.واستأنف قوله: {قال} أي إبراهيم {ومن} أي واجعل من {ذريتي} أئمة {قال لا ينال} أي قد أجبتك وعاهدتك بأن أحسن إلى ذريتك لكن لا ينال {عهدي} الذي عهدته إليك بالإمامة {الظالمين} منهم، لأنهم نفوا أنفسهم عنك في أبوة الدين؛ وفي ذلك أتم ترغيب في التخلق بوفائه لاسيما للذين دعوا قبلها إلى الوفاء بالعهد، وإشارة إلى أنهم إن شكروا أبقى رفعتهم كما أدام رفعته، وإن ظلموا لم تنلهم دعوته فضربت عليهم الذلة وما معها ولا يجزي أحد عنهم شيئًا ولا هم ينصرون؛ والذرية مما يجمع معنى الذرّ والدرء، والذريّ مختلف كونه على وجوه اشتقاقه، فيكون فعلولة كأنه ذرورة ثم خفف بقلب الراء ياء استثقالًا للتضعيف ثم كسر ما قبل الياءين تحقيقًا لهما.لأنه اجتمع بعد القلب واو وياء سبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء، أو تكون فعليّة من الذر منسوبًا، ومن الذر مخفف فعولة بقلب الهمزة ياء ثم الواو ياء لاجتماعها معها سابقة إحداهما بالسكون ثم الإدغام، أو فعيلة إن يكن في الكلام لما فيه من ثقل اجتماع الضم والكسر- قاله الحرالي، وفيه تصرف. اهـ..اللغة: {ابتلى} امتحن والابتلاء: الاختبار.{فأتمهن} أتى بهن على وجه التمام والكمال.{إماما} الإمام: القدوة الذي يؤتم به في الأقوال والأفعال.{مثابة} مرجعًا من ثاب يثوب إذا رجع، أي إنهم يأتون ويترددون إليه لا يقضون منه وطرهم، قال الشاعر:{وأمنا} الأمن: السلامة من الخوف والطمأنينة في النفس والأهل.{وعهدنا} أمرنا وأوحينا.{للطائفين} جمع طائف من الطواف وهو الدوران حول الشيء.{والعاكفين} جمع عاكف من العكوف وهو الإقامة على الشيء والملازمة له، والمراد المقيمون في الحرم بقصد العبادة.{فأمتعه} من التمتيع وهو إعطاء الإنسان ما ينتفع به كقوله: {قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار}.{القواعد} جمع قاعدة وهي الأساس.{مناسكنا} جمع منسك وهي العبادة والطاعة.{الحكمة} العلم النافع المصحوب بالعمل، والمراد بها السنة النبوية المطهرة.{ويزكيهم} من التزكية وهي في الأصل التنمية يقال: زكى الزرع إذا نما ثم استعملت في معنى الطهارة النفسية قال تعالى: {قد أفلح من زكاها}. اهـ. .القراءات والوقوف: قال النيسابوري:.القراءات: {إبراهام} بالألف في البقرة والنساء إلا {فقد آتينا آل إبراهيم} وفي الأنعام {ملة إبراهام} وفي جميع براءة إلا {وقوم إبراهيم} وفي إبراهيم {وإذ قال إبراهام} وفي النحل ومريم والعنكبوت {ولما جاءت رسلنا إبراهام} خاصة وفي {حم عَسَقَ} وجميع المفصل وإلا قوله في المودة {إلا قول إبراهيم} وفي الأعلى {صحف إبراهيم} هشام وابن ذكوان وروى ابن مجاهد في هذه السورة فقط.واعلم أن ذكر إبراهيم في القرآن تسعة وستون موضعًا منها ثلاثة وثلاثون {إبراهام} بالألف في قراءة ابن عامر عن ابن ذكوان، وستة وثلاثون {إبراهيم} بالياء، والعلة في ذلك اتباع مصحفهم. فما كتب بالألف قرئ بالألف، وما كتب بالياء قرئ بالياء، والاختيار عند الأئمة أن يقرأ هاهنا بالألف لبيان المذهب والبواقي بالياء، لأنه أحسن في اللفظ وأشهر، ويوافقه سائر الأسماء الأعجمية كإسرائيل وإسرافيل وإسماعيل {عهدي} مرسلة الياء: حمزة وحفص {وإذ جعلنا} وبابه مدغمة الذال في الجيم: أبو عمرو وهشام {بيتي} بالفتح: أبو جعفر ونافع. وحفص وهشام {واتخذوا} بفتح الخاء: نافع وابن عامر الباقون بالكسر {فأمتعه} خفيفًا ابن عامر. الباقون بالتشديد..الوقوف: {فأتمهن} ط {إمامًا} ط {ذريتي} ط {الظالمين} o {وأمنا} ط لمن قرأ {واتخذوا} بالكسر لاعتراض الأمر بين ماضيين {مصلى} ط كذلك ومن فتح الخاء نسق الأفعال الثلاثة فلا وقف {السجود} o {واليوم الآخر} ط {عذاب النار} ط لأن نعم وبئس للمبالغة في المدح والذم فيبتدئ بهما تنبيهًا على المدح والذم {المصير} o. اهـ..من أقوال المفسرين: .قال الخازن: قوله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} إبراهيم اسم أعجمي ومعناه أب رحيم وهو إبراهيم بن تارخ وهو آزر بن ناخور بن شاروع بن أرغو بن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح عليه السلام، وكان مولد إبراهيم بالسوس من أرض الأهواز وقيل: ببابل وقيل بكوثى وهي قرية من سواد الكوفة. وقيل: بحران ولكن أباه نقله إلى أرض بابل وهي أرض نمروذ الجبار. وإبراهيم عليه السلام تعترف بفضله جميع الطوائف قديمًا، وحديثًا فأما اليهود والنصارى فإنهم مقرون بفضله ويتشرفون بالنسبة إليه وأنهم من أولاده وأما العرب في الجاهلية فإنهم أيضًا يعترفون بفضله ويتشرفون على غيرهم به لأنهم من أولاده، ومن ساكني حرمه وخدام بيته، ولما جاء الإسلام زاده الله شرفًا وفضلًا فحكى الله تعالى عن إبراهيم أمورًا توجب على المشركين والنصارى واليهود قبول قول محمد صلى الله عليه وسلم والاعتراف بدينه والانقياد لشرعه لأن ما أوجبه الله على إبراهيم عليه السلام هو من خصائص دين محمد صلى الله عليه وسلم وفي ذلك حجة على اليهود والنصارى ومشركي العرب في وجوب الانقياد لمحمد صلى الله عليه وسلم والإيمان به وتصديقه. اهـ.سؤال: ما معنى {ابتلى}.الجواب: وأصل الابتلاء الامتحان والاختبار ليعرف حال الإنسان وسمي التكليف بلاء لأنه يشق على الأبدان. وقيل: ليختبر به حال الإنسان فإذا قيل: ابتلى فلان بكذا يتضمن أمرين: أحدهما تعرف حاله والوقوف على ما يجهل من أمره. والثاني ظهرو جودته ورداءته وابتلاء الله العباد ليس ليعلم أحوالهم، والوقوف على ما يجهل منها لأنه عالم بجميع المعلومات التي لا نهاية لها على سبيل التفصيل من الأزل إلى الأبد.ولكن ليعلم العباد أحوالهم من ظهور جودة ورداءة وعلى هذا ينزل قوله تعالى: {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات}. اهـ..قال في روح البيان: والابتلاء في الأصل الاختبار أى تطلب الخبر بحال المختبر بتعريضه لأمر يشق عليه غالبا فعله أو تركه وذلك إنما يتصور حقيقة ممن لا وقوف له على عواقب الأمور وأما من العليم الخبير فلا يكون إلا مجازا عن تمكينه للعبد من اختيار أحد الأمرين ما يريد الله تعالى وما يشتهيه العبد كأنه يمتحنه بما يكون منه حتى يجازيه على حسب ذلك كما علم الكفر من إبليس ولم يلعنه بعلمه ما لم يختبره بما يستوجب اللعنة به. اهـ.سؤال: لم قدم المفعول على الفعل؟الجواب: قدم على الفاعل للاهتمام، إذ كون الرب مبتليًا معلوم، فإنما يهتم السامع بمن {ابتلي}، وكون ضمير المفعول متصلًا بالفاعل موجب تقديم المفعول، فإنما بني الكلام على هذا الاهتمام. اهـ.وقال صاحب التحرير والتنوير:وتقديمُ المفعول وهو لفظ إبراهيم لأن المقصود تشريف إبراهيم بإضافة اسم رب إلى اسمه مع مراعاة الإيجاز فلذلك لم يقل: وإذ ابتلى اللَّهُ إبراهيم. اهـ.
|