الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: في ظلال القرآن (نسخة منقحة)
{ولا تخزني يوم يبعثون يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم}.. ونستشف من قولة إبراهيم عليه السلام: {ولا تخزني يوم يبعثون} مدى شعوره بهول اليوم الآخر؛ ومدى حيائه من ربه، وخشيته من الخزي أمامه، وخوفه من تقصيره.وهو النبي الكريم. كما نستشف من قوله: {يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم}. مدى إدراكه لحقيقة ذلك اليوم. وإدراكه كذلك لحقيقة القيم. فليست هنالك من قيمة في يوم الحساب إلا قيمة الإخلاص. إخلاص القلب كله لله، وتجرده من كل شائبة، ومن كل مرض، ومن كل غرض، وصفائه من الشهوات والانحرافات. وخلوه من التعلق بغير الله. فهذه سلامته التي تجعل له قيمة ووزناً {يوم لا ينفع مال ولا بنون}؛ ولا ينفع شيء من هذه القيم الزائلة الباطلة، التي يتكالب عليها المتكالبون في الأرض؛ وهي لا تزن شيئاً في الميزان الأخير!وهنا يرد مشهد من مشاهد القيامة يرسم ذلك اليوم الذي يتقيه إبراهيم؛ فكأنما هو حاضر، ينظر إليه ويراه، وهو يتوجه لربه بذلك الدعاء الخاشع المنيب:{وأزلفت الجنة للمتقين وبرزت الجحيم للغاوين وقيل لهم أين ما كنتم تعبدون من دون الله هل ينصرونكم أو ينتصرون فكبكبوا فيها هم والغاوون وجنود إبليس أجمعون قالوا وهم فيها يختصمون تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين وما أضلنا إلا المجرمون فما لنا من شافعين ولا صديق حميم فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين}.لقد قربت الجنة وعرضت للمتقين، الذين كانوا من عذاب ربهم مشفقين. ولقد كشفت الجحيم وأبرزت للغاوين، الذين ضلوا الطريق وكذبوا بيوم الدين، وإنهم لعلى مشهد من الجحيم يقفون. حيث يسمعون التقريع والتأنيب، قبل أن يكبكبوا في الجحيم.. إنهم يسألون عما كانوا يعبدون من دون الله وذلك تساوق مع قصة إبراهيم وقومه وما كان بينه وبينهم من حوار عما كانوا يعبدون إنهم ليسألون اليوم: {أين ما كنتم تعبدون من دون الله} أين هم {هل ينصرونكم أو ينتصرون} ثم لا يسمع منهم جواب، ولا ينتظر منهم جواب. إنما هو سؤال لمجرد التقريع والتأنيب {فكبكبوا فيها هم والغاوون وجنود إبليس أجمعون}.. كبكبوا.. وإننا لنكاد نسمع من جرس اللفظ صوت تدفعهم وتكفئهم وتساقطهم بلا عناية ولا نظام، وصوت الكركبة الناشئ من الكبكبة، كما ينهار الجرف فتتبعه الجروف. فهو لفظ مصور بجرسه لمعناه. وإنهم لغاوون ضالون، وقد كبكب معهم جميع الغاوون. هم {وجنود إبليس أجمعون}. والجميع جنود إبليس. فهو تعميم شامل بعد تخصيص.ثم نستمع إليهم في الجحيم.. إنهم يقولون لآلهتهم من الأصنام: {تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين} فنعبدكم عبادته. إما معه وإما من دونه. الآن يقولونها بعد فوات الأوان! وهم يلقون التبعة على المجرمين منهم، الذين أضلوهم وصدوهم عن الهدى. ثم يفيقون فيعلمون أن الأوان قد فات، وأنه لا جدوى من توزيع التبعات: {فما لنا من شافعين ولا صديق حميم} فلا آلهة تشفع، ولا صداقات تنفع.
|