الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج المشهور بـ «شرح النووي على مسلم»
.باب مِنْ فَضَائِلِ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: قَوْله: «وَبِهَا تُنْصَبُ رَايَته» إِشَارَة إِلَى ثُبُوته هُنَاكَ، وَاجْتِمَاع أَعْوَانه إِلَيْهِ لِلتَّحْرِيشِ بَيْن النَّاس، وَحَمْلِهِمْ عَلَى هَذِهِ الْمَفَاسِد الْمَذْكُورَة، وَنَحْوهَا، فَهِيَ مَوْضِعُهُ وَمَوْضِعُ أَعْوَانه. وَالسُّوق تُؤَنَّثُ وَتُذَكَّرُ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِقِيَامِ النَّاس فيها عَلَى سُوقهمْ. قَوْله: «أَنَّ أُمّ سَلَمَة رَأَتْ جِبْرِيل فِي صُورَة دَحْيَة» هُوَ بِفَتْحِ الدَّال وَكَسْرهَا. وَفيه مَنْقَبَة لِأُمِّ سَلَمَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا. وَفيه جَوَاز رُؤْيَة الْبَشَر الْمَلَائِكَة، وَوُقُوع ذَلِكَ، وَيَرَوْنَهُمْ عَلَى صُورَة الْآدَمِيِّينَ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى رُؤْيَتهمْ عَلَى صُوَرِهِمْ، وَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرَى جِبْرِيل عَلَى صُورَة دَحْيَة غَالِبًا، وَرَآهُ مَرَّتَيْنِ عَلَى صُورَته الْأَصْلِيَّة. قَوْلهَا: «يُخْبِرُ خَبَرنَا» هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخ بِلَادنَا، وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ بَعْض الرُّوَاة وَالنُّسَخ، وَعَنْ بَعْضهمْ: يُخْبِرُ خَبَرَ جِبْرِيل. قَالَ: وَهُوَ الصَّوَاب، وَقَدْ وَقَعَ فِي الْبُخَارِيّ عَلَى الصَّوَاب. .باب مِنْ فَضَائِلِ زَيْنَبَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: قَالَ أَهْل اللُّغَة: يُقَال: فُلَان طَوِيل الْيَد، وَطَوِيل الْبَاع، إِذَا كَانَ سَمْحًا جَوَادًا، وَضِدّه قَصِير الْيَد وَالْبَاع، وَجَدّ الْأَنَامِل. وَفيه مُعْجِزَة بَاهِرَة لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْقَبَة ظَاهِرَة لِزَيْنَب، وَوَقَعَ هَذَا الْحَدِيث فِي كِتَاب الزَّكَاة مِنْ الْبُخَارِيّ بِلَفْظٍ مُتَعَقِّدٍ يُوهِمُ أَنَّ أَسْرَعَهُنَّ لِحَاقًا سَوْدَة، وَهَذَا الْوَهْم بَاطِل بِالْإِجْمَاعِ. .باب مِنْ فَضَائِلِ أُمِّ أَيْمَنَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: وَقَوْله: «تَذْمَّرُ» هُوَ بِفَتْحِ التَّاء وَإِسْكَان الذَّال الْمُعْجَمَة وَضَمّ الْمِيم، وَيُقَال: تَذَمَّرَ بِفَتْحِ التَّاء وَالذَّال وَالْمِيم أَيْ تَتَذَمَّرُ، وَتَتَكَلَّم بِالْغَضَبِ. يُقَال: ذَمَرَ يَذْمُرُ كَقَتَلَ يَقْتُلُ إِذَا غَضِبَ، وَإِذَا تَكَلَّمَ بِالْغَضَبِ. وَمَعْنَى الْحَدِيث أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدّ الشَّرَاب عَلَيْهَا إِمَّا لِصِيَامٍ، وَإِمَّا لِغَيْرِهِ، فَغَضِبَتْ وَتَكَلَّمَتْ بِالْإِنْكَارِ وَالْغَضَب. وَكَانَتْ تَدُلُّ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكَوْنِهَا حَضَنَتْهُ وَرَبَّتْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَجَاءَ فِي الْحَدِيث: «أُمّ أَيْمَن أُمِّي بَعْد أُمِّي» وَفيه أَنَّ لِلضَّيْفِ الِامْتِنَاع مِنْ الطَّعَام وَالشَّرَاب الَّذِي يُحْضِرُهُ الْمُضِيف إِذَا كَانَ لَهُ عُذْر مِنْ صَوْم أَوْ غَيْره مِمَّا هُوَ مُقَرَّر فِي كُتُبِ الْفِقْه. 4492- قَوْله: «قَالَ أَبُو بَكْر بَعْد وَفَاة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: اِنْطَلَقَ بِنَا إِلَى أُمّ أَيْمَن نَزُورُهَا، كَمَا كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزُورُهَا» فيه زِيَارَة الصَّالِحِينَ وَفَضْلهَا، وَزِيَارَة الصَّالِح لِمَنْ هُوَ دُونه، وَزِيَارَة الْإِنْسَان لِمَنْ كَانَ صَدِيقُهُ يَزُورُهُ، وَلِأَهْلِ وُدّ صَدِيقه، وَزِيَارَة جَمَاعَة مِنْ الرِّجَال لِلْمَرْأَةِ الصَّالِحَة، وَسَمَاع كَلَامهَا، وَاسْتِصْحَاب الْعَالِم وَالْكَبِير صَاحِبًا لَهُ فِي الزِّيَارَة، وَالْعِيَادَة، وَنَحْوهمَا. وَالْبُكَاء حُزْنًا عَلَى فِرَاق الصَّالِحِينَ وَالْأَصْحَاب، وَإِنْ كَانُوا قَدْ اِنْتَقَلُوا إِلَى أَفْضَل مِمَّا كَانُوا عَلَيْهِ. وَاَللَّه أَعْلَم. .باب مِنْ فَضَائِلِ أُمِّ سُلَيْمٍ أُمِّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَبِلاَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: قَالَ الْعُلَمَاء: فَفيه جَوَاز دُخُول الْمَحْرَم عَلَى مَحْرَمه، وَفيه إِشَارَة إِلَى مَنْع دُخُول الرَّجُل إِلَى الْأَجْنَبِيَّة. وَإِنْ كَانَ صَالِحًا، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة الْمَشْهُورَة فِي تَحْرِيم الْخَلْوَة بِالْأَجْنَبِيَّةِ. قَالَ الْعُلَمَاء: أَرَادَ اِمْتِنَاع الْأُمَّة مِنْ الدُّخُول عَلَى الْأَجْنَبِيَّات. فيه بَيَان مَا كَانَ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الرَّحْمَة وَالتَّوَاضُع وَمُلَاطَفَة الضُّعَفَاء، وَفيه صِحَّة الِاسْتِثْنَاء مِنْ الِاسْتِثْنَاء، وَقَدْ رَتَّبَ عَلَيْهِ أَصْحَابنَا مَسَائِل فِي الطَّلَاق وَالْإِقْرَار وَمِثْله فِي الْقُرْآن: {إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا اِمْرَأَتَهُ}. 4494- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَخَلْت الْجَنَّة، فَسَمِعْت خَشْفَة، قُلْت: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: هَذِهِ الْغُمَيْصَاء بِنْت مِلْحَان أُمّ أَنَس بْن مَالِك» أَمَّا الْخَشْفَة فَبِخَاءٍ مَفْتُوحَة، ثُمَّ شِين سَاكِنَة مُعْجَمَتَيْنِ، وَهِيَ حَرَكَة الْمَشْي وَصَوْته، وَيُقَال أَيْضًا بِفَتْحِ الشِّين. (وَالْغُمَيْصَاء) بِضَمِّ الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَبِالصَّادِ الْمُهْمَلَة مَمْدُودَة وَيُقَالُ لَهَا الرُّمَيْصَاء أَيْضًا، وَيُقَالُ بِالسِّينِ. قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ: أُمّ سُلَيْمٍ هِيَ الرُّمَيْصَاء وَالْغُمَيْصَاء، وَالْمَشْهُور فيه الْغَيْن وَأُخْتهَا أُمّ حَرَام الرُّمَيْصَاء. وَمَعْنَاهُمَا مُتَقَارِب، وَالرَّمْص وَالْغَمْص قَذَى يَابِس وَغَيْر يَابِس يَكُون فِي أَطْرَاف الْعَيْن، وَهَذَا مَنْقَبَة ظَاهِرَة لِأُمِّ سُلَيْمٍ. 4495- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَمِعْت خَشْخَشَة أَمَامِي فَإِذَا بِلَال» هِيَ صَوْت الْمَشْي الْيَابِس إِذَا حَكَّ بَعْضه بَعْضًا. .باب مِنْ فَضَائِلِ أَبِي طَلْحَةَ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: و: «غَابِر لَيْلَتكُمَا» أَيْ مَاضِيهَا. وَقَوْله: «لَا يَطْرُقهَا طُرُوقًا» أَيْ لَا يُدْخِلُهَا فِي اللَّيْل. قَوْله: «فَضَرَبَهَا الْمَخَاض» هُوَ الطَّلْق وَوَجَع الْوِلَادَة. وَفيه اِسْتِجَابَة دُعَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَمَلَتْ بِعَبْدِ اللَّه بْن أَبِي طَلْحَة فِي تِلْكَ اللَّيْلَة، وَجَاءَ مِنْ وَلَده عَشَرَة رِجَال عُلَمَاء أَخْيَار. وَفيه كَرَامَة ظَاهِرَة لِأَبِي طَلْحَة، وَفَضَائِل لِأُمِّ سُلَيْمٍ، وَفيه تَحْنِيك الْمَوْلُود وَأَنَّهُ يُحْمَلُ إِلَى صَالِحٍ لِيُحَنِّكَهُ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ تَسْمِيَتُهُ فِي يَوْم وِلَادَته، وَاسْتِحْبَاب التَّسْمِيَة بِعَبْدِ اللَّه، وَكَرَاهَة الطُّرُوق لِلْقَادِمِ مِنْ سَفَر إِذَا لَمْ يَعْلَمْ أَهْلُهُ بِقُدُومِهِ قَبْل ذَلِكَ، وَفيه جَوَاز وَسْمُ الْحَيَوَان لِيَتَمَيَّزَ، وَلِيُعْرَفَ، فَيَرُدَّهَا مَنْ وَجَدَهَا. وَفيه تَوَاضُع النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَسْمه بِيَدِهِ. .باب مِنْ فَضَائِلِ بِلاَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: .باب مِنْ فَضَائِلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَأُمِّهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا: 4499- قَوْله: «فَكُنَّا حِينًا وَمَا نَرَى اِبْن مَسْعُود وَأُمّه إِلَّا مِنْ أَهْل بَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كَثْرَة دُخُولهمْ وَلُزُومهمْ لَهُ» أَمَّا قَوْله: «كُنَّا» فَمَعْنَاهُ مَكَثْنَا. وَقَوْله: «حِينًا» أَيْ زَمَانًا. قَالَ الشَّافِعِيّ وَأَصْحَابه وَمُحَقِّقُوا أَهْل وَغَيْرهمْ: الْحِين يَقَعُ عَلَى الْقِطْعَة مِنْ الدَّهْر، طَالَتْ أَمْ قَصُرَتْ. قَوْله: مَا نُرَى بِضَمِّ النُّون أَيْ مَا نَظُنُّ. وَقَوْله: «كَثْرَة» بِفَتْحِ الْكَاف عَلَى الْفَصِيح الْمَشْهُور، وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآن، وَحَكَى الْجَوْهَرِيّ وَغَيْره كَسْرهَا. وَقَوْله: «دُخُولهمْ وَلُزُومهمْ» جَمَعَهُمَا وَهُمَا اِثْنَانِ هُوَ وَأُمّه، لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ يَجُوزُ جَمْعُهُمَا بِالِاتِّفَاقِ، لَكِنَّ الْجُمْهُور يَقُولُونَ: أَقَلُّ الْجَمْعِ ثَلَاثَة، فَجَمْعُ الِاثْنَيْنِ مَجَاز، وَقَالَتْ طَائِفَة: أَقَلُّهُ اِثْنَانِ، فَجَمَعَهُمَا حَقِيقَة. 4502- قَوْله: «عَنْ اِبْن مَسْعُود قَالَ: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْم الْقِيَامَة} ثُمَّ قَالَ: عَلَى قِرَاءَة مَنْ تَأْمُرُونَنِي أَنْ أَقْرَأ إِلَى آخِره» فيه مَحْذُوف، وَهُوَ مُخْتَصَر مِمَّا جَاءَ فِي غَيْر هَذِهِ الرِّوَايَة، مَعْنَاهُ أَنَّ اِبْن مَسْعُود كَانَ مُصْحَفه مُصْحَف الْجُمْهُور، وَكَانَتْ مَصَاحِف أَصْحَابه كَمُصْحَفِهِ، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ النَّاس، وَأَمَرُوهُ بِتَرْكِ مُصْحَفه، وَبِمُوَافَقَةِ مُصْحَف الْجُمْهُور، وَطَالَبُوا مُصْحَفه أَنْ يَحْرُقُوهُ كَمَا فَعَلُوا بِغَيْرِهِ، فَامْتَنَعَ، وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: غُلُّوا مَصَاحِفكُمْ أَيْ اُكْتُمُوهَا، وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْم الْقِيَامَة، يَعْنِي فَإِذَا غَلَلْتُمُوهَا جِئْتُمْ بِهَا يَوْم الْقِيَامَة، وَكَفَى لَكُمْ بِذَلِكَ شَرَفًا ثُمَّ قَالَ عَلَى سَبِيل الْإِنْكَار: وَمَنْ هُوَ الَّذِي تَأْمُرُونَنِي أَنْ آخُذَ بِقِرَاءَتِهِ وَأَتْرُكَ مُصْحَفِي الَّذِي أَخَذْته مِنْ فِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَوْله: «وَلَقَدْ عَلِمَ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي أَعْلَمُهُمْ بِكِتَابِ اللَّه، وَلَوْ أَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا أَعْلَمُ مِنِّي لَرَحَلْت إِلَيْهِ. قَالَ شَقِيق: فَجَلَسْت فِي حَلَق أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا سَمِعْت أَحَدًا يَرُدُّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَلَا يَعِيبُهُ» الْحَلَق بِفَتْحِ الْحَاء وَاللَّام، وَيُقَالُ بِكَسْرِ الْحَاء وَفَتْح اللَّام، قَالَ الْقَاضِي: وَقَالَهَا الْحَرْبِيُّ بِفَتْحِ الْحَاء وَإِسْكَان اللَّام، وَهُوَ جَمْع حَلْقَة بِإِسْكَانِ اللَّام عَلَى الْمَشْهُور، وَحَكَى الْجَوْهَرِيّ وَغَيْره فَتْحهَا أَيْضًا، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ فَتْحهَا ضَعِيف، فَعَلَى قَوْل الْحَرْبِيّ هُوَ كَتَمْرٍ وَتَمْرَةٍ. وَفِي هَذَا الْحَدِيث جَوَاز ذِكْر الْإِنْسَان نَفْسه بِالْفَضِيلَةِ وَالْعِلْم وَنَحْوه لِلْحَاجَةِ، وَأَمَّا النَّهْي عَنْ تَزْكِيَة النَّفْس فَإِنَّمَا هُوَ لِمَنْ زَكَّاهَا وَمَدَحَهَا لِغَيْرِ حَاجَةٍ، بَلْ لِلْفَخْرِ وَالْإِعْجَاب، وَقَدْ كَثُرَتْ تَزْكِيَة النَّفْس مِنْ الْأَمَاثِل عِنْد الْحَاجَة كَدَفْعِ شَرٍّ عَنْهُ بِذَلِكَ، أَوْ تَحْصِيل مَصْلَحَة لِلنَّاسِ، أَوْ تَرْغِيب فِي أَخْذ الْعِلْم عَنْهُ، أَوْ نَحْو ذَلِكَ. فَمِنْ الْمَصْلَحَةِ قَوْل يُوسُف صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {اِجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} وَمِنْ دَفْع الشَّرّ قَوْل عُثْمَان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِي وَقْت حِصَاره أَنَّهُ جَهَّزَ جَيْش الْعُسْرَة، وَحَفَرَ بِئْر رُومَة. وَمِنْ التَّرْغِيب قَوْل اِبْن مَسْعُود هَذَا، وَقَوْل سَهْل بْن سَعْد: مَا بَقِيَ أَحَد أَعْلَم بِذَلِكَ مِنِّي، وَقَوْل غَيْره: عَلَى الْخَبِير سَقَطْت، وَأَشْبَاهه. وَفيه اِسْتِحْبَاب الرِّحْلَة فِي طَلَبِ الْعِلْمِ، وَالذَّهَاب إِلَى الْفُضَلَاء حَيْثُ كَانُوا. وَفيه أَنَّ الصَّحَابَة لَمْ يُنْكِرُوا قَوْل اِبْن مَسْعُود أَنَّهُ أَعْلَمُهُمْ، وَالْمُرَاد أَعْلَمُهُمْ بِكِتَابِ اللَّه كَمَا صَرَّحَ بِهِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ أَعْلَم مِنْ أَبِي بَكْر وَعُمَر وَعُثْمَان وَعَلِيّ وَغَيْرهمْ بِالسُّنَّةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ أَفْضَل مِنْهُمْ عِنْد اللَّه تَعَالَى، فَقَدْ يَكُونُ وَاحِد أَعْلَم مِنْ آخَر بِبَابٍ مِنْ الْعِلْم، أَوْ بِنَوْعٍ، وَالْآخَرُ أَعْلَم مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَة. وَقَدْ يَكُون وَاحِد أَعْلَم مِنْ آخَر، وَذَاكَ أَفْضَل عِنْد اللَّه بِزِيَادَةِ تَقْوَاهُ وَخَشْيَتِهِ وَوَرَعِهِ، وَزُهْدِهِ وَطَهَارَةِ قَلْبِهِ، وَغَيْر ذَلِكَ. وَلَا شَكَّ أَنَّ الْخُلَفَاء الرَّاشِدِينَ الْأَرْبَعَة كُلّ مِنْهُمْ أَفْضَل مِنْ اِبْن مَسْعُود. 4504- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خُذُوا الْقُرْآن مِنْ أَرْبَعَة وَذَكَرَ مِنْهُمْ اِبْن مَسْعُود» قَالَ الْعُلَمَاء: سَبَبه أَنَّ هَؤُلَاءِ أَكْثَر ضَبْطًا لِأَلْفَاظِهِ، وَأَتْقَنُ لِأَدَائِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرهمْ أَفْقَه فِي مَعَانِيه مِنْهُمْ، أَوْ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة تَفَرَّغُوا لِأَخْذِهِ مِنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُشَافَهَة، وَغَيْرهمْ اِقْتَصَرُوا عَلَى أَخْذ بَعْضهمْ مِنْ بَعْضٍ، أَوْ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ تَفَرَّغُوا لِأَنْ يُؤْخَذَ عَنْهُمْ، أَوْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ الْإِعْلَامَ بِمَا يَكُونُ بَعْدَ وَفَاتِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تَقَدُّمِ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة وَتَمَكُّنهمْ، وَأَنَّهُمْ أَقْعَدُ مِنْ غَيْرهمْ فِي ذَلِكَ، فَلْيُؤْخَذْ عَنْهُمْ. 4505- سبق شرحه بالباب. 4506- سبق شرحه بالباب. .باب مِنْ فَضَائِلِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ: قَوْله: (قُلْت لِأَنَسٍ: مَنْ أَبُو زَيْد؟ قَالَ: أَحَد عُمُومَتِي) أَبُو زَيْد هَذَا هُوَ سَعْد بْن عُبَيْد بْن النُّعْمَان الْأَوْسِيّ مِنْ بَنِي عَمْرو بْن عَوْف، بَدْرِيّ يُعْرَفُ بِسَعْدٍ الْقَارِي، اُسْتُشْهِدَ بِالْقَادِسِيَّةِ سَنَة خَمْس عَشْرَة فِي أَوَّل خِلَافَة عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ. قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ: هَذَا هُوَ قَوْل أَهْل الْكُوفَة، وَخَالَفَهُمْ غَيْرهمْ، فَقَالُوا: هُوَ قَيْس بْن السَّكَن الْخَزْرَجِيّ مِنْ بَنِي عَدِيّ بْن النَّجَّار بَدْرِيّ. قَالَ مُوسَى بْن عُقْبَة: اُسْتُشْهِدَ يَوْم جَيْش أَبِي عُبَيْد بِالْعِرَاقِ سَنَة خَمْس عَشْرَة أَيْضًا. 4508- سبق شرحه بالباب. 4509- سبق شرحه بالباب. 4510- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُبِيِّ بْن كَعْب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: «إِنَّ اللَّه أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْك: {لَمْ يَكُنْ الَّذِينَ كَفَرُوا} وَقَالَ: وَسَمَّانِي قَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَبَكَى» وَفِي رِوَايَة: «فَجَعَلَ يَبْكِي». أَمَّا بُكَاؤُهُ فَبُكَاء سُرُور وَاسْتِصْغَار لِنَفْسِهِ عَنْ تَأْهِيله لِهَذِهِ النِّعْمَة وَإِعْطَائِهِ هَذِهِ الْمَنْزِلَة. وَالنِّعْمَة فيها مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدهمَا كَوْنه مَنْصُوصًا عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ، وَلِهَذَا قَالَ: وَسَمَّانِي؟ مَعْنَاهُ نَصَّ عَلَيَّ بِعَيْنِي، أَوْ قَالَ: اِقْرَأْ عَلَى وَاحِد مِنْ أَصْحَابك قَالَا: بَلْ سَمَّاك، فَتَزَايَدَتْ النِّعْمَة. وَالثَّانِي قِرَاءَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَإِنَّهَا مَنْقَبَة عَظِيمَة لَهُ لَمْ يُشَارِكْهُ فيها أَحَدٌ مِنْ النَّاس. وَقِيلَ: إِنَّمَا بَكَى خَوْفًا مِنْ تَقْصِيره فِي شُكْر هَذِهِ النِّعْمَة. وَأَمَّا تَخْصِيص هَذِهِ السُّورَة بِالْقِرَاءَةِ فَلِأَنَّهَا مَعَ وَجَازَتِهَا جَامِعَة لِأُصُولٍ وَقَوَاعِد وَمُهِمَّات عَظِيمَة، وَكَانَ الْحَال يَقْتَضِي الِاخْتِصَار. وَأَمَّا الْحِكْمَة فِي أَمْره بِالْقِرَاءَةِ عَلَى أُبَيّ قَالَ الْمَازِرِيّ، وَالْقَاضِي: هِيَ أَنْ يَتَعَلَّمَ أُبَيّ أَلْفَاظه، وَصِيغَة أَدَائِهِ، وَمَوَاضِع الْوُقُوف، وَصُنْع النَّغَم فِي نَغَمَات الْقُرْآن عَلَى أُسْلُوبٍ أَلِفَهُ الشَّرْع وَقَدَّرَهُ، بِخِلَافِ مَا سِوَاهُ مِنْ النَّغَم الْمُسْتَعْمَل فِي غَيْره وَلِكُلٍّ ضَرْبٌ مِنْ النَّغَم مَخْصُوصٌ فِي النُّفُوس، فَكَانَتْ الْقِرَاءَة عَلَيْهِ لِيَتَعَلَّمَ مِنْهُ. وَقِيلَ: قَرَأَ عَلَيْهِ لِيَسُنَّ عَرْضَ الْقُرْآن عَلَى حُفَّاظِهِ الْبَارِعِينَ فيه، الْمُجِيدِينَ لِأَدَائِهِ، وَلِيَسُنَّ التَّوَاضُعَ فِي أَخْذِ الْإِنْسَانِ الْقُرْآنَ وَغَيْره مِنْ الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة مِنْ أَهْلهَا، وَإِنْ كَانُوا دُونه فِي النَّسَب وَالدِّين وَالْفَضِيلَة وَالْمَرْتَبَة وَالشُّهْرَة وَغَيْر ذَلِكَ، وَلِيُنَبِّهَ النَّاس عَلَى فَضِيلَة أُبَيّ فِي ذَلِكَ، وَيَحُثَّهُمْ عَلَى الْأَخْذ مِنْهُ، وَكَانَ كَذَلِكَ فَكَانَ بَعْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسًا وَإِمَامًا مَقْصُودًا فِي ذَلِكَ مَشْهُورًا بِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. .باب مِنْ فَضَائِلِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: 4512- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اِهْتَزَّ عَرْش الرَّحْمَن لِمَوْتِ سَعْد بْن مُعَاذ» اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي تَأْوِيله، فَقَالَتْ طَائِفَة: هُوَ عَلَى ظَاهِره، وَاهْتِزَاز الْعَرْش تَحَرُّكُهُ فَرَحًا بِقُدُومِ رُوح سَعْد، وَجَعَلَ اللَّه تَعَالَى فِي الْعَرْش تَمْيِيزًا حَصَلَ بِهِ هَذَا، وَلَا مَانِع مِنْهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} وَهَذَا الْقَوْل هُوَ ظَاهِر الْحَدِيث، وَهُوَ الْمُخْتَارُ. وَقَالَ الْمَازِرِيّ: قَالَ بَعْضهمْ: هُوَ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَأَنَّ الْعَرْش تَحَرَّكَ لِمَوْتِهِ. قَالَ: وَهَذَا لَا يُنْكَرُ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ؛ لِأَنَّ الْعَرْش جِسْم مِنْ الْأَجْسَام يَقْبَل الْحَرَكَة وَالسُّكُون. قَالَ: لَكِنْ لَا تَحْصُل فَضِيلَة سَعْد بِذَلِكَ، إِلَّا أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّه تَعَالَى جَعَلَ حَرَكَتَهُ عَلَامَةً لِلْمَلَائِكَةِ عَلَى مَوْته. وَقَالَ آخَرُونَ: الْمُرَاد اِهْتِزَاز أَهْل الْعَرْش، وَهُمْ حَمَلَتُهُ، وَغَيْرهمْ مِنْ الْمَلَائِكَة، فَحَذَفَ الْمُضَاف، وَالْمُرَاد بِالِاهْتِزَازِ الِاسْتِبْشَار وَالْقَبُول، وَمِنْهُ قَوْل الْعَرَب: فُلَان يَهْتَزّ لِلْمَكَارِمِ، لَا يُرِيدُونَ اِضْطِرَاب جِسْمه وَحَرَكَته، وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ اِرْتِيَاحه إِلَيْهَا، وَإِقْبَاله عَلَيْهَا. وَقَالَ الْحَرْبِيُّ: هُوَ كِنَايَة عَنْ تَعْظِيم شَأْن وَفَاته. وَالْعَرَب تَنْسُبُ الشَّيْءَ الْمُعَظَّم إِلَى أَعْظَم الْأَشْيَاء، فَيَقُولُونَ: أَظْلَمَتْ لِمَوْتِ فُلَانٍ الْأَرْضُ، وَقَامَتْ لَهُ الْقِيَامَة. وَقَالَ جَمَاعَةٌ: الْمُرَاد اِهْتِزَاز سَرِير الْجِنَازَة، وَهُوَ النَّعْش، وَهَذَا الْقَوْل بَاطِل، يَرُدُّهُ صَرِيح هَذِهِ الرِّوَايَات الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِم: اِهْتَزَّ لِمَوْتِهِ عَرْش الرَّحْمَن، وَإِنَّمَا قَالَ هَؤُلَاءِ هَذَا التَّأْوِيل لِكَوْنِهِمْ لَمْ تَبْلُغْهُمْ هَذِهِ الرِّوَايَات الَّتِي فِي مُسْلِم. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. 4513- سبق شرحه بالباب. 4514- قَوْله: «فَجَعَلَ أَصْحَابه يَلْمِسُونَهَا» هُوَ بِضَمِّ الْمِيم وَكَسْرهَا. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَمَنَادِيل سَعْد بْن مُعَاذ فِي الْجَنَّة خَيْر مِنْهَا وَأَلْيَن» الْمَنَادِيل جَمْع مِنْدِيل بِكَسْرِ الْمِيم فِي الْمُفْرَد، وَهُوَ هَذَا الَّذِي يُحْمَل فِي الْيَد. قَالَ اِبْن الْأَعْرَابِيّ وَابْن فَارِس وَغَيْرهمَا: هُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ النَّدْل، وَهُوَ النَّقْلُ؛ لِأَنَّهُ يُنْقَلُ مِنْ وَاحِدٍ إِلَى وَاحِدٍ. وَقِيلَ: مِنْ النَّدَل، وَهُوَ الْوَسَخ لِأَنَّهُ يَنْدَلُّ بِهِ. قَالَ أَهْل الْعَرَبِيَّة: يُقَالُ مِنْهُ: تَنَدَّلْت بِالْمِنْدِيلِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَيُقَالُ أَيْضًا تَمَنْدَلْت. قَالَ: وَأَنْكَرَ الْكَسَائِيّ قَالَ: وَيُقَالُ أَيْضًا: تَمَدَّلْت. وَقَالَ الْعُلَمَاء: هَذِهِ إِشَارَةٌ إِلَى عَظِيم مَنْزِلَة سَعْد فِي الْجَنَّة، وَأَنَّ أَدْنَى ثِيَابه فيها خَيْر مِنْ هَذِهِ، لِأَنَّ الْمِنْدِيل أَدْنَى الثِّيَاب، لِأَنَّهُ مُعَدٌّ لِلْوَسَخِ وَالِامْتِهَان، فَغَيْرُهُ أَفْضَلُ. وَفيه إِثْبَات الْجَنَّة لِسَعْدٍ. قَوْله فِي هَذَا الْحَدِيث: «أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُلَّة حَرِير» وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «ثَوْب حَرِير»، وَفِي الْأُخْرَى: «جُبَّة». قَالَ الْقَاضِي: رِوَايَة الْجُبَّة بِالْجِيمِ وَالْبَاء لِأَنَّهُ كَانَ ثَوْبًا وَاحِدًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى وَالْأَكْثَرُونَ يَقُولُونَ: الْحُلَّةُ لَا تَكُون إِلَّا ثَوْبَيْنِ، يَحُلُّ أَحَدهمَا عَلَى الْآخَر، فَلَا يَصِحُّ الْحُلَّةُ هُنَا. وَأَمَّا مَنْ يَقُولُ: الْحُلَّة ثَوْبٌ وَاحِدٌ جَدِيدٌ قَرِيبُ الْعَهْدِ بِحِلِّهِ مِنْ طَيِّهِ، فَيَصِحُّ. وَقَدْ جَاءَ فِي كُتُبِ السِّيَرِ أَنَّهَا كَانَتْ قَبَاء. 4515- وَأَمَّا قَوْله لَهُ: «أَهْدَى أُكَيْدِر دَوْمَة الْجَنْدَل» فَسَبَقَ بَيَان حَال أُكَيْدِر، وَاخْتِلَافهمْ فِي إِسْلَامه وَنَسَبه، وَأَنَّ: «دَوْمَة» بِفَتْحِ الدَّال وَضَمّهَا، وَذَكَرْنَا مَوْضِعهَا فِي كِتَاب الْمَغَازِي، وَسَبَقَ بَيَان أَحْكَام الْحَرِير فِي كِتَاب اللِّبَاس. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. .باب مِنْ فَضَائِلِ أَبِي دُجَانَةَ سِمَاكِ بْنِ خَرَشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: 4516- قَوْله: «فَأَحْجَمَ الْقَوْم» هُوَ بِحَاءٍ ثُمَّ جِيم، هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَم نُسَخ بِلَادنَا، وَفِي بَعْضهَا بِتَقْدِيمِ الْجِيم عَلَى الْحَاء، وَادَّعَى الْقَاضِي عِيَاض أَنَّ الرِّوَايَة بِتَقْدِيمِ الْجِيم، وَلَمْ يَذْكُر غَيْره قَالَ: فَهُمَا لُغَتَانِ، وَمَعْنَاهُمَا تَأَخَّرُوا وَكَفُّوا. قَوْله: «فَفَلَقَ بِهِ هَامَ الْمُشْرِكِينَ» أَيْ شَقَّ رُءُوسَهُمْ. .باب مِنْ فَضَائِلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ وَالِدِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ما: قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَمَا زَالَتْ الْمَلَائِكَة تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رُفِعَ» قَالَ الْقَاضِي: يَحْتَمِلُ أَنَّ ذَلِكَ لِتَزَاحُمِهِمْ عَلَيْهِ لِبِشَارَتِهِ بِفَضْلِ اللَّه، وَرِضَاهُ عَنْهُ، وَمَا أُعِدَّ لَهُ مِنْ الْكَرَامَة. اِزْدَحَمُوا عَلَيْهِ إِكْرَامًا لَهُ، وَفَرَحًا بِهِ، أَوْ أَظَلُّوهُ مِنْ حَرّ الشَّمْس لِئَلَّا يَتَغَيَّرَ رِيحُهُ أَوْ جِسْمُهُ. 4518- قَوْله فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَبْكِيهِ أَوْ لَا تَبْكِيهِ مَا زَالَتْ الْمَلَائِكَة تُظِلُّهُ» مَعْنَاهُ سَوَاء بَكَتْ عَلَيْهِ أَمْ لَا فَمَا زَالَتْ الْمَلَائِكَة تُظِلُّهُ أَيْ فَقَدْ حَصَلَ لَهُ مِنْ الْكَرَامَة هَذَا وَغَيْره، فَلَا يَنْبَغِي الْبُكَاءُ عَلَى مِثْل هَذَا، وَفِي هَذَا تَسْلِيَةٌ لَهَا. قَوْله: (عَنْ عَبْد الْكَرِيم عَنْ مُحَمَّد بْن الْمُنْكَدِر عَنْ جَابِرٍ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع نُسَخِ بِلَادِنَا. قَالَ الْقَاضِي: وَوَقَعَ فِي نُسْخَة اِبْن مَاهَان: عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَلِيّ بْن حُسَيْن عَنْ جَابِر بَدَل مُحَمَّد بْن الْمُنْكَدِر. قَالَ الْجَيَّانِيّ: وَالصَّوَاب الْأَوَّل، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو السُّعُود الدِّمَشْقِيّ. قَوْله: «جِيءَ بِأَبِي مُجَدَّعًا» أَيْ مَقْطُوع الْأَنْف وَالْأُذُنَيْنِ. قَالَ الْخَلِيل: الْجُدْع قَطْع الْأَنْف وَالْأُذُن. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. .باب مِنْ فَضَائِلِ جُلَيْبِيبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: 4519- قَوْله: «كَانَ فِي مَغْزًى لَهُ» أَيْ فِي سَفَر غَزْو. وَفِي حَدِيثه أَنَّ الشَّهِيد لَا يُغَسَّلُ، وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ» مَعْنَاهُ الْمُبَالَغَة فِي اِتِّحَاد طَرِيقَتهمَا، وَاتِّفَاقهمَا فِي طَاعَة اللَّه تَعَالَى. .باب مِنْ فَضَائِلِ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَوْله: «فَقَرَّبْنَا صِرْمَتنَا» هِيَ بِكَسْرِ الصَّاد، وَهِيَ الْقِطْعَة مِنْ الْإِبِل، وَتُطْلَق أَيْضًا عَلَى الْقِطْعَة مِنْ الْغَنَم. قَوْله: «فَنَافَرَ أُنَيْس عَنْ صِرْمَتنَا وَعَنْ مِثْلهَا، فَأَتَيَا الْكَاهِن فَخَيْر أَنِيسًا، فَأَتَانَا أُنَيْس بِصِرْمَتِنَا، وَمِثْلهَا مَعَهَا» قَالَ أَبُو عُبَيْد وَغَيْره فِي شَرْح هَذَا: الْمُنَافَرَة الْمُفَاخَرَة وَالْمُحَاكَمَة، فَيَفْخَرُ كُلُّ وَاحِد مِنْ الرَّجُلَيْنِ عَلَى الْآخَر، ثُمَّ يَتَحَاكَمَانِ إِلَى رَجُل لِيَحْكُم أَيُّهُمَا خَيْر وَأَعَزّ نَفَرًا، وَكَانَتْ هَذِهِ الْمُفَاخَرَة فِي الشِّعْر أَيُّهُمَا أَشْعَرُ كَمَا بَيَّنَهُ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى. وَقَوْله: «نَافَرَ عَنْ صِرْمَتِنَا وَعَنْ مِثْلهَا» مَعْنَاهُ تَرَاهَنَ هُوَ وَآخَرُ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ، وَكَانَ الرَّهْنُ صِرْمَة ذَا، وَصِرْمَة ذَاكَ، فَأَيُّهُمَا كَانَ أَفْضَل أَخْذ الصِّرْمَتَيْنِ، فَتَحَاكَمَا إِلَى الْكَاهِن، فَحَكَمَ بِأَنَّ أُنَيْسًا أَفْضَل، وَهُوَ مَعْنَى قَوْله: فَخَيَّرَ أُنَيْسًا أَيْ جَعَلَهُ الْخِيَار وَالْأَفْضَل. قَوْله: «حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِر اللَّيْل أَلْقَيْت كَأَنَّ خِفَاء» هُوَ بِكَسْرِ الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْفَاء وَبِالْمَدِّ، وَهُوَ الْكِسَاء، وَجَمْعه أَخْفِيَة، كَكِسَاءٍ وَأَكْسِيَةٍ قَالَ الْقَاضِي: وَرَوَاهُ بَعْضهمْ عَنْ اِبْن مَاهَان (جُفَاء) بِجِيمِ مَضْمُومَة، وَهُوَ غُثَاءُ السَّيْل، وَالصَّوَاب الْمَعْرُوف هُوَ الْأَوَّل. قَوْله: «فَرَاثَ عَلَيَّ» أَيْ أَبْطَأَ. قَوْله: «أَقْرَاء الشِّعْر» أَيْ طُرُقه وَأَنْوَاعه، وَهِيَ بِالْقَافِ وَالرَّاء وَبِالْمَدِّ. قَوْله: «أَتَيْت مَكَّة فَتَضَعَّفْت رَجُلًا مِنْهُمْ» يَعْنِي نَظَرْت إِلَى أَضْعَفِهِمْ فَسَأَلْته، لِأَنَّ الضَّعِيفَ مَأْمُون الْغَائِلَة غَالِبًا. وَفِي رِوَايَة اِبْن مَاهَان: «فَتَضَيَّفْت» بِالْيَاءِ، وَأَنْكَرَهَا الْقَاضِي وَغَيْره. قَالُوا: لَا وَجْه لَهُ هُنَا. قَوْله: «كَأَنِّي نُصُب أَحْمَر» يَعْنِي مِنْ كَثْرَة الدِّمَاء الَّتِي سَالَتْ فِي بَصَرِهِمْ وَالنُّصُب الصَّنَم. وَالْحَجَر كَانَتْ الْجَاهِلِيَّة تَنْصِبُهُ وَتَذْبَحُ عِنْده، فَيَحْمَرُّ بِالدَّمِ، وَهُوَ بِضَمِّ الصَّاد وَإِسْكَانهَا، وَجَمْعُهُ أَنْصَاب، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُب}. قَوْله: «حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَن بَطْنِي» يَعْنِي اِنْثَنَتْ لِكَثْرَةِ السِّمَن وَانْطَوَتْ. قَوْله: «وَمَا وَجَدْت عَلَى كَبِدِي سُخْفَة جُوع» هِيَ بِفَتْحِ السِّين الْمُهْمَلَة وَضَمّهَا وَإِسْكَان الْخَاء الْمُعْجَمَة، وَهِيَ رِقَّةُ الْجُوعِ وَضَعْفه وَهُزَاله. قَوْله: «فَبَيْنَمَا أَهْل مَكَّة فِي لَيْلَة قَمْرَاء إِضْحِيَان إِذْ ضُرِبَ عَلَى أَسْمِخَتِهُمْ، فَمَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ أَحَد، وَامْرَأَتَيْنِ مِنْهُمْ تَدْعُوَانِ إِسَافًا وَنَائِلَة» أَمَّا قَوْله: «قَمْرَاء» فَمَعْنَاهُ مُقْمِرَةٌ طَالِعٌ قَمَرُهَا، وَالْإِضْحِيَان بِكَسْرِ الْهَمْزَة وَالْحَاء وَإِسْكَان الضَّاد الْمُعْجَمَة بَيْنهمَا وَهِيَ الْمُضِيئَة، وَيُقَال: لَيْلَة إِضْحِيَان وَإِضْحِيَانَة وَضَحْيَاء وَيَوْم ضَحْيَان. وَقَوْله: «عَلَى أَسْمِخَتِهُمْ» هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع النُّسَخ، وَهُوَ جَمْع سِمَاخ، وَهُوَ الْخَرْقُ الَّذِي فِي الْأُذُن يُفْضِي إِلَى الرَّأْس، يُقَالُ: صِمَاخ بِالصَّادِ، وَسِمَاخ بِالسِّينِ، الصَّاد أَفْصَح وَأَشْهَر، وَالْمُرَاد بِأَصْمِخَتِهِمْ هُنَا آذَانهمْ أَيْ نَامُوا، قَالَ اللَّه تَعَالَى: {فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ} أَيْ أَنَمْنَاهُمْ. قَوْله: «وَامْرَأَتَيْنِ» هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَم النُّسَخ بِالْيَاءِ، وَفِي بَعْضهَا: «وَامْرَأَتَانِ» بِالْأَلْفِ، وَالْأَوَّل مَنْصُوب بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَرَأَيْت اِمْرَأَتَيْنِ. قَوْله: «فَمَا تَنَاهَتَا عَنْ قَوْلهمَا» أَيْ مَا اِنْتَهَيْنَا عَنْ قَوْلهمَا، بَلْ دَامَتَا عَلَيْهِ. وَوَقَعَ فِي أَكْثَر النُّسَخ: «فَمَا تَنَاهَتَا عَلَى قَوْلهمَا» وَهُوَ صَحِيحٌ أَيْضًا، وَتَقْدِيره مَا تَنَاهَتَا مِنْ الدَّوَام عَلَى قَوْلهمَا. قَوْله: «فَقُلْت: هُنَّ مِثْل الْخَشَبَة غَيْر أَنِّي لَا أُكَنِّي» الْهَنَ وَالْهَنَة بِتَخْفِيفِ نُونهمَا هُوَ كِنَايَة عَنْ كُلّ شَيْء، وَأَكْثَر مَا يُسْتَعْمَلُ كِنَايَة عَنْ الْفَرْج وَالذَّكَر. فَقَالَ لَهُمَا: وَمَثَّلَ الْخَشَبَة بِالْفَرْجِ، وَأَرَادَ بِذَلِكَ سَبَّ إِسَاف وَنَائِلَة وَغَيْظ الْكُفَّار بِذَلِكَ. قَوْله: «فَانْطَلَقَتَا تُوَلْوِلَانِ، وَتَقُولَانِ: لَوْ كَانَ هَاهُنَا أَحَد مِنْ أَنْفَارنَا» الْوَلْوَلَة الدُّعَاء بِالْوَيْلِ. وَالْأَنْفَار جَمْع نَفَر أَوْ نَفِير، وَهُوَ الَّذِي يَنْفِرُ عِنْد الِاسْتِغَاثَة. وَرَوَاهُ بَعْضهمْ: أَنْصَارنَا، وَهُوَ بِمَعْنَاهُ، وَتَقْدِيره لَوْ كَانَ هُنَا أَحَد مِنْ أَنْصَارنَا لَانْتَصَرَ لَنَا. قَوْله: «كَلِمَة تَمْلَأ الْفَم» أَيْ عَظِيمَة لَا شَيْء أَقْبَح مِنْهَا كَالشَّيْءِ الَّذِي يَمْلَأ الشَّيْء وَلَا يَسَعُ غَيْرُهُ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَا يُمْكِنُ ذِكْرُهَا وَحِكَايَتهَا، كَأَنَّهَا تَسُدُّ فَمَ حَاكِيهَا وَتَمْلَؤُهُ لِاسْتِعْظَامِهَا. قَوْله: «فَكُنْت أَوَّل مَنْ حَيَّاهُ بِتَحِيَّةِ الْإِسْلَام، فَقَالَ: وَعَلَيْك وَرَحْمَة اللَّه» هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع النُّسَخ: «وَعَلَيْك» مِنْ غَيْر ذِكْر السَّلَام، وَفيه: دَلَالَةٌ لِأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِنَا أَنَّهُ إِذَا قَالَ فِي رَدِّ السَّلَام: وَعَلَيْك يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ الْعَطْف يَقْتَضِي كَوْنه جَوَابًا، وَالْمَشْهُور مِنْ أَحْوَاله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَحْوَال السَّلَف رَدّ السَّلَام بِكَمَالِهِ، فَيَقُول: وَعَلَيْكُمْ السَّلَام وَرَحْمَة اللَّه أَوْ رَحْمَته وَبَرَكَاته، وَسَبَقَ إِيضَاحه فِي بَابه. قَوْله: «فَقَدَعَنِي صَاحِبه» أَيْ كَفَّنِي. يُقَالُ: قَدَعَهُ وَأَقْدَعَهُ إِذَا كَفَّهُ وَمَنَعَهُ، وَهُوَ بِدَالٍ مُهْمَلَة. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زَمْزَم: «إِنَّهَا طَعَام طُعْم» هُوَ بِضَمِّ الطَّاء وَإِسْكَان الْعَيْن أَيْ تُشْبِعُ شَارِبهَا كَمَا يُشْبِعُهُ الطَّعَام. قَوْله: «غَبَرَتْ مَا غَبَرَتْ» أَيْ بَقِيَتْ مَا بَقِيَتْ. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ قَدْ وُجِّهَتْ لِي أَرْض» أَيْ رَأَيْت جِهَتهَا. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا أُرَاهَا إِلَّا يَثْرِب» ضَبَطُوهُ (أُرَاهَا) بِضَمِّ الْهَمْزَة وَفَتْحهَا، وَهَذَا كَانَ قَبْل تَسْمِيَة الْمَدِينَة (طَابَة وَطَيْبَة)، وَقَدْ جَاءَ بَعْد ذَلِكَ حَدِيث فِي النَّهْي عَنْ تَسْمِيَتهَا (يَثْرِب)، أَوْ أَنَّهُ سَمَّاهَا بِاسْمِهَا الْمَعْرُوف عِنْد النَّاس حِينَئِذٍ. قَوْله: «مَا بِي رَغْبَة عَنْ دِينِكُمَا» أَيْ لَا أَكْرَههُ بَلْ أَدْخُلُ فيه. قَوْله: «فَاحْتَمَلْنَا» يَعْنِي حَمَلْنَا أَنْفُسنَا وَمَتَاعنَا عَلَى إِبِلنَا وَسِرْنَا. قَوْله: (أَيْمَاء بْن رَحَضَة الْغِفَارِيُّ) قَوْله: (أَيْمَاء) مَمْدُود، وَالْهَمْزَة فِي أَوَّله مَكْسُورَة عَلَى الْمَشْهُور وَحَكَى الْقَاضِي فَتْحهَا أَيْضًا، وَأَشَارَ إِلَى تَرْجِيحه، وَلَيْسَ بِرَاجِحٍ. و(رَحَضَة) بِرَاءٍ وَحَاءٍ مُهْمَلَة وَضَاد مُعْجَمَة مَفْتُوحَات. قَوْله: (شَنِفُوا لَهُ وَتَجَهَّمُوا) هُوَ بِشِينٍ مُعْجَمَة مَفْتُوحَة ثُمَّ نُون مَكْسُورَة ثُمَّ فَاء أَيْ أَبْغَضُوهُ، وَيُقَالُ: رَجُل شَنِف مِثَال حَذِر أَيْ شَانِئ مُبْغِض. وَقَوْله: (تَجَهَّمُوا) أَيْ قَابَلُوهُ بِوُجُوهٍ غَلِيظَة كَرِيهَة. قَوْله: (فَأَيْنَ كُنْت تَوَجَّهَ) هُوَ بِفَتْحِ التَّاء وَالْجِيم، وَفِي بَعْض النُّسَخ (تُوَجِّه) بِضَمِّ التَّاء وَكَسْر الْجِيم، وَكِلَاهُمَا صَحِيح. قَوْله: «فَتَنَافَرَا إِلَى رَجُل مِنْ الْكُهَّان» أَيْ تَحَاكَمَا إِلَيْهِ. قَوْله: «أَتْحِفْنِي بِضِيَافَتِهِ» أَيْ خُصَّنِي بِهَا، وَأَكْرِمْنِي بِذَلِكَ. قَالَ أَهْل اللُّغَة: التُّحْفَة بِإِسْكَانِ الْحَاء وَفَتْحهَا هُوَ مَا يُكْرَمُ بِهِ الْإِنْسَان، وَالْفِعْلُ مِنْهُ أَتْحَفَهُ. 4521- قَوْله: (إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن عَرْعَرَة السَّامِيّ) هُوَ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَة مَنْسُوبٌ إِلَى أُسَامَة بْن لُؤَيّ، وَعَرْعَرَة بِعَيْنَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ بَيْنهمَا رَاء سَاكِنَة. قَوْله: «فَانْطَلَقَ الْآخَر حَتَّى قَدَمَ مَكَّة» هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَر النُّسَخ، وَفِي بَعْضهَا (الْأَخ) بَدَل الْآخَر، وَهُوَ هُوَ، فَكِلَاهُمَا صَحِيح. قَوْله: «مَا شَفَيْتنِي فِيمَا أَرَدْت» كَذَا فِي جَمِيع نُسَخ مُسْلِم (فِيمَا) بِالْفَاءِ، وَفِي رِوَايَة الْبُخَارِيّ (مِمَّا) بِالْمِيمِ، وَهُوَ أَجْوَدُ، أَيْ مَا بَلَّغْتنِي غَرَضِي، وَأَزَلْت عَنِّي هَمَّ كَشْف هَذَا الْأَمْر. قَوْله: «وَحَمَلَ شَنَّة» هِيَ بِفَتْحِ الشِّين، وَهِيَ الْقِرْبَة الْبَالِيَة. قَوْله: «فَرَآهُ عَلِيّ فَعَرَفَ أَنَّهُ غَرِيب فَلَمَّا رَآهُ تَبِعَهُ» كَذَا هُوَ فِي جَمِيع نُسَخ مُسْلِم: «تَبِعَهُ»، وَفِي رِوَايَة الْبُخَارِيّ: «أَتْبَعُهُ». قَالَ الْقَاضِي: هِيَ أَحْسَنُ وَأَشْبَهُ بِمَسَاقِ الْكَلَام، وَتَكُون بِإِسْكَانِ التَّاء أَيْ قَالَ لَهُ: اِتْبَعْنِي. قَوْله: «اِحْتَمَلَ قُرَيْبَتَهُ» بِضَمِّ الْقَاف عَلَى التَّصْغِير، وَفِي بَعْض النُّسَخ: «قِرْبَته» بِالتَّكْبِيرِ، وَهِيَ الشَّنَّة الْمَذْكُورَة قَبْله. قَوْله: «مَا آنَ لِلرَّجُلِ» وَفِي بَعْض النُّسَخ: «آنَ»، وَهُمَا لُغَتَانِ. أَيْ مَا حَانَ؟ وَفِي بَعْض النُّسَخ: «أَمَا» بِزِيَادَةِ أَلْف الِاسْتِفْهَام، وَهِيَ مُرَادَة فِي الرِّوَايَة الْأُولَى، وَلَكِنْ حُذِفَتْ، وَهُوَ جَائِز. قَوْله: «فَانْطَلَقَ يَقْفُوهُ» أَيْ يَتْبَعُهُ. قَوْله: «لَأَصْرُخَنَّ بِهَا بَيْن ظَهْرَانِيهِمْ» هُوَ بِضَمِّ الرَّاء مِنْ لَأَصْرُخَنَّ أَيْ لَأَرْفَعَنَّ صَوْتِي بِهَا. وَقَوْله: «بَيْن ظَهْرَانِيهِمْ»، وَهُوَ بِفَتْحِ النُّون، وَيُقَال: بَيْن ظَهْرَيْهِمْ.
|